شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى عشرة
وتسعمائة
فيها كما قال في «النّور السافر» [1] حصل بمدينة زبيد وسائر جهاتها ريح
شديدة اقتلعت أشجارا كثيرة، وكسرتها وهدمت بعض البيوت.
وفيها توفي بامخرمة أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني [2] .
ولد بعدن بعد وقت طلوع فجر يوم الأربعاء أول يوم من صفر سنة ست وستين
وثمانمائة. وأخذ عن والده، وبرع في الفقه وغيره من العلوم لا سيما
الفرائض والحساب، فإنه لم يكن له فيهما نظير حتى إن والده مع تمكّنه من
هذين الفنّين. كان يقول: هو أمهر مني فيهما. وكان يحفظ جامع المختصرات
في الفقه.
وممن أخذ عنه من الأئمة الأعيان الفقيه العلّامة محمد بن عمر باقضام
وانتفع به كثيرا.
توفي عشية الجمعة عاشر جمادى الآخرة.
وفيها قاضي القضاة شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمود بن عبد الله
بن محمود الشهير بابن الفرفور [3] الدمشقي الشافعي.
ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. وأخذ عن البرهان
الباعوني، وأبي الفرج بن الشيخ خليل، والنّجم بن قاضي عجلون، والشّمس
محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين، وغيرهم وفضل [4] وبرع
وتميّز على أقرانه، وكان جامعا بين العلم والرئاسة، والكرم وحسن
العشرة، بحيث إن الحمصي قال: إنه ختام رؤساء الدنيا على الإطلاق وسلطان
الفقهاء والرؤساء.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (60) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (60) .
[3] تقدمت الاشارة إلى مصادره قبل صفحتين.
[4] ليست اللفظة في «ط» .
(10/71)
ولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع له
بينه وبين قضاء مصر، يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة،
وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي
الدّين، واستمرت عليه هاتان الوظيفتان إلى أن مات.
وكان له شعر متوسط، منه قصيدته التي مدح بها سلطان مصر الأشرف قانصوه
الغوري التي مطلعها [1] :
لك الملك بالفتح المبين مخلّد ... لأنّك بالنصر العزيز مؤيّد
وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ... هو الأشرف الغوريّ وهو المسدّد
تملّكته والسيف كاللّحظ هاجع ... بأجفانه والرمح هاد ممدّد
وهي طويلة [2] . فلما وقف عليها السلطان الغوري ابتهج بها، وقرأها
بنفسه على من حضر، وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهّزها إليه مطلعها [3]
:
أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ... مديحا به أثني عليه وأحمد
ومنها:
وقاضي قضاة الشّام جاء يزورنا ... ويثبت دعوى حبّنا ويؤكد
وهي طويلة [4] أيضا، وأقرب إلى الحسن من الأولى ومدح المترجم علاء
الدّين بن مليك وغيره.
وتوفي بالقاهرة في سابع جمادى الآخرة.
قال الحمصي: شرع في وضوء صلاة الصبح فتوفي، وهو يتوضأ، وكان مستسقيا،
وحمل تابوته الأمراء وكانت جنازته حافلة ودفن بالقرافة بالقرب من
الإمام الشافعي رضي الله عنه.
__________
[1] الأبيات في «الكواكب السائرة» (141) .
[2] وتقع في (47) بيتا أوردها النجم الغزّي في «كواكبه» (1/ 142- 143)
.
[3] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 143) .
[4] وقد بلغت (33) بيتا في «الكواكب السائرة» (1/ 143- 145) .
(10/72)
وفيها أم الهنا [1] بنت محمد الشيخة
المباركة الصالحة بنت القاضي ناصر الدين البدراني المصرية.
قال الحمصي: كانت فاضلة، ولها رواية في الحديث.
وتوفيت بالقاهرة في ثامن جمادى الأولى.
وفيها نور الدّين [2] أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدّين عبد الله بن
أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين
أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي الطاهر بن الحسن بن أحمد
بن محمد بن الحسن بن محمد بن حسن بن محمد بن إسحاق بن محمد بن سليمان
بن داود بن الحسن المثنّى بن الحسن الأكبر بن علي بن أبي طالب الحسني،
ويعرف بالسّمهودي، نزيل المدينة المنورة، وعالمها ومفتيها ومدرّسها
ومؤرّخها، الشافعي الإمام القدوة الحجة المفنّن.
ولد في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود، ونشأ بها، وحفظ القرآن،
و «المنهاج الفرعي» وكتبا، ولازم والده، حتى قرأه عليه بحثا مع شرحه
للمحلّي، وشرح «البهجة» و «جمع الجوامع» وغالب «ألفية ابن مالك» وسمع
عليه بعض كتب الحديث، وقدم القاهرة معه غير مرة، ولازم الشمس الجوجري
في الفقه، وأصوله، والعربية، وقرأ على الجلال المحلّي بعض شرحيه على
«المنهاج» و «جمع الجوامع» ولازم الشرف المناوي، وقرأ عليه الكثير،
وألبسه خرقة التصوف، وقرأ على النّجم بن قاضي عجلون تصحيحه ل «المنهاج»
، وعلى الشمس البامي «تقاسيم المنهاج» وغيره، وعلى الشيخ زكريا في
الفقه والفرائض، وعلى السعد الدّيري، وأذن له في التدريس هو واليامي
والجوجري. وقرأ على من لا يحصى ما لا يحصى.
قال السّخاوي: وسمع مني مصنفي «الابتهاج» وغيره، وكان على خير كثير،
وقطن بالمدينة المنورة من سنة ثلاث وسبعين، ولازم فيها الشّهاب
الإبشيطي، وقرأ
__________
[1] ترجمتها في «الكواكب السائرة» (1/ 163) ، و «أعلام النساء» (5/
215) .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (5/ 245- 248) و «النور السافر» (58) و
«البدر الطالع» (1/ 470- 471) ، و «معجم المؤلفين» (7/ 129- 130) .
(10/73)
عليه تصانيفه وغيرها، وأذن له في التدريس
وأكثر من السماع هناك على أبي الفرج المراغي، وسمع بمكة من كمالية بنت
النّجم المرجاني، وشقيقها الكمال، والنّجم عمر بن فهد في آخرين. وانتفع
به جماعة الطلبة في الحرمين.
وألّف عدة تآليف منها «جواهر العقدين في فضل الشرفين» ، و «اقتفاء
الوفا بأخبار دار المصطفى» [1] ، احترق قبل تمامه، و «مختصر الوفا» و
«مختصره [2] خلاصة الوفا لما يجب لحضرة المصطفى» [3] وحاشية على
«الإيضاح في مناسك الحج» للإمام النووي سمّاها «الإفصاح» وكذا على
«الروضة» وسمّاها «أمنية المعتنين بروضة الطّالبين» وصل فيها إلى باب
الرّبا، وجمع فتاويه في مجلد، وهي مفيدة جدا وحصّل كتبا نفيسة، احترقت
كلّها، وهو بمكة في سنة ست وثمانين.
وزار بيت المقدس، وعاد إلى المدينة مستوطنا، وتزوج بها عدة زوجات، ثم
اقتصر على السّراري، وملك الدّور وعمرها.
قال السخاوي: قلّ أن يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليها.
وبالجملة فهو إمام مفنّن متميز في الأصلين والفقه، مديم العلم والجمع
والتأليف، متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة، طلق
العبارة، مع قوة يقين، وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه. انتهى وتوفي
بالمدينة النبوية يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة.
وفيها الحافظ جلال الدّين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن
سابق [4] الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن
الشيخ همام الدّين الخضيري السّيوطي [5] الشافعي المسند المحقّق
المدقّق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة.
ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة،
__________
[1] ويعرف ب «وفاء الوفا» وهو مطبوع بمصر قديما.
[2] في «ط» : «ومختصر» .
[3] ويعرف ب «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» وهو مطبوع من دون تحقيق.
[4] في «ط» : «ساق» وهو تحريف.
[5] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 65- 70) و «الكواكب السائرة» (1/
226- 231) و «متعة الأذهان»
(10/74)
وعرض محافيظه على العزّ الكناني الحنبلي
فقال له: ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي فقال: «أبو الفضل» وكتبه بخطّه.
وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، وقد وصل في القرآن إذ
ذاك إلى سورة التّحريم، وأسند وصايته إلى جماعة، منهم الكمال بن
الهمام، فقرّره في وظيفة الشيخونية، ولحظه بنظره، وختم القرآن العظيم،
وله من العمر دون ثمان سنين، ثم حفظ «عمدة الأحكام» ، و «منهاج النووي»
، و «ألفية ابن مالك» ، و «منهاج البيضاوي» ، وعرض ذلك على علماء عصره
وأجازوه، وأخذ عن الجلال المحليّ، والزّين العقبي، وأحضره والده مجلس
الحافظ ابن حجر، وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة
أربع وستين وثمانمائة، فقرأ على الشمس السّيرامي «صحيح مسلم» إلّا
قليلا منه، و «الشفا» و «ألفية ابن مالك» ، فما أتمّها إلّا وقد صنّف.
وأجازه بالعربية، وقرأ عليه قطعة من «التسهيل» ، وسمع عليه الكثير من
ابن المصنّف، و «التوضيح» و «شرح الشذور» و «المغني في أصول فقه
الحنفية» ، و «شرح العقائد» للتفتازاني، وقرأ على الشّمس المرزباني
الحنفي «الكافية» وشرحها للمصنّف، و «مقدمة ايساغوجي [1] » وشرحها
للكاتي، وسمع عليه من «المتوسط» و «الشافية» وشرحها للجاربردي، ومن
«ألفية العراقي» ولزمه حتى مات سنة سبع وستين، وقرأ في الفرائض والحساب
على علّامة زمانه الشّهاب الشّارمساحي، ثم دروس العلم البلقيني من شوال
سنة خمس وستين، فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة، ولزم أيضا الشّرف المناوي
إلى أن مات، وقرأ عليه ما لا يحصى، ولزم دروس محقّق الديار المصرية سيف
الدّين محمد بن محمد الحنفي، ودروس العلّامة التّقي الشّمنّي، ودروس
الكافيجي، وقرأ على العزّ الكناني، وفي الميقات على مجد الدّين ابن
السّباع، والعزّ بن محمد الميقاتي،
__________
الورقة (44) و «النور السافر» (54) و «مفاكهة الخلان» (1/ 294) و
«البدر الطالع» (1/ 328- 335) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 62) و
«الأعلام» (3/ 301- 302) و «معجم المؤلفين» (5/ 128- 131) .
[1] ايساغوجي: لفظ يوناني معناه الكليات الخمس، أي الجنس، والنوع،
والفصل، والخاصة، والعرض العام. انظر «كشف الظنون» (1/ 206) .
(10/75)
وفي الطّب على محمد بن إبراهيم الدواني لما
قدم القاهرة من الرّوم، وقرأ على التّقي الحصكفي، والشّمس البابي
وغيرهم وأجيز بالإفتاء والتدريس.
وقد ذكر تلميذه الداوودي في ترجمته أسماء شيوخه إجازة وقراءة وسماعا
مرتّبين على حروف المعجم، فبلغت عدّتهم أحدا وخمسين نفسا. واستقصى أيضا
مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النّافعة المتقنة المحرّرة
المعتمدة المعتبرة، فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف [1] ، وشهرتها تغني
عن ذكرها، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا
وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتّى قال تلميذه الداوودي: عاينت الشيخ
وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا، وكان مع ذلك يملي
الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة.
وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا
واستنباطا للأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث. قال:
ولو وجدت أكثر لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من
ذلك.
ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى
والاشتغال به صرفا والإعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم،
وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلّف
سمّاه ب «التنفيس» . وأقام في روضة المقياس فلم يتحوّل منها إلى أن
مات، ولم يفتح طاقات بيته التي على النّيل من سكناه. وكان الأمراء
والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه الأموال النّفيسة فيردّها،
وأهدى إليه الغوري خصيا وألف دينار، فردّ الألف، وأخذ الخصي، فأعتقه
وجعله خادما في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا
بهدية قط فإنّ الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وطلبه السلطان مرارا فلم
يحضر إليه.
__________
[1] قلت: وقد صنّف في تعداد مؤلفاته مصنف خاص طبع في الكويت. باسم
«دليل مخطوطات السّيوطي وأماكن وجودها» صنّفه الأستاذان أحمد الخازندار
ومحمد إبراهيم الشيباني وقد بلغت عدة مؤلفاته فيه (981) مؤلفا.
(10/76)
ورؤي النبيّ صلّى الله عليه وسلم في
المنام، والشيخ السّيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبيّ صلّى الله عليه
وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» [1] . ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا،
والنبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول له: «هات يا شيخ الحديث» .
وذكر الشيخ عبد القادر الشّاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول: رأيت
النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقظة فقال لي: «يا شيخ الحديث» . فقلت له:
يا رسول! الله أمن أهل الجنّة أنا؟ قال: «نعم» ، فقلت: من غير عذاب
يسبق. فقال: «لك ذلك» .
وقال الشيخ عبد القادر: قلت له كم: رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلم
يقظة؟ فقال: بضعا وسبعين مرة.
وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن علي الحباك: أن الشيخ قال له يوما،
وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة:
أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك عليّ حتى أموت. قال: فقلت:
نعم قال:
فأخذ بيدي وقال غمّض عينيك فغمّضتهما فرمى [2] بي نحو سبع وعشرين خطوة.
ثم قال لي: افتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلاة [3] فزرنا أمّنا خديجة
والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من
ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام، حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من زمزم،
ثم قال لي:
يا فلان ليس العجب من طي الأرض لنا وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر
المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي: إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى
يأتي الحاج قال فقلت: أذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلاة [3] وقال
لي: غمّض عينيك، فغمضتهما، فهرول بي سبع خطوات. ثم قال لي: افتح عينيك،
فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض.
وذكر الشعراوي عن الشيخ أمين الدّين النجار إمام جامع الغمري، أن الشيخ
أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت، وأنه يدخلها في افتتاح سنة
ثلاث
__________
[1] في «ط» : «يا شيخ السّنّة» .
[2] كذا في «آ» : «فرمى» وفي «ط» : «فرحل» .
[3] «آ» : «المعلا» .
(10/77)
وعشرين وتسعمائة، وأخبره أيضا بأمور أخرى،
فكان الأمر كما قال.
ومناقبه لا تحصر كثرة، ولو لم يكن له من الكرامات إلّا كثرة المؤلفات
مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة.
وله شعر كثير، جيده كثير، ومتوسطه أكثر، وغالبه في الفوائد العلمية
والأحكام الشرعية، فمنه [1] وأجاد فيه [2] :
فوّض أحاديث الصّفا ... ت ولا تشبّه أو تعطّل
إن [3] رمت إلّا الخوض في ... تحقيق معظله فأوّل
إنّ المفوّض سالم ... مما تكلّفه المؤوّل
وقال [4] :
حدّثنا شيخنا الكناني ... عن أبه صاحب الخطابة
أسرع أخا العلم في ثلاث ... الأكل والمشي والكتابة
وقال [4] :
أيّها السائل قوما ... ما لهم في الخير مذهب
اترك الناس جميعا ... وإلى ربّك فارغب
وقال [5] :
عاب الاملاء للحديث رجال ... قد سعوا في الضّلال سعيا حثيثا
إنّما ينكر الأمالي قوم ... لا يكادون يفقهون حديثا
وقال [5] :
لم لا نرجي العفو من ربّنا ... وكيف لا نطمع في حلمه
وفي الصحيحين أتى إنّه ... بعبده أرحم من أمّه
وتوفي في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى في منزله بروضة
__________
[1] في «ط» : «فمه» وهو تحريف.
[2] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 229) .
[3] في «ط» : «إلا» .
[4] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 229) .
[5] البيتان في «الكواكب السائرة» (1/ 230) .
(10/78)
المقياس بعد أن تمرّض سبعة أيام بورم شديد
في ذراعه الأيسر عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما، ودفن
في حوش قوصون خارج باب القرافة.
وفيها علاء الدّين علي بن أحمد الإمام العلّامة الحنفي [1] نقيب أشراف
دمشق.
كان عالما مفننا ذكيا بارعا في العلوم العقلية والنقلية.
توفي يوم الاثنين سادس عشري ذي القعدة.
وفيها الشيخ العارف بالله تعالى الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني الشافعي
[2] .
قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات بسبب أنه تزوج بامرأة خنثى واضح،
ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها فلم
تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة الأمير طرباي واشتكى عليهما فأحضرهما،
وضربهما بالمقارع، وجرّسهما على ثورين وأشهرهما في القاهرة، فما وصل
إلى باب المقشرة حتى مات ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال:
وتأسّف الناس عليه كثيرا، وكان موته في حادي عشر شهر رمضان رحمه الله
تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أبي بكر الشيخ العلّامة الموقت
التّيزيني الدّمشقي الحنفي [3] .
ولد في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة وحسن تصرف،
وكان رئيس الموقّتين بالجامع الأموي.
وتوفي يوم السبت ثالث صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن مصطفى بن الحاج حسن [4] ، المولى الفاضل
الرّومي الحنفي.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] ترجمته في «مفاكهة الخلان» (1/ 297) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (94) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 13) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (97) .
(10/79)
قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى
يكان، وولي التدريس والولايات، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان
محمد بن عثمان قضاء العسكر الأناضولية، ولما تولى السلطان أبو يزيد
أقرّه في منصبه، ثم جعله قاضيا بالعسكر الرّوميلية، وبقي فيه حتّى
توفي.
قال في «الشقائق» : وكان رجلا طويلا عظيم اللّحية طلق الوجه [متواضعا]
محبا للمشايخ، بحرا في العلوم، محبا للعلم والعلماء، ألف «حاشية» على
سورة الأنعام من «تفسير القاضي البيضاوي» ، و «حاشية» على «المقدمات
الأربع في التوضيح» ، وكتابا في الصّرف سمّاه ميزان التصريف، وكتابا في
اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم وبنى مدرسة بالقسطنطينية ومسجدا
ودارا للتعليم وبها دفن وقد جاوز التسعين.
وفيها جمال الدين يوسف الحمامي المصري [1] المالكي القاضي الإمام
العلّامة.
قال الحمصي: كان صالحا مباركا وباشر نيابة الحكم العزيز بمصر القاهرة،
وتوفي بها سابع عشر شعبان.
وفيها يوسف الحميدي الشهير [2] بشيخ بستان الرّومي [3] الحنفي العالم
الفاضل.
اشتغل بالعلم أشد الاشتغال [4] ولم يكن ذكيا، لكن كان طبعه خالصا من
الأوهام، وصار معيدا عند قاضي زاده، ثم وصل إلى خدمة خواجه زاده، ثم
صار مدرّسا ببعض المدارس، وولي مدرسة أحمد باشا ابن ولي الدين ببروسا،
وكان ساكنا ببروسا في بعض رباطاتها متجردا عن العلائق، راضيا بالقليل
من العيش، ولم يتزوج، وله حواش على «شرح المفتاح» للسيد مقبولة، وتوفي
ببروسا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) .
[2] كذا في «آ» : «الشهير» . وفي «ط» : «المشهور» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 317) .
[4] في «ط» و «آ» : «اشتغال» .
(10/80)
سنة اثنتي عشرة
وتسعمائة
وفيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التّلّعفري الدمشقي
[1] القبيباتي الشافعي العلّامة، الشهير بابن المحوجب.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطلب العلم.
وكان له خطّ حسن كتب به كثيرا، وكان مهابا عند الملوك والأمراء، وله
كرم وافر وسماطه من أفخر الأطعمة، يأكل منه الخاص والعام، حتى نائب
دمشق وقاضيها، وكانت له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم، وكان قد جزّأ
الليل ثلاثة أثلاث ثلثا للسمر والكتابة، وثلثا للنوم وثلثا للتهجد
والتّلاوة. وكان يتردّد إليه أكابر الناس العلماء والأمراء وغيرهم،
خصوصا شيخ الإسلام زين الدّين خطاب.
وبالجملة فقد انتهت إليه الرئاسة والسيادة بالشام، وتردّد إلى مصر
كثيرا، ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة القدس وهو بمصر، فقبلها ثم نزل
عنها لبعض المقادسة لما رأى من شدة عنايتهم بطلبها.
وكان كثّ اللحية والحاجبين، أشعر الأذنين، واسع الصدر.
وتوفي بدمشق يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول ودفن قبلي قبر الشيخ تقي
الدّين الحصني.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن العسكري الصالحي [2] الدمشقي الحنبلي
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 136- 137) .
[2] في «الكواكب السائرة» (1/ 149) و «السحب الوابلة» (116) .
(10/81)
مفتي الحنابلة بها.
كان صالحا دينا زاهدا مباركا يكتب على الفتاوي كتابة عظيمة، ولم يكن له
في زمنه نظير في العلم والتواضع والتقشف على طريقة السّلف، منقطعا عن
الناس، قليل المخالطة لهم، ألّف كتابا في الفقه جمع فيه بين «المقنع» و
«التنقيح» .
مات قبل تمامه في ذي الحجة ودفن بالصالحية.
وفيها حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل العزّازي الحلبي الشافعي
المعروف بابن الأطعاني [1] .
قال ابن الحنبلي: كان صالحا، فاضلا، حسن الخط، له اشتغال على البدر
السيوفي في العربية والمنطق.
توفي في هذه السنة بمكة.
قال بعض السقائين: طلبوا له مني [2] ماء من سبيل الجوخي لقلة الماء
بمكة إذ ذاك فذكرت أني الآن فارقته خاليا من الماء فصمموا عليّ في
الذهاب إليه فذهبت لآتي بالماء من غيره فمررت به فإذا هو ممتلئ فملأت
قربتي وعدت، وعدّ ذلك من كراماته رحمه الله تعالى.
وفيها نور الدّين حمزة المولى العالم الرّومي الحنفي، الشهير بليس چلبي
[3] .
قرأ على علماء عصره، وخدم المولى خواجه زاده، ثم صار حافظا لدفتر بيت
المال، والديوان في زمن السلطان محمد خان، ثم صار مدرّسا بمدرسة
السلطان مراد خان ببروسا، ثم صار حافظا لدفتر بيت المال أيضا، في زمن
السلطان أبي يزيد خان، ثم عزل وبقي متوطنا ببروسا وبنى بها زاوية
للفقراء.
ومات بها ودفن بزاويته المذكورة.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 540- 545) ، و «الكواكب السائرة» (1/
184) .
[2] في «آ» : «طلبوا مني له» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (191- 192) و «الكواكب السائرة» (1/
181) .
(10/82)
وفيها علم الدّين سليمان البحيري المصري
[1] المالكي العلّامة، شيخ المالكية ومفتيهم بمصر.
توفي في ثامن شعبان ودفن بالصحراء بالقاهرة.
وفيها الشّرف ابن وهيب [2] الإمام العالم العلّامة مفتي مدينة تعز
باليمن.
توفي عشية الثلاثاء عشري شوال.
وفيها عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكنّاوي [3] الصّفدي
الشافعي جدّ الشيخ [4] موسى الكنّاوي لأمه.
كان عالما عاملا مؤثرا للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلّا
لحضور الصّلوات والجنائز والتدريس وقراءة «صحيح البخاري» على كرسي بصوت
حسن ونغمة طيبة وترتيل وتأن وحضور قلب وسكون جوارح.
وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه. وكان إماما بالمسجد الذي
يجري إليه الماء خارج كفركنا، وكان يفتي أهل تلك البلاد ويقرئ الطلبة
في الحديث والفقه والفرائض والنحو ومكث على ذلك نحو خمسين سنة، وكان
صوته في القرآن [5] لطيفا، ومع ذلك كان يسمعه من يستمع [6] لقراءته [7]
وهو يتهجد في هدوء الليل من نحو ميل وانتفع كثيرا بابن أرسلان ولازمه
بالقدس الشريف مدة.
وتوفي ببلده [8] كفركنّا [9] في غرة شوال وهو في عشر التسعين.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 211) .
[2] ترجمته في «النور السافر» (62) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 218) .
[4] ليست اللفظة في «ط» .
[5] في «آ» : «في القراءة» .
[6] في «ط» : «يتسمع» .
[7] ليست اللفظة في «ط» .
[8] في «آ» : «ببلدة» .
[9] كفركنّا: قرية تقع شرقي مدينة الناصرة. انظر خبرها في «معجم
البلدان» (4/ 470) و «معجم بلدان فلسطين» للشرّاب ص (628) .
(10/83)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن حسن
الشّاوي [1] الشافعي [2] الشيخ الإمام شيخ الإسلام.
توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان.
وفيها محبّ الدّين، أبو الفضل محمد بن عرب [3] المصري الشافعي الإمام
العلّامة، أقضى القضاة خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية.
قال الحمصي: كان عالما، فاضلا، مفننا، ذكيا، فقيها، كثير الأدب.
توفي بالقاهرة ثامن عشري المحرم.
وفيها أقضى القضاة شمس الدّين محمد بن عيسى الدمشقي الحنفي [4] الإمام
العلّامة قاضي دمشق ومفتيها.
قال الحمصي: كان عالما فاضلا مفنّنا يعرف صناعة التوريق والشهادة معرفة
تامّة ذكيا متضلعا من العلوم محجاجا لا يجاري في بحثه.
توفي بدمشق في رجب ودفن بالصّالحية وتأسّف الناس عليه.
وفيها أقضى القضاة بدر الدّين محمد بن الشيخ العلّامة شمس الدّين محمد
القرافي [5] المالكي خليفة الحكم بالديار المصرية.
كان إماما علّامة.
توفي بالقاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة، ودفن بالصحراء وكانت
جنازته حافلة.
وفيها أمين الدّين محمد بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد
__________
[1] في «آ» : «النشاوي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 38) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .
[5] ترجمته في «متعة الأذهان» (99) .
(10/84)
الجوجري [1] المصري الشافعي- شارح
«الإرشاد» - والده [2] .
كان هو شابا عالما فاضلا بارعا مفننا توفي بالقاهرة مستهلّ صفر.
وفيها شمس الدّين محمد بن أبي عبيد المقرئ الشافعي [3] الإمام العالم
العلّامة خليفة الحكم العزيز بالقاهرة.
قال الحمصي: كان فاضلا ذكيا مفننا.
توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري شهر [4] رمضان وكانت جنازته حافلة.
وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن محمد الرّومي الحنفي [5] العالم
الفاضل.
كان إماما للسلطان أبي يزيد خان ثم ولاه قضاء العسكر بولاية أناضولي
[6] سنة إحدى عشرة بعد أن ولّاه قضاء بروسا أكثر من عشر سنين، ثم عزل
عن قضاء العسكر، وأعطى تقاعدا عنه كل يوم مائة عثماني ومات بعد زمن
يسير.
قال في «الشقائق» : كان كريم النّفس حميد الأخلاق محبّا للعلماء
والصّلحاء، رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين موسى بن عبد الغفار المالكي [7] خليفة الحكم العزيز
بالقاهرة وكاتب مستندات السلطان الغوري.
كان إماما علّامة.
توفي يوم الجمعة خامس عشري رجب.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 20) .
[2] في «آ» : «ولدة» ولعله تصحيف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29) .
[4] ليست اللفظة في «آ» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (188) و «الكواكب السائرة» (1/ 303)
و «الفوائد البهية» (210) .
[6] في «أ» : «بولايته أناطولي» .
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 39) .
(10/85)
سنة ثلاث عشرة
وتسعمائة
فيها غلب الفرنج على مدينة هرموز وأخذوها [1] .
وفيها توفي السّيد الشريف برهان الدّين إبراهيم بن محمد الحسني [2]
نقيب الأشراف بدمشق.
ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
قال الحمصي: وكان رجلا شجاعا مقداما على الملوك، ووقع له مع السلطان
الأشرف قايتباي وقائع يطول شرحها. ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب
الأشراف بدمشق في يوم الخميس خامس المحرم وأسند الوصايا على أولاده
لكاتب الأسرار المحبّ بن أجا.
قال ابن طولون: وتقلّد أمورا في حياته وبعد موته، رحمه الله تعالى.
وفيها برهان الدّين إبراهيم الدّميري [3] المالكي قاضي قضاة المالكية
بالقاهرة.
كان إماما علّامة.
توفي ببيته [4] بالقرب من الصالحية بين القصرين من القاهرة في يوم
الأربعاء ثالث عشري رمضان، وكان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري
لما أراد أن يسمع الخطباء.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (62) وهرموز: فرضة كرمان. انظر «تقويم
البلدان» ص (23) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 100- 101) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) .
[4] في «آ» : «في بيته» .
(10/86)
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن
أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري [1] الأصل ثم الحلبي الحنفي، عرف
بابن خليل [2] .
أخذ عن الحافظ برهان الدّين الحلبي سبط ابن العجمي.
وكان إماما علّامة يفتي بحلب ويعظ بجامعها، وكان وعظه نافعا يكاد يغيب
فيه لفرط خشوعه، وكان ديّنا خيّرا تلمذ له شيخ الشيوخ بحلب الموفق بن
أبي ذر المحدّث.
قال ابن الحنبلي: وأخبرني أنه كان يتمثل بقول القائل:
وكان فؤادي خاليا قبل حبّكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجبته ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
وتوفي بحلب وتأسف الناس عليه.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي المقرئ القاهري [3] ، شيخ القراء بها.
كان إماما عالما.
توفي يوم الأحد عاشر القعدة.
وفيها شهاب الدّين أحمد الأعزازي الدمشقي الصّالحي [4] .
كان صالحا مباركا ديّنا ناب في القضاء بدمشق.
وتوفي بها في نهار الجمعة ثالث عشر ربيع الأول، وصلّي عليه بالأموي بعد
صلاة الجمعة ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها شهاب الدّين أحمد الخشّاب الدمشقي العلّامة الشافعي [5] .
__________
[1] في «أ» : «الحاصري» .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 130) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 139) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» (14) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 150) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) .
(10/87)
كان خطيبا بجامع القصب.
وتوفي في ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد الزّهيري [1] الصّالحي [2] ثم
الدمشقي الشاب الفاضل.
قال ابن طولون: اشتغل معنا على الشيخ محمد بن رمضان وغيره وبحث.
وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول، ودفن بمقابر باب الصغير.
انتهى.
وفيها نجم الدّين طلحة بن محمد بن يحيى الجهمي صاحب «المصباح» .
كان إماما فقيها جليلا.
توفي باليمن ببلدة من أصاب ودفن هناك بجوار جدّه يحيى بن أحمد الجهمي
وكثر عليه الأسف.
وفيها زين الدّين عبد الغفار المصري [3] الضرير الشافعي الإمام
العلّامة المفنّن.
قال الحمصي: مات قتلا ببلدة يقال لها مطبوس بالقرب من الإسكندرية.
قال: وسبب ذلك أن هذه كانت جارية في أقطاع الأمير طرباي [4] رأس نوبة
النوب وبها رجل متدارك لمالها اسمه ابن [5] عمرو فوقع بينه وبين أهل
البلدة لفسقه وظلمه
__________
[1] في «آ» : «ابن الزهيري» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 14) ، و «الكواكب السائرة» (3/ 127) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 240) .
[4] في «الكواكب» : «طراباي» .
[5] في «الكواكب» : «أبو» .
(10/88)
فشكوا حالهم للأمير طرباي فأرسل أخاه للبلد
يحرر ذلك، فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم ابن عمرو فضرب أخو طرباي
واحدا من أهل البلدة بالدبوس فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب السيف فيهم
فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفرا فقال الشيخ عبد الغفار: هذا ما يحل
فضربت عنقه وألقى في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح [1]
بها جمع من الأولياء فدفن بها وكانت له جنازة لم يشهد مثلها، وكان قتله
رحمه الله تعالى يوم الجمعة سادس المحرم.
__________
[1] في «آ» : «كوم الأفراح» ولعله تحريف.
(10/89)
سنة أربع عشرة
وتسعمائة
فيها كان حريق عظيم بمدينة عدن احترق به من الآدميين نحو ثلاثين نفسا
وتلف من الأموال والبيوت ما لا يحصى [1] .
وفيها توفي الشيخ العارف بالله تعالى إبراهيم الشاذلي المصري [2] .
كان ينفق نفقة الملوك ويلبس ملابسهم، وذلك من غيب الله تعالى لا يدري
أحد له جهة معينة تأتيه منها الدنيا ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب
فجاء إلى سيدي محمد المغربي الشّاذلي وطلب منه التربية فقال له يا
إبراهيم، تريد تربية بيتية وإلا سوقية. فقال له: ما معنى ذلك؟ قال:
التربية السوقية هي أن أعلمك كلمات في الفناء والبقاء ونحوهما، وأجلسك
على السجادة، وأقول لك خذ كلاما وأعط كلاما من غير ذوق ولا انتفاع.
والتربية البيتية بأن تفني اختيارك في اختياري، وتشارك أهل البلاء [3]
، وتسمع في حقك ما تسمع فلا تتحرك لك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى.
فقال أطلب التربية البيتية. قال: نعم لكن لا يكون فطامك إلّا بعدي [4]
على يد الشيخ أبي المواهب. وكان الأمر كذلك، ولذلك لم يشتهر إلا
بالمواهبي، ثم قال له الشيخ محمد: قف غلاما اخدم البيت والبغلة، وحسّ
الفرس، وافرش تحتها الزبل، وكب التراب، فقال: سمعا وطاعة. فلم يزل يخدم
عنده حتّى مات، فاجتمع على سيدي أبي المواهب ولم يزل عنده يخدم كذلك
ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره حتّى حضرت سيدي أبا
المواهب الوفاة فتطاول
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (90) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) و «معجم المؤلفين» (1/ 37) .
[3] في «الكواكب» : «البلاد» .
[4] في «أ» : «بهدي» .
(10/90)
جماعة من فقرائه إلى الأذن فقال الشيخ:
هاتوا إبراهيم فجاءه، فقال: افرشوا له السجادة فجلس عليها وقال له:
تكلم على إخوانك في الطريق فأبدى الغرائب والعجائب، فأذعن له الجماعة
كلهم.
وكان له ديوان شعر وموشحات، وشرح «حكم ابن عطاء الله» شرحا حسنا.
وتوفي في هذه السنة ودفن بزاويته بالقرب من قنطرة سنقر وقبره بها ظاهر
يزار.
وفيها القطب الرّباني شمس الشّموس أبو بكر بن عبد الله باعلوى [1] .
قال في «النور السّافر» : ولد بتريم- وتريم بتاء مثناة فوقية، ثم راء
مكسورة، ثم تحتية، ثم ميم، على وزن عظيم: بلدة من حضرموت، أعدل أرض
الله هواء وأصحّها تربة، وأعذبها ماء. وهي قديمة معشش الأولياء ومعدنهم
ومنشأ العلماء [2] وموطنهم، وهي مسكن الأشراف آل باعلوى.
روي أن الفقيه محمد بن أبي بكر عبّاد، رحمه الله تعالى، كان يقول: إذا
كان يوم القيامة أخذ أبو بكر الصّدّيق، رضي الله عنه، آل تريم كلهم
قبضة في يده، ورمى بهم في الجنّة [3] .
قال في «النّور» : ولما كانت خير بلاد الله بعد الحرمين وبيت المقدس
أكرمها الله تعالى بخير عباده، وأكرمهم عليه الذين زيّنهم باتباع
السّنّة الغرّاء، مع صحة نسبهم المتصل بالسيدة الزّهراء، ويذكر أنها
تنبت الصّالحين كما تنبت الأرض البقل، واجتمع بها في عصر واحد من
العلماء الذين بلغوا رتبة الإفتاء ثلاثمائة رجل، وإن بتربتها ممن شهد
بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغيرهم من الصّحابة سبعين نفرا.
انتهى ملخصا.
ثم قال في «النور» : ولد المترجم بتريم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ
عن عمّه الشيخ علي والفقيه محمد بن أحمد بالفضل، وقرأ الكثير، وأجازه
علماء الآفاق كالسخاوي، والشيخ يحيى العامري اليمني، وغيرهما.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» (81) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 113-
114) و «معجم المؤلفين» (3/ 65) .
[2] في «آ» : «ومنشأ الأولياء» .
[3] قلت: هذا من مبالغات الصوفية وما أكثرها في ذلك العصر وكل عصر.
(10/91)
وعدّه جار الله بن فهد في «معجمه» من شيوخه
في الحديث.
وقد ذكر العلّامة محمد بن عمر بحرق في كتابه «مواهب القدوس في مناقب
ابن العيدروس» : من مناقبه جملة كافية شافية تنشرح بمطالعتها الصدور.
ثم قال في «النّور» : وكان من أكابر الأولياء، بل هو قطب زمانه كما شهد
به العارفون بالله تعالى شرقا وغربا ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل
الطريق، وكان في الجود آية من آيات الله تعالى، يذبح لسماطه في رمضان
كل يوم ثلاثين كبشا، ولذلك بلغت ديونه مائتي ألف دينار، فقضاها الأمير
الموفق ناصر الدّين بالحلوان في حياته، فإنه كان يقول: إن الله وعدني
أن لا أخرج من الدنيا إلّا وأدى عني ديني.
وحكى من مجاهداته أنه هجر النوم بالليل أكثر من ثلاثين سنة، ومن
كراماته أنه لما رجع من الحجّ دخل زيلع [1] ، وكان الحاكم بها يومئذ
محمد بن عتيق، فاتفق أنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها،
فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدّة الجزع
ليعزيه ويأمره بالصّبر، وهي مسّجاة بين يديه بثوب، فعزّاه وصبّره فلم
يفد فيه ذلك، وأكبّ على قدمي الشيخ يقبّلهما، وقال: يا سيدي إن لم يحي
الله هذه متّ أنا أيضا، ولم تبق لي عقيدة في أحد، فكشف سيدي عن وجهها
وناداها باسمها فأجابته: لبيك، وردّ الله روحها وخرج الحاضرون، ولم
يخرج سيدي الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة.
قال: وقد صنّف في مناقبه غير واحد من العلماء الأعلام.
وله مؤلّفات منها ثلاثة «أوراد» بسيط، ووسيط، ووجيز، وديوان شعر منه:
أنا الجواد ابن عبد الله إن عرضت ... للجود مكرمة إني لها الشاري
وإني العيدروس ابن البتول إذا ... حرّ تسلسل من أصلاب أطهار
أما ترى أنّني قضيت دين أبي ... وكان ذاك ثلاثون ألف دينار
مجدي قديم أخير لا يسايره ... مجد لما حزت من صبر وإيثار
__________
[1] في «ط» : «زليع» وهو خطأ، وزيلع: موضع. قال الهمداني: هي جزيرة في
بلاد الحبشة. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 706) .
(10/92)
توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شوال بعدن
وقبره بها أشهر من الشمس الضاحية يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن
البعيدة. انتهى ملخصا قلت: ولعله هو مبتكر القهوة المتقدم ذكره في سنة
تسع وتسعمائة، فليحرر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن كرك الصّالحي الحنفي [1] العدل.
قال ابن طولون: اشتغل على شيخنا الزّيني بن العيني وغيره، وذهب إلى مصر
صحبة التاج نائب ديوان القلعة، فمرض في بيت أمير مجلس سودون العجمي،
فتوفي يوم السبت تاسع عشر شوال وأوقف وقفا على ذريته وعتقائه وقراءة
بخاري. انتهى وبخط القاضي أكمل بن مفلح هذا جدّ والدتي أبو أمها وهو
حلبي الأصل يعرف بابن شموا معلم دار الضرب بها ولابن شموا وقف بحلب،
وفي آخره كتبه أكمل بن ستيته بنت آمنة بنت أحمد بن كرك. انتهى وفيها
شهاب الدّين أحمد بن عيد الحنفي [2] ولي نيابة القضاء بالقاهرة، وسافر
إلى دمشق، وولي بها نيابة القضاء عن ابن يوسف، وتزوج بدمشق زوجة القاضي
إسماعيل الحنفي، وطلع هو وهي إلى البستان بالمزّاز [3] فنزل عليه
السّراق ليلا فقتلوه وقتلوا غلامه، فأصبح نائب الشام سيباي رسم على
زوجته بسببه، وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشري ذي الحجة.
قاله في «الكواكب» .
وفيها محيى الدّين عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي المارديني [4]
الأصل الحلبي المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي، الشهير
بالأبّار. هو وأبوه
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) وفيه «أحمد بن كركر» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 150) .
[3] في «آ» : «بالمزار» ولعل المقصود هنا إحدى قرى غوطة دمشق.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 241) .
(10/93)
لأنه كان يصنع الإبر بحانوت له، ثم اشتغل
بالعلم ورحل في طلبه، وأخذ الحديث عن السّخاوي، وكتب له إجازة حافلة،
وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره وأخذ الفقه، وغيره عن الشمس الجوجري.
وغيره، وأجازه وأذن له بالإفتاء، وأثنى عليه، ومدحه وأنشده لنفسه ملمحا
ومضمنا [1] .
كانت مساءلة الركبان تخبرنا ... عن علمكم ثم عنكم أحسن الخبر
ثم التقينا وشاهدت العجائب من ... غزير علم حمته دقة النّظر
فقلت حينئذ والله ما سمعت ... أذناي أحسن مما قد رأى بصري
وبالجملة فقد برع وساد، وأكب واجتهد، حتّى صار فقيه حلب ومفتيها.
وأخذ عنه فضلاؤها، كالبرهان العمادي، والزّين بن الشّماع، وكان مع
البراعة حسن العبارة، شديد التحرّي في الطّهارة، طارح التكلّف، ظاهر
التقشف، حسن المحادثة، حلو المذاكرة، اتّفق على محبته الخاصّ والعام.
وكانت علامة القبول والصّدق ظاهرة في أقواله وأفعاله.
قال ابن الحنبلي: وكان يقول نحن من بيت بماردين مشهور ببيت رسول، وجدنا
الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفا من أن أنسب إلى
تحميل نسبي على الغير وأن يقدح في بذلك.
وتوفي في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة.
وفيها بدر الدّين محمد بن جمعة الفيّومي الحنفي [2] أحد أعيان علماء
مصر ومشاهيرهم.
دخل إلى الرّوم مرتين ودخل فيهما دمشق.
قال النجم الغزّي: وكتب بدمشق عند جوازه بها قاصدا للملك أبي يزيد بن
عثمان في نصف صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة لغزا صورته [3] :
__________
[1] في «أ» : «مضمنا» من دون الواو.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 36) .
[3] الأبيات في «الكواكب السائرة» (1/ 36- 37) .
(10/94)
يا من له أدب وفضل لا يحد ... ومحاسن فوق
الحساب فلا تعد
ويحل إن نفث البليغ معانيا ... في مبهمات اللّفظ فهي لها عقد
ما اسم تركّب من حروف مثلما ... قد قامت الأركان منّا بالجسد
فاعجب لها من أربع قد ركّبت ... فردين مع زوجين في اللّفظ انعقد
فرد وزوج أوّلان اتّصلا ... كأنّ ذا وذاك روح وجسد
وآخران انفصلا بعدهما ... كعاشق معشوقه عنه انفرد
فبين فردين أتى زوج كذا ... ما بين زوجين لنا فرد ورد
والأول النصف لثان عدّه ... والثالث النصف لرابع العدد
والثالث الثلث الأوّل كما ... رابعه ثلث لثانيه يعد
وعدّ حرف منه ساوى عدد ال ... باقي لمن قابل ذا بذا وعد
حرف له نصف وحرف ثلث ... وحرف السدس حسابا لن يرد
ذاك ثلاثة وهذا اثنان وال ... لآخر إن تطلبه واحد أحد
يلقى الذي يلقاه أو لم يلقه ... جوى بقلب واجب طول الأبد
قد بان ما قد بان من لغز يرى ... طردا وعكسا في نظام اطّرد
فهاك لغزي إن ترد جوابه ... تجده دونه بدا يا ذا الرّشد
فأت به مبيّنا مفصّلا ... وحلّ ما في النّظم حلّ وانعقد
فأجابه شيخ الإسلام الجدّ بقوله [1] :
يا سيّدا حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جدّ فيها واجتهد
ما زلت تبدي كلّ حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد [2]
أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركّب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد
__________
[1] أبيات الجواب في «الكواكب السائرة» (1/ 37) .
[2] في «ط» : «ثمد» وهو تحريف.
(10/95)
فردين مع زوجين فيها ركّبا ... من أول مع
آخر أيضا ورد
مع ما ذكرت به من الألغاز في ... نظم ببحر كامل منه استمد
وطلبت فيه جواب ما ألغزته ... منّي بتفصيل يحلّل ما انعقد
وجواب لغزك بيّن أوضحته ... بصريح لفظ فيه بالمعنى اتّحد
النصف منه الربع أو إن شئت قل ... نصف وربع نصفه من غير رد
والربع نصف ربعه أو ضعفه ... من طرده أو عكسه حيث اطّرد
والربع نصف سدسه أو سدسه ... هندسة ما ثمّ من لها جحد
والقلب واجبا إذا انتدبته ... لذا وليس خافيا على أحد
وهو الصواب إن حذفت أوّلا ... عوّضته بسورة بلا فند
وهو الجوى بحذف آخر وإن ... يبدل بدال فجواد ذو مدد
وإنه المسؤول عنه ظاهرا ... فدم بجنّة الرّضا إلى الأبد
توفي الشيخ بدر الدّين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى
الآخرة. انتهى.
وفيها محمد بن زرعة المصري [1] أحد أتباع الشيخ إبراهيم المتبولي.
قال المناوي في «طبقاته» : كان مشمولا بالبركة، مقبولا في السكون
والحركة، أعلام ولايته مشهورة، وألوية مصارفه منشورة، وكان زمنا أقعده
الفقراء بقنطرة قد يدار، ولم يزل قاعدا بالشباك الذي دفن فيه، وكان
يتكلم ثلاثة أيام ويسكن ثلاثة أيام، ويتكلم على الخواطر. انتهى.
توفي في هذه السنة ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه.
وفيها شمس الدّين [2] محمد بن محمد [2] بن إسماعيل الشيخ الإمام العالم
العلّامة الصالح الشهير بالقيراطي [3] الدمشقي الشافعي.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 50) .
[2] ليس ما بين الرقمين في «ط» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 99) و «الكواكب السائرة» (1/ 13) .
(10/96)
ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة.
قال الحمصي: وكان فاضلا مفننا، حفظ «المنهاج» للنّووي، والتصحيح الكبير
عليه للشيخ نجم الدّين بن قاضي عجلون.
وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان.
وفيها أقضى القضاة محيى الدّين يحيى بن شهاب الدّين أحمد بن حسن بن
عثمان الزّرعي الشهير بالأخنائي [1] الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق.
ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وخطب مرة بالجامع
الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدّين بن شيخ الإسلام تقي الدّين بن
قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدّين الصّيرفي، فحصل له ارتعاد في
الخطبة وكان ذلك تاسع شوال هذه السنة ثم توفي يوم الاثنين سابع القعدة
ودفن بباب الصغير عند أبيه وأخيه غربي القلندرية.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (ق 105) ، و «الكواكب السائرة» (1/ 313)
.
(10/97)
سنة خمس عشرة
وتسعمائة
فيها كما قال في «النّور» ظهر في السماء في أواخر [1] الليل من مطلع
العقرب على هيئة قوس قزح أبيض له شعاع وهو أزج له رأس مائل نحو مطلع
سهيل واستدام يطلع كل ليلة في الوقت المذكور نحو ثلاث عشرة ليلة ثم
اضمحل [2] .
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن حسن الشيخ العلّامة النّبيسي
الشّيشري [3] ، ونبيس قرية في حلب والشّيشر من بلاد العجم. قاله النّجم
وقال: كان من فضلاء عصره، وله مصنّفات في الصّرف، و «قصيدة تائية» في
النحو لا نظير لها في السلاسة، وله «تفسير» من أول القرآن إلى سورة
يوسف، ومصنّفات في التصوف، وقتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج.
انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد الإمام
العالم المحدّث الدمشقي الشافعي، الشهير بابن طوق [4] .
ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان بدمشق.
__________
[1] في ط: «آخر» .
[2] انظر «النور السافر» ص (91) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 110) .
[4] ترجمته «متعة الأذهان» (ق 17) و «الكواكب السائرة» (1/ 126) .
(10/98)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عثمان
الشيخ الإمام الفرضي الشهير بابن أمير غفلة الحلبي [1] الحنفي.
قال ابن الحنبلي: كان عالما عاملا، منوّر الشيبة حسن السّمت، فقيها
فرضيا حيسوبا. تلمذ للعلّامة الفرضي الحيسوب جمال الدّين يوسف الإسعردي
[2] ثم الحلبي، وعلّق على «نزهة الحساب» تعليقا [حسنا] [3] ، حمله على
وضعه شيخنا العلّامة الموصلي كما نبه على ذلك في ديباجته. ولم يزل على
ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات، وكان الناس مضطرين إلى الغيث،
فأنزله الله في أول ليلة مكث في قبره، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها
فقيه بيت الفقيه باليمن عبد الله بن الخطيب بن أحمد بن حشيبر اليمني
[4] .
قال في «النور» : توفي ببلده يوم الاثنين خامس عشر ربيع الآخر، وكان
فقيه بلده وعالمها.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ الإمام القدوة
الزاهد الرّبّاني [5] الدمشقي الصالحي الحنبلي [6] .
حفظ القرآن العظيم ثم قرأ «المقنع» وغيره، واشتغل وحصّل، وأخذ الحديث
عن ابن زيد، وابن عبادة وغيرهما، وكان يقرئ الأطفال في مكتب مسجد ناصر
الدّين غربي مدرسة أبي عمر.
وكان يقرأ «البخاري» في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بسفح قاسيون،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 127) «وفيه: وكذا بابن قريمزان» و
«الكواكب السائرة» (1/ 126) وفيه (نائب قريمزان) .
[2] له ترجمة في «درّ الحبب» (2/ 2/ 598) .
[3] الاستدراك عن «درّ الحبب» .
[4] ترجمته في «النور السافر» (91) .
[5] كذا في «ط» : «الرّباني» وفي «آ» : «الدنابي» وفي «السحب الوابلة»
: (الذنابي) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) و «السحب الوابلة» (195) .
(10/99)
وكان إذا ختم البخاري في الجامع المذكور
يحضر عنده خلائق فإنه كان فصيحا وله في الوعظ مسلك حسن، ثم انجمع في
آخر عمره عن الناس وقطن بزاوية المحيوي الرّجيحي بالسهم الأعلى إماما
لها وقارئا ل «البخاري» .
وتوفي في هذه السنة ودفن بالروضة.
وفيها العارف بالله تعالى عبد القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الصّفدي
[1] الشافعي صاحب التائية المشهورة.
قال في «الكواكب» : أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلّامة الصالح شهاب
الدّين بن أرسلان الرّملي صاحب الصفوة وعن غيره. وكان خامل الذكر
بمدينة صفد مجهول القدر عند أهلها، لا يعرفون محلّه من العلم والمعرفة.
وكان يقرئ الأطفال ويباشر وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون،
فسمع شيئا من كلامه، فشهد له بالذوق وأنه من أكابر العارفين، وأعيان
المحبين، فهنالك نشر ذكره، وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك الشيخ علوان
الحموي في أول «شرح تائية ابن حبيب» .
قال النجم: وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي بن ميمون كان سبب
رحلته من المغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب بلقيّهم [2] منهم
ابن حبيب، وأنه لا يزال يتطلع ويتنشق ويتصفح البلاد والناس حتى دخل صفد
فتنشق أنفاس ابن حبيب فدخل عليه المكتب، فأضافه الشيخ عبد القادر
وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق
باب المكتب، فنظر إليه سيدي علي وقال: أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني
حتى تطردني الآن فقال له يا أخي استرني قال: بل والله لأفضحنك
وأشهرنّك، فما زال به حتى أشهره. انتهى ملخصا.
وقال الشيخ علوان: هذا وهو متسبب بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 242- 246) .
[2] في «آ» : «يلقيهم» وفيه تصحيف.
(10/100)
تسلمها علماء النقول، ولا تسعها [1] منهم
العقول، إذ كان ممن أقيم في السماع وكشف [2] القناع، والضرب ببعض
الآلات، والبسط والخلاعات، ثم اعتذر عن ضربه بالآلات، بما هو مذكور في
«شرح التائية» .
وبالجملة فكان ابن حبيب، رضي الله عنه، متسترا بالخلاعة، والنفخ في
المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل،
كل ذلك لأجل التستر ويأبى الله إلّا أن يتم نوره، ويظهر أمره، حتى رسخ
في النّفوس أنه من كمّل [3] العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف
وأذّن، وكان ربما مشى بدبّوس أمام نائب صفد، وكان لا يمكن أحدا من
تقبيل يده، وإنما يبادئ بالمصافحة، ويطوف على أهل السوق، فيصافحهم في
حوانيتهم واحدا واحدا، وكان يداعب الناس ويباسطهم، وكان يقول يأتون
فيقولون: سلكنا وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في
يومين، وكان في ابتدائه يثور به الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى
يفيض على رأسه الماء من [4] إناء كبير فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة
الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصّحاري حتى
فجأته العناية ووافقته [5] الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب
الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلّا بالإشارة خوفا من النطق بما لا
يعني، وكان لا يقبل هدايا الأمراء، وإذا جاءته رسالة من إخوانه لا
يأخذها إلّا وهو متوضئ.
وقال: مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان
معه كتاب فيه بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 1: 1 ففعل ذلك تعظيما.
وكان مبتلى بأمراض وعلل خطيرة حتى عمّت سائر جسده، وربما طرحته في
الفراش، وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئا
بإحضار الشهوة ومنعها إياها أياما.
وكان يعتقد ابن عربي اعتقادا زائدا، ويؤول كلامه تأويلا حسنا.
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] في «آ» : «وقشف» وهو تحريف.
[3] في «ط» : «أكمل» .
[4] في «ط» : «في» .
[5] في «أ» : «وافقه» وفي «الكواكب» : «وافته» .
(10/101)
ومن شعره الدال على علو همّته، وسمو رتبته،
«التائية» التي ذيّل بها على أبيات الشافعي رضي الله تعالى عنه، التي
أولها:
لمّا عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من حمل المشقّات
وقد تلقاها الناس بالقبول وأداروا أبياتها فيما [1] بينهم إدارة الشمول
وخدمت بالشروح، وهي جديرة بذلك. وقد اتفق لناظمها أنه رأى روحانية
النبيّ صلّى الله عليه وسلم وهو يقظان، وعرضها عليه، وأصلح له بعض
أبيات، وكان إذا ذكر فيها وصفا حسنا قال له: بلّغك الله ذلك يا عبد
القادر، وإذا نفر من وصف قبيح قال له: أعاذك الله من ذلك يا عبد
القادر.
ومن شعره أيضا:
أنا الضّيغم الضّرغام صمصام عزمها ... على كلّ صعب في الغرام مصمم
وما سدت حتّى ذقت ما الموت دونه ... كذا حسن عشقي في الأنام يترجم
وتوفي بصفد يوم الأحد عاشر جمادى الأولى.
وفيها- تقريبا- زين الدّين عبد القادر المنهاجي [2] الإمام العلّامة
المقرئ الشافعي المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة.
قرأ على البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط العبّاس.
وفيها عبد الودود الصواف [3] الشيخ الصّالح العابد الزّاهد المقيم
بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة، وكان ينسج الصّوف ويتقوت [4] منه، وكانت
عمامته قطعة من الصّوف الأحمر. وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة،
وكانت له مكاشفات وعلي أنس عظيم.
وفيها علاء الدّين علي بن ناصر المكّي الإمام العلّامة الشافعي [5] .
__________
[1] ليست اللفظة في «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب» (1/ 254) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 257) .
[4] في «ط» : «يتقوت» بدون الواو.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 278) .
(10/102)
أخذ «صحيح البخاري» عن المسند زين الدّين
عبد الرحيم المكي الأسيوطي، وعن غيره، وتفقّه بالشّرف المناوي عن الولي
بن العراقي عن أبيه عن ابن النعماني عن النووي.
ومن مؤلفاته «مختصر المنهاج» وشرحه وتأليف في الحديث والتفسير والأصول.
وأجاز البرهان العمادي.
وفيها شرف الدّين موسى بن أحمد النّحلاوي [1] الأصل الحلبي الدار
الأردبيلي الخرقة الشافعي المذهب الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه
بأريحا قديما، وكان إماما عالما، زاهدا صوفيا، فتح الله تعالى عليه من
غير تعب بل من فضل الله تعالى.
وتوفي في أواخر ذي الحجة بحلب ودفن بتربة الخشّابين داخل باب قنسرين.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن علي الصّمودي [2] المالكي القاضي.
كان فقيها فاضلا، ناب عن العفيف بن حنبل قاضي المالكية بحلب وكتب بها
على الفتوى.
وفيها محيي الدّين يحيى بن كمال الدّين محمد بن سلطان الحنفي [3] .
كان عالما فاضلا.
توفي بمكة المشرّفة رابع عشر ذي الحجة.
وفيها جمال الدّين محمد الطيب بن إسماعيل مبارز اليمني [4] .
قال في «النور» : كان فقيها إماما عالما عاملا علّامة فهّامة مدقّقا.
توفي عشية يوم الاثنين خامس شهر ربيع الآخر. انتهى، والله تعالى أعلم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 501) و «الكواكب السائرة» (1/ 308) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 200) .
[3] لم أعثر على ترجمته فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[4] ترجمته في «النور السافر» (91) .
(10/103)
|