شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وعشرين
وتسعمائة
فيها توفي أبو النّور التّونسي المالكي [1] ، نزيل المدرسة المقدّمية
بحلب.
كان حافظا لكتاب الله تعالى، مقرئا يؤدّب الأطفال بالمدرسة المذكورة،
وكان من عادته أنه يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب وثلثه بعد العشاء. ومن
غريب ما اتفق له أنه لما ركب البحر من تونس إلى الإسكندرية [2] حصل
لملّاح السّفينة- وكان فرنجيا- حمّى غب أشغلته عن مصلحة السفينة، وعجز
ركابها عن علاج ينفعه وطلب من الشيخ أبي النّور ما يكتب للحمّى، فكتب
له في ورقة خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ في
سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ 69: 30- 32
[الحاقّة: 30- 32] ولف الورقة ودفعها له فوضعها في رأسه فما مضت تلك
الليلة حتّى ذهبت عنه الحمّى.
وتوفي الشيخ بحلب، ودفن بمقبرة الرّحبي.
وفيها الشيخ أحمد بن بترس [3] الصّفدي [4] الشيخ العارف بالله تعالى،
المكاشف بأسرار غيب الله.
كان ظاهر الأحوال بصفد، مسموع الكلمة عند حكامها، وكان الناس
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 121) ، و «درر الحبب» (2/ 2/ 527-
528) .
[2] في «ط» : «إلى إسكندرية» .
[3] جاء في «جامع كرامات الأولياء» ما نصه: «هكذا في الأصل- يقصد
الكواكب السائرة- ولعله محرف عن بيبرس أو نحوه» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 132- 133) ، و «جامع كرامات
الأولياء» (1/ 325) .
(10/194)
يترددون إليه فيشفع [1] لهم، ويقضي
حوائجهم، ويقرّبهم ويضيفهم، وكان ذا شيبة نيّرة، وكان إذا أراد أن
يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض ثم يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب
الحمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيّبات.
وكان في بدايته ذا رياضة ومجاهدة.
وتوفي بصفد.
قال ابن طولون: صلّي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشري ذي
القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة. انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد
بن أحمد بن مسلم الشّهاب بن البدر [2] المكّي، ويعرف كأبيه بابن
العليف- بضم العين المهملة تصغير علف- الشافعي [3] .
قال في «النور» : ولد بمكة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ونشأ بها، وحفظ
القرآن و «الألفية النحوية» و «الأربعين النووية» والكثير من «المنهاج»
.
وسمع بمكة على التّقي بن فهد، وولده النّجم، والزين عبد الرحمن
الأسيوطي، وأبي الفضل المرجاني، ولازم النّور الفاكهي في دروسه الفقهية
والنحوية، وبالقاهرة، من الجوجري وغيره، ودخل القاهرة مرارا.
قال السخاوي: وكنت ممن أخذ عنه بها وبالحرمين، وتكسّب بالنساخة، مع عقل
وتودد، وحسن عشرة، وتميّز، ومع ذلك فلم يسلم ممن يعاديه، بل كاد أن
يفارق المدينة لذلك. قال: وأغلب إقامته الآن بطيبة على خير، وانجماع،
وتقلّل، ونعم الرجل. انتهى.
__________
[1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة و «جامع كرامات الأولياء» :
«فيشفع» وفي «آ» :
«فيسع» .
[2] في «النور السافر» : «ابن المبذر» .
[3] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 290) ، و «التحفة اللطيفة» (1/ 176-
178) و «النور السافر» ص (126- 130) و «البدر الطالع» (1/ 54- 56) .
(10/195)
وألّف لسلطان الرّوم بايزيد بن عثمان
«الدّر المنظوم في مناقب سلطان الرّوم» ومدحه وغيره من أمرائه، فرتّب
له خمسين دينارا في كل سنة، ومدح السّيد بركات الحسني صاحب مكة، واقتصر
على مدحه، وحظي عنده لبلاغته، حتّى صار متنبي زمانه، ثم أصيب بكثرة
الأمراض في آخره.
ومن نظمه الفائق القصيدة العجيبة التي منها:
خذ جانب العليا ودع ما يترك ... فرضي البريّة غاية لا تدرك
واجعل سبيل الذّلّ عنك بمعزل ... فالعزّ أحسن ما به تتمسّك
وامنح مودّتك الكرام فربّما ... عزّ الكريم وفات ما يستدرك
وإذا بدت لك في عدوّ فرصة ... فافتك فإن أخا العلا من يفتك
ودع الأماني للغبيّ فإنّما ... عقبى المنى للحرّ داء مهلك
من يبتغي سببا بدون عزيمة ... ضلّت مذاهبه وعزّ المدرك
تعست مداراة العدوّ فإنها ... داء تحول به الجسوم وتوعك
وهي طويلة [1] .
وتوفي بمكة المشرفة يوم الثلاثاء، من ذي [2] الحجة ودفن بالمعلاة.
وفيها تقي الدّين باكير الرّومي الشيخ الفاضل [3] ناظر التكية
السليمية، وولي نظارة الجامع الأموي.
قال في «الكواكب» : نزل عند شيخ الإسلام الجدّ، وكان من أصحابه
وتلاميذه، وترجمته بالولاية والفضل، ثم عزل من الجامع الأموي وأعطي
تولية التكية السّليمية، ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفّر الدّين
المكّي، ثم سافر
__________
[1] قلت: ذكرها الشوكاني بتمامها في «البدر الطالع» .
[2] كذا في «ط» و «البدر الطالع» : «يوم الثلاثاء من ذي الحجّة» وفي
«آ» : «يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجّة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 163) .
(10/196)
إلى الرّوم، وعاد بتوليه الجامع والتكية
معا، ودخل دمشق عاشر رجب هذه السنة، فصرفه نائب الشام في تولية التكية
دون الجامع.
وتوفي ليلة الجمعة خامس ذي الحجة الحرام ودفن بالقرب من الشيخ محيي
الدّين بن عربي تحت السماء.
وفيها المولى التّوقاتي الحنفي [1] العالم المدرّس ببلدة أماسية.
قال النجم الغزّي: كان فاضلا، منقطعا عن الناس بالكلّية، مشتغلا
بالدّرس والعبادة. وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياء.
وكان صالحا، مباركا.
مات بأماسية في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان. انتهى.
وفيها حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد
النّاشري اليمني الشافعي [2] .
قال في «النور» : ولد ثالث عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأخذ
الفقه والحديث عن العلّامة قاضي القضاة الطيب بن أحمد النّاشري، مصنّف
«الإيضاح على الحاوي» وعن والده [3] قاضي القضاة عبد الله وغيرهما.
وروى عن القاضي مجد الدّين الفيروزآبادي صاحب «القاموس» وغيره. وأجازه
شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وكتب له بالإجازة هو وعلماء مصر،
كالشيخ زكريا الأنصاري، والجوجري، والسيوطي، وابن أبي شريف، وغيرهم.
ومن الحجاز أبو الخير السّخاوي، واشتهر باللّطافة والعلم. وكان كثير
الزواج، قارب المائة وهو يفتض الأبكار، ورزق كثيرا من الأولاد.
مات غالبهم. وتفقه به خلائق كثيرون، كالحافظ ابن الدّبيع، وأبي البركات
النّاشري.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (251) و «الكواكب السائرة» (1/
168) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (130- 131) و «البدر الطالع» (1/ 158)
.
[3] في «ط» : «وعن والده» وهو خطأ.
(10/197)
وله مصنّفات حسنة غريبة، منها «الأربعون
التهليلية» و «مسالك التحبير من مسائل التكبير» ومختصره «التحبير في
التكبير» و «انتهاز الفرص في الصّيد والقنص» ، وكتاب النبات العظيم
الشأن المسمى «حدائق الرّياض وغوصة الفياض» و «عجائب الغرائب وغرائب
العجائب» و «سالفة العذار في الشعر المذموم والمختار» وغير ذلك.
وله شعر لطيف منه:
إذا نظرت إلى العيناء [1] تحسبها ... جاما من التّبر فيه فصّ ياقوت
أو خدّ غانية يحمرّ من خجل ... أو قرص عاشقة أدماه كالتّوت
وتوفي يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة بمدينة زبيد، ودفن بمقبرة سلفه
الصّالح بباب سهام قريبا من قبر الشيخ إسماعيل الجبرتي. انتهى وفيها
السلطان سليم بن أبي يزيد بن محمد السّلطان المفخم والخاقان المعظم
سليم خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان [2] .
هو من بيت رفع الله على [3] قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم
أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية،
فرفعوا [4] عماد الإسلام وأعلوا مناره، وتواصوا باتباع السّنّة
المطهّرة، وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك
بلاد العرب واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم فانفلوا عن
مليكهم وجدوا في الهرب.
ولد بأماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجلس على تخت السلطنة
وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلّمها إليه،
وكان
__________
[1] في «آ» : «إلى العنباء» .
[2] ترجمته في «البدر الطالع» (1/ 265- 267) ، و «مفاكهة الخلان» (2/
27) ، و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (188- 197) ، و «النور
السافر» ص (119) وفيه وفاته سنة (924) .
[3] لفظة «على» سقطت من «آ» .
[4] في «ط» : «رفعوا» .
(10/198)
السلطان سليم ملكا قهّارا وسلطانا جبّارا،
قوي البطش، كثير السفك، شديد، التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم
التجسس عن أخبار الناس، وربما غيّر لباسه وتجسس ليلا ونهارا. وكان شديد
اليقظة والتحفظ، يحب مطالعة التواريخ وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسي،
والرّومية، والعربية، منه ما ذكره القطب الهندي المكّي أنه رآه بخطّه
في الكوشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر ونصه:
الملك لله من يظفر بنيل غنّى ... يردده قسرا ويضمن عنده الدّركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التّراب لكان الأمر مشتركا
وقال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه «نزهة الناظرين» : وفي أيامه تزايد
ظهور شأن إسماعيل شاه، واستولى على سائر ملوك العجم، وملك خراسان،
وأذربيجان، وتبريز، وبغداد، وعراق العجم، وقهر ملوكهم، وقتل عساكرهم،
بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف [1] ، وكان عسكره يسجدون له ويأتمرون
بأمره، وكاد يدّعي الرّبوبية، وقتل العلماء، وأحرق كتبهم ومصاحفهم،
ونبش قبور المشايخ من أهل السّنّة وأخرج عظامهم [2] وأحرقها، وكان إذا
قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر فلما بلغ السلطان سليم ذلك
تحركت همّته لقتاله، وعدّ ذلك من أفضل الجهاد، فالتقى معه بقرب تبريز
بعسكر جرّار، وكانت وقعة عظيمة، فانهزم جيش إسماعيل شاه، واستولى سليم
على خيامه وسائر ما فيها، وأعطى الرّعية الأمان، ثم أراد الإقامة
بالعجم للتمكن من الاستيلاء عليها فما أمكنه ذلك لشدة القحط، بحيث بيعت
العليقة بمائتي درهم، والرّغيف بمائة درهم، وسببه تخلّف قوافل الميرة
التي كان أعدّها السلطان سليم وما وجد في تبريز شيئا لأن إسماعيل شاه
عند انهزامه أمر بإحراق أجران الحبّ والشعير، فاضطر سليم للعود إلى
بلاد الرّوم.
__________
[1] كذا في «ط» ونسختي «المنتخب» لابن شقدة: «على ألف ألف» وفي «آ» :
«على مائة ألف ألف» .
[2] في «ط» : «أعظامهم» .
(10/199)
وفي أيامه كانت وقعة [1] الغوري، وذلك أن
السلطان [2] سليم لما رجع من غزو إسماعيل شاه تفحص عن سبب انقطاع قوافل
الميرة عنه، فأخبر أن سببه سلطان مصر قانصوه الغوري، فإنه كان بينه
وبين إسماعيل شاه محبّة ومراسلات وهدايا، فلما تحقّق سليم ذلك، صمّم
على قتال الغوري، أولا، ثم بعده يتوجه لقتال إسماعيل شاه ثانيا، فتوجه
بعكسره [3] إلى جهة حلب سنة اثنتين وعشرين كما تقدّم، فخرج الغوري
بعساكر عظيمة لقتاله، ووقع المصاف بمرج دابق شمالي حلب، ورمى عسكر سليم
عسكر الغوري بالبندق، ولم يكن في عسكر الغوري شيء منه، فوقعت الهزيمة
على عسكر الغوري بعد أن كانت النصرة له أولا، ثم فقد تحت سنابك الخيل
كما مرّ عند ذكره، وكان ذلك بمخامرة خير بك والغزالي بعد أن عهد إليهما
السلطان سليم بتوليتهما مصر والشام، ثم بعد الوقعة أخليا له حلب لأنهما
معه في الباطن، فأقبل سليم إلى حلب فخرجوا إلى لقائه يطلبون الأمان
ومعهم المصاحف يتلون جهارا: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ الله
رَمى 8: 17 [الأنفال: 17] فقابلهم بالإجلال والإكرام، ثم حضرت صلاة
الجمعة، فلما سمع الخطيب خطب باسمه وقال: خادم الحرمين الشريفين، سجد
لله شكرا على أن أهلّه لذلك، ثم ارتحل للشام بعد أن أخلاها له خير بك
والغزالي، فخرجوا للقائه، ودعوا له، فأكرمهم، وأقام بها لتمهيد أمر
المملكة، وأمر بعمارة قبّة على الشيخ محيي الدّين بن عربي بصالحية
دمشق، ورتب عليها أوقافا كثيرة، ثم توجه إلى مصر، فلما وصل إلى خان
يونس بقرب غزّة قتل فيه وزيره حسام باشا، ثم لما دخل مصر وقع بينه وبين
طومان باي سلطان الجراكسة حروب يطول ذكرها، وقتل بها وزير سليم يوسف
باشا سنان باشا، وكان مقداما، ذا رأي وتدبير، فأسف سليم عليه، بحيث
قال: أي فائدة في مصر بلا يوسف، وقاتل طومان باي ومن معه من الأمراء
قتالا شديدا، وظهر لطومان باي شجاعة قوية عرف بها، وشهد له بها
الفريقان، وأوقع الفتك بعسكر السلطان سليم، ولولا شدة عضده بخير بك
__________
[1] في «آ» : «واقعة» .
[2] لفظة «السلطان» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» : «فتوجه عسكره» .
(10/200)
والغزالي ومكيدتهما ما ظفر بطومان باي، ثم
لما ظفر به أراد أن يكرمه ويجعله نائبا عنه بمصر فعارضه خير بك وخاف
عاقبة فعله، وقال لسليم: إنك إن فعلت ذلك استولى على السلطنة ثانيا،
وحسّن له قتله، فقتله وصلبه بباب زويلة، ودفنه كما أسلفنا، ونزل
السلطان سليم بالمقياس مدة إقامته بمصر بعدا عن روائح القتلى، وحذرا من
المكيدة، إلى أن مهدها، ثم ولّى خير بك أمير الأمراء على مصر، وولىّ
الغزالي على الشام، وولّى بمصر القضاة الأربع، وهم قاضي القضاة كمال
الدّين الشافعي، وقاضي القضاة نور الدّين علي بن ياسين الطرابلسي
الحنفي، وقاضي القضاة الدّميري المالكي، وقاضي القضاة شهاب الدّين أحمد
بن النّجار الحنبلي، واستولى على الأرض الحجازية وغيرها، ورتّب
الرواتب، وأبقى الأوقاف على حالها، ورتّب لأهل الحرمين في كل سنة سبعة
آلاف أردّب حبّ، ثم عاد إلى القسطنطينية [1] وقد أصرف غالب خزائنه،
فأخّر السفر عن بلاد العجم ليجمع ما يستعين به على القتال، فظهر له في
ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذّاق
الأطباء، وتحيّرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتّى حالت بينه
وبين الأمنية، وخلّت بينه وبين المنية، فتوفي- رحمه الله تعالى- في
رمضان أو شوال بعد علّة نحو أربعين يوما.
وذكر العلائي في «تاريخه» أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة وقد
خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن بها حتّى وصل إلى
المكان الذي بارز فيه أباه السلطان بايزيد [2] حين نازعه في السلطنة،
فطلب له الجرايحية والأطباء فلم يدركوه إلا وقد تآكلت ووصلت إلى
الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعا عنه ولا نفعا، ومات بها، ودفن بأدرنة عند
قبر أبيه. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الله بن إبراهيم الفاضل العلّامة
الشهير بابن الشّيشري الحنفي [3] .
__________
[1] في «ط» : «ثم عاد للقسطنطينية» .
[2] في «آ» و «ط» : «أبا يزيد» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) .
(10/201)
قال في «الكواكب» : قرأ على علماء العجم،
وبرع هناك في العربية والمعقولات، ثم دخل بلاد الرّوم، وعيّن له
السلطان سليم كل يوم ثلاثين عثمانيا، وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين
بيتا أحد مصراعي كل بيت تاريخ لسلطنة السلطان سليمان، والمصراع الثاني
من كل بيت تاريخ فتح رودس.
وله «حواش على حاشية شرح المطالع» للسيد الشريف، و «شرح على الكافية» و
«رسالة في المعمّى» فارسية. انتهى وفيها- تقريبا- أيضا جمال الدّين عبد
الله بن أحمد الشنشوري المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة.
له «شرح التدريب» للسّراج البلقيني، رحمهما الله تعالى.
وفيها جمال الدّين عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي- من قرية
البويضة من أعمال دمشق- ثم الدمشقي الشافعي [2] الشيخ الإمام العلّامة.
ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وكان رفيقا للشيخ تقي الدّين البلاطنسي
على مشايخه، وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي «صحيح البخاري» وغيره.
توفي بالبيمارستان النوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي القعدة وصلّى
عليه إماما رفيقه البلاطنسي، ودفن بمقبرة باب الصغير جوار الشيخ نصر
المقدسي بصفة الشهداء.
وفيها قاضي القضاة بدر الدّين أبو البقاء محمد بن محمد بن عبد الله بن
الفرفور الدمشقي الحنفي [3] .
قال في «الكواكب» : اشتغل يسيرا في الفقه على البرهان بن عون، ثم ولي
كتابة السّر عوضا عن أمين الدّين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي
القضاة شهاب الدّين بن الفرفور قاضي القضاة محبّ الدّين القصيف عن نظر
القصاعية
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 217) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (55/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
217- 218) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 13) و «الدارس في تاريخ المدارس»
(1/ 565) .
(10/202)
وتدريسها، وأسمعه الحديث على جماعة من
الدمشقيين، ثم ولي قضاء قضاة الحنفية بالشام مرارا عزل من [1] آخرها في
شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. انتهى.
وفيها المولى زين الدّين وقيل زين العابدين محمد بن محمد الفناري
الرّومي الحنفي [2] العالم الفاضل، أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة
العثمانية.
قرأ على علماء عصره، منهم المولى الفاضل علاء الدّين الفناري، ثم وصل
إلى خدمة المولى ابن المعروف معلّم السلطان بايزيد، ثم تنقلت به
الأحوال إلى أن صار قاضيا بدمشق، ثم بحلب.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذكيا، صاحب طبع وقّاد، وذهن
نقّاد، قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب مروءة وفتوة، محبا للفقراء
والمساكين، يبرّهم ويرعى جانبهم. وكان في قضائه مرضي السيرة، محمود
الطريقة. انتهى.
وذكر ابن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب، وتوفي وهو قاض
بحلب في أول ربيع الأول.
وفيها قاضي القضاة صلاح الدّين محمد بن أبي السعود بن إبراهيم الشيخ
الإمام قاضي قضاة مكّة المشرّفة ابن ظهيرة المكّي الشافعي [3] .
جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير
جرم ولا ذنب، بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره
من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان أطلق كلّ من في حبسه من أرباب
الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة، فلما قتل الغوري أطلقه طومان
باي، ثم لما وصل السلطان سليم إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدّين،
فأكرمه، وعظّمه، وخلع عليه، وجهّزه إلى مكة معزوزا مكرّما، مع الإحسان
إليه.
وجعله نائبه في تفرقة الصدقات السّليمية في تلك السنة، وخطب عامئذ في
الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي بها في أواخر هذه
السنة.
__________
[1] في «ط» : «عزل عن» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة»
مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (238- 239) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (73/ ب) .
(10/203)
وفيها نبهان بن عبد الهادي الصّفوري [1]
الشافعي [2] ، العالم الفاضل، العارف بالله تعالى [1] .
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «معجم تلامذته» قال:
وكان من عباد الله الصالحين، سريع الدّمعة، خاشع القلب، ساكن الحواس،
قرأ على الوالد «ألفيته» في التصوف كاملة، وحضر دروسي كثيرا، واستجازني
فأجزته.
انتهى.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 310- 311) .
(10/204)
سنة سبع وعشرين
وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي
الوفاء الأرمنازي ثم الحلبي الشافعي [1] ، الشيخ الصّالح المعمّر.
كان من حفّاظ كتاب الله تعالى، وكان إماما للسلطان الغوري حين كان حاجب
الحجّاب بحلب، فلما تسلطن توجه الشيخ إبراهيم إليه إلى القاهرة وحجّ
منها في سنة ست وتسعمائة، ثم عاد إليها واجتمع به فأحسن إليه، وأمره
بالإقامة لإقراء ولده فاعتذر إليه فقبل عذره، ورتّب له ولأولاده من
الخزينة في كل سنة ثلاثين دينارا، ثم عاد إلى حلب.
قال ابن الحنبلي: واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهابا وإيابا وفي
إقامته بمصر قدر شهرين ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ختمة، قيل: وكان
راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة وبدونه ختمة
ونصفا، وكان يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التّلاوة.
وتوفي بحلب، رحمه الله تعالى.
وفيها تقي الدّين أبو بكر الظّاهري المصري [2] نزيل دمشق، الشيخ الفاضل
العالم.
توفي بدمشق في مستهل شهر [3] رمضان.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 39- 40) ، و «الكواكب السائرة» (1/
106) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 120) .
[3] لفظة «شهر» سقطت من «ط» .
(10/205)
وفيها المولى أحمد باشا بن خضر بك بن جلال
الدّين الرّومي الحنفي [1] .
قال في «الكواكب» : كان عالما متواضعا للفقراء، ولما بني السلطان محمد
خان المدارس الثمانية أعطاه واحدة منها، وسنّه يومئذ دون العشرين، ثم
تنقل في المناصب حتّى صار مفتيا بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد،
وأقام بهامدة متطاولة، وله مدرسة هناك بقرب الجامع الكبير منسوبة إليه.
وله كتب موقوفة على المدرسة. وتوفي في هذه السنة.
قال في «الشقائق» : وقد جاوز التسعين.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي علاء الدّين علي بن البهاء بن عبد
الحميد بن إبراهيم البغدادي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [2] الإمام
العلّامة.
ولد ليلة الاثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن
أبيه وغيره، وانتهت إليه رئاسة مذهبه، وقصد بالفتاوى، وانتفع الناس به
فيها وفي الإشغال، وتعاطى الشهادة على وجه إتقان لم يسبق إليه، وفوض
إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية زين العابدين الفناري، ثم ترك
ذلك، وأقبل على العلم والعبادة، ومن تلاميذه البدر الغزّي، وللبدر عليه
«مشيخة» أيضا، وهو الذي أشار عليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده
الشيخ رضي الدّين، وكان يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه فاستأذنه
له فيها.
وتوفي صاحب الترجمة بدمشق بكرة نهار الجمعة حادي عشري رجب، ودفن بتربة
باب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد، المعروف بابن نابتة المصري الحنفي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (109) و «الكواكب السائرة» (1/
134) و «الطبقات السّنية» (1/ 344- 345) و «الفوائد البهية» ص (26) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
140) و «النعت الأكمل» ص (100- 101) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) .
(10/206)
حضر في الفقه على العلّامة الشمس قاسم بن
قطلوبغا، والجلال الطرابلسي، والقراءات عن الشمس الحمصاني، وكان
متزهدا، متقللا، وأقبلت عليه الطلبة، واشتغل الناس عليه، وأصيب بالفالج
أشهرا، ثم توفي ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني وهو في أواخر
الثمانين، ودفن بتربة الجلال السيوطي.
وفيها شهاب الدّين أحمد المنوفي [1] الشيخ الفاضل المحصّل المعتقد
الشافعي متولي الظّاهرية القديمة بمصر.
ولي قضاء بلده منوف العليا، فباشر القضاء بعفّة ونزاهة، وطرد البغايا
من تلك الناحية، وأزال المنكرات، واستخلص الحقوق، بحيث كانت تأتيه
الخصوم من بلاد بعيدة أفواجا، وتستخلص بهمته وعدله حقوقا كانت قد ماتت.
قال العلائي: وقد أوقفني على عدة «مختصرات» له في الفقه، والفرائض،
والحساب، والعربية، حوت مع الاختصار فوائد وفرائد خلت منها كثير من
المختصرات والمطوّلات.
وتوفي في مستهل شوال.
وفيها صدر الدّين إدريس المارديني القاهري [2] ، الإمام العالم المؤرّخ
المنشئ.
توفي بالقاهرة في هذه السنة.
وفيها جان بردي بن عبد الله الجركسي، الشهير بالغزالي [3] ، السّخيف
الرأي.
كان في الدولة الجركسية كافل حماة، ثم دمشق، ثم خامر على الغوري كما
تقدم، ووعده السلطان سليم بنيابة [4] دمشق، ومع هذا فإنه لما فرّ من
ميسرة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 168- 171) .
[4] في «آ» : «نيابة» .
(10/207)
الغوري بمرج دابق مخامرة، رجع إلى مصر ولحق
بطومان باي، وأعانه على السلطان سليم، ولما افتتح السلطان سليم مصر ثبت
على ميثاقه ووعده، وولاه نيابة الشام، وخرج في ركابه من مصر إلى دمشق،
ثم خرج في وداعه، ثم عاد إلى دمشق، وقد ولّى السلطان سليم قاضي القضاة
ابن الفرفور بعد أن تحنّف، وكان شافعيا، وأبطل القضاة الأربعة إلّا ابن
فرفور، فكان قاضيا. وكان الغزالي نائبا فأعاد الشهود إلى مراكزهم على
عادتهم في الدولة الجركسية، ووقع بينه وبين ابن فرفور بهذا السّبب، غير
أن الغزالي نشر العدل في دمشق وأعمالها، وأبطل ما كان حدث بها من اليسق
[1] ، ومنع البوّابين أن يأخذوا شيئا من الداخلين إلى المدينة، وجرّد
السيف على كل من تعرّض من الأروام لامرأة أو صبيّ. وكتب بذلك إلى
السلطان سليم، وأخبره بأن دمشق غير معتادة لشيء من هذه المناكير، فأجيب
بأنّا قلدناك أمر الرّعية فافعل ما هو الشرع، وعرض بالقضاء لقاضي
القضاة شرف الدّين بن مفلح بدلا عن ابن فرفور، فأجيب إلى ذلك، فباشر
الغزالي النيابة، وابن مفلح القضاء بسيرة حسنة إلى سنة ست وعشرين، فكان
الغزالي ببيروت وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من ساعته إلى دمشق
وحاصر قلعتها، ثم سلّمها إليه أهلها، ونفي نائبها إلى بيت المقدس، وجعل
نيابتها للأمير إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته
ويدعوا له بها [2] على المنابر، وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء
الناس، ثم توجّه إلى طرابلس، وحمص، وحماة، وحلب، وحاصر قلاعها، ولم
يظفر بطائل، لكنه قبض على كافل حمص وقتله، ثم دخل حماة- وقد فرّ كافلها
وقاضيها إلى حلب- فأخذ من كان معه في النّهب، وقتل من كان له غرض في
قتله، وكان فرّ ابن فرفور أيضا إلى حلب خوفا من معرته، ولما بلغ
السلطان سليمان خبره جهّز إليه جيشا، فصار الغزالي يحصّن قلعة دمشق وما
حولها، ونصب بها منجنيقا ليرمي به المحاصرين، وصار يركب من دار السعادة
إلى القلعة، ومن القلعة إلى دار السعادة، وضاقت عليه الأرض، وهمّ
بالهرب، فثبّت
__________
[1] اليسق: كلمة تركية تعني (الممنوع) .
[2] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
(10/208)
جأشه جهلة عساكره الذين جمعهم من القرى،
وقالوا: نحن فينا كفاية.
قال الحمصي: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر صفر أمر جان بردي
الغزالي أن يخطبوا له بالسلطنة ويلقّبوه بالأشرف، وصلى بالجامع الأموي
في المقصورة، وخطب له بالأشرف، ووقف على المقصورة بساط في اليوم
المذكور.
قال: وفي يوم السبت جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي وحلّفهم أن لا
يخونوه، وأن يكونوا معه على كلمة واحدة، ثم خرج يوم الثلاثاء سابع
عشريه هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون، ووصل
العسكر العثماني إلى القصير، وعدّته اثنان وستون ألفا باشهم الوزير
الثالث فرحات، وصحبته نائب حلب قراجا باشا، والأمير شاه سوار، وقاضي
القضاة ولي الدّين بن فرفور، وقد أعيد إلى القضاء على عادته. وكان صحبة
الغزالي الأمير يونس بن القواس بعشيره والأمير عمر بن العزقي بعشيره،
فالتقى العسكران بين دوما، وعيون فاسريا، والقصير، ففرّ ابن القواس
بعشيره، وثبت الغزالي وقليل ممن معه، فقتلوا وقتل معه عمر بن العزقي،
واستأصل جميع عسكره الأسافل، وذكروا أن عدة القتلى كانت سبعة آلاف، ثم
دخل العسكر العثماني دمشق، فرأوا الأبواب مفتحة، وسلّمهم ابن الأكرم
مفاتيح القلعة، ولو قصدوا قتل العوام لفعلوا، وكان ذلك يوم الثلاثاء
سابع عشري صفر.
وفيها بدر الدّين حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل، العالم
الحنفي [1] .
قال في «الكواكب» : اشتغل قليلا على الزّيني ابن العيني، واعتنى
بالشهادة، ثم تركها، وحصّل دنيا واسعة، وحجّ سنة عشرين، وجاور، وولي
نظر الماردانية والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدّين عن تدريسها وعدة
مدارس، ولم يكن فيه أهليّة، فتفرقها الناس، مع أنه كان كثير الشرّ كما
قال ابن طولون.
ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر، ودفن يوم الأربعاء بالسفح.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 181- 182) و «متعة الأذهان»
الورقة (36/ ب) .
(10/209)
وفيها سيدي ابن محمود، المولى العالم
الصالح الرّومي الحنفي، الشهير بابن المجلّد [1] .
كان أصله من ولاية قوجه إيلي، واشتغل بالعلم، وحصّل، وصار مدرّسا
بمدرسة عيسى بيك ببروسا، ثم رغب في التصوف، وعين له كل يوم خمسة عشر
درهما بالتقاعد، ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري.
وكان فاضلا، مدقّقا، حسن الخطّ، صالحا، ديّنا، يخدم بيته بنفسه، ويشتري
حوائجه ويحملها من السوق بنفسه، ملازما للمسجد، منعزلا عن الناس.
وتوفي في حدود هذه السنة تقريبا.
وفيها القاضي محبّ الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ العابد الدّيّن
الصّالح الدسوقي [2] .
ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانمائة، وكان ناظر الأيتام بدمشق،
وفوض إليه نيابة القضاء في سنة ست عشرة وتسعمائة.
وتوفي ليلة السبت سابع ربيع الآخر فجأة، ودفن بمقبرة باب الصغير عند
والده.
وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن
يوسف بن عبد الله بن نعيم- بضم النون- النّعيمي [الدمشقي] [3] الشافعي
[4] الشيخ العلّامة الرّحلة، مؤرخ دمشق، وأحد محدّثيها.
ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة، ولازم الشيخ
إبراهيم النّاجي، والعلّامة زين الدّين عبد الرحمن بن خليل، وزين
الدّين خطاب
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 213) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 226) و «متعة الأذهان» الورقة
(45/ آ) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[4] ترجمته في «مفاكهة الخلّان» (1/ 10) و «متعة الأذهان» الورقة (53/
آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 250) و «الأعلام» (4/ 43) و «معجم
المؤلفين» (5/ 301) .
(10/210)
الغزاوي، وزين الدّين مفلح بن عبد الله
الحبشي المصري ثم الدمشقي، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عن البدر بن
قاضي شهبة، والشّهاب بن قرا. وقرأ على البرهان البقاعي مصنّفه المسمى ب
«الأيذان» ، وأجاز له به، وبما يجوز [1] له وعنه روايته، وشيوخه كثيرة،
ذكرهم في تواريخه.
وألّف كتبا كثيرة، منها «الدارس في تواريخ المدارس» [2] . ومنها «تذكرة
الإخوان في حوادث الزمان» و «التبيين في تراجم العلماء والصالحين» و
«العنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان» و «القول البين [3] المحكم
في إهداء القرب للنّبيّ صلّى الله عليه وسلم» و «تحفة البررة في
الأحاديث المعتبرة» و «إفادة النّقل في الكلام على العقل» وغير ذلك.
وتوفي- كما قال ولده المحيوي يحيى- وقت الغداء يوم الخميس رابع جمادى
الأولى ودفن بالحمرية، رحمه الله تعالى.
وفيها- وقيل في سنة عشر وتسعمائة وقيل سنة [4] سبع عشرة ولعله الصحيح-
علي النّبتيتي [5] الشافعي الشيخ الإمام العلّامة ولي الله تعالى
العارف به البصير بقلبه المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر.
كان رفيقا للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال، وبينهما أخوة أكيدة، وأخذ
العلم عن جماعة، منهم الكمال إمام الكاملية. وكان النّبتيتي من جبال
العلم، متضلعا من العلوم الظّاهرة والباطنة، وله أخلاق شريفة، وأحوال
منيفة، ومكاشفات
__________
[1] في «ط» : «وبما تجوز» .
[2] المعروف في اسمه: «الدارس في تاريخ المدارس» وقد نشره المجمع
العلمي العربي بدمشق منذ سنوات طويلة في مجلدين بتحقيق الأمير جعفر
الحسني، وقد حصل فيها الكثير من التحريف والتصحيف.
ويقوم بإعادة تحقيقة الآن الأخ الأستاذ أحمد فائز الحمصي بتكليف من
مؤسسة الرسالة ببيروت.
[3] في «ط» : «المبين» .
[4] لفظة «سنة» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 281- 282) و «جامع كرامات
الأولياء» (2/ 188) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 124- 125) .
(10/211)
لطيفة، وكان يغلب عليه الخوف والخشية، حتّى
كأن النار لم تخلق إلّا له وحده، وكان الناس يقصدونه للعلم، والإفتاء،
والإفادة، والتبرّك، والزيارة، من سائر الآفاق.
وكانت ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر، والشام، والحجاز، فيجيب عنها
نظما ونثرا.
وكانت نصوص الشافعي وأصحابه كأنّها نصب عينيه.
وكان مخصوصا في عصره بكثرة الاجتماع بالخضر.
قال الشعراوي: كان وقته كله معمورا بالعلم والعبادة ليلا ونهارا. وكان
يقول: لا يكمل الرجل في العقل إلّا إن كان [1] كاتب الشمال لا يجد شيئا
من أعماله يكتبه.
وله مناقب كثيرة.
ومن شعره- رضي الله تعالى عنه-:
وما لي لا أنوح على خطائي ... وقد بارزت جبّار السماء
قرأت كتابه وعصيت سرّا ... لعظم بليّتي ولشؤم دائي
بلائي لا يقاس به بلاء ... وأعمالي تدلّ على شقائي
فيا ذلّي إذا ما قال ربّي ... إلى النّيران سوقوا ذا المرائي
فهذا كان يعصيني جهارا ... ويزعم أنّه من أوليائي
تصنّع للعباد ولم يردني ... وكان يريد بالمعنى سوائي
في أبيات أخر [2] .
توفي يوم عرفة ببلدة ودفن بها، وقبره بها يزار.
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «ط» .
[2] وهي أربعة أبيات ذكرها الشعراني في «الطبقات الكبرى» وقد استحسنت
ذكرها لما فيها من العبرة لمن يعتبر:
فيا ربّي عبيد مستجير ... يروم العفو من ربّ السماء
حقير ثم مسكين فقير ... بنبتيت أقام على الرّياء
عليّ باسمه في الناس يعرف ... وما يدري اسمه حال ابتداء
فآنسه إذا أمسى وحيدا ... رهين الرّمس في لحد البلاء
(10/212)
وفيها المولى غياث الدّين الشهير بباشا
جلبي الرّومي [1] الحنفي، العالم الفاضل، ابن أخي آق شمس الدّين
الرّومي.
قرأ على المولى الخيالي، والمولى خواجه زاده، وغيرهما، وصحب الصّوفية،
ثم أعطي مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية [2] ، ثم إحدى الثمانية،
ثم ترك ذلك، واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ثم أعطي سلطانية أماسية،
مع منصب الفتوى، ثم تركها، وأعطى تقاعدا بسبعين عثمانيا كل يوم، ثم طلب
مدرسة القدس الشريف فمات قبل السفر إليها.
وله رسائل كثيرة، لكنه لم يدوّن كتابا، رحمه الله تعالى.
وفيها شرف الدّين قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني [3] المالكي
الشيخ الفاضل الصالح المعتقد.
كان أولا مقيما في صحبة رفيقه الشيخ العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام
الشيخ تاج الدّين بن عطاء الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام
الشافعي- رضي الله عنه- خادما لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدّين السيوطي،
وارتبط به، وقلّده في ملازمة لبس الطيلسان صيفا وشتاء، وكان يتردد إلى
التّقي الأوجاقي وغيره، وأخذ عنه البدر الغزّي.
وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان.
وفيها كمال الدّين محمد بن الشيخ غياث الدّين أحمد بن الشيخ كمال
الدّين الشماخي [4] الأصل والمولد- وشماخي أمّ المدائن بولاية شروان
[5]-.
أخذ عن السيد يحيى بن السيد بهاء الدّين الشرواني الشماخي ثم الباكوي-
وباكو بلدة من ولاية شروان أيضا- وبها توفي السيد يحيى سنة ثمان أو تسع
وستين
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (198) و «الكواكب السائرة» (1/
163) .
[2] أي في إستانبول.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 293- 294) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 32- 33) .
[5] انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 361) و «مراصد الإطلاع» (2/ 810)
.
(10/213)
وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل
المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك- وأما صاحب الترجمة فذكر
العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه فلم يظهر مشيخة
ولا سلوكا، ولا تقرّب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان
الخليلي يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم، بحسن صناعة،
وجميل دربة، وإتقان صنع، وكان حافظا لعبارات كثير من المشايخ وآدابهم
وأخلاقهم وحسن سيرتهم، مما خلا منه كثير من المتصدّرين، مع عدم التكبّر
[1] والتبجح.
وتوفي ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول، قال العلائي: عن مائة وثلاث عشرة
سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبيد الضرير [2] الشيخ الإمام العلّامة
المقرئ المجوّد.
ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافيا بميدان الحصى بدمشق، ثم
اشتغل بالعلم، وأمّ وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان عالما
صالحا يقرئ «الشاطبية» وغيرها من كتب القراءات والتجويد، وانتفع به خلق
كثير.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشري القعدة ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من
ضريح الشيخ حمّاد، رحمهما الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن ليل الزّعفراني التّونسي [3] القاطن
بالقاهرة.
قال في «الكواكب» : كان يحفظ أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع
التحميدات، والتسبيحات، والصّلوات، ويعرف الألسن العربية المتنوعة،
والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة.
مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بتربة
المجاورين.
__________
[1] في «ط» : «التكثر»
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
56- 57) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .
(10/214)
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد بن محمد
البردعي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم العالم الفاضل.
كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده وغيره، ثم دخل شيراز وهراة،
وقرأ على علمائها، وحصّل علما كثيرا، ثم ارتحل إلى بلاد الرّوم، وصار
مدرّسا بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين
بأدرنة.
وتوفي وهو مدرّس بها، وله «حواش على تفسير البيضاوي» و «حواش على شرح
التجريد» للسيد الشريف، و «حواش على التلويح» و «شرح على آداب البحث»
للعضد. وكان له حظّ وافر من العلوم، ومعرفة تامّة بالعربية، والتفسير،
والأصول، والفروع.
وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعا، متخشعا، له وجاهة ولطف، ويكتب
الخطّ الحسن، مع سرعة الكتابة.
وتوفي بأدرنة في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها الأمير مرجان بن عبد الله الظّافري [2] الذي عمّر قبة العيدروس
بعدن، وهو مدفون معه فيها.
قال في حقّه العلّامة بحرق: الأمير المؤيد بتوفيق الله وعنايته،
المسدّد بحفظ الله ورعايته، الذي فتح الله بنور الإيمان عين بصيرته،
وطهّر عن سوء العقيدة باطن سريرته، وصار معدودا من الأولياء لموالاته
لهم باطنا وظاهرا، وحاز من بين الولاة والحكّام من التواضع لله والرّفق
بالفقراء والمساكين حظا وافرا، مرجان بن عبد الله الظافري لا زال على
الأعداء ظافرا وإلى مرضاة مولاه مبادرا. انتهى.
وفيها نسيم الدّين قاضي مكّة الحنفي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230، 231) و «الكواكب السائرة»
(1/ 18) و «الأعلام» (7/ 55) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (132- 133) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 311) .
(10/215)
قال العلائي: كان فاضلا، ذكيا، مستحضرا
لكثير من المسائل، حافظا لمتن المجمع، ديّنا فصيحا، لطيفا، عفيفا، لا
يتناول على القضاء شيئا البتة، وأخذ الفقه عن الشمس بن الضّياء، وعن
جماعة من المصريين وغيرهم.
وتوفي بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة. انتهى
(10/216)
سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة
فيها توفي تقي الدّين أبو الصّدق أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن
محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله، المعروف
بابن قاضي عجلون الزرعي ثم الدمشقي [1] الشافعي الإمام العلّامة القدوة
الرّحلة الأمة العمدة.
ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، واشتغل على والده
وأخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، وعلى شيخ الإسلام زين الدّين خطاب. وسمع
الحديث على المسند أبي الحسن بن بردس البعلي، والحافظ شمس الدّين بن
ناصر الدّين وغيرهما، وأخذ عن ابن حجر مكاتبة، والعلم صالح البلقيني،
والشمس المناوي، والجلال المحلّي.
وكان إماما، بارعا في العلوم، وكان أفقه أهل زمانه وأجلّ معاصريه
وأقرانه، ودرّس بالجامع الأموي، والشامية البرانية، والعمرية،
وبالقاهرة دروسا حافلة، وألّف منسكا لطيفا، وكتابا حافلا سمّاه «إعلام
النّبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي، والبهجة، والتنبيه» ، وانتهت
إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد الشام، بل وبغيرها من بلاد
الإسلام، وحصل له من السّعد في العلم، والرئاسة، وكثرة التلامذة، وقرّة
العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة، إلّا أن القاضي
زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف، مع تحريرها وتحقّيقها،
رحمهما الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» (21/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 114-
118) و «الأعلام» (2/ 66- 67) .
(10/217)
وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته،
كالشيخ شمس الدّين الكفرسوسي، والشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والسيد
كمال الدّين بن حمزة، والقاضي رضي الدّين الغزّي، والبدر الغزّي،
والشيخ بهاء الدّين الفصي البعلي، والشيخ تقي الدّين القاري، والشيخ
علاء الدّين القيمري، والشرف العيثاوي، وغيرهم.
ولما قدم العلّامة برهان الدّين البقاعي دمشق في سنة ثمانين وثمانمائة،
تلقاه الشيخ تقي الدّين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة، ثم لما
ألّف كتابه في الردّ على حجّة الإسلام الغزّالي في مسألة ليس في
الإمكان أبدع مما كان، وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله، حتى
أكفر بعضهم. كان الشيخ تقي الدّين ممن أنكر على البقاعي ذلك وهجره بهذا
السبب، خصوصا بسبب حجّة الإسلام، مع أنه كان ينهى عن مطالعة كتب ابن
العربي.
قال الحمصي في «تاريخه» : وامتحن شيخ الإسلام مرارا، منها مرة في أيام
الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدّين الأسلمي المعارضة لفتيا
تلميذه وابن أخيه السيد كمال الدّين بن حمزة، وطلب هو والسيد وجماعة
إلى القاهرة، وغرم بسبب ذلك أموالا كثيرة، حتى باع أكثر كتبه، وانتهى
الأمر آخرا على العمل بفتياه وإعادة تربة ابن محب الدّين المهدومة
بفتوى السيد كما كانت، عملا بفتوى الشيخ تقي الدّين، وأعاد الشيخ تقي
الدّين هو وولده الشيخ نجم الدّين إلى دمشق، وقد ولي ولده قضاء قضاة
الشافعية بها.
وقال في «الكواكب» : أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أخبرنا شيخنا شيخ
الإسلام تقي الدّين بن قاضي عجلون، عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدّين، أن
جميع أسماء الذين أفتوا في عهد سيدنا [1] رسول الله صلّى الله عليه
وسلم في قوله:
لقد كان يفتي في زمان نبيّنا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة
معاذ وعمّار وزيد بن ثابت ... أبيّ بن مسعود وعوف حذيفة
__________
[1] لفظة «سيدنا» لم ترد في «ط» .
(10/218)
ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو
الدرداء وهو تتمة
وأفتى بمرآه أبو بكر الرّضى ... وصدّقه فيها وتلك مزيّة
وتوفي صاحب الترجمة ضحوة يوم الاثنين حادي عشر رمضان، ودفن بمقبرة باب
الصغير.
وفيها شهاب الدّين أبو السعود أحمد بن عبد العزيز السّنباطي المصري [1]
الشافعي العلّامة المحدّث.
ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وكان أحد العدول بالقاهرة. وسمع «صحيح
البخاري» على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين
بالقاهرة، وكانوا نحو أربعين شيخا، منهم العلّامة علاء الدّين
القلقشندي، وابن أبي المجد، والتّنوخي.
ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني، والشّهاب الأبدي صاحب «الحدود» في
النحو، والعلّامة ناصر الدّين بن قرقماس الحنفي صاحب «زهر الربيع في
شواهد البديع» أخذه عنه.
وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدّين الغيطي، قرأ عليه جميع
«صحيح البخاري» .
وتوفي في هذه السنة، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد [2] .
قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل العريق ابن الشيخ العالم، المعروف
بالراعي، شارح «الجرومية» .
قال العلائي: وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر، وتقدم في صناعة
التوريق والتسجيل واعتبر، وله فيه [3] مصنّفات.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 137) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 154- 155) .
[3] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .
(10/219)
وتوفي في [1] تاسع جمادي الأولى.
وفيها القاضي غرس الدّين خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان- بفتح
المعجمة والفاء، وإسكان اللام بينهما، وبالنون آخره- الدمشقي الحنبلي،
المعروف بالسّروجي [2] .
ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا، واشتهر بالشهادة،
ثم فوّض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة.
وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان ودفن بتربة الجورة بالميدان.
وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر النّبراوي الحنبلي [3] .
كان أقدم الحنابلة بمصر وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة، مع
سماع له ورواية، وكان أسود اللون، وله مع ذلك تمتع بحسان النّساء للطف
عشرته ودماءة أخلاقه. وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنّه.
مات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة عن نيّف وتسعين سنة.
وفيها زين الدّين عبد القادر المكّي الشّيباني الحنفي [4] .
دخل مصر متوجها إلى بلاد الرّوم لطلب قضاء الحنفية بمكّة، ثم رحل من
القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الاثنين سادس جمادى
الآخرة، فتوفي في أمّ الحسن.
وفيها عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي
المقرئ [5] .
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (38/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
189) و «النعت الأكمل» ص (102) و «السحب الوابلة» ص (164) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) و «النعت الأكمل» ص (102) و
«السحب الوابلة» ص (240) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 254) .
(10/220)
كان فاضلا صالحا. قرأ على البدر الغزّي
كثيرا. قاله في «الكواكب» .
وفيها جلال الدّين محمد بن أسعد الدّواني [1]- بفتح المهملة وتخفيف
النون، نسبة لقرية من كازرون- الكازروني الشافعي الصّدّيقي القاضي
بإقليم.
فارس.
قال في «النور السافر» : هو المذكور بالعلم الكثير، والعلّامة في
المعقول والمنقول، وممن أخذ عنه المحيوي اللّاري، وحسن بن البقّال،
وتقدم في العلوم، سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا
إليه من الرّوم، وخراسان، وما وراء النهر.
ذكره السخاوي في «ضوئه» فقال: وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني،
واستقره السلطان يعقوب في القضاء، وصنّف الكثير، من ذلك «شرح على شرح
التجريد» للطوسي. عمّ الانتفاع به. وكذا كتب على «العضدي» مع فصاحة،
وبلاغة، وصلاح، وتواضع، وهو الآن حيّ. في سنة تسع وتسعين ابن بضع
وسبعين. انتهى كلام «الضوء» .
وفيها المولى محمد بن خليل [2] .
قال في «الكواكب» : العالم الفاضل المولى محمد الرّومي الحنفي، قاضي
أذنة.
توجه إلى الحجّ الشريف فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة في ذي القعدة.
انتهى.
وفيها خير الدّين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزّي ثم
الدمشقي [3] المالكي قاضي القضاة العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 133) و «النور السافر» ص (133- 134)
و «البدر الطالع» (2/ 130) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 46) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (89/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
56) .
(10/221)
ولد بغزّة في ثاني عشر شوال سنة اثنتين
وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد
النّبيّ المالكي، وظهرت فضيلته خصوصا في علم الفرائض والحساب، ثم ولي
قضاء المالكية بالشام في سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة
حسنة بعفّة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في رمضان سنة
اثنتين وعشرين وتسعمائة، فتوجه إلى بلده ثم [إلى] مكة المشرّفة وبها
توفي في صفر ودفن بالمعلاة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ العلّامة علاء الدّين علي المحلّي
المصري [1] الشافعي المفتي، المعروف بابن قرينة.
تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس الفقه بالمؤيدية
والأشرفية. وكان ذا علم وعقل وتؤدة.
وتوفي في ثامن ربيع الثاني وخلّف ولدا صغيرا، أسند الوصاية عليه إلى
جماعة منهم السيد كمال الدّين بن حمزة الشامي.
وفيها زين الدّين محمد بن عمر البحيري [2] العلّامة، فقيه السلطان
الغوري.
توفي بمرض الاستسقاء [ليلة الخميس] [3] سادس عشر شعبان بعد أن نزل عن
وظائفه ووقف كتبه.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي ثم المقدسي
[4] سبط العلّامة تقي الدّين القلقشندي.
توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف وهو حمل في عاشر جمادي الآخرة سنة
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 58) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 70) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 17- 18) و «الأنس الجليل» (2/
185) و «الأعلام» ، (55- 56) .
(10/222)
تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده واشتغل
[1] بالعلم على علماء بيت المقدس، منهم الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى
القاهرة، فأخذ عن علمائها، منهم الشمس الجوجري، وسمع الحديث، وقرأه على
جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار إماما علّامة، من أعيان
العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدّين والتواضع. وكان عنده تودّد،
ولين جانب، وسخاء نفس، وإكرام لمن يردّ عليه، وأجمع الناس على محبّته.
وتوفي ليلة السبت ثالث عشر القعدة ببيت المقدس.
وفيها ولي الدّين محمد بن القاضي شمس الدّين محمد بن عمر الدّورسي
الصّالحي الحنبلي [2] الإمام العالم.
توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر ذي الحجّة ودفن بها.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله
الطّولقي المالكي [3] .
سمع على العلّامة جمال الدّين الطّمطامي.
قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، واتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي قضاء
دمشق عوضا عن قاضي القضاة شمس الدّين المرّيني، وعزل عن القضاء، ثم
وليه مرارا، ثم استمر معزولا مخمولا إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني
عشري شعبان فجأة، وكان له مدة قد أضرّ، وصار يستعطي ويتردّد إلى الجامع
الأموي.
وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة له، ودفن بمقرة باب الصغير. انتهى.
وفيها- أو في التي بعدها- المولى يعقوب الحميدي [4] ، العلّامة الشهير
باجه خليفة، أحد الموالي الرّومية.
__________
[1] في «آ» : «واستقل» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 68) و «النعت الأكمل» ص (56 و
103) و «السحب الوابلة» ص (443) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (101، آ) و «الكواكب السائرة» (1/
72) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275) و «الكواكب السائرة» (1/
314) .
(10/223)
خدم المولى علاء الدّين الفناري، ودرّس في
عدة مدارس، آخرها مدرسة مغنيسا، وهو أول مدرس بها.
ومات عنها.
وكان فاضلا صالحا متصوفا، له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره، ذو سمت
حسن، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.
(10/224)
سنة تسع وعشرين
وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل ابن يوسف بن
إسكندر، المعروف بابن الشيخ إسكندر الحلبي [1] نزيل دمشق الشافعي.
قال النجم الغزّي: هو جدّ أخي لوالدي لأمّه الشيخ العلّامة العارف
بالله تعالى شهاب الدّين أحمد الغزّي.
أخذ عن جماعة، منهم جدّي، ووالدي، وكان علّامة.
قال والدي: وكان له يد في علم الهيئة، والمنطق، والحكمة، وغير ذلك،
وكان مدرّس السيبائية بتقرير من واقفها سيباي نائب الشام [2] ، وناظرا
على وقف سيدي إبراهيم بن أدهم، رضي الله عنه.
قتله اللّصوص بدرب الرّوم. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله
بن عبد الرحمن بالحاج الشافعي بأفضل [3] .
قال في «النور» : ولد يوم الجمعة خامس شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة،
وتفقه بوالده، وبالفقيه محمد بن أحمد فضل، وأخذ عن قاضي، القضاة يوسف
بن يونس المقرئ وغيره، وبرع، وتميّز، وتصدّر للإفتاء والتدريس في زمن
والده،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 131) .
[2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «نائب الشام» وفي «ط» : «نائب
دمشق» .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (135) و «الأعلام» (1/ 160) .
(10/225)
وكان إماما، عالما، علّامة، فقيها، حسن
الاستنباط، قوي الذهن، شريف النفس، وكان والده يعظّمه ويثني عليه، وحجّ
مرارا، واجتمع في حجّته الأخيرة بسيدي محمد بن عراق، فصحبه ولازمه،
وتسلّك على يديه، وكان سخيا، كثير الصدقة وفعل المعروف، محبّا للصالحين
والفقراء، حسن العقيدة، ولم يزل على ذلك حتّى استشهد في معركة الكفّار
لما دخل الإفرنج الشحر، وقتلوا وأسروا ونهبوا، وذلك بعد فجر يوم الجمعة
عاشر ربيع الثاني، ودفن عند والده.
وله من التصانيف: «نكت على روض ابن المقري» [في مجلدين] [1] و «نكت على
الإرشاد» و «مشكاة الأنوار» .
قال مؤلّفه: عليك بالأوراد التي علقتها في كراريس سمّيتها «مشكاة
الأنوار» فإني ضمنتها والله الاسم الأعظم الذي هو إكسير الأولياء.
وله وصية مختصرة.
ومن كلامه من كان همّه المعالف فاتته المعارف. انتهى وفيها شهاب الدّين
أحمد البحيري المصري المالكي [2] العلّامة المفنّن، السالك، الشاعر
المعمّر.
حفظ القرآن العظيم، وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم أبي العبّاس
الشّربيني، وأخذ عن الشيخ مدين، واشتغل في العلم، وأمعن في العربية ولا
سيما التصريف، وألّف فيه شرحا جيدا على «المراح» وأخذ الفقه عن الشيخ
يحيى العلمي، وكتب بخطّه كثيرا.
وله نظم جيد وألغار، وكان قانعا، متقللا، وتزوج وهو شاب ثم تجرّد.
وتوفي في خامس شوال.
وفيها إدريس بن عبد الله [3] .
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 155) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 160) .
(10/226)
قال في «الكواكب» : الشيخ الفاضل اليمني
الشافعي، نزيل دمشق. كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد. حضر دروسه،
وشملته إجازته، وكان قد عزم على قراءة «المنهاج» عليه وعلى غيره
فعاجلته المنية.
وفيها المولى الفاضل بالي الإيديني الرومي الحنفي [1] .
أخذ العلم عن علماء عصره، واتصل بخدمة المولى خطيب زاده، ثم بخدمة
المولى سنان جلبي، ثم تنقّل في التدريس حتّى صار مدرسا بإحدى الثمانية،
ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانيا، ثم أعطي قضاء بروسا، ثم أعيد إلى إحدى
الثمانية، ثم ولي قضاء بروسا ثانيا، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، واستمر
بها إلى أن مات.
وكانت له مشاركة جيدة في سائر العلوم، قادرا على حلّ غوامضها. قويّ
الحفظ، مكبا على الاشتغال، حتّى سقط مرّة عن فرسه فانكسرت رجله، فاستمر
ملقى على ظهره أكثر من شهرين، ولم يترك الدرس، وألّف رسالة أجاب فيها
عن إشكالات سيدي الحميدي.
وتوفي في هذه السنة ودفن عند مسجده بالقسطنطينية.
وفيها زين الدّين بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف، الشهير بابن الكيّال
الشافعي [2] الصّالح الواعظ.
كان في ابتداء أمره تاجرا، ثم ترك التجارة بعد أن ترتّبت عليه ديون
كثيرة، ولازم الشيخ برهان الدّين النّاجي زمانا طويلا، وانتفع به.
قال الحمصي: قرأ عليه «صحيح البخاري» كاملا، وكتبا من مصنّفاته، ودرّس
بالجامع الأموي في علم الحديث، وكان متقنا، محرّرا، وخرّج أحاديث «مسند
الفردوس» وانتفع الناس به وبوعظه وحديثه.
وقال ابن طولون: رأس بعد موت شيخه، ولازم الجامع الأموي تجاه
__________
[1] ترجمته في «الطبقات السنية» (2/ 227- 228) و «الكواكب السائرة» (1/
163- 164) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/
165- 167) و «الأعلام» (2/ 49) .
(10/227)
محراب الحنابلة، ووعظ بمسجد الأقصاب، وجامع
الجوزة، وغيرهما، وخطب بالصّابونية سنين، وحصّل دنيا كثيرة، وصنّف عدة
كتب أي، منها كتاب «حياة القلوب ونيل المطلوب» في الوعظ، ومنها
«الكواكب الزاهرات [1] في معرفة من اختلط من الرواة الثقات» [2] ومنها
«أسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد» و «الجواهر الزواهي في
ذم الملاعب والملاهي» و «الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل
الفسق والكبائر» .
وتوفي يوم الأحد ثامن ربيع الأول بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح
بالجامع الأموي فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على
صدره، فانقطع مدة ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع، فتوضأ وصلى
الصبح والضحى.
وتوفي بعد صلاة الضحى، ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها منلا بدر الدّين حسن بن محمد الرّومي الحنفي [3] .
قدم دمشق مع الدفتردار الزّيني عمر الفيقي. وكان يقرئ ولده، فأخذ له
تدريس الحنفية بالقصاعية فدرّس بها، وكان أولاد العرب منهم القطب بن
سلطان مدرّس الظاهرية الجوانية، وحجّ في السّنة التي قبلها.
وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشري جمادى الآخرة قادما من الحجّ.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن شيخ الصوابية [4] بصالحية دمشق.
كان صالحا مسلّكا.
توفي بها يوم الخميس ثامن عشري رجب.
__________
[1] وقد عنون في المطبوع منه ب «الكواكب النيرات» .
[2] حققه صديقنا الدكتور عبد القيوم عبد ربّ النّبيّ، ونشرته جامعة أم
القرى بمكة المكرمة سنة (1401) هـ، وهي طبعة جيدة متقنة.
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/
175) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .
(10/228)
وفيها علاء الدّين علي بن أبي القاسم
الإخميمي القاهري [1] قاضي قضاة الشافعية العدل العفيف السخي.
قال العلائي: كان له انقطاع عن الناس وانجماع بالكلية، وكان له معرفة
في الصناعة وتصميم [2] في [3] المهمات، وإن كان قليل العلم.
توفي سادس عشر القعدة، وصلّي عليه بالأزهر.
وفيها علاء الدّين علي بن حسن السّرميني ثم الحلبي [4] الشافعي الفرضي
الحيسوب.
كان يعرف بالنّعش المخلع، وهذا على عادة الحلبيين في الألقاب أخذ
الفرائض والحساب عن الجمال الإسعردي، ومهر فيهما، واشتهر بهما، وكان له
في الدولة الجركسية مكتب على باب دار [5] العدل بحلب يطلب منه لكتابة
الوثائق، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة
المصاحف والانتفاع بثمنها وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب،
وبه قرأ عليه ابن الحنبلي [6] القرآن العظيم سنة سبع وعشرين وتسعمائة.
وتوفي صاحب الترجمة في رمضان هذه السنة بحلب.
وفيها- تقريبا- نور الدّين أبو الحسن علي الأشموني [7] الشافعي الفقيه
الإمام العالم العامل الصّدر الكامل المقرئ الأصولي.
أخذ القراءات عن ابن الجزري.
قال الشعراوي: ونظم «المنهاج» في الفقه وشرحه، ونظم «جمع الجوامع»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 267) .
[2] في «آ» : «وتعميم» وهو تحريف.
[3] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 921- 922) و «الكواكب السائرة» (1/
268- 269) .
[5] لفظة «دار» سقطت من «ط» .
[6] وقد صرح بذلك في «درّ الحبب» .
[7] ترجمته في «الضوء اللامع» (6/ 5) و «الكواكب السائرة» (1/ 284) و
«الأعلام» (5/ 10) .
(10/229)
في الأصول وشرحه، و «شرح ألفية ابن مالك»
شرحا عظيما. وكان متقشفا في مأكله وملبسه وفرشه. قاله في «الكواكب» .
وفيها أمين الدّين أبو الجود محمد بن أحمد بن عيسى بن النّجار الشافعي
الدمياطي ثم المصري [1] الإمام الأوحد العلّامة الحجّة.
ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن صالح البلقيني، والتّقي
الشّمنّي، وزينب بنت عبد الرحيم العراقي، وغيرهم.
وأخذ عنه النحو [2] النجم الغيطي، والبدر الغزّي، وغيرهما. وكان ممن
جمع بين العلم والعمل، إماما في علوم الشرع، وقدوة [3] في علوم
الحقيقة، متواضعا، يخدم العميان والمساكين ليلا ونهارا، ويقضي حوائجهم
وحوائج الأرامل، ويجمع لهم أموال الزكاة، ويفرّقه عليهم، ولا يأخذ
لنفسه منه شيئا، ويلبس الثياب الزرق والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير
المقصور، ولا يترك قيام الليل صيفا ولا شتاء، وكان ينام بعد الوتر لحظة
ثم يقوم وينزل إلى الجامع الغمري فيتوضأ ويصلي، والباقي للفجر نحو
سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع [4] القرآن سرّا، فإذا أذّن
الصبح قرأ جهرا قراءة تأخذ بجوامع القلوب.
ومرّ نصراني من مباشري القلعة يوما في السحر فسمع قراءته فرق قلبه
وأسلم على يديه، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من الأماكن البعيدة لحسن
صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه، حتّى يبكي غالب الناس خلفه، وكان الشيخ أبو
العباس الغمري يقول: الجامع جثة والشيخ أمين الدين روحها.
وكان يقري ويضيف كل وارد ويخدم بنفسه، ومع هذا فله هيبة عظيمة يكاد من
لا يعرفه يرعد من هيبته.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 33- 35) .
[2] لفظة «النحو» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» : «قدوة» .
[4] لفظة «ربع» سقطت من «ط» .
(10/230)
وانتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السّنّة
بالكتب [1] الستة وغيرها، ويقرأ للأربعة عشر، ومناقبه كثيرة.
وتوفي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة.
وفيها أبو السعود محمد بن دغيم الجارحي القاهري [2] الفقيه الصّوفي
المتعبد المتنسك، المعتقد عند الملوك فمن دونهم.
وكان والده من أعيان كوم الجارح والمتسببين به في أنواع المتاجر، فنشأ
الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه
والنحو، ثم أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائما لا يدري
بذلك أهله.
وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة، وأخذ في
التقليل من الأكل، فانتهى أكله إلى لوزة وربما تركها.
قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في «طبقاته» : هو عارف، علومه [3] جمّة،
وصوفي ذو أحوال وكرامات بين الأمة، قدوة في علمه ودينه، فريد في عصره
وحينه، اجتهد وترقى في المقامات، وأخذ عن الشيخ أحمد المرحومي عن الشيخ
مدين عن الزاهد، وارتفعت روحه، وسمت عن مقعر فلك القمر، وارتفع إلى
الحضرة التي لا ليل فيها ولا نهار، وضوءها وضّاح كحال أهل الجنّة في
الجنّة.
ولما دخلها صار يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا
بغير فرق، وكان له قبول تام عند الأكابر، تقف الأمراء بين يديه فلا
يأذن لهم بالقعود، وحملوا في عمارة زاويته الحجر والتراب، وشق السلطان
طومان باي وعليه جبّة من جبب الشيخ.
وكان يقول: لا يفلح الفقير القانع بالزي أبدا لقصور همته.
وكان يقول: ينبغي للعارف أن يجعل في بيته دائما شيئا من الدنيا ولو
كيميا خوفا أن يقع في رائحة الاتهام لله في أمر الرزق.
__________
[1] في «ط» : «في الكتب» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 47- 48) .
[3] في «ط» : «علوم» .
(10/231)
وكثيرا ما كان ينظر للمريد بحال فيتمزق
لوقته.
ومحاسنه وكراماته أكثر من أن تحصر.
وتوفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى، وصلّي عليه بجامع عمرو بن
العاص، ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي
كان يتعبّد فيه، وقبره مشهور يزار.
وفيها المولى [1] محيى الدّين محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري
الإسلامبولي [2] الحنفي العالم الكامل، قاضي قضاة العساكر بالولاية
الأناضولية ثم بالولاية الرّوميلية، المشهور بمحمد باشا.
قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- ذا أخلاق حميدة، وطبع ذكيّ،
ووجه بهي، وكرم وفي، وعشرة حسنة، ووقار عظيم، وله «حواش» على «شرح
المواقف» و «شرح الفرائض» كلاهما للسيد الشريف، و «حواش» على أوائل
«شرح الوقاية» لصدر الشريعة.
توفي وهو قاضي العسكر الروم إيلي، ودفن عند قبر جدّه المولى شمس الدّين
بمدينة بروسا.
وفيها جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن محمد أو ابن أحمد الشهير بابن
المبيّض الحمصي الأصل ثم المقدسي ثم الدمشقي [3] الشافعي أحد الوعاظ
بدمشق، العلّامة المحدّث.
[و] من شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقدا للحديث المسلسل
بالأولية:
جاءنا فيما روينا أنّنا ... يرحم الرحمن منّا الرّحما
__________
[1] لفظة «المولى» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (229) و «الكواكب السائرة» (1/
21- 22) و «معجم المؤلفين» (11/ 72) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (107/ آ) وسماه فيه: «يوسف بن
أحمد بن أبي بكر» و «الكواكب السائرة» (1/ 314- 315) .
(10/232)
فارحموا جملة من في الأرض من ... خلقه
يرحمكم من في السّما
توفي بدمشق يوم الاثنين ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير.
وفيها قاضي القضاة جمال الدّين أبو المحاسن يوسف بن إسكندر بن محمد بن
محمد الحلبيّ [1] الحنفي، المشهور والده بالخواجا ابن الجق [2] ، وهو
ابن أخت المحب بن أجا كاتب السّر.
اشتغل بالفقه وغيره على الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، وسمع
على الجمال إبراهيم القلقشندي، وعلى المحبّ أبي القاسم محمد بن جرباش
«سيرة ابن هشام» وأجاز له كل منهما ما يجوز له وعنه. روايته وتولى
القضاء بحلب بعناية خاله، ثم ولي في الدولة، الرّومية تدريس الحلاوية
ووظائف أخرى، ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدية بها، وسار فيها
السيرة المرضية، وكان له شكل حسن، وشهامة، ورئاسة، وفخامة، وألّف رسالة
في تقوية مذهب الإمام الأعظم في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده.
وحجّ من القاهرة ثم قدمها موعكا، فتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشر
صفر.
وفيها شرف الدّين يونس بن محمد، المعروف بابن سلطان الحرافيش [3]
بدمشق.
قال ابن طولون: كان علّامة من المتعقلين في المجالس، ولكن حصل به النفع
في آخر عمره بملازمته المشهد الشرقي بالجامع الأموي لإقراء الطلبة،
وكان في ابتداء أمره شاهدا تجاه باب المؤيدية.
وتوفي يوم الأربعاء حادي عشري جمادي الآخرة، ودفن بباب الصغير، رحمه
الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 596) و «الكواكب السائرة» (1/ 315-
316) .
[2] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المنتخب» : «ابن الجق» والذي في «در
الحبب» : «ابن أبجق» والذي في «الكواكب السائرة» : «ابن البجق» فليحرر.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 320) .
(10/233)
سنة ثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي
القحطانيّ الحاتمي الشافعي [1] نزيل دمشق المقرئ الوقور.
أخذ عن شيخ الإقراء بدمشق الشيخ شهاب الدّين الطّيبي وغيره.
قال في «الكواكب» : وتلمذ لشيخ الإسلام الوالد. قرأت بخط والدي- رضي
الله تعالى عنه- بعد أن ترجم الشيخ برهان الدّين المذكور ما نصّه: قرأ
عليّ «البخاري» كاملا قراءة إتقان، وكتب له به إجازة مطوّلة، وكان أحد
المقتسمين ل «المنهاج» في مرتين ول «التنبيه» وأجزته بهما، وقرأ بعض
«الألفية» وقرأ عليّ شيئا من القرآن العظيم، وصلى بي وبجماعة التراويح
ثلاث سنين بالكاملية، ختم فيها نحو خمس ختمات [2] وحضر دروسا كثيرة،
ولزمني إلى أن مات شهيدا بالطاعون ثاني عشر جمادي الثانية، ودفن بباب
الفراديس. انتهى.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي [3] ، ينتهي نسبه
إلى زيد الخيل الصّحابي، الحيشي [3] الأصل الحلبي [4] الشافعي البسطامي
[5] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 109) .
[2] لفظة «ختمامات» سقطت من «ط» .
[3] في «آ» و «ط» : «الحبيشي» وهو خطأ، والتصحيح من مصادر الترجمة.
[4] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» .
[5] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 367) و «الضوء اللامع» (11/ 75) و
«الكواكب السائرة» (1/ 112) .
والحيشي: نسبة لقرية حيش قرية من عمل حماة، وتتبع الآن محافظة إدلب من
قضاء المعرّة
(10/234)
ذكره السخاوي في «الضوء اللامع» فقال: ولد
سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب، ولازم والده
في النّسك، وقرأ، وسمع على أبي ذرّ بن البرهان الحافظ، وتدرّب في كثير
من المهمات والغريب والرجال، بل وتفقّه به، وبالشمس البابي، وأبي عبد
الله بن القيم، وابن الضعيف في آخرين، بل أجاز له ابن حجر، والعلم
البلقيني، وغيرهما، وزار بيت المقدس، وحجّ في سنة ست وثمانين، وجاور،
ولازم الشمس السّخاوي، وحمل عنه مؤلفاته.
وتوفي في رجب.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي،
سبط زين الدّين العيني [1] .
حفظ القرآن العظيم، و «المختار» و «الأجرومية» وغيرها. وقرأ على الشمس
ابن طولون بدمشق، وعلى عمّه الجمال ابن طولون بمكّة. وقرأ على القطب بن
سلطان بدمشق، وسمع على علماء عصره، وحضر بالجامع الأموي.
وتوفي مطعونا يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب، وتقدم للصلاة عليه السيد كمال
الدّين بن حمزة.
وفيها صفي الدّين وشهاب الدّين أبو السرور أحمد بن عمر بن محمد بن عبد
الرحمن القاضي ابن القاضي [2] ينتسب إلى سيف بن ذي يزن المذحجي السيفي
المرادي الشهير بالمزجّد- بميم مضمومة، ثم زاي مفتوحة [ثم جيم مشدّدة
مفتوحة] [3] ودال مهملة- الشافعي الزّبيدي العلّامة، ذو التصانيف،
المجمع على جلالته وتحرّيه.
قال في «النور» : ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بجهة قرية الزيدية،
ونشأ
__________
وتبعد عنها ستة وسبعون كيلومترا وتتبع ناحية خان شيخون. انظر «الضوء
اللامع» (11/ 96) (ترجمة أبو بكر بن نصر بن عمر الطائي) و «در الحبب»
(1/ 1/ 367) (حاشية التحقيق) .
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (9/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/
138) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (137- 143) و «الكواكب السائرة» (2/
113- 114) .
[3] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
(10/235)
بها، وحفظ «جامع المختصرات» ثم اشتغل فيها
على أبي القاسم بن [1] محمد مريغد [2] ثم انتقل إلى بيت الفقيه ابن
عجيل، فأخذ فيها على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القاسم جعمان وغيره،
ثم ارتحل إلى زبيد واشتغل فيها بالفقه على العلّامة أبي حفص الفتى،
ونجم الدّين المقري بن يونس الجبائي، وبهما تخرّج وانتفع، وأخذ الأصول
عن الشيفكي والجبائي، والحديث عن الحافظ يحيى العامري، وغيره، والفرائض
عن الموفق الناشري وغيره، وبرع في علوم كثيرة، وتميّز في الفقه، حتى
كان فيه أوحد وقته.
ومن مصنّفاته «العباب» في الفقه، وهو كاسمه، اشتهر في الآفاق، وكثر
الاعتناء به، وشرحه غير واحد من الأعلام، منهم ابن حجر الهيتمي [3] ،
ومنها «تجريد الزوائد وتقريب الفوائد» وكتاب «تحفة الطلّاب» و «منظومة
الإرشاد» في خمسة آلاف وثمانمائة وأربعين بيتا، وزاد على الإرشاد شيئا
كثيرا، وله غير ذلك.
وتفقه به خلائق كثيرون، منهم أبو العبّاس الطّنبذاوي، والحافظ [ابن]
الدّيبع، والعلّامة بحرق.
وله شعر حسن منه:
لا تصحب المرء إلا في استكانته ... تلقاه سهلا أديبا ليّن العود
واحذره إن كانت الأيام دولته ... لعلّ يوليك خلقا غير محمود
فإنّه في مهاو من تغطرسه ... لا يرعوي لك إن عادى وإن عودي
وقل لأيّامه اللاتي قد انصرمت ... بالله عودي علينا مرّة عودي
ومنه:
قلت للفقر أين أنت مقيم ... قال لي: في محابر العلماء
إنّ بيني وبينهم لإخاء ... [وعزيز عليّ قطع الإخاء] [4]
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «أبي» والتصحيح من «النور السافر» .
[2] في «النور السافر» : «ابن مريفد» .
[3] تصحفت في «ط» إلى «الهيثمي» بالثاء.
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(10/236)
وتوفي فجر يوم الأحد سلخ ربيع الآخر بمدينة
زبيد.
وفيها الشّهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني،
المقرئ الحنفي الغزّي [1] نزيل مكّة.
ولد في حدود الستين وثمانمائة بغزّة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العظيم، و
«مجمع البحرين» و «طيبة النشر» وغيرها. واشتغل بالقراءات وتميّز فيها،
وفهم العربية، وقطن بمكة ثلاث عشرة سنة، وتردّد إلى المدينة، واليمن،
وزيلع، وأخذ عن جماعة فيها وفي القاهرة.
قال السخاوي: قد لازمني في الدراية والرواية، وكتبت له إجازة، وسمعته
ينشد من نظمه:
سلام على دار الغرور لأنّها ... مكدّرة لذّاتها بالفجائع
فإن جمعت بين المحبين ساعة ... فعمّا قليل أردفت بالموانع
قال: ثم قدم القاهرة من البحر في رمضان سنة تسع وثمانين، وأنشدني في
الحريق والسّيل الواقع بالمدينة وبمكة قصيدتين من نظمه، وكتبهما لي
بخطه، وسافر لغزّة لزيارة أمّه، وأقبل عليه جماعة من أهلها. انتهى أي،
وتوفي بها.
وفيها أبو العبّاس أحمد بن محمد المغربي التّونسي المشهور بالتّبّاسي-
بفتح المثناة الفوقية، وتشديد الموحدة، ويقال الدّباسي بالدال المهملة-
المالكي [2] العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون.
كان والده من أهل الثروة والنّعمة، فلم يلتفت إلى ذلك بل خرج عن ماله
وبلاده، وتوجه إلى سيدي [3] أبي العبّاس أحمد بن مخلوف الشّابي-
بالمعجمة والموحدة- الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة، فخدمه، وأخذ عنه
الطريق، ثم أقبل على العبادة والاشتغال والإشغال، حتّى صار شيخ ذلك
القطر.
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (1/ 309) و «الطبقات السّنية» (1/ 357) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 128- 129) .
[3] في «آ» : «لسيدي» .
(10/237)
وتوفي بنفزاوة- بالنون والفاء والزاي- من
معاملة الجناح الأخضر من المغرب في ذي القعدة وقد جاوز المائة.
وفيها الأمير عماد الدّين أبو الفداء إسماعيل بن الأمير ناصر الدّين
محمد [1] بن الأكرم العنّابي الدمشقي [2] .
سمع شيئا من «البخاري» على البدر بن نبهان، والجمال بن المبرد، وولي
إمرة التركمان. في الدولتين الجركسية والعثمانية، ونيابة القلعة في
أيام خروج الغزالي على ابن عثمان، وكان في مبدأ أمره من أفقر بني
الأكرم فحصّل دنيا عريضة وجهات كثيرة، وفي آخر عمره انتقل من العنابة،
وعمّر له بيتا غربي المدرسة المقدمية [3] داخل دمشق، وكان عنده تودّد
لطلبة العلم ومحبة لهم، واعتقاد في الصالحين، وبعض إحسان إليهم، [و]
خرج مع نائب دمشق إلى قتال الدروز، فتضعّف بالبقاع، ورجع منه في شقدوف
[4] إلى أن وصل إلى قرية دمر، فمات بها، وحمل إلى دمشق وهو ميت، فغسّل
بمنزله الجديد وصلّي عليه بالأموي، ودفن بالعنابة صبيحة يوم الخميس
حادي عشر المحرم عن نحو سبعين سنة.
وفيها الشريف بركات بن محمد [5] سلطان الحجاز والد الشريف أبي نمي.
وفيها أمين الدّين جبريل بن أحمد بن إسماعيل الكردي ثم الحلبي [6]
الشافعي، الإمام العلّامة، أحد معتبري حلب ومدرّسيها.
كان له القدم الراسخ في الفقه والكتابة الحسنة المعربة على رقاع
الفتاوى.
أخذ الحديث عن السيد علاء الدّين الإيجي، وأجاز له جميع ما يجوز له
__________
[1] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب- 30/ آ) و «الكواكب
السائرة» (1/ 161) .
[3] تحرفت في «ط» إلى «القدمية» .
[4] الشقدوف: صندوق خشبي ذو شقين يوضع على ظهر الجمل. انظر «معجم
الألفاظ التاريخية» .
لدهمان ص (99) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 164) و «النور السافر» ص (152) و
«الأعلام» (2/ 49) .
[6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 454- 455) و «الكواكب السائرة» (1/
172) .
(10/238)
وعنه روايته، وأخذ «الصحيحين» [1] عن
الكمال بن الناسخ، و «صحيح مسلم» قراءة على نظام الدّين بن التادفي
الحنبلي.
وكان ديّنا، خيّرا، متواضعا، مشغولا بإقراء الطلبة في الفقه، والعربية،
وغيرهما.
وتوفي في هذه السنة بحلب.
وفيها خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي، المعروف بابن البيلوني [2]
الشافعي، الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية.
أجاز لها الكمال بن الناسخ الطرابلسي وغيره رواية «صحيح البخاري»
واختارت مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، مع أن أباها وإخوتها
شافعيون حفظا لطهارتها عن الانتقاض بما عساه يقع من مسّ الزوج لها،
وحفظت فيه كتابا.
وكانت ديّنة، صيّنة، متعبدة، مقبلة على التّلاوة إلى أن توفيت في شهر
رمضان.
وفيها السلطان صالح بن السلطان سيف [3] متملك بلاد بني جبر.
كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجدّه، وهو خال السلطان مقرن، وقد وقع
بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف، فإنه كرّ على
مقرن وعسكره وكانوا جمّا غفيرا بنفسه، وكان خارجا لصلاة الجمعة لا أهبة
معه ولا سلاح، فكسرهم، ثم كان الحرب بينهما سجالا.
وقدم دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، فأخذ عن علمائها، وأجازه منهم
الرّضي الغزّي، وولده البدر. وكان في قدمته متسترا مختفيا غير منتسب
إلى سلطنة، وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم، ثم حجّ وعاد إلى بلاده.
وكان مالكي المذهب، فقيها، متبحرا في الفقه والحديث، وله مشاركة جيدة
__________
[1] في «آ» : «الصحيح» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة»
مصدر المؤلّف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 192) و «إعلام النبلاء» (5/ 412)
و «أعلام النساء» (1/ 342) وقد تحرفت «البيلوني» فيه إلى «البتيلوني»
فلتصحح.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 215) .
(10/239)
في الأصول والنحو، وكان محبا للعلماء
والصلحاء، شجاعا، مقداما، عادلا في ملكه، صالحا كاسمه.
توفي ببلاده. قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى ظهير الدّين الأردبيلي الحنفي، الشهير بقاضي زاده [1] .
قرأ في بلاد العجم على علمائها، ولما دخل السلطان سليم إلى مدينة تبريز
لقتال شاه إسماعيل الصوفي [2] أخذه معه إلى بلاد الرّوم، وعيّن له كل
يوم ثمانين درهما.
قال في «الشقائق» : كان عالما، كاملا، صاحب محاورة ووقار، وهيبة
وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خصوصا الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط
الحسن، وذكر العلائي أنه استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسماعيل شاه
الصوفي [2] طلبا لاستمداده واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها، وعزم على
إظهار شعار الرّفض واعتقاد الإمامية على المنبر، حتى قال: إن مدح
الصحابة على المنبر ليس بفرض ولا يخلّ بالخطبة، فقبض عليه مع أحمد باشا
الوزير يوم الخميس عشري ربيع الثاني وقطعت [3] رأس صاحب الترجمة وعلّقت
[4] على باب زويلة بالقاهرة.
وفيها زين الدّين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله
الكلّسي [5] الأصل الحلبي [6] المولد والدار والوفاة الحنفي العلّامة.
ولد بعد الستين وثمانمائة، واشتغل في النحو والصرف، ثم حجّ، ولازم
السخاوي بمكة، وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، وسمع عليه
«البخاري» ومعظم «مسلم» وكثيرا من مؤلفاته. وأجاز له في ذي القعدة سنة
ست وثمانين، وفي هذه السنة أجازت له أيضا المسندة زينب الشويكية ما
سمعه عليها
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271- 272) و «الكواكب السائرة»
(1/ 216) .
[2] كذا في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلّف: «الصوفي» ولعل
الصواب «الصفوي» .
[3] في «ط» : «وقطع» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة»
مصدر المؤلف.
[4] في «ط» : «وعلّق» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة»
مصدر المؤلف.
[5] في «آ» و «ط» : «الكبيسي» والتصحيح من «در الحبب» و «الكواكب
السائرة» وهذا النص لم يرد في «الشقائق النعمانية» الذي بين يدي.
[6] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 754) و «الكواكب السائرة» (1/ 224-
225) .
(10/240)
بمكة من «سنن ابن ماجة» من باب صفة الجنة
والنار، إلى آخر الكتاب. وأذنت له في رواية سائر مروياتها، وأذن له
الشمس البازلي بحماة بالإفتاء والتدريس، وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام
العالم العلّامة، الجامع بين المعقول والمنقول، المتبحر في الفروع
والأصول، وأجاز له الكمال بن أبي شريف سنة خمس وتسعمائة أن يروي عنه
سائر مؤلفاته ومروياته، ثم أجاز له الحافظ عثمان الدّيمي في سنة سبع
[وتسعمائة] ، وكان قصير القامة، نحيف البدن، لطيف الجثة، حسن المفاكهة،
كثير الملاطفة، له إلمام بالفارسية والتركية، واعتناء بالتنزهات، مع
الدّيانة والصّيانة.
وتوفي بحلب في ذي القعدة.
وفيها محيي الدّين أبو المفاخر عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن
إبراهيم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن يونس [1] قاضي قضاة الحنفية
بدمشق [ولد في الحجّة سنة خمس وخمسين وثمانمائة. وقرأ القرآن العظيم، و
«مجمع البحرين» لابن السّاعاتي، وغير ذلك، واشتغل وحصّل، وأفتى ودرّس
بالقصاعية، وتولى القضاء بحلب ثم بدمشق] [2] سنين إلى أن عزل عنه في
سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
وتوفي بدمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند ضريح
سيدنا بلال.
وفيها زين الدّين عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي [3] الشافعي، العلّامة
المحقّق الفرضي الحيسوب.
كان خبيرا بعلم الفرائض والحساب، ويعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة
كلّية، وهو الذي رتّب مجموع الكلائي، وأخذ الفرائض عن الشيخ شمس الدّين
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 251- 252) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 260) و «الأعلام» (4/ 225) .
(10/241)
الشهير بابن الفقيرة، عن العلّامة شهاب
الدّين بن أرسلان الرّملي، عن العلّامة شهاب الدّين بن الهائم. وأخذ
عنه الفرائض شهاب الدّين الكنجي وغيره.
وتوفي يوم الأحد حادي عشري شوال.
وفيها نور الدّين علي بن خليل المرصفي [1] العارف بالله تعالى الصّوفي.
قال المناوي في «طبقات الأولياء» : كان أبوه إسكافيا يخيط النّعال،
ونشأ هو تحت كنفه كذلك، فوفق للاجتماع بالشيخ مدين وهو ابن ثمان سنين،
فلّقنه الذكر، ثم أخذ عن ولد أخته محمد، وأذن له في التصدر للمشيخة،
وأخذ العهد على المريد في جملة من أجاز، وكانوا بضعة عشر رجلا، فلم
يثبت ويشتهر منهم إلّا هو، وأخذ عنه خلق، ودانت [2] له مشايخ عصره،
واختصر رسالة القشيري.
قال الشعراوي: لقنني الذكر ثلاث مرات، بين الأولى والثانية سبع عشرة
سنة، وذلك أني جئت وأنا أمرد، وكنت أظن أن الطريق نقل كلام كغيرها [3]
، ثم قعدت بين يديه وقلت: يا سيدي لقّني بحال فقال: اجلس متربعا وغمض
عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاثا، ثم اذكر أنت ثلاثا، ففعلت فما
سمعت منه إلّا المرة الأولى وغبت من العصر إلى المغرب.
وعاش حتّى انقرض جميع أقرانه، ولم يبق بمصر من يشار إليه في الطريق
غيره.
ومن كلامه: أجمع أهل الطريق على أن الملتفت لغير شيخه لا يفلح، وقال:
إذا ذكر المريد ربّه بشدة طويت له مقامات الطريق بسرعة، وربما قطع في
ساعة ما لا يقطعه غيره في شهر.
وقال: السالك من طريق الذكر كالطائر المجد إلى حضرات القرب والسالك من
غير طريقه كالصلاة والصوم كمن يزحف تارة ويسكن أخرى، مع بعد المقصد،
فربما قطع عمره ولم يصل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269) و «الأعلام» (4/ 286) و
«معجم المؤلفين» (7/ 88) .
[2] في «ط» : «وأذنت» .
[3] في «آ» : «نقل كلام غيرها» .
(10/242)
وكان الجنيد إذا دعي لفقير قال: أسأل الله
أن يدلّك عليه من أقرب الطرق.
وقال: إياك والأكل من طعام الفلاحين فإنه مجرب لظلمة القلب.
وقال الشعراوي: دخل سيدي أبو العباس الحريثي يوما فجلس عندي بعد المغرب
إلى أن دخل وقت العشاء، فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع، فذكرت ذلك لسيدي علي
المرصفي، فقال: يا ولدي أنا قرأت مرة حال سلوكي ثلاثمائة، وستين ختمة
في اليوم والليلة، كل درجة ختمة.
وتوفي يوم الأحد حادي عشر [1] جمادى الأولى بمصر، ودفن بزاويته بقنطرة
أمير حسين، ولم يخلّف بعده مثله.
وفيها نور الدّين علي بن سلطان المصري الحنفي [2] الشيخ الفاضل الناسك
السالك.
كان متجرّدا، منقطعا، وله أخلاق حسنة دمثة.
توعك مدة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة بمصر عن غير وارث.
وفيها محمد بن عزّ الشيخ الصّالح المجذوب [3] .
قال في «الكواكب» : كان ساكنا في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس
ثياب الجند، ويمشي بالسّلاح والسّيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس
فيه مزيد اعتقاد.
وكان لا ينام من الليل ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة
يبكي، حتى يرقّ له من يراه.
وكان لا يخبر بولاية أحد أو عزله [في وقت معين] [4] فيخطئ أبدا [5] .
__________
[1] في «آ» : «حادي عشري» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 57) .
[4] ما بين الرقمين لم يرد في «ط» .
[5] العبارة في «الكواكب السائرة» على النحو التالي: «وكان لا يخبر
بولايته أحدا وعزله في وقت معين لا يخطئ أبدا» .
(10/243)
وكان مجاب الدعوة، زحمه إنسان بين القصرين
فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط [1] ، فوسّطه الباشا آخر النهار.
وكانت وفاته غريقا في الخليج بالقرّب من الزاوية الحمراء. انتهى.
وفيها جمال الدّين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري الحضرمي
الشافعي، الشهير ببحرق [2]- بحاء مهملة بعد الموحدة، ثم راء مفتوحة،
بعدها قاف-.
قال في «النور» : ولد بحضرموت ليلة النصف من شعبان سنة [3] تسع وستين
وثمانمائة، ونشأ بها، فحفظ القرآن ومعظم «الحاوي» و «منظومة البرماوي»
في الفقه، والأصول، والنحو، وأخذ عن جماعة من فقهائها، ثم ارتحل إلى
عدن، ولازم الإمام عبد الله بن أحمد بامخرمة [4] ، وكان غالب انتفاعه
به، ثم ارتحل إلى زبيد، وأخذ عن علمائها، كالإمام جمال الدّين الصّايغ،
والشريف الحسين الأهدل، وألبسه خرقة التصوف، وعادت عليه بركته، وحجّ
فسمع من السّخاوي [5] ، وسلك السلوك في التصوف، وحكى عنه أنه قال: دخلت
الأربعينية بزبيد فما أتممتها إلا وأنا أسمع أعضائي كلها تذكر الله
تعالى.
ولزم الجدّ والاجتهاد في العلم والعمل، وأقبل على نفع الناس إقراء،
وإفتاء، وتصنيفا.
وكان- رحمه الله تعالى- من محاسن الدّهر، من العلماء الراسخين والأئمة
المتبحرين، له اليد الطولى في جميع العلوم.
وصنّف في أكثر الفنون.
__________
[1] في «آ» : «بالتوسط» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (143- 152) و «الضوء اللامع» (8/ 253-
254) وعبارة «على ابنته» التي بين الحاصرتين في الترجمة مستدركة منه و
«الأعلام» (6/ 315- 316) .
[3] في «ط» : «ليلة» .
[4] في «آ» و «ط» : «مخرمة» والصواب ما أثبته.
[5] تحرفت في «ط» إلى «السخاوي» .
(10/244)
وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى،
وكتبه تدلّ على غزارة علمه وكثرة اطلاعه. وكان له بعدن قبول وجاه من
أميرها مرجان، ثم لما مات مرجان توجه إلى الهند، ووفد على السلطان
مظفّر فقرّبه، وعظّمه، وأنزله المنزلة التي تليق به.
ومن تصانيفه «الأسرار النبوية في اختصار الأذكار النووية» و «مختصر
الترغيب والترهيب» للمنذري، و «الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقية»
و «عقد الدّر في الإيمان بالقضاء والقدر» و «العقد [1] الثمين في إبطال
القول بالتقبيح والتحسين» و «الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول»
و «مختصر المقاصد الحسنة» و «متعة الأسماع بأحكام السماع» مختصر من
كتاب «الإمتاع» .
وشرح «المحلة» في النحو [2] وشرح «لامية ابن مالك» في الصّرف شرحا
مفيدا جدا [3] ، وله غير ذلك في الحساب، والطبّ، والأدب، والفلك مما لا
يحصى.
ومن شعره:
أنا في سلوة على كلّ حال ... إن أتاني الحبيب أو إن أباني
اغنم الوصل إن دنا في أمان ... وإذا ما نأى أعش بالأماني
قال السخاوي: وصاهر صاحبنا حمزة الناشري [على ابنته] ، وأولدها، وتولّع
بالنظم. انتهى ملخصا.
وله هذا اللّغز اللطيف وشرحه نثر:
يا متقنا كلمات النحو أجمعها ... حدّا ونوعا وأفرادا ومنتظمه
ما أربع كلمات وهي أحرفها ... أيضا وقد جمعتها كلها كلمه
ثم قال هذا في تمثيل الوقف على هاء السكت، أي قولك: «لمه» فالكاف
__________
[1] تحرفت في «ط» إلى «والقول» .
[2] وهي لأبي محمد قاسم بن علي الحريري المتوفى سنة (516 هـ) . انظر
«كشف الظنون» .
(2/ 1817) .
[3] في «ط» : «جيدا» وهو خطأ.
(10/245)
في قولك: كلمه للتمثيل، واللام للجرّ،
والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت ألفها، والهاء للسكت.
وله كرامات كثيرة. وكان غاية في الكرم [1] ، كثير الإيثار.
ومما قيل فيه:
لأيّ المعاني زيدت القاف في اسمكم ... وما غيرّت شيئا إذا هي تذكر
لأنّك بحر العلم والبحر شأنه ... إذا زيد فيه الشيء لا يتغيّر
وتوفي- رحمه الله تعالى- بالهند، شهيدا، قيل: إن الوزراء حسدوه لحظوته
عند السلطان فسموه، وذلك في ليلة العشرين من شعبان.
وفيها موسى بن الحسن الشيخ [2] الزاهد العالم العامل [3] المعروف
بالمنلا موسى الكردي اللألاني- بالنون- الشافعي، نزيل حلب.
اشتغل ببلاده على جماعة، منهم المنلا محمد الخبيصي، وأخذ عن الشمس
البازلي نزيل حماة، وعن المنلا إسماعيل الشّرواني أحد مريدي خوجه [4]
عبيد النقشبندي، أخذ عنه بمكة «تفسير البيضاوي» وأخذ عن الشّهاب أحمد
بن كلف بأنطاكية «شرح التجريد» مع حاشيته، و «متن الجغميني» في الهيئة،
ثم قدم حلب، وأكبّ على المطالعة، ونسخ الكتب العلمية لنفسه، ولازم
التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بها، مع كثرة الصّيام،
والقيام، والزّهد، والسّخاء، والصّبر على الطلبة. وممن أخذ عنه علم
البلاغة ابن الحنبلي [5] .
وتوفي مطعونا بحلب في شعبان، ودفن بتربة أولاد ملوك.
__________
[1] في «ط» : «وكان في غاية الكرم» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 502- 504) و «الكواكب السائرة» (1/
308- 309) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» (5/ 410- 412) .
[3] لفظة «العامل» سقطت من «ط» .
[4] في «ط» : «خواجه» وهو خطأ.
[5] وقد صرّح بذلك في «در الحبب» (2/ 1/ 503) .
(10/246)
|