شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي الشاب الفاضل شهاب الدّين أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي ثم الصالحي الحنبلي [1] .
حفظ القرآن العظيم، ثم «المقنع» ثم شرع في حلّه على ابن عمّه العلّامة شهاب الدّين الشويكي الآتي ذكره، وقرأ «الشفا» للقاضي عياض على الشّهاب الحمصي، وقرأ في العربية على ابن طولون، وكان له سكون وحشمة وميل إلى فعل الخيرات.
وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان، ودفن بالسفح، وتأسف الناس عليه، وصبر والده واحتسب، ومات وهو دون العشرين سنة.
وفيها المولى الفاضل بخشي خليفة الأماسي الرّومي الحنفي [2] .
اشتغل في العلم بأماسية على علمائها، ثم رحل إلى ديار العرب، فأخذ عن علمائهم، وصارت له يد طولى في الفقه، والتفسير، وكان يحفظ منه كثيرا، وكان له مشاركة في سائر العلوم. وكان كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير، وغلب عليه التصوف، فنال منه منالا جليلا، وفتح عليه بأمور خارقة، حتى كان ربما يقول:
رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا كذا وكذا فلا يخطئ أصلا. وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 136) و «النعت الأكمل» ص (103) و «الحسب الوابلة» ص (67) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (247) و «الكواكب السائرة» (1/ 164) .

(10/247)


وكان خاضعا، خاشعا، متورعا، متشرعا، يلبس الثياب الخشنة ويرضى بالعيش القليل. قاله في «الكواكب» .
وفيها العلّامة عبد الحقّ بن محمد بن عبد الحقّ السّنباطي القاهري الشافعي، ويعرف كأبيه بابن عبد الحق [1] .
قال في «النور» : ولد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط، ونشأ بها، وحفظ القرآن و «المنهاج الفرعي» ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين، فحفظ بها «العمدة» و «الألفيتين» و «الشاطبيتين» و «المنهاج الأصلي» و «تلخيص المفتاح» و «الجعبرية» في الفرائض، و «الخزرجية» وعرض على خلق، منهم الجلال البلقيني، وابن الهمام، وابن الديّري، والولي السّنباطي، وجدّ في الاشتغال، وأخذ عن الأجلاء، وانتفع بالتّقي الحصني، ثم بالشّمنّي.
وأجاز له ابن حجر العسقلاني، والبدر العيني، وآخرون بالتدريس والإفتاء.
وولي المناصب الجليلة في أماكن متعددة، وتصدق للإقراء بالجامع الأزهر وغيره، وكثر الآخذون عنه، وحجّ مع أبيه، وسمع هناك، ثم حجّ أيضا، وجاور بمكّة، ثم بالمدينة، ثم بمكة، وأقرأ الطلبة بالمسجدين متونا كثيرة، ثم رجع إلى القاهرة، فاستمرّ على الإقراء والإفتاء. هذا ملخص ما ذكره السخاوي.
ثم قال في «النور» : وكان شيخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام، على أجمل طريق من العقل والتواضع، وأقام بمكّة بأولاده وعائلته وأقاربه، وأحفاده ليموت بأحد الحرمين، فانتعشت به البلاد، واغتبط به العباد، وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى [2] وألحق الأحفاد بالأجداد، واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة، كالعلم، والعمل، والتواضع، والحلم، وصفاء الباطن، والتقشف، وطرح التكلّف، بحيث علم ذلك من طبعه، ولا زال على ذلك إلى أن توفي بمكة
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (4/ 37- 39) و «متعة الأذهان» الورقة (44/ آ) و «النور السافر» ص (152- 154) و «الكواكب السائرة» (1/ 221- 223) .
[2] في «آ» : «طبقة بعد طبقة» ، وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.

(10/248)


المشرّفة عند طلوع فجر يوم الجمعة مستهل شهر رمضان، ودفن بالمعلاة، وكثر التأسف عليه، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا- عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصّوفي [1] .
قال في «الكواكب» : المتخلق بالأخلاق المحمدية.
كان متواضعا، كثير الإزراء بنفسه والحطّ عليها، وجاءه مرة رجل، فقال له:
يا سيدي خذ عليّ العهد بالتوبة، فقال: والله يا أخي أنا إلى الآن ما تبت، والنجاسة لا تطهّر غيرها.
وكان إذا رأى من فقير دعوى سارقه [2] بالأدب، وقرأ عليه شيئا من آداب القوم، بحيث يعرف ذلك المدّعي أنه عار عنها [3] ، ثم يسأله عن معاني ذلك، بحيث يظن المدعي أنه شيخ، وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ.
وجاءه مرة شخص من اليمن فقال له: أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء، فقال: الحمد للَّه، الناس يسافرون في طلب الشيخ ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا.
وأخذ عن اليماني ولم يكن بذاك، وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمّله، ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر، وزوّده، وصار يقبّل رجل اليماني.
وعمّر عدة جوامع في المنزلة، ووقف عليها الأوقاف، وله جامع مشهور في المنزلة، له فيه سماط لكل وارد، وبنى بيمارستان للضعفاء قريبا منه.
وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد.
وكان لا يسأله فقير قطّ شيئا من ملبوسه إلّا نزعه له في الحال ودفعه إليه، وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 223- 224) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 134- 135) .
[2] في «ط» : «دعوى فارغة» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] في «ط» : «منها» .

(10/249)


ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط والمنزلة.
وتوفي ببلده ودفن بمقبرتها الخربة، وقبره بها ظاهر يزار، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا أيضا- عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري [1] الشيخ الإمام العالم الصّالح.
كان له الباع الطويل في علم المعقولات، وعلم الهيئة، وعلم التصوف.
وكان كريم النّفس، لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار.
وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرون فيها أحوال الطريق إلى الصباح.
وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره.
وكان دائم الصّمت، لا يتكلم إلّا [2] لضرورة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.
وفيها- تقريبا أيضا- عبد العال المجذوب المصري [3] .
قال في «الكواكب» : كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص وإنما يلبس الإزار صيفا وشتاء، وسواكه مربوط في إزاره، وكان محافظا على الطهارة، خاشعا في صلاته، مطمئنا فيها، متألها.
وكان يحمل إبريقا عظيما يسقي به الناس في شوارع مصر.
وكان يطوف البلاد والقرى ثم يرجع إلى مصر.
وكان يمدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون.
قال الشعراوي: ولما دنت وفاته دخل لنا الزاوية وقال: الفقراء يدفنوني في أي بلد، فقلت الله أعلم، فقال في قليوب. قال فكان الأمر كما قال بعد ثلاثة أيام.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 224) وفيه: «المعالي» مكان «الميقاتي» .
[2] في «ط» : «إلى» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 237) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 186) .

(10/250)


ودفن قريبا من القنطرة التي في شطّ قليوب وبنوا عليه قبّة.
وفيها المولى السيد الشريف عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرّومي الحنفي، الشهير بعايد جلبي [1] خال صاحب «الشقائق» .
قرأ على المولى محيي الدّين السّاموني، ثم على المولى قطب الدّين حفيد قاضي زاده الرّومي، ثم المولى أخي جلبي، ثم المولى علي بن يوسف الفناري، ثم صار مدرّسا بمدرسة كليبولي، ثم قاضيا ببعض النواحي، ومات بمدينة كفه قاضيا بها.
وفيها جمال الدّين أبو عبد الله عبد القادر أبو عبيد بن حسن الصّاني- بصاد مهملة ونون، نسبة إلى صانية قرية داخل الشرقية من أعمال مصر- القاهري الشافعي [2] الإمام العلّامة.
قال العلائي: سمع على الملتوني، وابن حصن، وغيرهما. وأخذ عن القاضي زكريا وكان رجلا معتبرا وجيها وثابا في المهمات حتى أن قيام دولة القاضي. زكريا وصمدته كانت منه.
وكان قوي البدن ملازما للتدريس والإقراء والإفتاء. انتهى.
وقال الشعراوي: كان قوالا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، يواجه بذلك الملوك فمن دونهم، حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق وهو اسم على الحقّ.
انتهى.
وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي وغيره.
وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري [3] خطيب الأقصى، الإمام العارف باللَّه تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (235) و «الكواكب السائرة» (1/ 240) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 252) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 253) .

(10/251)


أخذ عن والده، وعن العماد ابن أبي شريف، وعن العارف باللَّه سيدي أبي العون الغزّي.
وأخذ عنه الشيخ نجم الدّين الغيطي حين ورد القاهرة في السنة التي قبلها، وهو والد الشيخ عبد النّبيّ بن جماعة.
وفيها علاء الدّين علي بن خير الدّين [1] الحلبي [2] نزيل القاهرة الحنفي الفقيه، شيخ الشيخونية بمصر.
قال العلائي: كان ليّن العريكة، أخذ عن ابن أمير حاج.
وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشري ربيع الأول.
وفيها نور الدّين علي الجارحي المصري، شيخ مدرسة الغوري [3] .
كان مبجّلا عند الجراكسة، وكان من قدماء فقهاء طباقهم، يكتب الخطّ المنسوب، وظفر منهم بعزّ وافر.
قال الشعراوي: كان قد انفرد في مصر [4] بعلم القراءات هو والشيخ نور الدّين السّمنهودي. وكان يقرئ الأطفال تجاه جامع الغمري.
وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه، وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة.
وقال: إنه كان ليله ونهاره في طاعة ربّه.
وكان يتهجّد كل ليلة بثلث القرآن. انتهى وتوفي في شعبان.
__________
[1] في «ط» : «علاء الدّين علي بن خير» وهو خطأ.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 269- 270) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 284) .
[4] في «ط» : «بمصر» .

(10/252)


وفيها المولى محيي الدّين محمد بن محمد القوجوي الرّومي الحنفي [1] .
كان عالما بالتفسير، والأصول، وسائر العلوم الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده. وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الرّوم، ثم قرأ على المولى عبدي الدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناضولي، ثم استعفى منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثمان. ثم صار قاضيا بمصر، فأقام بها سنة، ثم حجّ وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (245- 246) و «الكواكب السائرة» (1/ 22) .

(10/253)


سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي زين الدّين أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشّافعي [1] أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها.
كان فقيها، فاضلا، ذا نباهة وعقل وحياء.
توفي في منتصف الحجّة عن نحو خمسين سنة من غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ، وصلّي عليه بجامع عمرو، ودفن بالقرافة عند والده بقرب مقام الشافعي [رضي الله عنه] [2] .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ برهان الدّين إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي [3] الشافعي الصّوفي العارف بالله تعالى.
قال في «الكواكب» : القطب الغوث، ولد في سنة سبعين تقريبا، واشتغل في العلم على والده، وابن عمته الشيخ رضي الدّين، وأخذ الطريق عن أبيه، وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانبا من «عيون الأسئلة» للقشيري، وحضر بعض دروسه، وتولى مشيخة زاوية جدّه بعد أبيه، وكان على طريقة حسنة.
وتوفي في [4] صبيحة يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الأول.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (3/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[4] لفظة «في» سقطت من «ط» .

(10/254)


قال الشيخ الوالد: ووقفت على غسله، وحملت تابوته، وتقدمت في الصّلاة عليه.
قال النّعيمي: ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ رسلان. انتهى كلام «الكواكب» .
وفيها شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن محمد الباني المصري [1] الشافعي الأصم كأبيه.
صنّف تفسيرا من سورة يس إلى آخر القرآن، وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته، ووالده الشيخ شمس الدّين الباني أحد شيوخ الشيخ جلال الدّين السيوطي.
وخرّج له السيوطي «مشيخة» وقرأها عليه.
وكانت وفاة ولده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم.
وفيها السلطان العظيم مظفّر شاه أحمد بن محمود شاه [2] صاحب كجرات.
قال في «النور» : كان عادلا، فاضلا، محبا لأهل العلم، حسن الخطّ، وكتب بيده جملة مصاحف، أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة، وخرجت روحه وهو ساجد، والظّاهر أنه هو الذي وفد عليه العلّامة بحرق وصنّف بسببه «السيرة النبوية» وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك، فإنه ما كان في ذلك الزمان أحد ممن ولي السلطنة غيره، ولم يزل عنده مبجّلا، مكرّما إلى أن مات.
وفيها بدر الدّين حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصّالحي الحنبلي [3] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 129) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (191- 192) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة، و «الكواكب السائرة» (1/ 185) و «النعت الأكمل» ص (104) و «السحب الوابلة» ص (156- 157) .

(10/255)


قال ابن طولون: حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر، وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة، وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه.
قال: وسمعت بقراءته عدة أشياء.
وولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية. انتهى.
وقال البدر الغزّي: حضر بعض دروسي، وشملته إجازتي، وسألني، وقرأ علي في الفقه، وذاكرني فيه، وقرّر في سبع الكاملية إلى أن توفي في صفر، ودفن بباب الفراديس.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي [1] الحنفي.
قال في «الكواكب» : كان عنده فضيلة، وله قراءة في الحديث، وكان لطيفا يميل إلى المجون والخراع [2] رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب الدّنجيهي المصري [3] الشافعي الكاتب النحوي السّالك الصّالح المجرّد القانع.
حفظ القرآن العظيم، وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي، وجوّد حتّى حسن خطّه، وكتب كتبا نفيسة، واشتغل في الصرف، والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق، والأصلين، والفقه على العلّامة علاء الدّين بن القاضي حسين الحصن كيفي، وسمع عليه «المطوّل» و «شرح العقائد» و «شرح الطوالع» و «غاية القصد» و «المتوسط» و «شرح الشمسية» وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وتصانيفه، وقرأ «شرح قاضي زاده» في علم الهيئة على العلّامة عبد الله الشّرواني، وقرأ على غير هؤلاء، وتمرّض في البيمارستان شهرا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 225) .
[2] في «ط» : «والمزاح» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، والخراع:
الفجور.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 259) .

(10/256)


وتوفي به يوم الجمعة حادي عشري جمادي الأولى.
وفيها العلّامة علاء الدّين علي بن أحمد الرّومي الحنفي الجمالي [1] .
قال في «الكواكب» : قرأ على المولى علاء الدّين بن حمزة القرماني، وحفظ عنده «القدوري» و «منظومة النّسفي» ثم دخل إلى القسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدّين بن حسام، وتعلّل بأنه مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدّين يهتم بتعليمه أكثر منه، فذهب إليه وهو مدرّس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له بالمدرسة المذكورة، وزوّجه ابنته وولدت له، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، وتنقلت به الأحوال على وجه يطول شرحه، فترك التدريس، واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدّين بن أبي [2] الوفاء، ثم لما تولى أبو يزيد السلطنة رآه في المنام فأرسل إليه الوزراء، ودعاه إليه فامتنع فأعطاه تدريسا بثلاثين [3] جبرا، ثم رقّاه حتى أعطاه إحدى الثمانية، فدرّس بها مدة طويلة، ثم توجّه بنيّة الحجّ إلى مصر، فأقام بمصر سنة، ثم حجّ وعاد إلى الرّوم، وكان توفي المولى أفضل الدّين المفتي فولّاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى، وعيّن له مائة درهم، ثم لما بنى مدرسته بالقسطنطينية ضمّها له إلى الفتوى، وعيّن له [كل يوم] خمسين درهما زائدة على المائة، وكان يصرف جميع أوقاته في التّلاوة، والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحدا بسوء.
وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوى فيكتب عليها ثم يدليها، يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميّز بينهم في الفتوى.
وكان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويصدع بالحقّ ويواجه بذلك السلطان فمن دونه، حتى إن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفّاظ الخزينة، فذهب صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (173- 176) و «الكواكب السائرة» (1/ 267- 268) .
[2] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[3] أي بثلاثين ليرة عثمانية.

(10/257)


المفتي إلى الديوان إلّا لأمر عظيم فلما دخل تحيّروا وقالوا: أي شيء دعا المولى إلى المجيء، فقال: أريد أن [1] ألاقي السلطان فلي معه كلام، فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلّم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعا، فغضب السلطان سليم- وكان صاحب حدّة- وقال له: لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك، فقال: بل أتعرّض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي، فإن عفوت فلك النجاة وإلّا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكلّ، ثم تحدّث معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم.
وحكي أن السلطان سليم أرسل إليه مرّة أمرا بأن يكون قاضي العسكر، وقال له: جمعت لك بين الطّرفين لأني تحقّقت أنك تتكلم بالحقّ فكتب إليه: وصل إلى كتابك- سلّمك الله تعالى وأبقاك- وأمرتني بالقضاء، وإني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهدا أن لا تصدر عني لفظة حكمت، فأحبه السلطان محبّة عظيمة، ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانيا، فصارت مائتي عثماني.
وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة.
وفيها علاء الدّين علي بن عبد الله العشاري- نسبة إلى عشارة بضم المهملة بلدة قريبة من الدير- الحلبيّ [2] الشافعي القاضي، المعروف بابن القطّان.
قرأ على الجلال النّصيبي، وحرص على اقتناء الكتب النفيسة، وولي قضاء إعزاز، وسرمين.
وتوفي في العشر الآخر من رجب.
__________
[1] لفظة «أن» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 925- 932) و «الكواكب السائرة» (1/ 270) و «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء» للطباخ (5/ 419) .

(10/258)


وفيها بدر الدّين محمد بن أبي بكر المشهدي المصري [1] الشافعي العلّامة المسند.
ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي، وابن الجزري، والخيضري، وأخذ عن الشّهاب الحجازي الشاعر، والرّضي الأوجاقي، وغيرهما. وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان، وغيرهما ودرّس.
وأسمع قليلا وناب في مشيخة سعيد السعداء الصّلاحية عن ابن نسيبه.
وكان علّامة عاقلا، دينا، دمث الأخلاق، غير أنه كان ممسكا حتّى عن نفسه، وفي مرض موته كما قال العلائي.
وقال الشعراوي: كان عالما، صالحا، كثير العبادة، محبّا للخمول، إن رأى أحدا يقرأ عليه [فتح له] [2] ، وإلّا أغلق باب داره. قال: فقلت له يوما: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة، فقال: من كان مجالسا لله فما ثم وحدة. قال: وكان يقول:
مدح الناس للعبد قبل مجاوزته للصّراط كلّه غرور. انتهى.
وتوفي يوم الاثنين سابع [ذي] القعدة ودفن في تربة الصلاحية بباب النصر، وهو آخر ذريّة ابن خلّكان فيما يعلم، ولم يعقّب.
وفيها شمس الدّين محمد السروي، المشهور بابن أبي الحمائل [3] .
قال المناوي في «طبقاته» : العارف الكبير، الكامل الغيث، الهامع الشامل، زاهد قطف كروم الكرامات، وعارف وصل إلى أعلى المقامات.
كان طودا عظيما في الولاية، وملجأ وملاذا للطلّاب [4] الهداية.
أخذ عنه خلق كالشناوي [5] ، والحديدي، والعدل، وأضرابهم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 27- 28) .
[2] ما بين الحاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 29- 30) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 126- 127) .
[4] في «ط» : «لطالب» .
[5] في «ط» : «كالثناوي» وهو تحريف.

(10/259)


وكان عالي الهمّة، كثير الطيران من بلاد لأخر [1] ، وكان يغلب عليه الحال ليلا فيتكلم بألسنة غير عربية، من عجم، وهند، ونوبة، وغيرها. وربما قال: قاق قاق طول الليل، ويزعق ويخاطب قوما لا يرون، وإذا قال شيئا في غلبة الحال نفذ.
وكان مبتلى بالأذى من زوجته مع قدرته على إهلاكها، وربما أدخل فقيرا الخلوة فتخرجه قبل تمام المدة وتقول له: قال لك فلان: أنا ما أعمل شيخا، فلا يتكلم، وقدم مصر، فسكن الزاوية الحمراء ثم زاوية إبراهيم المواهبي وبها مات.
وكان يكره للمريد قراءة أحزاب الشاذلية ويقول: ما ثم جلاء للقلوب مثل لا إله إلا الله، وقارئ أحزاب الشاذلية كزبّال خطب بنت سلطان، وصار يقول للسلطان: أعطني بنتك واجعلني جليسك وهو لا يعرف شيئا من آداب حضرته.
ومن كراماته أنه شكا له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ، فقال لرجل:
ناد في الغيط رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا فلم يبق فيها فأر فسأله أهل بلد [2] آخر في ذلك، فقال: الأصل الإذن ولم يفعل.
وكان إذا اشتد به الحال في مجلس الذكر يحمل الرجلين وأكثر ويحمل التيغار الذي يسع ثلاثة قناطير ويجري بذلك.
قال الشعراوي: لقنني الذكر وأنا صغير سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
ومات بمصر في هذه السنة ودفن بزاويته بين السورين.
وفيها شمس الدّين محمد [3] بن الشيخ الصّالح شهاب الدّين أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي [4] .
ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ محمد التونسي المغربي، ثم قدم دمشق، وصار من أصحاب البدر الغزّي ووالده، وقرأ عليهما. وكانت له يد طولى في النحو، والحساب، والميقات.
__________
[1] في «آ» : «من بلد لآخر» .
[2] في «آ» : «بلاد» .
[3] لفظة «محمد» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 35) .

(10/260)


وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجوّدا، وولي مشيخة الكلّاسة.
وتوفي يوم الجمعة خامس عشر [1] ذي القعدة، ودفن بباب الصغير، وكان ينشد كثيرا في معنى الحديث:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ... حتّى يروا عنده آثار إحسان
وفيها كمال الدّين محمد بن الزّيني [2] سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي القاضي.
ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل، وحصّل، وبرع، وناب في الحكم، وجمع منسكا في مجلد سمّاه «تشويق الساجد إلى زيارة أشرف المساجد» .
وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر، ودفن بالصالحية بتربتهم تحت المعظمية.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي [3] الشافعي الفقيه المفتي العلّامة.
تفقّه بالنجم بن قاضي عجلون وأخيه التّقي وغيرهما من الدمشقيين، وأخذ عن القاضي زكريا.
وأخذ عنه جماعة منهم العلّامة الشّهاب الطّيبي. وأشار إلى ذلك في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله:
ومنهم وليّ الله شيخي محمد ... هو الكفرسوسيّ الإمام المحبّر
بعلم وإخلاص يزين ولم يزل ... معينا لخلق الله للحقّ ينصر
وعن زكرياء المقدّم قد روى ... وعن غيره ممّن له الفضل يغزر
__________
[1] في «ط» : «خامس عشري» .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (83/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 51) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (88/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 54- 55) .

(10/261)


وأثنى عليه ابن طولون في مواضع من «تاريخه» وألف شرحا على «فرائض المنهاج» ومجالس وعظية.
وتوفي ليلة السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي- نسبة إلى قرية تسمى سودة شعنب [1] على ثلاث مراحل من صنعاء اليمن- الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي [2] قطب العارفين وسلطان العاشقين.
قال في «النور» : كان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين، درّس وأفتى، ثم طرأ عليه الجذب، وذلك أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء، فلما وصل إلى هذه المسألة والعبد لا يملك شيئا مع سيده، كرّر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم، واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت، وحصل له الجذب.
وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى، وأقواله تدل على تفنّنه في العلوم الظّاهرة واطلاعه على الأخبار السّالفة والأمثال السائرة، حتّى كأن جميع العلوم والمعاني [3] ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ولا يعدل عن شيء إلّا إلى ما هو خير منه.
وكان مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا، وكان يطبخها بيده ولا يزال قدرها بين يديه، وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب، وكان كلما أتى إليه من النذور إن كان من المأكولات طرحه فيها وإن كان من غيرها قذفه تحتها من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك، وقيل: إن عامر بن عبد الوهاب السلطان بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت فبلغ ذلك السلطان فغضب وأرسل يطلبها منه، فأدخل يده في النار وأخرجها، كما كانت ودفعها إليهم وقد أشار إلى هذا الشيخ
__________
[1] في «ط» : «سودة شغب» وفي «النور السافر» ص (191) : «شغب» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (155- 191) .
[3] لفظة: «والمعاني» سقطت من «ط» .

(10/262)


عبد المعطي بن حسن باكثير في «موشحته» التي عارض فيها شيخ الإسلام أبا الفتح المالكي وكلاهما قد مدح القهوة فقال:
قهوة البن جلّ مقصودي ... في الخفا والعلن
هام فيها إمامنا السّودي ... قطب أهل اليمن
وطبخها بالنّدّ والعود ... وبغالي الثمن
من ثياب حرير مع قطن ... فأخر الملبس
وبذاكم خوارق تثني ... عليه لم تدرس
ولما طرأ عليه الجذب صدرت عنه أمور وكرامات تدلّ على أنه من العارفين بالله تعالى، وأخذ ينظم حينئذ فإنه ما وقع له نظم إلا بعد الجذب، حتى حكي أنه ما كان يقوله إلا في حال الوارد مثل ابن الفارض، فكان يكتب بالفحم على الجدران فإذا أفاق محى ما كان [1] كتبه من ذلك، فكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه.
وحكي أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها، ثم سأل عن قائلها فقيل: إنها من نظمك، فأنكر ذلك وقال: حاشا ما قلت شيئا [2] حاشا ما قلت شيئا [2] .
ومن شعره الرائق:
يا راحة الرّوح يا من ... هواه أشرف مذهب
واصل فديتك صبا ... أنسيته كل مذهب
وباين الكلّ إلّا ... من بالهوى قد تمذهب
مشارب القوم شتّى ... من كلّها صار يشرب
قد شرّق النّاس طرّا ... وللغرائب غرّب
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «آ» .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .

(10/263)


فهو الغريب ولكن ... محبوبه منه أغرب
تعجّب الخلق منه ... وباطن الأمر أعجب
يا موجبين لصحوي ... السّكر والله أوجب
وليس يوجب صحوي ... إلا بليد معذّب
بين الغوير ونجد ... طول الزّمان مذبذب
وطالعوا إن شككتم ... تهذيبكم والمهذّب
يا ما ألذّ استماعي ... قول النّدامى لي اشرب
في حضرة ليس فيها ... إلّا مراد مقرّب
ومطرب الحيّ يشدو ... لا عاش من ليس يطرب
ومنه:
بالله كرّر أيّها المطرب ... تذكار قوم ذكرهم يعجب
ما زمزم الحادي بذكراهم ... في الشرق إلا رقص المغرب
ومنه:
ومهفهف قبلت أشنب ثغره ... وبلوغ ذاك الثّغر ما لا يحسب
قال احسب [1] القبل التي قبّلتني ... فأجبت إنّا أمّة لا نحسب [2]
وبالجملة فشعره كثير جدا وفيه تأثير غريب فإنه السهل الممتنع يفهمه كل أحد مع متانة عبارته، وتتأثر به النّفوس غالبا ويكثر عليه وجد المتواجدين.
وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأربعاء سابع صفر بتعز وقبره بها مشهور يزار وعليه قبة عظيمة.
__________
[1] في «آ» : «أحسبت» .
[2] قلت: وذلك اقتباس من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب» الذي رواه البخاري رقم (1913) في الصوم: باب قول النبي صلّى الله عليه وسلم: «لا بكتب ولا نحسب» ومسلم رقم (1080) (15) في الصيام: باب وجوب صوم رمضان الرؤية الهلال، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما.

(10/264)


وكان للشيخ ولدان أحدهما عبد القادر والآخر محمد.
مات عبد القادر في حياة أبيه وخلّف بنتا ولم يبق للشيخ عبد الهادي نسل إلا منها.
وأما محمد فعاش بعد والده وصار قاضيا بتعز، ولما استولت الأروام على تعز لزموه وبعثوا به [1] إلى مصر فمات هناك في حدود الستين وتسعمائة.
وفيها القاضي أفضل الدّين [2] محمد بن محمد الرّومي المصري الحنفي [3] الإمام العلّامة.
قرأ الفقه على ابن قاسم، وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر.
وكان ديّنا عاقلا، وحجّ صحبة [4] الشيخ أمين الدّين الأقصرائي.
وتوفي بمصر في المحرم.
وفيها محبّ الدّين محمد بن محمد الزّيتوني العوفي- نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه- المصري [5] الشافعي الفاضل البارع.
دخل إلى دمشق، وأخذ عن البدر الغزّي، وأجازه ب «صحيح البخاري» وب «التنبيه» و «المنهاج» بعد أن قرأ عليه أكثرها.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الشهير بابن الغرس- بالمعجمة- المصري [6] الحنفي العلّامة ابن العلّامة.
__________
[1] في «ط» : «وبعثوه» .
[2] في «آ» : «فضل الدّين» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 22- 23) .
[4] في «ط» : «صحبته» وهو خطأ.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 23) .

(10/265)


كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره وسقم سنين بعد عزّ وترف ووجاهة، فكان صابرا شاكرا.
وتوفي في ذي القعدة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد السّمديسي [1] الحنفي.
أخذ عن رضوان العقبي [2] ، وعبد الدائم الأزهري، والشمس محمد بن أسد. والقراءات عن جعفر السمنودي.
وأخذ عنه الشيخ بهاء الدّين القليعي، والشيخ علاء الدّين المقدسي نزيل القاهرة الفقه والقراءات.
وسمعا منه كثيرا.
وهو صاحب «فيض الغفّار شرح المختار» .
وتوفي في هذه السنة.
وفيها نور الدّين محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المعرّي [3] الأصل الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي، سبط الشيخ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي.
ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة، فلما مرّ السلطان سليم على حماة ولّاه قضاءها أيضا، ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك القضاء في هذه الدولة تورعا عما أحدثوه من المحصول والرسم، فتركه وترك غيره من المناصب الحموية، فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصبا ما بين تدريس
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 98) .
[2] في «الكواكب السائرة» : «العيني» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «المصري» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 357- 360) و «الكواكب السائرة» (1/ 305) و «إعلام النبلاء» (5/ 421- 422) .

(10/266)


وتولية، ثم إنه قطن حلب هو ووالده [1] وأخوه المقرّ أحمد، وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلّة سويقة حاتم [2] فلم يلبثوا إلا قليلا حتى ماتوا.
وكانت وفاة القاضي نور الدّين في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] في «ط» : «وولده» وهو خطأ.
[2] سويقة حاتم: هي القبلية التي تتاخم الجامع الكبير بحلب، وكانت تسمّى السهيلية. انظر «نهر الذهب في تاريخ حلب» (2/ 180) طبع دار القلم العربي بحلب، و «موسوعة حلب المقارنة» (4/ 426) .

(10/267)


سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي [1] الشافعي العلّامة، المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها.
قال في «الكواكب» : ولد بقرية عارة [2]- بمهملتين- من القصير من أعمال حلب، وانتقل مع والده إلى حلب صغيرا فقطن بها، وحفظ القرآن العظيم، ثم «الحاوي» ودخل إلى دمشق فعرضه على البدر بن قاضي شهبة، والنجمي، والتقوي ابني قاضي عجلون.
وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة، وبحلب على الموفق أبي ذرّ وغيره، وأجازه الشيخ خطاب وغيره.
قال ابن الشّمّاع: ولم يهتم بالحديث كما ظهر لي من كلامه، وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية.
وقال ابن الحنبلي: كان دينا، خيرا، كثير التّلاوة للقرآن، معتقدا عند كل إنسان، طارحا للتكلّف، سارحا في طريق التقشف، مكفوف اللّسان عن الاغتياب، مثابرا على إفادة الطلاب.
إلى أن قال: وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة، منها العربية، والمنطق، والحساب، والفرائض، والفقه، والقراءات، والتفسير.
قال: وكنت ممن انتفع به في العربية، والمنطق، والتجويد.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 22- 26) و «الكواكب السائرة» (1/ 106) .
[2] تحرفت في «ط» و «آ» إلى: «عادة» والتصحيح من «در الحبب» .

(10/268)


قال وكان [1] كفّ بصره رأى النّبي صلّى الله عليه وسلم في المنام، فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه. قال: فكانت لها بعد تلك [الرؤية] [2] رؤية ما كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدّين إبراهيم الصّهيوني.
قال: ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة. انتهى.
وفيها تقريبا تقي الدّين أبو بكر بن عبد المحسن البغدادي الأصل الدمشقي [3] الموقت بالجامع الأموي.
كان من أهل العلم، وأخذ عن البدر الغزّي وغيره.
وفيها بدر الدّين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدّين أبي بكر بن محمود الحموي ثم الحلبي [4] الشافعي الأصيل العريق، ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بحلب.
كان له حشمة ورئاسة وذكاء عجيب، واستحضار جيد لفوائد [5] أصلية وفرعية، غير أنه انضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها، وداخل أمور السلطنة، وصار له عنده اليد النافذة، وهرع الناس إليه [لذلك] [6] ، فلما قتل قرا قاضي في هذه السنة في جامع حلب قتل معه، وأراد العامة حرقه، فاستخلصه منهم أهله وجماعته فغسّلوه وكفّنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه.
وفيها عبد الرحمن بن موسى المغربي التّادلي المالكي [7] نزيل دمشق.
قال في «الكواكب» : كان رجلا فاضلا صالحا، اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد، وجعل نفسه كالنّقيب لدرسه، وقرأ عليه «مختصر الشيخ خليل» على مذهب
__________
[1] لفظة «كان» سقطت من «ط» .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «ذلك» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف ولفظة «الرؤية» مستدركة منه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 118) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 130) .
[5] في «آ» و «ط» : «الفرائد» ما أثبته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[6] لفظة «لذلك» مستدركة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 233) .

(10/269)


الإمام مالك. وقرأ عليه غير ذلك، ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني السّيّد الشريف الحموي القادري [1] الشافعي.
نقل ابن الحنبلي عن ابن عمّه القاضي جلال الدّين التادفي أنه ترجمه في كتابه «قلائد الجواهر» فقال: كان صالحا، مهيبا، وقورا، حسن الخلق، كريم النّفس، جميل الهيئة، مع كيس وتواضع وبشر وحلم وحسن ملتقى، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، مزّاحا، لا يزال متبسما، معظما عند الخاص والعام، له حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وهيبة عند الحكّام وغيرهم. انتهى وتوفي في إحدى الجمادين بحماة.
وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري [2] صاحب «الشرح» [3] والمصنّفات المشهورة.
قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. قاله في «الكواكب» .
وفيها علاء الدّين علي بن سلطان الحوراني [4] الشافعي نزيل صالحية دمشق الشيخ الصالح الزاهد.
كان من أصحاب الشيخ محمد العمري- بالمهملة- والشيخ أبي الصّفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا، وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبّد بها. وكان لشيخ الإسلام كمال الدّين بن حمزة فيه اعتقاد زائد، وأوصى له بشيء عند موته.
وتوفي صاحب الترجمة في يوم الخميس مستهل ذي الحجّة.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 830- 832) و «الكواكب السائرة» (1/ 251) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 255) و «معجم المؤلفين» (5/ 317) .
[3] واسمه «شرح الشاطبية» وهو في القراءات كما في «معجم المؤلفين» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 270) .

(10/270)


وفيها السيد كمال الدّين محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي [1] الشهير بأبيه.
ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، واستجار له والده من ابن حجر، واشتغل في العلم على والده وخالية النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل، وتردّد إلى مصر في الاشتغال والإشغال [2] ، ثم صار أحد شيوخ الإسلام المعوّل عليهم بدمشق، فقها، وأصولا، وعربية، وغير ذلك.
وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة.
وكان إماما، علّامة، جامعا لأشتات العلوم، مع جلالة، ومهابة، وهيئة حسنة، وكان يقرّر دروسه بسكينة، ووقار، وتؤدة، واحتشام، مع حلّ المشكلات، وانتفع به الطلبة مصرا وشاما وما والاهما.
وكان يدرّس ويفتي، وترك الإفتاء آخرا بسبب محنة حصلت له من الغوري بسبب سؤال رفع إليه فيمن بنى بنيانا في مقبرة مسبلة هل يهدم أولا، فكتب أنه يهدم فهدم على الفور. وكان الحق في جوابه، وأجاب خاله التّقوي ابن قاضي عجلون بعدم الهدم وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بذلك، وشرح القصة يطول وولي المترجم مع تدريس البقعة بالجامع الأموي تدريس الشاميتين بدمشق والعزيزية والتقوية والأتابكية.
وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته.
وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء: العلّامة تقي الدّين بن القاري، والعلّامة بهاء الدّين بن سالم، والعلّامة كمال الدّين الكردي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلّامة شمس الدين بن الكيّال، والعلّامة برهان الدّين الأخنائي، والعلّامة جلال الدّين البصروي، والعلّامة زين الدّين بن قاضي عجلون، والعلّامة جمال الدّين بن حمدان، والعلّامة برهان الدّين بن حمزة، والعلّامة يعقوب
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (82/ آ) و «الكواكب السائرة» (1/ 40- 46) .
[2] لفظة «والاشغال» سقطت من «ط» .

(10/271)


الواعظ، والعلّامة شمس الدّين الوفائي الواعظ، والعلّامة يونس العيثاوي، والعلّامة شهاب الدّين الطّيبي، وغيرهم.
قال الشيخ يونس العيثاوي: وكان السيد كمال الدّين سبب ظهور «شرح المنهاج» للجلال المحلّي بدمشق. قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محلّ إقامتي فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلّة خصّها الله تعالى بثلاثة أباريه كل منهم انفرد بفنّ لا يشاركه فيه غيره، الشيخ إبراهيم النّاجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي بفنّ القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى.
ومدح المترجم أفاضل عصره، منهم العلّامة علاء الدّين بن صدقة بقصيدة طنّانة مطلعها:
لي في المحبة شاهد بفنائي ... عند الأحبة وهو عين بقائى
وهي طويلة.
وتوفي- رحمه الله تعالى- نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد، وصلّي عليه بالجامع الأموي، وصلّى عليه أيضا الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جرّاح في جماعة ممن لم يكن صلّى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدّين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير.
وقال تلميذه تقي الدّين القاري يرثيه:
توفّي قرّة العين الكمالي ... وصرنا بعده في سوء حال
ولكنّا صبرنا واحتسبنا ... وليس القلب بعد الصّبر سال
ومهما كان في الدنيا جميعا ... فإن مصير ذاك إلى الزوال
وفيها بهاء الدّين محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العالم البارع.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (1/ 52) وقد تقدمت ترجمته في «آ» إلى ما بعد الترجمة التالية.

(10/272)


ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ عن التّقي ابن قاضي عجلون، والكمال بن حمزة، وغيرهما.
وتوفي بالقاهرة في رجب.
وفيها شمس الدّين أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشهير بابن عراق الدمشقي [1] نزيل المدينة المنورة، الإمام العلّامة العارف بالله تعالى، المجمع على ولايته وجلالته، القطب الرّباني، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون.
قال في «الشقائق» : كان- رحمه الله تعالى- من أولاد أمراء الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم وحشمة وافرة، ثم ترك الكلّ، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى السيد علي بن ميمون المغربي، واشتغل بالرياضة عنده حتى حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوما في الأيام الحارّة، حتى خرّ يوما مغشيا عليه من شدة العطش، وقرب من الموت، فقالوا للشيخ: إن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمه الله تعالى، فكرروا عليه القول، فلم يأذن في سقيه، وقال: صبّوا على راحتيه الماء، ففعلوا، فقام على ضعف ودهشة، فلم يمض على ذلك أيام إلّا وقد انفتح عليه الطريق، ونال ما يتمناه. انتهى وذكر هو عن نفسه في كتابه المسمى: ب «السفينة العراقية» في لباس خرقة الصوفية أنه ولد في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وقرأ القرآن بالتجويد على الشيخ عمر الدّاراني، قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم القدسي، قرأ عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدّين عرفة، ثم جوّد ختمة لابن كثير، وأفرد لراوييه على الشيخ عمر الصّهيوني، وجوّد عليه الخطّ أيضا، وأخذ عنه علم الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (212- 213) و «النور السافر» ص (192- 198) و «الكواكب السائرة» (1/ 59- 68) و «الأعلام» (6/ 290) و «معجم المؤلفين» (11/ 21- 22) .

(10/273)


خمس وتسعين وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنيّة استيفاء إقطاع والده، فسمع وهو ببيروت برجل من الأولياء فيها يسمّى سيدي محمد الرائق، فزاره ودعا له، وقال له: لا خيّب الله سعيك.
ثم رجع إلى دمشق، واشتغل بالفروسية والرّمي والصّيد، ولعب الشطرنج، والنرد، والنّقاف، والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل مع هذه الأمور مواظبا على الصلوات، وزيارة الصالحين، وحبّ الفقراء والمساكين حتّى تم له خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة، صادف فيه الشيخ إبراهيم النّاجي في جبّانة الباب الصغير وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالا للشيخ، وسلّم عليه، فقال الشيخ: من يكون هذا الإنسان، فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحّب، وترحم على والده، فسأله سيدي محمد أن يدعو له أن ينقذه الله مما هو فيه، فقال له: لو حضرت الميعاد ولازمتنا لحصل الخير، فكان بعد ذلك يحضر مواعيد الشيخ، وحصلت له بركته، واستمر في صحبته حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الشيخ أبي الفضل ابن الإمام، وعن الشّهاب ابن مكيّة النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وأخذ الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة، منهم الشيخ أبو الفتح المزيّ، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ على المصري، وكان مع ذلك يصحب الصّالحين والفقراء الصادقين، مثل الشيخ محمد بن البزة، والشيخ محمد بن يعقوب [1] وأضرابهما، إلى أن لاحت له ناصية الفلاح، وجاءه المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح وذلك مستهل سنة أربع وتسعمائة، فكان كماله على يديه، ودخل مصر سنة خمس، فاجتمع بجماعة من الأعلام، من أعلمهم وأفضلهم القاضي زكريا، والجلال السيوطي، والدمياطي، واجتمع بجماعة من الأولياء، منهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي، وأبو المكارم الهيتي، وابن حبيب الصّفدي، وأضرابهم، وحصلت له بركتهم.
__________
[1] لفظة «ابن» لم ترد في «ط» .

(10/274)


ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار، منهم الشيخ أحمد البيجوري، وحضر دروسه، وألّف له منسكا جامعا، وحصّل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصّله غيره في مدة طويلة، ثم رجع إلى الشام، وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الرّوم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتابا يدعوه، فسار إليه مسرعا، وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى، ثم أذن له بالمسير إلى بيروت، فسار إليها وقعد لتربية المريدين، وألّف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه، وكتب إليه [1] أن يلقاه بالكتب إلى دمشق، وقدم عليه [2] شيخه، وهو عند والدته بدمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام، غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب، عمن أخذت هذا القيل والقال، فقال له سيدي محمد: يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب. ثم لزمه سيدي محمد هو ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدّمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد، حتى انتقل سيدي على إلى مجدل معوش [3] ، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي.
وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت، وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه، ثم انتقل إلى غوطة دمشق، ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها عنده جماعة، ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحجّ ماشيا، سنة أربع وعشرين، وقطن بالمدينة، وتردّد بين الحرمين، مرارا، وحجّ مرات، وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية.
وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما، وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدّما، وليثا على النّفس قادرا، وغيثا لبقاع الأرض ماطرا.
__________
[1] لفظة «إليه» سقطت من «آ» .
[2] في «ط» : «على» .
[3] في «ط» : «مجدل مغوش» .

(10/275)


قال بعضهم: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم.
ومن آثاره بدمشق لما كان قاطنا بصالحيتها عمارته المرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه، رضي الله عنهم.
وممن أخذ عنه أولاده الثلاثة سيدي علي [1] والشيخ عبد النافع، والنعمان، والشيخ قطب الدّين عيسى الأيجي الصّفوي، وصاحبه الشيخ محمد الأيجي ثم الصالحي، والعارف بالله تعالى الشيخ أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ موسى الكناوي ثم الدمشقي، والشيخ محمد البزوري وغيرهم.
قال الشيخ موسى الكناوي [2] ، ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف، ودعا لي، وأعطاني شيئا من التمر، وكان ذلك آخر العهد به إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة.
وقال أبو البركات البزوري- رضي الله عنه-: اجتمعت بمكّة المشرّفة بالشيخ القطب الغوث، العارف بالله تعالى، شمس الدّين محمد بن عراق، فسألني: ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني، ولقّنني الذكر، ودعا لي، وحرّضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها:
بدأت ببسم الله والحمد أولا ... على نعم لم تحص فيما تنزّلا
قال: في كل ليلة، أحسبه قال: بين المغرب والعشاء.
قال النجم الغزّي: قلت لشيخنا أبي البركات هذه القصيدة اللامية هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال نعم هي من نظمه وأنا أخذتها عنه، فلازم على قراءتها فإنها نافعة. قلت له: يا سيدي فنحن نرويها عنكم، عن سيدي محمد بن عراق، قال: نعم.
__________
[1] لفظة «علي» سقطت من «ط» .
[2] تحرفت في «ط» إلى «الكناني» .

(10/276)


ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق كتاب «المنح الغنائية والنفحات المكّية» وكتاب «هداية الثقلين في فضل الحرمين» وكتاب «مواهب الرحمن في كشف عورات الشيطان» ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية في سائر الآفاق خصوصا بمكّة العلية والمدينة المرضية، وكتاب «السفينة العراقية» وكتاب «سفينة النجاة لمن إلى الله التجاه» ورسالة في صفات أولياء الله تعالى.
ومما ينسب تأليفه إليه «حزب الإشراق» .
ومن شعره:
كلام قديم لا يملّ سماعه ... تنزّه عن قولي وفعلي ونيّتي
به أشتفي من كلّ داء وإنه ... دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي
فيا ربّ متعني بحفظ حروفه ... ونوّر به قلبي وسمعي ومقلتي
وتوفي على المعتمد بمكّة المشرّفة يوم الثلاثاء رابع عشري صفر ودفن من الغد بباب المعلاة [1] عن أربع وخمسين سنة تقريبا.
وفيها بهاء الدّين محمد بن الشيخ العالم علاء الدّين علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنّا بن محمد بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم [2] الإمام العلّامة.
ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التّقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدّين بن حمزة، وغيرهم.
وكان عالما، عاملا، خيّرا، حجّ وجاور.
وتوفي بالقاهرة في رجب.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الأصل ثم الحلبي [3] .
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «باب المعلى» والصحيح ما أثبته.
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 244- 245) و «الكواكب السائرة» (1/ 68) .

(10/277)


اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم الشيخ خالد مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد، فقدم حلب، ودرّس بجامعها، وألّف عدة كتب، منها حاشية على تفسير البيضاوي، وشرح على «المراح» وشرح على «تصريف الزنجاني» سمّاه ب «التظريف على التصريف» ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيمانا مقبولا، وغض منه ابن الحنبلي كثيرا، وقال: كان له شعر يابس وفيه هجو فاحش.
وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر القعدة
.

(10/278)


سنة أربع وثلاثين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] أخذ الإمام الجواد [2] أحمد مدينة هرمز من بلاد الحبشة وضعف عن مقاومته سلطانها، ولم يزل أمره يعظم حتى صار إلى ما صار إليه، واستفتح كثيرا من بلاد الحبشة، وقهر الكفّار، وواظب على الجهاد والغزو في سبيل الله تعالى، ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول، حتّى قيل: ما تشبّه فتوحاته إلّا بفتوحات الصحابة وناهيك بمن يكون بهذه المثابة، وحكي من أمر شجاعته وإجراء [3] أموره على قوانين الشريعة المطهرة شيء كثير. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي ابن أخي القاضي شعيب الشافعي [4] .
قال في «الكواكب» : كان من رؤساء المؤذنين [5] بالجامع الأموي، وكان عنده تواضع.
قال ابن طولون: وأوقفني على منظومه في علم المعاني والبيان.
حجّ في آخر عمره، ورجع من الحجّ متضعفا، واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم، ودفن بباب الصغير.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (198- 199) .
[2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الجراد» .
[3] في «ط» : «أو جراء» .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (37/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) .
[5] كذا في «آ» و «ط» و «متعة الأذهان» : «من رؤساء المؤذنين» والذي في «الكواكب السائرة» «من رؤساء المدرسين» .

(10/279)


وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الخطيب البليغ المحدّث المؤرّخ، يتصل نسبه بعبد الله بن زيد الأنصاري.
ولد سنة إحدى أو ثلاث وخمسين وثمانمائة، واعتنى بالحديث والعلم، وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين، وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور، ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضا قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل، وكان الغوري يميل إلى خطبته ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته، ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللؤلؤي بن الفرفور.
وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشري جمادى الآخرة ودفن بباب الفراديس.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي [2] .
سمع بقراءة الشهابي أحمد بن عبد الحقّ السّنباطي على البرهان القلقشندي، وحصّل وبرع.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن الصّايغ المصري الحنفي [3] .
أخذ عن الشيخ أمين الدّين الأقصرائي، والشيخ تقي الدّين الشّمنّي، والكافيجي، والأمشاطي، وغيرهم.
وأجازوه بالفتيا والتدريس.
وكان إماما، بارعا، علّامة في العلوم الشرعية والعقلية، وله باع في الطب، ولم يتعلق بشيء من الوظائف وعرضت عليه عدة وظائف فلم يقبلها، وكان يؤثر الخمول ويقول: أحب شيء إليّ أن ينساني الناس فلا يأتوني.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «الأعلام» (1/ 233) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 116- 117) .

(10/280)


وكان حسن الأخلاق، حلو اللّسان، متواضعا، قليل التردد إلى الناس، يدرّس في «البيضاوي» وغيره، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا أيضا- شهاب الدّين أحمد المنيري [1] المصري الشافعي [2] الإمام العلّامة.
كان بارعا في العلوم الشرعية والعقلية، رثّ الهيئة، مع الهيبة والوقار، صغير العمامة، يقصده الناس في الشفاعات، وقضاء الحوائج عند الأمراء والأكابر. وكان مسموع الكلمة عندهم، ينقادون إليه ولا يردوّن له شفاعة لزهده فيما في أيديهم.
وكان كثيرا ما يأتيه الفقير يسأله الشفاعة وهو يدرّس فيترك الدرس، ويقوم معه، ويقول: هذه ضرورة ناجزة وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية، رحمه الله تعالى.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزّاوي الحنفي [3] الشيخ المفيد العالم المقرئ [4] .
قال ابن طولون: صاحبنا، حفظ القرآن ببلده غزّة، وتلا للسبع، ثم «مجمع البحرين» وقدم دمشق في سنّ الطفولة فحلّه على الشمسي بن رمضان [5] شيخ القجماسية، وكان نازلا بها، وسمع عليه أشياء وعلى غيره، ثم عاد إلى غزّة إلى أن توفي والده فعاد إلى دمشق، وأمّ بالجامع التّنكزي إلى أن مات يوم الخميس تاسع عشري صفر، ودفن بتربة باب الصغير. انتهى.
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي [6] الفاضل المرشد، أحد مشايخ الرّوم ومواليها.
مات والده الشيخ محمد شاه وهو شاب في تحصيل العلم، وقرأ على
__________
[1] تحرفت في «آ» و «ط» : «المسري» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (30/ آ) .
[4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «المصري» .
[5] في «متعة الأذهان» : «على الشيخ شمس الدّين بن رمضان» .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) .

(10/281)


المولى عبد الرحيم بن علاء الدّين العربي، والمولى محمد القرماني، وكان في بدايته تابعا لهوى نفسه، فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضربا شديدا ووبّخه على فعله، فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة وتاب على يديه، ودخل الخلوة، وارتاض، وجاهد، ونال منالا عظيما، حتى أجازه بالإرشاد، فرجع إلى وطنه، وأقام هناك يرشد ويدرّس ويعظ، وكان له مشاركة في سائر العلوم، وله خط حسن، وكان من محاسن الأيام، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي، المشهور بابن سعيد [1] .
كان جدّه سعيد هذا يهوديا فأسلم، واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي، ومنلا حبيب الله العجمي، وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس، وكان ذا همّة عالية في النسخ، ورحل إلى دمشق والقاهرة.
قال ابن طولون: قدم دمشق إماما لقصروه نائب حلب، فقرأ عليه صاحبنا العلّامة نجم الدّين الزّهيري المتوفى قبله. وكانت له شهرة ولديه رئاسة، ثم عاد إلى حلب، وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية، وولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغرمشية، ومشيخة الزينبية ونظرها، ونظر جامع الأطروش.
وتوفي بحلب في رجب.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي [2] الشافعي [3] الفاضل أخو الشيخ الإمام شمس الدّين الكنجي المتقدم ذكره.
عني بالفرائض والحساب.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 825- 830) و «الكواكب السائرة» (2/ 173) و «إعلام النبلاء» (5/ 430- 432) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (58/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) .
[3] لفظة «الشافعي» تحرفت في «ط» إلى «الشيخ» .

(10/282)


قال في «الكواكب» : ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيرا، وقرأ عليه في «شرح المنهاج» للمحلّي، وغالب ترتيب «المجموع» في الفرائض، مع أنه قرأه على مؤلّفه الشيخ بدر الدّين المارديني.
قال شيخ الإسلام الوالد: وذكره في «فهرست تلاميذه» وهو وأخوه عمّاي من الرّضاع.
قال: وهو ممن أذهب عمره في الحساب، مع جمود فيه، وغالب عليه الحمق وقلّة العقل وعدم حساب العواقب.
ثم قال: توفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال انتهى.
وفيها أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي [1] نزيل دمشق، الإمام العالم العلّامة.
ولد في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة ببيت المقدس، وأخذ الفقه عن الشّهاب الحجازي، والسيد علاء الدّين الأيجي، والشيخ ماهر المصري، وهو أعلى شيوخه في الفقه. وتفقه أيضا بالكمال بن أبي شريف، ورحل إلى مصر، فأخذ عن علمائها الفقه والحديث، منهم شيخ الإسلام زكريا، والتاج العبادي. ورحل إلى دمشق واستوطنها، وحضر دروس شيخ مشايخ الإسلام زين الدّين [بن خطّاب] ، والنجم بن قاضي عجلون، وغيرهما. ورافق الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، والبهاء الفصّي البعلي، وغيرهما من الأجلّة.
وجاور بمكّة مع الشيخ تقي الدّين ابن قاضي عجلون، وتزوّج بمكّة، وحضر دروس قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي، وعاد إلى دمشق مستوطنا بعياله يفتي ويدرّس بالجامع الأموي، وبيّض «التحرير» للنجم ابن قاضي عجلون وزاد فيه فوائد مهمة.
وله كتاب «مرّ النسيم في فوائد التقسيم» .
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (65/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 191- 193) .

(10/283)


وكان حافظا لكتاب الله تعالى، له همّة مع الطلبة، ومهابة، ومودّة للخاص والعام، ونفس غنيّة.
وكان متقللا من الوظائف، وتمنّى الموت لفتنة حصلت له [في الدّين] [1] لما دخلت الدولة العثمانية.
ومن شعره يشير إلى ذلك:
ليت شعري من على الشام دعا ... بدعاء خالص قد سمعا
فكساها ظلمة مع وحشة ... فهي تبكينا ونبكيها معا
قد دعا من مسّه الضّرّ من ال ... ظّلم والجور اللّذين اجتمعا
فعلا الحجب الدّعا فانبعثت ... غارة الله بما قد وقعا
فأصاب الشّام ما حلّ بها ... سنّة الله الذي قد أبدعا
وتوفي نهار الأحد خامس عشر صفر ودفن بباب الصغير.
وفيها السيد علاء الدّين علي بن محمد الحسيني العجلوني ثم البروسوي، المعروف بالحديدي خليفة [2] الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي.
توطن بروسا من بلاد الرّوم نحو ثلاثين سنة، ثم حجّ، وعاد إلى القاهرة، وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيمياء. وكان له أسانيد عالية، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين محمد بن سعيد الشيخ الإمام العلّامة، المعروف بابن سعيد [3] .
قدم دمشق فصار إماما لنائبها قصروه، وقرأ عليه عدة من الأفاضل، وصارت له كلمة مسموعة.
__________
[1] ما بين القوسين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .

(10/284)


وتوفي بحلب في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي، المعروف بابن السيوفي [1] تعلّم القراءة والكتابة على كبر، وتفقّه بالزين ابن فخر النساء، وأخذ عن الزّين بن الشّمّاع.
قال ابن الحنبلي: وكان يترجى أن يعمل كتابا في فقه الحنفية يرتّب فيه ذكر المسائل على ترتيب «منهاج النووي» .
قال: وكان عبدا صالحا، ملك كتبا كثيرة. انتهى.
وفيها القاضي نجم الدّين محمد الزّهيري الحنفي [2] الشيخ الفاضل.
كان نائب الباب بدمشق. وكان بيده تدريس الريحانية، والمرشدية، والمقدسية البرّانية، والعزيّة البرّانية. وقد كان عمرها وجدّد قاعة المدرّس بها.
وأقام فيها الجمعة، وكان لها سنون بطّالة نحو ثلاثين سنة، مع إحسانه إلى مستحقيها. ولما مات بطل ذلك.
وتوفي في سلخ ربيع الأول.
وفيها محيي الدّين محمد الرّومي [3] المولى الفاضل، الشهير بابن المعمار الحنفي.
خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم درّس بإسكوب [4] ، ثم بمدرسة
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 196- 197) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (275- 276) و «در الحبب» (2/ 1/ 400) و «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[4] إسكوب: تعرف الآن ب (
LSKOPJE) : مدينة من أهم مدن ألبانيا القديمة، وكانت مركزا هاما من مراكز الحكم والحضارة والإدارة على عهد العثمانيين، ثم استولى عليها الصرب وجعلوها عاصمة لإقليم مكدونيا التابع لهم، وهي الآن عاصمة جمهورية مقدونيا البلقانية التي استقلت حديثا عن يوغسلافيا وفي سكانها عدد كبير من الألبانيين المسلمين تصل نسبتهم إلى (40) . انظر «سمير الليالي» للسكري ص (36) .

(10/285)


الوزير محمود باشا، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمانية، ثم ولي قضاء حلب، ثم أعيد إلى إحدى الثمانية، وعيّن له كل يوم ثمانون عثمانيا، ثم أعيد إلى قضاء حلب ومات بها.
وفيها مجير الدّين الرّملي [1] الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق.
قال ابن طولون: كان صالحا، وعنده فضيلة وببصره بعض تكسر.
مات- رحمه الله- يوم الثلاثاء ثامن عشري ربيع الأول.
وفيها نور الدّين محمود بن أحمد بن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي [2] الشافعي الأصيل [3] المعمّر الجليل، خطيب المقام بقلعة حلب وابن خطيبه.
أخذ عن الحافظ أبي ذرّ بن الحافظ برهان الدّين الحلبي.
وأخذ عنه ابن الحنبلي ووالده «الحديث المسلسل بالأولية» واستجازاه فأجازهما [4] .
وتوفي نهار الأحد حادي عشري ربيع الآخر بحلب ودفن بمقابر الصّالحين.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى [5] ، المشهور بحاكي [6] الحنفي، أحد الموالي الرّومية.
كان- رحمه الله تعالى- حائكا، ولما بلغ سنّ الأربعين رغب في العلم،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 247) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 461- 462) و «الكواكب السائرة» (2/ 247) .
[3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «الأصل» .
[4] في «ط» : «فأجاز لهما» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/ 251- 252) .
[6] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» و «المشهور» ب «حاكي» والذي في «الشقائق النعمانية» : «الشهير بجاك» والذي في «الكواكب السائرة» : «المشهور بحائك» وما جاء في كتابنا و «الكواكب» أقرب إلى الصواب لأن الجميع أجمعوا على أنه كان «حائكا» .

(10/286)


وبرع فيه، وصار مدرّسا ببلده تيره [1] ، وصحب العارف بالله تعالى محمد الجمالي، والعارف بالله أمير البخاري، ثم انقطع عن التدريس وتقاعد بثلاثين عثمانيا.
وكان يكتب على الفتوى ويأخذ عليها أجرا.
وكان يحيى أكثر الليل، وربما غلب عليه الحال في الصّلاة.
__________
[1] تيره: بالهاء: قلعة جليلة حصينة من نواحي قزوين من جهة زنجان. «مراصد الإطلاع» (1/ 285)

(10/287)


سنة خمس وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي [1] الحنبلي ثم الشافعي، العارف بالله تعالى.
ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة، وقرأ على البدر الغزّي في الأصول، والعربية، وغير ذلك، وقرأ عليه «البخاري» كاملا في ستة أيام أولها يوم السبت حادي عشري شهر رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة، و «صحيح مسلم» كاملا في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوما، وقرأ عليه نصف «الشفا» الأول وغير ذلك، وترجمه البدر بأنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم.
وتوفي شهيدا بالبطن يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان.
وفيها المولى برهان الدّين إبراهيم الحسيب النّسيب [2] أحد موالي الرّوم الحنفي.
كان والده من سادات العجم.
رحل إلى الرّوم، وتوطن قرية من قرى أماسية يقال لها قريكجه، وكان من أكابر أولياء الله تعالى، وله كرامات وخوارق، منها أنه كفّ بصره في آخر عمره، فكشف ولده السيد إبراهيم المذكور رأسه بين يديه يوما، فقال له: يا ولدي لا تكشف رأسك ربما يضرّك الهواء البارد، فقال له ولده: كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة، قال: سألت الله أن يريني وجهك، فمكنني من ذلك، فصادف نظري
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (185- 187) و «الكواكب السائرة» (2/ 83- 84) .

(10/288)


انكشاف رأسك، ونشأ ولده المذكور في حجره بعفّة وصيانة، ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا، فقرأ على الشيخ سنان الدّين، ثم اتصل بخدمة المولى حسن السّاموني، ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده، ثم ولي التدريس حتّى صار مدرّسا بمدرسة السلطان بايزيد كل يوم بمائة عثماني على وجه التقاعد، ولما جلس السلطان سليم على سرير الملك اشترى له دارا في جوار أبي أيوب الأنصاري [1] والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرّسا بمدرسة أبي أيوب، وكان مجرّدا لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج، وكان منقطعا عن الناس للعلم والعبادة، زاهدا، ورعا، يستوي عنده الذهب والمدر، ذا عفّة، ونزاهة، وحسن سمت، وأدب، واجتهاد، ما رؤي إلا جاثيا على ركبتيه، ولم يضطجع أبدا مع كبر سنّه.
وكان طويل القامة، كبير اللحية، حسن الشيبة، يتلألأ وجه نورا، متواضعا، خاشعا، يرحم الصغير ويجلّ الكبير، ويكثر الصدقة. وكفّ في آخر عمره ثم عولج فأبصر ببعض بصره.
وتوفي في هذه السنة ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى جلال الدّين الرّومي الحنفي الفاضل [2] خدم المولى محمد بن الحاج حسن، ثم صار مدرّسا بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم صار قاضيا بعدة من البلاد، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة.
وكان محقّقا مدقّقا، ذا شيبة نيّرة، بقية من الصالحين.
وفيها داود بن سليمان القصيري [3] الشافعي الفقيه البارع، أخو الشيخ عبده [4] .
__________
[1] أي في جوار جامعه باستانبول.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (279- 280) و «الكواكب السائرة» (2/ 133) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 142) .
[4] في «آ» و «ط» و «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «أخو الشيخ عبدو» والصواب في كتابة اللفظة ما أثبته.

(10/289)


وأخذ الفقه عن جماعة وبرع فيه [1] .
وفيها عبد الرزاق التّرابي المصري [2] الشيخ الصّالح الورع الزّاهد.
أخذ الطريق عن سيدي على النّبتيتي، وسيدي أحمد التّرابي، والشيخ نجا النّبتيتي، وكان على قدم عظيم من الزّاهد والورع، وأقبل الناس عليه بالاعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا، وله رسالة، في الطريق، ونظم لطيف.
انتقل من الرّيف إلى مصر، وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الجيزة [3] فأقام بها إلى أن مات.
ومن كراماته أنه طلع مرة إلى الأمير خير بك والي مصر في شفاعة فلم يقبلها وأغلظ على [4] الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة ومات منها بعد سبعة أيام.
وفيها الشيخ عبيد الدّنجاوي ثم البلقيني المصري [5] العارف بالله تعالى، أحد أصحاب الشيخ محمد الكواكبي [6] الحلبي.
دخل مصر من قبل الشام في زمن السلطان قايتباي.
وكان يعتقده أشد الاعتقاد، وكانت وظيفته خدمة شيخه المذكور، حتّى كان في كاهله أثر من حمل الماء وغيره على ظهره، وكان مشغولا بالخدمة، لا يحضر مع أصحاب شيخه أورادهم قطّ، فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذو الهيئات للإذن فلم يلتفت إلى أحد منهم، وقال: هاتوا عبيد فأذن له بحضرتهم فحسدوه، وكادوا يقتلونه، فسافر إلى مصر ودخلها مجذوبا عريان ليس عليه سوى سراويل وطرطور، وكلاهما من جلد، ثم ذهب إلى الصعيد، وأقام بها مدة، ثم سكن بلقين، وعمّر
__________
[1] لفظة «فيه» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 167- 168) .
[3] تحرفت اللفظة في «آ» إلى الجزيرة.
[4] تحرفت اللفظة في «آ» إلى «عليه» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 189- 190) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 146- 147) .
[6] تحرفنت في «ط» إلى «الكوكبي» .

(10/290)


بها زاوية، وأقبل الناس عليه من سائر الآفاق، ونزل السلطان إلى زيارته، ثم سكن في [1] مصر في الزاوية الحلاوية عمرها له الغوري، وكان ينزل هو وولده إلى زيارته، ثم ترك لباس الجلد وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك، وكان له سبعة نقباء لقضاء حوائج الناس عند السلطان فمن دونه، وكان لا تردّ له كلمة ولا شفاعة، وكان لا يردّ سائلا قطّ، ومن سأله درهما أعطاه ما يساوي خمسين دينارا أو ما يقرب منها.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها قاضي القضاة نجم الدّين محمد بن شيخ مشايخ الإسلام تقي الدّين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن قاضي عجلون [2] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، واشتغل على والده، ودرّس عنه نيابة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وولي خطابة جامع يلبغا، وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدّين بن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة، ولما رحل [3] مع أبيه إلى القاهرة- في حادثة محبّ الدّين ناظر الجيوش- ولّاه الغوري قضاء القضاة بالشام استقلالا، وذلك في سنة أربع عشرة، واعتقل بقلعة دمشق في جامعها عشية الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة سنة خمس عشرة، ثم عزل في ثاني [ذي] القعدة منها، وأعيد القاضي ولي الدّين بن الفرفور.
وتوفي القاضي نجم الدّين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده بتربة باب الصغير.
وفيها شمس الدّين محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناجي- بجيمين
__________
[1] لفظة «في» سقطت من «آ» .
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (8/ 161) و «متعة الأذهان» الورقة (74/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 21) .
[3] كذا في «آ» : «رحل» وفي «ط» : «رجع» وفي «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف: «دخل» .

(10/291)


الأولى مضمومة، بينهما نون خفيفة، نسبة لجناج قرية بين البحرارية وسنهور من الغربية [1]- ثم القاهري الأزهري المكّي المالكي، وربما عرف بمكّة بابن وحشي.
ولد سنة ستين وثمانمائة تقريبا، وحفظ القرآن [العظيم، ونحو النصف الأول من مختصر الشيخ خليل، ومن «ألفية النحو» . واشتغل في الفقه] [2] والعربية على السّنهوري وغيره، وقرأ على الدّيمي «البخاري» وسمع على الكمال بن أبي شريف في «مسلم» وعلى الشاوي في «البخاري» بحضرة الخيضري. كذا ذكره السخاوي.
قال وحجّ غير مرة، ولقيني في سنة سبع وتسعين بمكّة، فقرأ عليّ «الموطأ» ونحو النصف من «الشفا» بسماع باقيه، ولازمني في غير ذلك سماعا وتفهما. انتهى باختصار.
وتوفي بمكة المشرّفة في ربيع الثاني ودفن بالمعلاة.
وفيها القاضي رضي الدّين أبو الفضل محمد بن رضي الدّين محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوي بن شدّاد بن عاد بن مفرّج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب [3] . كذا ساق نسبه حفيده النجم في «الكواكب» وقال: الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، المحقّق المدقّق العمدة العلّامة الحجّة الفهّامة الغزّي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، العامري القرشي الشافعي، جدّي لأبي.
ولد في صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وتوفي والده شيخ الإسلام [رضي الدّين أبو البركات، وسنّه إذ ذاك دون السنتين، وأسند وصايته إلى شيخ الإسلام] [4] زين الدّين خطاب بن عمر بن مهنّا الغزاوي
__________
[1] وقال ابن الجيعان: جناج قرية من أعمال الغربية في مصر. انظر «التحفة السنية» ص (175) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ آ- 93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 3- 6) و «الأعلام» (7/ 56) .
[4] ما بين القوسين سقط من «ط» .

(10/292)


الشافعي شيخ الشافعية بدمشق، فربّاه أحسن تربية، إلى أن ترعرع، وطلب العلم بنفسه، مشمّرا عن ساق الاجتهاد، مؤثرا لطريقة التصوف ومنعزلا عن الناس في زاوية جدّه لأمّه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق، إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة، ولازم الشيخ خطاب مدة حياته، وتفقّه عليه وانتفع به ثم تزوج ابنته بالتماس منه، ولزم أيضا الشيخ محبّ الدّين محمد البصروي، فأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض، ثم لزم الشيخ برهان الدّين الزرعي، وأخذ عنه الحديث وغيره، وولده الشيخ شهاب الدّين أحمد، وأخذ عنه المعقولات، والمعاني، والبيان، والعربية، وتفقّه أيضا بالبدر بن قاضي شهبة، والشيخ شمس الدّين محمد بن حامد الصّفدي، وغيرهم.
وكان- رحمه الله تعالى- ممن قطع عمره في العلم طلبا وإفادة وجمعا وتصنيفا.
أفتى ودرّس، وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري وسنّه إذ ذاك دون العشرين سنة، ثم عن الشّهاب بن الفرفور، ثم عن ولده القاضي ولي الدّين بعد أن تنزه عن الحكم، ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان، وباشر مدة ولايته القضاء بعفّة، ونزاهة، وطهارة يد ولسان، وقيام في الحقّ، لا يحابي أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، وهو آخر قضاة العدل.
وممن أخذ عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدّين، وأبو الحسن البكري، وأمين الدّين بن النجّار المصري، والسيد عبد الرحيم العبّاسي، والبدر العلائي، وغيرهم.
ومن مؤلفاته «الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع» في الأصول، و «ألفية في التصوف» سمّاها «الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد» و «ألفية» في اللغة نظم فيها «فصيح ثعلب» و «ألفية» في علم الهيئة. و «ألفية» في علم الطب، و «منظومة» في علم الخطّ. ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل، ووضع على نظمه شرحا نفيسا، وألف «مختصرا» في علمي المعاني

(10/293)


والبيان، سمّاه ب «الإفصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح» [1] ، ووضع عليه شرحا حافلا، وشرح «أرجوزة البارزي» في المعاني والبيان، و «شرح عقيدة جمع الجوامع» و «نظم عقائد الغزالي» وعقائد لبعض الحنفية، و «نخبة الفكر» لابن حجر في علم الحديث، و «قلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان» للشيخ إبراهيم النّاجي، وألّف كتاب «الملاحة في علم الفلاحة» وغير ذلك.
ومن شعره:
ما كان بكر علومي قطّ يخطبها ... إلا ذوو جدّة بالفضل أكفاء
وغضّ منه ذوو جهل [2] معاندة [3] ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
وتوفي في شوال عن ثلاث وسبعين سنة، ودفن بمقبرة الشيخ رسلان. انتهى باختصار.
وفيها شمس الدّين أبو البركات محمد بن العلّامة شمس الدّين محمد بن حسن البابي الأصل الحلبي، الشهير كأبيه بابن البيلوني [4] وبإمام السفاحية.
سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ من أول «صحيح البخاري» إلى تفسير سورة مريم، وسمع على الزين بن الشّماع «الشمائل للترمذي» وأجازا له، وقرأ على العلاء الموصلي في «شرح الألفية» لابن عقيل، ودرّس بالحجازية. وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري، وكان له حركة وسعي في تحصيل الدنيا، فعرض له شيخه ابن الشّمّاع في ذلك، فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس، والاستعانة على الاشتغال بالعلم، والتوسعة على المحتاجين في وجوه البرّ.
وتوفي بمنبج وهو دون الأربعين، ودفن وراء ضريح سيدي عقيل المنبجي.
__________
[1] في «ط» : «والمفتاح» وهو خطأ، وانظر «كشف الظنون» (1/ 132- 133) .
[2] لفظة «جهل» سقطت من «آ» .
[3] تحرفت في «ط» إلى «معازرة» .
[4] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 365- 366) و «الكواكب السائرة» (2/ 8) .

(10/294)


وفيها شهاب الدّين محمد الحلبي [1] المصري [2] الإمام العالم.
توفي في أوائل هذه السنة.
وفيها محيي الدّين محمد، الشهير بابن قوطاس المولى الفاضل الرّومي الحنفي [3] .
كان أبوه من بلاد العجم، ودخل الرّوم، وصار قاضيا ببعض بلادها، واشتغل ابنه هذا على جماعة، منهم المولى ابن المؤيد، والمولى محمد بن الحاج حسن، ثم ولي التداريس حتّى درّس بإسحاقية إسكوب، ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية.
وتوفي وهو مدرّس بها.
وكان فاضلا محقّقا مجتهدا في العبادة ملازما تلاوة القرآن طارحا للتكلّف، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد الحصني السيد الحسيب النّسيب، قريب شيخ الإسلام تقي الدّين الحصني [4] .
رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة، وتوفي بها.
وكان إماما علّامة، صالحا، رحمه الله تعالى.
وفيها محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد الحنفي المشهور بابن طليان [5] .
ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية، وكان فقيها جيدا يصدع بالحقّ ولا يخاف في الله لومة لائم، لكن كان عنده حدّة، وحجّ في آخر عمره.
__________
[1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «الحليبي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (278- 279) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[5] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 443- 444) و «الكواكب السائرة» (2/ 248) و «إعلام النبلاء» (5/ 438) وفي بعض المصادر: «ابن طيلان» .

(10/295)


وتوفي في شهر رمضان.
وفيها المولى مصلح الدّين مصطفى بن خليل [1] والد صاحب «الشقائق النعمانية» .
ولد ببلدة طاش كبري سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وهي السنة التي فتحت فيها قسطنطينية، وقرأ على والده، ثم على خاله المولى التكشاري، ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرّس بسلطانية بروسا، ثم على المولى بهاء الدّين المدرّس بإحدى الثمانية، ثم على المولى ابن مغنيسا [2] ، ثم على المولى قاضي زاده، ثم على المولى علاء الدّين العربي، ثم على المولى خواجه زاده، ثم درّس بالأسدية ببروسا، ثم بالمدرسة البيضاء بأنقرة، ثم بالسيفية بها، ثم بإسحاقية إسكوب، ثم بحلبية أدرنة، ثم صار معلّما للسلطان سليم خان، ثم أعطي تدريس السلطانية ببروسا، ثم إحدى الثمانية، ثم صار قاضيا بحلب، ثم استعفى من القضاء، وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان.
وكان عالما، زاهدا، عابدا متأدبا، مشتغلا بنفسه، معرضا عن الدنيا، وله رسائل وحواش على نبذ من «شرح المفتاح» ورسالة في الفرائض، وغير ذلك، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (231- 233) و «الكواكب السائرة» (2/ 251) .
[2] تحرفت في «آ» إلى «ابن مغيثا» وفي «ط» إلى «ابن مغيسا» والتصحيح من مصدري الترجمة.

(10/296)