شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثلاثين
وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن
خليل اليمني الزّبيدي ثم الحسوي المالكي [1] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : لازم شيخ الإسلام الوالد سنين، وقرأ عليه في الفقه
على مذهب الشافعي، وفي «ألفية ابن مالك» وقرأ عليه «شرحه المنظوم على
الألفية» . انتهى وفيها برهان الدّين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدّين
أحمد بن حمزة الدمشقي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا في الاشتغال، ووالده من أهل العلم
الكبار، وكان هو شابا، مهيبا، له يد طولى في المعقولات، دأب وحصّل،
وجمع بين طرفي «المنهاج» على شيخنا البلاطنسي، ورافقنا على السيد كمال
الدّين بن حمزة مع الأجلّة الأكابر، وله أبحاث عالية، وهمّة سامية،
طارح للتكلّف.
سكن المدرسة التقوية ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول، ودفن
بباب الفراديس. انتهى وفيها تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن محمد بن عبد
الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي [3] الشافعي الحافظ، شيخ مشايخ
الإسلام، العلّامة المحقّق، الناقد المجتهد.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 75) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/
78) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 87- 89) و «الأعلام» (5/ 11) .
(10/297)
ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين
وثمانمائة، وأخذ العلم عن والده، وعن الزّين خطّاب، والبدر ابن قاضي
شهبة، وشيخي الإسلام النّجمي والتّقوي ابني قاضي عجلون، والجمال بن
الباعوني، والعلاء الأيجي، والبرهان النّاجي، والشهاب الأذرعي، وغيرهم.
قال الشيخ يونس العيثاوي- وهو تلميذه-: هو من بيت صلاح وعلم، سمعت مدحه
بذلك من السيد كمال الدّين بن حمزة، ودخل دمشق في طلب العلم، وأخذ عن
علمائها المشار إليهم، ثم استوطنها، ولم يتناول من أوقافها شيئا. وكان
يجلس في البادرائية. وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل.
وكان عالما، عاملا، ورعا، كاملا، له مهابة في قلوب الفقهاء والحكّام،
يرجع إليه في المشكلات، لا يتردد إلى أحد لغناه، وله همّة مع الطلبة،
ونصيحة واعتناء بالعلم، أمارا [1] بالمعروف، نهاء عن المنكر، لا تأخذه
في الله لومة لائم، لا يداهن في الحقّ، له حالة مع الله تعالى، يستغاث
بدعائه [2] ، ويتبرك بلحظه، قائما بنصرة الشريعة، حاملا لواء الإسلام،
مجدّا في العبادة، مجانبا للرّياء، لا يحب أن يمدحه أحد، يختم القرآن
في كل يوم جمعة، ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين [3] ، وأكبّ في
آخرة على التّلاوة.
وله شعر متوسط، منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان، وتعرّض فيها
__________
[1] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «آمرا» .
[2] قلت: الذي عليه العلماء المحقّقون أن الاستغاثة لا تحتاج إلى وساطة
بين العبد المسلم وربّه امتثالا لقوله تعالى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي
عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ 2:
186 [البقرة: 186] .
[3] أقول: ما جاء مثل هذا عن بعض العلماء أو عن بعض السّلف أنه يختم
ختمة أو ختمتين في ليلة واحدة، فمحمول على أنه لم يصلهم عن رسول الله
صلّى الله عليه وسلم خبر عن ذلك وأنه صلّى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ
الإنسان القرآن في أقل من ثلاثة أيام، لأنه يعتبر هذرمة، ولا يمكن أن
يعي منه شيئا.
روى الترمذي في «سننه» رقم (2950) وأبو داود رقم (1390) وابن ماجة رقم
(1347) والدارمي (1493) وأحمد (2/ 164) من حديث عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لم
يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» وهو حديث صحيح (ع) .
(10/298)
لما حصل في زمنه من الفتوحات، كرودس [1]
وغيرها.
وتوفي ليلة الاثنين ثاني المحرم، ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ
الإسلام شمس الدّين البلاطنسي، وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال.
وفيها أحمد بن منلا شيخ، المعروف بخجا كمال العجمي اللالائي [2]- نسبة
إلى لالا قرية من أعمال تبريز [3]- الشافعي.
قال في «الكواكب» : كان له فضيلة ومشاركة، وهو أول من ولي نظارة
النّظّار بدمشق. وتولى الجامع الأموي، والتكية السليمية، والبيمارستان،
إلى جانبها.
أخذ عن شيخي الإسلام الجدّ والوالد، وعن غيرهما، وربما انتقد عليه بعض
الناس أمورا، ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلّا مصاهرة شيخ الإسلام
الجدّ له، كما صاهر القاضي برهان الدّين الأخنائي، والقاضي أمين الدّين
بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا.
قال: ثم إن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب
البريد واحترق أبواب الجامع معه. قال: وكان المتكلم عليه الخجا العجمي
من قبل حزم باشا، وأحسن النظر فيه وعمّر ما احترق من مال الوقف الذي
كان مرصدا عنده، والحال أنه سرق له مال من منزله، وتحدّث الناس أنه
يدّعي سرقة المال المرصد، ولو ادعاه لصدقوه، لكنه قال: مال الجامع
محفوظ لم يسرق، فازداد الناس في مدحه وذكر عفّته. قال: وكان كذلك، فإنه
لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتّب القراء تحت القبّة واستمر.
__________
[1] رودوس- بضم الراء المهملة، ثم واو ساكنة، ودال مهملة، ويقال معجمة
مكسورة، ثم سين مهملة- جزيرة في البحر الأبيض المتوسط على مقربة من
الجنوب الغربي لتركيا المعاصرة. انظر «تقويم البلدان» لأبي الفداء ص
(194) و «أطلب العالم» للأستاذ شارل جورج بدران (الخريطة رقم 42 المربع
رقم 9) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 108- 109) .
[3] كذا قيدها المؤلف- رحمه الله تعالى- نقلا عن «الكواكب السائرة» ولم
أجد ذكرا لها في كتب البلدان التي بين يدي.
(10/299)
وتوفي ليلة الخميس تاسع عشري ربيع الآخر،
ودفن بباب الصغير. انتهى ملخصا.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد
الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكّي الشافعي [1] ابن أخت
السّراج البلقيني.
قال في «النور» : ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة، ونشأ
بها، فحفظ القرآن و «أربعين النواوي» و «إرشاد ابن المقري» [2] و
«ألفية ابن مالك» وعرض على البرهان بن ظهيرة، والمحبّ الطّبري،
والعلمي، وعمر بن فهد في آخرين.
قال السخاوي: سمع مني بمكة والمدينة أشياء، بل قرأ عليّ بالقاهرة في
«سنن أبي داود» وتكرّر قدومه لها، وهو حاذق فطن منوّر.
وقال جار الله بن فهد: واستمر على حاله في التردد، والحذق، وكثرة دخول
القاهرة، ومخالطة الأكابر، مع الحرص على تحصيل الوظائف، وتزوج واحدة
بعد واحدة، ورزق جملة أولاد، أنجبهم عبد الله بن حبيشة، وله غيره من
مكّيّة ومدنيّة، وحصل الأملاك وعمرها، ثم ضعف في آخر عمره، وطلع له فتق
في بدنه، وانقطع في بيته نحو جمعة بالإسهال، ثم مات بمكة يوم الجمعة
تاسع عشر المحرم بعد وصية، وحصل له بالإسهال الشهادة ووقي فتنة القبر
بموته يوم الجمعة، ودفن على قبر أبيه وجدّه جوار الفضيل بن عياض.
وفيها المولى شمس الدّين أحمد بن يوسف القسطنطيني [3] المولد الحنفي،
المعروف بابن الجصّاص.
اشتغل، ثم خدم المولى ابن المؤيد، ثم درّس وترى في المدارس، حتى
__________
[1] ترجمته في «الضوء اللامع» (2/ 34) و «النور السافر» ص (200- 201) .
[2] وهو «الإرشاد في فروع الشافعية» للإمام شرف الدّين إسماعيل بن أبي
بكر بن المقري اليمني الشافعي، المتوفى سنة (836 هـ) . انظر «كشف
الظنون» (1/ 69- 70) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (276) و «الكواكب السائرة» (2/
116) .
(10/300)
أعطي سلطانية بروسا، ثم ولي قضاء الشام، ثم
عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام، ثم أتاه أمر باستمراره في
دمشق مفتشا على الأوقاف.
وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي، لا يحب أحدا يمشي
أمامه على هيئة الأكابر، وصار بعد عوده إلى الرّوم مدرّسا بإحدى
الثمانية بثمانين درهما.
وكان عالما، عاملا، مدقّقا، ماهرا في العلوم العقلية، بعيدا عن
التكلّف، صحيح العقيدة، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنّا- جان التبريزي الشافعي، المعروف بميرجان الكبابي [1] ،
القاطن بحلب.
قال في «الكواكب» : كان عالما، كبيرا سنيا، صوفيا، قصد قتله شاه
إسماعيل صاحب تبريز لتسنّنه، فخلع العذار، وطاف في الأزقة كالمجنون، ثم
صار على أسلوب الدراويش.
وقال ابن الحنبلي: زرته بحلب في العشر الرابع من القرن، وهو بحجرة ليس
فيها إلّا الحصير. ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية.
وفي تاريخ ابن طولون المسمى «مفاكهة الإخوان» [2] : وفي يوم الثلاثاء
سادس عشر شعبان- يعني سنة أربع وثلاثين- قدم دمشق عالم الشرق مرجان
القبالي التبريزي الشافعي، وقيل: إنه كان إذا طلع محلّ درسه نادى مناد
في الشوارع: من له غرض في حلّ إشكال فليحضر عند المنلا فلان. قال:
ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدّين الكبرى في «تفسيره»
. قال: وعنده اطلاع. انتهى
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 436- 437) و «الكواكب السائرة» (2/
132) .
[2] تنبيه: كذا سماه المؤلف رحمه الله «مفاكهة الإخوان» متابعا بذلك
الغزّي صاحب «الكواكب السائرة» وقد وهما في ذلك، والصواب في اسمه
«مفاكهة الخلان في حوادث الزمان» وقد طبع القسم الموجود منه في مصر
بتحقيق الأستاذ محمد مصطفى وينتهي في أثناء أحداث سنة (926 هـ) وما ورد
في كتابنا هنا نقلا عن «الكواكب السائرة» لم يرد فيه للخرم الذي حصل
فيه.
(10/301)
ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق
حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين.
قال: وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خفّ، وأنه يقدّم عليا
رضي الله عنه [1] ، وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم. انتهى.
وفيها عفيف الدّين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون [2] السيد
الشريف الحسيني الفاسي المكّي، قريب مؤرخ مكّة القاضي تقي الدّين.
ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وأجازه الحافظ ابن حجر، ومن في
طبقته باستدعاء المحدّث نجم الدّين عمر بن فهد في سنة خمسين، وله سماع
على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره.
وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة.
وفيها- تقريبا- عبد الرحمن الشامي [3] المدرّس بخانقاه سعيد السعداء
بالقاهرة.
قال في «الكواكب» : الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصّوفي. كان يتعمّم
بالصوف، وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية، أقبلت عليه الأكابر
والأمراء، واعتقدوه، وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين، وهو يخاطبهم
بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب.
مات في حدود هذه الطبقة، ودفن قريبا من تربة السلطان إينال، ورؤيت
الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها
فترجع. ذكره الشعراوي. انتهى.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن أحمد الحمصي، المعروف بابن الدّعاس [4]
الشيخ الفاضل العالم.
قال في «الكواكب» : دخل دمشق، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد،
__________
[1] يعني في الأحقية في الخلافة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 174) .
(10/302)
وكتب نسختين من مؤلّفه المسمى ب «الدرّ
النّضيد في أدب المفيد والمستفيد» واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست
وثلاثين، ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص. انتهى.
وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي [1] أحد الموالي
الرّومية، سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري.
قال في «الشقائق» : قرأ على علماء عصره، واشتغل بالعلم غاية الاشتغال،
ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدّين اليارحصاري، ثم انتقل إلى خدمة
الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور، ثم صار قاضيا بحلب.
وكان فاضلا، ذكيا، له مشاركة في العلوم، ومعرفة تامة بعلم القراءات،
قوي الحفظ، حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر.
[وكان] صاحب أخلاق حميدة جدا، من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها،
ملك كتبا كثيرة، وهي على ما يروى عشرة آلاف مجلد. قال: ورأيت له شرحا
للقصيدة المسمّاة ب «البردة» .
وقال: ابن الحنبلي: وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب، سمينها
وغثّها، جديدها ورثها، حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد، وجعل
فهرستها مجلدا مستقلا، ذكر فيه الكتاب، ومن ألّفه.
وكان مع أصالته. فاضلا سيما في القراءات [2] ، عارفا باللّسان العربي
[والعبراني] [3] ، سخيا [معطاء، يسامح في كثير من رسوم المحكمة] [3]
معتقدا في الصوفية، كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني [4]
لتقبيل يده، من غير
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (277- 278) وما بين الحاصرتين
مستدرك منه و «در الحبب» (1/ 2/ 880- 883) و «الكواكب السائرة» (2/
188) .
[2] في «در الحبب» : «سيما في القراءة» .
[3] ما بين الحاصرتين مستدرك من «در الحبب» مصدر المؤلّف.
[4] هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزوانيّ ويقال له: الكازواني-
نسبة إلى كازوا- وهو الصحيح- إلا أنه اشتهر بالأول أيضا، حتى كان يقول:
أنا الكيزوانيّ- الشيخ العابد المسلّك العارف بالله تعالى. مات سنة
(955 هـ) وسوف يترجم المؤلف له في وفيات سنة (955) من هذا المجلد.
(10/303)
حائل ولا يتغالى في ملبسه، ولا يبالي به.
وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف [1] . انتهى ملخصا.
وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد بن الحداد الهيتي
الحموي الشافعي الصّوفي الشّاذلي [2] الإمام العلّامة الفهامة، شيخ
الفقهاء والأصوليين، وأستاذ الأولياء والعارفين [3] .
سمع على الشمس البازلي كثيرا من «البخاري» و «مسلم» وعلى نور الدّين بن
زهرة الحنبلي الحمصي.
وأخذ عن القطب الخيضري، والبرهان النّاجي، والبدر حسن بن شهاب
الدمشقيين، وغيرهم من أهلها. وعن ابن السّلامي الحلبي، وابن الناسخ
الطرابلسي، والفخر عثمان الدّيمي المصري.
وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحنوي، ثم الدمشقي الشافعي.
وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي.
قال المترجم: اجتمعت به بحماة، وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق
ونوادر الحكم، فقال: يا علوان عظ من الرأس ولا تعظ من الكرّاس، فلم
أعبأ به، فأعاد القول ثانيا وثالثا، فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من
أولياء الله تعالى، فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي. قال:
فابتدأت غيبا، وفتح الله عليّ، واستمر الفتح إلى الآن.
قال: وأمرني بمطالعة «الإحياء» [4] وأخذت عنه طريق الصوفية.
وبالجملة، فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته، وتقدمه،
وجمعه بين العلم والعمل، وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه، والأصول،
والتصوف.
__________
[1] قاف: بلفظ أحد الحروف المعجمة. قيل: هو الجبل المحيط بالأرض. انظر
«مراصد الاطلاع» (3/ 1059) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 961- 978) و «الكواكب السائرة» (2/
206- 213) و «الأعلام» (4/ 312- 313) .
[3] في «ط» : «وأستاذ الأولياء العارفين» بإسقاط الواو التي بين
اللفظتين.
[4] يعني «إحياء علوم الدّين» للإمام الغزالي.
(10/304)
وتآليفه مشهورة، منها «المنظومة الميمية»
المسماة ب «الجوهر المحبوك في علم السلوك» وكتاب «مصباح الهداية ومفتاح
الدراية» في الفقه. وكتاب «النصائح المهمة للملوك والأئمة» و «بيان
المعاني في شرح عقيدة الشيباني» و «عقيدة مختصرة» وشرحها. ورسالة
سمّاها «فتح اللطيف بإسرار التصريف» على نهج رسالة شيخه التي في إشارات
«الجرومية» وشرح «يائية ابن الفارض» و «تائية ابن حبيب» وهو أشهر كتبه.
وكتاب «مجلي الحزن» في مناقب شيخه السيد الشريف أبي الحسن. و «النفحات
القدسية في شرح الأبيات الششترية» وهي التي نقلها سيدي أحمد زرّوق [1]
في «شرح الحكم العطائية» .
ومن نظمه في النفحات المذكورة:
القتل في الحبّ أسنى منية الرّجل ... طوبى لمن مات بين السّيف والأسل
سيف اللّحاظ ورمح القدّ كم قتلا ... من مستهام فقاداه إلى الأجل
لو تعلم الرّوح فيمن أهدرت تلفا ... أضحت ومقدارها في نيل ذاك علي
إن الغرام وإن أشفى [2] السّقيم به ... على الهلاك لدرياق من العلل
يا حبذا سقمي فيهم وسفك دمي ... به ارتفعت بلا شكّ على زحل
أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم ... جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل
أشكو انقطاعي وهجري والصّدود لكم ... إن تقطعوا بانصرام الودّ ما حيلي
وحقّ معنى جمال يجتلي أبدا ... من حسن طلعتكم قدما من الأزل
ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا ... فليس من شيمتي ميل إلى البدل
__________
[1] تنبيه: وهم المؤلف رحمه الله حين ترجم له في وفيات سنة (899) من
المجلد التاسع فسمّاه «إسماعيل بن أحمد- وفي «ط» ابن محمد- بن عيسى
البرلسي المغربي الفاسي المالكي، المعروف ب «ابن زروق» وتبعته أنا في
غفلة مني اعتذر للقراء عنها أشد الاعتذار، والصواب في اسمه:
أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي أبو العبّاس، ويعرف ب
زروق- بفتح المعجمة، ثم مهملة مشددة، بعدها واو ثم قاف- وترجمته في
«الضوء اللامع» (1/ 222- 223) و «درة الحجال» (1/ 90- 91) و «فهرس
الفهارس» (1/ 455- 456) و «الأعلام» (1/ 91) .
[2] تصحفت اللفظة في «ط» إلى «أشقى» .
(10/305)
هيهات أن أنثني يوما إلى أحد ... وليس
غيركم في الكون يصلح لي
وتوفي- رضي الله عنه- بحماة في جمادي الأولى.
قال ولده سيدي محمد في «تحفة الحبيب» : ولقد أخبرني بموته قبل حلول
مرضه، وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم،
فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح.
وفيها زين الدّين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشّماع
الحلبي الشافعي [1] الإمام العلّامة المسند المحدّث.
ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا، واشتغل على محيي الدّين بن الأبّار،
والجلال النّصيبي، وغيرهما من علماء حلب.
وأخذ الحديث عن التّقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب، وعن الجلال
السّيوطي، والقاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة، وقد زادت
شيوخه بالسماع على مائتين، وبالإجازة العامة دون السماع، والإجازة
الخاصة على مائة، وحجّ وجاور بمكة مرات، وسافر في طلب الحديث إلى حماة،
وحمص، ودمشق، وبيت المقدس، وصفد، والقاهرة، وبلبيس، والحرمين الشريفين،
وغيرها، وصحب بمكّة سيدي محمد بن عراق، ولبس منه الخرقة، وتلقّن منه
الذكر، وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي، وصحبه، وأخذ عنه الشيخ
علوان أيضا.
وكان إماما، عالما، أمّارا بالمعروف نهاء عن المنكر، لا يقبل هدايا أهل
الدنيا، ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب، بل يتقنع [2] بما يحصل له
من ربح ما كان يضارب به رجلا من أصحابه.
وله مؤلفات كثيرة، منها «مورد الظمآن في شعب الإيمان» ومختصره «تنبيه
الوسنان إلى شعب الإيمان» ومختصر شرح الروض سمّاه «مغني الراغب في روض
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1012- 1025) و «الكواكب السائرة» (2/
224- 227) و «الأعلام» (5/ 41) .
[2] في «ط» : «يقنع» .
(10/306)
الطالب» وكتاب «بلغة المقتنع في آداب
المستمع» و «الدّر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة» و «العذب
الزلال في فضائل الآل» و «اللآلي اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة» و
«المنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق» و «عرف الند في المنتخب
من مؤلفات ابن فهد» و «الفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة» و «المنتخب
المرضي من مسند الشافعي» و «لقط المرجان من مسند النعمان» وإتحاف
العابد الناسك بالمنتقي من موطأ مالك» و «الدر المنضد من مسند أحمد» و
«اليواقيت المكلّلة في الأحاديث المسلسلة» و «القبس الحاوي لغرر ضوء
السخاوي» و «المواهب الملكية» ، و «تحفة الأمجاد» والتذكرة المسماة
«سفينة نوح» والسيرة الموسومة ب «الجواهر والدرر» وكتاب «محرّك همم
القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين» و «النبذة الزاكية فيما
يتعلق بذكر أنطاكية» و «عيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار»
.
ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية:
كن راحما لجميع الخلق منبسطا ... لهم وعاملهم بالبشر والبشر
من يرحم النّاس يرحمه الإله كذا ... جاء الحديث به عن سيّد البشر
وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر، ودفن تحت جبل
الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية.
وفيها كمال الدّين محمد بن علي القاهري الشافعي [1] قاضي قضاة الشافعية
بالديار المصرية، الشهير بالطويل، الإمام العلّامة شيخ الإسلام.
ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة.
قال الشعراوي: كان من أولاد الترك، وبلغنا أنه كان في صباه يلعب
بالحمام في الريدانية، فمرّ عليه سيدي إبراهيم المتبولي، وهو ذاهب إلى
بركة الحاج، فقال له: مرحبا بالشيخ كمال الدّين شيخ الإسلام، فاعتقد
الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء، ففي ذلك اليوم ترك
لعب الحمام واشتغل بالقراءة
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 80- 81) و «الكواكب السائرة» (2/ 45-
46) .
(10/307)
والعلم، وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتّى
رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة.
أخذ الشيخ كمال الدّين العلم والحديث عن الشّرف المناوي، والشهاب
الحجازي، وغيرهما. وسمع «صحيح مسلم» وغيره على القطب الخيضري، و «ألفية
العراقي» وغيرها على الشرف المناوي.
قال الشعراوي: وكان إماما في العلوم والمعارف، متواضعا، عفيفا، ظريفا،
لا يكاد جليسه يملّ من مجالسته، انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف
الناس عند فتاويه، وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب
الأذرعي، والزركشي، وقدم دمشق وحلب، وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري،
وأخذ بحلب عنه الشمس السّفيري، والمحيوي بن سعيد، وعاد إلى القاهرة
فتوفي بها، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت، ودفن
بتربته خارج باب النصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن علاء الدّين علي بن شهاب الدّين أحمد الحريري
الدمشقي، الشهير بابن فستق الشافعي [1] ، الحافظ لكتاب الله تعالى، مع
الإتقان.
قال في «الكواكب» : كان فاضلا، صالحا، مقرئا، مجوّدا، في خدمة الجدّ
شيخ الإسلام رضي الدّين الغزّي ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد
وحضر دروسه كثيرا. انتهى وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي [2]
الإمام العلّامة.
كان شيخ الخانقاة السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق، وولي نظر
العذراوية، وكان له سكون وله شرح على «البردة» .
توفي يوم الجمعة عشري جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 46- 47) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
(10/308)
وفيها شمس الدّين محمد البانقوسي [1]
الحلبي، عرف بابن طاش بصتي [2] .
تفقه على ابن فخر النساء، ودرّس بالأتابكية البرانية بحلب، وكان صالحا،
مباركا، قليل الكلام، حسن الخط، كبير السنّ، كثير التهجد، رحمه الله
تعالى.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 324- 325) و «الكواكب السائرة» (2/
69) .
[2] في «آ» و «ط» : «طاش بفطي» وفي «الكواكب السائرة» : «طاش بنطي» وما
أثبته من «در الحبب» .
(10/309)
سنة سبع وثلاثين
وتسعمائة
وفيها توفي المولى سليمان الرّومي [1] أحد مواليهم.
ترقّى في التدريس حتّى درّس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ومات
وهو مدرّسّ بها، وكانت وفاته في مجلس غاصّ بالعلماء في وليمة الختان
لأولاد السلطان سليمان، سقط مغشيا عليه فحمل إلى خيمته فمات بها.
وكان فاضلا، مشتغلا بنفسه.
وفيها عبد الله المجذوب المصري [2] .
كان يصحن الحشيش في خرائب الأزبكية بالقاهرة، وكان من كرامته أن من أخذ
من حشيشه وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود إليها أبدا.
قال الشعراوي: وكان من الراسخين.
قال: وكان كثير الكشف، سمعته مرة يقول: وعزّة ربّي ما أخذها أحد من هذه
اليد وعاد إليها- يعني الحشيشة-.
مات في هذه السنة ودفن في خرائب الأزبكية مع الغرباء.
وفيها- تقريبا- فخر الدّين عثمان السّنباطي الشافعي [3] الإمام
العلّامة.
أخذ عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، وصحب محمد
الشنّاوي.
وكان من العلماء العاملين، قليل الكلام، حسن السّمت، ولما ضرب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (286) و «الكواكب السائرة» (2/
148) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 154) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190- 191) .
(10/310)
القانون على القضاة عزل نفسه، وكان يقضي في
بلده احتسابا، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنا- عزّ الدّين المازندراني العجمي [1] .
جاور بمكة، ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين، وظهر له فضل في علوم شتى، لا
سيما القراآت، فإنه كان فيها أمّة، وألّف فيها كتابا في وقف حمزة
وهشام، وله شرح على «الجرومية» أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها
مغلقة على المبتدئ، ثم رحل إلى بلاده فمات بها.
وفيها- أو ما يقرب منها- علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد الكنجي [2]
الشافعي الدمشقي الإمام العلّامة.
ولد بالقدس الشريف سنة تسعين وثمانمائة.
وكان فاضلا، صالحا، مباركا، بارعا في علوم كثيرة، خيّرا كأبيه، رحمهما
الله تعالى.
وفيها علاء الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري ثم
الجوبري الدمشقي [3] الشافعي الأديب.
ولد بقرية الشوبك ببلاد نابلس في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين
وثمانمائة، وكان مؤذّنا بالجامع الأموي، متسببا بباب البريد، فاضلا،
بارعا، شاعرا له ديوان شعر ولم يشتهر.
ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر [4] :
أمر يطول ومدّة متقاصرة ... وبصائر عميت وعين باصره
فإلى متى يا نفس ويحك صابره ... قرب الرّحيل إلى ديار الآخرة
فاجعل إلهي خير عمري آخره
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 895- 897) و «الكواكب السائرة» (2/
191) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 200) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (61/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/
200- 201) .
[4] تقدمت أبيات في معناها للإمام شرف الدّين عبد المنعم بن سليمان
البغدادي في المجلد التاسع ص (103- 104) فلتراجع.
(10/311)
فالعيش في الدّنيا كلّذة حالم ... وسواك يا
مولاي ليس بدائم
وإليك مرجعنا بأمر جازم ... فلئن رحمت فأنت أكرم راحم
وبحار جودك يا إلهي زاخره ... يا ربّ إن الدّهر أبلى جدّتي
وعصيت في جهل الشّباب وجدّتي [1] ... فإذا تصرّم ما بقي من مدّتي
آنس مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
إن كنت ترحم من مضت أعوامه ... في لهوه حتّى نمت آثامه
والعفو منك رجاؤه ومرامه ... فأنا المسكين الذي أيّامه
ولّت بأوزار غدت متواترة ... فبوجهك الباقي وعزّ جلاله
ومحمّد سرّ الوجود وآله [2] ... رفقا بمن أنت العليم بحاله
وتولّه باللطف عند مآله ... يا مالك الدّنيا وربّ الآخره
توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر.
وفيها أقضى القضاة علاء الدّين علي بن أحمد بن محمد بن عزّ الدّين
الصغير بن عزّ الدّين بن محمد الكبير بن خليل الحاضري الأصل الحنفي [3]
.
أخذ عن الشمس الدلجي وغيره، وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب
الشرقي، وناب بمحكمة الجمالي يوسف بن إسكندر الحنفي، وكتب بخطه كثيرا
من الكتب العلمية، ووعظ بجامع حلب.
__________
[1] في «آ» : «وحدتي» بالحاء المهملة.
[2] أقول: هذا توسل بجاه النبي صلّى الله عليه وسلم، وينبغي أن يتوسل
بأسماء الله تعالى وصفاته قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى
فَادْعُوهُ بِها 7: 180 [الأعراف: 180] كما فعل ذلك سلفنا الصّالح
رحمهم الله تعالى (ع) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 915- 916) و «الكواكب السائرة» (2/
201) .
(10/312)
وكان صالحا عفيفا، سليم الصدر.
وتوفي في شوال.
وفيها- تقريبا- قاضي القضاة فضيل بن مفتي المملكة الرّومية علاء الدّين
علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي [1] .
كان ينسب إلى الشيخ جمال الدّين محمد الأقصرائي صاحب «موجز الطب» و
«الإيضاح البياني» وغيرهما.
وكان الشيخ جمال الدّين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرّيّة
أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، كذا قال ابن الحنبلي. وذكر أنه قدم حلب
في ذي القعدة سنة ستين متوليا قضاء بغداد، فاجتمع به، واستجازه، ثم ولي
قضاء حلب، ثم في سنة إحدى وستين دخلها متوليا ووهبه رسالة له سمّاها
«إعانة الفارض في تصحيح واقعات الفرائض» ولم يؤرّخ وفاته.
وفيها قصير الحنفي [2] مفتي بخارى.
قال ابن طولون: دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة سبع [3] وثلاثين
وتسعمائة ومعه جماعة، وزار بيت المقدس، ثم عاد إلى دمشق، وحجّ منها.
وكان عالما بالعربية، نزل بالشامية البرانية، وتردّد إليه الشيخ عبد
الصّمد الحنفي، والشيخ تقي الدّين القاري، وقرأ عليه الثاني في
«المصابيح» . انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي ثم المقدسي
ثم الدمشقي الوفائي الشافعي [4] الإمام العلّامة، واعظ دمشق.
أخذ عن الشيخ أبي الفتح المزّي، وغيره.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 17- 19) و «الكواكب السائرة» (2/ 239)
.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) .
[3] في «الكواكب السائرة» : «سنة تسع» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) و «الأعلام» (5/ 302) .
(10/313)
وكان أسنّ من البدر الغزّي، ومع ذلك أخذ
عنه قال في «فهرست تلاميذه» :
أجزته ببعض مؤلفاتي وأشعاري، وحضر دروسا من دروسي. انتهى.
وكان مجاورا في خلوة بالسميساطية، وانقطع بها خمس سنوات، وقد تعطّل
شقّه الأيسر.
وفي يوم السبت عاشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، دخل عليه اثنان من
المناحيس وهو على هذه الحال، فأخذا منه منديل النفقة بما فيه وعدة من
كتب وذهبا كان عنده، وكان ذلك قبل صلاة الصبح، فأقام الصوت عليهما فلم
يدركا، وكان ذلك سببا في زيادة ابتلائه.
وكان من عباد الله الصالحين.
وتوفي في رجب هذه السنة.
وفيها تقريبا شمس الدّين محمد بن إبراهيم الشنائي [1] المالكي [2]
العلّامة قاضي القضاة بالديار المصرية.
كان ممن جمع بين العلم والعمل، صواما، قواما، له شرح عظم على «الرسالة»
وعدة تصانيف مشهورة، وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه، وممن
أخذ عنه السيد عبد الرحيم العبّاسي، رحمه الله تعالى.
وفيها- ظنا- شمس الدّين محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي، المعروف
بجدّه [3] الشيخ الصالح.
ولد تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وأخذ «ورد ابن داود»
عن الشيخ عبد القادر بن أبي الحسن البعلي الحنبلي بحقّ روايته عن ولد
المصنّف سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود، عن أبيه.
وفيها قاضي القضاة ولي الدّين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدّين
__________
[1] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «الشنائي» وفي «ط» : «الثنائي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20- 21) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 21) .
(10/314)
أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن
الفرفور الدمشقي الشافعي [1] .
قال في «الكواكب» : ولد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين-
بتقديم التاء- وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، و «المنهج» في الفقه
لشيخه شيخ الإسلام القاضي زكريا، و «جمع الجوامع» لابن السّبكي، و
«ألفية ابن مالك» .
وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقيّ الدّين بن قاضي عجلون، وبالقاهرة
عن القاضي زكريا، والبرهان بن أبي شريف، وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ
برهان الدّين النّاجي، والشيخ أبي الفتح المزّي، والشيخ أبي الفضل بن
الإمام، والجمال بن عبد الهادي [2] وبمصر عن المحدّث التّقي الأوجاقي
وغيره.
وأجاز له جماعات في استدعاءات.
وولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق بعد وفاة أبيه، وعزل عنه، وأعيد إليه
مرارا، آخرها سنة ثلاثين وتسعمائة.
وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين، وكان آخر قاض تولى حلب من أولاد العرب،
ومع توليته بدمشق وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه، وصار
لنائب دمشق عيسى باشا عليه حقد آخرا، فسافر من دمشق في رمضان سنة ست
وثلاثين، ودخل حلب وعيّد بها، وفي ثالث شوال حضر أولاقان [3] من جهة
عيسى باشا نائب الشام ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني
بعود القاضي ابن الفرفور محتفظا للتفتيش عليه وتحرير ما نسب إليه من
المظالم، وأن المتولي لذلك عيسى باشا، وقاضي الشام ابن إسرافيل المتولي
مكانه، فرجع ابن الفرفور إلى دمشق فوصلها تاسع عشر شوال، ووضع في [4]
قلعتها، ونودي من الغد بالتفتيش عليه [واستمر التفتيش عليه] [5] أياما
في نحو خمسة عشر مجلسا، وخرج
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (77/ آ) و «در الحبب» (2/ 1/ 135-
138) و «الكواكب السائرة» (2/ 22- 24) و «إعلام النبلاء» (5/ 450- 451)
.
[2] وهو المعروف ب «ابن المبرد» .
[3] جاء في حاشية «الكواكب السائرة» ما نصه: «أولاقان: كلمة تركية
بمعنى رسول» .
[4] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «فيه» .
[5] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
(10/315)
عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه، وشدّد
عليه في الحساب من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن [1]
، ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن، وبقي مسجونا بالقلعة إلى أن توفي بها
يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح
الشيخ أرسلان، ورثاه جماعة. انتهى ملخصا.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر
الدّين محمد بن قنبر العجمي- وبه اشتهر- الحلبي [2] الإمام العالم،
العلّامة العامل، الأوحد البارع الكامل.
ولد سنة إحدى وتسعمائة.
قال في «الكواكب» : قال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض مجالسي في قراءة
«الحاوي» و «مغني اللبيب» في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق، ثم رحل
إلى بلده حلب.
قلت: ثم اجتمع به في حلب في رحلته إلى الرّوم سنة ست وثلاثين.
انتهى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحيم بن المنيّر البعلي [3] الشافعي
الإمام العالم الفاضل [4] الزاهد ولي الله تعالى.
كان رفيقا وصاحبا لشيخ الإسلام بهاء الدّين الفصّي. وكان يحضر درسه
كثيرا. وكان يحترف بعمل الإسفيداج والسيرقون والزنجار، ويبيع ذلك وسائر
أنواع العطر في حانوت ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير
والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة، وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك
الأوراق ما يخرج في يده لا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير
المدفوع إليه.
وكان كثير الصدقة، معاونا على البرّ والتقوى، يعمر المساجد الخراب
__________
[1] تحرفت الجملة في «ط» إلى التالي: «من جانب لا، ومن حيث» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 133- 134) و «الكواكب السائرة» (2/
32) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 42) .
[4] لفظة «الفاضل» لم ترد في «آ» وجاء مكانها في «الكواكب السائرة» :
«العامل» .
(10/316)
ويكفّن الفقراء، وكان له مهابة عند
الحكّام، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ناصحا للطلبة في الإفادة. له
أوراد ومجاهدات وكرامات.
توفي يوم الأحد ثاني صفر ودفن ببعلبك.
وفيها جلال الدّين محمد بن قاسم المالكي [1] شيخ الإسلام.
قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله تعالى، وكانت أوقاته كلها معمورة
بذكر الله تعالى، شرح «المختصر» و «الرسالة» وانتفع به خلائق لا يحصون،
وولاه السلطان الغوري القضاء مكرها.
وكان أكثر أيامه صائما، وكان حافظا للسانه في حقّ أقرانه، لا يسمع أحدا
يذكرهم إلا ويبجّلهم.
وكان حسن الاعتقاد في الصوفية، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها- تقريبا-
محيي الدّين محمد مفتي كرمان الشافعي [2] الإمام العلّامة.
حجّ سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق حادي عشر
صفر سنة ست وثلاثين، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي، وصحب بها الشيخ
تقي الدّين [3] القاري، وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها وأحسنوا
إليه، وأخبر عن نفسه أن له «تفسيرا» على القرآن العظيم، و «حاشية» على
كتاب «الأنوار» للأردبيلي، وغير ذلك. وكان صحب ذلك معه فخاف عليه من
العرب فردّه إلى بلاده كرمان.
وفيها المولى بدر الدّين محمود بن عبيد الله [4] أحد موالي الرّوم.
كان من عتقاء الوزير علي باشا، وقرأ على جماعة، منهم ابن المؤيد، ودرّس
بعدة مدارس ثم صار قاضيا بأدرنة، ومات وهو قاضيها في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 68) .
[3] لفظة «الدّين» لم ترد في «ط» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/
248) .
(10/317)
وفيها- تقريبا- بدر الدّين محمود بن الشيخ
جلال الدّين الرّومي [1] الحنفي، أحد الموالي الرّومية.
قرأ، وحصّل، ودرّس، وترقّى في التدريس، حتى درّس بإحدى الثمانية، ومات
مدرّسا بها.
قال في «الشقائق» : كان عالما، فاضلا، ذا كرم ومروءة، اختلت عيناه في
آخر عمره. انتهى.
وفيها أبو زكريا يحيى بن علي وقيل ابن حسين، المعروف بابن الخازندار
الحنفي الحلبي [2] العالم العامل، إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب.
ذكره البدر الغزّي في «المطالع البدرية» وأحسن الثناء عليه.
وقال ابن الحنبلي: كان ديّنا، خيّرا، قليل الكلام، كثير السكينة، أخذ
الحديث رواية عن الزّين بن الشمّاع، والتّقي أبي بكر الحبيشي. قال:
وكان جدّه قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم
الرّقّ.
وتوفي في هذه السنة. انتهى وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن محمد بن
علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي [3] .
ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدّين بالفضل والعلم، وذكر عن مفتي الروم
عبد الكريم أنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي
حنيفة.
وتوفي ليلة الأحد رابع المحرم بعلّة الإسهال ودفن بتربته بالصالحية.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281) و «الكواكب السائرة» (2/
248) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 543) و «الكواكب السائرة» (2/ 258-
259) .
[3] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (108/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/
261) .
(10/318)
سنة ثمان وثلاثين
وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطّيبي الشافعي [1]
المقرئ والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطّيبي
المشهور.
تلا بالسبع على العلّامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحف، وعلى
غرس الدّين خليل، وانتهى إليه علم التجويد في زمانه، وكان [2] يتسبب
بحانوت بباب البريد ويقرئ الناس.
وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس.
وفيها شهاب الدّين أحمد البخاري المكّي [3] ، السيد الشريف الإمام
العلّامة إمام الحنفية بالمسجد الحرام.
توفي ببندر جدة وهو قاض بها عن مستنيبه، فحمل إلى مكة على أعناق
الرجال، فوصلها حادي عشر ربيع الثاني ودفن على أبيه بالمعلاة [4] .
وفيها شهاب الدّين أحمد النّشيلي المصري [5] الشافعي الإمام العالم
العلّامة.
توفي بمكّة في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (4/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/
103) .
[2] لفظة «وكان» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .
[4] في «آ» و «ط» : «بالمعلى» وهو خطأ، وما أثبته هو الصواب، فالمعلاة
هي مقبرة مكة الشهيرة.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 117) .
(10/319)
وفيها شهاب الدّين أحمد الزّبيدي المكّي
[1] .
قال ابن طولون: كان مترجما بالعلم، ودخل دمشق متوجها إلى الروم فمات
بحلب، أي في هذه السنة.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن عبد القادر العنّابي الدمشقي [2]
القاضي الأسلمي أبوه.
كان ديوانيا بقلعة دمشق هو ووالده من قبله، ثم تولى عدة وظائف، منها
إمرة التركمان، واستمر على ذلك في الدولة الجركسية، ثم أخذه السلطان
سليم إلى إسلامبول، ثم أطلقه، فحجّ، وجاور، ثم عاد إلى دمشق، وبقي بها
إلى الممات.
قال ابن طولون: وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء، ولذلك استجزته
لجماعة، ومدحه الشعراء الأفاضل، منهم شيخنا علاء الدّين بن مليك، وأكثر
منه الشيخ شهاب الدّين الباعوني.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ودفن بتربتهم لصيق الصابونية من جهة
القبلة ولم يحتفل الناس بجنازته. انتهى وفيها علاء الدّين على القدسي
الشافعي [3] نزيل دمشق العالم الورع.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي
اللطف، ثم من بعده رافقنا على الإمام تقي الدّين البلاطنسي إلى أن مات.
قال: وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه، مع التعفّف
عن الوظائف على طريقة السّلف.
وتوفي نهار الخميس ثاني [ذي] القعدة ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .
[2] ترجمته في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» الورقة (38/ ب- 39/
آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 186- 187) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 215) .
(10/320)
وفيها زين الدّين عمر بن أحمد بن أبي بكر
المرعشي [1] العالم.
كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بحلب على فقر كان له وقناعة، ثم انقادت
إليه الدنيا فرأس، وصار عينا من أعيان حلب ولم تستهجن رئاسته لأنه كان
حفيدا للشيخ الإمام العلّامة المفنّن شهاب المرعشي المتوفى سنة اثنتين
وتسعين وثمانمائة، وكان الشيخ زين الدّين يتجمّل بمصاحبة شيخ الإسلام
البدر بن السيّوفي، وأحبّه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري،
وكان يكتب على الفتاوى، وامتحن في واقعة قراقاضي، وسيق فيمن سيق هو
وأولاده إلى رودس، ثم أعيد إلى حلب باقيا على رئاسته وشهامته ومناصبه
إلى أن مات في هذه السنة وهو يحث من حضره على الذكر وتلاوة القرآن.
وفيها زين الدّين عمر الصّعيدي [2] الحنفي [3] الإمام العلّامة، إمام
الصخرة المعظّمة بالقدس الشريف.
قال ابن طولون: كان من أهل العلم والعمل، وقرأ بمصر على جماعة، منهم
البرهان الطرابلسي.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها المولى شاه قاسم بن الشيخ شهاب الدّين أحمد الحنفي، الشهير
بمنلازاده [4] .
أصله من هراة، وكان هو وأبوه واعظين، وتوطّن المترجم تبريز، ولما دخلها
السلطان سليم أخذه معه إلى بلاد الرّوم وعيّن له كل يوم خمسين درهما.
وكان عالما، فاضلا، أديبا، بليغا، له حظّ من علم التصوف، وخطّ حسن
ومهارة في الإنشاء. أنشأ «تواريخ آل عثمان» فمات قبل إكمالها في هذه
السنة أو في التي بعدها.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 1029- 1030) و «الكواكب السائرة» (2/
223- 224) .
[2] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «الصعتري» والتصحيح من «الكواكب السائرة»
مصدر المؤلف.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 228) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (271) و «الكواكب السائرة» (2/
239) .
(10/321)
وفيها شمس الدّين محمد بن زين الدّين بركات
بن الكيّال [1] الشيخ الواعظ [2] ابن الواعظ [2] الشافعي.
أسمعه والده على جماعة، منهم البرهان النّاجي، وزوّجه ابنته، واشتغل،
ووعظ بالجامع الأموي وغيره، وكان خطيب الصابونية، وكان عنده تودّد
للناس.
وتوفي يوم السبت عشري شوال.
وفيها محمد بن سحلول- بلامين- الحديثي [3] البقاعي الشافعي [4] .
قال ابن طولون: كان صالحا يحفظ القرآن العظيم [5] حفظا جيدا ويقرؤه في
كل ثلاثة أيام.
قال: وكان أفادني عن بعض المصريين الصلحاء في دفع الفواق [6] أن يقبض
الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة.
توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادي الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن أحمد، الشهير بابن العجيمي المقدسي
[7] الشافعي الصّوفي العلّامة المحدّث الواعظ.
أخذ عن مشايخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف، والجلال السيوطي، والقاضي
زكريا، والشمس السخاوي، وناصر الدّين بن زريق.
وتوجه إلى الرّوم، وحصل له به الإقبال، وعاد وتردّد إلى دمشق مرارا،
ووعظ بالجامع الأموي، ودرّس ب «الفصوص» [8] فيه أيضا. وكان يعتم بعمامة
سوداء.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 29) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «آ» .
[3] تصحفت في «ط» إلى «الجديثي» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .
[5] لفظة «العظيم» سقطت من «ط» .
[6] الفواق: تقلص فجائي للحجاب الحاجز الذي يفصل بين الصدر والبطن،
يحدث شهقة قصيرة يقطعها تقلص المزمار. انظر «المعجم الوسيط» (1/ 163) و
(2/ 732) .
[7] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 208- 210) و «الكواكب السائرة» (2/
11- 12) .
[8] أي ب «فصوص الحكم» لابن عربي. انظر «كشف الظنون» (2/ 1261- 1262) .
(10/322)
قال ابن الحنبلي: دخل إلى حلب مرتين ووعظ
بها، واجتمع في سنة تسع وعشرين بمحدّثها الشيخ زين الدّين بن الشّماع،
وقرأت [1] عليهما «ثلاثيات البخاري» ، ثم أجاز كل منهما للآخر.
وقال فيه ابن الشّماع: هو خادم التفسير والسّنن، المنتصب لنصح المسلمين
والمرغّب لأهدى سنن، بل هو العلم الفرد الذي رفع خبر الأولياء
والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدى بهم، وخفض شأن أهل البطالة من الصّوفية
الجهلة، وحذّر من بدعهم واتباع طريقهم. انتهى.
وتوفي ببيت المقدس في رمضان.
وفيها أبو زكريا يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدّين الرّحبي الأصل
المكّي المالكي، ويعرف كأبيه بالمغربي [2] .
ولد ليلة الأربعاء رابع عشري ربيع الأول سنة خمس وستين بمكة، ونشأ بها،
وحفظ القرآن و «الأربعين النووية» و «الشاطبية» و «الرسالة» و «ألفية
النحو» وعرض في سنة تسع وسبعين على قضاة مكّة الأربعة، وعمر بن فهد،
وحضر عند الفخر بن ظهيرة وأخيه البرهان، مع ذكاء وفهم، ثم تعانى
التجارة بعد أن أثبت البرهان رشده، وسلّمه ماله، وسافر في التجارة
لدمشق، وتلّقن في القاهرة الذكر من ابن عبد الرحيم الأبناسي.
قال السخاوي: وله تردّد إليّ وسماع عليّ، ولي إليه زائد الميل، ونعم هو
تواضعا، وأدبا، وفهما، وذكاء، وحسن عشرة، بحيث صار بيته بمكّة وغيرها
مألفا لأحبابه، مع عدم اتساع دائرته.
وقال ابن فهد: طال مرضه حتى توفي بمكة ليلة السبت سادس عشري شوال، ودفن
بالمعلاة، ولم يخلّف غير بنت واحدة ملّكها جميع مخلّفه، وأثبت ذلك في
حياته.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «وقرئت» والتصحيح من «در الحبب» مصدر المؤلف،
والقائل ابن الحنبلي.
[2] ترجمته في «الضوء اللامع» (10/ 235- 236) وفيه «المغيربي» .
(10/323)
سنة تسع وثلاثين
وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم الصّفوري [1] الإمام العالم.
توفي بصفّوريا في هذه السنة.
وفيها أبو الهدى بن محمود النّقشواني الحنفي [2] المنلا العالم
المتبحّر.
أخذ عن جماعة، منهم منلا طالشي الدريعي، ومنلا مزيد القرماني، وابن
الشاعر، وكان يميّزه على شيخيه الأولين.
قال ابن الحنبلي: دخل حلب وسكن فيها بالكلتاوية [3] وبها صحبته، ثم
بالأتابكية البرانية.
وكان عالما، عاملا، محقّقا، مدقّقا، منقطعا عن الناس، قليل الأكل،
خاشعا، إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا، ينظم الشعر
بالعربية والفارسية.
وتوفي بعين تاب [4] في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 82) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 539- 540) و «الكواكب السائرة» (2/
96) .
[3] تحرفت في «آ» و «ط» إلى «بالكناوية» والتصحيح «در الحبب» و
«الكواكب السائرة» .
والكلتاوية: مدرسة في حلب تقع في محلة الجبلية قرب باب القناة على نشز
من الأرض عن يسرة الداخل إلى المدينة، بناها الأمير طقتمر الكلتاوي
المتوفى سنة (787 هـ) ، وهي من المدارس الدراسة. عن حاشية «در الحبب»
(2/ 1/ 731) . وانظر «نهر الذهب» (2/ 310- 312) و «موسوعة حلب
المقارنة» (6/ 389) .
[4] هكذا رسما المؤلف «عين تاب» مفصولة ورسمت كذلك مفصولة في «معجم
البلدان» (4/ 176) ، وتلفظ الآن موصولة فيقال: «عينتاب» .
(10/324)
وفيها شهاب الدّين أبو الفضل أحمد بن محمد
بن أحمد الشّويكي النابلسي ثم الدمشقي الصّالحي الحنبلي [1] مفتي
الحنابلة بدمشق، العلّامة الزاهد.
ولد سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة بقرية الشويكة من بلاد نابلس، ثم
قدم دمشق، وسكن صالحيتها، وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، و
«الخرقي» و «الملحة» وغير ذلك. ثم سمع الحديث على ناصر الدّين بن زريق،
وحجّ، وجاور بمكة سنتين، وصنّف في مجاورته كتاب «التوضيح» جمع فيه بين
«المقنع» و «التنقيح» وزاد عليهما أشياء مهمة.
قال ابن طولون: وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل
إتمامه، فإنه وصل فيه إلى الوصايا، وعصريّه أبو الفضل بن النّجار،
ولكنه عقّد عبارته. انتهى وتوفي بالمدينة المنورة في ثامن عشري صفر،
ودفن بالبقيع، وروي في المنام يقول: أكتبوا على قبري هذه الآية وَمن
يَخْرُجْ من بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ
يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله 4: 100
[النساء: 100] .
وفيها- تقريبا- المولى بير أحمد [2] أحد الموالي الرّومية الحنفي.
خدم المولى أحمد باشا المفتي بن المولى خضر بك، وترقّى في التداريس إلى
مدرسة مراد خان ببروسا، ثم أعطي قضاء حلب، ثم عزل وأعطي تقاعدا بثمانين
عثمانيا، وكان له مشاركة في العلوم، وعلّق تعليقات على بعض المباحث.
وفيها باشا جلبي البكالي [3] الحنفي الفاضل أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (24/ ب- 25/ آ) و «متعة الأذهان»
الورقة (15/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 99) و «النعت الأكمل» ص (105-
106) و «السحب الوابلة» ص (92- 93) و «الأعلام» (1/ 233) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287) و «الكواكب السائرة» (2/
118) وفيه: «مات في عشر الخمسين وتسعمائة» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (243) و «الكواكب السائرة» (2/
126) .
(10/325)
خدم المولى مؤيد زاده، وترقّى في التداريس
إلى دار الحديث بالمدينة المنورة، وكان حليما، كريما، ينظم الأشعار
التركية، لكن كان في مزاجه اختلال.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها المولى الشهير بأمير حسن [1] أحد موالي الرّوم الحنفي.
برع وفضل ودرّس وترقّى في التداريس، حتى أعطي دار الحديث بأدرنة، ومات
عنها، وكان مشتغلا بالعلم، وله «حواش» على «شرح الرسالة» في آداب البحث
[2] لمسعود الرّومي، و «حواش» على «شرح الفرائض» للسيد، وغير ذلك.
وفيها زين العابدين بن العجمي الرّومي الشافعي [3] نزيل دمشق.
قال ابن طولون: أصله من بغداد، واشتغل، بتبريز، وولي تدريسا بمدينة
طوقات [ورتّب له أربعون عثمانيا، ثم تركه وتصوف على طريقة النقشبندية،
ثم ورد دمشق] [4] وأقرأ فيها الأفاضل، ومات شهيدا بالطّاعون يوم الخميس
خامس عشر شوال.
وفيها تقريبا محي الدّين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي
الشافعي [5] الصوفي القادري، الإمام العارف بالله تعالى.
أخذ عنه العلّامة نجم الدّين الغيطي حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين،
أخذ عنه علم الكلام، وتلقّن منه الذكر. قاله في «الكواكب» .
وفيها- تقريبا- كريم الدّين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد
بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري [6] المقرئ الإمام العلّامة، صاحب
«الشرح على الشاطبية» والمصنّفات المشهورة.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (285) .
[2] في «آ» : «في آداب الحديث» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 146) .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) .
(10/326)
قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين، وأخذ عنه
الشيخ شهاب الدّين الطّيبي الحديث، ومصنّفات ابن الجزري رحمه الله
تعالى. قاله في «الكواكب» أيضا.
وأقول: الجعبري المشهور «شارح الشاطبية» هو برهان الدّين.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة [1] ، وتقدمت ترجمته هناك.
وفيها المولى عبد اللطيف الرّومي الفاضل [2] أحد موالي الرومي.
اشتغل بالعلم، ووصل لخدمة المولى مصلح الدّين البارحصاري [3] ، وترقّى
حتى صار مدرّسا بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم صار
قاضيا بها، ثم ترك القضاء وعيّن له كل يوم ثمانون درهما.
وكان عالما، عاملا، عابدا، زاهدا، صالحا، تقيا، نقيا، مقبلا على
المطالعة والأوراد والأذكار، ملازما للمساجد في الصلوات الخمس، معتكفا
في أكثر أوقاته، مجاب الدعوة، صحيح العقيدة، لا يذكر أحدا إلا بخير،
أكثر [4] اهتمامه بالآخرة، رحمه الله تعالى.
وفيها سيدي على الخوّاص البرلسلي [5] أحد العارفين بالله تعالى، وأستاذ
الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه
وطريقه.
قال المناوي في «طبقاته» : الأمّي المشهور بين الخواص بالخوّاص.
كان من أكابر أهل الاختصاص، ومن ذوي الكشف الذي لا يخطئ والاطلاع على
الخواطر على البديهة فلا يبطئ، وكان عليه للولاية أمارة وعلامة، متبحرا
في الحقائق، أشبه البحر اطلاعه والدر كلامه، وكان في ابتداء أمره يبيع
الجميّز عند الشيخ إبراهيم المتبولي بالبركة، ثم أذن له أن يفتح دكان
زيّات،
__________
[1] في «آ» : «وسبعمائة» وهو خطأ وقد وهم المؤلّف رحمه الله في كلامه
إذا قال: «هو برهان الدّين» فقد أحال على ترجمة المترجم نفسه، وقد
تقدمت ترجمته في ص (270) من هذا المجلد.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (274) و «الكواكب السائرة» (2/
183) .
[3] كذا في «ط» و «الكواكب» : «البارحصاري» وفي «الشقائق» :
«اليارحصاري» .
[4] لفظة «أكثر» سقطت من «ط» .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 220- 221) .
(10/327)
فمكث أربعين سنة، ثم ترك وصار يضفر الخوص،
حتّى مات، وكان يسمّى بين الأولياء النسّابة لكونه أمّيّا، ويعرف نسب
بني آدم وجميع الحيوان، وكان معه تصرّف ثلاثة أرباع مصر والربع مع
محيسن المجذوب، وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول: قل بقلبك عند الخروج من
السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع،
فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمرّ في دركهم.
وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم، ولا يأكل ولا يشرب، ولا ينام حتى
ينكشف، وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر.
ومن كلامه الكمّل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال.
وقال: كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء.
وقال: إيّاك أن تصغي لقول منكر على أحد من [1] الفقراء فتسقط من عين
رعاية الله وتستوجب المقت.
توفي في جمادى الآخرة، ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من
القاهرة. انتهى ملخصا وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي
العبّاس أحمد الغمري المصري [2] الشافعي الصوفي الصالح الورع.
قال الشعراوي: جاورت عنده ثلاثين سنة، ما رأيت أحدا من أهل العصر على
طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح.
وكان يقول: إذا سمعت أحدا يعدّ ذهبا يضيق صدري.
وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه.
وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدّام بقطع العجين وغسل
الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه.
__________
[1] لفظة «من» سقطت من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 24) .
(10/328)
وكان شديد الحياء، لا ينام بحضرة أحد أبدا.
وكان جميل المعاشرة خصوصا في السفر، لا يتخصص بشيء عن الفقراء.
وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلا.
وكان حلسا من أحلاس بيته [1] لا يخرج منه إلّا للصّلاة أو حاجة ضرورية،
وإذا خرج إلى موضع ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير
منزله.
توفي في هذه السنة ودفن عند والده في المقصورة عند أخريات الجامع إنشاء
أبيه. انتهى ملخصا وفيها المولى محمد شاه ابن المولى الحاج حسن الرّومي
الحنفي [2] الفاضل.
قال في «الكواكب» : قرأ على والده وغيره، ثم درّس بمدرسة داود باشا
بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، وله شرح على «القدوري» وشرح على
«ثلاثيات البخاري» .
وكان مكبّا على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته، وله مهارة في النظم
والنثر.
انتهى.
وفيها القاضي عزّ الدّين محمد بن حمدان الصّالحي ثم الدمشقي الحنفي [3]
أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي.
ناب في الحكم لعدة من القضاة، منهم ابن يونس، وكان ناظرا على كهف جبريل
بقاسيون، وله حشمة وتأدّب مع الناس.
توفي في أوائل ربيع الأول ودفن بتربة باب الفراديس.
__________
[1] جاء في «لسان العرب» (حلس) ما نصه: يقال: فلان حلس من أحلاس البيت،
للذي لا يبرح البيت، قال: وهو عندهم ذمّ، أي أنه لا يصلح إلا للزوم
البيت. وانظر تتمة كلامه فهو مفيد.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (253) و «الكواكب السائرة» (2/
30) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31) .
(10/329)
وفيها سعد الدّين محمد بن علي [1] الذهبي
[2] المصري [3] الشافعي الإمام العلّامة.
ولد سنة خمسين وثمانمائة، وكان من العلماء المشهورين بدمشق، أخذ عنه
جماعة منهم الفلوجيان.
قال الشعراوي: كان ورده كل يوم ختما صيفا وشتاء، وكان خلقه واسعا، إذا
تجادل عنده الطلبة يشتغل بتلاوة القرآن حتى ينقضي جدالهم، وكان يحمل
حوائجه بنفسه ويتلو القرآن في ذهابه وإيابه، كثير الصدقة، حتى أوصى
بمال كثير للفقراء والمساكين، لا يقبل من أحد صدقة. انتهى ملخصا وفيها
شمس الدّين محمد الدّواخلي- نسبة إلى الدّواخل قرية من المحلّة الكبرى-
المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المحقّق المحدّث.
كان مخصوصا بالفصاحة في قراءة الحديث وكتب الرقائق والسير، كريم
النّفس، حلو اللّسان، كثير العبادة، يقوم الليل ويحيي ليالي رمضان
كلها، مؤثرا للخمول، وهو مع ذلك من خزائن العلم.
أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والكمال الطويل، والشمس بن قاسم، والشمس
الجوجري، والشمس بن المؤيد، والفخر القسي، والزين الأبناسي، وغيرهم.
ودرّس بجامع الغمري وغيره، وانتفع به خلائق.
توفي بالقاهرة ودفن بتربة دجاجة خارج باب النصر.
وفيها المولى محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامعي الحنفي [5] أحد
موالي الروم.
__________
[1] في «ط» : «محمد بن محمد بن علي» وما جاء في «آ» موافق لما في
«الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 44- 45) .
[3] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «المصري» وفي «ط» : «المعرّي» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (262- 263) و «الكواكب السائرة»
(2/ 247- 248) .
(10/330)
كان جدّه من بروسا، ولما دخلها تيمورلنك
أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر، وتعلّم صنعة النقش، وهو أول من
أحدث السروج المنقوشة في بلاد الرّوم، وابنه عثمان كان سالكا مسلك
الأمراء، وصار حافظا للدفتر السلطاني بالديوان العالي، وأما ولده صاحب
الترجمة فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين، والمولى محمد بن
الحاج حسن، ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري ونال عنده المعارف
والأحوال، ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا، وسكن بروسا، واشتغل بالعلم
والعبادة، ونظم بالتركية أشياء كثيرة مقبولة مشهورة، وتوفي ببروسا.
وفيها المنلا مسعود بن عبد الله العجمي الشّيرازي [1] الواعظ نزيل حلب.
كان له مطالعات في الحديث والتفسير، وكان يتكلم فيهما باللّسان العربي،
لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه، ووعظ بجامع حلب الكبير،
فنال من الناس قبولا، وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة.
توفي مطعونا في هذه السنة.
وفيها موسى بن الحسين الملقّب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي
[2]- طائفة اللالائي ناحية السرسوي [3] قرية الشافعي، نزيل حلب.
أخذ العلم عن جماعة، منهم منلا محمد المعروف ببرقلعي، وعمرت في زمانه
مدرسة بالعمادية [4] فجعل مدرّسها ثم تركها وأقبل على التصوف، فرحل إلى
حماة، وأخذ عن الشيخ علوان، مع الانتفاع بغيره، ثم قدم حلب لمداواة مرض
عرض له، ونزل بالمدرسة الشّرفية، فقرأ عليه غير واحد.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 483- 485) و «الكواكب السائرة» (2/
251) و «إعلام النبلاء» (5/ 456- 457) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 504- 505) و «الكواكب السائرة» (2/
253) و «إعلام النبلاء» (5/ 440- 441) .
[3] تنبيه: كذا في «آ» و «ط» : «السرسوي» وفي «در الحبب» و «إعلام
النبلاء» : «السرسولي» وفي «الكواكب السائرة» : «السرمسوي» .
[4] تحرفت في «ط» إلى «بالعمارية» بالراء
(10/331)
قال ابن الحنبلي: وكنت ممن فاز بالقراءة
عليه بها في علم البلاغة، ثم ذهب إلى حماة.
فلما، توفي الشيخ علوان عاد إلى حلب واستقرّ في مشيخة الزينبية، وأخذ
يربّي فيها المريدين، ويتكلم فيها على الخواطر، مع طيب الكلام وإطعام
الطعام، وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام، وحسن السّمت، ولين
الكلمة، وفصاحة العبارة، والتكلم في التفسير والحديث، وكلام الصوفية.
وتوفي بها مطعونا ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه.
(10/332)
سنة أربعين وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم العجمي الصّوفي [1] المسلّك العالم، نزيل مصر.
كان رفيقا للشيخ دمرداش، والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني
بتبريز العجم، ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان، وأقام بمدرسة بباب زويلة،
فحصل له القبول التام، وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام.
وكان يفسّر القرآن العظيم ويقرئ في رسائل القوم مدة طويلة، حتى وشي به
إلى السلطان لكثرة مريديه وأتباعه، وقيل له: نخشى أن يملك مصر، فطلبه
السلطان إلى الروم بسبب ذلك، ثم رجع إلى مصر، وطرد من كان عنده من
المريدين والأتباع امتثالا لأمر السلطان، ثم بنى له تكيّة مقابل
المؤيدية وجعل له فيها مدفنا، وبني حوله خلاوي للفقراء، وكان له يد
طولي في المعقولات وعلم الكلام، ونظم تائية جمع فيها معالم الطريق،
وكان ينهى جماعته أن يحجّ الواحد منهم حتّى يعرف الله المعرفة الخاصة
عند القوم، وتوفي بمصر.
وفيها إبراهيم المجذوب المصري، الشهير بأبي لحاف [2] .
قال في «الكواكب» : كان في أول جذبه مقيما في البرج الأحمر من قلعة
الجبل نحو عشرين سنة، فلما قرب زوال دولة الجراكسة أرسل إلى الغوري
يقول له: تحوّل من القلعة واعط المفاتيح لأصحابها، فلم يلق الغوري إلى
كلامه بالا، وقال: هذا مجذوب، فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر، فزالت دولة
الجراكسة بعد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 84) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني
(2/ 149) .
(10/333)
سنة، وكان حافيا مكشوف الرأس وأكثر إقامته
في بيوت الأكابر، وكان يكشف له عما ينزل بالإنسان من البلاء في
المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا ويطلب منه
مالا، فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه وإلا وقع كما أخبر.
وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفا
وشتاء.
توفي في هذه السنة ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقة. انتهى وفيها
تقي الدّين أبو بكر الشريطي [1] الصّالحي الشيخ الصّالح، تلميذ الشيخ
أبي الفتح المزّي.
أخذ عنه، ولبس منه الخرقة.
وتوفي بغتة يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون.
وفيها- تقريبا- أبو الفتح الخطيب ابن القاضي ناصر الدّين [2] خطيب
الحرم بها.
دخل دمشق قاصدا بلاد الرّوم، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر من
هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
وفيها شهاب الدّين أحمد بن أحمد الباجي- بالموحدة- الأنطاكي الحلبي،
المشهور بابن كلف [3] ، العلّامة.
ولي قضاء العسكر بماردين في زمن السلطان قاسم بك، ثم ترك ذلك وعاد إلى
نشر العلم بأنطاكية، ثم درّس بحلب، ثم ارتحل إلى بيت المقدس، فأعطي
تدريس الفنارية، وكان عالما، عاملا [4] مفنّنا، طارحا للتكلّف، يلبس
الصوف، ويلفّ على رأسه المئزر.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 120- 122) و «الكواكب السائرة» (2/
102) .
[4] لفظة «عاملا» سقطت من «آ» .
(10/334)
توفي في هذه السنة ببيت المقدس.
وفيها شمس الدّين أحمد بن سليمان الحنفي، الشهير بابن كمال باشا [1]
العالم العلّامة الأوحد المحقّق الفّهامة، صاحب التفسير، أحد الموالي
الرّومية.
كان جدّه من أمراء الدولة العثمانية، واشتغل هو بالعلم وهو شاب، ثم
ألحقوه بالعسكر، فحكى هو عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في
سفر، وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا بن خليل باشا، وكان في ذلك الزمان
أمير ليس في الأمراء أعظم منه، يقال له أحمد بك بن أورنوس، قال: فكنت
واقفا على قدمي قدّام الوزير وعنده هذا الأمير المذكور جالسا، إذ جاء
رجل من العلماء، رثّ الهيئة، دنيء اللباس، فجلس فوق الأمير المذكور،
ولم يمنعه أحد من ذلك، فتحيّرت في هذا الأمر، وقلت لبعض رفقائي: من هذا
الذي تصدر على مثل هذا الأمير، قال: هو عالم مدرّس يقال له المولى
لطفي. قلت: كم وظيفته؟ قال:
ثلاثون درهما. قلت: وكيف يتصدّر على هذا الأمير ووظيفته هذا المقدار،
فقال:
رفيقي العلماء معظمون لعلمهم فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير ولا
الوزير. قال:
فتفكرت في نفسي فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة وأني
لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة ذلك العالم، فنويت أن أشتغل بالعلم
الشريف، فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور وقد أعطي
عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة، وعيّن له كل يوم أربعون درهما، فقرأت
عليه «حواشي شرح المطالع» وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادئ العلوم
كما سبق، ثم قرأ على المولى القسطلاني، والمولى خطيب زاده، والمولى
معرّف زاده، ثم صار مدرّسا بمدرسة علي بك بمدينة أدرنة، ثم بمدرسة
أسكوب، ثم ترقّى حتّى درّس بإحدى الثمانية، ثم بمدرسة السلطان با يزيد
بأدرنة، ثم صار قاضيا بها، ثم أعطي قضاء العسكر الأناضولي، ثم عزل
وأعطي دار الحديث بأدرنة، وأعطي تقاعدا كل
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (226- 228) و «الطبقات السنية»
(1/ 355- 357) و «الكواكب السائرة» (2/ 107- 108) و «الفوائد البهية» ص
(21- 22) و «الأعلام» (1/ 133) .
(10/335)
يوم مائة عثماني ثم صار مفتيا بالقسطنطينية
بعد وفاة المولى على الجمالي، وبقي على منصب الإفتاء إلى وفاته.
قال في «الشقائق» : كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى
العلم، وكان يشتغل ليلا ونهارا ويكتب جميع ما سنح بباله، وقد فتر الليل
والنهار ولم يفتر قلمه، وصنّف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة،
وعدد رسائله قريب من مائة رسالة، وله من التصانيف «تفسير» لطيف حسن
قريب من التمام اخترمته المنيّة ولم يكمله، وله «حواش على الكشاف» وشرح
بعض «الهداية» وله «متن» في الفقه وشرحه، [1] وكتاب في علم الكلام
سمّاه «تجريد التجريد» وشرحه [1] وكتاب في المعاني والبيان كذلك، وكتاب
في الفرائض كذلك، و «حواش على شرح المفتاح» للسيد الشريف، و «حواش على
التلويح» و «حواش على التهافت» للمولى خواجه زاده.
وتوفي في هذه السنة.
وفيها المولى محيي الدّين أحمد بن المولى علاء الدّين علي الفناري
الحنفي [2] أحد الموالي الرّومية الإمام العلّامة.
قرأ على علماء عصره، ثم رحل إلى العجم، وقرأ على علماء سمرقند وبخارى،
ثم عاد إلى الرّوم فأعطاه السلطان سليم مدرسة الوزير قاسم باشا، وكان
محبّا للصوفية سيما الوفائية مكبّا على العلم، اطلع على كتب [3] كثيرة،
وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها، وكان يحفظ التواريخ وحكايات الصالحين.
وصنّف «تهذيب الكافية» في النحو وشرحه، و «حاشية على شرح هداية الحكمة»
لمولانا زادة، و «حواش على شرح التجريد» للسيد، وتفسيرا لسورة الضحى
سمّاه «تنوير الضحى» وغير ذلك من الرسائل والتعليقات.
وتوفي في هذه السنة.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من (آ) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 113) .
[3] لفظة «كتب» لم ترد في «ط» .
(10/336)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن محمد المرداوي
ثم الصالحي الحنبلي [1] المعروف بابن الديوان الإمام العالم، إمام جامع
المظفّري بسفح قاسيون.
قال ابن طولون: كان مولده بمردا، ونشأ هناك إلى أن عمل ديوانها، ثم قدم
دمشق، فقرأ القرآن بها على الشيخ شهاب الدّين الذويب الحنبلي لبعض
السبعة، وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره، وتفقه عليه، وعلى
الشّهاب العسكري، وولي إمامة جامع الحنابلة بالسفح نيفا وثلاثين سنة.
وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع
الحنابلة، ودفن بصفة الدعاء، وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ
موسى الحجاوي.
وفيها عزّ الدّين أحمد بن محمد بن عبد القادر، المعروف بابن قاضي نابلس
الجعفري الحنبلي [2] أحد العدول بدمشق.
ولد سنة أربع وستين وثمانمائة.
قال في «الكواكب» : وأخذ عن جماعة، منهم شيخ الإسلام الوالد، سمع منه
كثيرا، ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف، والبرهان
البابي، والشيخ علي البغدادي، وأجاز له الشيخ البارزي، وكان ممن انفرد
بدمشق في جودة الكتابة وإتقان صنعة الشهادة.
وتوفي ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر ودفن بالروضة.
وفيها شهاب الدّين أحمد البقاعي [3] الشافعي [4] الضرير، نزيل دمشق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 97) و «النعت الأكمل» ص (106) و
«السحب الوابلة» ص (105) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) و «متعة الأذهان» الورقة
(13/ ب) و «النعت الأكمل» ص (107) و «السحب الوابلة» ص (97) .
[3] لفظة «البقاعي» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .
(10/337)
حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر، وحفظ
الشاطبية، وتلا ببعضها على الشيخ علي القيمري، وحلّ «البصروية» وغيرها
في النحو على ابن طولون، وبرع، وفضل، وحجّ، وصار يقرئ الأطفال بمكتب
الحاجبية بصالحية دمشق.
وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشري رجب.
وفيها السيد شرف الدّين الشريف الشافعي [1] العلّامة المدرّس بزاوية
الحطّاب بمصر.
كان صامتا، معتزلا عن الناس، وقته معمورا بالعلم والعبادة وتلاوة
القرآن، ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن ما تركه صيفا ولا شتاء،
وكان على مجلسه الهيبة والوقار، وله صحة اعتقاد في الصوفية، يتواجد عند
سماع كلامهم. ذكره الشعراوي.
وفيها الأمير زين الدّين عبد القادر بن الأمير أبي بكر بن إبراهيم بن
منجك اليوسفي الحنفي [2] أحد أصلاء دمشق وأمرائها.
حفظ القرآن العظيم، وتفقه على الشيخ برهان الدّين بن عوف الحنفي وغيره،
وحصّل كتبا نفيسة.
قال ابن طولون: ترددت إليه كثيرا، وولي النظر على أوقافهم، وحصّل دنيا،
وكان سمحا، تمرّض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجّة،
ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا.
وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف
المياهي الشافعي القادري [3] الصوفي الصّالح.
قال في «الكواكب» : كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 151) .
[2] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 178) و «متعة الأذهان» الورقة
(55/ ب) .
(10/338)
ومعتقديه، وسمع الحديث على الشيخ سراج
الدّين الصيرفي، وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة، وإليه
ينسبان.
عمّر صاحب الترجمة زاوية بحذاء الجسر الأبيض، وكانت قديما مسجدا، ثم
أخذ يقيم الأوقات فيها سنين، وكان يكثر من شهود الجنائز ومجالس
الفقراء، ويزور الصلحاء والضعفاء.
وله شعر منه:
ولقد شكوتك بالضّمير إلى الهوى ... ودعوت من حنقي عليك فأمّنا
منّيت نفسي من وصالك قبلة ... ولقد يضرّ المرء بارقة المنى
توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر، ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة
السّبكيين.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي [1] نزيل دمشق
الإمام العلّامة الشهير بابن أبي سعيد.
قيل: إنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي.
ولد سنة ست وستين وثمانمائة، وقرأ على جماعة من العلماء، ولزم البدر
الغزّي، وقرأ عليه شرحه على «المنهاج» قراءة بحث وتحقيق وإتقان، وقرأ
عليه كتبا كثيرة في علوم متعددة.
وكان بارعا، ذا يد في الأصول والفقه، ومشاركة جيدة في البيان، والنحو،
والمنطق، وغير ذلك، مع اطراح زائد.
وتوفي بدمشق في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد الدّيري الأصل الحلبي [2] الشافعي
الإمام العلّامة الحجّة الفهّامة المعروف بابن الخناجري ووالده بابن
عجل.
__________
[1] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (43/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/
199- 200) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 251- 255) و «الكواكب السائرة» (2/
14) .
(10/339)
كان له يد طولى في الفقه، والفرائض،
والحساب، مع المشاركة في فنون أخر [1] .
قرأ في الحساب على الجمال بن النّجار المقدسي الشافعي صاحب «بغية
الرائض في علم الفرائض» . وكان لطيف المحاضرة، حسن المعاشرة، كثير
المفاكهة والممازحة، معتقدا في الصوفية.
قال تلميذه ابن الحنبلي: كان يسمع الآلات، ويقول أنا ظاهري أعمل بقول
ابن حزم الظّاهري.
وقال في «الكواكب» : وذكره شيخ الإسلام الوالد في «رحلته» فقال: الشيخ
الإمام، والحبر الهمام، شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد شمس الدّين
الخناجري الشافعي، شيخ الفواضل والفضائل، وإمام الأكابر والأفاضل، وبدر
الإنارة، المشرق لسري القوافل، وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم
أوافل، له المناقب الثواقب، والفوائد الفرائد، والمنهاج المباهج، وله
بالعلم عناية تكشف العماية، ونباهة تكسب النزاهة، ودراية تقصد الرواية،
ومباحثه تشوق ومناقشة تروق، مع طلاقة وجه، وتمام بشر، وكمال خلق، وحسن
سمت، وخير هدى، وأعظم وقار، وكثرة صمت.
ثم أنشد:
ملح كالرياض غازلت الشم ... س رباها وافترّ عنها الربيع
فهو للعين منظر مونق الحس ... ن وللّنفس سؤدد مجموع
ومن لطائف القاضي جابر متغزلا موريا باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي
شيخي حلب:
سللن سيوفا من جفون لقتلتي ... وأردفنها من هدبها بالخناجر
فقلت أيفتي في دمي قلن لي أجل ... أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري
__________
[1] في «ط» : «أخرى» .
(10/340)
وتوفي في يوم عرفة بعد وفاة الشيخ شهاب
الدّين الهندي بأشهر، فقال ابن الحنبلي يرثيهما:
ثوى [1] شيخنا الهنديّ في رحب رمسه ... ففاضت دموعي من نواحي محاجري
[2]
ومن بعده مات الإمام الخناجري ... وبان فكم من غصّة في الحناجر
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن قاسم الرّومي الحنفي [3] الإمام
العلّامة، أحد موالي الرّوم.
ولد بأماسية وترقّى في التداريس، حتّى درّس بإحدى الثمان، ثم أعطي
مدرسة السلطان بايزيد بأماسية، ثم السليمانية بجوار أيا صوفيا، وهو أول
مدرّس بها، ثم أعيد إلى إحدى الثمان، ومات وهو مدرّس بها [4] بثمانين
عثمانيا.
وكان عالما، صالحا، محبا للصوفية، مشتغلا بنفسه، قانعا، مقبلا على
العلم والعبادة، وله مهارة في القراآت والتفسير، واطلاع على العلوم
الغريبة كالأوفاق، والجفر، والموسيقا، مع المشاركة في كثير من العلوم.
وكان له يد في الوعظ والتذكير، وصنّف كتاب «روضة الأخيار» [5] في علوم
المحاضرات، و «حواشي على شرح الفرائض» للسيد، و «حواشي على أوائل شرح
الوقاية» لصدر الشريعة.
وتوفي في هذه السنة وصلّي عليه وعلى ابن كمال باشا بجامع دمشق يوم
الجمعة ثاني [ذي] القعدة.
وفيها شمس الدّين محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغنيّ الزّحلي [6]
الشافعي الفاضل، أحد مباشري الجامع الأموي.
__________
[1] في «الكواكب السائرة» : «توفي» .
[2] تحرفت في «الكواكب السائرة» إلى «خناجري» فلتصحح.
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (237- 238) و «الكواكب السائرة»
(2/ 57- 58) .
[4] لفظة «بها» سقطت من «ط» .
[5] في «ط» : «الأخبار» .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .
(10/341)
قال في «الكواكب» : حضر دروس شيخ الإسلام
الوالد، وسمع عليه رسالة القشيري.
قال ابن طولون: وكان لا بأس به، وكان قد باع عقاره وخرج إلى الحجّ
عازما على المجاورة فمات في طريق الحجاز في الذهاب في [أرض] الأقيرع،
المعروفة بمفارش الرز.
وفيها شمس الدّين محمد بن يونس [بن يوسف] [1] بن المنقار، الأمير
المولوي الحلبي الأصل [2] .
ولي نيابة صفد، وقطن [3] دمشق.
قال ابن طولون: كان عنده حشمة.
وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول ودفن بالخوارزمية تحت كهف
جبريل بوصية منه.
وفيها المنلا شمس الدّين محمد الأنطاكي [4] الإمام العلّامة.
توفي بالقدس الشريف في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني [5] الصّالح العابد
المحدّث البسّامي- نسبة إلى أحد أجداده بسام-.
دخل دمشق، وأمّ بالجامع نيابة، وكان له سند بالمصافحة والمشابكة وإرسال
العذبة.
أخذ عنه ابن طولون وغيره، ثم عاد إلى عجلون ومات بها في أحد [6]
الجمادين.
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 67) .
[3] في «ط» : «ووطن» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 69- 70) .
[6] في «ط» : «إحدى» .
(10/342)
وفيها قاضي القضاة محبّ الدّين محمد بن
ظهيرة الشافعي [1] الإمام العالم العلّامة قاضي مكة.
توفي بها في ذي القعدة.
وفيها مخلص الشيخ الصالح [2] العابد محيي السّنّة في بلاد الغربية من
بلاد مصر بعد موت شيخه أبي الخير بن نصر بمحلّة منوف.
كان مقيما بأبشية الملق [3] ، وكان سيدي محمد الشناوي يكرمه ويجلّه.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي
الشيخ محمد الشناوي.
قال: وحصل لي منه دعوات صالحة وجدت بركتها وأوصاني بإيثار الخمول على
الظهور، وبعدم التعرّف بأركان الدولة.
قال: ولم يزل على المجاهدة والتقشف على طريقة الفقراء إلى أن توفي ودفن
بأبشية الملق وقبره بها ظاهر يزار.
وفيها نور الدّين بن عين الملك الصالحي الشيخ الصّالح [4] .
كان محبا لطلبة العلم، ملازما لعمل الوقت بزاوية جدّه عين الملك بسفح
قاسيون. توفي يوم الجمعة سادس شعبان.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 250) و «الطبقات الكبرى» للشعراني
(2/ 147) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 255) .
(10/343)
|