شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وأربعين
وتسعمائة
وفيها توفي القاضي تقي الدّين أبو بكر بن شهلا الأسمر الشافعي الدمشقي
[1] المتصوف.
تولى نيابة القضاء مرارا، وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصا ابن
إسرافيل، ثم انحرف عليه وعزله، واستمرّ معزولا إلى أن توفي يوم الخميس
ثاني صفر ودفن بتربة الشيخ أرسلان وخلّف دنيا كثيرة، قيل: إنها سبعة
عشر ألف دينار.
وفيها المولى أحمد، وقيل: عبد الأحد بن عبد الله، وقيل: ابن عبد الأحد
الحنفي، الشهير بقراأوغلي [2] الفاضل أحد الموالي الرّومية.
قال صاحب «الشقائق» : كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي،
فقرأ على مولاه المذكور، ثم درّس ببعض نواحي أماسية، ثم بمدرسة أماسية،
ثم بأبي أيوب الأنصاري، ثم بإحدى الثمانية، ثم أعطي قضاء دمشق، ودخلها
في أحد [3] الجمادين سنة أربعين وهو شيخ كبير، وكان الغالب عليه محبّة
الصوفية والفقراء، ونادى بدمشق أن لا تخرج امرأة طفلة إلى الأسواق.
قال: وكان محبّا للعلماء وقورا، صاحب شيبة حسنة، صحيح العقيدة، محمود
الطريقة، أديبا لبيبا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 91) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284) و «الكواكب السائرة» (2/
109- 110) .
[3] في «ط» : «في إحدى» .
(10/344)
وقال ابن طولون: بعد أن وصفه بالعلّامة
وسمّاه أحمد بن عبد الأحد: وكان منوّر الشّيبة، محبا للصالحين، غير أن
فوق يده أيديا، فكان ذلك يمنعه من سماع كلمته ونفوذ أمره.
وتوفي وهو قاض بدمشق يوم الثلاثاء حادي عشري ذي الحجّة، ودفن بباب
الصغير عند سيدي بلال.
وفيها السيد تاج الدّين عبد الوهاب الصّواف الدمشقي الشافعي [1] الشريف
المقرئ.
قال ابن طولون: سمع معي بمكّة على محدّثها الشيخ عزّ الدّين بن فهد
وغيره، وبدمشق على مؤرّخها القاضي محيي الدّين النّعيمي وغيره، وكان
يقرأ للأموات خصوصا بتربة باب الصغير، وكان يدعو في المحافل أدعية
لطيفة.
وكان صالحا، فقيرا.
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير.
وفيها نور الدّين علي البحيري الشافعي [2] أحد علماء القاهرة.
قال في «الكواكب» : بلغني أن المولى ابن كمال باشا لما كان بمصر كان
يباحثه ويشهد له بالفضل التام، ويقول: لا تقولوا البحيري فتصغّروه [3]
ولكنه البحري، يشير إلى تبحره في العلم.
توفي بمصر في شعبان، وترجمه ابن طولون بأنه آخر شيوخ المصريين.
وفيها المنلا عماد بن محمود الطّارمي [4] .
قال في «النور» : مولده بطارم [5] قرية من خراسان، ونشأ بها، واشتغل
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 188) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216) .
[3] لفظة «فتصغروه» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (204- 205) .
[5] استوفى الكلام عليها صاحب «بلدان الخلافة الشرقية» ص (260) .
(10/345)
بتحصيل فنون العلوم، حتى برع، ثم جاء إلى
كجرات، وأقام بها إلى أن مات.
وكان بارعا في كثير من العلوم، سيما العقليات، وكانت له يد طولى في علم
السيمياء، ويحكى عنه فيها حكايات مشهورة.
وممن أخذ عنه من الأعلام مولانا وجيه الدّين، ومولانا العلّامة القاضي
عيسى. انتهى وفيها بهاء الدّين محمد بن محمد بن علي الفصي البعلي
الشافعي [1] مفتي بعلبك، الإمام العلّامة المدقّق الفهّامة.
ولد ببعلبك سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وعرض «المنهاج» على البدر بن
قاضي شهبة، ثم جدّ في الاشتغال في سنة إحدى وسبعين على جماعة، منهم
الزين خطاب، ونجم الدّين، وتقي الدّين ابنا قاضي عجلون، وأذن له الشيخ
تقي الدّين بالإفتاء والتدريس، وقرأ على القاضي زكريا الأنصاري، وأذن
له أيضا بالإفتاء والتدريس في سنة خمس وثمانين، وكان عنده ذكاء، وشاب
سريعا، وكان ألثغ. قاله النّعيمي.
وقال في «الكواكب» : كان من إخوان شيخ الإسلام الجدّ: وشيخ الإسلام
الوالد، ومشاركيهما في الشيوخ، وإن كان الشيخ الوالد دونه في السنّ.
وتوفي ببعلبك يوم الأربعاء رابع عشري [2] المحرم.
قال ابن طولون: ولم يخلّف بعده مثله، ولا في دمشق في فقه الشافعية.
وفيها محيي الدّين محمد بن بير محمد باشا الحنفي [3] أحد موالي الرّوم،
الإمام العلّامة.
قرأ على والده، ثم خدم المولى ابن كمال باشا، ثم المولى علاء الدّين
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (93/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/
11) .
[2] في «آ» : «رابع عشر» .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (273- 274) و «الكواكب السائرة»
(2/ 15) .
(10/346)
الجمالي، وصار معيدا لدرسه [1] ، ثم درّس
بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم صار قاضي أدرنة،
ومات قاضيا بها.
وكان عالي الهمّة، رفيع القدر، ذا أدب ووقار وحظ وافر من العلوم
المتداولة.
__________
[1] في «ط» : «لدروسه» .
(10/347)
سنة اثنتين وأربعين
وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم المصري المجذوب الصّالح، المعروف بعصيفير [1] .
قال في «الكواكب» : كان من أهل الكشف الكامل، وأصله من نواحي الصعيد،
وكان ينام مع الذئاب في القفار ويمشي على الماء جهارا.
قال الشعراوي: وأخبرني بحريق يقع في مكان فوقع فيه تلك الليلة، ومرّ
عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه فانكسر فإذا فيه حيّة ميتة، وأحواله
عجيبة.
توفي بمصر ودفن تجاه زاوية أبي الحمائل.
وفيها أبو الفضل الأحمدي [2] ، صاحب الكشوفات الرّبانية والمواهب
الصمدانية.
أخذ الطريق عن سيدي علي الخوّاص، والشيخ بركات الخوّاص، وغيرهما.
قال في «الكواكب» : وكان من أهل المجاهدات، وقيام الليل، والتخشن في
المأكل والملبس، وكان يخدم إخوانه ويقدّم لهم نعالهم، ويهيئ الماء
لطهارتهم.
وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل
البلور.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 85) و «الطبقات الكبرى» للشعراني
(2/ 140) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94- 96) وما بين الحاصرتين في
النص مستدرك منه، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 173- 180) .
(10/348)
وقال: سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني
فأبى عليّ.
وكان يقول: أعطاني الله تعالى أن لا يقع بصري على حبّ فيسوّس، وجرّب
ذلك فيه.
وقال الشعراوي: وقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قطّ مع أحد من
الأشياخ، وكنت إذا جالسته وسرى ذهني إلى مكان أو كلام يقول: ارجع بقلبك
من الشيء الفلاني، فيعرف ما سرح قلبي إليه.
وكنت إذا ورد عليّ شيء من الحقائق وأردت [أن] أقوله له يقول لي: قف لا
تخبرني حتى أسمعك ما ورد عليك فيقوله حرفا بحرف.
وقال في «الطبقات الكبرى» : حجّ مرات على التجريد، فلما كان آخر حجّة
كان ضعيفا، فقلت له: في هذه الحال تسافر؟ فقال: لترابي فإن طينتي [1]
مرّغوها في تربة الشهداء ببدر، فكان كما قال، وتوفي ببدر.
وفيها إسماعيل الشّرواني الحنفي [2] الإمام العلّامة المحقّق المدقّق
الصّالح الزّاهد، العارف بالله تعالى.
قرأ على علماء عصره، منهم الجلال الدواني، ثم خدم العارف بالله خواجه
عبيد الله السّمرقندي، وصار من كملّ أصحابه، ولما مات خواجه عبيد الله
ارتحل المترجم إلى مكّة المشرّفة وتوطنها، ودخل الرّوم في ولاية
السلطان أبي يزيد، ثم عاد إلى مكّة وأقام بها إلى أن مات.
قال في «الشقائق» : كان رجلا، معمّرا، وقورا، مهيبا، منقطعا عن الناس،
مشتغلا بنفسه، طارحا للتكلّف، حسن المعاشرة، له فضل عظيم في العلوم
الظاهرة.
وألّف «حاشية على تفسير البيضاوي» وكان يدرّس بمكّة فيه وفي «البخاري»
.
__________
[1] في «الكواكب السائرة» : «فإن نطفتي» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (214) و «الكواكب السائرة» (2/
123) .
(10/349)
وتوفي بها في عشر ذي الحجّة عن نحو أربع
وثمانين سنة.
وفيها بديع بن الضّياء [1] قاضي مكّة المشرّفة، وشيخ الحرم بها.
قال ابن طولون: كان من أهل الفضل والرئاسة. قدم دمشق ثم سافر إلى مصر،
فبلغه تولية قضاء مكّة للشيخ زين الدّين عبد اللطيف بن أبي كثير، فرجع
إلى دمشق، وأقام بها مدة، ثم سافر إلى الرّوم سنة إحدى وأربعين بعد أن
حضر عند الشيخ على الكيزواني تجاه مسجد العفيف بالصالحية، وسمع المولد
وشرب هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن، ولا أعلم أنها
شربت في بلدنا هذه- يعني دمشق- قبل ذلك، فلما وصل القاضي بديع إلى
الرّوم أعيد إليه قضاء جدّة، ثم رجع فتوفي بمدينة [2] بدليس [3] من
أطراف ديار بكر. انتهى ملخصا.
وفيها جابر بن إبراهيم بن علي التّنوخي القضاعي الشافعي [4] القاطن
بجبل الأعلى من معاملة حلب.
ولي نيابة القضاء به، وكان شاعرا، عارفا بالعروض والقوافي وطرفا من
النحو، مستحضرا لكثير من اللغة ونوادر الشعراء، حافظا لكثير من «مقامات
الحريري» .
حضر دروس العلاء الموصلي بحلب وذاكره.
ومن نظمه:
طاب الزّمان وراقت الصّهباء ... وشدت على أوراقها الورقاء
وهي طويلة.
وتوفي في جمادى الآخرة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 126) .
[2] لفظة «بمدينة» سقطت من «آ» .
[3] قلت: وجاء في «معجم البلدان» (1/ 358) ما نصه: بدليس: بلدة من
نواحي إرمينية قرب خلاط.
[4] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 417- 434) و «الكواكب السائرة» (2/
130- 131) و «الأعلام» (2/ 103) .
(10/350)
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد بأفضل
العدني الشافعي [1] .
قال في «النور» : تفقّه بوالده [2] ، وانتصب بعده للتدريس بعدن، وكان
فقيها، محدّثا، فاضلا، حسن الأخلاق، شريف النّفس، مخالقا للناس، حسن
السعي في حوائج المسلمين، محبّبّا إليهم، سليم الصّدر. عميّ في آخر
عمره وتطبّب، فرد الله عليه بصره، ولم يزل على الحال المرضي إلى أن
توفي ضحى يوم الخميس حادي عشر شعبان بعدن.
وفيها زين الدّين أبو هريرة عبد الرحمن بن حسن، الشهير بابن القصّاب
الكردي الحلبي الشافعي [3] الإمام العالم العامل الكامل، أحد المدرّسين
بحلب.
أخذ عن البدر بن السّيوفي وغيره، وتوفي بحلب.
وفيها زين الدّين عبد الرحمن بن جلال الدّين محمد البصروي [4] الحنفي،
الشافعي والده، وهو- أي المترجم- سبط العلّامة زين الدّين عبد الرحمن
بن العيني الحنفي.
قال ابن طولون: رأيته يدرّس في «المختار» .
وتوفي بالحسا أحد منازل الحاج.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن اللحّام البيروتي الشافعي [5]
العلّامة.
توفي ببيروت. قاله في «الكواكب» .
وفيها نور الدّين علي بن ياسين الطّرابلسي [6] الحنفي، الشيخ الإمام،
شيخ الإسلام، شيخ الحنفية بمصر، وقاضي قضاتها.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (207- 208) .
[2] ترجم الزركلي رحمه الله في «الأعلام» (5/ 335- 336) لوالد المترجم
(محمد بن أحمد بالفضل) ترجمة نافعة.
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 748) و «الكواكب السائرة» (2/ 157-
158) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 211- 214) .
(10/351)
اشتغل على الشمس الغزّي، والصّلاح
الطرابلسي.
وكان ديّنا، متقشفا، مفنّنا في العلوم، ولي قضاء القضاة في الدولة
السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان، فاستمر
معزولا يفتي ويدرّس إلى أن مات، وهو ملازم على النّسك والعبادة.
قال الشعراوي: كان كثير الصّدقة سرّا وجهرا، وأنكر عليه قضاة الأروام
بسبب إفتائه بمذهبه الراجح عنده، وكاتبوا فيه السلطان، وجرحوه بما هو
بريء منه، فأرسل السلطان يأمر بنفيه أو قتله، فوصل المرسوم يوم موته
بعد أن دفناه، وكانت هذه كرامة له. انتهى.
وفيها قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري [1] أحد أرباب الأحوال
المشهورين بحلب.
قال ابن الحنبلي: كان في أول أمره ذا شجاعة حمي بها أهل محلته المشارفة
بحلب من اللصوص، وكان يعارضهم ليلا في الطرفات ويقول لهم:
ضعوا ما سرقتم وفوزوا بأنفسكم، أنا فلان، فلا يسعهم إلا وضعه، ثم صار
مريدا للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني، كما كان أبوه مريدا لأبيه، ثم صار
مريدا لابن أرسلان الرّملي، وعلى يده حصلت له حال، وهو الذي حمله على
سقاية الماء، فكان يسقي الماء في الطرقات وهو يذكر الله تعالى؟ وتحصل
له الحال الصادقة فيرفع رجله ويبطش بها على الأرض، وذكر له كرامات
كثيرة.
قال: وتوفي في أواخر السنة.
وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن يوسف [2] الدمشقي الحنفي [3] .
ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشّحنة، وعن قاضي القضاة ابن يونس
بدمشق، ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 29- 30) و «الكواكب السائرة» (2/ 240-
240) .
[2] ويقال له «ابن سيف» أيضا كما في «الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 35) .
(10/352)
دمشق أنهما رافضيان، فحرقا تحت قلعة دمشق
بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد، وألقى عليهما القنب
والبواري والحطب، ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رمادا، ثم ألقي
رمادهما في بردى، وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب.
قال ابن طولون: وسئل الشيخ قطب الدّين بن سلطان مفتي الحنفية عن
قتلهما، فقال: لا يجوز في الشرع بل يستتابان.
وفيها بدر الدّين محمد العلائي الحنفي المصري [1] العلّامة المسند
المؤرّخ.
قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الجدّ وغيره، وأثنى عليه
العلّامة جار الله ابن فهد وغيره. انتهى.
[2] وفيها الشيخ شمس الدّين محمد الشامي [3] .
قال العلّامة الشعراني في «ذيله على طبقاته» ما نصه: ومنهم الأخ
الصّالح العالم الزاهد، الشيخ شمس الدّين محمد الشّامي المتمسك بالسّنة
المحمدية، نزيل التربة البرقوقية، وكان عالما، صالحا، مفنّنا في
العلوم، وألّف «السيرة النبوية» [4] المشهورة التي جمعها من ألف كتاب،
وأقبل الناس على كتابتها ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» وأثبته من «ط» .
[3] ترجمته في «فهرس الفهارس» (2/ 1062- 1064) و «الأعلام» (7/ 155) و
«معجم المؤلفين» (10/ 63) .
[4] قال عنها الكتاني في «فهرس الفهارس» (2/ 1063) : «في نحو سبع
مجلدات ضخمة، هي عندي، سمّاها «سبل الرشاد في سيرة خير العباد وذكر
فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد» جمعها من ألف
كتاب، وتحرى فيها الصواب، وختم كل باب بإيضاح ما أشكل فيه، وبعض ما
اشتمل عليه من النفائس المستجدات، مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات،
خرّج بعضها من مسودة المؤلف تلميذه العلّامة الشمس محمد بن محمد بن
أحمد الفيشي المالكي من أثناء باب السرايا.
(10/353)
كان عزبا لم يتزوج قطّ، وإذا قدم عليه
المضيف يعلّق القدر ويطبخ له.
كان حلو المنطق، مهيب النظر، كثير الصيام والقيام، بت عنده الليالي فما
كنت أراه ينام في الليل إلّا قليلا.
كان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلّف أولادا قاصرين وله وظائف يذهب إلى
القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها [1] للأيتام حتّى يصلحوا
للمباشرة.
كان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا، ولا يأكل من طعامهم، وذكر لي
شخص من الذين يحضرون قراءة سيرته في جامع الغمري أن أسأله في اختصار
«السيرة» وترك ألفاظ غريبها، وأن يحكي السير على وجهها كما فعل ابن
سيّد الناس، فرأيته بين القصرين وأخبرته الخبر، فقال: قد شرعت في
اختصارها من مدة كذا، فرأيت ذلك هو الوقت الذي سألني فيه ذلك الرجل.
وكانت عمامته نحو سبعة أذرع على عرقية، لم يزل غاضا طرفه سواء كان
ماشيا أو جالسا، رحمه الله.
وأخلاقه الحسنة كثيرة مشهورة بين أصحابه ورفقائه. انتهى كلام الشعراوي.
وقال سيدي أحمد العجمي المتولي سنة ست وثمانين وألف: أنه توفي يوم
الاثنين رابع عشر شعبان- أي من هذه السنة- وله من المؤلفات «عقود
الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان» [2] «الجامع الوجيز الخادم للغات
القرآن العزيز» «مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك» النّكت عليها اقتضبه
من نكت شيخه السيوطي عليها،
__________
قلت: وقد نشرت القسم المتعلق من هذا الكتاب العظيم دار ابن كثير بدمشق
هذا العام بتحقيق الأستاذ محمد نظام الدّين الفتّيح، نزيل المدينة
المنورة، وهي نشرة جيدة متقنة مفهرسة.
[1] أي راتبها.
[2] قال الكتاني في «فهرس الفهارس» : «وهو الذي لخصه ابن حجر الهيتمي
في كتابه «الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي حنيفة النعمان» عقد فيه
بابا مهما لذكر المسانيد السبعة عشر المجموع فيها حديث أبي حنيفة رضي
الله عنه، وجوّد سياق أسانيده إليها عن شيوخه ما بين سماع وقراءة
وإجازة، مشافهة وكتابة، بأسانيدهم إلى مخرّجيها» .
(10/354)
وعلى «الشذور» و «الكافية والشافية» و
«التحفة» وزاد عليه يسيرا، و «الآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل
الدنيا والآخرة» ومختصره المسمى ب «الآيات البينات في معراج سيد أهل
الأرض والسموات» ، «رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر» و «خاتم
النبوة» «كشف اللّبس في رد الشمس» «شرح الجرومية» ، «الفتح الرحماني
شرح أبيات الجرجاني» الموضوعة في الكلام، «وجوب فتح أن وكسرها وجواز
الأمرين» «إتحاف الراغب الواعي في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي» «النّكت
المهمات في الكلام على الأبناء والبنين والبنات» «تفصيل الاستفادة في
بيان كلمتي الشهادة» «إتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب» «الجواهر النفائس
في تحبير كتاب العرائس» «الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة» «عين
الإصابة في معرفة الصحابة» انتهى.
وفيها المولى محيي الدّين محمد القرماني [1] الحنفي [2] أحد الموالي
الرّومية.
قرأ على علماء العجم، ثم دخل الرّوم، فقرأ على المولى يعقوب بن سيدي
على شارح «الشرعة» [3] ، وصار معيدا لدرسه، ثم درّس ببعض المدارس، ثم
أعطي مدرسة أزنيق ومات عنها.
وكان مشتغلا بالعلم ليلا ونهارا، علّامة في التفسير، والأصول،
والعربية، له تعليقات على «الكشّاف» و «القاضي» و «التلويح» و
«الهداية» و «شرح رسالة إثبات الواجب الوجود» للدواني، وله «حواش على
شرح الوقاية» لصدر الشريعة وكتاب في المحاضرات سماه «جالب السرور» .
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» : «القرماني» وفي «الكواكب السائرة» :
«القراماني» وفي «الشقائق النعمانية» :
«القراباغي» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (272) و «الكواكب السائرة» (2/
70) .
[3] في «ط» : «الشريعة» .
(10/355)
وفيها جمال الدّين يوسف بن محمد بن أحمد بن
عبد الواحد الأنصاري السّعدي العبادي الحلبي الحنفي [1] .
كان فرضيا، حيسوبا، فقيها، ولي نيابة القضاء في الدولتين، ومات فقيرا
بأنطاكية.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 2/ 585) و «الكواكب السائرة» (2/ 261) .
(10/356)
سنة ثلاث وأربعين
وتسعمائة
في ثالث رمضانها قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفّر [1] صاحب كجرات من
بلاد الهند، قتل في بندر الديو، وجاء تاريخ قتله قتل سلطاننا بهادر.
وفيها توفي شهاب الدّين أبو النّجيب أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي
[2] .
قال ابن الحنبلي: وبموته انقرض الذكور من بيت الحبيشي.
وفيها السيد الحاضري المغربي المالكي [3] نزيل دمشق بالتربة الأشرفية
شمالي الكلّاسة جوار الجامع الأموي.
تزوج بابنة القاضي كمال الدّين الباقعي الشافعي، ثم سافر من دمشق إلى
الروم، وحصل له إقبال زائد من السلطان، والوزير إياس باشا، وأعطي دنيا
ووظائف، منها إمامة المالكية بالجامع، ثم عاد فمات بحلب.
وفيها عفيف الدّين عبد الله بن أحمد سرومي الشّحري اليمني الفقيه
الشافعي [4] .
ولد بالشحر، ونشأ بها، وقرأ القرآن، ثم ارتحل إلى زبيد لطلب العلم،
فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدّين موسى بن الزين، والعلّامة جمال
الدّين
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (210) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 234) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 150) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (208- 209) .
(10/357)
القماط، وغيرهما، ثم رجع إلى بلده الشحر،
فأخذ عن عالمها عفيف الدّين المعروف بالحاج ولازمه، ثم سعى له في وظيفة
القضاء بها، فاستمر قاضيا بها إلى أن عزم على الحجّ.
وكان- رحمه الله- يحب الطلبة ويؤهلهم، ويحب الإفادة والاستفادة، لطيفا،
قريب الجناب، سليم الباطن، قوي الصبر على الطاعة والأوراد النبوية،
كثير التعظيم للأكابر من العلماء والصالحين، واعتنى ب «حاشية على
الروضة» لكن عدمت، وذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند فعدمت هناك.
وتوفي بمكة المشرّفة في ذي القعدة قبل أن يحجّ ودفن [1] بالمعلاة.
وفيها عبد الغني العجلوني الأربدي الجمحي [2]- بضم الجيم، وإسكان
الميم، وبالحاء المهملة، نسبة إلى قرية جمحى، كقربى من قرى إربد-.
قال في «الكواكب» : كان من أولياء الله تعالى، حسن الطريقة، صحيح
العقيدة، ضابطا للشريعة، كافّا للسانه، تردّد إلى دمشق مرارا، وكان
سيدي محمد بن عراق يجلّه ويعظّمه.
وكان قانعا زاهدا، متواضعا ملاحظا للإخلاص، ليس له دعوى، حافظا لجوارحه
ولسانه، مقبلا على شأنه مات ببلده جمحى. انتهى ملخصا وفيها شمس الدّين
محمد بن ولي الدّين الحنفي الحلبي [3] المقرئ المجود، الشهير بأبيه.
كان من تلاميذ العلّامة شمس الدّين بن أمير حاج الحلبي الحنفي، ومن
مريدي الشيخ عبد الكريم الحافي.
وكان له خط حسن، وهيئة مقبولة، وسكينة وصلاح.
__________
[1] لفظة «ودفن» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 171- 172) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 60) .
(10/358)
وكان يؤدّب الأطفال داخل باب قنسرين، وله
في كل سنة وصيّة، وفي سنة موته أوصى مرتين.
ومات مسموما، رحمه الله تعالى.
وفيها صدر الدّين محمد بن الناسخ [1] الإمام العلّامة، شيخ مدينة
طرابلس الشام.
توفي بها، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد الأويسي البعلي الحنفي [2] خليفة الشيخ أويس،
وكان أجلّ خلفائه، يعرف التصوف معرفة جيدة، وله مشاركة في غيره.
توفي ببعلبك، رحمه الله.
وفيها القاضي جمال الدّين يوسف بن يونس بن يوسف بن المنقار الحلبي
الأصل الدمشقي الصالحي [3] .
قطن بصالحية دمشق، وولي قضاء صفد، ثم خرت برت، ولم يذهب إليها، وولي
نظر الماردانية والعزّية [4] بالشرف الأعلى، وأثبت أنه من ذريّة
واقفيها، ثم لما توفي نازع ولديه في العزّية يحيى بن كريم الدّين،
وأثبت أنه من ذريّة واقفيها، وقد ذكر الطّرسوسي في «أنفع الوسائل» أن
ذريّة محمد الواقف قد انقرضت.
وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره، ثم أثبت أنه منسوب إلى
الخلفاء العباسيين. قاله في «الكواكب»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 70- 71) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .
[4] في «ط» : «والمعزية» .
(10/359)
سنة أربع وأربعين
وتسعمائة
فيها توفي المولى أبو اللّيث الرّومي الحنفي [1] أحد موالي الرّوم.
خدم المولى الشهير بضميري، وبه اشتهر، وصار معيدا لدرسه، ثم صار مدرّسا
بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، ثم بأبي أيوب، ثم بإحدى
الثمان، ثم صار قاضيا بحلب.
قال ابن الحنبلي: إنه كان علائي الأصل، نسبة إلى العلائية قصبة قريب
أذنة. قال: وكان له إليّ [2] إحسان برقم بعض العروض في بعض المناصب
الحلبية حتى نظمت له ما نظمت وأنا بمجلسه، وقد دفع إليّ عرضا، وكان على
وفق المراد فقلت:
أتمحل أرض أو يشيب بناتها ... وأنت لأرض يا أخا الغيث كالغوث [3]
محال وما من همّة قسوريّة ... تفوت أخا عدم وأنت أبو اللّيث
ثم ولي قضاء دمشق ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين
وتسعمائة، ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة
ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (292) و «در الحبب» (2/ 1/ 73-
76) و «الكواكب السائرة» (2/ 96) .
[2] لفظة «إلى» سقطت من «آ» .
[3] في «آ» و «ط» : «كالغيث» والتصحيح من «الكواكب السائرة» مصدر
المؤلّف.
(10/360)
وفيها المولى إسحاق بن إبراهيم الإسكوبي،
وقيل البروصاوي [1] ، أحد موالي الرّوم.
طلب العلم، وأخذ عن جماعة، وخدم المولى بالي الأسود، ثم صار مدرّسا
بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة، ثم بمدرسة إسكوب إلى أن درّس بإحدى
الثمان، ثم أعطي قضاء دمشق، فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث
وأربعين، ولما دخلها قال: لا يدخل عليّ أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح،
فإني شيخ كبير مسفور، ثم برز للناس، واجتمعوا به، وحكم بينهم فشكر في
أحكامه، واشتهرت عفّته واستقامته.
وتوفي ليلة الاثنين خامس عشري ربيع الثاني بدمشق ودفن بباب الصغير.
وفيها- كما قال في «النّور» - توفي جدّي الشريف عبد الله بن شيخ بن عبد
الله العيدروس [2] .
ولد سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكان من كبار الأولياء. صحب عمّه الشيخ
الكبير فخر الدّين أبا بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن، واختص به،
وكذا صحب عمّه الشيخ حسين، وأباه الشيخ شيخ، وغيرهما من الأكابر، وأخذ
عنهم، وتخرّج بهم إلى أن بلغ المرتبة التي تعقد عليها الخناصر.
وكان له جاه عظيم في قطر اليمن، وقبول كثير عند الخاص والعام، خصوصا في
ثغر عدن، ولبس منه الخرقة جماعة، منهم ابن حجر المكّي [3] .
وكان حسن الأخلاق، كثير الإنفاق، شريف النّفس والأوصاف، نقيب السادة
الأشراف، وافر العقل، ظاهر الفضل، غني النّفس، قانعا بالكفاف، وضيء
الوجه، أخضر اللون، طويل القامة، كثير المناقب، عظيم المواهب، ليس له
في زمانه نظير، ذا كرامات ظاهرة كثيرة.
توفي ليلة الأربعاء رابع عشر شعبان بتريم [4] ودفن بها. انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (281- 282) و «الكواكب السائرة»
(2/ 122) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (210- 211) .
[3] يعني الهيتمي.
[4] تريم: من حصون حضرموت. انظر «معجم ما استعجم» (1/ 311) .
(10/361)
وفيها الحافظ وجيه الدّين أبو محمد عبد
الرحمن بن علي الدّيبع الشيباني العبدري الزّبيدي الشافعي [1] .
قال- رحمه الله- في آخر كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد» : كان مولدي
بمدينة زبيد المحروسة في يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام سنة ست
وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر
السنة التي ولدت فيها ولم تره عيني قطّ، ونشأت في حجر جدّي لأمّي
العلّامة الصّالح العارف بالله تعالى شرف الدّين أبي المعروف إسماعيل
بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعت بدعائه لي، وهو الذي ربّاني جزاه
الله عنّي بالإحسان وقابله بالرّحمة والرّضوان.
وقال في «النور» : هو الإمام، الحافظ، الحجّة، المتقن، شيخ الإسلام،
علّامة الأنام، الجهبذ، الإمام، مسند الدّنيا، أمير المؤمنين في حديث
سيد المرسلين، خاتمة المحقّقين، ملحق الأواخر بالأوائل، أخذ عمّن لا
يحصى، وأخذ عنه الأكابر، كالعلّامة ابن زياد، والسيد الحافظ الطّاهر بن
حسين الأهدل، والشيخ أحمد بن علي المزجاجي، وغيرهم.
وأجاز لمن أدرك حياته أن يروي عنه، فقال:
أجزت لمدركي وقتي وعصري ... رواية ما تجوز روايتي له
من المقروء والمسموع طرّا ... وما ألّفت من كتب قليله
ومالي من مجاز من شيوخي ... من الكتب القصيرة والطّويله
وأرجو الله يختم لي بخير ... ويرحمني برحمته الجزيلة
وكان ثقة، صالحا، حافظا للأخبار والآثار، متواضعا، انتهت إليه رئاسة
الرحلة في علم الحديث، وقصده الطلبة من نواحي الأرض.
ومن مصنّفاته «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين [2] ،
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (212- 221) و «الكواكب السائرة» (2/
158- 159) و «البدر الطالع» (1/ 335- 336) و «الأعلام» (3/ 318) .
[2] طبع في مصر قديما في مجلدين وهي طبعة متقنة، ثم طبع فيها مرة أخرى
سنة (1346 هـ) طبعة
(10/362)
و «مصباح المشكاة» و «شرح دعاء ابن أبي
حربة» و «غاية المطلوب وأعظم المنّة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به
الجنّة» و «بغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد» وكتاب «قرة العيون في
أخبار اليمن الميمون» .
وله «مولد شريف نبوي» وكتاب «المعراج» ، إلى غير ذلك [1] .
ومن شعره قوله في «صحيح» البخاري ومسلم [2] :
تنازع قوم في البخاري ومسلم ... لديّ وقالوا: أيّ ذين يقدّم
فقلت لقد فاق البخاري صنعة ... كما فاق في حسن الصّياغة مسلم
ومنه فيهما [3] :
قالوا لمسلم سبق ... قلت البخاريّ جلّى
قالوا تكرّر فيه ... قلت المكرّر أحلى
ولم يزل على الإفادة، وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة،
واشتغاله بخويصته عما لا يعنيه، إلى أن توفي ضحى يوم الجمعة السادس
والعشرين من رجب.
__________
متقنة محررة في أربع مجلدات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ محمد حامد
الفقي رئيس جماعة أنصار السّنة المحمدية رحمه الله تعالى.
[1] قلت: ومن كتبه التي لم يذكرها المؤلف رحمه الله:
كتابه الشهير «حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى
الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار» المطبوع في مطبعة محمد هاشم
الكتبي بدمشق قبل أكثر من عشر سنوات بتحقيق فضيلة الأستاذ الشيخ عبد
الله إبراهيم الأنصاري القطريّ رحمه الله تعالى، واعتناء الأستاذ يحيى
عبّارة.
وكتابه الشهير الآخر: «تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة
الناس من الحديث» وقد اختصر به كتاب شيخه العظيم الحافظ السخاوي
«المقاصد الحسنة لبيان كثير من الأحاديث التي تدور على الألسنة» وقد
طبع عدة مرات في مصر ولبنان، لكنه بحاجة ماسة لإخراجه في طبعة محققة
متقنة نظرا لأهمية.
[2] أي في صحيح كل منهما والبيتان في «النور السافر» ص (218) .
[3] البيتان في «النور السافر» ص (218) .
(10/363)
وفيها المولى عبد الرحيم بن علي بن المؤيد،
المشهور بحاجي جلبي الرّومي القسطنطيني [1] الحنفي، عرف بابن المؤيد
الفاضل العلّامة، أحد الموالي الأصلاء.
قال في «الشقائق» : كان أولا من طلبة العلم الشريف، وقرأ على المولى
الفاضل سنان باشا، وعلى المولى خواجه زاده، وكان مقبولا عندهما، ثم سلك
مسلك التصوف، واتصل بالشيخ العارف بالله محيي الدّين الإسكليبي، ونال
عنده غاية متمناه، وحصل له شأن عظيم، وجلس للإرشاد في زاوية شيخه الشيخ
مصلح الدّين السّيروزي [2] ، وربّي كثيرا من المريدين.
قال: وبالجملة فقد كان جامعا بين الفضيلتين العلم والعمل، وكان فضله
وذكاؤه في الغاية، لا سيما في العلوم العقلية وأقسام العلوم الحكمية،
وقد ظهرت له كرامات.
وقال في «الكواكب» : ذكره والده، فقال: استفدت منه واستفاد مني، وأخذت
عنه وأخذ عني، واستجزته لولدي أحمد ولمن سيحدّث لي من الأولاد، ويوجد
على مذهب من يرى ذلك.
ومما أخذ عني كثيرا من مؤلفاتي، وأن كتابة «خلّاق عليم» [3] ينفع لدفع
الطاعون، فإنه مجرّب كما رواه لنا الأئمة الواعون.
ومما أفادني أن الإنسان إذا قال «ربّنا» خمس مرات ودعا استجيب له،
واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام رَبَّنا إِنِّي
أَسْكَنْتُ من ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ 14: 37 إلى قوله:
رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ 14: 40- 41 [إبراهيم: 37-
41] . قال فاستحضرت في الحال دليلا آخر ببركته، وهو قوله تعالى:
رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ 3: 191 إلى قوله: رَبَّنا
وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ 3: 194 الآية وهي [آل عمران: 191-
194]
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (258) .
[2] في «آ» : «السروزي» وفي «ط» : «السروري» والتصحيح من «الشقائق
النعمانية» .
[3] استعارة من قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ
15: 86 [الحجر: 86] .
(10/364)
وهي تمام الخمس ثم أعقبها بقوله:
فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ 3: 195 [آل عمران: 195] فسرّ بذلك. انتهى
ويؤيد هذا ما ورد [1] عن جعفر الصّادق: «من حزبه أمر فقال خمس مرّات:
ربّنا، أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد، وقرأ رَبَّنا ما
خَلَقْتَ هذا باطِلًا 3: 191، الآيات» [2] . انتهى ملخصا وفيها عبد
الواحد المغربي المالكي [3] نزيل دمشق، الشيخ الصالح.
قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو، ثم «الألفية» [4] وشرحها لابن
المصنّف [5] . وسمع عليه في الحديث كثيرا، وبرع في فقه المالكية، تخرّج
فيه على أبي الفتح المالكي، ودرّس بالجامع الأموي حسبة، وكان يقرئ
الأطفال بالكلّاسة، ثم بالأمينية.
وتوفي في البيمارستان النّوري يوم الاثنين ثاني عشري صفر.
وفيها عبد الواسع [ابن خضر] [6] المولى الفاضل [7] العلّامة الحنفي
الديمتوقي المولد، أحد موالي الرّوم.
كان والده من الأمراء، واشتغل هو بالعلم، وقرأ على المولى شجاع الدّين
الرّومي، ثم على المولى لطفي التوقاتي وغيرهما، ثم ارتحل إلى بلاد
العجم،
__________
[1] في «ط» : «ما روي» .
[2] هذا من كلام الإمام جعفر الصادق رحمه الله وهو موقوف عليه.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 185) .
[4] وهي للإمام العلّامة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن
مالك الطائي الجيّاني، المتوفى سنة (672) وقد تقدمت ترجمته في المجلد
السابع ص (590- 591) .
[5] وهو الإمام العلّامة محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي
الجيّاني، المتوفى سنة (686) وقد تقدمت ترجمته في المجلد السابع ص
(696- 697) وشرحه في غاية الحسن.
وقال الصفدي: ولم يشرح «الخلاصة» - يعني «الألفية» - بأحسن، ولا أسد،
ولا أجزل منه، على كثرة شروحها. انظر «كشف الظنون» (1/ 151) (الحاشية)
.
[6] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[7] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (334- 335) و «الكواكب السائرة»
(2/ 185- 186) .
(10/365)
ووصل إلى هراة، من بلاد خراسان، وقرأ هناك
على العلّامة حفيد السعد التّفتازاني «حواشي شرح العضد» للسيد الشريف،
ثم عاد إلى الرّوم في أواخر دولة السلطان سليم، فأنعم عليه بمدرسة علي
بك بأدرنة إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولّاه قضاء بروسا، ثم ولّاه
السلطان سليمان قضاء القسطنطينية، وبعد يومين جعله قاضيا بالعسكر
الأناضولي، ثم عيّن له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد، ثم صرف جميع
ما في يده في وجوه الخيرات، وبنى مكتبين ومدرسة، ووقف جميع كتبه على
العلماء بأدرنة، وكان عنده جارية، فأعتقها وزوّجها من رجل صالح، ثم
ارتحل إلى مكة المشرّفة، وانفرد بها عن الأهل والمال والولد، واشتغل
بالعبادة إلى أن توفي.
وفيها فخر الدّين أبو النّور عثمان بن شمس الآمدي ثم الدمشقي [1]
الحنفي الإمام العلّامة المفنّن الخطيب.
ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق، ومشيخة الجقمقية بالقرب من جامع
الأموي، ودرّس بالجامع المذكور، وكان ساكنا يجيد تدريس المعقولات، وله
يد طولى في علم النّغمة، وله كتابة حسنة، وحوى كتبا نفيسة.
وتوفي يوم الاثنين ثاني عشري ربيع الأول وهو في حدود السبعين، ودفن في
طرف تربة باب الفراديس الشمالي.
وفيها نور الدّين علي الشّوني [2] الشافعي الصّالح المجمع على جلالته
وصلاحه، أول من عمل طريقة المحيا بالصّلاة على النّبي صلّى الله عليه
وسلم بمصر.
ولد بشوني- قرية بناحية طندتا من غربية مصر- ونشأ في الصلاة على النّبي
صلّى الله عليه وسلم وهو صغير ببلده، ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد
البدوي، فأقام فيه مجلس الصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم ليلة
الجمعة ويومها، فكان يجلس في جماعة من
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 190) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 216- 219) و «الطبقات الكبرى»
للشعراني (2/ 171- 172) .
(10/366)
العشاء إلى الصبح، ثم من صلاة الصبح إلى أن
يخرج إلى صلاة الجمعة، ثم من صلاة الجمعة إلى العصر، ثم من صلاة العصر
إلى المغرب، فأقام على ذلك عشرين سنة، ثم خرج يودّع رجلا من أصحابه في
المركب أيام النيل كان مسافرا إلى مصر، ففات المركب بهم، وما رضي الريس
يرجع بالشيخ، فدخل مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء، وكان يتردد
إلى الأزهر للصلاة على النّبي صلّى الله عليه وسلم، فاجتمع عليه خلق
كثير، منهم الشيخ عبد الوهاب الشعراوي لازمه نحو خمس سنين، ثم أذن له
أن يقيم الصلاة في جامع الغمري ففعل، وكان الشيخ عبد القادر بن سوار
يتردد إلى مصر في التجارة والطلب، فلازم الشّوني، ورجع إلى دمشق بهذه
الطريقة، ثم اصطلح على تسمية هذه الطريقة بالمحيا، وانتشرت طريقة
الشّوني ببركته في الآفاق.
وتوفي بالقاهرة ودفن بزاوية مريده الشيخ عبد الوهاب الشعراوي.
وفيها مبارك بن عبد الله الحبشي الدمشقي القابوني [1] الشيخ الصّالح
المربي.
قال ابن المبرد في «رياضه» : الشيخ مبارك ظهر في سنة سبع وتسعين
وثمانمائة، وصار له مريدون، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر من إراقة
الخمور وغيرها، بعد ما أبطل ذلك، وقام على الأتراك، وقاموا عليه.
وقال ابن طولون: قرأ الشيخ مبارك في «غاية الاختصار» على التّقي بن
قاضي عجلون، وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني، وأقام هو
وجماعته بها، وكان يتردّد إليه شيخ الإسلام المذكور، وكان هو وجماعته
يترصّدون الطريق على نقلة الخمر فيقطون ظروفها ويريقونها، فبلغ الحكّام
ذلك، فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ وحبسهم في سجن باب البريد، فنزل
الشيخ مبارك ليشفع فيهم فحبس معهم، فأرسل ابن قاضي عجلون يشفع فيه
فأطلق، ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن وكسروا بابه وأخرجوا
من فيه من رفاقهم، فبلغ النائب فأرسل جماعة من مماليكه فقتلوا منهم نحو
سبعين نفسا عند باب البريد، وقرب الجامع الأموي، ثم ترك الشيخ مبارك
ذلك ولازم حضور الزوايا كزاوية
__________
[1] ترجمته في «الرياض اليانعة في أعيان المئة التاسعة» وهو مخطوط لم
يطبع بعد.
(10/367)
الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح ووقت سيدي
سعد بن عبادة بالمنيحة، وكان شديد السواد، عظيم الخلقة، له همّة عظيمة،
وقوة بأس، وشدة، وله معرفة تامة بالنغمة، والصيد، والسباحة، يغوص في
تيار الماء ويخرج وبين أصابع يديه ورجليه السمك، وحجّ ومعه جماعة من
أصحابه، فلما دخلوا مكّة فرغت نفقتهم، فقال لبعض أصحابه: خذ بيدي إلى
السوق واقبض ثمني واصرفه على بقية الجماعة، ففعل ذلك، واشتراه بعض تجار
العجم، ثم أعتقه.
قال ابن طولون: والشيخ مبارك هو الذي أحدث اللهجة في الذكر. قال:
وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على الهمزة والهاء،
لكنهم يبدّلون الهاء حاء مهملة، فيقولون اح اح.
وتوفي يوم الخميس مستهل ربيع الأول ودفن بتربة القابون التحتاني.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد القادر بن أبي بكر بن الشّحّام العمري
[1] الحلبي [2] الموقت الفقيه.
سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدّث عبد العزيز بن فهد المكّي،
وكان ديّنا، خيّرا، رئيسا بجامع حلب.
قال ابن الحنبلي: قرأت عليه في الميقات.
سافر إلى دمشق فمرض بها، وتوفي بيمارستانها.
وفيها شمس الدّين محمد الظني [3] الشافعي العالم المعتقد.
كان يؤدّب الأطفال، وفي آخر عمره استمرّ مؤدّبا لهم بالقيمرية
الجوانية، وأعطي مشيخة القرّاء بالشامية البرّانية وباشرها أشهرا، ثم
مات عنها يوم الخميس رابع المحرم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 281- 282) و «الكواكب السائرة» (2/ 43) .
[2] لفظة «الحلبي» سقطت من «آ» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) .
(10/368)
وفي حدودها الشيخ تقي الدّين أبو بكر
الأبياري المصري [1] الصوفي.
كان فقيها، زاهدا، عابدا، يعرف الفقه، والأصول، والحديث، والقراآت،
والنحو، والهيئة.
وكان يقرئ الأطفال احتسابا، ولم يتناول على التعليم شيئا، وما قرأ عليه
أحد إلّا انتفع.
وكان موردا للفقراء ببلده أبيار [2] ، لا ينقطع عنه الضيف، ومع ذلك لا
راتب له ولا معلوم، بل ينفق من حيث لا يحتسب.
وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي، وأذن له في تربية المريدين فلم
يفعل احتقارا لنفسه، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .
[2] انظر «التحفة السنية» ص (111)
(10/369)
سنة خمس وأربعين
وتسعمائة
فيها توفي الشيخ تقي الدّين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي
[1] الشافعي، الشيخ الإمام العالم العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة،
شيخ الإسلام.
أخذ عن البرهان بن أبي شريف، والقاضي زكريا، وغيرهما من علماء مصر.
وبالشام عن الحافظ برهان الدّين النّاجي وغيره، وتفقه بالتّقّي بن قاضي
عجلون، وابن أخته السيد كمال الدّين بن حمزة، والتّقي البلاطنسي.
وولي إمامة المقصورة بالأموي شريكا للقاضي شهاب الدّين الرّملي، وولي
نظر الحرمين وغيره، وتدريس الشامية البرانية آخرا مدة يسيرة، واخترمته
المنية، ولزم المشهد الشرقي بالجامع الأموي بعد شيخه ابن قاضي عجلون،
وردت المشكلات إليه، وعكف الطلبة عليه.
وممن أخذ عنه الشّهاب الطّيبي، والعلاء بن عماد الدّين، وتزوّج بنت
مفتي الحنفية قطب الدّين بن سلطان، ورزق منها ابنا مات بعده بمدة
يسيرة.
وكان محقّقا، مدقّقا، واقفا مع المنقول، عالما بالنحو، والقراآت،
والفقه، والأصول. نظم أرجوزة لطيفة في عقيدة أهل السّنّة. وله شعر حسن.
وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الصغير.
وفيها- تقريبا- المنلا أبو بكر العلوي الحنفي [2]- نسبة إلى محمد بن
الحنفية رضي الله عنه- الحنفي المذهب، المعروف بشيخ زاده.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (21/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/
89- 90) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .
(10/370)
كان من كبار الفضلاء الأذكياء، مع ماله من
المال والرزق والكتب النفيسة.
وكان صالحا، متواضعا، لا يحب التّصنع من نفسه ولا من غيره.
وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجا لملكها.
ودخل حلب سنة ثلاث وثلاثين، ورافق ابن الحنبلي في صدر الشريعة على
الشّهاب الأنطاكي، ثم سافر إلى مكة وجاور بها سنين، ثم عاد إلى حلب، ثم
سافر منها إلى بلده وهي في الهند، وقطن بها إلى أن مات.
وفيها أبو العبّاس الحريثي المصري [1] الشافعي [2] نشأ في العبادة
والاشتغال بالعلم، وقرأ القرآن بالسبع، ثم خدم سيدي محمد بن عنان. وأخذ
عنه الطريق وزوّجه بابنته، وقرّبه أكثر من جميع أصحابه، ثم صحب بعده
سيدي علي المرصفي، وأذن له أن يتصدى للإرشاد ولم يرشد حتّى سمع الهواتف
تأمره بذلك، فدعا إلى طريق الله تعالى، ولقّن نحو عشرة آلاف مريد. ولما
حضرته الوفاة قال:
خرجنا من الدنيا ولم يصحّ معنا صاحب في الطريق. وبنى له زاوية بمصر
وعدة مساجد بدمياط والمحلّة وغيرهما.
قال الشعراوي: ووقع له كرامات كثيرة، منها أنه جلس عندي بعد المغرب في
رمضان، فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات، وطوى أربعين يوما، وكان كثير
التحمّل لهموم الخلق، حتى صار كأنه شنّ بال، وكان مع ذلك لا يعد نفسه
من أهل الطريق.
وتوفي بثغر دمياط، ودفن بزاوية الشيخ شمس الدّين الدمياطي، وقبره بها
[3] ظاهر يزار.
وفيها المولى نور الدّين حمزة، الشهير بأوج باشا الحنفي [4] أحد موالي
الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93- 94) و «الطبقات الكبرى»
للشعراني (2/ 170- 171) .
[2] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» .
[3] لفظة «بها» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (240) و «الكواكب السائرة» (2/
139- 140) .
(10/371)
اشتغل، وخدم المولى معرّف زاده، ثم درّس
بمدرسة مغنيسا، ثم بمدرسة أزنيق، ثم بمدرسة أبي [1] أيوب، ثم بإحدى
المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثمان، ثم بمدرسة السلطان
بايزيد بأماسية، ونصّب مفتيا بها، وعيّن له كل يوم سبعون عثمانيا
بالتقاعد، ومات بها.
وكان حريصا على جمع المال، يتقلل في معاشه، ويلبس الثياب الدنية [2] ،
ولا يركب دابة حتى جمع أموالا عظيمة، وبنى في آخر عمره مسجدا
بالقسطنطينية قريبا من داره، وبنى بها حجرا لطلبة العلم ووقف عليها
أوقافا كثيرة.
قال له الوزير إبراهيم باشا يوما: إني سمعت بأنك [3] تحب المال فكيف
صرفته في الأوقاف. قال: هو أيضا من غاية محبتي في المال، حيث لم أرض أن
أخلّفه في الدنيا فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة [4] . قاله في
«الكواكب» .
وفيها سليمان الصّواف [5] الشيخ الصّالح، العارف بالله تعالى، والد
الشيخ أحمد بن سليمان.
قال في «الكواكب» : كان قادريا، لحق سيدي علي بن ميمون، وأخذ عن شيخ
الإسلام الجدّ، وعدّه شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء
الله تعالى، وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده
ويعتقده، وأنه توفي في هذه السنة. انتهى ملخصا وفيها- تقريبا- محيي
الدّين عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي [6] الشافعي الفاضل.
أخذ عن جماعة منهم البدر الغزّي، قرأ عليه «شرح جمع الجوامع» قراءة
__________
[1] لفظة «أبي» سقطت من «آ» .
[2] في «آ» : «المدنية» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «بألك» وهو تحريف.
[4] في «ط» : «إلى الآخرة» وهو خطأ مطبعي.
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 148) .
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .
(10/372)
تحقيق وتدقيق، وشهد له أنه كان من أهل
الفضل والذكاء والصّلاح.
وفيها علاء الدّين على التّميمي الشافعي [1] الشيخ العلّامة، عالم بلاد
الخليل، أخو القاضي محمود التّميمي، نزيل دمشق.
توفي المترجم ببلد الخليل. قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى سعد الدّين عيسى بن أمير خان الحنفي، المعروف بسعدي جلبي
[2] الإمام العامل العلّامة، أحد موالي الرّوم المشهورين بالعلم
والدّين والرئاسة.
كان أصله من ولاية قسطموني، ثم دخل القسطنطينية مع والده، ونشأ في طلب
العلم، وقرأ على علماء ذلك العصر، ووصل إلى خدمة السّاموني، ثم صار
مدرّسا بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ثم سلطانية بروسا، ثم صار
قاضيا بالقسطنطينية، ثم عزل وأعيد إلى إحدى الثمان، ثم صار مفتيا مدة
طويلة.
قال في «الشقائق» : كان فائقا على أقرانه في تدريسه وفي قضائه، مرضي
السيرة، محمود الطريقة.
وكان في إفتائه مقبول الجواب، مهتديا إلى الصواب، طاهر اللّسان لا يذكر
أحدا إلّا بخير، صحيح العقيدة، مراعيا للشريعة، محافظا على الأدب، من
جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف، وقد ملك
كتبا كثيرة، واطلع على عجائب منها، وكان ينظر فيها ويحفظ فوائدها، وكان
قوي الحفظ جدا، وله رسائل وتعليقات، وكتب «حواشي» مفيدة على «تفسير
البيضاوي» وهي متداولة بين العلماء، وله شرح مختصر مفيد للهداية، وبنى
دارا للقرّاء بقرب داره بمدينة قسطنطينية. انتهى وكان السيد عبد الرحيم
العبّاسي خليلا لسعدي جلبي ولكل منهما بالآخر [3]
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (265) و «الكواكب السائرة» (2/
236- 237) .
[3] في «ط» : «بالآخر» وهو خطأ مطبعي.
(10/373)
مزيد اختصاص، وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح
نفيسة.
وقال ابن طولون: وتوفي عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر بعلّة النقرس،
وأقيم مفتيا عوضه جوي زاده.
وفيها المولى آشق قاسم الحنفي [1] ، أحد الموالي الرّومية.
كان من أزنيق، واشتغل بالعلم، وخدم المولى عبد الكريم، ثم درّس
بالحجرية بمدينة أدرنة، وتقاعد بثلاثين عثمانيا.
قال في «الشقائق» : كان ذكيا مقبول القول، صاحب لطائف ونوادر، متجردا
عن الأهل والولد كثير الفكر، مشتغلا بذكر الله تعالى، خاشعا في صلاته،
بلغ قريبا من المائة.
توفي بأذنة. انتهى وفيها جلال الدّين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي
الفتح بن مولانا جلال الدّين الخالدي البكشي [2] ، ثم السّمرقندي
الحنفي، المشهور بمنلا محمد شاه العجمي [3] .
كان شيخا معمرّا، نحيف البدن، محقّقا، متفقها [4] ، متواضعا، سخيا.
قرأ على أكابر علماء العجم، كالمنلا عبد الغفور اللّاري أحد تلامذة
منلا عبد الرحيم الجامي، وقدم حلب في هذه السنة هو [5] وولده منلا عبد
الرحيم.
قال ابن الحنبلي: اجتمعت به مرارا، وانتفعت به، واستفدت منه.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (283) وفيه: «باشق» مكان «آشق» و
«الكواكب السائرة» .
(2/ 243) .
[2] تنبيه: كذا في «ط» : و «الكواكب السائرة» : «البكشي» وفي «آ» :
«اليكشي» وفي «در الحبب» :
«الكشي» .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 194- 196) و «الكواكب السائرة» (2/ 25) .
[4] تنبيه: كذا في «ط» : «متفقها» وفي «آ» : «متفهما» والذي في «در
الحبب» مصدر المؤلف:
«مدقّقا» .
[5] لفظة «هو» سقطت من «ط» .
(10/374)
وتوفي بحلب ودفن بمقبرة الصّالحين.
وفيها شمس الدّين محمد بن حسّان الدمشقي الشافعي [1] أحد الفضلاء
البارعين.
قال ابن طولون: كان الغالب عليه التنزه.
توفي يوم الاثنين ثالث القعدة، ودفن بباب الفراديس.
وفيها شمس الدّين محمد الداودي المصري الشافعي [2] وقيل المالكي، الشيخ
الإمام العلّامة المحدّث الحافظ.
كان شيخ أهل الحديث في عصره.
أثنى عليه المسند جار الله بن فهد، والبدر الغزّي، وغيرهما.
قال ابن طولون: وضع «ذيلا» على «طبقات الشافعية» للتاج السبكي.
وقال النجم الغزّي: جمع ترجمة شيخه الحافظ السيوطي في مجلد ضخم، ورأيت
على ظهر الترجمة المذكورة بخطّ بعض فضلاء أهل [3] مصر أن مؤلّفها توفي
قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشري شوال، ودفن بتربة فيروز
خارج باب النصر.
وفيها شمس الدّين محمد بن مكّية النابلسي الشافعي [4] الإمام العلّامة.
توفي بنابلس في هذه السنة كما قاله في «الكواكب» .
وفيها المولى سنان الدّين يوسف بن المولى علاء الدّين على البكّالي
الرّومي الحنفي [5] أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71- 72) و «الأعلام» (6/ 291) .
[3] لفظة «أهل» سقطت من «ط» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .
(10/375)
قرأ على والده وعلى غيره، وترقى في
التدريس، حتى درّس بإحدى الثمان، وتقاعد عنه بثمانين عثمانيا، وبقي على
ذلك إلى أن مات.
وكان مشتغلا بالعلم، يحبّ الصوفية، وله لطف وكرم، وكان يعتكف العشر
الأواخر من رمضان، وله «حواش» على «شرح المواقف» للسيد، ورسائل كثيرة،
رحمه الله تعالى.
(10/376)
|