شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن إبراهيم [1] بن أبي بكر الأريحاوي الأصل الحلبي الدار، الصّيرفي الشافعي [2] .
قال في «الكواكب» : كان يحبّ خدمة العلماء بالمال واليد، وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطّيبة وغيرها، ويسمح بإعارتها، وقرأ على البرهان العمادي، وابن مسلم، وغيرهما. وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها.
قال ابن الحنبلي: وأعرض في آخره عن حرفته وقنع بالقليل، وأكبّ على خدمة العلم، ورافقنا في أخذ العلم عن الزّيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره، رحمه الله.
وفيها- تقريبا- تقي الدّين أبو بكر بن فهد الحنفي المكّي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : قدم دمشق من مكّة صحبة الوزير الطواشي، ثم عاد إليها مع الحاج مبشّرا للسلطان أبي نمي برضا السلطان سليمان عنه. انتهى
__________
[1] كذا في كتابنا «در الحبب» و «الكواكب» : «إبراهيم بن إبراهيم» وحرفها ناشر «ط» إلى «إبراهيم بن محمد» .
[2] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 31- 33) و «الكواكب السائرة» (2/ 78) و «إعلام النبلاء» (2/ 78) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 92) .

(10/377)


وفيها- ظنا- المولى أبو السعود الشهير بابن بدر الدّين زاده الحنفي [1] أحد موالي الرّوم.
ولد ببروسا، وتزوجت أمّه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي، فقرأ عليه مبادئ العلوم، وقرأ على غيره، وخدم المولى ركن الدّين، ثم أعطي قضاء بعض البلاد، وله كتاب بالتركية سمّاه «سليم نامه» وهو مقبول عند أربابه وله «ديوان» بالتركية أيضا.
وكان فاضلا، صاحب ذكاء وفطنة، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن بركات بن الكيّال الدمشقي الشافعي [2] الفاضل خطيب الصّابونية بعد أخيه، وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة رضي الله عنه.
توفي يوم الأربعاء خامس رمضان.
وفيها خليل المصري [3] المالكي الإمام العلّامة، مفتي المالكية بالديار المصرية.
توفي بالقاهرة وتأسف الناس عليه.
وفيها عبد الحميد بن الشّرف القسطموني الرّومي [4] الحنفي، العالم العامل الواعظ.
طلب العلم، ثم رغب في التصوف، فصحب الشيخ مصلح الدّين الطويل النقشبندي، ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ، فكان يعظ الناس بالقسطنطينية، وعيّن له في كل يوم ثلاثون عثمانيا، وكانت له يد طولى في التفسير، وكان يدرّس في بيته ويفسّر القرآن بتقريرات واضحة بليغة، وعبارات رائقة فصيحة، واستفاد منه
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» (2/ 92- 93) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 102) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 141) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .

(10/378)


كثير من الناس، وكان فارغ الهمّ من أشغال الدنيا، مقبلا على صلاح حاله، طويل الصمت، كثير الفكر، وقورا، مهيبا، رحمه الله تعالى.
وفيها- تقريبا- عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي [1] الحلبي الشافعي [2] مفتي الشافعية بحلب.
قال في «الكواكب» : ذكره الوالد في «رحلته» ووصفه بالشيخ الفاضل، والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب. انتهى.
وفيها زين الدّين عمر بن معروف الجبرتي، المعروف بأبيه معروف ثم الدمشقي [3] إمام الصّابونية.
كان فاضلا، عالما، علّامة، من نوادر الزمان في الحفظ، فإنه كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره، كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها.
قال ابن طولون: تردّد إليّ مرات وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب.
وتوفي في أواخر شعبان، رحمه الله تعالى.
وفيها القاضي جلال الدّين محمد بن القاضي علاء الدّين بن يوسف بن علي البصروي الدمشقي [4] الشافعي [5] الإمام العلّامة، شيخ التبريزية بمحلّة قبر عاتكة، وخطيب الجامع الأموي.
ولد عاشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة، واشتغل على والده وغيره، وولي خطابة الثابتية، وتدريس الغزالية، ثم العادلية، وفوض إليه نيابة الحكم
__________
[1] نسبة إلى «عرض» بليد في بريّة الشام يدخل في أعمال حلب الآن، وهو بين تدمر والرّصافة الهشامية. انظر «معجم البلدان» (4/ 103) .
[2] ترجمته في «بدر الحبب» (1/ 2/ 868- 874) و «الكواكب السائرة» (2/ 186) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 227) .
[4] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (91/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 47- 48) .
[5] لفظة «الشافعي» سقطت من «ط» .

(10/379)


الولوي بن الفرفور، وخطب في الأموي نيابة ثم استقلالا إلى أن مات، وكان لخطبته وقع في القلوب وتذرف منها [1] العيون، وكان يقرأ «سيرة ابن هشام» في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة.
وكان من أهل [2] العلم والصّلاح، له محفوظات في الفقه وغيره وقيام في الليل، حافظا لكتاب الله تعالى، مواظبا على تلاوته، راكبا وماشيا، وفي آخر خطبة خطبها بالأموي- وكانت في ثامن ربيع الآخر من هذه السنة وكان مريضا- سقط عن المنبر مغشيا عليه.
قال ابن طولون: ولولا أن المرقي احتضنه لسقط إلى أسفل المنبر. قال:
ولم يكمل الخطبة الثانية، فصلّى الجمعة إمام الجامع يومئذ الشيخ عبد الوهاب الحنفي.
وتوفي المترجم ليلة الثلاثاء رابع عشري جمادي الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر المقدسي.
وفيها- تقريبا- محيي الدّين محمد الإشتيتي الرّومي [3] الصّالح.
كان عابدا، صالحا، متورّعا، يربّي المريدين بزاويته بإشتيت [في ولاية] [4] روم إيلي، رحمه الله.
وفيها المولى بدر الدّين محمود أحد الموالي الرّومية الحنفي، الشهير ببدر الدّين الأصفر [5] .
قرأ على المولى الفناري، والمولى لطفي، وغيرهما، ثم درّس بمدرسة بالي كبرى، وترقى إلى إحدى الثمان، ثم درّس بأياصوفيا، ثم تقاعد بمائة عثماني ومات على ذلك.
__________
[1] في «ط» : «منه» .
[2] لفظة «أهل» سقطت من «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 71) .
[4] ما بين القوسين سقط من «آ» .
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (239- 240) و «الكواكب السائرة» (2/ 248- 249) .

(10/380)


وكان الغالب عليه العلوم العقلية، وله مشاركة في سائر العلوم، وله تعليقات لم يدوّنها، وكان يحبّ الصوفية. قاله في «الكواكب» .
وفيها شرف الدّين موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي [1] .
قال ابن طولون: كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزّي، والمحدّث جمال الدّين بن المبرد، ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية، وقرأ عليّ «محنة الإمام أحمد» جمع ابن الجوزي، وأشياء أخرى.
وتوفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 253- 254) .

(10/381)


سنة سبع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن أبي بكر، الشهير بابن المؤيد [1] ، أحد العدول بدمشق بل عين الموقّعين بالشام.
قال في «الكواكب» : كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد وأعيان طلبته، مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة، وتوفي مستهل [ذي] القعدة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن يونس المصري الحنفي، المعروف بابن الشّلبي [2] الإمام العالم العلّامة الأحد المحقّق المدقّق الفهّامة.
كان عالما كريم النّفس، كثير الصدقة، له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب، ذا حياء وحلم وعفو، وكان رفيقا لمفتي دمشق القطب بن سلطان في الطلب على قاضي القضاة شرف الدّين بن الشّحنة، والبرهان الطّرابلسي ثم المصري في الفقه، وعلى الشيخ خالد الأزهري في النحو.
وتوفي بالقاهرة ودفن خارج باب النصر وله من العمر بضع وستون سنة.
وفيها الطّيب بن عفيف الدّين عبد الله بن أحمد [بن] مخرمة اليمني العدني الشافعي [3] الإمام العلّامة المحدّث.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (226- 228) و «هدية العارفين» (1/ 433) ولفظة «ابن» زيادة منه، و «الأعلام» (4/ 94) واسمه فيه «عبد الله الطيب بن عبد الله بن أحمد مخرمة» وانظر تعليق العلّامة الزركلي على الترجمة فهو مفيد نافع.

(10/382)


قال في «النور» : ولد بعدن ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن والده، وعن الفقيه محمد بن أحمد فضل، وانتفع به كثيرا ولازمه، وكذلك أخذ عن محمد بن حسين القمّاط، وأحمد بن عمر المزجد وغيرهم، وتفنّن في العلوم، وبرع، وتصدّر للفتوى والأشغال، وكان من أصحّ الناس ذهنا، وأذكاهم قريحة، وأقربهم فهما، وأحسنهم تدريسا، حتى يذكر أنه لم ير مثله في حسن التدريس وحلّ المشكلات في الفقه، وصار في آخره عمدة الفتوى بعدن، وكان يقول: إني أقرئ أربعة عشر علما.
وولي القضاء بعدن.
ومن مؤلفاته: «شرح صحيح مسلم» و «أسماء رجال مسلم» و «تاريخ» مطول مرتّب على الطبقات والسنين [1] ابتدأ به من أول الهجرة، وكتاب في النسبة [2] إلى البلدان [3] مفيد جدا.
وتوفي بعدن في سادس المحرم، ودفن في قبر جدّه لأمّه القاضي العلّامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية، ودفن [4] في قبة الشيخ جوهر.
وفيها زين الدّين عبد القادر بن الشيخ شمس الدّين محمد القويضي [5] الدمشقي الصّالحي [6] الحنفي الطبيب الحاذق.
أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي، وكان أستاذا في الطب، يذهب
__________
[1] في «ط» : «والسنن» وهو خطأ. وقد سمّاه «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر» ويقع في مجلد ضخم. انظر «هدية العارفين» (1/ 433) .
[2] في «آ» : «في مشتبه النسبة» .
[3] اطلعت على مصورة له منذ سنوات في دار المأمون للتراث بدمشق، وهو كتاب عظيم الفائدة جدير بالتحقيق والنشر، وقد انتقلت مصورته المذكورة الآن إلى خزانة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي عن طريق الشراء.
[4] في «آ» : «وذلك» مكان «ودفن» .
[5] في «آ» : «القريضي» وما جاء في «ط» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 172- 173) .

(10/383)


إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم [1] ، وربما لم يأخذ شيئا، وقد يعطي الدواء من عنده أو يركّبه من كيسه.
وكان في آخره يتلو القرآن في ذهابه وإيّابه من الصالحية إلى دمشق.
وكان ساكنا بالصالحية بالقرب من الجامع الجديد.
وكان حسن المحاضرة، جميل المذاكرة، وله شعر وسط.
وتوفي ثامن عشر جمادي الأولى بالصالحية ودفن تجاه تربة السّبكيين وتأسف الناس عليه.
وفيها الشيخ علي، المعروف بالذويب [2] ، الصالح المكاشف.
أقام بمصر نحو عشرين سنة، ثم نزل إلى الرّيف، وظهرت له كرامات وخوارق.
أخذ عن الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره.
وكان ملاميا يلبس تارة لباس الحمّالين وتارة لباس التّراسين.
ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار، مع أنه كان متجردا من الدنيا.
قال الشعراوي: اجتمعت به مرة واحدة عقب منام رأيته، وذلك أني سمعت قائلا يقول لي في المنام: الشيخ علي الذويب قطب الشرقية، ولم أكن أسمع به أبدا، فسألت الناس عنه فقالوا لي: هذا رجل من أولياء الله تعالى.
قال [3] : وكان يمشي كثيرا على الماء، فإذا أبصره أحد اختفى.
وكان يرى كل سنة بعرفة، ويختفي من الناس إذا عرفوه. انتهى وفيها زين الدّين عمر التنائي [4] المالكي، الشيخ العلّامة المصري.
__________
[1] في «آ» : «ويفارقم» وهو تحريف.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 219) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 136) .
[3] القائل الشعراوي ويقال له الشعراني أيضا.
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) .

(10/384)


توفي بها في هذه السنة. قاله في «الكواكب» .
وفيها- تقريبا- سراج الدّين عمر العبادي المصري الشافعي [1] الإمام العلّامة المعلّم بالبرقوقية من الصحراء خارج القاهرة.
كان على قدم عظيم في العبادة، والزهد، والورع، والعلم، وضبط النّفس، وكانت نقول مذهب الشافعي نصب عينيه، وشرح «قواعد الزركشي» في مجلدين أخذ عن سميّه وبلديّه السّراج العبادي الكبير، وعن الشمس الجوجري، ويحيى المناوي، وغيرهم، وأجازوه، وكان مجاب الدعوة. ولما حجّ وزار رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح، فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن أحمد بن أحمد بن الشّويكي الصّالحي الحنبلي [2] العلّامة.
كان إماما، فقيها، أفتى مدة ثم امتنع من الإفتاء في الدولة الرّومية.
وكان إماما بالحاجبية، وكان أستاذا في الفرائض والحساب، وله يد في غير ذلك.
توفي يوم الاثنين عاشر المحرم، ودفن بالروضة إلى جانب قبر العلّامة علاء الدّين المرداوي.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن إدريس الحنفي، الشهير بمعلول أفندي [3] أحد موالي الرّوم.
تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء مصر، وكان سيّدا، شريفا، فاضلا.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 229) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) و «النعت الأكمل» ص (110- 112) و «السحب الوابلة» ص (363) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 27) .

(10/385)


وفيها نجم الدّين محمد بن علي بن النّعيل الغزّي [1] الشافعي الإمام العالم العامل.
توفي بالقدس، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي [2] الإمام العلّامة.
ولد سنة ستين وثمانمائة بدلجة، وحفظ القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة، فقرأ «التنبيه» وغيره على علمائها، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، والحافظ برهان الدّين النّاجي، والقطب الخيضري، والقاضي ناصر الدّين بن زريق الحنبلي، والإمام المحدّث شمس الدّين السّخاوي، وسافر إلى بلاد الرّوم، واجتمع بسلطانها أبي يزيد، وحجّ من بلاد الشام، ثم عاد إلى القاهرة، وكتب شرحا على «الخزرجية» وشرحا على «الأربعين النواوية» وشرحا على «الشفا» للقاضي عياض، وشرحا على «المنفرجة» واختصر «المنهاج» و «المقاصد» وسمّاه «مقاصد المقاصد» وشرحه، وأخذ عنه جماعة، منهم النّجم الغيطي قال: سمعت عليه كثيرا وأجاز لنا.
وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد التّونسي [3] المالكي، الملقّب بمغوش- بمعجمتين- الإمام المحقّق المدقّق العلّامة.
اشتغل على علماء المغرب، وسمع «الصحيحين» و «الموطأ» و «الترمذي» و «الشفا» . وقرأ البعض على الإمام العلّامة أبي العباس أحمد الأندلسي، المعروف بالمشا، وسمع على غيره، وفضل في بلاده، وبرع وتميّز، وولي قضاء عسكر تونس، ثم قدم من طريق البحر إلى القسطنطينية في دولة السلطان سليمان،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 48) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 6- 7) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 212- 217) و «الشقائق النعمانية» ص (269- 270) و «الكواكب السائرة» (2/ 15- 16) و «الأعلام» (7/ 57) .

(10/386)


فعظّمه وأكرم مثواه، ورتّب له علوفة حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها، حتى قاضيا العسكر إذ ذاك، ولم يزل بها معظّما مبجّلا، ينشر الفوائد وينثر الفرائد، وأملى بها أمالي على «شرح الشاطبية» للجعبري، ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الرّوم وشدة بردها، فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها، فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين، فدخل حلب فانتدب للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها، منهم ابن الحنبلي، ثم دخل طرابلس، ثم دمشق، وانتفع به أهلها، وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير، والعربية، والمنطق، والكلام، والعروض، والقراآت، والمعاني، والبيان، وقرأ عليه العلاء بن عماد الدّين الشافعي في أوائل «تفسير البيضاوي» فأفاد وأجاد، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض «شرح آداب البحث» للمسعودي، وقرأ عليه الشّهاب الطّيبي في القراآت، وأجازه إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين، وألّف تلميذه الشيخ شهاب الدّين الطّيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية، سماه ب «الكسر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش» .
وقال ابن الحنبلي في ترجمته: كان عالما، علّامة، متقنا، متفنّنا، ذا إدراك عجيب واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أنه يقرئ مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة.
قال: وكان دأبه الاستلقاء على القفاء ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر، كل ذلك لما كان عنده من حبّ الرفاهية والراحة والانبساط والشهامة.
انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا. وكان يحفظ «شرح التلخيص» مع حواشيه و «شرح الطوالع» و «شرح المواقف» و «شرح المطالع» كما قاله في «الشقائق» .
وبالجملة فإنه كان من أعاجيب الدنيا.

(10/387)


وتوفي في العشر الأواخر من شعبان بالقاهرة، ودفن بجوار الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وكتب على قبره:
ألا يا مالك العلماء يا من ... به في الأرض أثمر كل مغرس
لئن أوحشت تونس بعد بعد ... فأنت بمصر ملك الحسن تونس
وفيها شمس الدّين محمد الدّمنهوري المصري [1] المالكي الشيخ العلّامة.
توفي بمصر في أواخر ربيع الثاني.
وفيها محيي الدّين يحيى بن إبراهيم بن قاسم بن الكيّال [2] الإمام المحدّث.
سمع على والده في «مسند الإمام أحمد» وباشر في الجامع الأموي. وكان له فيه قراءة حديث، وكان عنده حشمة، وأجازه البدر الغزّي.
وتوفي يوم الاثنين سلخ القعدة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 72) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

(10/388)


سنة ثمان وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن نجم الدّين محمد بن برهان الدّين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة [1] الإمام العلّامة المحدّث المقدسي الشافعي.
ولد يوم الاثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وسمع على والده الكتب الستة وغيرها، وأجاز له البرهان بن قاضي عجلون، والتّقي الشّمنّي، والقاضي أبو العباس بن نصر الله، والتقي بن فهد، والشمس بن عمران، وأمين الدّين الأقصرائي، والشرف المناوي، والبدر بن قاضي شهبة، والجمال الباعوني وأخوه البرهان، وولي تدريس الصّلاحية ببيت المقدس سنين، ثم قطن دمشق، وحدّث بها كثيرا عن والده وغيره، وولي تدريس الشامية البرّانية سنين، ثم تدريس التقوية ونظرها، وسافر من دمشق فمات بقرية سعسع [2] في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشري شوال بعد أن بقي سنين مستلقيا على ظهره من زلقة حصلت له بسبب رش الماء بداخل دمشق، فانفك فخذه ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه ولطف مزاجه، ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق، وغسّل بمنزله، ودفن بباب الصغير.
وفيها- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن المبلط [3] شاعر القاهرة من شعره في القهوة:
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 76) .
[2] سعسع: بلدة كبيرة إلى الغرب من دمشق قبل القنيطرة بمرحلة ذات حقول وبساتين، ومياهها عذبة طيبة ولم أعثر على ذكر لها في كتب البلدان التي بين يدي.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 86) .

(10/389)


يا عائبا لسواد قهوتنا التي ... فيها شفاء النّفس من أمراضها
أو ما يراها وهي في فنجانها ... يحكي سواد العين وسط بياضها
وفيها شهاب الدّين أحمد الطّيب بن شمس الدّين الطّنبذاوي البكري الصّدّيقي الشافعي [1] .
قال في «النور» : هو شيخ الإسلام الحبر الإمام، العارف بالله، القانت الأواه [2] .
ولد بعد السبعين وثمانمائة تقريبا، وتفقه بالنّور السّمهودي، والقاضي أحمد المزجد وغيرهما.
وكان في أهل عصره بمنزلة الشمس من النجوم، وتميّز في معرفة المنطق والمفهوم، وكان شديد التصلب في الدّين والصّدع بالحقّ، لا يخاف في الله لومة لائم.
وكان يقول لتلميذه ابن زياد: أنتم نفعكم أحمد المزجد بلحظه [3] ، ونحن بلحظه ولفظه.
وأخذ عنه خلق منهم شيخ الإسلام ابن زياد، والحافظ شهاب الدّين أحمد الخزرجي، والغريب الأكسع، وعبد الملك بن النّقيب، وعبد الرحمن البجلي، وصالح النماري، وغيرهم.
وانتهت إليه رئاسة الفتوى والتدريس، وانتفع به الخاص والعام.
ومن مصنّفاته «فتاوى» مشهورة عليها الاعتماد بزبيد، وشرح «التنبيه» في أربع مجلدات، وله «حاشية مفيدة على العباب» .
قال الشيخ صالح النماري: ومن عجيب ما سمعته منه، أنه قال: طالعت
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (228- 232) .
[2] في «آ» : «الأواب» وما جاء في «ط» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] لفظة «بلحظه» سقطت من «ط» .

(10/390)


جميع «الإيضاح شرح الحاوي» للناشري في ليلة واحدة وهو مجلدان ضخمان، وعلّقت من كل باب فائدة وهذا خرق عادة.
وقال الخولاني: سمعته يقول كانت الفوائد التي كتبتها تلك الليلة ثلاثة كراريس.
وكان مفرط الذكاء، يحفظ «الإرشاد» .
ومن نظمه:
ومذ كنت ما أهديت للحبّ خاتما ... ومسكا وكافورا ولا بست عينه
ولا القلم المبري أخشى عداوة ... تكون مدى الأيام بيني وبينه
ولا أعلم لهذه الخصال أصلا من كتاب ولا سنّة. انتهى وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشّمس محمد بن القطب محمد بن السّراج البخاري الأصل المكي الحنفي [1] .
ولد بمكة في صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، واشتغل بالعلم، فقرأ على السخاوي في «سنن أبي داود» و «الشفا» ودخل القاهرة مرارا، وسمع الحديث فيها على جماعة، منهم الحافظ الديمي، والجلال السيوطي، ولبس خرقة التصوف من بعض المشايخ، وولي المناصب الجليلة كالقضاء، والإمامة، والمشيخة، وأجازه بعضهم، وقرأ الكتب الستة وغيرها، وسمع كثيرا من الفقه والحديث، مع قوة حافظة، وحسن كتابة، وناطقة.
وتوفي بجدّة ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني وحمل إلى مكّة فدفن بالمعلاة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن قطب الدّين محمد الصّفوري الصّالحي [2] الشافعي الشيخ الفاضل.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (232) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .

(10/391)


كان ذكيا، ينظم الشعر الحسن، وسمع على ابن طولون في الحديث، وأضرّ قبل بلوغه، وكان يقرأ في «البخاري» في المواعيد عن ظهر قلب بعد أن أضرّ.
وتوفي يوم الاثنين سادس عشر رجب ودفن عند جدّه بتربة السّبكيين.
وفيها عماد الدّين إسماعيل بن زين الدّين عبد الرحمن بن إبراهيم الذّنّابي الصّالحي الحنبلي [1] خطيب الجامع المظفّري.
سمع على أبي بكر بن أبي عمر [2] ، وأبي عمر بن عبد الهادي، وأبي الفتح المزّي، وقرأ على ابن طولون في العربية.
وتوفي يوم السبت تاسع عشري شعبان، ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الرّوضة.
وفيها القاضي زين الدّين عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي الدمشقي الميداني الشافعي [3] .
درّس بالجامع الأموي، والظاهرية الجوانية، والقيمرية الكبرى، وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها، ثم ترك ذلك.
وتوفي يوم السبت مستهل ربيع الأول ودفن بزاويتهم بميدان الحصا.
وفيها عزّ الدّين عبد العزيز المقدسي الحنفي [4] الضّرير الإمام العلّامة مفتي بلاد القدس وأحد الأصلاء بها.
كان يكتب عنه الفتوى ويناول [5] الكاتب خاتمه ليختم على السّؤال خوفا من التدليس.
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (29/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) و «النعت الأكمل» ص (112) و «السحب الوابلة» ص (120) .
[2] في «ط» : «ابن أبي عمرو» .
[3] ترجمتهم في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) .
[5] في «ط» : «ويتناول» .

(10/392)


وتوفي بالقدس في أواسط شوال.
وفيها علاء الدّين علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي، المعروف بابن الدّغيم [1] .
قال ابن الحنبلي: ولى تدريس الحنابلة بجامع حلب، وكان هيّنا، لينا، صبورا على الأذى، مزوحا.
وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان، ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصيّة منه.
وفيها شرف الدّين أبو الوفاء وأبو السعادات قاسم بن خليفة بن أحمد بن محمد الحلبي الشافعي، المعروف بابن خليفة [2] .
ولد بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ونشأ بها، وحمله والده على طلب العلم، واشترى له نفائس الكتب، فلزم كثيرا من العلماء، منهم البدر السيوفي، ومنلا عرب، والمظفّر بن علي الشّيرازي، والبرهان العمادي، وغيرهم.
وباشر في أول أمره صنعة الشهادة، وجلس بمكتب العدل خارج باب النصر، وولي إعادة العصرونية للبرهان العمادي ووظائف أخر [3] ، واستنيب في الدولة العثمانية كثيرا في فسوخ الأنكحة، وجلس لتعاطي الأحكام الشرعية برهة من الزمان، وكان يخدم العلماء ويبذل المال في خدمتهم، وكان له تواضع، طارحا للتكلّف.
وتوفي بحلب في ذي الحجّة ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة، وما زال يقول في نزعه الله الله، حتى مات.
وفيها شمس الدّين محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 999- 1000) و «الكواكب السائرة» (2/ 193- 194) .
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 30- 32) و «الكواكب السائرة» (2/ 239- 240) .
[3] في «ط» : «أخرى» .

(10/393)


صالح بن خميس بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلّم الصّمادي ثم الدمشقي القادري [1] الشيخ الصّالح المعتقد المسلّك المربّي، ولي الله تعالى، العارف به، شيخ الطائفة الصّمادية بالشام.
كان من أولياء الله تعالى، تظهر منه في حال الذكر أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته وشدّه من صوف أحمر، وله مجالسة حسنة وللناس فيه اعتقاد، خصوصا أعيان الأروام، وسافر إلى الرّوم، واجتمع بالسلطان سليم فاعتقده اعتقادا زائدا، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقرّ الأمر على أن عيّن له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلالها إلى الآن تستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلّة الشاغور، وبعضه لذريّته.
واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل بدق الطبول عند هيمان الذّاكرين واشتداد الذكر، واستفتي فيه ابن قاضي عجلون، والشمس بن حامد، والبدر الغزّي فأفتوا بإباحته قياسا على طبل الحجيج وطبل الحرب.
قال في «الكواكب» : وبالجملة إن مجالسهم مهيبة عليها الوقار والأنس، تخشع القلوب لسماع طبولهم وإنشادهم، خالون عن التصنّع، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديما بين يدي الشيخ في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض الحكّام بمنعهم من ذلك، فأخرج الطبل إلى خارج الجامع فدخل الطبل محمولا يضرب عليه، ولا يرون له حاملا، ولا عليه ضاربا، واستمر في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع مما يلي باب جيرون.
وتوفي المترجم يوم الجمعة خامس عشري جمادي الأولى، ودفن بإيوان زاويته، وخلّف ثمانية عشر ولدا ذكورا وإناثا، ودنيا عريضة. انتهى ملخصا وفيها القاضي شمس الدّين محمد بن رجب البهنسي الحنفي [2] والد الشيخ نجم الدّين البهنسي مفتي الحنفية بدمشق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 31- 32) و «جامع كرامات الأولياء» (1/ 181) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .

(10/394)


قال ابن طولون: كان نقيب الحكم، ثم فوض إليه قاضي قضاة الحنفية زين الدّين بن يونس نيابة القضاء.
وتوفي يوم الأربعاء عشري رجب.
وفيها القاضي كمال الدّين محمد بن قاضي القضاة قطب الدّين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي الشافعي [1] .
ولي القضاء بميدان الحصا وغيره في أيام قاضي دمشق ابن إسرافيل، وكان عنده حشمة وفضيلة، وكان أحد المدرّسين بالجامع الأموي إلّا أنه كان يستعمل الأفيون. وكان في الغالب مستغرقا، وربما حدث له ذلك وهو ماش في الطريق، فدخل يوم السبت مستهل ربيع الثاني إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من الجامع الأموي لقضاء الحاجة وأغلق عليه الباب، فكأنه سرد على عادته فسقط على رأسه في الخلا، فلما أحسوا به أخرجوه فخرجت روحه في الحال، فحمل إلى بيته فغسّل وكفّن، وصلّي عليه بالأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 9- 10) .

(10/395)


سنة تسع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدّين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتّوحي الحنبلي، المعروف بابن النّجار [1] الإمام العلّامة، شيخ الإسلام.
ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ومشايخه تزيد على مائة وثلاثين شيخا وشيخة.
وكان عالما، عاملا، متواضعا، طارحا للتكلّف سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة «المسلسل بالأولية» وقرأ عليه في الصّرف، وأجاز له، ثم أجاز له بالقاهرة إجازة ثانية بجميع ما تجوز له وعنه روايته بشرطه كما ذكره في «تاريخه» .
وقال في «الكواكب» : ذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة [كمال الدّين الطّويل الشافعي، وقاضي القضاة] [2] عبد البرّ بن الشحنة الحنفي، وقاضي القضاة المالكي، هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم، وكان ذلك في أوائل جمادي الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
وذكر الشعراوي: أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلّا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى، ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية وأقبل على العبادة، وأكبّ
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (6/ آ) و «الكواكب السائرة» (2/ 112) و «نعت الأكمل» ص (113- 116) و «السحب الوابلة» ص (68- 70) و «در الحبب» (1/ 1/ 195- 198) و «الضوء اللامع» (1/ 349) .
[2] ما بين القوسين سقط من «آ» .

(10/396)


على الاشتغال في العلم حتّى كأنه لم يشتغل بعلم قطّ، مع أنه انتهت إليه الرئاسة في تحقيق نقول مذهبه وفي علوم، السّنّة في الحديث، والطب، والمعقولات، وكان في أول عمره ينكر على الصوفية، ثم لما اجتمع بسيدي على الخوّاص وغيره أذعن لهم، واعتقدهم، وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقوم في أول عمره، ثم فتح عليه في الطريق وصار له كشف عظيم قبل [1] موته.
وتوفي بمصر. انتهى وفيها بدر الدّين حسن بن علي الطّبراني [2]- من بلدة عند بركة طبرية- الشافعي المقرئ، نزيل دمشق.
حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدّين القيمري، واشتغل بالنحو على ابن طولون، وتسبّب بقراءة الأطفال في مكتب عزّ الدّين غربي المدرسة المذكورة، وصلّى عدة ممن [3] أقرأه بالقرآن، وكان أحد شقّيه بطّالا، لا يمشي إلّا بعكاز.
وتوفي ليلة الأحد ليلة عيد الفطر.
وفيها عرفة القيرواني المغربي [4] المالكي، العارف بالله تعالى، شيخ سيدي علي بن ميمون، وسيدي أحمد بن البيطار.
من كراماته ما حكاه سيدي محمد بن الشيخ علوان في كتابه «تحفة الحبيب» أن سلطان المغرب كان قد حبسه بنقل واش كاذب، فوضعه في السجن، وقيّده بالحديد، فكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت من أوقات الصلوات أشار إلى القيود فتساقط، فيقوم ويصلي، فقال له بعض من كان معه في السجن: إذا كان مثل هذا المقام لك عند الله فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن، فقال: لا يكون خروجي
__________
[1] في «ط» : «قبيل» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 135) .
[3] كذا العبارة في كتابنا وهي كذلك في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف!
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 191) .

(10/397)


إلّا في وقت معلوم لم يحضر إلى الآن، واستمر على حاله حتّى رأى سلطان المغرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له: «عجّل بإطلاق عرفة من السّجن مكرّما، وإيّاك من التّقصير، تكن مغضوبا عليك فإنّه من أولياء الله تعالى» [1] فلما أصبح أطلقه مكرّما مبجّلا، رحمه الله تعالى.
وفيها علاء الدّين علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي [2] الشافعي، المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلّة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى.
كان إماما، مقرئا، علّامة. قرأ في علم القراآت على الشمس بن الملّاح، وفيه وفي العربية على الجمال البويضي، وتفقّه بالتّقي القاري، وأجازه بالتدريس والإفتاء، وأمّ للشافعية بالأموي.
توفي شهيدا بعلّة البطن يوم السبت حادي عشري جمادى الأولى، ودفن بوصية منه في باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح.
وفيها قاضي علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي، المعروف بقاضي علي [3] .
كان من بيت علم وقضاء، وولي قضاء قزوين، ثم تركه، وكتب على الفتوى، ثم دخل بلاد الشام، وحجّ، وأخذ الحديث عن التّقي القاري وغيره، ثم عاد إلى بلاده، فدخل حلب، فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له.
وتوفي ببلاده في هذه السنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى
__________
[1] هكذا ذكره الغزّي في ترجمة المترجم من كتابه «الكواكب السائرة» ولم يذكر مصدره، ونقله عنه المؤلف ابن العماد، والواضح أنه من مبالغات الصوفية، فقد دخل السجن من علماء المسلمين من هو أفضل حالا بكثير، وما أثر عنهم أو عن غيرهم أنهم رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المنام وأمر بإطلاق سراحهم!.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 204- 205) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 1000- 1001) و «الكواكب السائرة» (2/ 205) .

(10/398)


الضّيروطي المصري الشافعي، المشهور بابن عروس [1] الإمام العلّامة.
ولد سنة سبعين وثمانمائة بسندبون تجاه ضيروط، وأخذ العلم عن الشّهاب بن شقير المغربي التّونسي، وعن النور المحلّي، وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة لتضلعه منها، وصحب سيدي الشيخ أبا العون المغربي ودعا له، وقرأ «ثلاثيات البخاري» على أمة الخالق بنت العقبي بحقّ إجازتها من عائشة بنت عبد الهادي، عن الحجّار.
وكان ذكيا، متواضعا، طارحا للتكلّف، يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب، وكان يحفظ كتبا كثيرة يسردها عن ظهر قلب، حتى كأنها لم تغب عنه، وجمع الله له بين الحفظ والفهم.
وكان مدرّسا بمقام الإمام الشافعي بمصر، فأخذه عنه رجل أعجمي، فرحل إلى الرّوم واستردّه مضموما إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية، ودخل في رحلته إلى الرّوم دمشق وحلب، وأخذ عنه بهما جماعة من أهلهما، منهم ابن الحنبلي، وأجازه بسائر مروياته، ثم دخل دمشق ثانيا في العود واجتمع بأعيان علمائها، وأضافوه، وأكرموه، وشهدوا له بالفضل الباهر.
وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشري شوال.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّهيوني الشافعي [2] الإمام العلّامة، خطيب جامع الأطروش بطرابلس.
توفي بها [3] في ذي القعدة.
وفيها هداية الله بن بار علي التّبريزي الأصل القسطنطيني الحنفي [4] ، أحد موالي الرّوم.
__________
[1] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 217- 221) و «الكواكب السائرة» (2/ 35- 37) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) .
[3] أي في طرابلس.
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (297) و «الكواكب السائرة» (2/ 256) و «در الحبب» (2/ 2/ 537- 539) .

(10/399)


كان فصيحا، مقتدرا على التعبير بالعربية، يغلب عليه علم الكلام، ويميل إلى اقتناء الكتب النّفيسة.
وكان عارفا بالأصلين، والفقه، مشاركا في غيرهما. قرأ على المولى بير أحمد، والمولى محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، وغيرهم. ثم تنقّل في المدارس إلى أن أعطي قضاء مكّة، فقدم حلب ودمشق ذاهبا إليها سنة ست وأربعين، ثم رحل من مكة إلى مصر، وترك القضاء لعلّة ألمت به بعينيه، وأخذ في علاجها بمصر فلم يبرأ، فبقي بها إلى أن مات.
وفيها- تقريبا- شرف الدّين يحيى الرّهاوي المصري الحنفي [1] الإمام العلّامة.
كان نازلا بدمشق، وسافر مع الشيخ الضّيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين، وتوفي بها.
وفيها جمال الدّين يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي، ابن الأمير محيي الدّين بن الأمير أزبك الفاضل [2] .
قرأ شرحي الشيخ خالد على «الجرومية» و «القواعد» على ابن طولون، ثم أخذ في حلّ «الألفية» عليه، وكتب له «إجازة» وحلّ «الكنز» على القطب بن سلطان، ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جدّه، فتوفي بها غريقا، ودفن بتربة جدّه المنسوبة [3] إليه الأزبكية [خارج مصر] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 262) .
[3] في «آ» و «ط» : «المنسوب» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف، وما بين الحاصرتين زيادة منه.

(10/400)


سنة خمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى أحمد بن المولى حمزة الرّومي الحنفي، المعروف بعرب چلبي [1] العالم الفاضل.
اشتغل، وحصّل، وخدم ابن أفضل زاده، ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد، وقرأ على علمائها في الكتب الستة، والتفسير، والفقه، والأصول، والهندسة، والهيئة، وقرأ «المطول» بتمامه، وأجازوه، ودرّس بمصر، وأقرأ «المطول» و «المفصّل» ثم عاد إلى بلاد الرّوم فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري، ودرّس بها مدة عمره.
وكان أكثر اشتغاله [2] بالفقه، و «تفسير البيضاوي» .
وكان عالما، عابدا، صحيح العقيدة، حسن السّمت، انتفع به كثير من الناس، رحمه الله تعالى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن حمزة القلعي الحلبي [3] الحنفي ثم الشافعي، المشهور بابن قيما.
اعتنى بالقراءات، وتزوج بابنة الشيخ نور الدّين البكري الشافعي خطيب المقام، فانتقل إلى مذهبه، فصار شافعيا بعد أن كان حنفيا هو وأبوه، وقرأ عليه
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288) و «الكواكب السائرة» (2/ 102) و «الطبقات السّنية» (1/ 343) .
[2] في «ط» : «أكثر إشغاله» .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 1/ 138) و «الكواكب السائرة» (2/ 106) .

(10/401)


بحلب، وأخذ أيضا بالقاهرة عن النّشّار المقري صاحب التآليف المشهورة.
وتوفي بحلب في أوائل ذي الحجّة.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الحقّ بن محمد السّنباطي المصري الشافعي [1] الواعظ بالجامع الأزهر، الإمام العالم العلّامة.
أخذ عن والده وغيره، وكان معه بمكّة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه، وفتح عليه في الوعظ حينئذ، وهو الذي تقدّم للصلاة على والده حين توفي بمكة.
قال الشعراوي: لم نر أحدا من الوعّاظ أقبل عليه الخلائق مثله.
وكان إذا نزل عن الكرسي يقتتل الناس عليه.
قال: وكان مفنّنا في العلوم الشرعية، وله الباع الطويل في الخلاف ومذاهب المجتهدين.
وكان من رؤوس أهل السّنّة والجماعة، واشتهر في أقطار الأرض كالشام، والحجاز، واليمن، والرّوم، وصاروا يضربون به المثل، وأذعن له علماء مصر الخاص منهم والعام، وولي تدريس الخشابية بمصر بعد الضّيروطي، وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية كالشامية، البرانية بدمشق، وكان يقول بتحريم قهوة البن، ثم انعقد الآن الإجماع على حلّها في ذاتها.
وتوفي في أواخر صفر.
قال الشعراوي: ولما مات أظلمت مصر لموته، وانهدم ركن عظيم من الدّين، ومات رأيت في عمري كلّه أكثر خلقا من جنازته إلّا جنازة الشّهاب الرّملي.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الأصل الصّالحي الحنفي، الشهير بابن الحصري [2] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 111- 112) .
[2] ترجمة المترجم في أحد كتب ابن طولون الخطية التي لم أقف عليها.

(10/402)


قال ابن طولون: هو أخونا وابن شيخنا، العلّامة جمال الدّين، حفظ القرآن و «المختار» وغيرهما، وسمع الحديث على شيخنا ابن عبد الهادي، وأخيه الشّهاب أحمد، وولده [1] ، واشتغل، وحصّل، وألّف، ثم سلك طريق السّلف الصّالح، وحضر كثيرا عندي.
وتوفي ليلة الأحد خامس عشر رجب عن نحو خمس وستين سنة، ودفن عند والده- أي بسفح قاسيون- لصيق تربة العمّ من جهة الشرق. انتهى وفيها المولى إسحاق الرّومي [2] أحد موالي الرّوم الطبيب.
كان نصرانيا طبيبا، وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة، وقرأ على المولى لطفي التّوقاتي المنطق، والعلوم الحكمية، وباحث معه فيها، ثم انجرّ كلامهم إلى العلوم الإسلامية، وقرّر عنده حقيقة الإسلام فاعترف وأسلم، ثم ترك الطّب، واشتغل بتصانيف الإمام حجّة الإسلام الغزّالي، والإمام فخر الدّين الرازي، وداوم على العمل بالكتاب والسّنّة، وصنّف شرحا على «الفقه الأكبر» لأبي حنيفة، رضي الله عنه.
وفيها الشيخ شيخ بن إسماعيل بن إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن السّقاف اليمني [3] السيد الجليل، صاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة.
كان من كبار مشايخ اليمن، حكي عنه أنه قيل له هاهنا رجل تحصل له حالة عظيمة عند السماع، فقال: ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحركه، إنما الرجل الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره.
توفي بالشّحر [4] ودفن بها.
__________
[1] في «آ» : «ووالده» .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (321) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (235- 236) .
[4] جاء في «معجم ما استعجم» (2/ 783) : الشّحر: ساحل اليمن، وهو ممتدّ بينها وبين عمان. وانظر «معجم البلدان» (3/ 327) .

(10/403)


وفيها عبد الرحمن المناوي المصري [1] ، الشيخ، الصّالح، العالم، العابد، الورع، أحد تلامذة سيدي محمد الشّناوي.
كان- رضي الله عنه- جميل الأخلاق، كريم النّفس، حمّالا للأذى، صبّارا على البلاء، كثير الحياء، لا يكاد يرفع بصره إلى السماء، ولا إلى جليسه.
أقام في طنتدا، ثم انتقل إلى الجامع الأزهر، فأقام به مدة، وانتفع به خلائق، ثم رجع إلى بلده المناوات، ومات بها.
وفيها زين الدّين عبد اللطيف بن علم الدّين سليمان بن أبي كثير المكّي [2] الإمام العلّامة.
قدم دمشق وأقام بها مدة، وقرأ «الشفا» على الشمس بن طولون الصّالحي في مجلسين في رجب، سنة ثمان وثلاثين، ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد، فولّاه قضاء مكّة عن البرهان بن ظهيرة، وأضيف إليه قضاء جدّه، ونظر الحرم الشريف، ثم رجع إلى دمشق، وتوجه إلى مكّة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي، وتوفي بها.
وكان له شعر حسن منه الموشح المشهور في القهوة الذي مطلعه:
قهوة البن مرهم الحزن ... وشفا الأنفس
فهي تكسو شقائق الحسن ... من لها يحتسي
وقد عارضه الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي بموشح على وزنه وقافيته.
وفيها عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي [3] الهمداني الطريقة، العارف بالله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 161) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 179- 181) .
[3] ترجمته في «در الحبب» (1/ 2/ 846- 855) و «الكواكب السائرة» (2/ 181- 183) و «جامع كرامات الأولياء» (2/ 103) .

(10/404)


خرج من بلاده يريد الحجّ في جمّ غفير من مريديه، فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان، فأكرم مثواه هو وأركان دولته، وتلقّن السلطان منه الذّكر، ثم دخل حلب وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب وذرفت منه العيون.
قال ابن الحنبلي: وسألته عن وجه قوله في نسبته الأحمدي، فقال: هي نسبة إلى جدّي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته. قال: ونسبي متصل بجابر بن عبد الله البجلي.
قال: واستخبرته عن شيخه في الطريق فقال: هو حاجي محمد الجوشاني.
قال وسألته تلقين الذكر فلقّنني إيّاه. وكتب لي دستور العمل، ولكن بالفارسية، ثم حجّ، وتوجه إلى بلاده، وتوفي ببخارى.
قال ابن الحنبلي: وكان محدّثا، مفسّرا، مستحضرا للأخبار، معدودا من أرباب الأحوال، والصواب أنه توفي سنة ثلاث وستين [1] .
وفيها عبد اللطيف الخراساني الحنفي [2] العالم العلّامة.
دخل دمشق سنة تسع وثلاثين حاجّا، فنزل بالصالحية، وظهر علمه وعمله خصوصا في التفسير.
وفيها عيسى باشا بن إبراهيم الرّومي [3] الحنفي أمير أمراء دمشق.
كان له أولا اشتغال بالعلم، وصار مدرّسا بعدة مدارس، حتى اتصل إلى إحدى الثمان، ثم صار موقّعا بالديوان السّلطاني، ثم ولي الإمارة في بعض البلاد، ثم إمارة حلب فأحسن فيها السيرة، ثم إمارة دمشق وعزل منها ثم أعيد إليها ورسخ فيها.
__________
[1] يعني وتسعمائة.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 183) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (254) و «در الحبب» (1/ 2/ 1056- 1060) و «الكواكب السائرة» (2/ 235) .

(10/405)


وكان عالما بعدة من العلوم، ولم يترك المطالعة أيام الإمارة.
وكان له حسن أدب ولطف معاشرة، إلّا أنه كان إذا اشتد غضبه خمش يديه فيدميها وهو لا يدري، وأبطل كثيرا من الظّلامات، وعاش أهل القرى أيام ولايته عيشة طيبة.
وكان مكرما لأهل العلم ومشايخ الصوفية، ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسن الكيلاني لما قدم دمشق.
[وتوفي بدمشق] [1] في يوم الأحد تاسع صفر، وأوصى أن يلقّن فلقّته الشيخ أبو الفتح المالكي، وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيرا لنفسه، فحمل سريره إلى الصالحية، فلما قرّب من قبره سحب على الأرض قليلا تنفيذا لوصيته، ودفن في حوش الشيخ محيي الدّين [بن] العربي عند شبّاكه الشرقي بوصيّة منه.
وفيها قطب الدّين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصّالحي الحنفي [2] شيخ الإسلام، مفتي بلاد الشام، الإمام العلّامة.
ولد ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ عن القاضي عبد البرّ بن الشّحنة وغيره، وكان بيده تدريس القصّاعية المختصة بالحنفية، وتدريس الظاهرية التي هي مسكنه، والنظر عليها.
وكان له تدريس في الجامع الأموي، وغير ذلك من المناصب العليّة.
وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشّحنة، وكفّ بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه، بحيث يظن أنهما بصيرتان.
وكان حسن الوجه والذات، جليل المقدار، مهيبا، معظّما، نافذ الكلمة عند الدولة، يردون إليه الأمراء في الفتوى، ماسك زمام الفقهاء، وكان يملي من يكتب
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «ط» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 12- 14) و «الأعلام» (7/ 57) .

(10/406)


الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه، واتخذ ختما منقوشا يختم به على الفتوى خوفا من التلبيس عليه.
وكان يقول بتحريم القهوة.
وصنّف مؤلفا في الفقه، ورسالة في تحريم الأفيون و «البرق اللامع في المنع من البركة في الجامع» وغير ذلك.
وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشري ذي القعدة ودفن داخل تربة القلندرية من باب الصغير في بيت مسقف معدّ للعلماء والصلحاء من الموتى.
وفيها نجم الدّين محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي، المعروف في مدينة الباب بابن صليلة، وفي حلب بالنّجم الإمام [1] لأنه كان إماما لخير بك الأشرفي كافل حلب، الإمام الفقيه الأصولي الخطيب ابن الخطيب.
كانت له قراءة حسنة وصوت جهوري.
وتوفي في أواخر [ذي] الحجة.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن عبد الله، أحد موالي الرّوم الحنفي، الشهير بمحمد بيك [2] .
كان من مماليك السلطان أبي يزيد، ورغب في العلم، وترك طريق الإمارة، وقرأ على جماعة، منهم المولى مظفّر الدّين العجمي، والمولى محيي الدّين الفناري، وغيرهما. ثم خدم ابن كمال باشا، وصار معيدا لدرسه، ثم تنقّل في المدارس، ثم اختل دماغه، ثم برئ، فسافر إلى مصر في البحر، فأسرته النصارى، فاشتراه بعض أصدقائه منهم، ثم عاد إلى قسطنطينية، فأعطاه السلطان سليمان سلطانية بروسا، ثم مدرسة أبي يزيد خان بأدرنة، ثم قضاء دمشق، فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين، وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين، فعاد
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 26) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (294) و «الكواكب السائرة» (2/ 38) .

(10/407)


إلى الرّوم، واختل مزاجه غاية الاختلال، وأعطي في أثناء المرض قضاء مصر فسافر إليها في أيام الشتاء، فأدركته المنية في الطريق.
وكان محبّا للعلم وأهله وللصوفية، وله مهارة في العلوم العقلية ومعرفة بالعلوم الرياضية، وله تعليقات على بعض الكتب.
وتوفي في بلدة كوتاهية.
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن حسن [1] بن محمد [1] الرّعيني [2] الأندلسي الأصل الطرابلسي المولد المالكي، نزيل مكّة، ويعرف هناك كسلفه بالحطّاب، ويتميّز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرّعيني، وذلك بالحطّاب، ويعرف في مكّة بالطرابلسي.
ولد في صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة بطرابلس، ونشأ بها، فحفظ القرآن و «الرائية» و «الجزرية» وتفقه فيها يسيرا على محمد القابسي، وعلى أخيه، ثم تحوّل مع أبويه وأخيه وجماعتهم إلى مكة سنة سبع وسبعين، فحجّوا ورجعوا، وقد توفي بعضهم، فأقاموا بها سنين، ومات كل من أبويه في أسبوع واحد في ذي الحجّة سنة إحدى وثمانين بالطّاعون، واستمر هو وأخوه بها إلى أن عادا لمكّة في موسم سنة أربع وثمانين، فحجّا، ثم جاورا بالمدينة النبوية التي تليها، وعاد الأخ بعد حجّه منها إلى بلاده وهو إلى المدينة، وقرأ على الشمس العوفي في العربية، وعلى السّراج معمر في الفقه وغيره، وعاد لمكة فلازم الشيخ موسى الحاجبي، وقرأ فيها القراآت على موسى المراكشي، وصاهر ابن حزم على ابنته، وسمع من الحافظ السخاوي، كل ذلك مع الفاقة والعفّة، ونعم الرجل كان.
قال جار الله ابن فهد: وقد فتح الله عليه في آخر عمره وصار من المعتقدين في العلم والدّين، وظهر له ثلاثة من الأولاد هم الجمال محمد، وزيني بركات، والشّهاب أحمد، وزوجهم في حياته، ورأى أولادهم، مع نجابتهم، وصار أكثرهم من المفتين والمدرّسين بحرم الله الأمين، وانقطع بمنزله عدة سنين، وهو يدرّس
__________
[1] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (236- 237) .

(10/408)


فيه، ورتّب له مرتّب في الجوالي، واعتقده الناس في الآفاق، وقصد بالفتوحات والودائع، وناله الضّرر من الدولة بسببها وهو متقنع متعفّف مجتهد في عمارة الأوقاف التي تحت نظره، وكذلك ولده الأكبر، وتحمّل لذلك كثيرا من الديون، وقاسى شدّة في مرضه حتى.
توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر عن تسعين سنة.
وفيها شمس الدّين محمد بن عبدو الشيخ الصّالح الزاهد المعمّر الخاتوني [1] الأردبيلي [2] الخرقة الحنفي.
ولد بسرة الفرات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه، ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر، حتى فتح عليه، وكان يتردّد إليه الزوّار فلا يرى نفسه إلا ذليلا، ولا يطلب أحد منه الدّعاء إلا سبقه إلى طلبه منه.
وكان زاهدا، متعففا عما في أيدي الناس، وعن أموال عظيمة، كانت تدفعها إليه الحكام، وكان يؤثر العزلة، وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب، وكانت مكاشفاته ظاهرة، وكان كثيرا يقول لست بشيخ ولا خليفة.
وتوفي بحلب في أواخر شوال.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن مصطفى القوجوي [3] الحنفي الإمام العلّامة.
اشتغل، وحصّل، ثم خدم المولى ابن فضل الدّين، ثم درّس بمدرسة خواجه خير الدّين بالقسطنطينية، ثم آثر العزلة، فترك التدريس، وتقاعد بخمسة عشر عثمانيا، وكان يستكثرها على نفسه، ويقول: يكفيني منها عشرة، ولازم بيته، وأقبل على العلم والعبادة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الخاقوني» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[2] ترجمته في «در الحبب» (2/ 1/ 186- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 45) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 59) .

(10/409)


وكان متواضعا يحبّ أهل الصلاح، [وكان يشتري حوائجه من السوق بنفسه مع رغبة الناس في خدمته فلا يرضى إلّا بقضائها بنفسه تواضعا وهضما للنفس] [1] وكان يروي التفسير في مسجده، فيجتمع إليه أهل البلد يسمعون كلامه، ويتبرّكون بأنفاسه، وانتفع به كثيرون، وكان يقول: إذا شككت في آية من القرآن أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري، حتى يصير قدر الدنيا ويطلع فيه قمران لا أدري هما أي شيء، ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ، فاستخرج منه معنى الآية.
وممن أخذ عنه صاحب «الشقائق» قال: وهو من جلّة من افتخرت به، وما اخترت منصب القضاء إلّا بوصية منه، وله «حواش على البيضاوي» جامعة لما تفرّق من الفوائد في كتب التفسير سهلة قريبة، وشرح على الوقاية في الفقه، و «شرح الفرائض السراجية» و «شرح المفتاح للسكاكي» و «شرح البردة» .
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي ثم الحلبي [2] ، الحنفي، عرف بابن الحمصاني.
ولد بأنطاكية سنة تسعين وثمانمائة، وجوّد القرآن على الشيخ محمد الداديخي وغيره، وقرأ «الجزرية» على البدر السّيوفي، وغيره و «السراجية» على الزين بن فخر النساء، وسمع عليه صدر الشريعة، وقرأ على الشيخ عبد الحق السّنباطي كتاب «الحكم» لابن عطاء الله، وأجاز له إسماعيل الشّرواني، وابن فخر النّساء، وحجّ أربع مرات، منها ثنتان في المجاورة، وزار بيت المقدس، ودخل القاهرة وغيرها، وطاف البلاد، واجتمع بمشاهير العلماء، والصوفية، ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب، وصحب بها ابن الحنبلي، ثم توفي بالرّملة.
وفيها المولى محمد، المعروف بشيخي چلبى [3] أحد موالي الرّوم.
كان فاضلا، ذكيا، متواضعا، محبا لأهل الخير، خدم المولى محيي الدّين
__________
[1] ما بين الحاصرتين لم يرد في «آ» و «ط» واستدركته من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (293) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) .

(10/410)


الفناري، ثم المولى بالي الأسود، ثم درّس بمدرسة مولانا خسرو، ثم بمدرسة ابن ولي الدّين، ثم بمدرسة بيري باشا، ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان، ومات على ذلك.
وفي حدودها المولى محمد، وقيل: مصطفى، الشهير بمرحبا [1] أحد الموالي الرّومية.
كان يعرف بابن بيري محمد چلبي، وكان محقّقا مدقّقا، محبا للفقراء.
قرأ على المولى ركن الدّين بن زيرك، والمولى أمير جلبي، ثم خدم المولى خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثمان، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في رابع عشري محرم سنة خمس وأربعين، وعزل عنها في عشري ذي القعدة من السنة المذكورة، وأعطى قضاء بروسا، ومات وهو قاض بها.
وفيها السيد الشريف محمود العجمي الشافعي [2] العلّامة مدرّس الأتابكية بصالحية دمشق.
وكان مقيما بالبادرائية داخل دمشق، وكان مقصدا للطلبة ينتفعون به، وكانت له يد طولى في المعقولات.
وتوفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر، ودفن بباب الصغير.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (290) و «الكواكب السائرة» (2/ 73) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 294) .

(10/411)