شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وخمسين
وتسعمائة
فيها توفي المولى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي [1] الإمام
العلّامة.
قال في «الشقائق» : كان من مدينة حلب، وقرأ هناك على علماء عصره، ثم
ارتحل إلى مصر، وقرأ على علمائها في الحديث، والتفسير، والأصول،
والفروع، ثم أتى [2] بلاد الرّوم، وقطن بقسطنطينية، وصار إماما ببعض
الجوامع، ثم صار إماما وخطيبا بجامع السلطان محمد، ومدرّسا بدار
القرّاء التي بناها سعدي چلبي المفتي.
قال: وكان إماما، عالما بالعلوم العربية، والتفسير، والحديث، وعلوم
القراآت، وله يد طولى في الفقه والأصول، وكانت مسائل الفروع نصب عينه
[3] .
وكان ملازما لبيته، مشتغلا بالعلم، لا يرى إلّا في بيته أو المسجد، ولم
يسمع أحد منه أنه ذكر أحدا بسوء، ولم يلتذ بشيء من الدنيا إلّا بالعلم،
والعبادة، والتصنيف، والكتابة.
وقال ابن الحنبلي: كان سعدي جلبي مفتي الدّيار الرّومية يعوّل عليه في
مشكلات الفتاوي، إلا أنه كان منتقدا على ابن العربي، كثير الحطّ عليه.
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (295- 296) و «درّ الحبب» (1/ 1/
93- 95) و «الكواكب السائرة» (2/ 77) و «الطبقات السنية» (1/ 222- 223)
و «الأعلام» (1/ 66- 67) و «معجم المؤلفين» (1/ 80) .
[2] في «آ» و «ط» : «ثم إلى» وهو خطأ والتصحيح من «الشقائق النعمانية»
مصدر المؤلف.
[3] كذا في «آ» و «الشقائق النعمانية» : «نصب عينه» في «ط» و «الكواكب
السائرة» : «نصب عينيه» .
(10/444)
ومن مؤلّفاته «شرح على [1] منية المصلي» و
«ملتقى الأبحر» [2] ونعم التأليف هو، ومات في هذه السنة.
وفيها إسماعيل الكردي الشافعي [3] نزيل دمشق الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا كان من أهل العلم، والعمل، والصلاح،
والورع، والمجاهدة، والتوكل، صحبني، ثم حجّ وجاور بمكة، وتزوّج بامرأة
من العمادية، وعاد وهي معه ورزق منها ولدا صالحا، سمّاه سليمان [وعلّمه
القرآن] ، ثم رجع إلى بلاده، وتزوج امرأة أخرى من الأكراد، وعاد إلى
دمشق بزوجتيه، ورزق من الأخرى أولادا، وسكن بهما في بيت من بيوت
الشامية الجوانية، وصار يتردّد إليه الطلبة يشتغلون عليه في المعقولات،
مع تردّده إليّ.
قال: وقرأ عليّ بعض «المنهاج» قراءة تحقيق وتدقيق.
وتوفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى بالطّاعون بعد أن صلّى المغرب
والعشاء جماعة، ودفن بمقرة باب الصغير.
ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر عليه يُبَشِّرُهُمْ
رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها
نَعِيمٌ مُقِيمٌ 9: 21 [التوبة: 21] .
وفيها جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم [شاة] [4] .
كان بحلب مع والده في هذه السنة فتوفي بها، وصلّى عليه أبوه في مشهد
عظيم، وحمل إلى الفردوس [5] ، ثمّ شقّ بطنه، وصبّر، وحمل إلى الرّوم.
__________
[1] لفظة «على» سقطت من «ط» .
[2] وهو في فروع الحنفية، جعله مشتملا على مسائل «القدوري» و «المختار»
و «الكنز» و «الوقاية» بعبارة سهلة، وأضاف إليه ما يحتاج إليه من مسائل
«المجمع» ونبذة من «الهداية» وقدّم من أقاويلهم ما هو الأرجح وقد وقع
على قبوله بين الحنفية الاتفاق. انظر «كشف الظنون» (2/ 1814) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 123- 124) وما بين الحاصرتين
زيادة منه.
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 460- 461) وما بين الحاصرتين زيادة
منه و «الكواكب السائرة» (2/ 133) .
[5] أي جامع الفردوس وهو جامع شهير بحلب. عن حاشية «درّ الحبب» .
(10/445)
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن لطف الله
بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي ثم الحلبي السّعدي العبّادي
الشافعي [1] المقرئ ابن المقرئ ابن المقرئ، ويعرف بابن المحوجب، أحد
أكابر حفّاظ القرآن العظيم، ورئيس قراءته بالجماعة بحلب.
ولد سنة تسع وستين [2] وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي
عمرو سبع مرات على عالمها ومحدّثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي
الحنابلة بها، ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك نائب قلعتها، ثم انحصرت فيه
رئاسة القرّاء بها، وكان البدر السيوفي يحبّ قراءته، ويميل إليه،
ويعظّمه، حتى تلا عليه الفاتحة برواية أبي عمرو، واستجازه مع جلالته
لما علم له من السّند العالي [3] .
قال ابن الحنبلي: وكان مبتلى بعلم جابر [4] مشغوفا بالتزوج، حتى [إنه]
تزوج أكثر من ثلاثين امرأة.
وفيها المولى عبد الكريم [5] الملقّب بمفتي شيخ الرّومي الحنفي، مفتي
التخت السلطاني، الإمام العلّامة، العارف بالله تعالى.
ولد بمدينة كرماسي، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل على علماء عصره، ووصل
إلى خدمة المولى بالي الأسود، ثم سلك طريقة التصوف، وصحب العارف إمام
زاده، ثم جلس بأياصوفيا بقسطنطينية مشتغلا بالإرشاد والفقه، حتى أتقن
مسائله، وعيّن له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني ونصّبه مفتيا
فأفتى، وظهرت مهارته في الفقه، وملك كتبا كثيرة، وكان يطالع فيها غالب
أوقاته، وكان يعظ الناس، ولكلامه تأثير في القلوب، وله في كل سنة خلوة
أربعين يوما يحفر له سربا كالقبر ويصلي فيه ولا يخرج للناس، وتحكى عنه
كرامات كثيرة.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 833- 835) و «الكواكب السائرة» (2/
175) .
[2] لفظة «وستين» سقطت من «آ» .
[3] أي إلى ابن عائشة كما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[4] أي بالكيمياء نسبة إلى جابر بن حيّان الفيلسوف الكيميائي الشهير.
[5] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (314- 315) و «الكواكب السائرة»
(2/ 179) .
(10/446)
وكان معطّل الحواس جملة من شدة الرياضة،
وكان مع ذلك حلو المحاضرة، حافظا لنوادر الأخبار وعجائب المسائل، كريم
الأخلاق، متواضعا، حجّ في سنة ثلاثين وتسعمائة، ورجع على الطريق
المصري، ودخل دمشق، فنزل ببيت الكاتب بمئذنة الشحم، وتردد إليه
الأفاضل، ورفعت إليه أسئلة فكتب عليها كتابة عجيبة.
وتوفي مفتيا بالقسطنطينية.
وفيها علي العيّاشي [1] .
قال المناوي في «طبقاته» : هو المعروف بالتعبد، المشهور بالتزهّد، أجلّ
أصحاب الشيخ أبي العبّاس الغمري والشيخ إبراهيم المتبولي.
مكث نحو سبعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض إلّا عن غلبة، ويصوم يوما
ويفطر يوما، ولم يمسّ بيده دينارا ولا درهما، ولا يغسل عمامته إلّا من
العيد إلى العيد.
وكان إذا ذكر ينطق قلبه مع لسانه فلا يقول السامع إلّا أنهما اثنان
يذكران.
قال الشعراوي: أول اجتماعي به رأيته يذكر ليلا فاعتقدت أنهما اثنان،
فقرّبت منه فوجدته واحدا، وكان كثيرا ما يرى إبليس فيضربه، فيقول له:
لست أخاف من العصا إنما أخاف من النّور الذي في القلب.
مات بالمنزلة. انتهى وفيها- تقريبا- علي الإثميديّ المصريّ المالكيّ
[2] الإمام العالم الصّالح المحدّث.
أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان، واختصر كثيرا من مؤلفات الشيخ جلال
الدّين السيوطي، ومؤلّفاته حسنة. وكان يعظ الناس في المساجد، مقبلا على
الله تعالى، حتى توفي ويده تتحرك بالسّبحة ولسانه مشغول بذكر الله
تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 222) و «الطبقات الكبرى» للشعراني
(2/ 188) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «معجم المؤلفين» (7/ 9) .
(10/447)
وفيها- ظنا- المولى محيي الدّين محمد بن
حسام [1] أحد الموالي الرّومية الحنفي، المعروف بقراجلبي.
ترقّى في التداريس، ثم صار قاضيا بدمشق، فدخلها في ربيع الأول سنة خمس
وخمسين وتسعمائة، ولم تطل مدة ولايته بها.
وفيها المولى محيي الدّين محمد بن المولى علاء الدّين علي الجمالي
الحنفي [2] أحد موالي الرّوم.
قرأ على جدّه لأمه حسام الدّين زاده، ثم على والده، ثم على سويد زاده،
ثم درّس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثمان، ثم
تقاعد، وعيّن له كل يوم مائة درهم.
وكان مشتغلا بنفسه، حسن السّمت والسيرة، محبا للمشايخ والصّلحاء، له
معرفة تامة بالفقه والأصول.
وفيها شمس الدّين محمد بن الشيخ زين الدّين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب
الدّين السّفيري الحلبي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ولازم العلاء الموصلي، والبدر
السّيوفي في فنون شتّى، وقرأ على الكمال بن أبي شريف في «حاشيته على
شرح العقائد النسفية» و «رسالة العذبة» له، وقدم مع أخيه الشيخ إبراهيم
بن أبي شريف إلى دمشق، فأجاز له ولبعض الدمشقيين، ثم إلى حلب، فقرأ
عليه بها: «مختصر الرسالة القشيرية» ، وقرأ على البازلي، وأبي الفضل
الدمشقي، والشيخ محمد الدّاديخي، وغيرهم أنواع العلوم، ودرّس بالجامع
الكبير بحلب، والعصرونية، والسفاحية، وسافر إلى القاهرة، واجتمع بها
بالقاضي زكريا وصلى عليه لما مات، واجتمع بآخرين، كالنور البحيري،
والشّهاب الأنطاكي.
وتوفي بحلب في هذه السنة.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 30) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (230) و «الكواكب السائرة» (2/
52) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 258- 262) و «الكواكب السائرة» (2/
56) .
(10/448)
وفيها عفيف الدّين أبو اليمن محمد بن محمد
بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزّي [1] الأصل الحلبي المولد
والدار والوفاة، الحنفي، العالم.
أخذ بحلب عن الشمسين ابن هلال، وابن بلال، وله شيوخ آخرون بها وبغيرها،
واجتمع بالشيخ أبي العون الغزّي، وكان يدرّس ويفتي بحلب، وكفّ بصره
فكان يأمر بالكتابة على الفتوى، وأمر آخرا أن يكتب في نسبه الأنصاري
لما بلغه أنه من ذرّية خبّاب بن المنذر بن الجموح الخزرجي، وكان من
العلماء العاملين.
وفيها حميد الدّين محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل
الحلبي ثم القاهري الحنفي [2] .
جاور بمكّة المشرّفة، وقرأ بها الفقه، ثم أخذ بحلب عن الشّهاب الأنطاكي
ثم دخل القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدّين التّادفي، فأحبه
أهلها، واستوطن بها، وتزوّج من نسائها، وولد له بنون، وكان فقيها،
فاضلا، حسن الشكل والهيئة، ساكنا، محتشما.
وتوفي بالمنزلة.
وفيها قاضي القضاة كمال الدّين أبو اللطف محمد بن يوسف بن عبد الرحمن
الرّبعي الحلبي التّادفي الشافعي [3] .
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «الرحلة» فقال في وصفه:
الشيخ الأوحد، والأصيلي الأمجد، ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل
مطار، وانتظمت أسلاك أصالته، في أجياد الأسطار، وسرت سمات فضيلته مسار
[4] نسيمات باسمات الأزهار، إلى أن قال: تصطفيه الرّتب العلية السّنية،
وتستأنس به الخطط الشرعية السّنيّة، فطورا مقدما في أندية الأمراء
والأعيان، وتارة
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 320- 321) و «الكواكب السائرة» (2/
9) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 185- 186) و «الكواكب السائرة» (2/ 61-
62) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 337- 361) .
[4] تحرفت في «ط» إلى «مسمار» .
(10/449)
صدرا في قضاة العدل والإحسان، القضائي
الكمالي التّادفي، قاضي حلب ثم مكّة.
كان صحبني من حلب إلى البلاد الرّومية، فأسفر عن أعذب أخلاق وأكرم
أعراق وأحسن طوية، وولد- كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي- سنة أربع
وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الفخري عثمان الكردي، والجلال النّصيبي،
وغيرهما، وأجاز له باستدعاء والده المحبّ بن الشّحنة، وولده الأثير
محمد، والسّري عبد البرّ بن الشّحنة الحنفيون، والقاضي زكريا، والجمال
القلقشندي، والقطب الخيضري، والفخر الديمي في آخرين، ولبس الخرقة
القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني، ثم ترك مخالطة
الناس، ولفّ المئزر، وأقدم على خشونة اللباس، وأخذ في مخالطة الفقراء
والصوفية، فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ
الشيوخ بحلب، ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس وبحلب، وفوض إليه الجمال
القلقشندي قضاء القضاة بالممالك الإسلامية، ونيابة الحكم بالدّيار
المصرية ومضافاتها، مضافا إلى قضاء حلب بسؤاله، ثم ولي في الدولة
العثمانية تدريس العصرونية والحاجبية، ونظر أوقاف الشافعية بحلب،
وولّاه خير بك كافل الدّيار المصرية قضاء الشافعية بمكّة، وجدّة، وسائر
أعمالهما، ونظر الحرمين، وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكّة في
الدولة العثمانية، وبقي في دولة القضاء حتى مات خير بك. خرج بعد مدة من
مكّة معزولا سنة إحدى وثلاثين.
وكان إماما، عالما، كاملا، شاعرا.
ومن شعره:
لولا رجائي أنّ الشّمل يجتمع ... ما كان لي في حياتي بعدكم طمع
يا جيرة قطّعوا رسلي وما رحموا ... قلبا تقطّع وجدا عند ما قطعوا
أوّاه وأطول شوقي للأولى [1] سكنوا ... في الصرّح يا ليت شعري ما الذي
صنعوا
__________
[1] في «درّ الحبب» : «للذي» .
(10/450)
لا عشت إن كنت يوما بعد بعدكم ... أمّلت
أني بطيب العيش أنتفع
هم أطلقوا أدمعي [1] والنّار في كبدي ... كذاك نومي وصبري في الهوى
منعوا
دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم ... لا واخذ الله أحبابي بما صنعوا
وتوفي- رحمه الله تعالى- في أواسط [ذي] الحجّة.
وفيها كمال الدّين محمد البقاعي ثم الدمشقي الشافعي [2] الإمام الفاضل.
كان يحب الإصلاح بين الأخصام، والتودّد إلى الناس، ويتردّد إلى
المتصوفة.
توفي فجأة بعد خروجه من الحمّام في نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر،
ودفن بمقبرة باب [3] الفراديس.
وفيها محبّ الدّين أبو السعود محمود بن رضي الدّين محمد بن عبد العزيز
بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي [4] ، الموقّع والده بديوان الإنشاء في
الدولة الجركسية.
ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة، وحفظ بها كتبا، وجوّد الخطّ بها،
وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من «ألفية ابن مالك» و «الشاطبية» و
«المنهاج الفقهي» على الشّهاب الشّيشيني الحنبلي [5] ، والبرهان بن أبي
شريف، وغيرهما، وأجازوا له، وأجازه القاضي زكريا، وكان شهما، حسن
الملبس والعمامة.
توفي بحلب في ذي الحجّة.
__________
[1] في «درّ الحبب» : «مدمعي» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) .
[3] لفظة «باب» سقطت من «آ» .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 463- 466) .
[5] تقدمت ترجمته في ص (130) من هذا المجلد ضمن وفيات سنة (919) .
(10/451)
سنة سبع وخمسين
وتسعمائة
فيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن علي، المعروف بابن البيكار
المقدسي الأصل ثم الدمشقي [1] نزيل حلب، العلّامة البصير المقرئ
المجوّد.
ولد بقرية القابون من غوطة دمشق سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة، وقرأ
القرآن بدمشق بالرّوايات على جماعات، ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة، فقرأ على الشمس السّمديسي، وأبي النجا النّحاس، والنّور
السّمهودي.
قال ابن الحنبلي: ومما يحكى عنه أنه كان كثيرا ما يمرض فيرى، رسول الله
صلّى الله عليه وسلم، في المنام، فيشفى من مرضه.
وكان مجتهدا [2] في أن لا ينام إلّا على طهارة، وتوفي بحلب.
وفيها القاضي باعلوى أحمد شريف بن علي بن علوي خرد الشافعي اليمني [3]
الشريف العلّامة.
قال في «النور» : ولد يوم الجمعة تاسع ذي الحجّة سنة أربع أو خمس
وتسعمائة، واشتغل بالفقه على جماعة، منهم العلّامة عبد الله بن عبد
الرحمن بأفضل صاحب المختصر المشهور، والعلّامة محمد الأصفع، وغيرهما،
وجدّ
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 70- 74) و «الكواكب السائرة» (2/ 77-
78) و «إعلام النبلاء» (5/ 537- 538) .
[2] في «درّ الحبب» : «وكان يجتهد» .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (248) .
(10/452)
واجتهد، حتّى برع، وأشير إليه بالرئاسة
والفتوى، وذكره أخوه المعلّم في «طبقات فقهاء آل باعلوى» قال: وولي
قضاء وادي ابن راشد، وهو مشتمل على مدن متعددة من أرض حضرموت، أشهرها
تريم، لم يعارضه معارض، ولم ينقض عليه ناقض، ولم يل أحد من آل باعلوى
القضاء غيره، رحمه الله وبلغني أنه لم يكن من القضاة الورعين، سامحه
الله وإيّانا.
وفي «تاريخ سنبل» إنه وأخاه عبد الله شريف ولدا توأمين في بطن، وعزل من
القضاء، فقال: أنا لا أعزل وإن عزلني السلطان، بسبب أنه ليس في الجهة
من هو أعلم مني.
وهذا الذي ذكره أحمد شريف لا أدري أهو وجه ضعيف له في المسألة أو أراد
به التنكيت والمطايبة وإن سيادته ثابتة قاضيا كان أو غير ذلك، كقول
بعضهم:
إن الأمير هو الذي ... يضحى [1] أميرا يوم عزله
إن زال سلطان الولا ... ية لم يزل سلطان فضله
وما أحسن قوله: إن أردت أن لا تعزل فلا تتولّ. انتهى وفيها أحمد
الشّيبيني [2] المصري [3] .
كان مجذوبا غارقا لا يصحو إلّا وقت الوضوء والصلاة، وإذا صلّى أذن
للصلاة ورفع صوته، وكان إذا رأى مجذوبا لم يصلّ، يقول: هذا قليل
الدّين، ووقع من المنارة العالية التي في مدينة منوف إلى الأرض فلم
ينكسر من أعضائه شيء، ونزل واقفا ومشى مسرعا على الأرض.
وفيها- تقريبا- المولى شمس الدّين أحمد المشهور بورق چلبي [4] ، أحد
الموالي الرّومية.
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «النور السافر» مصدر المؤلف.
[2] في «ط» : «الشبيني» وهو خطأ.
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (288- 289) و «الكواكب السائرة»
(2/ 118) .
(10/453)
ترقى في التداريس إلى مدرسة أبي أيوب
الأنصاري.
وكان فاضلا مفيدا، صالحا، طيّب الأخلاق، وانتفع به كثير من الناس.
وفيها- ظنا- الشيخ الإمام العالم أحمد الأنقروي الرّومي ثم الحلبي [1]
.
اشتغل في شبابه بالعلم، ثم رغب في التصوف، وانتسب إلى الخلوتية، وكان
في أول أمره يدور البلاد ويعظ الناس، ثم توطن في بلده في شيخوخته وأقبل
على الوعظ إلى أن توفي.
وفيها شهاب الدّين أحمد البرلسي المصري [2] الشافعي، الملقّب بعميرة،
الإمام العلّامة المحقّق.
أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السّنباطي، والبرهان بن أبي شريف، والنّور
المحلّى.
وكان عالما، زاهدا، ورعا، حسن الأخلاق، يدرّس ويفتي، وانتهت إليه
الرئاسة في تحقيق المذهب.
وفيها شهاب الدّين أحمد الرّملي المنوفي المصري الأنصاري [3] الشافعي
الإمام العلّامة النّاقد الجهبذ، شيخ الإسلام والمسلمين.
أخذ عن القاضي زكريا، ولازمه، وانتفع به، وكان يجلّه، وأذن له بالإفتاء
والتدريس، وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته، ولم يأذن لأحد سواه
في ذلك، وأصلح عدة مواضع في «شرح البهجة» و «شرح الروض» في حياة شيخ
الإسلام، وكتب شرحا عظيما على «صفوة الزبد» في الفقه، وله مؤلفات أخر
[4] ، وجمع الشيخ شمس الدّين الخطيب الشّربيني فتاويه فصارت مجلدا،
وأخذ عنه ولده سيدي محمد، والخطيب الشربيني، والشّهاب الغزّي، وغيرهم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 118) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 119- 120) و «الأعلام» (1/ 120) .
[4] في «ط» : «أخرى» .
(10/454)
وانتهت إليه الرئاسة في العلوم الشرعية
بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته إلّا النّادر، وجاءت إليه
الأسئلة من سائر الأقطار، ووقف الناس عند قوله.
وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتّى المجاذيب يعظّمونه.
وكان يخدم نفسه ولا يمكّن أحدا أن يشتري له حاجة إلى أن كبر سنة وعجز.
وتوفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة، وصلّوا عليه في الأزهر.
قال الشعراوي: وما رأيت في عمري جنازة أعظم من جنازته، ودفن بتربته
قريبا من جامع الميدان، وأظلمت مصر وقراها بعد موته.
وفيها إسماعيل [1] الشيخ الصّالح العابد الورع، إمام جامع الجوزة، خارج
باب الفراديس بدمشق.
قال في «الكواكب» : قال والد شيخنا: كان له مكاشفات وحالات مع الله
تعالى، وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات.
توفي في أوائل [ذي] الحجّة، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها حسام الدّين جلبي الفراصوي [2] أحد موالي الروم.
قرأ على العلماء، وخدم المولى عبد الكريم بن المولى علاء الدّين
العربي، وتنقّل في المدارس، حتى درّس بإحدى الثماني، ثم صار قاضيا
بأدرنة، ثم بالقسطنطينية، ثم أعطي إحدى الثماني أيضا، وعيّن له كل يوم
مائة عثماني إلى أن توفي.
وكان سخي النّفس، حليما، صبورا على الشدائد، طارحا للتكلّف [3] .
منصفا من نفسه، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 124- 125) .
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (284- 285) و «الكواكب السائرة»
(2/ 139) .
[3] في «آ» و «ط» : «للتكليف» والتصحيح من «الكواكب السائرة» و
«الشقائق النعمانية» .
(10/455)
وفيها شمس بن عمر بن آق شمس الدّين البرسوي
الحنفي [1] خواجة السلطان سليم، المشهور بشمسي جلبي [2] .
دخل حلب، واجتمع به ابن الحنبلي، وأثنى عليه بالفضل والعلم، ثم دخل
دمشق قاصدا للحجّ الشريف فمات في طريق الحجّ قبله عند المعظّم [3] .
وفيها عبد الله بن منلا صدر الدّين بن منلا كالي الهندي الحنفي [4] .
اشتغل بحلب في كبره بالعلم، واعتنى بالقراءات، فجمع للسبعة وللعشرة،
وأخذ بها عن إبراهيم اليشبكي، وإبراهيم الصّيرفي، وابن قيما، ثم رجع
إلى القاهرة، فأخذ عن الناصر الطّبلاوي وغيره، ثم رجع إلى حلب، ولزم
الطلبة في القراآت، وحجّ في هذه السنة، فتوفي وهو راجع في الطريق.
وفيها أقضى القضاة محيي الدّين عبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد
بن أحمد بن عمر بن علي بن عبيد الفريابي المدني [5] المالكي.
ناب عن أبيه في قضاء المدينة.
وكان فقيها، فاضلا، لطيفا، ماجنا.
توفي بالمدينة المنوّرة.
وفيها القاضي محيي الدّين عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح
الرّاميني الأصل الدمشقي الحنبلي [6] أخو القاضي برهان الدّين بن مفلح.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 683- 687) و «الكواكب السائرة» (2/
152) .
[2] في «آ» و «ط» : «المشهور شمس جلبي» والتصحيح من مصدري الترجمة.
[3] جاء في حاشية «درّ الحبب» (1/ 2/ 687) ما نصه: «المعظم: موضع أطلق
عليه الاسم الذي كان يلقب به الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك
العادل الأيوبي ... لإقامته بركة في هذا الموضع في طريق الحجصاج، فعرفت
به، ويمرّ بالمعظم الخط الحديدي المعروف بالخط الحجازي الواصل بين دمشق
والمدينة المنورة، وفيه محطة للقطار، وموقعه قائم بين تبوك ومدائن
صالح» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 824- 825) .
[6] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (52/ ب) و «الكواكب السائرة» (2/
175) و «النعت الأكمل»
(10/456)
ناب في القضاء ببر الشام، ثم بالمؤيدية،
وقناة العوني، والميدان، والصالحية، وطالت إقامته بها نحو خمس وثلاثين
سنة، وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء.
وتوفي بدمشق، ودفن بمقبرة الفراديس.
وفيها الكمال [1] التّبريزيّ العجميّ [2] الشيخ العالم الصّالح
المحقّق، العارف بالله تعالى، الصوفي، نزيل دمشق.
كان يأكل الطيب، ويلبس الحسن، ولا يخالط إلّا من يخدمه، وله باع في
العلوم، وغلب عليه التصوف.
وتوفي بسكنة العزيزية شمالي الكلاسة في سادس عشر ربيع الآخر ودفن بباب
الفراديس.
وفيها حافظ الدّين محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي [3] أحد الموالي
الرّومية، الشهير بالمولى حافظ، أصله من ولاية بردعة في حدود العجم.
قرأ في صباه على مولانا مزيد بتبريز، وحصّل عنده، وبرع عليه، واشتهرت
فضائله، وبعد صيته.
ولما وقعت في العجم فتنة إسماعيل بن أردبيل، ارتحل إلى الرّوم، وخدم
عبد الرحمن بن المؤيد، وبحث معه، وعظم اعتقاده فيه، وربّاه عند السلطان
أبي يزيد، فأعطاه تدريسا بأنقرة، فأكب على الاشتغال هناك.
وكان حسن الخطّ، سريع الكتابة، كتب الكثير، ودرّس هناك «شرح المفتاح»
للسيد، وكتب عليه حواشي، ثم رحل إلى القسطنطينية وعرض ما حشّاه
__________
ص (121) و «السحب الوابلة» ص (230) .
[1] في «ط» : «كمال الدّين» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 244) .
[3] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (267- 268) و «الكواكب السائرة»
(2/ 26- 27) و «معجم المؤلفين» (8/ 272) .
(10/457)
على ابن المؤيد فابتهج به، ثم صار مدرّسا
بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية، وكتب بها حواشي على مواضع من شرح
المواقف للسيد، ثم صار مدرّسا بمدينة أزنيق، وكتب هناك راسلة في
الهيولي عظيمة الشأن، ثم أعطي إحدى الثماني، وكتب بها شرحا على
«التجريد» ثم درّس بأياصوفيا.
وألّف كتابا سمّاه «مدينة العلم» ثم تقاعد، وعيّن له كل يوم سبعون
عثمانيا، وأكب على الاشتغال والإشغال ليلا ونهارا، لا يفتر، وأتقن
العلوم العقلية، ومهر في الأدبية، ورسخ في التفسير.
وألّف رسائل كثيرة، منها «نقطة العلم» ومنها «السبعة السّيارة» .
وكان له أدب ووقار، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو اللطف محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي [1]
إمام جامع الجوزة بالقرب من قناة العوني.
كان فاضلا، صالحا، زاهدا، ورعا كوالده، متعفّفا، يعتزل الناس، ويخدم
نفسه، سالكا طريق السّلف، مؤثرا لخشونة العيش، يلبس العباءة، له زاوية
يقيم بها الوقت يذكر الله على طريقة حسنة.
وكانت له خطبة بليغة نافعة وموعظة من القلوب واقعة.
وتوفي يوم الاثنين ثالث جمادى الأولى.
وفيها شمس الدّين محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي [2]- بمعجمتين،
نسبة لقرية مذوخا بالضم من عمل البقاع-.
حفظ القرآن العظيم، واشتغل بالعلم، وحصّل، وفضل، وكره الأكل من
الأوقاف، فرجع إلى بلدته المذكورة، وتعاطي الزراعة، فأثرى وتموّل، ورحل
إلى مصر، فاشتغل بها قليلا، ثم رجع إلى بلده فأمّ بها. وخطب وصار يدعو
أهلها إلى طاعة الله تعالى إلى أن توفي بها ليلة الجمعة خامس المحرم.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 34) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 56- 57) .
(10/458)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله محمد بن
محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي [1] ، عرف بابن بلال الإمام العلّامة.
ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة، وقرأ على المنلا قل [2]
درويش أربع سنوات في علوم شتى، وقرأ أيضا على منلا مظفّر الدّين
الشّيرازي، والبرهان العرضي، والبدر السّيوفي وغيرهم، ثم لازم الإفتاء
والتدريس والتأليف بجامع حلب، حتّى أسنّ، فانقطع بمنزله، وأكبّ على
التصنيف في علوم متنوعة، إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه ولم تظهر بعده.
وكان كثير الصيام والقيام، لا يمسك بيده درهما ولا دينارا.
وكان وقورا، مهيبا نيّر الشيبة، كثير التواضع، له قوة ذكاء، ومزيد حفظ،
ورسوخ قدم في العربية والمعقولات، وحجّ، وجاور، ودخل القاهرة، وأصابه
فالج وعوفي منه.
وتوفي بحلب، ودفن بمقابر الحجّاج، وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقّن في
قبره.
وفيها نظام الدّين محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك [3] الحموي
المولد الحنفي، ثم الحنبلي، عرف بالكوكاجي، رديف الكوجكي.
ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وقرأ «الكنز» على ابن رمضان
الدمشقي وغيره، ثم قلّد الإمام أحمد، وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس
الشام، وناب عن النّظام التّادفي الحنبلي بحلب.
وفيها محيي الدّين محمد بن محمد الحنفي [4] أحد موالي الرّوم، المعروف
بابن قطب الدّين.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 118- 121) و «الكواكب السائرة» (2/
7) و «الأعلام» (7/ 58) و «معجم المؤلفين» (11/ 257) .
[2] في «آ» و «ط» : «العلاقل» والتصحيح من الكواكب السائرة» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 193- 194) و «الكواكب السائرة» (2/ 10)
و «النعت الأكمل» ص (122) .
[4] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (266- 267) و «الكواكب السائرة»
(2/ 15) .
(10/459)
قرأ على الشيخ مظفّر الدّين العجمي، ثم على
سيدي جلبي القوجوي، وغيرهما.
وترقّى في التداريس إلى أن ولي قضاء حلب، ثم بروسا، ثم إسلام بول [1] ،
ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم ذهب إلى الحجّ بعد العزل، ثم رجع إلى
القسطنطينية وتقاعد بمائة وخمسين عثمانيا، كل يوم.
قال في «الشقائق» : وكان عالما، فاضلا، صالحا، ورعا، محبّا للصوفية،
سالكا طريقهم، واعتزل الناس، واشتغل بخويصة نفسه، له معاملة مع الله
تعالى، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى حسام الدّين يوسف القراصوي الحنفي [2] أحد موالي الرّوم.
قرأ على علماء عصره، وخدم المولى عبد الكريم العربي [3] ، ثم درّس بعدة
مدارس، حتّى أعطي إحدى الثمان، ثم صار قاضيا بأدرنة، ثم بالقسطنطينية،
ثم أعيد إلى إحدى الثمان، وعيّن له كل يوم مائة عثماني إلى أن مات.
وكان سخي النّفس، حليما، طارحا للتكلّف، منصفا من نفسه.
__________
[1] وهي المعروفة بإستانبول الآن عاصمة الخلافة العثمانية.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) .
[3] لفظة «العربي» سقطت من «ط» .
(10/460)
سنة ثمان وخمسين
وتسعمائة
فيها كانت وقعة الجرب- بجيم وموحدة بينهما راء ساكنة-، وقعة مشهورة
باليمن حتّى صارت تاريخا عند أهل حضرموت، يقولون سنة وقعة الجرب.
وفيها توفي تقي الدّين أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي [1] الأصل الحلبي
الشافعي، المشهور بالزاهد، وهو سبط العالم، المفتي أبي بكر الخلّيصي.
كان شيخا، صالحا، منورا، زاهدا، ورعا، ذا تهجّد وبكاء، لا يراه أهل
محلّته إلّا أوقات الصلوات، وفي غيرها يتردّد إلى المقابر والمزارات.
وكان كثيرا ما يقصده الزّوار يسمعون ما يقرؤوه عليهم من «رياض
الصالحين» أو غيره [2] .
وتوفي بحلب.
وفيها حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي [3] العابد الصّوفي.
كان شيخا معمّرا، مهيبا، ذكر أن له من الأتباع نحو مائة ألف ما بين
خليفة ومريد.
وكان من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه
من كان خارج المسجد من غير منفذ من منافذه.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 371- 373) و «الكواكب السائرة» (2/
91) .
[2] في «ط» : «وغيره» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 560- 561) و «الكواكب السائرة» (2/
138) .
(10/461)
ودخل بلاد الشام حاجّا، فحجّ ورجع إلى دمشق
فأعجبته، فعمّر بها خانقاه للفقراء من ماله.
وكان متمولا جدا، حتّى عمّر عدة خوانق في بلاد عديدة، ثم عاد إلى حلب،
وأراد أن يعمّر بها عمارة فمرض بها.
وتوفي في عشري [1] شعبان، ودفن بها في تابوت، ثم نقل بعد أربعة أشهر
إلى دمشق ولم يتغير أصلا ودفن بها. قاله في «الكواكب» .
وفيها باقشير عبد الله بن محمد الشافعي اليمني الحضرمي [2] الفقيه ابن
الفقيه.
قال في «النور» : أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو بكر العيدروس،
والشيخ عبد الرحمن بن علي باعلوى، والشيخ عبد الله بن الحاج، وكان من
الأئمة المحقّقين، والعلماء العاملين، والفقهاء البارعين. له تصانيف
مفيدة، وحيد زمانه علما وعملا وزهدا وورعا، جمع بين معالم الشريعة
وسلوك الطريقة وعلوم الحقيقة.
ومن تصانيفه كتاب «قلائد الخرائد وفرائد الفوائد» في الفقه مجلد ضخم
نافع جدا، و «القول الموجز المبين» وكتاب «السعادة والخير في مناقب
السادة بني قشير» و «رسالة في الفرج» .
وله كرامات وأحوال.
وتوفي في شعبان ببلده قسم من أرض حضرموت، وقبره بها معروف يزار.
وفيها تاج الدّين عبد الوهاب بن شرف الدّين يونس بن عبد الوهاب
العيثاوي الشافعي [3] الإمام العلّامة، أخو الشيخ شهاب الدّين لأبيه.
ولد ليلة الأربعاء ثالث عشري رمضان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وقرأ
__________
[1] في «ط» : «في عشر» .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (249- 250) و «الأعلام» (4/ 128) و
«معجم المؤلفين» (6/ 117) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 187- 188) .
(10/462)
على والده، وحصل له بركة أشياخه، منهم
الشيخ تقي الدّين البلاطنسي، وابن أبي اللطف المقدسي، وأجازاه، وأجازه
بالمكاتبة مفتي بعلبك البهاء بن الفصي، واجتمع بالجمال الديروطي
وأجازه، وقرأ على آخرين، وسافر إلى حلب، فحضر دروس التاج العرضي،
واجتمع بقاضي قضاة العساكر المولى سنان بن حسام الدّين فعظّمه وأثنى
عليه، ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى، متأدبا، متواضعا، سليم الفطرة،
منور الطلعة.
أقرأ ودرّس في الفقه، والنحو، والتفسير، والحديث، وانتفع به الطلبة،
وولي تدريسا بالأموي وبمدرسة أبي عمر [1] ، وبالظاهرية.
وأمّ وخطب نيابة عن أبيه بالجامع الجديد خارج باب الفراديس.
وكان يودّ أن يموت قبل أبيه، فبلّغه الله أمنيته.
وتوفي نهار الأربعاء خامس عشري رجب عن سبع وثلاثين سنة وشهر وثمانية
وعشرين يوما [2] وخرجت روحه قائلا: الله الله الله [3] لا إله إلا
الله.
وفيها المولى محب الدّين، ويقال محبّ الله التّبريزي [4] الشافعي
الصّوفي المشهور، نزيل دمشق.
رحل من بلاده إلى بلاد الشام، وحجّ منها، وجاور، ثم عاد إليها، ومكث
بالتكية السّليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محيي الدّين بن عربي،
واعتقاده، وكثرة تعلقه بكلامه، وحلّه، وتشديد النكير على من ينكر عليه،
وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره.
وكان يجمع إلى تفسير الآية تأويلها على طريقة القوم، ويورد على تأويلها
ما يحضره من كلام المسنوي.
وتوفي بدمشق. قاله في «الكواكب» .
__________
[1] يعني في صالحية دمشق.
[2] في «ط» : «وثمانية عشر يوما» .
[3] لفظ الجلالة المكرر لم يرد في «الكواكب السائرة» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 246) .
(10/463)
وفيها أبو الفتح محمد بن صالح الكيلاني
الشافعي [1] الإمام العلّامة، خطيب المدينة المنورة وإمامها.
قدم دمشق وحلب، واجتمع بعلمائها، وشهدوا له بالفضل والتقدم.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها قطب الدّين محمد بن عبد الرحمن الصّفّوري ثم الصّالحي [2]
الشافعي، الإمام الفاضل.
قال الشيخ يونس العيثاوي: أخذ عن والده، والجلال السّيوطي، وغيرهما.
وكان له وعظ حسن، وخطبة بليغة، وهو من بيت علم وصلاح ودين.
توفي تاسع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون.
وفيها السيد جمال الدّين يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي
[3] الإمام العلّامة، تلميذ الجلال السيوطي وغيره، وأخذ عنه العلّامة
منلا علي الشهرزوري نزيل دمشق وغيره.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 336) و «الكواكب السائرة» (2/ 37) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41- 42) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 261- 262) .
(10/464)
سنة تسع وخمسين
وتسعمائة
فيها كان ترميم عمارة البيت الشريف- زاده الله تعظيما- وأرّخ ذلك الشيخ
عبد العزيز الزّمزمي فقال:
وقد أتى تاريخ ترميمه ... (رمّم بيت الله سلطاننا) [1]
وفيها توفي برهان الدّين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن
قاضي القضاة زين الدّين عبد الرحمن الحلبي الحنفي، الشهير بابن الحنبلي
[2] وهو والد الشيخ شمس الدّين بن الحنبلي المؤرّخ المشهور، وسبط قاضي
القضاة أثير الدّين بن الشّحنة.
قال ولده في «درّ الحبب» : ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة، واشتغل
بها في الصرف، والنحو، والعروض، والمنطق، على العلاء بن الدمشقي
المجاور بجامع المهمندار، وعلى الفخر عثمان الكردي، والزّين بن فخر
النساء، وغيرهم، وجوّد الخطّ على الشيخ أحمد [بن] أخي الفخر المذكور،
وألمّ بوضع الأوفاق العديدة، وتعلق بأذيال القواعد الرّملية والفوائد
الجفرية، وأجازه البرهان الرّهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية، بعد
أن سمعه منه بشرطه، وجميع ما تجوز له وعنه روايته، ثم ذكر أنه استجيز
له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين، كالمحب بن الشّحنة،
والقاضي زكريا، وغيرهما، وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف ما اختصره
من رسالة القشيري، وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ
__________
[1] مجموعة في حساب الجمّل (959) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 50- 61) و «الكواكب السائرة» (2/ 81)
و «معجم المؤلفين» (1/ 130) .
(10/465)
عبد الرزاق الكيلاني الحموي. قال: ثم
لبستها أنا من يده، وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصا باديا نصفه الأعلى
من ضريح وهو يقول له: إذا وقعت في شدّة فقل: يا خضير يا خضير.
وأنه كان إذا حزبه أمر قال ذلك ففرّج عنه.
وذكر من تأليفه كتابه المسمى «ثمرات البستان وزهرات الأغصان» و «السلسل
الرائق المنتخب من الفائق» وكتابا انتخبه من «آداب الرئاسة» سمّاه
«مصابيح أرباب الرئاسة ومفاتيح أبواب الكياسة» وغير ذلك، وأنه توفي
ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة.
وفيها زين الدّين زكريا المصري [1] العلّامة الشافعي، حفيد شيخ الإسلام
القاضي زكريا الأنصاري.
أخذ العلم عن جدّه المذكور، والبرهان بن أبي شريف، والشيخ عبد الحقّ،
والكمال الطويل، ولبس خرقة التصوف من جدّه، ومن سيدي علي المرصفي،
وغيرهما.
وكان جدّه يحبه محبّة عظيمة.
وكان ذكيا، فطنا، خاشعا، أفتى، ودرّس.
قال الشعراوي: سافرت معه إلى مكّة سنة سبع وأربعين وهو قاضي المحمل،
فكان يقضي بالنهار ولا يملّ من الطوال بالليل، كثير الصّدقة والافتقاد
لفقراء الركب.
وتوفي في شوال بالقاهرة، ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب.
وفيها عثمان بن عمر الشيخ المعمّر الحلبي الشافعي، المعروف بابن شيء
لله [2] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 145) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 887- 888) و «الكواكب السائرة» (2/
190) .
(10/466)
حفظ القرآن العظيم، وتفقّه على الفخري
عثمان الكردي، والبرهاني فقيه اليشبكية، وحجّ، وانتفع به الطلبة.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمد بن حسن الدمشقي [1] المعروف بابن الشيخ
حسن.
كان من أهل الفضل والعلم والصلاح، وكان خطيبا بجامع الأفرم، وأخذ عن
جماعة، منهم البدر الغزّي، حضر دروسه بالشامية وغيرها كثيرا.
وفيها نجم الدّين محمد بن محمد بن عبيد [2] الشيخ الفاضل الصّالح
الواعظ، ابن الشيخ الصّالح المقرئ المجيد الضرير، إمام مسجد الباشورة.
توفي يوم الجمعة بعد العصر سادس عشري القعدة.
وفيها قاضي القضاة نظام الدّين أبو المكارم يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن
الحلبي التّادفي الحنبلي القادري [3] سبط الأثير بن الشّحنة، وهو عمّ
ابن الحنبلي شقيق والده.
ولد سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وتفقه على أبيه [4] وبعض المصريين،
وأجاز له باستدعاء من أبيه [4] وأخيه جماعة من المصريين، منهم المحبّ
بن الشّحنة، والقاضي زكريا، والبرهان القلقشندي، والدّيمي، والخيضري،
وغيرهم، وقرأ بمصر على المحبّ بن الشّحنة، والجمال بن شاهين سبط بن حجر
جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين، ثم لما عاد والده إلى حلب متوليا
قضاء الحنابلة ناب عنه فيه وسنّه دون العشرين، فلما توفي والده أوائل
سنة تسعمائة استقلّ بالقضاء بعده، وبقي إلى أن انصرمت دولة الجراكسة،
وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب، ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق، وبقي بها مدة،
ثم استوطن مصر. وولي
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 10) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 548- 554) و «الكواكب السائرة» (2/
260) و «الأعلام» (8/ 187) .
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(10/467)
بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية
وغيرها، وحجّ منها وجاور، ثم عاد إلى حكمه.
وكان لطيف المعاشرة، حسن الملتقى، حلو العبارة، جميل المذاكرة، يتلو
القرآن العظيم بصوت حسن ونغمة طيبة، وتوفي بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
(10/468)
سنة ستين وتسعمائة
فيها وقع عمارة ميزاب الرّحمة من البيت الشريف، وقال في ذلك أبو بكر
اليتيم المكّي مؤرخا:
يا أيّها المولى الجليل ومن له ال ... مجد الأثيل الفائق المرّيخا
ميزاب بيت الله جدّد فاقتبس ... نا (رحمة من ربّك) [1] التّاريخا
وفيها توفي الأمير برهان الدّين إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين
الذكرى المقدسي الفقيه الحنفي [2] .
قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة ست وأربعين واردا من بغداد لتيمار كان له
بها، وكان لطيف المذاكرة، حسن المحاضرة، اشتغل بالعربية وغيرها، وتعاطى
الأدب، وله منظومة في النحو سمّاها «البرهانية» وقرض عليها سيدي محمد
بن الشيخ علوان وغيره، ووضع رسالة في الصّيد وما يتعلق بالخيل برسم
وزير السلطنة السليمانية وقدمها إليه بالرّوم.
ومن شعره:
قال الفؤاد مقالات يوبّخني ... لما رآني على طول من الأمل
أن ليس تنفع أقوال تقرّرها ... ما لم تكن عاملا بالفعل يا ابن ولي
عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد ففقد في الطريق في هذه السنة.
__________
[1] حسابها بالجمّل (960) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 33- 39) و «الكواكب السائرة» (2/ 81)
و «الأعلام» (1/ 78) و «معجم المؤلفين» (1/ 124) .
(10/469)
وفيها إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي
البياني الخاتوني ثم الحلبي الشافعي [1] .
قال ابن الحنبلي: فقيه، صوفيّ، سليم الصدر، معمر، اجتمع بالسيد علي بن
ميمون بعد أن رآه في المنام، فألبسه ثوبا أبيض. قال: وكان مغرما
بالكيميا.
توفي بحلب ودفن خارج باب قنسرين.
وفيها تقي الدّين أبو بكر بن شيخ الإسلام شمس الدّين محمد بن أبي اللطف
المقدسي [2] الشافعي الإمام العلّامة.
أخذ عن والده وغيره، وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق، فقرأ على البدر
الغزّي جميع «شرح جمع الجوامع» للمحلّي، ثم برع صاحب الترجمة في فنون
من العلم، خصوصا الأصول، حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي.
وسكن دمشق آخرا، وتزوج بها، وتوفي بها في هذه السنة تقريبا.
وفيها زين الدّين رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري الحموي
الشافعي، الشهير بالعزازي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : وهو جدّ صاحبنا العلّامة تاج الدّين القطّان النحوي
الشافعي لأبيه.
أخذ عن البازلي الكردي الحموي، وبمصر عن العلّامة عبد الحقّ السنباطي،
وتفقه به وبالشمس النّشيلي، والشّهاب الرّملي، وغيرهم، ثم دخل دمشق،
فقرأ على شيخ الإسلام الوالد، واعتنى بجمع المهم من فتاواه، فجمع منها
ثلاث مجلدات، ثم عاد إلى بلده حماة مستقرا، مفتيا، مدرّسا.
وكان مخلصا في محبة الوالد ومصافاته، ووصفه شيخ الإسلام الوالد بالفضل
والصّلاح.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 44- 45) و «الكواكب السائرة» (2/ 82)
.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 93) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 625- 626) و «الكواكب السائرة» (2/
143- 144) .
(10/470)
وفي «تاريخ ابن الحنبلي» أنه مرّ بحلب سنة
إحدى وخمسين متوجها إلى إسلام بول [1] لعزله عن عصرونية حماة، وأنه
أنشده للبهاء الفصي البعلي الشافعي:
إن صار [2] عبدك حيث شئت تواضعا ... لجلال قدرك ما تعدّى الواجبا
فلئن تأخّر كان خلفك خادما ... ولئن تقدّم كان دونك حاجبا
ثم توجه إليها [3] مرة أخرى، فتوفي بالقسطنطينية في المحرم، ودفن
بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه.
وفيها عبد القادر السّبكي المصري المجذوب [4] .
قال في «الكواكب» : كان مجذوبا، ثم أفاق في آخر عمره، وصار يصلّي ويقرأ
كل يوم ختمة، مع بقاء أحواله من الكشف. ورؤي وهو راكب حمارته يسوقها
على الماء أيام وفاء النيل.
وكان يخدم الأرامل ويشتري لهم الحوائج، ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد
من زيت، وشيرج، وعسل، وربّ، وغير ذلك، ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير
اختلاط.
وكان تارة يلبس زي الجند، وتارة زي الريافة، وتارة زي الفقراء، وكان
يعطب من ينكر عليه.
مات في جمادى الآخرة انتهى.
وفيها الشريف الفاضل جمال الدّين محمد بن علي بن علوي خرد باعلوى [5]
صاحب كتاب «غرر البهاء» . قاله في «النور» .
__________
[1] يعني إستانبول.
[2] في «آ» : «إن سار» .
[3] في «ط» : «إليه» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 176) و «الطبقات الكبرى» للشعراني
(2/ 184- 185) .
[5] ترجمته في «النور السافر» ص (252) و «الأعلام» (6/ 92) و «معجم
المؤلفين» (11/ 29) .
(10/471)
وفيها الأمير نجم الدّين محمد بن محمد
القرشي الدمشقي [1] .
كان فاضلا، يقرأ القرآن، ويبكي عند التّلاوة، وكان بينه وبين الشيخ
علاء الدّين بن عماد الدّين الشافعي مودّة ومحبّة.
مات في هذه السنة أو التي بعدها.
ومات بعده ولده الأمير شمس الدّين محمد [2] بتسعة أشهر، وهو والد محمد
جلبي القرمشي، رحمهم الله تعالى.
وفيها- تقريبا- نجم الدّين محمد الماتاني الحنبلي الإمام العالم الفقيه
المحدّث الصّالحي [3] .
أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزّي وغيره، وتفقه بفقهاء الشاميين،
وكان ينسخ بخطّه كثيرا، وكتب نسخا كثيرة من «الإقناع» .
وفيها شرف الدّين أبو النّجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن
سالم الحجّاوي المقدسي ثم الصّالحي الحنبلي [4] الإمام العلّامة، مفتي
الحنابلة بدمشق، وشيخ الإسلام بها.
كان إماما، بارعا، أصوليا، فقيها، محدّثا، ورعا، من تأليفه كتاب
«الإقناع» جرّد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد، لم يؤلّف أحد مؤلّفا
مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل، ومنها «شرح المفردات» و «شرح
منظومة الآداب» لابن مفلح، وزاد «المستقنع في اختصار المقنع» و «حاشية
على الفروع» وغير ذلك.
وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ودفن بأسفل الروضة
تجاه قبر المنقح من جهة الغرب يفصل بينهما الطريق.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 20) .
[3] ترجمته في «السحب الوابلة» ص (461- 462) .
[4] ترجمته في «ذخائر القصر» الورقة (150/ ب- 106/ آ) و «السحب
الوابلة» ص (472- 473) و «النعت الأكمل» ص (124- 126) ومختصر طبقات
الحنابلة» للشطي ص (93- 94) و «الأعلام» (7/ 320) و «معجم المؤلفين»
(13/ 34- 35) .
(10/472)
وفيها محيي الدّين يحيى الذاكر الشيخ
الصالح [1] .
قال في «الكواكب» : هو أحد أصحاب الشيخ تاج الدّين الذاكر الذين أذن
لهم في افتتاح الذكر.
كان معتزلا عن الناس، ذاكرا، خاشعا، عابدا، صائما أقبل عليه أمراء
الدولة إقبالا عظيما، ثم تظاهر بمحبّة الدنيا والتجارة فيها طلبا
للسّتر، حتى اعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدّنيا مثلهم.
قال الشعراوي: قال لي مرات: ما بقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال
القوم. قال: وقد عوضني الله تعالى بدل ذلك مجالسته سبحانه في حال
تلاوتي كلامه، ومجالسة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم في حال قراءتي
لحديثه، فلا تكاد تراه إلّا وهو يقرأ القرآن والحديث.
قال: وأخبرني أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم أذن له- يعني في
المنام [2]- أن يربّي المريدين، ويلّقن الذكر. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 260- 261) .
[2] قلت: لا تؤخذ الأحكام من المنامات إن صحّت الرؤيا فكيف إن لم تصح،
وما هذه إلا شطحة من شطحات الصوفية وما أكثرها في الزمن الغابر والزمن
الحاضر.
(10/473)
|