شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وستين وتسعمائة
قال في «النور» [1] في ليلة ثلاثة عشر من ربيعها الأول قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات شهيدا، وسببه أن بعض خدمه سوّلت له نفسه قتله، فدبّر الحيلة، وواطأ بعض الوزراء والحرس، فقيل: دسّ له سمّا في شرابه أو في [2] حلواه، فشكا السلطان عقب تناوله حرارة عظيمة اشتعلت بباطنه، فاستغاث، فقيل: بل له سكرا نباتا، ودسّ له سمّا ليعجّل موته قبل أن يشعر به، وقيل: بل طلب السلطان الطبيب، فبادر ذلك الشقيّ وذبح السلطان والطبيب، ولم يشعر أحد، ثم أرسل رسل السلطان المعتادين إلى وزرائه وطلبوهم على لسان السلطان، فقدم كلّ على انفراده من غير شعور له بشيء، فكل من دخل من الوزراء قتلوه، فلما كثر القتل وقع الإحساس ببعض ما جرى. انتهى وفيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشّمّاع الحلبي الشافعي، الشهير بابن الطّويل [3] العالم الزاهد.
قرأ في سنة سبع عشرة وتسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن فهد المكّي شيئا من كتب الحديث، وسمع عليه غالب «البخاري» وأجاز له، وألبسه خرقة التصوف.
وكان شيخا، صالحا، حسن السمت، يميل إلى كلام القوم، وكتب الوعظ، وكان يأكل الخبز اليابس منقوعا بالماء، وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء،
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (252) .
[2] في «ط» : «وفي» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 179- 180) و «الكواكب السائرة» (2/ 101) .

(10/474)


وترك أكل قوت حلب قدر ست عشر سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه.
وفيها السيد أحمد بن أبي نمي [1] صاحب مكة.
قال في «النور» : وهو الذي داس بساط سلطان الرّوم سليمان ولم يدس غيره من سلاطين مكة، وشوكته استقوت في حياة أبيه، وحكاياته مشهورة. انتهى وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني [2] .
قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان.
وفيها برهان نظام شاه [3] سلطان الدّكن.
وفيها سليم شاه بن شير شاه [4] .
قال في «النور» : فهؤلاء خمسة سلاطين، أي محمود شاه، وابن أبي نمي، وهؤلاء الثلاثة اتفق موتهم في هذه السنة، فقال بعضهم مؤرّخا لذلك زوال خسروان [5] . انتهى وفيها بشر المصري الحنفي [6] الإمام العلّامة الصّالح.
أخذ العلم عن البرهان، والنّور الطرابلسيين، وعن شيخ الإسلام عبد البرّ بن الشّحنة، وأجازه بالإفتاء والتدريس، فدرّس وأفتى، وانتفع به خلائق، وغلب عليه، في آخره محبّة الخفاء والخمول، وعدم التردّد إلى الناس، وناب في القضاء مدة، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة، وكان يديم الصّيام والقيام، رحمه الله تعالى.
وفيها حسن الدنجاوي [7] .
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (253) و «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ص (247) .
[3] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .
[5] أي سنة (961) في حساب الجمّل.
[6] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 128) .
[7] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 138) .

(10/475)


ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر.
وتوفي في جمادى الأولى.
وفيها- تقريبا- سليمان الخضيريّ المصري الشافعي [1] الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى.
أخذ العلم عن الجلال السيوطي، والقطب الأوجاقي، وأخذ الطريق عن الشّهاب المرحومي، وأذن له أن يربّي المريدين ويلقّنهم الذّكر، فتلمذ له خلائق لا يحصون.
وكان زاهدا، ديّنا، لا ينتقص أحدا من أقرانه، ويقول: لا يتعرض لنقائص الناس إلّا كل ناقص.
قال الشعراوي: أدركت الأشياخ وهم يضربون به وبجماعته المثل في الاجتهاد في العبادات.
وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون، كسيدي محمد بن عنان، وسيدي علي المرصفي، وسيدي محمد المنزلاوي، وغيرهم، وكانوا يحبّونه، وغلب عليه في آخر عمره الخفاء لعلو مقامه.
وكان له مكاشفات وكرامات.
قال الشعراوي: أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة، أن عمره مائة سنة وثمان سنين. انتهى وفيها زين الدّين عبد الرحمن الأجهوري [2] المالكي الشيخ الإمام العلّامة، الزاهد الخاشع، مفتي المسلمين.
تلا على الشّهاب القسطلاني للأربعة عشر، وحضر عليه قراءة كتابه «المواهب اللدنية» وأخذ الفقه وغيره عن شمس الدّين اللقاني، وعن أخيه ناصر
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 160) .

(10/476)


الدّين، وغيرهما، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فأفتى ودرّس، وصنّف كتبا نافعة، منها «شرح مختصر الشيخ خليل» وسارت الرّكبان. بمصنّفاته، حتّى إلى المغرب والتّكرور، وكان الشيخ ناصر الدّين اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة إتقانه وحفظه للنقول.
وكان كريم النّفس، قليل الكلام واللغو، حافظا لجوارحه، كثير التّلاوة والتهجد.
قال الشعراوي: لما مرض دخلت إليه فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت، فدخل عليه شخص بسؤال، فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة.
وكان كلما مرّ على موضع قبره يقول: أأنا أحب هذه البقعة، فدفن بها، وقبره ظاهر يزار.
وفيها علي البرلسي المجذوب المصري [1] .
قال في «الكواكب» : كان نحيف البدن، يكاد يحمله الطفل. وكان يتردّد بين مدينة قليوب ومصر، لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب ورجوعه إلى مصر.
وكان من أصحاب الخطوة، وكثيرا ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة وهو نائم تحت الجيزة [2] بقليوب فيدخل مصر فيجده ماشيا أمامه وكان كثيرا ما يغلقون عليه الباب فيجدونه خارج الدار. قالوا [3] : وما رؤي قط في معدية، إنما يرونه في ذلك البرّ وهذا البرّ، وربما رأوه في البرلس، وفي دسوق، وفي طندتا، وفي مصر في ساعة واحدة، وهذه صفة الأبدال. وأما رؤيته بعرفة كل سنة فكثير.
توفي في ربيع الأول، ودفن في زاويته المرتفعة داخل باب الشعرية.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 223) و «الطبقات الكبرى» للشعراني (2/ 187) .
[2] كذا في «آ» و «الكواكب السائرة» : «تحت الجيزة» وفي «ط» : «الجميزة» .
[3] في «ط» : «قال» .

(10/477)


وفيها شمس الدّين محمد بن سيف [1] الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي [2] الإمام العلّامة إمام عمارة محمود باشا.
أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب، ثم توطن القسطنطينية حتّى مات.
وكان حسن السّمت والملبس.
وكان يعظ المواعظ الحسنة، وله حظوة تامة عند أكابر الدولة.
وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمّالا.
__________
[1] في «آ» و «ط» و «إعلام النبلاء» : «ابن يوسف» والتصحيح من «درّ الحبب» و «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 90- 91) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) و «إعلام النبلاء» (6/ 21- 22) .

(10/478)


سنة اثنتين وستين وتسعمائة
فيها توفي قاضي قضاة الشافعية بمكّة المشرّفة برهان الدّين إبراهيم بن ظهيرة [1] .
ميلاده سنة خمس عشرة وتسعمائة، وتوفي في هذه السنة كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» .
وفيها توفي [2] أبو الفتح السّبستري ثم التّبريزي الشافعي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة المحقّق المدقّق الفهّامة.
انتفع به الطلبة، وهرعوا إليه، ورغبوا فيما عنده.
وكان ذا علم جزل، وأخلاق حسنة، وآداب جميلة.
أخذ عنه النجم البهنسي، والشيخ إسماعيل النابلسي، والشيخ عماد الدّين، والشمس المنقاري، والمنلا أسد، والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور، وغيرهم.
وكان له خلوة في السميساطية، يدرّس العلوم فيها.
وتوفي بالصالحية شهيدا بالطّاعون في هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون.
وفيها حامد بن محمود [4] نزيل مكّة المشرّفة، الإمام الهمام العلّامة.
__________
[1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وقد مرّت ترجمة مؤلّفه في المجلد التاسع ص (509- 510) .
[2] لفظة «توفي» لم ترد في «ط» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 94) .
[4] ترجمته في «النور السافر» ص (253) .

(10/479)


قال في «النور» : كان إليه النهاية في العلم والعبادة، ورثاه الشيخ عبد العزيز الزمزمي بقصيدة طنّانة مطلعها:
أيّها الغافل الغبي تنبّه ... إن بالنّوم يقظة النّاس أشبه
ومنها:
قد مضى حامد حميدا فما لي ... بعده في الحياة والعيش رغبه
صاحبي من قريب خمسين عاما ... ما تراءيت في محياه غضبه
ومنها:
من جميع العلوم حاز فنونا ... فتسامى بها لأرفع رتبه
وهي طويلة جيدة. انتهى وفيها عبد الله بن عبد الرحمن بن أصفهان الكردي الشافعي [1] المنسوب إلى بزين- بالموحدة والتصغير قبيلة من الأكراد-.
قرأ في الصّرف وغيره على أبيه الفقيه المحرّر عبد الرحمن، والنحو على مولانا حسين العمادي المقيم بسمرقند، والمنطق على منلا نصير الأستراباذي، والكلام على منلا على الكردي الحوزي- بحاء مهملة وواو ساكنة وزاي-.
ومن سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة.
قال ابن الحنبلي: وكان فاضلا، ذكيا، كتب بخطّه «تفسير منلا عبد الرحمن الجامي» وطالعه.
وتوفي ببلد القصير مطعونا في هذه السنة.
وفيها عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري [2] أحد شعراء مصر.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 726- 727) و «الكواكب السائرة» (2/ 155) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 157) .

(10/480)


قال في «الكواكب» : قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدّين العسيلي، ونزلا [1] بالمدرسة الشرفية.
وكان حسن الشعر، لطيف الطّباع.
مات بالقاهرة. انتهى وفيها شرف الدّين عبد القادر بن محمد بن محمد [2] بن قاضي سراسيق الصّهيوني [2] ثم [2] الطرابلسي [2] ثم [2] الدمشقي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
قال في «الكواكب» : أخذ عن شيخ الإسلام الوالد. قرأ عليه في «البهجة» جانبا صالحا، وفي «صحيح مسلم» وفي «الأذكار» وغير ذلك. وولي إعادة الشامية البرّانية بدمشق، وقدم حلب في حياة الشّهاب الهندي، فقرأ عليه في «شرح الشمسية» للقطب، وسمع عليه في غيره، ثم عاد إلى طرابلس، فدرّس بجامع العطّار، وانتفع به الطلبة.
وكان الثناء عليه جميلا في الدّيانة وحسن الخلق، إلّا أنه كان ينكر على ابن العربي.
وتوفي بطرابلس. انتهى ملخصا وفيها شرف الدّين أبو حمزة عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي الأصل الحجازي الحنبلي ثم الحنفي [4] القاضي الفاضل المفنّن، أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق.
ولد بمجدل مغوش سنة عشرين وتسعمائة.
وكان فاضلا، لبيبا، أديبا، حسن المحاضرة، مأنوس المعاشرة، دخل بلاد الشام مرات، وتولى قضاء زبيد باليمن، وله مؤلّف سمّاه «بيان ما تحصّل في جواب
__________
[1] في «ط» : «ونزل» وهو خطأ.
[2] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 836- 837) و «الكواكب السائرة» (2/ 172) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 184- 185) و «معجم المؤلفين» (6/ 199) .

(10/481)


أي المسجدين أفضل» أهو القائم بالعبادة المعمور، أم الداثر العادي المهجور.
وله شعر حسن منه:
إن الغرام حديثه لي سنّة ... مذ صحّ أني فيه غير مدافع
يا حائزا لمنافعي ومملكا ... رقّي تهنّ برقّ عبد النّافع
ومنه:
ورشيق مليح قدّ وصوره ... قال: إن القلوب لي مأموره
رام كشفا لما حوته ضلوعي ... قلت: بالله خلّها مستوره
ومنه:
يا ربّ أثقلني ذنب أقارفه ... فهل سبيل إلى الإقلاع عن سببه
وأنت تعلمه فاغفره لي كرما ... وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه
توفي بمكة المشرّفة، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين أبو اليسر محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي [1] المقرئ الخير.
سمع على ابن النّاسخ كأخيه بقراءة أبيه ولا أجاز له، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي، ثم الشيخ تقي الدّين الأرمنازي، وكانت له معرفة جيدة بالطب.
وكان صالحا، متواضعا، أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه، وربما حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته.
توفي مطعونا ودفن عنده والده.
وفيها شمس الدّين أبو الطيب محمد بن محمد بن علي الحسّاني [2] ،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 266- 267) و «الكواكب السائرة» (2/ 9) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 268- 274) و «الكواكب السائرة» (2/ 10) و «معجم المؤلفين» (11/ 245) .

(10/482)


الغماري الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة، المالكي، عرف بابن الأزهري.
كان كثير الفضائل، حسن المحاضرة، صوفي المشرب، له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو، وله نثر ونظم، منه أرجوزة سمّاها «لوامع تنوير المقام في جوامع تفسير المنام» .
دخل بلاد الشام قاصدا الرّوم، فدخل دمشق وحلب، واجتمع فيها بابن الحنبلي، فأخذ كل منهما عن الآخر، وأجاز كل منهما الآخر.
وتوفي بالمدينة المنورة.
وفيها نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي [1] الفقيه ابن الفقيه.
درّس بالعصرونية بحلب، وكان ذكيا، فاضلا، صالحا، متواضعا، ساكنا، ملازما على الصلوات في الجماعة، حسن العبارة باللسان العربي.
توفي مطعونا في هذه السنة، رحمه الله.
وفيها السلطان همايون بن بابور [2] .
وكان سبب موته سقوطه من سقف، فقال مؤرخ وفاته بالفارسي: همايون بادشاه از بام افتاد. قاله في «النور» .
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 521- 522) و «الكواكب السائرة» (2/ 255) و «معجم المؤلفين» (13/ 98) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (255) .

(10/483)


سنة ثلاث وستين وتسعمائة
فيها توفي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد، المعروف بابن سعد الدّين الشامي القبيباتي الجبائي [1] الصّالح القدوة، العارف بالله تعالى، شيخ بني سعد الدّين بدمشق.
قال في «الكواكب» : كان له أوقات يقيم فيها الذكر والسّماع، ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة، وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة، وكان له سخاء وقرى للواردين على عادتهم.
وتوفي يوم الجمعة من شهر شعبان، ودفن بتربة الشيخ تقي الحصني خارج باب الله وخلفه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدّين.
وفيها- تقريبا- شهاب الدّين أحمد بن حسين بن حسن بن عمري البيري الأصل الحلبي الشافعي [2] العلّامة الصّوفي.
ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، ولقّنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدّين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة، وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين الشيخ عبد الله الأدهمي، وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة، ولا يلبس الملبس الحسن.
قال في «الكواكب» : ذكره شيخ الإسلام الوالد في «فهرست تلاميذه» وأثنى عليه كثيرا، وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق، وقرأ عليه مدة في
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 103) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 221- 223) و «الكواكب السائرة» (2/ 104- 105) .

(10/484)


الفقه، والنحو، والأصول، والحديث شيئا كثيرا، وكتب له إجازة حافلة بما قرأه، وبالإذن بالإفتاء والتدريس. انتهى ملخصا وفيها شهاب الدّين أحمد بن الشيخ مركز [1] الإمام العالم العامل.
قرأ في العربية، والتفسير، والحديث، على والده، واشتغل بالوعظ والتذكير، فانتفع الناس به، وله رسائل في بعض المسائل. قاله في «الكواكب» .
وفيها صدر الدّين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدّين بن عربشاه [2] الشافعي، ولد منلا عصام البخاري، المشهور ب «الحواشي على شرح الكافية» للجامي.
قدم حلب سنة ثمان وأربعين، وقرأ شيئا من «البخاري» على شيخ الشيوخ الموفق بن أبي بكر، وأجاز له، وظهر له فضل حسن.
وتوفي بين الحرمين الشريفين وهو ذاهب من المدينة إلى مكّة.
وفيها أقضى القضاة سعد الدّين الأنصاري ابن القاضي علاء الدّين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الدمشقي [3] .
قال ابن طولون: لازم شيخنا العلاء المرحّل في قراءة «قطر الندى» و «الوافية» و «عروض الأندلسي» وغير ذلك، واشتغل على الجلال النّصيبي وغيره، وعني بالأدب، وتولّع ب «مقامات الحريري» فحفظ غالبها، وخطّ الخط الحسن، وأخذ في صنعة الشهادة، وناب في القضاء بأنطاكية فلم يشك منه أحد، وتزّوج، ثم ترك التزوج، مع الدّيانة والصّيانة.
ومن شعره:
نظري إلى الأعيان قد أعياني ... وتطلّبي الأدوان قد أدواني
من كل إنسان إذا عاينته ... لم تلق إلّا صورة الإنسان
انتهى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 318- 320) و «الكواكب السائرة» (2/ 122) .
[3] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 657- 660) و «الكواكب السائرة» (2/ 146- 147) .

(10/485)


وكان فاضلا، ناظما، ناثرا، يعرف باللسان التركي والفارسي.
وكان ساكنا في خلوة بالسميساطية، فأصبح مخنوقا ملقى على باب الخانقاة المذكورة يوم السبت ختام صفر، ودفن بباب الفراديس.
وفيها بدر الدّين أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد السيد الشريف العبّاسي الشافعي القاهري ثم الإسلامبولي [1] .
ولد في سحر يوم السبت رابع عشري شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة، وأخذ العلم بها عن علمائها، فأول مشايخه الشمس النشائي، وأخذ عن محيي الدّين الكافيجي، وأمين الدين الأقصرائي، والمحب بن الشّحنة، والشرف [2] بن عيد، والبرهان اللقاني، والسّراج العبادي، والشمس الجوجري، والجلال البكري، والشمس بن قاسم، والفخر الدّيمي، والبرهان بن ظهيرة، والمحب بن الغرس [3] البصروي.
وسمع «صحيح البخاري» على المسندين: العزّ الصحراوي، وعبد الحميد الحرستاني بالأزهر، وقرأه على البدر بن نبهان، ثم لازم آخرا الرّضي الغزّي.
قال في «الشقائق» : كانت له يد طولى، وسند عال في علم الحديث، ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد.
وكان له إنشاء بليغ، ونظم حسن، وخط مليح.
وبالجملة كان من مفردات العالم، صاحب خلق عظيم، وبشاشة، ووجه بسّام، لطيف المحاورة، عجيب النادرة، متواضعا، متخشعا، أديبا، لبيبا، يبجّل الصغير ويوقّر الكبير، كريم الطبع، سخي النفس، مباركا، مقبولا. انتهى باختصار
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (246- 247) و «الكواكب السائرة» (2/ 161- 162) و «معجم المؤلفين» (5/ 205- 206) .
[2] في «ط» : «والشريف» وهو خطأ.
[3] في «ط» : «ابن الفرس» وهو خطأ.

(10/486)


وأتى إلى القسطنطينية في زمن السلطان با يزيد ومعه شرح له على «البخاري» أهداه إلى السلطان، فأعطاه بايزيد جائزة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرئ فيها الحديث فلم يرض، ورغب في الذهاب إلى الوطن، ثم لما انقرضت دولة الغوري أتى القسطنطينية وأقام بها، وعيّن له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد.
ومن مؤلفاته «شرح البخاري» شرحه في القاهرة، وآخر مبسوط ألّفه بالرّوم، والظاهر أنه لم يتم، وشرح على «مقامات الحريري» حافل جدا، وقطعة على «الإرشاد» في فقه الشافعي، وشرح على «الخزرجية» في علم العروض، وشرح على «شواهد التلخيص» واختصره في مختصر لطيف جدا.
ومن شعره:
إن رمت أن تسبر طبع امرئ ... فاعتبر الأقوال ثم الفعال
فإن تجدها حسنت مخبرا ... من حسن الوجه فذاك الكمال
ومنه:
حال المقلّ ناطق ... عمّا خفي من عيبه
فإن رأيت عاريا ... فلا تسل عن ثوبه
ومنه:
يا من بنى داره لدنيا ... عاد بها الربح منه خسرا
لسان أقوالها ينادي ... عمّرت دارا لهدم أخرى
ومنه:
دع الهوى واعزم على ... فعل التّقى ولا تبل
فآفة الرأي الهوى ... وآفة العجز الكسل
ومنه:
أرعشني الدّهر أي رعش ... والدّهر ذو قوة وبطش

(10/487)


قد كنت أمشي ولست أعيا ... والآن أعيا ولست أمشي
وتوفي- رحمه الله تعالى- في هذه السنة.
وفيها- تقريبا- عزّ الدّين عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكّي الزّمزمي الشافعي [1] الإمام العالم المفنّن.
ولد سنة تسعمائة، ودخل بلاد الشام مارا بها إلى الرّوم سنة اثنتين وخمسين، وله مؤلفان سمّى أحدهما ب «الفتح المبين» والثاني ب «فيض الجود على حديث شيّبتني هود» .
ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه:
وقال الغواني ما بقي فيه فضلة ... لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخّ
وفي ظلّ دوح [2] المرخ مرخى غصونه ... فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي
قال في «الكواكب» : هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدّين محمد الزّمزمي.
أخذت عنه، واستجزت منه لنفسي ولولدي البدري والسعودي في سنة سبع وألف.
وتوفي سنة تسع وألف.
أخذ عن والده المذكور، وعن العلّامة شهاب الدّين بن حجر المكّي.
انتهى وفيها محيي الدّين عبد القادر بن أحمد القصيري [3] البكراوي شهرة الشافعي [4] .
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 170) و «معجم المؤلفين» (5/ 254) .
[2] في «آ» : «دمع» وقد سقطت اللفظة من «الكواكب السائرة» المطبوع فلتستدرك.
[3] تحرفت في «ط» إلى «القيصري» .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 837- 838) و «الكواكب السائرة» (2/ 174) .

(10/488)


تفقه بالسيد كمال الدّين بن حمزة، والبرهان العمادي الحلبي، وأخذ عن غيرهما أيضا.
وكان علّامة، عارفا بالفقه والفرائض والأصول، ولي مشيخة خانقاه أمّ الملك الصّالح بحلب، ودرّس بالفردوس، وولي تدريس الجامع الكبير بها.
وتوفي وهو يذكر اسم الله تعالى ذكرا متواليا، ودفن بمقابر الصّالحين بحلب.
وفيها سعد الدّين علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق [1] ولد سيدي محمد الفقيه المقرئ الشامي الحجازي الشافعي.
ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت، وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين، ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين، فعادت بركة الله تعالى عليه، وحفظ كتبا عديدة في فنون شتّى، وأخذ القراآت عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل معوش، وعن غيره، وكان ذا قدم راسخة في الفقه، والحديث، والقراآت، ومشاركة جيدة في غيرها، وله اشتغال في الفرائض، والحساب، والميقات، وقوة في نظم الأشعار الفائقة، واقتدار على نقد الشعر.
وكان ذا سكينة ووقار، لكنه أصم صمما فاحشا.
وولي خطابة المسجد النبوي، ودخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم.
قال ابن طولون: وعرض له الصّمم في البلاد الرّومية.
قال: وذكر لي أنه عمل شرحا على «صحيح مسلم» كصنيع القسطلاني على «صحيح البخاري» وشرع في شرح على «العباب» [2] في فقه الشافعية.
قال وسافر من دمشق في عوده من الرّوم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 1004- 1010) و «الكواكب السائرة» (2/ 197- 198) و «الأعلام» (5/ 12) و «معجم المؤلفين» (7/ 218) .
[2] قلت: «العباب» في فقه المذهب الشافعي، نظمه القاضي شهاب الدّين أبو العباس أحمد بن ناصر ابن الباعوني، المتوفى سنة (810 هـ) . انظر «كشف الظنون» (2/ 1122) .

(10/489)


ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين، ثم انصرف إلى مصر، وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن العربي ويبيت عنده، وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق، فكثرت من يومئذ حوانيتها.
قال: ومن العجب [1] أن والده كان ينكرها، وخرّب بيتها بمكة.
وتوفي المترجم بالمدينة المنورة وهو خطيبها وإمامها.
وفيها قاضي القضاة شمس الدّين محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التّبريزي الشافعي [2] ثم الحنفي، صدر تبريز، وأحد الموالي الرّومية، المعروف بشصلي أمير.
اشتغل على والده، وعلى منلا محمد البرلسي الشافعي، وغيرهما، ودرّس في حياة أبيه الدرس العام سنة ست عشرة، ثم دخل الرّوم، وترقّى في مدارسها، إلى أن وصل إلى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين، ثم قضاء دمشق، فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين، ووافق القطب بن سلطان، والشيخ يونس العيثاوي في القول بتحريم القهوة، ونادى بإبطالها، ثم عرض بإبطالها إلى السلطان سليمان، فورد أمره بإبطالها في شوال سنة ثلاث وخمسين، وأشهر النداء بذلك.
وكان عالما، فصيحا، حسن الخط.
قال ابن الحنبلي: وكان له ذؤابتان يخضبهما ولحيته بالسواد.
وذكر ابن طولون: أنه كان محمود السيرة، له حرمة زائدة.
وتوفي بالقسطنطينية.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي [3] الإمام العلّامة.
__________
[1] في «ط» : «ومن العجيب» وما جاء في «آ» موافق لما في «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 221- 225) و «الكواكب السائرة» (2/ 39- 40) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 41) و «الأعلام (6/ 195) و «معجم المؤلفين» (10/ 144) .

(10/490)


ولد خامس عشر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن جماعة، منهم البدر الغزّي، والشّهاب الرّملي، وغيرهما، وأجيز بالتدريس والإفتاء، وكان أحد المدرّسين بجامع الأزهر، وله حاشية حافلة على «الجامع الصغير» للحافظ السيوطي، وكتاب سمّاه «ملتقى البحرين» [1] .
وكان متضلعا من العلوم العقلية والنقلية، قوّالا بالحقّ، ناهيا عن المنكر، له توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وعمر عدة جوامع في بلاد الرّيف، رحمه الله تعالى.
وفيها محمد بن عبد القادر [2] أحد الموالي الرّومية.
أخذ عن جماعة منهم المولي محيي الدّين الفناري، وابن كمال باشا، والمولى حسام جلبي، والمولى نور الدّين، ثم خدم خير الدّين معلّم السلطان سليمان، ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان، ثم ولي قضاء مصر، ثم قضاء العساكر الأناضولية، ثم تقاعد بمائة عثماني لاختلال عرض له برجله منعه من مباشرة المناصب، ثم ضم له في تقاعده خمسون درهما.
وكان عارفا بالعلوم العقلية والنقلية، وله ثروة بنى دارا للقراء بالقسطنطينية، ودارا للتعليم في قرية قوملة [3] ، رحمه الله تعالى.
وفيها شمس الدّين محمد بن محمود الطّنّيخي المصري [4] الشافعي الإمام العلّامة المجمع على جلالته، إمام جامع الغمري.
__________
[1] ذكره حاجي خليفة في «كشف الظنون» (2/ 1816) وسمّاه: «ملتقى البحرين في الجمع بين كلام الشيخين» ولكنه اضطرب في سنة وفاة مؤلّفه فذكر أولا أنها كانت سنة (670) ثم ذكر بأنها كانت سنة (929 هـ) ، والصواب أن وفاته كانت سنة (963 هـ) كما في كتابنا.
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 43) و «الشقائق النعمانية» ص (289- 290) وقال عنه:
«المشتهر بالمعلول» .
[3] كذا في «آ» : قوملة» وفي «ط» : «قرملة» وفي «الشقائق النعمانية» : «قملة» وفي «الكواكب السائرة» : «قرمانة» وعلّق محققه بقوله: «كذا في الأصل» ، وفي «ج» : «قرمات» .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

(10/491)


أخذ عن الشيخ ناصر الدّين اللّقاني، والشّهاب الرّملي، والشمس الدواخلي، وأجازوه بالإفتاء والتدريس، وكان كريم النّفس، حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، زاهدا، خاشعا، سريع الدمعة، لم يزاحم قطّ على شيء من وظائف الدنيا، رحمه الله تعالى.
وفيها المولى محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي [1] أحد الموالي الرّومية، المعروف بابن الشيخ محمود.
خدم المولى سيدي القرماني، وصار معيدا لدرسه، وتنقّل في المدارس، ثم اختار القضاء، فولي عدة من البلاد، ثم عاد إلى التدريس، حتّى صار مدرّسا بإحدى الثمان، ثم أعطي قضاء القسطنطينية، ثم تقاعد بمائة عثماني إلى أن مات.
وكان عارفا بالعلوم الشرعية والعربية، له إنشاء بالتركية، والعربية، والفارسية، يكتب أنواع الخطّ، وله تعليقات على بعض الكتب.
وكان له أدب ووقار، ولا يذكر أحدا إلّا بخير، رحمه الله تعالى.
وفيها قاضي القضاة جلال الدّين أبو البركات محمد بن يحيى بن يوسف الرّبعي التّادفي الحلبي الحنبلي ثم الحنفي [2] .
ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وثمانمائة، وأخذ عن أحمد بن عمر البارزي، وأجاز له، وعن الشمس السّفيري، والشمس بن الدّهن المقرئ بحلب، والشهابي بن النّجار الحنبلي بالقاهرة، وغيرهم، وبرع، ونظم، ونثر، وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه، وعمره ست عشرة سنة إلى آخر الدولة الجركسية، ثم لم يزل يتولى المناصب السّنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق، فإنه تولى بها نظر الجامع الأموي عن والده، ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين، ثم سافر إلى القاهرة، فناب للحنابلة بمحكمة الصالحية النجمية، ثم بباب
__________
[1] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (287- 288) و «الكواكب السائرة» (2/ 58- 59) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 289- 298) و «الأعلام» (7/ 140) و «معجم المؤلفين» (12/ 112) .

(10/492)


الشعرية، ثم ولي نظر وقف الأشراف بالقاهرة، ثم استقلّ بقضاء رشيد، ثم تولى قضاء المنزلة مرتين، ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق، ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين، فذهب إلى حماة، وألّف بها «قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر» وضمّنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم.
ومن شعره:
يا ربّ قد حال حالي ... والدّين أثقل ظهري
وقد تزايد ما بي ... والهمّ شتّت فكري
ولم أجد لي ملاذا ... سواك يكشف ضرّي
فلا تكلني لنفسي ... واشرح إلهي صدري
وعافني واعف عنّي ... وامنن بتيسير أمري
بباب عفوك ربّي ... أنخت أنيق فقري
فلا تردّ سؤالي ... واجبر بحقّك كسري
وتوفي بحلب.
قال ابن عمه ابن الحنبلي في «تاريخه» : ولم يعقّب ذكرا.
وفيها- تقريبا- يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدّين الخجندي المدني الحنفي [1] قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي.
كان عالما، عاملا، فاضلا، عالي الإسناد، معمّرا، ولي القضاء بغير سعي، ثم عزل عنه فلم يطلبه، ثم عزل عن الإمامة. وكان معه ربعها فصبر على لأواء المدينة، مع كثرة أولاده وعياله، ثم توجه إلى القاهرة، فعظّمه كافلها وعلماؤها،
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 2/ 559- 560) و «الكواكب السائرة» (2/ 258) .

(10/493)


وأخرج له من حواليها شيئا، ثم عرض له بحيث يستغني عن القضاء، ثم قدم حلب في حدود سنة ثلاث وخمسين والسلطان سليمان بها، واجتمع به ابن الحنبلي وغيره من الأعيان.
قال ابن الحنبلي: وكنت قد اجتمعت به في المدينة عائدا من الحجّ وتبركت به. انتهى

(10/494)


سنة أربع وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أبو العبّاس أحمد بن علي المزجاجي الحنفي [1] الإمام العلّامة.
قال في «النور» : ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وحفظ القرآن، وسمع الحديث على جماعة، منهم الشيخ عبد الرحمن [بن] الدّيبع، وكتب له الإجازة والأسانيد بخطّه، وتفقه بجماعة من الحنفية، وقرأ [2] في كتب الرقائق، وسمع على الشيخين الوليين الكاملين المحقّقين يحيى بن الصّديق النّور وبه تخرّج وانتفع، والشيخ أبي الضّياء وجيه الدّين العلوي، ولبس الخرقة من والده، ثم ألبسه مرة أخرى أخوه لأمه الشيخ إسماعيل المزجاجي، وأذن له في إلباسها.
وكان إماما، علّامة، محقّقا، عارفا، مدقّقا، بحرا من بحار الحقيقة والشريعة، مرشدا، مسلكا، بلغ من كل فضل الأمل، له اليد الطولى في كتب القوم، وتخرّج به جماعة، منهم ولده العلّامة المجتهد الحافظ شيخنا ومولانا أبو الحسن شمس الدّين علي، والشريف حاتم بن أحمد الأهدل، وخلائق لا تحصى.
وبالجملة، فقد كان فريد دهره، ونادرة عصره، ونسيج وحده، ولازم أبده [3] علما وعملا وإفادة وسيادة، وله كلام في الحقائق يشهد له بذلك.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (256- 259) .
[2] في «ط» : «وكتب» وما جاء في «آ» موافق لما في «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] في «آ» و «ط» : «يده» وما أثبته من «النور السافر» وفيه: «ولزيم أبده» .

(10/495)


وكان علماء وقته يجلّونه غاية الإجلال، ويشهدون له بالتقدم على الأمثال.
وتوفي في جمادى الأولى بقرية الظاهر التي أنشأها جدّه الشيخ الصّديق بن عبد الله المزجاجي الصّوفي. انتهى وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي [1]- خلاف أبيه وجدّه، فإنهما شافعيان- العالم ابن العالم ابن العالم.
قرأ على والده، والبدر الغزّي وغيرهما، وولي قضاء قارة [2] ، ثم الصّلت، وعجلون.
وتوفي في هذه السنة وتاريخ وفاته (قاضي أحمد) [3] .
وفيها عبد الرحمن بن رمضان القصّار [4] والده.
اشتغل في العلم على ابن الحنبلي، والجمال بن حسن ليه.
وكان صالحا، ديّنا، عفيفا، طارح التكلف، قانعا بأجرة أزرار كان يصنعها.
وكان له ذوق صوفي ومشرب صفي، حجّ وجاور ومرض، ثم شفي، وعاد إلى حلب ومات بها في شعبان. قاله في «الكواكب» .
وفيها عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي [5] الإمام العالم الأديب، شيخ القراء بالمدينة المنورة.
كان فاضلا، علّامة، مفنّنا، شاعرا، صالحا، دمث الأخلاق، كثير التواضع،
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 100) .
[2] في «آ» و «ط» : «فارا» والتصحيح من «الكواكب السائرة» وهي بلدة كبيرة على الطريق بين دمشق وحمص، وقد سبق التعريف بها.
[3] وهو في حساب الجمّل سنة (964) .
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 762- 763) وفيه «القصاب» مكان «القصار» و «الكواكب السائرة» (2/ 158) .
[5] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 800- 806) و «الكواكب السائرة» (2/ 169- 170) و «الأعلام» (4/ 22) و «معجم المؤلفين» (5/ 252) .

(10/496)


له عدة منظومات في علوم شتّى، منها «منهج الوصول ومهيع السالك للأصول» في أصول الدّين، و «نظم جواهر السيوطي في علم التفسير» و «درر الأصول في أصول الفقه» و «نتائج الأنظار ونخبة الأفكار» في الجدل، و «نظم العقود في المعاني والبيان» و «تحفة الأحباب» في الصّرف، و «غنية الإعراب» في النحو، و «نزهة الألباب في الحساب» و «الدّر في المنطق» .
وقدم دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين، وأنشد:
قالوا دمشق جنّة زخرفت ... من كل ما تهوى نفوس البشر
أما ترى الأنهار من تحتها ... تجري فقلت مجاوبا: بل سقر
لأنها حفّت بما يشتهى [1] ... فهي إذا نار كما في الخبر
ودخل حلب، واستجاز بها الشمس السّفيري، والموفق بن أبي ذرّ.
ومن شعره أيضا:
ذوو المناصب إمّا أن يكون لهم ... نصب وإلّا فهم فيها ذوو نصب
فلا تعرّج عليها ما بقيت وكن ... بالله محتسبا في تركها تصب
لا سيما منصب القاضي فإنك إن ... تزغ عن الحقّ فيه كنت ذا عطب
فإن قضى الله يوما بالقضاء أخي ... عليك فاعدل ولكن لا إلى الذّهب
وتوفي بالمدينة المنورة، رحمه الله تعالى.
وفيها محيي الدّين عبد القادر بن حسن العجماوي الشافعي [2] العالم الفاضل.
أخذ عن علماء عصره، وبرع، ومهر، وأخذ عنه جماعات، منهم شيخ
__________
[1] في «آ» و «ط» : «بما تشتهي» وأثبت لفظ «الكواكب السائرة» .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 175) .

(10/497)


الإسلام بدر الدّين محمد بن حسن البيلوني، وأجازه في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين.
وتوفي في هذه السنة ظنّا.
وفيها محبّ الدّين محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد، المعروف بابن الزّرخوني المصري الأصل الدمشقي الشافعي [1] الإمام العلّامة الأستاذ ابن الأستاذ القواس.
قال في «الكواكب» : ولد سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وطلب العلم على كبر، وحصّل عدة فنون، وكان من أخصاء الشيخ الوالد ومحبيه، وكان ينوب عنه في إمامة الجامع الأموي.
قال الوالد: ولزمني كثيرا، وقرأ عليّ ما لا يحصى كثرة. انتهى وفيها محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي [2] العبد الصّالح الورع، والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا بدمشق.
أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفّوري.
وكان صوّاما، قواما، ينسج القطن، ويأكل من كسب يمينه، وما فضل من كسبه تصدّق به، وتعاهد الأرامل واليتامى.
قال في «الكواكب» : وأخبرني بعض جماعته قال: كان ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه فيفرغ من نسجه وقت الغداء من ذلك اليوم، فيمد له في الزمان. انتهى
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 40) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 57) .

(10/498)


سنة خمس وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدّين أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن محمد العمودي اليمني الشافعي [1] الإمام العلّامة الفقيه ابن الفقيه.
قال في «النور» : ولد بزبيد سنة خمس عشرة وتسعمائة تقريبا، واشتغل في العلوم، وبرع، وكان من كبار أهل العلم والفتيا والتدريس، مع الورع التّام، والزّهد العظيم، والإقبال على الطاعة، وكثرة العبادة، والسلوك على نهج السّلف الصّالح، ولزوم الخمول، وترك ما لا يعني، والإحسان الدائم إلى الفقراء والمحتاجين والطلبة.
وكان يعرف اسم الله الأعظم، وينفق من الغيب، وتعظّمه الأكابر.
من محفوظاته «الإرشاد» في الفقه.
وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة فيجيب عنها.
وتوفي يوم السبت حادي عشر المحرم بتعز، وبنيت على قبره قبّة عظيمة.
انتهى.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن ناصر الأعزازي الأصل الشافعي [2] إمام الثانية بجامع المهمندار.
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (259- 260) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 115) .

(10/499)


تفقه على البرهان العمادي كأبيه، وأشغل بعض الطلبة. قاله في «الكواكب» وفيها القاضي شهاب الدّين أحمد بن العلاوي [1] .
قال في «الكواكب» : كان يعرف الفرائض والحساب، وكان يتولى القضاء في برّ الشام، فقتل في بعض القرى، وهو والد يوسف الشاعر. انتهى وفيها المولى نور الدّين حمزة الكرماني الرّومي الحنفي الصوفي [2] .
طلب العلم، ثم رغب في التصوف، وخدم العارف بالله تعالى سنبل سنان، ثم العارف بالله تعالى محمد بن بهاء الدّين، وصار له عنده القبول التام.
وكان خيّرا، ديّنا، قوّالا بالحقّ، مواظبا على آداب الشريعة، مراعيا لحقوق الإخوان.
توفي بالقسطنطينية، رحمه الله تعالى.
وفيها عبد الصّمد بن الصّالح المرشد محيي الدّين محمد العكّاري الحنفي [3] نزيل دمشق، الإمام العلّامة.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان رجلا، صالحا، وانتهت إليه الفتيا في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وحصل له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي، والقاضي السيد المعروف بشصلي أمير.
قال: وحصل الإنكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظّاهرية.
وكان له تدريس مدرسة القصّاعية، وحصل له ثروة.
وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي.
__________
[1] لم أعثر على ترجمته في «الكواكب السائرة» المطبوع الذي بين يدي.
[2] ترجمته في «الشقائق النعمانية» ص (323) وفيه: «الكرمياني» و «الكواكب السائرة» (2/ 140) وفيه: «الكرمباني» .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177- 178) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) .

(10/500)


وكان والده يربّي الفقراء على طريقة حسنة.
وتوفي عبد الصّمد يوم الاثنين ثامن رجب.
وفيها كريم الدّين عبد الكريم بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي [1] الشيخ الفاضل.
كان كاتبا في المحكمة الكبري بدمشق، ومات فجأة، فإنه بيّض أربعة أوراق مساطير، ثم خرج، فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله، فلما وضع مات، ودفن بالقلندرية بباب الصغير، وصبر والده واحتسب.
وفيها عبد الملك بن عبد الرحمن بن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي [2] ، المعروف بابن القصّاب.
قال ابن الحنبلي: تفقه على والده، وجلس [3] بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله، وحدّث على كرسي جامع دمرداش. انتهى وفيها محمد بن سويدان الحلبي الصّوفي [4] .
قال في «الكواكب» : كان شيخا، صالحا، منوّرا همذاني الخرقة، أدرك السيد عبد الله التّستري الهمذاني، وتلقّن منه الذكر، وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان.
وتوفي عن نحو مائة سنة، رحمه الله تعالى. انتهى وفيها أبو الفتح محمد بن فتيان المقدسي الشافعي [5] الإمام العلّامة.
كان إمام الصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة.
وتوفي في ربيع الآخر، رحمه الله تعالى.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (127- 128) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 859- 860) و «الكواكب السائرة» (2/ 184) .
[3] في «ط» : «وحبس» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 139- 141) و «الكواكب السائرة» (2/ 35) .
[5] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 58) .

(10/501)


وفيها أبو البقاء محمد البقاعي الحنفي [1] ، خطيب الجامع الأموي بدمشق، وكان خادم سيدي الشيخ أرسلان.
ميلاده يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة، سنة تسعين وثمانمائة.
وتوفي فجأة ليلة الخميس عاشر ذي القعدة. كذا بخطّ ابن صاحب «العنوان» .
__________
[1] ترجمته في «عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران» للبقاعي وهو مخطوط لا يعرف مكان وجوده، وهو جدير بالتحقيق والنشر إن وجد لما فيه من الفوائد القيّمة.

(10/502)