شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وستين
وتسعمائة
فيها توفي- تقريبا- برهان الدّين إبراهيم بن بخشي [1]- بالموحدة- ابن
إبراهيم الحنفي، المشهور بدادة خليفة [2] مفتي حلب، قيل: كان في الأصل
دباغا، فمنّ الله تعالى عليه بطلب العلم، حتّى صار من موالي الرّوم،
وهو أول من درّس بمدرسة خضر باشا بحلب، وأول من أفتى بها من الأروام.
قال ابن الحنبلي: صحبناه، فإذا هو مفنّن ذو حفظ مفرط، ترجمه عبد الباقي
العربي وهو قاضيها لأنه انفرد في المملكة الرّومية بذلك، مع غلبة
الرطوبة على أهلها، واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها.
قال: وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجّه إلى حفظ «التلويح» في شهر
لحفظه إلّا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثمان سنوات، فاختلف
دماغه، فقلّ حفظه، ولم يزل في حلب على جدّ في المطالعة وديانة في
الفتوى، حتى ولي منصب الإفتاء بأزنيق [3] من بلاد الرّوم.
وكان يقول: لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبرا.
وألّف رسالة في «تحريم اللّواط» وأخرى في «أقسام أموال بيت المال
وأحكامها ومصارفها» وثالثة في «تحريم الحشيش والبنج» . انتهى
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 90- 93) و «الكواكب السائرة» (2/ 79)
.
[2] تحرفت في «ط» إلى «خيلفة» .
[3] قلت: وتعرف الآن ب «أزنيك» وقد ورد ذكرها في «تاريخ الدولة العلية
العثمانية» ص (118 و 124 و 150) طبع دار النفائس ببيروت.
(10/503)
وفيها شهاب الدّين أحمد بن القاضي برهان
الدّين إبراهيم الأخنائي الشافعي [1] أحد أصلاء دمشق.
كان قليل المخالطة، ملازما للأموي.
توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند والده بالقرب من جامع
جرّاح.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن عبد الأول القزويني، المشهور في دياره
بالسعيدي [2] الإمام العلّامة المفنّن المحقّق.
سئل عن مولده فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة، وأن له نسبا
إلى سعيد بن زيد الأنصاري أحد العشرة [3] رضي الله تعالى عنهم [3] .
وذكر أنه ختم القرآن وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام، وأنه
أخذ الفرائض عن أبيه، وأفتى فيها صغيرا سنة إحدى وتسعمائة.
وله مؤلفات، منها: «شرح ايساغوجي» ألّفه ببلاده، ثم دخل بلاد العرب،
واستوطن دمشق، وحجّ منها، ثم سافر إلى حلب فأكرم مثواه دفتردارها
إسكندر بيك، ثم سافر معه، وجمعه بالسلطان سليمان، وأعطي بالقسطنطينية
تدريسا جليلا، وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم، وعاد معه، وألّف
هناك كتبا، منها: «حاشية على شرح فرائض السّراجي» للسيد، ناقش فيها ابن
كمال باشا، ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين، واشترى بيت ابن الفرفور،
وعمره عمارة عظيمة، وجعل فيها حمّاما وبيوتا كثيرة، بالسقوف الحسنة،
والأرائك العظيمة، وغرس أشجارا، ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في
أنواع العمائر.
وتوفي ليلة الأحد رابع عشر شعبان، ودفن بباب الصغير بالقلندرية. قاله
في «الكواكب»
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 101) .
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 1/ 274- 278) و «الكواكب السائرة» (2/
110- 111) و «معجم المؤلفين» (1/ 259- 260) .
[3] ما بين الرقمين زيادة من «الكواكب السائرة» مصدر المؤلف.
(10/504)
وفيها بدر الدّين حسن بن يحيى بن المزلق
الدمشقي الشافعي [1] العالم الواعظ.
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان من أهل العلم والدّيانة، ولي تدريس
الأتابكية بالصالحية، وتفقّه على الشيخ تقي الدّين القاري أي، وعلى
الشيخ يونس العيثاوي، وأخذ عن القاضي زكريا، والتّقوي بن قاضي عجلون،
والبدر الغزّي.
وتوفي يوم الأربعاء سادس عشري صفر، ودفن بتربة أهله خارج باب الجابية
بدمشق في المحلّة المحروقة تجاه تربة باب الصغير، وخلّف كتبا كثيرة،
اشتراها جدّ الشيخ إسماعيل النابلسي.
وفيها حسين چلبي [2] متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق.
قال في «الكواكب» : شنق هو وسنان القرماني يوم الخميس رابع عشر شوال،
صلبا معا بدار السعادة، وشاشاهما وعمامتاهما على رؤوسهما، وهما ذوا
شيبتين نيرتين، رحمهما الله تعالى. انتهى وفيها سنان القرماني [3] نزيل
دمشق.
قال في «الكواكب» : هو والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق.
ولي نظارة البيمارستان، ثم نظارة الجامع الأموي، وانتقد عليه أنه باع
بسط الجامع وحصره، وأنه خرّب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان
النوري وتعرف بالصّمصامية، وحصل به الضّرر بمدرسة النورية، فشنق بسبب
هذه الأمور هو وحسين چلبي. انتهى ملخصا وفيها كريم الدّين عبد الكريم
بن الشيخ الإمام قطب الدّين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي [4] الأصيل
العريق الفاضل.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 136- 137) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 139) .
[3] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 149) .
[4] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 177) و «النعت الأكمل» ص (128) .
(10/505)
قال في «الكواكب» : توفي في أواخر ذي
القعدة عن بنتين ولم يعقّب ذكرا، وانقرضت به ذكور بني عبادة، ولهم جهات
وأوقاف كثيرة. انتهى وفيها فاطمة بنت عبد القادر بن محمد بن عثمان،
الشهيرة ببنت قريمزان [1] الشيخة الفاضلة الصالحة الحنفية الحلبية،
شيخة الخانقين العادلية والدجاجية معا.
كان لها خطّ جيد، ونسخت كتبا كثيرة، وكان لها عبارة فصيحة وتعفّف وتقشف
وملازمة للصلاة، حتّى في حال المرض.
ولدت في رابع محرم سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، ثم تزوجها الشيخ كمال
الدّين محمد بن مير جمال الدّين بن قلي درويش الأردبيلي الشافعي نزيل
المدرسة الرواحية بحلب، الذي قيل: إن جدّه أول من شرح «المصباح» .
قالت وعن زوجي هذا أخذت العلم، وكان يقول: ملّكني الله تعالى ستة
وثلاثين علما.
وتوفيت في هذه السنة وأوصت أن تدفن معها سجادتها.
قال ابن الحنبلي: وقد ظفرت بشهود جنازتها وحملها فيمن حمل، رحمها الله
تعالى.
وفيها ناصر الدّين محمد بن سالم الطّبلاوي الشافعي [2] الإمام العلّامة
أحد العلماء الأفراد بمصر.
أجاز العلّامة محمد البيلوني كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين
وتسعين وتسعمائة. قال: فيها تلقيت العلم عن أجلّة من المشايخ، منهم
قاضي القضاة زكريا، وحافظو عصرهم الفخر بن عثمان الدّيمي، والسيوطي،
والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف، وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ
شهاب الدّين
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 21- 22) و «الكواكب السائرة» (2/
238) و «الأعلام» (5/ 131) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 33) و «معجم المؤلفين» (10/ 17) .
(10/506)
البيجوري شارح «جامع المختصرات» نزيل الثغر
المحروس بدمياط بالإجازة العالية، عن شيخ القراء والمحدّثين محمد بن
الجزري.
وقال الشعراوي: صحبته نحو خمسين سنة، فما رأيت في أقرانه أكثر عبادة
لله تعالى منه، لا تكاد تراه إلّا في عبادة، وانتهت إليه الرئاسة في
سائر العلوم بعد موت أقرانه، وكان مشهورا في مصر بكثرة رؤية رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلم، وأقبل عليه الخلائق إقبالا كثيرا بسبب ذلك،
فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك فأخفاه. قال: وليس في مصر الآن أحد
يقرئ في سائر العلوم الشرعية وآلاتها إلّا هو، حفظا. وقد عدّوا ذلك من
جملة إمامته، فإنه من المتبحرين في التفسير، والقراآت، والفقه، والنحو،
والحديث، والأصول، والمعاني، والبيان، والحساب، والمنطق، والكلام،
والتصوف، وما رأيت أحدا في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه، وجمع على
«البهجة» شرحين جمع فيهما ما في «شرح البهجة» لشيخ الإسلام وزاد عليها
ما في «شرح الروض» وغيره.
وولي تدريس الخشابية وهي من أجلّ تدريس في مصر، وشهد له الخلائق بأنه
أعلم من جميع أقرانه، وأكثرهم تواضعا، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم نفسا، لا
يكاد أحد يغضبه.
وتوفي بمصر عاشر جمادى الآخرة، ودفن في حوش الإمام الشافعي رضي الله
عنه، وعمّر نحو مائة سنة.
وفيها شمس الدّين محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي [1] رئيس دمشق في عمل
الموالد.
كان من محاسن دمشق التي انفردت بها. قاله في «الكواكب» وفيها يونس بن
يوسف الطّبيب [2] رئيس الأطباء بدمشق، الشيخ الفاضل، وهو والد الشيخ
شرف الدّين الخطيب.
__________
[1] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 74) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (2/ 263) .
(10/507)
قال الشيخ يونس العيثاوي: كان ذكيا، فطنا،
انتهت إليه رئاسة الطب بدمشق، وأقبلت عليه الدنيا. انتهى وأخذ عنه
الطبّ ولده الشيخ شرف الدّين، والشيخ محمد الحجازي.
وتوفي يوم الاثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره
.
(10/508)
سنة سبع ستين
وتسعمائة
فيها- تقريبا- توفي أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي [1] أحد موالي
الرّوم، المعروف بابن حامد، الإمام العلّامة. تنقّل في المدارس إلى أن
ولي قضاء حلب، وأثنى على فضله ابن الحنبلي.
وله مؤلفات، منها: «شرح المفتاح» للسيد الجرجاني، وحاشية على كتاب
«الهداية» في الفقه.
وفيها وجيه الدّين عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ أحمد بن عثمان بن
محمد العمودي [2] الشافعي.
أخذ عن الحافظ شهاب الدّين بن حجر الهيتميّ، والشيخ أبي الحسن البكري،
وغيرهما.
وتفقّه، وبرع، وكان إماما، وليا، قدوة، حجّة من الأولياء الصالحين
والمشايخ العارفين، كثير العبادة والاجتهاد، عظيم الورع والزّهد
والمثابرة على الأعمال الصّالحة، مع الاشتغال بالعلوم النافعة،
والتواضع الزائد، والاستقامة العظيمة.
قال الشيخ عبد القادر الفاكهي فيه، حين ذكر أنه أخذ عن ابن حجر: أخذ
عنه أخذ رواية، أخذ شيخ عن شيخ كما قيل في أخذ أحمد عن الشافعي، وأن جل
الشيخ- يعني ابن حجر-.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 284- 286) و «الكواكب السائرة» (3/ 124)
و «معجم المؤلفين» (2/ 172) .
[2] ترجمته في «معجم المؤلفين» (5/ 160) .
(10/509)
ومن تصانيفه «حاشية على الإرشاد» وكان أراد
محوها فمنعه ابن حجر من ذلك، ومنها: «النور المذرور» ولم يتزوج مدة
عمره.
قال الفاكهي: ومناقبه أفردتها برسالة.
وجاور بمكة المشرفة سنين، ومات بها يوم الجمعة تاسع عشري رجب.
وفيها- تقريبا- مصلح الدّين محمد بن صلاح بن جلال الملتويّ الأنصاري
السّعدي العبادي الشافعي [1] المشهور بمنلا مصلح الدّين اللاريّ، تلميذ
أمير [2] غياث الدّين بن أمير صدر الدّين محمد الشيرازي.
قال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة، فأسفر عن علوم شتّى
وتأليفات متنوعة، منها: «شرح الشمائل» و «شرح الأربعين النووية» و «شرح
الإرشاد» في الفقه، و «شرح السراجية» وحاشية على بعض «البيضاوي» ،
وحاشية على مواضع من «المطوّل» وأخرى على مواضع من «المواقف» وأخرى على
«شرح الكافية» للجامي انتصر فيه لمحشّيه عبد الغفور اللّاري على محشّيه
منلا عصام البخاري، وهي كثيرة الفوائد والزوائد، وغير ذلك.
قال: ولما دخل حلب دخلها في ملبس دنيء وهو يستفسر عن أحوال علمائها، ثم
لبس المعتاد، وطاف بها ومعه بعض العبيد والخدم في أموال التجارة ولكن
من غير تعاظم في نفسه ولا تكثّر في حدّ ذاته لما كان عنده من مشرب
الصّوفية، واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدفّ
والشبّابة في السماع مباح أم لا، فأجاب أن كلا منهما مباح، فاجتماعهما
مباح أيضا، واستند إلى قول الغزّالي في «الإحياء» أن أفراد المباحات
ومجموعها على السواء إلّا إذا تضمن المجموع محذورا لا يتضمنه الآحاد.
قال: وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا، وأفتى جدي بالجواز وصحّح فتواه
أكابر العلماء من معاصريه ببلاد فارس، ثم نقل فتوى جدّه بطولها، ونقل
قول البلقيني في تحريم النووي [3] الشبّابة
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 414- 418) و «معجم المؤلفين» (10/
93) .
[2] تحرفت اللفظة في «ط» إلى «مير» .
[3] لفظة «النووي» لم ترد في «آ» .
(10/510)
لا يثبت تحريمها إلّا بدليل معتبر، ولم يقم
النووي دليلا على ذلك، ثم نقل تصحيح الجلال الدّواني لفتوى جدّه، ثم
كلام الدّواني في «شرح الهياكل» حيث قال: الإنسان يستعد بالحركات
العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية، بل المحقّقون من أهل
التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طربا قدسيا مزعجا، فيتحركون بالرّقص
والتّصفيق والدوران، ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر، إلى أن
ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب كما يدل عليه تجارب السالكين،
وذلك سرّ السماع وأصل الباعث للمتألهين على وضعه، حتى قال بعض أعيان
هذه الطائفة: إنه قد ينفتح لهم في الأربعينيات.
قال ابن الحنبلي: وكان مصلح الدّين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرّقص
أيضا بشرط عدم التثني والتكسر في كلام مطول. قال: ثم إن مصلح الدّين
رحل في تلك السنة إلى مكّة، فحجّ وجاور، ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن
بها، واستفتي، ثم توجه إلى الباب الشريف ومعه عرض من قاضي مكّة عتيق
الوزير الأعظم، فخلع عليه خلعة ذات وجهين، وأهدى إليه مالا، وأعطاه من
جوالي مصر أربعين درهما في كل يوم، فظهر لها مستحقون، فلم يتصرف بها،
ثم عاد إلى حلب، ثم رحل منها إلى آمد. انتهى وفيها- ظنا- زين الدّين
منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي [1] الشهير بخطيب
السّقيفة، الإمام العلّامة.
كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة، وكان خادم ضريح
الشيخ أرسلان مدة طويلة، وكانت له يد طولى في علوم كالتفسير والعربية،
وكان صوفيّ المشرب، رسلاني الطريقة. أخذ عن جماعة، منهم: البدر الغزي،
وله أرجوزة في حفظ الصحة، ورسالة سمّاها ب «رسالة النصيحة في الطريقة
الصحيحة» .
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 496- 498) و «الكواكب السائرة» (3/
210- 215) و «معجم المؤلفين» (13/ 16) .
(10/511)
قال ابن الحنبلي: تعانى الأدب، ونظم ونثر،
وألّف مقامه حسنة غزلة سمّاها «لوعة الشاكي ودمعة الباكي» وشاع ذكره
بحلّ «الزايرجة للسبتي» واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان، فأكرم
مثواه، وبلّغه مناه، ثم عاد إلى وطنه ومأواه، ثم رحل [1] إلى حلب سنة
خمس وستين، ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن فيه.
ومن شعره:
يا صاحبيّ اهجرا الدّجى الوسنا ... لتخبرا في الورى عن بهجة وسنا
خذا [2] من الشّرع ميزانا [3] لفعلكما ... ولا تميلا إلى مستقبح وزنا
ومنه مقتبسا:
عاذلي ظنّ قبيحا ... مذ رأى عشقي ينم
ظنّ بي ما هو فيه ... إن بعض الظنّ إثم [4]
وله:
ظنّ بالناس جميلا ... واتبع الخيرات تسمو
واجتنب ظنّا قبيحا ... إن بعض الظنّ إثم [4]
وله:
إن عزت الصّهباء يا سيدي ... وكان في الحضرة عذب اللّمى
جعلت سكري ماء ريق له ... لا واخذ الله السّكارى بما
__________
[1] في «ط» : «ثم دخل» .
[2] في «ط» : «هذا» .
[3] في «ط» : «ميزان» .
[4] اقتباس من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيراً من الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ 49: 12 [الحجرات:
12] .
(10/512)
سنة ثمان وستين
وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : جاء جنكز خان إلى سرت، وأحرق دورها،
وخرّبها، وسبى أهلها، واستأثر، وقتل صاحبها خداوند خان، قتل يوم
الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان، وكان خداوند هذا أميرا، كبيرا، جليلا،
رفيع المنزلة، حسن الأخلاق، جميل الصورة، طيّب السيرة، جوادا، سخيا
محببا إلى الناس، محبّا لأهل الخير، مجمعا لأهل العلم، حسن العقيدة في
الأولياء، عريق الرئاسة.
وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل، ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة
طنّانة مطلعها:
الدّهر في يقظة والسّهو للبشر ... والموت يبدو ببطش البدو والحضر
والسّأم أصعب كأس أنت ذائقه ... قبل التّدثّر للأجساد بالحفر
انتهى.
وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد
الله العيدروس [2] .
قال في «النور» : كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار
الحقيقة، جمع له بين كمال الخلق والخلق، وبسط المعرفة، وصحّة النّيّة،
وصدق المعاملة، ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (268- 269) .
[2] ترجمته في «النور السافر» ص (272- 273) .
(10/513)
وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم، ورثاه
والدي بمرثية عظيمة مطلعها:
تقضي فتمضي حكمها الأقدار ... والصّفو تحدث بعده الأكدار
انتهى.
وفيها المولى عصام الدّين أبو الخير أحمد بن مصلح الدّين، المشتهر بطاش
كبري زاده [1] صاحب «الشقائق النعمانية» .
قال في «ذيل الشقائق» المذكورة المسمى ب «العقد المنظوم في ذكر أفاضل
الرّوم» : كان من العلماء الأعيان، توفي وهو مدرّس بإحدى المدارس
الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب، وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير، ثم قرأ
على المولى سيدي محمد القوجوي، وصار ملازما له [2] ، ثم على المولى
محمد الشهير بميرم جلبي، وكمّل عنده العلوم الرياضية، وقرأ على غير
هؤلاء، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء قسطنطينية، فأجرى الأحكام
الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا، انتهى إلى أن عميت كريمتاه، فكان مصداق
ما جاء في الأثر «إذا جاء القضاء عمي البصر» [3] فاستعفى عن المنصب،
واشتغل بتبييض بعض تآليفه، وكان بحرا، زاخرا، منصفا، مصنّفا، راضيا
بالحقّ، عاريا عن المكابرة والعناد، وإذا أحسّ من أحد مكابرة أمسك عن
التكلم.
وحكي عنه أنه أمسك لسان نفسه وقال: إن هذا فعل ما فعل من التقصير
والزّلل، وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط، غير أنه ما تكلم في طلب
المناصب الدنيوية قطّ.
__________
[1] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (336- 340) و «الشقائق النعمانية» ص
(325- 331) و «الأعلام» (1/ 257) و «معجم المؤلفين» (2/ 177) .
[2] في «ط» : «ملازما منه» .
[3] ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (1/ 107) بلفظ: «إذا نزل القضاء عمي
البصر» وعزاه للحاكم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وتكلم عليه ضمن
كلامه عن حديث: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، سلب من ذوي العقول
عقولهم، حتّى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره» (1/ 81- 82) وانظر «الدرر
المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» للسيوطي ص (23) طبع مكتبة دار العروبة
بالكويت.
(10/514)
ومن مصنّفاته «المعالم في الكلام» و «حاشية
على حاشية التجريد» للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية،
جمع فيه مقالات المولى القوشي، والجلال الدّواني، ومير صدر الدّين،
وخطيب زاده، وشرح القسم الثالث من «المفتاح» وكتاب «الشقائق النعمانية
في علماء الدولة العثمانية» وقد جمعه بعد عماه، وهو أول من تصدى له.
وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنّفات
في كل فنّ مع نبذ من تواريخ مصنّفيها [1] وهو كتاب نفيس غزير الفوائد،
وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره، وله غير ذلك، وابتلى بمرض
الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة. انتهى ما ذكره صاحب «ذيل
الشقائق» باختصار.
وفيها- تقريبا- شمس الدّين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي
الأسدي الحلبي الحنفي، المشهور بابن درم ونصف [2] الإمام العلّامة.
ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وحفظ القرآن العظيم، وتخرّج
بعمّه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخطّ والقراءة،
ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون، كالعربية،
والمنطق، وآداب البحث، والحكمة، والكلام، والأصول، والفرائض، والحديث،
والتفسير، وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين.
وحجّ وجاور سنة، فأخذ فيها عن السيد قطب الدّين الصّفوي «المطول» وعاد
إلى حلب، فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير، وتولى مدرسة
الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب، وطالع كتب القوم وتواريخ الناس، ونظم
الشعر.
ومن شعره مقتبسا:
يا غزالا قد دهاني ... لم يكن لي منه [3] علم
لا تظنن ظنّ سوء ... إنّ بعض الظنّ إثم
__________
[1] وهو كتابه الهام «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» وله أكثر من طبعة.
[2] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 386- 396) .
[3] في «درّ الحبب» : «فيه» .
(10/515)
وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن
محمد الأعزازي [1] .
قال في «الكواكب» : كتب بخطّه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد
يخرج عن طوق البشر، من ذلك خمس نسخ من «القاموس» وعدة نسخ من «الأنوار»
وعدة نسخ من «شرح البهجة» و «شرح الروض» [2] وكتب «البخاري» وشرحه لابن
حجر [2] في كتب أخرى لا تحصى كثرة.
وكتب نحو خمسين مصحفا. كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء، ووقف نسخة من
«البخاري» على طلبة اعزاز قبل وفاته. انتهى وفيها المولى محمود
الإيديني [3] المعروف بخواجه قيني [4] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من كبار قضاة القصبات، ثم طلب ابنه
هذا العلم، وأكبّ حتّى صار ملازما، وتزوج المولى خير الدّين معلم
السلطان بأخته، فعلت به كلمته، وارتفعت مرتبته، فقلّد مدارس عدة، ثم
قلّد قضاء حلب، ثم قضاء مكة مرتين.
وكان حسن الخلق، بشوشا، حليما، لا يتأذى منه أحد، أدركته منيته بقصبة
إسكدار. انتهى وفيها المولى يحيى بن نور الدّين الشهير بكوسج الأمين
الحنفي [5] .
كان أبوه من الأمناء العثمانية، متوليا على الخراجات الخاصة، فاختار
صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه، فاشتغل على أفاضل زمانه، حتى
صار معيدا لدرس علاء الدّين الجمالي، وتميّز في خدمته، حتى زوّجه
بابنته، ودرّس بعدة مدارس، ثم قلّد قضاء بغداد.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (2/ 1/ 178- 179) و «الكواكب السائرة» (3/
12) .
[2] ما بين الرقمين لم يرد في «درّ الحبب» الذي بين يدي.
[3] في «ط» : «الايدني» وهو خطأ.
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (341) .
[5] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (340) .
(10/516)
وكان من أفاضل الرّوم، صاحب يد طولى في
الحديث والتفسير والوعظ، بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته
بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث، وعيّن له
كل يوم مائة درهم، ثم اتفق أنه اتهم [1] ببيع الإعادة والملازمة، وأخذ
الرشى على إعطاء الحجرات، فغضب عليه السلطان وعزله، فاغتم لذلك غما
شديدا، فلم يمض إلّا القليل حتّى توفي.
وكان لذيذ الصحبة، حلو المحاورة، خاليا عن الكبر والخيلاء، مختلطا
بالمساكين والفقراء، إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم. قاله في «ذيل
الشقائق» .
__________
[1] لفظة «اتهم» لم ترد في «آ» .
(10/517)
سنة تسع وستين
وتسعمائة
فيها توفي القاضي برهان الدّين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح
الرّاميني الحنبلي [1] الإمام العلّامة.
ولد في رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة، وقرأ على والده وغيره،
ودأب وحصّل، وباشر القضاء.
وتوفي ليلة الاثنين ثالث أو رابع عشري شعبان.
وفيها شهاب الدّين أحمد بن علي بن ياسين الدّجاني الشافعي [2] الإمام
العالم العامل العارف بالله تعالى، أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون، وصاحب
سيدي محمد بن عراق.
كان يحفظ القرآن العظيم، و «منهاج النووي» .
قال تلميذه يوسف الدّجاني الإربدي: كان الشيخ أحمد الدّجاني لا يعرف
النحو، فبينما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النّبيّ صلّى الله
عليه وآله وسلم، فقال له: «يا أحمد تعلّم النحو» . قال: فقلت له: يا
رسول الله علّمني، فألقى عليّ شيئا من أصول العربية ثم انصرف. قال:
فلما ولّى لحقته إلى باب الخلوة، فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول
الله، وضممت اللام من رسول، فعاد إليّ وقال في: «أما
__________
[1] ترجمته في «متعة الأذهان» الورقة (25/ آ) و «الكواكب السائرة» (3/
90- 91) و «النعت الأكمل» ص (128) و «السحب الوابلة» ص (29) و «مختصر
طبقات الحنابلة» للشطّي ص (94- 95) .
[2] ترجمته في «الكواكب السائرة» (3/ 120- 121) و «جامع كرامات
الأولياء» (1/ 330) .
(10/518)
علّمتك النحو أن لا تلحن، قل: يا رسول الله
بفتح اللام» قال فاشتغلت بالنحو، ففتح عليّ فيه.
دخل إلى [1] دمشق في أوائل سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج
للناس عند نائب الشام، وكاتب الولايات، وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة
منتصف رجب وشكره الناس على خطبته، وزار الشيخ محيي الدّين بن عربي،
وأقام الذكر عنده، وكان صالحا، قانتا، عابدا، خاشعا.
وتوفي ببيت المقدس في جمادى الأولى.
وفيها شاه علي جلبي ابن المرحوم قاسم بك [2] .
قال في «العقد المنظوم» : كان أبوه من الغلمان الذين يخدمون في دار
السعادة العامرة في عهد السلطان محمد خان، ولما خرج منها صار متوليا
لبعض العماير، ونشأ ابنه صاحب الترجمة في حجر أبيه، وسار نحو تحصيل
العلوم الظاهرة وأسباب الفوز في الآخرة، فقرأ على عبد الرحمن بن علي بن
المؤيد، حتّى حصّل طرفا صالحا، ثم تفرّغ للعبادة، وصحب رجال الطريقة،
منهم الشيخ محمود النقشبندي، والشيخ جمال الدّين الخلوتي، ثم وزّع
أوقاته بين العلم والعبادة والإفادة.
وكان عالما، عاملا، مثابرا على الطّاعة إلى أن توفي عن خمس وستين سنة.
انتهى.
وفيها مصلح الدّين بن شعبان المعروف بسروري الحنفي [3] الإمام
العلّامة.
ولد بقصبة كليبولي، وكان أبوه تاجرا صاحب يسار، فبذل له مالا عظيما
__________
[1] لفظة «إلى» لم ترد في «ط» .
[2] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (353- 354) .
[3] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (343- 345) و «الأعلام» (7/ 235) و
«معجم المؤلفين» (12/ 256) .
(10/519)
لطلب العلم، ودار به على الأعلام، فأخذ عن
المولى القادري، وطاش كبري زاده، وغيرهما، وبرع، وأحرز فضائل جمّة،
وقال الشعر اللطيف، فلقّب بسروري.
وكان فارسا في لغة فارس، وله مؤلفات عربية ورومية وفارسية، وتنقّل في
المدارس، وأكبّ على الاشتغال والتصنيف. وكان بهيّ المنظر، حلو المخبر،
تلوح عليه آثار الفوز والفلاح، جوادا، سمحا.
ومن مصنفاته «الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي» وأولها: الحمد لله
الذي جعلني كشّاف القرآن، وصيّرني قاضيا بين الحقّ والبطلان. و
«الحواشي الصغرى» عليه أيضا. وشرح قريبا من نصف «البخاري» و «حاشية على
التلويح» و «حاشية على أوائل الهداية» وشروح لبعض المتون المختصرة،
وغير ذلك.
وتوفي بمرض الهيضة عن اثنتين وسبعين سنة، ودفن عند مسجده بقصبة قاسم
باشا.
وفيها أبو محمد معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني
[1] الشيخ الكبير القدوة، الشهير العارف بالله تعالى.
قال في «النور» : ولد بشبام [2] في ليلة الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة
ثلاث وتسعين وثمانمائة.
وكان كبير الشأن، ذا كرامات ظاهرة، وآيات باهرة، أفرد مناقبه بعض
الفضلاء بالتصنيف.
وكان ذا جاه عظيم، وقبول عند الخاص والعام، وكان سبب خروجه من بلده إلى
دوعان أنه وشي به إلى السلطان بدر الكثيري بأشياء، منها فرط اعتقاد
الناس فيه، وامتثالهم أوامره ونواهية، فأمر بنفيه من البلاد بعد
الإشهار بإهانته، فنودي
__________
[1] ترجمته في «النور السافر» ص (273- 274) .
[2] شبام: جبل عظيم بصنعاء، به شجر وعيون، وشرب صنعاء منه. انظر خبره
في «معجم ما استعجم» (2/ 778) و «مراصد الإطلاع» (2/ 779) .
(10/520)
عليه: هذا معبودكم يا أهل شبام، وجعل في
عنقه حبلا، وطيف به. ومن غريب الاتفاق أن السلطان أمر بعض أمرائه أن
يتولى فعل ذلك، وكان ذلك الأمير من معتقدي الشيخ المذكور فتوقف لذلك،
فأرسل إليه الشيخ أن افعل ما أمرت به وأنا ضمينك على الله بالجنّة فرضي
الله عنه.
وتوفي ليلة السبت خامس عشر صفر بدوعان. انتهى
(10/521)
سنة سبعين وتسعمائة
فيها كما قال في «النور» [1] : كان في ثاني يوم من شوال السيل العظيم
الهائل بحضرموت الذي لم يسمع بمثله، أخرب كثيرا من تلك الجهة، وأتلف
كثيرا من النخيل، وهم يذكرونه ويؤرخون به، وهو المسمى عندهم سيل
الإكليل، وقد ضمن تاريخه صاحبنا الفاضل الفقيه عبد الله بن أحمد بن
فلاح الحضرمي، فقال:
سيل بوادي حضرموت أذاه عم ... في سنوء [2] إكليل النّجوم لقد نسم
وضعوا له «تاريخ» ناسب جوره ... يلقاه من يطلبه في أحرف (ظلم) [3]
وفيها توفي المولى أحمد أفندي بن المفتي أبي السعود [4] .
قال في «ذيل الشقائق» : كان من الأفاضل الأماثل، ظهرت عليه النجابة من
صغره، ودأب في الطلب، فاشتغل على أبيه، حتى صار معيد درسه، واشتغل أيضا
على طاش كبري زاده، وبرع في عدة فنون، وتنقّل في المدارس إلى أن صار
مدرّسا بإحدى الثمان، ثم صحب بعض الأراذل، فرغبه في أكل بعض المعاجين،
فلما أدام أكله تغيّر مزاجه، وآل به الأمر إلى أن توفي في جمادى الأولى
وما بلغ ثلاثين سنة.
__________
[1] انظر «النور السافر» ص (274) .
[2] في «آ» و «ط» : «في نوء» وما أثبته من «النور السافر» مصدر المؤلف.
[3] حسابها في الجمّل (970) .
[4] ترجمته في «العقد المنظوم» ص (354- 356) .
(10/522)
وفيها خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن
شجاع الحمصي [1] الحلبي المولد والمنشأ الشافعي، المشهور بابن النّقيب،
الإمام العالم.
توفي في هذه السنة أو التي قبلها كما قاله في «الكواكب» .
وفيها الشيخ زين الدّين بن إبراهيم بن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم
الحنفي [2] الإمام العلّامة.
قال ولده الشيخ أحمد: هو الإمام العلّامة، البحر الفهامة، وحيد دهره،
وفريد عصره، كان عمدة العلماء العاملين، وقدوة الفضلاء الماهرين، وختام
المحقّقين والمفتين.
أخذ عن العلّامة قاسم بن قطلوبغا، والبرهان الكركي، والأمين بن عبد
العال، وغيرهم. وألّف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية من ابتداء
أمره يحتاج إليها في زماننا، وشرح «الكنز» وسماه ب «البحر الرائق شرح
كنز الدقائق» وصل إلى آخر كتاب الإجارة، وكتاب «الأشباه والنظائر» [3]
وكتاب «شرح المنار» في الأصول، وكتاب «لب الأصول مختصر [4] تحرير
الأصول» لابن الهمام، وكتاب [4] «الفوائد الزّينية في فقه الحنفية» وصل
فيها إلى ألف قاعدة وأكثر، و «تعليق على الهداية» و «حاشية على جامع
الفصولين» وغير ذلك.
وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب. انتهى ملخصا، أي وتأخرت وفاة أخيه
الشيخ عمر إلى بعد الألف.
__________
[1] ترجمته في «درّ الحبب» (1/ 2/ 590- 594) و «الكواكب السائرة» (3/
148- 149) و «الأعلام» (2/ 314) و «معجم المؤلفين» (4/ 111) .
[2] ترجمته في «الطبقات السّنية» (3/ 275- 276) و «الكواكب السائرة»
(3/ 154) و «معجم المؤلفين» (4/ 192) .
[3] طبع في مصر عدة مرات أفضلها التي صدرت بعناية وتعليق الأستاذ عبد
العزيز محمد الوكيل سنة (1387) هـ. ثم طبع بدار الفكر بدمشق بعناية
وتعليق الأستاذ محمد مطيع الحافظ.
[4] ما بين الرقمين سقط من «آ» .
(10/523)
وفيها شمس الدّين أبو عبد الله عبد البرّ
بن قاضي القضاة الحنابلة بدمشق زين الدّين عمر بن مفلح [1] الحنبلي.
ميلاده يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، كذا في
«العنوان» .
وتوفي ثالث عشري جمادى الأولى كذا بخط ابن صاحب «العنوان» .
__________
[1] ترجمته في «النعت الأكمل» ص (132) .
(10/524)
|