فتوح البلدان

فتح ملطية
وقالوا: وجه عياض بْن غنم حبيب بْن مسلمة الفهري من شمشاط إِلَى ملطية ففتحها ثُمَّ أغلقت، فلما ولي معاوية الشام والجزيرة وجه إليها حبيب ابن مسلمة ففتحها عنوة ورتب فيها رابطة منَ المسلمين مع عاملها وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزبرة وغيرهما فكانت طريق الصوائف، ثُمَّ أن أهلها انتقلوا عنها فى أيام عبد الله ابن الزبير وخرجت الروم فشعثتها ثُمَّ تركها فنزلها قوم منَ النصارى منَ الأرمن والنبط.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده،: قَالَ كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الملك سنة ثلاث وثمانين وبنوا بها مساكن وهي من ملطية عَلَى ثلاث مراحل واغلة في بلاد الروم وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة منَ الأرمن وغيرهم فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف فيقومون بها إلى أن ينزل الشتاء وتسقط الثلوج فإذا كان ذلك قفلوا، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

(1/185)


رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لاشفافه عليهم من العدو واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابي الخل والزيت، ثم أنزلهم مطلية وأخرب طرندة وولى مطلية جعونة بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة.
قَالُوا: وخرج عشرون ألفا منَ الروم في سنة ثلاث وعشرين ومائة فنزلوا عَلَى ملطية فأغلق أهلها أبوابها وظهر النساء عَلَى السور عليهن العمائم فقاتلن، وخرج رَسُول لأهل ملطية مستغيثا فركب البريد وسار حَتَّى لحق بهِشَام بْن عَبْد الملك وهو بالرصافة فندب هِشَام الناس إلى ملطية ثُمَّ أتاه الخبر بأن الروم قَدْ رحلت عنها فدعا الرسول فاخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها وغزا هِشَام نفسه، ثُمَّ نزل ملطية وعسكر عليها حَتَّى بنيت فكان ممره بالرقة دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
قَالَ الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائة أقبل قسطنطين الطاغية عامدا لملطية وكمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بني سليم فبعث أهل كمخ الصريخ إِلَى أهل ملطية فخرج إِلَى الروم منهم ثمانمائة فارس فواقعهم خيل الروم فهزمتهم ومال الرومي فأناخ عَلَى ملطية فحصر من فيها والجزيرة يومئذ مفتونة وعاملها موسى بْن كعب بحران فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم: يا أهل ملطية إني لم آتيكم إلا عَلَى علم بأمركم وتشاغل سلطانكم عنكم انزلوا عَلَى الأمان واخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم فأبوا عَلَيْهِ فوضع عليها المجانيق فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل، ثُمَّ استعدوا للرحلة وحملوا ما استدق لهم وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم فى الآبار والمخابي ثُمَّ خرجوا وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إِلَى منقطع آخرهم مخترطي السيوف ظرف سيف كل واحد منهم مع طرف سيف الَّذِي يقابله حَتَّى كأنها عقد قنطرة

(1/186)


ثُمَّ شيعوهم حَتَّى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة فتفرقوا فيها، وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا وهدموا حصن قلوذية، فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة كتب المَنْصُور إِلَى صالح ابن علي يأمره ببناء ملطية وتحصينها، ثُمَّ رأى أن يوجه عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم الإمام واليا عَلَى الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومائة ومعه الْحَسَن بْن قحطبة في جنود أهل خراسان فقطع البعوث عَلَى أهل الشام والجزيرة فتوافى معه سبعون ألفا فعسكر عَلَى ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها وكان الْحَسَن بْن قحطبة ربما جمل الحجر حتى يناوله البناء وجعل يغدي الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه فغاظ ذلك عَبْد الوهاب فكتب إِلَى أَبِي جَعْفَر يعلمه أنه يطعم الناس وأن الْحَسَن يطعم أضعاف ذلك التماسا لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء وأن له منادين ينادون الناس إِلَى طعامه، فكتب إليه أَبُو جَعْفَر يا صبي يطعم الْحَسَن من ماله وتطعم من مالي ما أتيت إلا من صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك، وكتب إِلَى الْحَسَن إن أطعم ولا تتخذ مناديا فكان الْحَسَن يقول من سبق إِلَى شرفة فله كذا فجد الناس في العمل حَتَّى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى للجند الَّذِينَ أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما واصطبل، والعرافة عشرة نفر إِلَى خمسة عشر رجلا وبنى لها مسلحة عَلَى ثلاثين ميلا منها، ومسلحة عَلَى نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات وأسكن المَنْصُور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم عَلَى زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة مائة دينار سوى الجعل الَّذِي يتجاعله القبائل بينها ووضع فيها شحنتها منَ السلاح وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن قلوذية وأقبل قسطنطين الطاغية في أكثر من مائة ألف فنزل جيحان فبلغه كثرة العرب

(1/187)


فأحجم عنها، وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب فى هذه الغزاة نصر ابن مَالِك الخزاعي ونصر بْن سَعْد الكاتب مولى الأنصار فقال الشاعر:
تكنفك النصران نَصْر بْن مَالِك ... ونصر بْن سَعْد عز نصرك من نصر
وفى سنة إحدى وأربعين ومائة أغزى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم ملطية في جند من أهل خراسان وعلى شرطته المسيب بْن زهير فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو فتراجع إليها من كان باقيا من أهلها، وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم تقدر عليها وغزاهم الرشيد رحمه اللَّه فأشجاهم وقمعهم.
وقالوا: وجه أَبُو عُبَيْدة بْن الجراح وهو بمنبج خَالِد بْن الوليد إِلَى ناحية مرعش ففتح حصنها عَلَى أن جلا أهله ثُمَّ أخربه، وكان سُفْيَان بْن عوف الغامدي لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جندا فلما كان موت يزيد بْن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها وصالح عَبْد الملك الروم بعد موت أبيه مروان بْن الحكم وطلبه الخلافة عَلَى شيء كان يؤديه إليهم، فلما كانت سنة أربع وسبعين غزا مُحَمَّد بْن مروان الروم وانتقض الصلح، ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا مُحَمَّد بْن مروان وخرجت الروم في جمادى الأولى من مرعش إِلَى الأعماق فزحف إليهم المسلمون وعليهم أبان بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط ومعه دينار بْن دينار مولى عَبْد الملك بْن مروان، وكان عَلَى قنسرين وكورها فالتقوا بعمق مرعش فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وكان دينار لقي في هَذَا العام جماعة منَ الروم بجسر يغرا، وهو من شمشاط عَلَى نحو من عشرة أميال فظفر بهم، ثُمَّ أن العَبَّاس بْن الوليد بْن عَبْد الملك صار إِلَى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها وبنى لها

(1/188)


مسجدا جامعا كان يقطع في كل عام عَلَى أهل قنسرين بعثا إليها، فلما كانت أيام مروان بْن مُحَمَّد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم وحصرت مدينة مرعش حَتَّى صالحهم أهلها عَلَى الجلاء فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم ثُمَّ أخربوها وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بْن زفر بْن الحارث الكلابي، وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بْن اليون، ثُمَّ لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت فخرجت الروم فى قتلته فأخربتها فبناها صالح بْن علي في خلافة أَبِي جَعْفَر المَنْصُور وحصنها وندب الناس إليها عَلَى زيادة العطاء واستخلف المهدي فزاد في شحنتها وقوى أهلها.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا فأتى عمق مرعش فقتل وأحرق وسبى منَ المسلمين خلقا وصار إِلَى باب مدينة مرعش وبها عِيسَى بْن علي، وكان قَدْ غزا في تلك السنة فخرج إليه موالى عِيسَى وأهل المدينة ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام فاستطرد لهم حَتَّى إذا نحاهم عَنِ المدينة كر عليهم فقتل من موالى عِيسَى ثمانية نفر واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها ثُمَّ انصرف حَتَّى نزل جيحان، وبلغ الخبر ثمامة بْن الوليد العبسي وهو بدابق، وكان قَدْ ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومائة فتوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من نجا منهم فاحفظ ذلك المهدي واحتفل لإغزاء الْحَسَن بْن قحطبة في العام المقبل وهو سنة اثنتين وستين ومائة. قالوا: وكان حصن الحدث مما فتح أيام عُمَر فتحه حبيب بْن مسلمة من قبل عياض بْن غنم وكان معاوية يتعهده بعد ذلك، وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة لأن المسلمين كانوا أصيبوا به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس، وقال قوم: لقي المسلمين غلام حدث عَلَى الدرب فقاتلهم في أصحابه فقيل درب

(1/189)


الحدث، ولما كان زمن فتنة مروان بْن مُحَمَّد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية، ثُمَّ لما كانت سنة إحدى وستين ومائة خرج ميخائيل إِلَى عمق مرعش ووجه المهدي الْحَسَن بْن قحطبة ساح فى بلاد الروم فتقلت وطأته عَلَى أهلها حَتَّى صوروه في كنائسهم، وكان دخوله من درب الحدث فنظر إِلَى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه فارتاد الْحَسَن موضع مدينته هناك فلما انصرف كلم المهدي في بنائها وبناء طرسوس فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث، وكان في غزاة الْحَسَن هَذِهِ مندل العنزي المحدث الكوفي ومعتمر بْن سُلَيْمَان البصري فأنشأها عَلي بْن سُلَيْمَان ابن علي وهو عَلَى الجزيرة وقنسرين وسميت المحمدية، وتوفي المهدي مع فراغهم من بنائها فهي المهدية والمحمدية، وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة تسع وستين ومائة واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل عَلي بْن سُلَيْمَان وولى الجزيرة وقنسرين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن علي، وقد كان علي بْن سُلَيْمَان فرغ من بناء مدينة الحدث وفرض مُحَمَّد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة وخراسان في أربعين دينارا منَ العطاء وأقطعهم المساكن وأعطى كل امرئ ثلاثمائة درهم، وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومائة، وقال أَبُو الخطاب: فرض علي بْن سُلَيْمَان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها ونقل إليها من ملطية وشمشاط وسميساط كيسوم ودلوك ورعبان ألفي رجل.
قَالَ الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج وكثرت الأمطار، ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم فتفرق عنها من كان فيها من جندها وغيرهم، وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بْن زهير وبعثا مع روح بْن حَاتِم وبعثا مع حَمْزَة بْن

(1/190)


مَالِك فمات قبل أن ينفذوا. ثُمَّ ولى الرشيد الخلافة فأمر ببنائها وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع.
وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع كثيف عَلَى مدينة الحدث حين بنيت وكان بناؤها بلبن قَدْ حمل بعضه عَلَى بعض وأضرت به الثلوج وهرب عاملها ومن فيها ودخلها العدو فحرق مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها فبناها الرشيد حين استخلف.
وحدثني بعض أهل منبج، قَالَ: إن الرشيد كتب إِلَى مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بإقراره عَلَى عمله فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد عَلَى يده ثُمَّ عزله.
قَالُوا: وكان مَالِك بْن عَبْد اللَّهِ الخثعمي الَّذِي يقال له مَالِك الصوائف وهو من أهل فلسطين غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة، ثُمَّ قفل: فلما كان من درب الحديث عَلَى خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام فيها ثلاثا فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة فسميت تلك الرهوة رهوة مَالِك.
قالوا: وكان مرج عَبْد الواحد حمى لخيل المسلمين فلما بنى الحدث وزبطرة استغنى عنه فازدرع، قَالُوا: وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم فتحه حبيب بْن مسلمة الفهري، وكان قائما إِلَى أن أخربته الروم في أيام الوليد بْن يزيد فبنى بناء غير محكم فأناخت الروم عَلَيْهِ في أيام فتنة مروان بْن مُحَمَّد فهدمته فبناه المَنْصُور، ثُمَّ خرجت إليه فشعثته فبناه الرشيد عَلَى يدي مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم وشحنه، فلما كانت خلافة المأمون: طرقه الروم فشعثوه وأغاروا عَلَى سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي فأمر المأمون بمرمته وتحصينه، وقدم وفد طاغية الروم في سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه وكتب إِلَى عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها

(1/191)


القتل ودوخوها وظفروا ظفرا حسنا إلا أن يقظان بْن عَبْد الأعلى بْن أَحْمَد بْن يزيد بْن أسيد السلمي أصيب، ثُمَّ خرجت الروم إِلَى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أَبِي إِسْحَاق بْن الرشيد فقتلوا الرجال وسبوا النساء وأخربوها فأحفظه ذلك وأغضبه، فغزاهم حَتَّى بلغ عمورية وقد أخرب قبلها حصونا فأناخ عليتها حَتَّى فتحها فقتل المقاتلة وسبى النساء والذرية ثُمَّ أخربها وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك فلم يقدروا عليها.
وحدثني أَبُو عَمْرو الباهلي وغيره، قَالُوا: نسب حصن مَنْصُور إِلَى مَنْصُور بْن جعونة بْن الحارث العامري من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته، وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة وكان مَنْصُور هَذَا عَلَى أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة فحصرهم المَنْصُور وهو عامل أَبِي العَبَّاس عَلَى الجزيرة وأرمينية، فلما فتحها هرب منصور ثم أو من فظهر، فلما خلع عَبْد اللَّهِ بْن علي أَبَا جَعْفَر المَنْصُور ولاه شرطته فلما هرب عَبْد اللَّهِ إِلَى البصرة استخفى فدل عَلَيْهِ في سنة إحدى وأربعين ومائة فأتى المَنْصُور به فقتله بالرقة منصرفه من بيت المقدس، وقوم يقولون: أنه أو من بعد هرب ابْن علي فظهر، ثُمَّ وجدت له كتب إِلَى الروم بغش الإِسْلام فلما قدم المَنْصُور الرقة من بيت المقدس سنة إحدى وأربعين ومائة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة ثُمَّ انصرف إِلَى الهاشمية بالكوفة.
وكان الرشيد بنى حصن مَنْصُور وشحنه في خلافة المهدي.
نقل ديوان الرومية
قَالُوا: ولم يزل ديوان الشام بالرومية حَتَّى ولي عَبْد الملك بْن مروان، فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله وذلك أن رجلا من كتاب الروم احتج أن

(1/192)


يكتب شيئا فلم يجد ماء فبال في الدواة، فبلغ ذلك عَبْد الملك فأدبه، وأمر سُلَيْمَان بْن سَعْد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة ففعل ذلك، وولاه الأردن فلم تنقض السنة حَتَّى فرغ من نقله وأتى به عَبْد الملك فدعا بسرجون كاتبه فعرض ذلك عَلَيْهِ فغمه وخرج من عنده كثيبا فلقيه قوم من كتاب الروم، فقال: اطلبوا المعيشة من غير هَذِهِ الصناعة فقد قطعها اللَّه عنكم، قَالَ: وكانت وظيفة الأردن الَّتِي قطعها معونة مائة ألف وثمانين ألف دينار ووظيفة فلسطين ثلاثمائة ألف خمسين ألف دينار ووظيفة دمشق أربعمائة ألف دينار ووظيفة حمص مع قنسرين والكور الَّتِي تدعى اليوم العواصم ثمانمائة ألف دينار، ويقال: سبعمائة ألف دينار.
فتوح أرمينية
حدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل من ساكني برذعة وغيره عن أَبِي براء عنبسة ابن بحر الأرمني، وحدثني مُحَمَّد بْن بشر القالي عن أشياخه، وبرمك بْن عَبْد اللَّهِ الديلي، وَمُحَمَّد بْن المخيس الخلاطي وغيرهم عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية، سقت حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض، قَالُوا: كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة: وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند تدعى أرمينية الثالثة وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية، وكانت السيسجان وأران تدعى أرمينية الأولى ويقال كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة، وكانت قاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة، وسراج طير وبغروند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية، وسيسجان وأراد وتفليس تدعى أرمينية الأولى وكانت جرزان وأران فى أيدى الخزر وسابر أرمينية في أيدي الروم يتولاها صاحب

(1/193)


أرمنياقس، وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور فوجه قباذ بْن فيروز الملك قائد من عظماء قواده في اثني عشر ألفا فوطئ بلاد أران وفتح ما بَيْنَ النهر الَّذِي يعرف بالرس إِلَى شروان، ثُمَّ أن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان، ومدينة برذنة، وهي مدينة الثغر كله، ومدينة قبله، وهي الخزر ثُمَّ بنى سد اللبن فيما بَيْنَ أرض شروان وباب اللان، وبنى عَلَى سد اللبن ثلاثمائة وستين مدينة خربت بعد بناء الباب والأبواب، ثُمَّ أن ملك بعد قباذ ابنه أنوشروان كسرى بْن قباذ فبنى مدينة الشابران ومدينة مسقط، ثُمَّ بنى مدينة الباب والأبواب، وإنما سميت أبوابا لأنها بنيت عَلَى طريق في الجبل وأسكن ما بنى من هَذِهِ المواضع قوما سماهم السياسيجين، وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بنى دودان بْن أسد بْن خزيمة وبنى الدرذوقية وهي اثنا عشر بابا كل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة، يقال لها. سغدبيل وأنزلها قوما منَ السغد وأبناء فارس وجعلها مسلحة، وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروز قباذ، وقصرا يقال له. باب لاذقة، وقصرا يقال له، باب بارقة وهو عَلَى بحر طرابزندة، وبنى باب اللان، وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان وقلعة سمشلدى، وفتح أنوشروان جميع ما كان في أيدي الروم من أرمينية وعمر مدينة دبيل وحصنها، وبنى مدينة النشوى وهي مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص، وقلاعا بأرض السيسجان، منها قلعة الكلاب، وساهيونس وأسكن هَذِهِ الحصون والقلاع ذوي البأس والنجدة من سياسجية، ثُمَّ أن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله الموادعة والصلح وأن يكون أمرهما واحدا وخطب إليه ابنته ليؤنسه بذلك وأظهر له الرغبة في صهره وبعث إليه بأمة كانت تبنتها امرأة من نسائه وذكر أنها ابنته، فهدى التركي ابنته إليه، ثُمَّ قدم عَلَيْهِ فالتقيا بالبرشلية

(1/194)


وتنادما أياما وأنس كل واحد منهما بصاحبه وأظهر بره، وأمر أنوشروان جماعة من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفا من عسكر التركي ويحرقوا فيه ففعلوا فلما أصبح شكا ذلك إِلَى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدا من أصحابه فعله، ولما مضت لذلك ليالي أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الَّذِي كان منهم ففعلوا فضج التركي من فعلهم حَتَّى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن ثُمَّ أن أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قَدِ اتخذت من حشيش وعيدان فلما أصبح ضج أنوشروان إِلَى التركي، وقال: كاد أصحابك يذهبون بعسكري وقد كافأتني بالظنة فحلف أنه لم يعلم بشيء مما كان سببا فقال أنوشروان: يا أخي جندنا وجندك قَدْ كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم منَ النيل في الغارات والحروب الَّتِي كانت تكون بيننا ولا أمن أن يحدثوا أحداثا يفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حَتَّى نعود إِلَى العداوة بعد الصهر والمودة، والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عَلَيْهِ بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا، فأجابه إِلَى ذلك فانصرف إِلَى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وألحقه برؤوس الجبال وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وتغريقها في البحر حَتَّى إذا ظهرت عَلَى وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال، فلما فرغ من بنائه علق عَلَى المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إِلَى خمسين ألفا منَ الجند، وجعل عَلَيْهِ دبابة فقيل لخاقان بعد ذلك إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك فلم يقدر عَلَى حيلة.
وملك أنوشروان ملوكا رتبهم وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية فمنهم خاقان الجبل، وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك

(1/195)


فيلان وهو فيلان شاة، ومنهم طبرسرانشاة وملك اللكز ويدعى جرششانشاه وملك مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى شروانشاه، وملك صاحب بخ عَلَى بخ وصاحب زريكران عليها وأقر ملوك جبل القبق عَلَى ممالكهم وصالحهم عَلَى الإوتاوة فلم تزل أرمينية في أيدي الفرس حَتَّى ظهر الإِسْلام فرفض كثير منَ السياسيجين حصونهم ومدائنهم حَتَّى خربت وغلب الخزر والروم عَلَى ما كان في أيديهم بديا.
قَالُوا: وقد كانت أمور الروم تستب في بعض الأزمنة وصاروا كملوك الطوائف فملك أرمنياقس رجل منهم، ثُمَّ مات فملكتها بعده امرأته وكانت تسمى قالى فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله، ومعنى ذلك إحسان قالى، قَالَ:
وصورت عَلَى باب من أبوابها فأعربت العرب قاليقاله فقالوا قاليقلا.
قَالُوا: ولما استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان كتب إِلَى معاوية وهو عامله عَلَى الشام والجزيرة وثغورها يأمره أن يوجه حبيب بْن مسلمة الفهري إِلَى أرمينية وكان حبيب ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم. قَدْ علم ذلك منه عُمَر ثُمَّ عُثْمَان رضي اللَّه عنهما ثُمَّ من بعده.
ويقال: بل كتب عُثْمَان إِلَى حبيب يأمره بغزو أرمينية وذلك أثبت، فنهض إليها في ستة آلاف ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة فأت ى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم ثُمَّ ألجأهم إِلَى المدينة فطلبوا الأمان عَلَى الجلاء والجزية فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم، وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرا، ثُمَّ بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلين جمعا عظيما وانضمت إليه أمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر منَ الخزر فكتب إِلَى عُثْمَان يسأله المدد فكتب إِلَى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوما ممن يرغب في الجهاد والغنيمة فبعث إليه

(1/196)


معاوية ألفي رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها ولما ورد عَلَى عُثْمَان كتاب حبيب كتب إِلَى سَعِيد بْن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية وهو عامله عَلَى الكوفة يأمره بإمداده بجيش عَلَيْهِ سلمان بْن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل، وكان خيرا فاضلا غزاء فسار سلمان الخيل إليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا عَلَى الفرات، وقد أبطأ عَلَى حبيب المدد فبيتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم وقالت أم عَبْد اللَّهِ بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له أين موعدك، قَالَ: سرادق الطاغية أو الجنة، فلما انتهى إِلَى السرادق وجدها عنده قَالُوا: ثُمَّ أن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فلم يفعلوا حَتَّى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل قَالَ الشاعر:
إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابن عفان ترحل
وكتب إِلَى عُثْمَان بذلك فكتب: أن الغنيمة باردة لأهل الشام، وكتب إِلَى سلمان يأمره بغزو أران، وقد روى بعضهم: أن سلمان بْن ربيعة توجه إِلَى أرمينية في خلافة عُثْمَان فسبى وغنم وانصرف إِلَى الوليد بْن عقبة وهو بحديثة الموصل سنة خمس وعشرين فأتاه كتاب عُثْمَان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قَدْ أجلبوا عَلَى المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل فوجه بهم وعليهم سلمان بْن ربيعة الباهلي ووجه معاوية حبيب بْن مسلمة الفهري معه في مثل تلك العدة فافتتحا حصونا وأصابا سبيا وتنازعا الإمارة وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر:
إن تقتلوا «البيت» .
والخبر الأول أثبت. حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا وكتب إِلَى به العطاف بْن سُفْيَان أَبُو الأصبغ قاضيها.

(1/197)


وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عن أبيه قَالَ: حاصر حبيب بْن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها فلقيه الموريان الرومي فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره، ثُمَّ قدم سلمان عَلَيْهِ، والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا.
وحدثني مُحَمَّد بْن بشر وابن ورز القالياني عن مشايخ أهل قاليقلا قَالُوا: لم تزل مدينة قاليقلا مذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حَتَّى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومائة فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها منَ المسلمين إِلَى الجزيرة ثُمَّ نزل مرج الحصى فوجه كوسان الأرمني حَتَّى أناخ عَلَى قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أَبُو كريمة فنقب إخوان منَ الأرمن من أهل مدينة قاليقلا ردما كان في سورها وخرجا إِلَى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها فقتل وسبى وهدمها وساق ما حوى إِلَى الطاغية وفرق السبي عَلَى أصحابه.
وقال الواقدي: لما كانت سنة تسع وثلاثين ومائة فادى المَنْصُور بمن كان حيا من أساري أهل قاليقلا وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جندا من أهل الجزيرة وغيرهم، وقد كان طاغية الروم خرج إِلَى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حَتَّى كاد يسقط فأنفق المعتصم عليها خمسمائة ألف درهم حَتَّى حصنت.
قَالُوا: ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حَتَّى نزل مربالا فأناه بطريق خلاط بكتاب عياض بْن غنم، وكان عياض قَدْ أمنه عَلَى نفسه وماله وبلاده وقاطعه عَلَى إتاوة فأنفذه حبيب له ثُمَّ نزل منزلا بَيْنَ الهرك ودشت الورك فأتاه بطريق خلاط بما عَلَيْهِ منَ المال وأهدى له هدية لم يقبلها منه ونزل

(1/198)


خلاط ثم سار منها إلى الصسابه فلقيه بها صاحب مكس، وهى ناحية من نواحي البسرجان فقاطعه عَلَى بلاده ووجه معه رجلا وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إِلَى قرى أرجيش وباجنيس من غلب عليها وجبى جزية رؤس أهلها وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها، فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حَتَّى ولى مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه فكان يستغلها، ثُمَّ صارت لمروان بْن مُحَمَّد فقبضت عنه، قَالَ:
ثُمَّ سار حبيب وأتى ازدساط وهي قرية القرمز وأجاز نهر الأكراد ونزل مرج دبيل فسرب الخيول إليها، ثُمَّ زحف حتى نزل على بابها فتصحن أهلها ورموه فوضع عليها منجنيقا ورماهم حَتَّى [1] طلبوا الأمان والصلح فأعطاهم إياه وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كونتة (؟) ووادي الأحرار وغلبت عَلَى جميع قرى دبيل ووجه إِلَى سراج طير وبغروند فأتاه بطريقه فصالحه عنها عَلَى إتاوة يؤديها وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم عَلَى أعدائهم وكان كتاب صلح دبيل.
بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من حبيب بْن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم: إني أمنتكم عَلَى أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج شهد اللَّه «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً» 4: 79 وختم حبيب بْن مسلمة.
ثُمَّ أتى حبيب النشوى ففتحها عَلَى مثل صلح دبيل وقدم عَلَيْهِ بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده وأرضى هصابنه (كذا) وأفارستة (كذا) عَلَى خرج يؤديه في كل سنة، ثُمَّ أتى السيسجان فحاربهم أهلها فهزمهم وغلب على
__________
[1] المنجنيق مخصص لقذف الحجارة والمواد المحرقة أثناء الحروب.

(1/199)


ويص وصالح أهل القلاع بالسيسجان عَلَى خرج يؤدونه ثُمَّ سار إِلَى جرزان.
حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بْن عَبْد الله، قالوا، سار حبيب ابن مسلمة بمن معه يريد جرزان فلما انتهوا إِلَى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها فخرج عليهم قوم منَ العلوج فأعجلوهم عَنِ الألجام فقاتلوهم فكشفوهم العلوج وأخذا تلك اللجم وما قدروا عَلَيْهِ منَ الدواب ثُمَّ إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم فسمي الموضع ذات اللجم، قالوا: وأتى حبيبا رَسُول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم فكتب حبيب إليهم.
«أما بعد» فإن نقلي رسولكهم قدم علي وعلى الَّذِينَ معي منَ الْمُؤْمِنِين فذكر عنكم أنا أمة أكرمنا اللَّه وفضلنا، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرا، صلى اللَّه عَلَى مُحَمَّد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام، وذكرتم أنكم أحببتم سلمنا وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم وكتب لكم أمانا واشترطت فيه شرطا فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب منَ اللَّه ورسوله والسلام عَلَى منَ اتبع الهدى.
ثُمَّ ورد تفليس وكتب لأهلها صلحا.
بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا كتاب من حبيب بْن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالأمان عَلَى أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم عَلَى إقرار بالصغار والجزية عَلَى كل أهل بيت دينار وليس لكم أن تجمعوا بَيْنَ أهل البيوتات تخفيفا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارا منها ولنا نصيحتكم وضلعكم عَلَى أعداء اللَّه ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما استطعتم وقرى المسلم المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل

(1/200)


الكتاب لنا وان انقطع برجل منَ المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إِلَى أدنى فئة منَ الْمُؤْمِنِين إلا أن يحال دونهم وإن أنبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين وإلا فالجزية عليكم، وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك ولا هُوَ ناقض عهدكم، هَذَا لكم وهذا عليكم شهد اللَّه وملائكته وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً 4: 79.
وكتب الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي لأهل تفليس كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من الجراح بْن عَبْد اللَّهِ لأهل تفليس من رستاق منجليس من كورة جرزان أنه أتوني بكتاب أمان لهم من حبيب بْن مسلمة عَلَى الإقرار بصغار الجزية وأنه صالحهم عَلَى أرضين لهم وكروم وأرحاء يقال لها وارى، وسابينا من رستاق منجليس وعن طعام وديدونا من رستاق قحويط من جرزان عَلَى أن يؤدوا عن هَذِهِ الأرحاء والكروم في كل سنة مائة درهم بلا ثانية فأنفذت لهم أمانهم وصلحهم وأمرت الأيراد عليهم فمن قرئ عَلَيْهِ كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء اللَّه وكتب، قَالُوا: وفتح حبيب حوارح وكسفربيس وكسال وخنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت صلحا عَلَى حقن دماء أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم وعلى أن يؤدوا إتاوة عن أرضهم ورؤسهم وصالح أهل قلرجيت وأهل ثرياليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال وصالح الصنارية والدودانية عَلَى إتاوة، قَالُوا وسار سلمان بْن ربيعة الباهلي حين أمره عُثْمَان بالمسير إِلَى أران ففتح مدينة البيلقان صلحا عَلَى أن أمنهم عَلَى دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم واشترط عليهم أداء الجزية والخراج ثُمَّ أتى سلمان برذعة فعسكر عَلَى الثرثور وهو نهر منها عَلَى أقل من فرسخ فأغلق أهلها دونه أبوابهم فعاناها أياماوشن الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة

(1/201)


فصالحوه عَلَى مثل صلح البيلقان وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأود والمصريان والهرحليان وتبار وهي رساتيق وفتح غيرها من أران، ودعا أكراد البلاسجان إِلَى الإسلام فقاتلوه فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل.
وحدثني جماعة من أهل برذعة، قَالُوا: كانت شمكور مدينة قديمة فوجه سلمان بْن ربيعة الباهلي من فتحها فلم تزل مسكونة معمورة حَتَّى أخربها الساوردية وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بْن أسيد عن أرمينية فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم ثُمَّ أن بغا مولى المعتصم بالله رحمه اللَّه عمرها في سنة أربعين ومائتين وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط وأسكنها قوما خرجوا إليه منَ الخزر مستأمنين لرغبتهم في الإِسْلام ونقل إليها التجار من برذعة وسماها المتوكلية، قالوا: وسار سلمان إِلَى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة وصالحه صاحب شكن والقميبران عَلَى إتاوة وصالحه أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبال وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب ثُمَّ أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر البلنجر فقتل رحمه اللَّه في اربعة آلاف منَ المسلمين فكان يسمع في مأزقهم التكبير، وكان سلمان بْن ربيعة أول منَ استقضى بالكوفة أقام أربعين يوما لا يأتيه خصم، وقد روى عن عُمَر بْن الخطاب، وفي سلمان وقتيبة بْن مُسْلِم يقول ابْن جمانة الباهلي:
وإن لنا قبرين قبر بلنجر ... وقبر بصين استان يا لك من قبر
فذاك الَّذِي بالصين عمت فتوحه ... وهذا الَّذِي يسقى به سبل القطر
وكان مع سلمان ببلنجر قرظة بْن كعب الأنصاري وهو جاء بنعيه إِلَى عُثْمَان، قَالُوا: ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إِلَى عُثْمَان بْن عَفَّان فوفاه كتابه وقد نعي إليه سلمان فهم أن يوليه جميع أمينية، ثُمَّ رأى أن

(1/202)


يجعله غازيا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك فولى ثغر أرمينية حذيفة بْن اليمان العبسي فشخص إِلَى برذعة ووجه عماله عَلَى ما بينها وبين قاليقلا وإلى خيزان فورد عَلَيْهِ كتاب عُثْمَان يأمره بالانصراف وتخليف صلة بْن زفر العبسي، وكان معه فخلفه وسار حبيب راجعا إِلَى الشام وكان يغزو الروم ونزل حمص فنقله معاوية إِلَى دمشق فتُوُفِّيَ بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابْن خمس وثلاثين سنة، وكان معاوية وجه حبيبا في جيش لنصرة عُثْمَان حين حوصر، فلما انتهى إِلَى وادى القرى بلغه مقتل عُثْمَان فرجع، قَالُوا: وولى عُثْمَان المغيرة بْن شعبة أذربيجان وأرمينية، ثُمَّ عزله وولى القاسم بن ربيعة ابن أمية بْن أَبِي الصلت الثقفي أرمينية ويقال: ولاها عَمْرو بْن معاوية بْن المنتفق العقيلي، وبعضهم يقول وليها رجل من بنى كلاب بعد المغيرة خمس عشرة سنة ثُمَّ وليها العقبلى وولى الأشعث بْن قيس لعلي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أرمينية وأذربيجان ثُمَّ وليها عَبْد اللَّهِ بْن حَاتِم بْن النعمان بْن عَمْرو الباهلي من قبل معاوية فمات بها فوليها عَبْد الْعَزِيزِ بْن حَاتِم بْن النعمان أخوه فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها وبنى مدينة النشوى ورم مدينة برذعة ويقال: أنه جدد بناءها وأحكم حفر الفارقين حولها وجدد بناء مدينة البيلقان، وكانت هَذِهِ المدن متشعثة مستهدمة، ويقال أن الَّذِي جدد بناء برذعة مُحَمَّد بْن مروان في أيام عَبْد الملك بْن مروان، وقال الواقدي: بني عَبْد الملك مدينة برذعة عَلَى يد حَاتِم بْن النعمان الباهلي أو ابنه، وقد كان عَبْد الملك ولى عُثْمَان بْن الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، أرمينية، قَالُوا: ولما كانت فتنة ابْن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم فلما ولى مُحَمَّد بْن مروان من قبل أخيه عَبْد الملك أرمينية حاربهم فظفر بهم فقتل وسبى وغلب عَلَى البلاد، ثُمَّ وعد من بقى منهم أن يعرض لهم في الشرف فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط فأغلقها عليهم

(1/203)


ووكل بأبوابها ثم خوفهم، وفي تلك الغزاة سبيت أم يزيد بْن أسيد منَ السيسجان وكانت بنت بطريقها، قَالُوا: وولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أرمينية عدي بْن عدي بْن عميرة الكندي، وكان عدي بْن عميرة ممن نزل الرقة مفارقا لعلي بْن أَبِي طالب ثُمَّ ولاه إياها عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وهو صاحب نهر عدي بالبيلقان، وروى بعضهم أن عامل عُمَر كان حَاتِم بْن النعمان، وليس ذلك بثبت، ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك معلق بْن صفار البهراني ثُمَّ عزله وولى الحارث بْن عَمْرو الطائي فغزا أهل اللكز ففتح رستاق حسمدان، وولى الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي من مذحج أرمينية فنزل برذعة فرفع إليه اختلاف مكاييلها وموازينها فأقامها عَلَى العدل والوفاء واتخذ مكيالا يدعى الجراحي فأهلها يتعاملون به إِلَى اليوم، ثُمَّ أنه عبر الكر وسار حَتَّى قطع النهر المعروف بالسمور وصار إِلَى الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة وقاتل أهل بلاد حمزين، ثُمَّ صالحهم عَلَى أن نقلهم إِلَى رستاق خيزان وجعل لهم قريتين منه وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم، ثُمَّ قفل فنزل شكى وشتا جنده ببرذعة والبيلقان وجاشت الخزر وعبرت الرس فحاربهم في صحراء ورثان، ثُمَّ انحازوا إِلَى ناحية أردبيل فواقعهم عَلَى أربعة فراسخ مما يلي أرمينية فاقتلوا ثلاثة أيام فاستشهد ومن معه فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عَلَيْهِ إِلَى الجراح أيضا، ثُمَّ أن هِشَام بْن عَبْد الملك ولى مسلمة بْن عَبْد الملك أرمينية ووجه عَلَى مقدمته سَعِيد بن عمروا بْن أسود الحرشي ومعه إِسْحَاق بْن مُسْلِم العقيلي وأخوته وجعونة بْن الحارث بْن خَالِد أحد بني عَامِر بْن ربيعة بْن صعصعة وذفافة وخالد أبنا عمير بْن الحباب السلمي والفرات بْن سلمان الباهلي والوليد بْن القعقاع العبسي فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها وهزمهم فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان، فلما تهيأ لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بْن عَبْد الملك يلومه عَلَى قتاله الخزر قبل قدومه ويعلمه أن قَدْ

(1/204)


ولى أمر عسكره عَبْد الملك بْن مُسْلِم العقيلي، فلما سلم العسكر أخذه رَسُول مسلمة فقيده وحمله إِلَى برذعة فحبس في سجنها وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إِلَى هِشَام فكتب إليه:
أتتركهم بميمذ قَدْ تراهم ... وتطلبهم بمنقطع التراب
وأمر بإخراج الحرشي منَ السجن، قَالُوا: وصالح مسلمة أهل خيزان وأمر بحصنها فهدم واتخذ لنفسه به ضياعا وهي اليوم تعرف بحوز خيزان وسالمه ملوك الجبال فصار إليه شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وخرشا خرشانشاه وصار إليه صاحب مسقط وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان في قلعتها ألف أهل بيت منَ الخزر فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثُمَّ بحديد اتخذه عَلَى هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك، فعمد إليه العين الَّتِي كان أنوشروان أخرى منها الماء إِلَى صهريجهم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيت فلم يمكث ماؤهم إلا ليلة حَتَّى دود وأنتن وفسد، فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة وأسكن مسلمة بْن عَبْد الملك مدينة الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفا من أهل الشام عَلَى العطاء فأهل الباب اليوم لا يدعون عاملا يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم، وبنى هريا للطعام وهريا للشعير وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها، وكان مروان بْن مُحَمَّد مع مسلمة وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالا شديدا، ثُمَّ ولى هِشَام بعد مسلمة سَعِيد الحرشي فأقام بالثغر سنتين ثُمَّ ولى الثغر مروان بْن مُحَمَّد فنزل كسال وهو بنى مدينتها وهي من برذعة عَلَى أربعين فرسخا ومن تفليس عَلَى عشرين فرسخا ثُمَّ دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلهما أسيد بْن زافر السلمي أَبَا يزيد ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب والأبواب فأغار مروان عَلَى صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت فأسكنهم خاخيط ثُمَّ أنهم

(1/205)


قتلوا أميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم، قَالُوا: ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده منَ الرجال وما هم عَلَيْهِ في عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه وملأه رعبا، فلما دنا منه أرسل إليه رسولا يدعوه إِلَى الإِسْلام أو الحرب فقال: قَدْ قبلت الإِسْلام فأرسل إِلَى من يعرضه علي ففعل فأظهر الإِسْلام ووادع مروان عَلَى أن أقره في مملكته وسار مروان معه بخلق منَ الخزر فأنزلهم ما بَيْنَ السمور والشابران في سَهْل أرض اللكز، ثُمَّ أن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعا فيها ودان له ملك السرير وأطاعه فصالحه عَلَى ألف رأس خمسمائة غلام وخمسمائة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار في كل سنة وعلى مائة ألف مدى تصب في أهراء الباب وأخذ منه الرهن وصالح مروان أهل تومان عَلَى مائة رأس خمسين جارية وخمسين غلاما خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار وعشرين ألف مدى للأهراء في كل سنة، ثُمَّ دخل أرض زريكران فصالحه ملكها عَلَى خمسين رأسا وعشرة آلاف مدى للأهراء في كل سنة ثُمَّ أتى أرض حمزين فأبى حمزين أن يصالحه فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرا فأحرق وأخرب وكان صلحه إياه عَلَى خمسمائة رأس يؤدونها دفعة واحدة ثُمَّ لا يكون عَلَيْهِ سبيل وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إِلَى إهراء الباب فى كل سنة، ثم أتى سدان فافتتحها صلحا على مائة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل وعلى أن يحمل فى كل سنة إِلَى إهراء الباب خمسة آلاف مدى، ووظف عَلَى أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل إِلَى إهراء الباب، ولم يوظف عَلَى فيلانشاه شيئا، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه وإحماده أمره، ثُمَّ نزل مروان عَلَى قلعة اللكز وقد امتنع من أداء شيء من الوظيفة وخرج يريد صاحب الخرز فقتله راع بسهم رماه به وهو لا يعرفه

(1/206)


فصالح أهل اللكز عَلَى عشرين ألف مدى تحمل إِلَى الإهراء، وولى عليهم خشرما السلمي وسار مروان إِلَى قلعة صاحب شروان وهي تدعى خرش وهي عَلَى البحر فأذعن بالطاعة والانحدار إِلَى السهل وألزمهم عشرة آلاف مدى في كل سنة وجعل عَلَى صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر وفي الساقة إذا رجعوا وعلى فيلانشاه أن يغزو معهم فقط وعلى طبرسرانشاه أن يكون فى الساقة إذا بدءوا وفي المقدمة إذا انصرفوا، وسار مروان إِلَى الدودنية فأوقع بهم، ثُمَّ جاءه قتل الوليد بْن يزيد وخالف عَلَيْهِ ثابت بْن نعيم الجذامي وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه عَلَى رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان، وأتى أردبيل مستخفيا فخرج معه قوم منَ الشراة منها وأتوا باجروان فوجدوا بها قوما يرون رأيهم فانضموا إليهم فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا عَلَى مثل رأيهم وعبروا إِلَى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا عَلَى مثل رأيهم ثُمَّ نزل يونان، وولى مروان بْن مُحَمَّد إِسْحَاق بْن مُسْلِم أرمينية فلم يزل يقاتل مسافرا وكان فى قلعة الكلاب بالسيسجان.
ثُمَّ لما جاءت الدولة المباركة وولى أَبُو جَعْفَر المَنْصُور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أَبِي العَبَّاس رحمه اللَّه وجه إِلَى مسافر وأصحابه قائدا من أهل خراسان فقاتلهم حَتَّى ظفر بهم وقتل مسافرا، وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بْن أصفر البيلقاني فاستنزلوا بأمان.
ولما استخلف المَنْصُور رحمه اللَّه ولى يزيد بْن أسيد السلمي أرمينية ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان ودوخ الصنارية حَتَّى أدوا الخراج فكتب إليه المَنْصُور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل، وولدت له ابنته منه ابنا فمات ومانت في نفاسها وبعث يزيد إِلَى نفاطة أرض شروان

(1/207)


وملاحاتها فجباها ووكل به وبنى يزيد مدينة أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين.
حدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عن جماعة من مشايخ أهل برذعة، قَالُوا الشماخية الَّتِي في عمل شروان نسبت إِلَى الشماخ بْن شجاع فكان ملك شروان في ولاية سَعِيد بْن سالم الباهلي أرمينية.
وحدثني مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عَنِ المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الْحَسَن بْن قحطبة الطائي بعد عزل بْن أسيد وبكار بْن مُسْلِم العقيلي وكان رئيسهم موشائيل الأرمني فبعث إليه المَنْصُور رحمه اللَّه الأمداد وعليهم عَامِر بْن إِسْمَاعِيل فواقع الْحَسَن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور، وهو الَّذِي نسب إليه نهر الْحَسَن بالبيلقان والباغ الَّذِي يعرف بباغ الْحَسَن ببرذعة والضياع المعروفة بالحسنية، وولى بعد الْحَسَن بْن قحطبة عُثْمَان بْن عمارة بْن خريم، ثُمَّ روح بْن حَاتِم المهلبي، ثُمَّ خزيمة بْن خازم، ثُمَّ يزيد بْن مزيد الشيباني، ثُمَّ عُبَيْد اللَّه بْن المهدي، ثُمَّ الْفَضْل بْن يَحْيَى، ثُمَّ سَعِيد بْن سالم، ثُمَّ مُحَمَّد بْن يزيد بْن مزيد، وكان خزيمة أشدهم ولاية وهو الَّذِي سن المساحة بدبيل والنشوى ولم يكن قبل ذلك، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمي كل واحد منهم ناحيته فإذا قدم الثغر عامل من عماله داروه فإن رأوا منه عفة وصرامة وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنو له بالطاعة وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره، ووليهم خالد ابن يزيد بْن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم عَلَى من بعده من عمال المأمون.
ثُمَّ ولى المعتصم بالله الْحَسَن بْن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني الثغر فأهمل بطارقته وأحراره ولان لهم حَتَّى ازدادوا فسادا عَلَى السلطان وكلبا على

(1/208)


من يليهم منَ الرعية، وغلب إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل بْن شعيب مولى بني أمية عَلَى جرزان، ووثب سَهْل بْن سنباط البطريق عَلَى عامل حيدر بْن كاوس الأفشين عَلَى أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه ثُمَّ ولى أرمينية عمال كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور.
ثُمَّ أن أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه ولى يوسف بْن مُحَمَّد بْن يوسف المروزي أرمينية لسنتين من خلافته، فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط ابن أشوط فحمله إِلَى سر من رأى فأوحش البطارقة والأحرار والمتغلبة ذلك منه ثُمَّ أنه عمد عامل له يقال له العلاء بْن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدي إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضها عَلَى بعض عَلَى الخلاف والنقض ودسوا إِلَى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان في الوثوب بيوسف وحرضوهم عَلَيْهِ لما كان من حمله بقراط بطريقهم ووجه كل امرئ منهم ومن المتغلبة خيلا ورجالا ليؤيدوهم عَلَى ذلك فوثبوا به بطرون، وقد فرق أصحابه فى القرى فقتلوه واحتووا عَلَى ما كان في عسكره فولى أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه بغا الكبير أرمينية فلما صار إِلَى بدليس أخذ موسى بْن زرارة، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عَلَيْهِ غضبا لبقراط وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى سبيا كثيرا، ثُمَّ حاصر أشوط بْن حَمْزَة بْن جاجق بطريق البسفرجال وهو بالبلق فاستنزله من قلعته وحمله إِلَى سر من رأى وسار إِلَى جرزان فظفر بإِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل فقتله صبرا وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية من بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية منَ النصارى وغيرهم حَتَّى صلح ذلك الثغر صلاحا لم يكن عَلَى مثله ثُمَّ قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين
.

(1/209)


فتوح مصر والمغرب
قَالُوا: وكان عَمْرو بْن العاصي حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك ثُمَّ استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بْن أَبِي سُفْيَان ومضى إِلَى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمسمائة، فغضب عُمَر لذلك وكتب إليه يوبخه ويعنفه عَلَى افتتانه عَلَيْهِ برأيه وأمره بالرجوع إِلَى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر، فورد الكتاب عَلَيْهِ وهو بالعريش، وقيل أيضا: إن عمر كتب إلى عمرو بن العاصي يأمره بالشخوص إِلَى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية وكان الَّذِي أتاه شريك بْن عبدة فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عُمَر.
قَالُوا: وكان مسير عَمْرو إِلَى مصر في سنة تسع عشرة فنزل العريش ثُمَّ أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى قدما إِلَى الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط، وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطا لأنهم قَالُوا: هَذَا فسطاط القوم ومجمعهم، وقوم يقولون: إن عمرا ضرب بها فسطاطا فسميت بذلك.
قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاصي وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عَلَيْهِ الزبير بْن العوام بْن خويلد في عشرة آلاف، ويقال: في اثني عشر ألفا فيهم خارجة بْن حذافة العدوي وعمير بْن وهب الجمحي، وكان الزبير قَدْ هم بالغزو وأراد إتيان انطاكية فقال له عُمَر: يا أَبَا عَبْد اللَّهِ هل لك في ولاية مصر، فقال: لا حاجة لي فيها ولكني أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا فإن وجدت عمرا قَدْ فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إِلَى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهاد كنت معه فسار عَلَى ذلك.

(1/210)


قَالُوا: وكان الزبير يقاتل من وجه وعمرو بن العاصي من وجه، ثُمَّ أن الزبير أتى بسلم فصعد عَلَيْهِ حَتَّى أوفى عَلَى الحصن وهو مجرد سيفه فكبر وكبر المسلمون واتبعوه ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه وأفر عَمْرو أهله عَلَى أنهم ذمة موضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم وكتب بذلك إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه فأجازه واختط الزبير بمصر وابنتى دارا معروفة، وإياها نزل عَبْد اللَّهِ بْن الزبير حين غزا أفريقية مع ابْن أَبِي سرح وسلم الزبير باق في مصر.
وَحَدَّثَنَا عَفَّان بْن مُسْلِم، قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة عن هِشَام بْن عُرْوَة أن الزبير بْن العوام بعث إِلَى مصر فقيل له أن بها الطعن والطاعون، فقال:
إنما جئنا للطعن والطاعون، قَالَ: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها.
وحدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حدثني عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب: أن عَمْرو بْن العاصي دخل مصر ومعه ثلاثة آلاف وخمسمائة، وكان عُمَر بْن الخطاب قَدْ أشفق لما أَخْبَرَ به من أمرها فأرسل الزبير بْن العوام في اثني عشر ألفا فشهد الزبير فتح مصر واختط بها.
وحدثني عَمْرو الناقد، عن عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب عن عَبْد اللَّهِ بْن المغيرة بْن أَبِي بردة عن سُفْيَان بْن وهب الخولاني، قَالَ: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال: أقسمها يا عَمْرو فأبى فقال الزبير: والله لتقسمنها كما قسم رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيبر:
فكتب عَمْرو إِلَى عُمَر في ذلك فكتب إليه عُمَر أقرها حَتَّى يغزو منها حبل الحبلة، قال: وقال عَبْد اللَّهِ بْن وهب: وحدثني ابْن لهيعة عن خَالِد بْن ميمون عن عَبْد الله ابن المغيرة عن سُفْيَان بْن وهب بنحوه.
وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد

(1/211)


ابن أَبِي حبيب أن عَمْرو بْن العاصي دخل مصر في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وكان عُمَر قَدْ أشفق من ذلك فأرسل الزبير بْن العوام في اثني عشر ألفا فشهد معه فح مصر، قَالَ: فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين.
وحدثني إِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الخوارزمي، عن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أبي حبيب عن أَبِي فراس عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن العاص، قَالَ: اشتبه عَلَى الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون:
فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أَبِي قدمها فقاتله أهل اليونة ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين وكان الزبير أول من على حصنها، فقال صاحبها لأبي:
أنه قَدْ بلغنا فعلكم بالشام ووضعكم الجزية عَلَى النصارى واليهود وإقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون خراجها فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا، قَالَ: فاستشار أَبِي المسلمين فأشاروا عَلَيْهِ بأن يفعل ذلك إلا نفر منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم فوضع عَلَى كل حالم دينارين جزية إلا أن يكون فقيرا وألزم كل ذي أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطي زيت وقسطي عسل وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم، وأحصى المسلمون، فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين في كل عام أو عدل الجبة الصوف ثوبا قبطيا وكتب عليهم بذلك كتابا وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم، فكتب بذلك إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين عُمَر فأجازه وصارت الأرض أرض خراج إلا أنه لما وقع هَذَا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا، قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل مصر عَلَى مثل صلح اليونة فرضوا به، وقالوا هؤلاء الممتنعون قَدْ رضوا وقنعوا بهذا فنحن به

(1/212)


أقنع لأننا فرش لا منعة لنا، ووضع الخراج عَلَى أرض مصر فجعل عَلَى كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما وعلى رأس كل حالم دينارين وكتب بذلك إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه.
وحدثني عَمْرو الناقد عن عَبْد اللَّهِ بْن وهب المصري عَنِ الليث عن يزيد ابن أَبِي حبيب: أن المقوقس صالح عَمْرو بْن العاصي عَلَى أن يسير منَ الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة منَ الروم عَلَى أمر سماه، وأن يفرض عَلَى القبط دينارين فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش، فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب فخرج إليه المقوقس، فقال: أسألك ثلاثا أن لا تبذل للروم مثل الَّذِي بذلت لي فإنهم قَدِ استغشوني وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم وإن مت فمر بدفني في كنيسة بالإسكندرية ذكرها، فقال عمرو: هذه أهونهن علي وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عُمَر بْن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة وكان لهم عهد لم ينقضوه وكتب عَمْرو بفتح الإسكندرية إِلَى عُمَر.
«أما بعد» فإن اللَّه فتح علينا الإسكندرية عنوة قسرا بغير عهد ولا عقد وهي كلها صلح في قول يزيد بْن أَبِي حبيب.
حدثني أَبُو أيوب الرقي عن عَبْد الغفار عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قَالَ: جبى عَمْرو خراج مصر وجزيتها ألفي ألف وجباها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح أربعة آلاف ألف، فقال عُثْمَان لعمرو: إن اللقاح بمصر بعدك قَدْ درث ألبانها، قَالَ: ذاك لأنكم أعجفتم أولادها.
قال: وكتب عُمَر بْن الخطاب في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاصي يعلمه ما فيه أهل المدينة منَ الجهد ويأمره أن يحمل ما يقبض منَ الطعام

(1/213)


في الخراج إِلَى المدينة في البحر فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت فإذا ورد الجار تولى قبضه سَعْد الجار، ثُمَّ جعل في دار بالمدينة وقسم بَيْنَ الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى، ثُمَّ حمل في أيام معاوية ويزيد ثُمَّ انقطع إِلَى زمن عَبْد الملك بْن مروان ثُمَّ لم يزل يحمل إِلَى خلافة أَبِي جَعْفَر وقبيلها.
وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: حدثني أَبُو صالح عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب: أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عُمَر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل عَلَى دينارين دينارين، فألزم كل رجل أربعة دنانير فرضوا بذلك وأحبوه.
وحدثني أَبُو أيوب الرقى، قَالَ: حدثني عَبْد الغفار الحراني عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب عَنِ الجيشاني، قَالَ سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عَمْرو بن العاصي لما فتح الفسطاط وجه عَبْد اللَّهِ بْن حذافة السهمي إِلَى عين شمس فغلب عَلَى أرضها وصالح أهل قراها عَلَى مثل حكم الفسطاط، ووجه خارجة بْن حذافة العدوي إِلَى الفيوم والأشمونين وأخميم والبشر ودات وقرى الصعيد ففعل مثل ذلك، ووجه عمير بْن وهب الجمحي إِلَى تنيس ودمياط وتونة [1] ودميرة وشطا ودقهلة وبنا وبوصير ففعل مثل ذلك ووجه عقبة بْن عَامِر الجهني، ويقال: وردان مولاه صاحب سوق وردان بمصر إِلَى سائر قرى أسفل الأرض ففعل مثل ذلك، فاستجمع عَمْرو بن العاصي فتح مصر فصارت أرضها أرض خراج.
وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الغفار الحراني عَنِ ابْن لهيعة عَنِ إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد عن أيوب بْن أَبِي العالية عن أبيه، قال: سمعت عمرو
__________
[1] قرية كانت قرب دمياط وبها ولد الحافظ المحدث عبد المؤمن بن خلف الدمياطي رحمه الله.

(1/214)


ابن العاصي يقول عَلَى المنبر: لقد قعدت مقعدي هَذَا وما لأحد من قبط مصر علي عهد ولا عقد إن شئت قتلت وإن شئت خمست وإن شئت بعت إلا أهل انطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به.
وحدثني الْقَاسِم بْن سلام قَالَ: حدثني به عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن موسى بْن علي بْن رباح اللخمي عن أبيه، قَالَ: المغرب كله عنوة.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد عن سَعِيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة عن الصلت بْن أَبِي عاصم كاتب حيان بْن شريح أنه قرأ كتاب عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى حيان وكان عامله عَلَى مصر: أن مصر فتحت عنوة بغير عهد ولا عقد.
وحدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أبي مريم عن يَحْيَى بْن أيوب عن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر، قَالَ: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد عَلَى كل امرئ منَ القبط قيراطا، فكتب إليه كيف أزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن عَبْد الحميد بْن جَعْفَر عن أبيه، قَالَ: سمعت عُرْوَة بْن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد قَدْ حمل عليهم فوق طاقتهم وإنما فتحها عَمْرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم.
وحدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بْن سَعْد عن يزيد بْن أَبِي علاقة عن عقبة بْن عَامِر الجهني، قَالَ: كان لأهل مصر عهد وعقد كتب لهم عَمْرو: أنهم آمنون عَلَى أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم، وأن يدفع عنهم خوف عدوهم، قَالَ عقبة: وأنا شاهد عَلَى ذلك.
وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بْن آدم عن عَبْد اللَّهِ بْن

(1/215)


المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أَبِي حبيب عمن سمع عَبْد اللَّهِ بْن المغيرة ابن أَبِي بردة، قَالَ سمعت سُفْيَان بْن وهب الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بْن العوام فقال: يا عَمْرو اقسمها بيننا، فقال عَمْرو: لا والله لا أقسمها حَتَّى أكتب إِلَى عُمَر، فكتب إِلَى عُمَر فكتب إليه في جواب كتابه أن أقرها حَتَّى يغزو منها حبل الحبلة، أو قَالَ يغدو.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي مُحَمَّد بْن عُمَر عن أسامة بْن زيد بْن أسلم عن أبيه عن جده، قال: فتح عمرو بن العاصي مصر سنة عشرين ومعه الزبير فلما فتحها صالحه أهل البلد عَلَى وظيفة وظفها عليهم وهي ديناران عَلَى كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك، فبلغ خراج مصر في ولايته ألفي ألف دينار فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار.
حدثني أَبُو عُبَيْدة، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن الليث عن يزيد ابن أَبِي حبيب: أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاصي عَلَى أن فرض عَلَى القبط دينارين دينارين، فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط وبعث الجيوش إِلَى الإسكندرية وأغلقها ففتحها عمرو بن العاصي عنوة.
حَدَّثَنِي ابْنُ الْقَتَّاتِ وَهُوَ أَبُو مَسْعُودٍ عَنِ الْهَيْثَمِ عَنِ الْمُجَالِدِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَوِ الْحُسَيْنَ نَفْسَهُ كَلَّمَ مُعَاوِيَةَ فِي جِزْيَةِ أَهْلِ قَرْيَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِصْرَ فَوَضَعَهَا عَنْهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالْقِبْطِ خَيْرًا.
حَدَّثَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكْعَبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، وَقَالَ اللَّيْثُ: كَانَتْ أم إسماعيل منهم. أَبُو الْحَسَن المدائني عن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك، قَالَ: كان عُمَر بْن الخطاب

(1/216)


يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثُمَّ يقاسمهم ما زاد عَلَى ذلك وربما أخذه منهم، فكتب إلى عمرو بن العاصي أنه قَدْ فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم يكن حين وليت مصر، فكتب إليه عَمْرو: أن أرضنا أرض مزدرع ومتجر فنحن نصيب فضلا عما نحتاج إليه لنقتنا، فكتب إليه: إني قَدْ خبرت من عمال السوء ما كفى وكتابك إِلَى كتاب من قَدْ أقلقه الأخذ بالحق وقد سؤت بك ظنا وقد وجهت إليك مُحَمَّد بْن مسلمة ليقاسمك مَالِك فأطلعه طلعة وأخرج إليه ما يطالبك بها واعفه منَ الغلظة عليك فإنه برح الخفاء، فقاسمه ماله، المدائني عن عِيسَى بْن يزيد، قَالَ: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاصي. قَالَ عَمْرو إن زمانا عاملنا فيه حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء، لقد كان العاصي يلبس الخز بكفاف الديباج، فقال مُحَمَّد: مه لولا زمان ابن حنتمة هَذَا الَّذِي تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكاؤها، قَالَ: أنشدك اللَّه أن لا تخبر عُمَر بقولي فإن المجالس بالأمانة، فقال: لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حي.
وحدثني عَمْرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله ابن هبيرة أن مصر فتحت عنوة.
وحدثني عَمْرو عَنِ ابْن وهب عَنِ ابْن لهيعة عن ابْن أنعم عن أبيه عن جده وكان ممن شهد فتح مصر، قَالَ: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد.
فتح الإسكندرية
قالوا: لما افتتح عمرو بن العاصي مصر أقام بها ثُمَّ كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب يستأمره في الزحف إِلَى الإسكندرية، فكتب إليه يأمره بذلك فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف عَلَى مصر خارجة بْن حذافة بْن غانم بْن

(1/217)


عَامِر بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُبَيْد بْن عويج بْن عدي بْن كعب بْن لؤي بْن غالب، وكان من دون الإسكندرية منَ الروم والقبط قَدْ تجمعوا له، وقالوا: نغزوه بالفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية فلقيهم بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان فيهم من أهل سخا وبلهبت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رفدوهم وأعانوهم، ثُمَّ سار عَمْرو حَتَّى انتهى إِلَى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة، فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إِلَى مدة فأبى عَمْرو ذلك، فأمر المقوقس النساء أن يقمن عَلَى سور المدينة مقبلات بوجوههن إِلَى داخله، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إِلَى المسلمين ليرهبهم بذلك، فأرسل إليه عَمْرو إنا قَدْ رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان، فقال المقوقس لأصحابه: قَدْ صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حَتَّى أدخلوه القسطنطينية فنحن أولى بالإذعان، فأغلظوا له القول وأبوا إلا المحاربة، فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا وحصروهم ثلاثة أشهر، ثم أن عمرا فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل اليونة، فكتب إِلَى عُمَر بالفتح مع معاوية بْن خديج الكندي ثُمَّ السكوني وبعث إليه معه بالخمس.
ويقال: أن المقوقس صالح عمرا عَلَى ثلاثة عشر ألف دينار عَلَى أن يخرج منَ الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام وعلى أن يفرض عَلَى كل حالم منَ القبط دينارين فكتب لهم بذلك كتابا، ثُمَّ أن عَمْرو بْن العاصي استخلف عَلَى الإسكندرية عَبْد اللَّهِ بْن حذافة بْن قيس بْن عدي بْن سَعْد بْن سهم بْن عَمْرو بْن هصيص بْن كعب بْن لؤي في رابطة منَ المسلمين وانصرف إِلَى الفسطاط، وكتب الروم إِلَى قسطنطين بْن هرقل، وهو كان

(1/218)


الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم منَ المسلمين وبما هم فيه منَ الذلة وأداء الجزية فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل فى ثلاثمائة مركب مشحونة بالمقاتلة فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا وذلك في سنة خمس وعشرين وبلغ عمرا الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفا فوجد مقاتلتهم قَدْ خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثُمَّ صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا، ثُمَّ إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الإسكندرية فتحصنوا بها ونصبوا العرادات فقاتلهم عَمْرو عليها أشد قتال ونصب المجانيق فأخذت جدرها وألح بالحرب حَتَّى دخلها بالسيف عنوة فقتل المقاتلة وسبى الذرية وهرب بعض رومها إِلَى الروم وقتل عدو الله منويل وهدم عمروا والمسلمون جدار الإسكندرية وكان عَمْرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.
وقال بعض الرواة أن هَذِهِ الغزاة كانت في سنة ثلاث وعشرين، وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث وعشرين وسنة خمس وعشرين والله أعلم قَالُوا: ووضع عَمْرو عَلَى أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية، وروى أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا فأقره عَمْرو ومن معه عَلَى أمرهم الأول، وروى أيضا أنه قَدْ كان مات قبل هَذِهِ الغزاة.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عَنِ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة عن حيان بْن شريح عن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه أنه قَالَ: لم نفتح قرية منَ المغرب عَلَى صلح إلا ثلاثا الإسكندرية وكفرطيس، وسلطيس، فكان عُمَر يقول من أسلم من أهل هَذِهِ المواضع خلى سبيله وسبيل ماله.
حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ حَدَّثَنَا ابْن وهب المصري عَنِ ابْن لهيعة عن

(1/219)


يزيد بْن أَبِي حبيب أنه قَالَ افتتح عمرو بن العاصي الإسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم ثُمَّ قفلوا ثُمَّ غزوا وابتدروا إِلَى المنازل فكان الرجل يأتي المنزل الَّذِي كان ينزله فيجد صاحبه قَدْ نزله وبدر إليه، فقال عَمْرو:
إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاودونها.
فلما غزا فصاروا عند الكريون قَالَ لهم سيروا عَلَى بركة اللَّه فمن ركز منكم رمحا في دار فهي له ولبني أبيه، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه كذلك أيضا فكانت الدار بَيْنَ النفسين والثلاثة فكانوا يسكنونها فإذا قفلوا سكنها الروم، فكان يزيد بْن أَبِي حبيب يقول: لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم، فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصى أغلقها أهلها ففتحها عَمْرو وأخرب سورها، قَالُوا ولما ولي عَمْرو وردان مولاه الإسكندرية ورجع الفسطاط فلم يلبث إلا قليلا حَتَّى أتاه عزله فولى عُثْمَان بعده عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح بْن الحارث أحد بنى عامر ابن لؤي، مكان أخا عُثْمَان منَ الرضاعة وكانت ولايته في سنة خمس وعشرين ويقال: أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد كان عَلَى خراج مصر من قبل عُثْمَان فجرى بينه وبين عَمْرو كلام فكتب عَبْد اللَّهِ يشكو عمرا فعزله عثمان وجمع العملين لعبد اللَّه بْن سَعْد وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت مرة عنوة وانتقضت مرتين ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم في كل ستة أشهر.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي أن ابْن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم رباطا الإسكندرية فخرج إليها منَ المدينة مرابطا فمات بها سنة سبع عشرة ومائة.

(1/220)


وحدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن موسى بْن علي عن أبيه، قَالَ: كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار، فلما كانت ولاية هِشَام بْن عَبْد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار.
حدثني عَمْرو عَنِ ابْن وهب عَنِ ابْن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب، قَالَ: كان عثمان عزل عمرو بن العاصي عن مصر وجعل عليها عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد، فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عُثْمَان أن يقر عمرا حَتَّى يفرغ من قتال الروم لأن له معرفة بالحرب وهيبة في أنفس العدو ففعل حَتَّى هزمهم فأراد عُثْمَان أن يجعل عمرا عَلَى الحرب وعبد اللَّه عَلَى الخراج فأبى ذلك عَمْرو وقال: أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها فولى عُثْمَان بْن سَعْد مصر، ثُمَّ أقامت الحبش منَ البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون منَ المياه في الغياض، قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن وهب: وأخبرني الليث بْن سَعْد عن موسى بْن علي عن أبيه أن عمرا فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عُثْمَان بعد وفاة عُمَر رحمه اللَّه.
فتح برقة وزويلة
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن شرحبيل بْن أَبِي عون عن عبد الله ابن هبيرة، قال: لما فتح عمرو بن العاصي الإسكندرية سار في جنده يريد المغرب حَتَّى قدم برقة وهي مدينة انطابلس فصالح أهلها عَلَى الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه.
حدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد اللَّهِ بْن صالح عن سهيل بْن عقيل عن عَبْد اللَّهِ بْن هبيرة، قَالَ صالح عمرو بن العاصي: أهل انطابلس

(1/221)


ومدينتها برقة وهي بَيْنَ مصر وأفريقية بعد أن حاصرهم وقاتلهم عَلَى الجزية عَلَى أن يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم وكتب لهم بذلك كتابًا.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مسلمة بْن سَعِيد عَنِ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي فروة، قَالَ: كان أهل برقة يبعثون بخراجهم إِلَى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث فكانوا أخصب قوم بالمغرب ولم يدخلها فتنة، قَالَ الواقدي: وكان عَبْد الله بن عمرو بن العاصي يقول: لولا مالي بالحجاز لنزلت برقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها.
وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثنا عبد الله بْن صالح عن معاوية بْن صالح، قَالَ: كتب عمرو بن العاصي إِلَى عُمَر بْن الخطاب يعلمه أنه قَدْ ولى عقبة بْن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة وأن من بَيْنَ زويلة وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم قَدْ أدى مسلمهم الصدقة، وأفر معاهدهم بالجزية، وأنه قَدْ وضع عَلَى أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه، وأمر عماله جميعا أن يأخذوا الصدقة منَ الأغنياء فيردوها في الفقراء، ويأخذوا الجزية منَ الذمة فتحمل إليه بمصر، وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر ونصف العشر ومن أهل الصلح صلحهم.
وحدثني بكر بْن الهيثم، قَالَ: سألت عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ البربر، فقال: هم يزعمون أنهم ولد بر بْن قيس وما جعل اللَّه لقيس ولدا يقال له بر، وإنما هم منَ الْجَبَّارِين الَّذِينَ قاتلهم داود عَلَيْهِ السلام وكانت منازلهم عَلَى أيادي الدهر فلسطين وهم أهل عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاصي، كتب فى شرطه على أهل لواتة

(1/222)


منَ البربر من أهل برقة أن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم منَ الجزية قَالَ الليث: فلو كانوا عُبَيْدا ما حل ذلك منهم.
وحدثني بكر بْن الهيثم، قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتب في اللواتيات: أن من كانت عنده لواتية فليخطبها إِلَى أبيها أو فليرددها إِلَى أهلها، قَالَ: ولواتة قربة منَ البربر كان لهم عهد.
فتح أطرابلس
حدثني بكر بْن الهيثم عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن معاوية بْن صالح عن على ابن طلحة، قال: سار عمرو بن العاصي حَتَّى نزل أطرابلس في سنة اثنتين وعشرين فقُوتِل، ثُمَّ افتتحها عنوة وأصاب بها أحمال بزيون كثيرة مع تجار من تجارها فباعه وقسم ثمنه بَيْنَ المسلمين وكتب إِلَى عُمَر بن الخطاب «أنا قَدْ بلغنا أطرابلس وبينها وبين أفريقية تسعة أيام، فإن رأى أمير الْمُؤْمِنِين أن يأذن لنا في غزوها فعل، فكتب إليه ينهاه عنها ويقول: ما هي بأفريقية ولكنها مفرقة غادرة مغدور بها، وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إِلَى ملك الروم شيئا فكانوا يغدرون به كثيرا وكان ملك الأندلس صالحهم ثُمَّ غدر بهم وكان خبرهم قَدْ بلغ عُمَر.
حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن وهب عَنِ الليث بْن سَعْد، قَالَ: حدثني مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهد من عمرو بن العاصي.
فتح إفريقية
قَالُوا: لما ولي عَبْد اللَّهِ بن سعد بن أبى سرح مصر والمغرب بعث المسلمين في جرائد خيل فأصابوا من أطراف أفريقية وغنموا، وكان عُثْمَان

(1/223)


ابن عَفَّان رضي اللَّه عنه متوقفا عن غزوها ثُمَّ إنه عزم عَلَى ذلك بعد أن استشار فيه، وكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ في سنة سبع وعشرين ويقال: في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين يأمره بغزوها وأمده بجيش عظيم فيه معبد بْن العَبَّاس بْن عَبْد المطلب، ومروان بْن الحكم بن أبى العاصي بْن أمية، والحارث بْن الحكم أخوه، وعبد الله بن الزبير بن العوام، والمسور ابن مخرمة بْن نوفل بْن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب، وعبد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن الخطاب، وعبد اللَّه بْن عمر بن الخطاب، وعاصم ابن عُمَر، وعُبَيْد اللَّه بْن عُمَر وعبد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكر، وعبد اللَّه بْن عَمْرو بن العاصي، وبسر بْن أَبِي أرطاة بْن عويمر العامري، وأبو ذؤيب خويلد بْن خَالِد الهذلي الشاعر وبها تُوُفِّيَ فقام بأمره ابْن الزبير حَتَّى واراه في لحده، وخرج في هَذِهِ الغزاة ممن حول المدينة منَ العرب خلق كثير.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بْن زيد بْن أسلم عن نافع مولى آل الزبير عن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، قَالَ: أغزانا عُثْمَان بْن عَفَّان أفريقية وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إِلَى طنجة، فسار عبد الله بن سعد ابن أَبِي سرح حَتَّى حل بعقوبة فقاتله أياما فقتله اللَّه، وكنت أنا الَّذِي قتلته، وهرب جيشه فتمزقوا، وبث ابْن أَبِي سرح السرايا ففرقها في البلاد فأصابوا غنائم كثيرة واستاقوا منَ المواشي ما قدروا عَلَيْهِ، فلما رأى ذلك عظماء أفريقية اجتمعوا فطلبوا إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار من ذهب عَلَى أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم فقبل ذلك.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن أسامة بْن زيد الليثي عَنِ ابْن كعب أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح صالح بطريق أفريقية عَلَى ألفي

(1/224)


ألف دينار وخمسمائة ألف. وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن موسى بْن ضمرة المازني عن أبيه، قَالَ: لما صالح عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بطريق أفريقية رجع إِلَى مصر ولم يول عَلَى أفريقية أحدا، ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصر جامع.
قال: فلما قتل عُثْمَان وولي أمر مصر مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة بْن عتبة بْن ربيعة لم يوجه إليها أحدا فلما ولي معاوية بْن أَبِي سُفْيَان ولى معاوية بْن حديج السكوني مصر فبعث في سنة خمسين عقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس بْن لقيط الفهري فغزاها واختطها، قَالُوا: ووجه عقبة بسر بْن أَبِي أرطاة إِلَى قلعة منَ القيروان فافتتحها وقتل وسبى، وهي اليوم تعرف بقلعة بسر، وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة [1] .
وقد سمعت من يذكر أن موسى بْن نصير وجه بسرا، وبسر ابن اثنتين وثمانين سنة إِلَى هَذِهِ القلعة فافتتحها، وكان مولد بسر قبل وفاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، وغير الواقدي يزعم أنه قَدْ روى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله أعلم.
وقال الواقدي. ولم يزل عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد واليا حَتَّى غلب مُحَمَّد بْن أَبِي حذيفة عَلَى مصر، وهو كان أنغلها عَلَى عُثْمَان ثُمَّ أن عليا رضي اللَّه عنه ولى قيس بْن سَعْد بْن عبادة الأنصاري مصر، ثُمَّ عزله واستعمل عليها مُحَمَّد بْن أَبِي بكر الصديق ثُمَّ عزله وولى مالكا الأشتر فاعتل بالقلزم ثُمَّ ولى مُحَمَّد بْن أبي بكر ثانية ورده عليها فقتله معاوية بْن حديج وأحرقه في جوف حمار، وكان الوالي عمرو بن العاصي من قبل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان فمات
__________
[1] يقال بأن عقبة بسر بن أبي أرطأة عند ما احتل مجانة قد خرب معالمها وقتل معظم سكانها ونهب أموالهم، وأخذ أطفالهم وبناتهم.

(1/225)


عَمْرو بمصر يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين ويقال سنة ثلاث وأربعين وولى عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو ابنه بعده ثُمَّ عزله معاوية بْن حديج فأقام بها أربع سنين ثُمَّ غزا فغنم ثُمَّ قدم مصر فوجه عقبة بْن نافع بْن عَبْد قيس الفهري، ويقال:
بل ولاه معاوية المغرب فغزا أفريقية في عشرة آلاف منَ المسلمين فافتتح أفريقية واختط قيروانها، وكان موضع غيضة ذات طرفاء وشجر لا يرام منَ السباع والحيات والعقارب القتالة وكان ابْن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة فدعا ربه فأذهب ذلك كله حَتَّى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها.
وقال الواقدي: قلت لموسى بْن علي رأيت بناء أفريقية المتصل المجتمع الَّذِي نراه اليوم من بناه فقال: أول من بناها عقبة بْن نافع الفهري اختطها ثُمَّ بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن وبنى المسجد الجامع بها.
قَالَ: وبأفريقية استشهد معبد بْن العَبَّاس رحمه الله فى غزاة ابن أَبِي سرح في خلافة عُثْمَان، ويقال: بل مات في أيام القتال، واستشهاده أثبت.
وقال الواقدي وغيره: عزل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان معاوية بن حذيج وولى مصر والمغرب مسلمة بْن مخلد الأنصاري، فولى المغرب أَبَا المهاجر مولاه فلما ولي يزيد بْن معاوية رد عقبة بْن نافع عَلَى عمله فغزا السوس الأدنى وهو خلف طنجة وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله فانصرف ومات يزيد بْن معاوية وبويع لابنه معاوية بْن يزيد وهو أَبُو ليلى فنادى: الصلاة جامعة، ثُمَّ تبرأ منَ الخلافة وجلس في بيته ومات بعد شهرين، ثم كانت ولاية مروان بْن الحكم وفتنة بْن الزبير [1] ثُمَّ ولى عَبْد الملك بْن مروان فاستقام له
__________
[1] ولي عبد الله بن الزبير مصر وهو عبد الرحمن بن عقبة الفهري فأخرج عن مصر، ويقال:
قتل بها فولى مروان عقبة بن نافع.

(1/226)


الناس فاستعمل أخاه عَبْد الْعَزِيزِ عَلَى مصر فولى أفريقية زهير بْن قيس البلوى ففتح تونس، ثُمَّ انصرف إِلَى برقة فبلغه أن جماعة منَ الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا فتوجهوا إليهم في جريدة خيل فلقيهم فاستشهد ومن معه فقبره هناك وقبورهم تدعى قبور الشهداء. ثُمَّ ولى حسان بْن النعمان الغساني فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته فأتى قصورا في حيز برقة فنزلها وهي قصور يضمها قصر سقوفه أزاج فسميت قصور حسان، ثُمَّ أن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سبيا منَ البربر، وبعث به إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ فكان أَبُو محجن نصيب الشاعر يقول: لقد حضرت عند عَبْد الْعَزِيزِ سبيا منَ البربر ما رأيت قط وجوها أحسن من وجوههم.
قَالَ ابْن الكلبي: ولى هِشَام كلثوم بْن عياض بْن وحوح القشيري أفريقية فانتقض أهلها عَلَيْهِ فقتل بها، وقال ابْن الكلبي: كان أفريقيس بْن قيس بْن صيفي الحميري غلب عَلَى أفريقية في الجاهلية فسميت به وهو الَّذِي قتل جرجير ملكها فقال للبرابرة: ما أكثر بربرة هؤلاء فسموا البرابرة.
وحدثني جماعة من أهل أفريقية عن أشياخهم أن عقبة بْن نافع الفهري لما أراد تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه فأرى في منامه كأن رجلا أذن في الموضع الَّذِي جعل فيه مئذنته، فلما أصبح بنى المنابر في موقف الرجل ثُمَّ بنى المسجد.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي، قَالَ: ولى مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي أفريقية من قبل أَبِي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين فرم مدينة القيروان ومسجدها ثُمَّ عزله المَنْصُور وولى عُمَر بْن حفص هزار مردد مكانه
.

(1/227)


فتح طنجة
قال الواقدي: وجه عَبْد الْعَزِيزِ بْن مروان موسى بْن نصير مولى بني أمية وأصله من عين التمر، ويقال: بل هُوَ من أراشة من بلى ويقال هُوَ من لخم واليا عَلَى أفريقية، ويقال: بل وليها في زمن الوليد بْن عَبْد الملك سنة تسع وثمانين ففتح طنجة ونزلها، وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين وانتهت خيله إِلَى السوس الأدنى وبينه وبين السوس الأقصى نيف وعشرون يوما فوطئهم وسبى منهم وأدوا إليه الطاعة وقبض عامله منهم الصدقة ثُمَّ ولاها طارق بْن زياد مولاه وانصرف إِلَى قيروان أفريقية.
فتح الأندلس
قال الواقدي: غزا طارق بْن زياد عامل موسى بْن نصير الأندلس وهو أول من غزاها وذلك في سنة اثنتين وتسعين فلقيه أليان وهو وال عَلَى مجاز الأندلس فآمنه طارق عَلَى أن حمله وأصحابه إِلَى الأندلس في السفن، فلما صار إليها حاربه أهلها ففتحها وذلك في سنة اثنتين وتسعين، وكان ملكها فيما يزعمون منَ الأشبان وأصلهم من أصبهان، ثُمَّ أن موسى بْن نصير كتب إِلَى طارق كتابا غليظا لتغريره بالمسلمين وافتتانه عَلَيْهِ بالرأي في غزوه وأمر أن لا يجاوز قرطبة وسار موسى إِلَى قرطبة منَ الأندلس فترضاه طارق فرضي عنه فافتتح طارق مدينة طليطلة وهي مدينة مملكة الأندلس وهي مما يلي فرنجة وأصاب بها مائدة عظيمة أهداها موسى بْن نصير إِلَى الوليد بْن عَبْد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين والوليد مريض، فلما ولي سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أخذ موسى بْن نصير بمائة ألف دينار فكلمه فيه يزيد بْن المهلب فأمسك عنه، ثُمَّ لما كانت خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ رضي اللَّه عنه ولى المغرب إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّهِ

(1/228)


بْن أَبِي المهاجر مولى بني مخزوم، فسار أحسن سيره ودعى البربر إِلَى الإِسْلام وكتب إليهم عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ كتبا يدعوهم بعد إِلَى ذلك فقرأها إِسْمَاعِيل عليهم في النواحي فغلب الإِسْلام عَلَى المغرب.
قَالُوا: ولما ولي يزيد بْن عَبْد الملك ولي يزيد بن أبى مسلم مولى الحجاج ابن يوسف أفريقية والمغرب، فقدم أفريقية في سنة اثنتين ومائة وكان حرسه البربر فوسم كل امرئ منهم عَلَى يده حرسي، فأنكروا ذلك وملوا سيرته فدب بعضهم إِلَى بعض وتضافروا على قتله فخرج ذات عشية لصلاة المعرب فقتلوه في مصلاه فولى يزيد بشر بْن صفوان الكلبي فضرب عنق عَبْد اللَّهِ بْن موسى بْن نصير بيزيد، وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عَلَيْهِ، ثُمَّ ولى هِشَام بْن عَبْد الملك بشر بْن صفوان أيضا فتُوُفِّيَ بالقيروان سنة تسع ومائة فولى مكانه عُبَيْدة بْن عَبْد الرَّحْمَنِ القيسي، ثُمَّ استعمل بعده عَبْد اللَّهِ بْن الحبحاب مولى بني سلول فأغزى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب بْن أبي عُبَيْدة بْن عقبة بْن نافع الفهري السوس وأرض السودان فظفر ظفرا لم ير أحد مثله قط، وأصاب جاريتين من نساء ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان ثُمَّ ولى بعد ابْن الحبحاب كلثوم بْن عياض القشيري فقدم أفريقية في سنة ثلاث وعشرين فقتل، ثُمَّ ولى بعده حنظلة بْن صفوان الكلبي أخا بشر بْن صفوان فقاتل الخوارج وتُوُفِّيَ هناك وهو وال، وقام الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك فخالف عَلَيْهِ عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب الفهري وكان محببا في ذلك الثغر لما كان من آثار جده عقبة بْن نافع فيه فغلب عَلَيْهِ وانصرف عنه حنظلة فبقي عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، وولى يزيد بْن الوليد الخلافة فلم يبعث إِلَى المغرب عاملا وقام مروان بْن مُحَمَّد فكاتبه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث إليه بالهدايا، وكان كاتبه خَالِد بْن ربيعة الأفريقي. وكان بينه وبين عَبْد الحميد بْن يَحْيَى مودة ومكاتبة فأقر مروان

(1/229)


عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى الثغر ثُمَّ ولى بعده الياس بْن حبيب ثُمَّ حبيب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ثُمَّ غلب البربر والأباضية منَ الخوارج، ثُمَّ دخل مُحَمَّد بْن الأشعث الخزاعي أفريقية واليا عليها في آخر خلافة أَبِي العَبَّاس في سبعين ألفا ويقال في أربعين ألفا فوليها أربع سنين فرم مدينة القيروان، ثُمَّ وثب عَلَيْهِ جند البلد وغيرهم، وسمعت من تحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم أربعين يوما وهو في قصره حَتَّى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه من أهل خراسان وغيرهم وظفر بمن حاربه وعرضهم عَلَى الأسماء، فمن كان اسمه معاوية أو سُفْيَان أو مروان أو اسما موافقا لأسماء بني أمية قتله، ومن كان اسمه خلاف ذلك استبقاه فعزله المَنْصُور. وولى عُمَر بْن حفص بْن عُثْمَان بْن قبيصة بْن أَبِي صفرة العتكي، وهو الَّذِي سمى هزار مرد، وكان المَنْصُور به معجبا فدخل أفريقية وغزا منها حَتَّى بلغ أقصى بلاد البربر وابتنى هناك مدينة سماها العَبَّاسية، ثُمَّ أن أَبَا حَاتِم السدراتي الأباضي من أهل سدراتة وهو مولى لكندة قاتله فاستشهد وجماعة من أهل بيته وانتقض الثغر وهدمت تلك المدينة الَّتِي ابتناها، وولى بعد هزار مرد يزيد بْن حَاتِم بْن قبيصة بْن المهلب، فخرج في خمسين ألفا، وشيعه أَبُو جَعْفَر المَنْصُور إِلَى بيت المقدس وأنفق عَلَيْهِ مالا عظيما فسار يزيد حَتَّى لقي أَبَا حَاتِم بأطرابلس فقتله ودخل أفريقية فاستقامت له، ثُمَّ ولى بعد يزيد بْن حَاتِم روح بْن حَاتِم ثُمَّ الْفَضْل بْن روح فوثب الجند عَلَيْهِ فذبحوه.
وحدثني أَحْمَد بْن ناقد مولى بني الأغلب، قَالَ: كان الأغلب بْن سالم التميمي من أهل مرو الروز فيمن قدم مع المسودة من خراسان فولاه موسى الهادي المغرب فجمع له حريش، وهو رجل كان من جند الثغر من تونس جمعا، وسار إليه وهو بقيروان أفريقية فحصره، ثُمَّ أن الأغلب خرج إليه

(1/230)


فقاتله فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه ولم يعلم به أصحاب حريش، ثُمَّ أن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوق الأجد فسمى الأغلب الشهيد، قَالَ: وكان إِبْرَاهِيم بْن الأغلب من وجوه جند مصر فوثب واثنا عشر رجلا معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيا وهربوا فلحقوا بموضع يقال له الزاب، وهو منَ القيروان عَلَى مسيرة أكثر من عشرة أيام، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هرثمة ابن أعين واعتقد إِبْرَاهِيم بْن الأغلب عَلَى من كان من تلك الناحية منَ الجند وغيرهم الرياسة واقبل يهدي إِلَى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدا من طاعة ولا اشتمل عَلَى معصية وأنه إنما دعاه إِلَى ما كان منه الأحواج والضرورة فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها، فلما صرف هرثمة منَ الثغر وليه بعده ابن العكي فساء أثره فيه حَتَّى انتقض عَلَيْهِ فاستشار الرشيد هرثمة في رجل يوليه إياه ويقلده أمره فأشار عَلَيْهِ باستصلاح إِبْرَاهِيم واصطناعه وتوليته الثغر فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قَدْ صفح له عن جرمه وإقالة هفوته ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعا له ليستقبل به الإحسان ويستقبل به النصيحة، فولى إِبْرَاهِيم ذلك الثغر وقام به وضبطه، ثُمَّ أن رجلا من جند البلد يقال له عِمْرَان بْن مجالد خالف ونقض فانضم إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا إِبْرَاهِيم بالقيروان فلم يلبثوا إن أتاهم العراض والمعطون ومعهم مال من خراج مصر فلما أعطوا تفرقوا فابتنى إِبْرَاهِيم القصر الأبيض الَّذِي في قبلة القيروان عَلَى ميلين منها وخط للناس حوله فابتنوا ومصر ما هناك وبنى مسجدا جامعا بالجص والآجر وعمد الرخام وسقفه بالأردن وجعله مائتي ذراع في نحو مائتي ذراع وابتاع عُبَيْدا اعتقهم فبلغوا خمسة آلاف وأسكنهم حوله وسمى تلك المدينة العَبَّاسية وهي اليوم آهلة عامرة.

(1/231)


وكان مُحَمَّد بْن الأغلب بْن إِبْرَاهِيم بْن الأغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين ومائتان مدينة بقرب تاهرت سماها العَبَّاسية أيضا فأخربها أفلح بْن عَبْد الوهاب الأباضي، وكتب إِلَى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقربا إليه به فبعت إليه الأموي مائة ألف درهم.
وبالمغرب أرض تعرف بالأرض الكبيرة وبينها وبين برقة مسيرة خمسة عشر يوما أو أقل من ذلك قليلا أو أكثر قليلا وبها مدينة عَلَى شاطئ البحر تدعى بارة، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم غزاها حبلة مولى الأغلب فلم يقدر عليها، ثُمَّ غزاها خلفون البربري، ويقال: أنه مولى لربيعة ففتحها في أول خلافة المتوكل عَلَى اللَّه، وقام بعده رجل يقال له المرج بْن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها وكتب إِلَى صاحب البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه منَ المسلمين صلاة إلا بأن يعقد له الإمام عَلَى ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين، وبنى مسجدا جامعا، ثُمَّ أن أصحابه شغبوا عَلَيْهِ فقتلوه، وقام بعده سوران فوجه رسوله إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه يسأله عقدا وكتاب ولاية، فتُوُفِّيَ قبل أن ينصرف رسوله إليه وتُوُفِّيَ المنتصر بالله.
وكانت خلافته ستة أشهر، وقام المستعين بالله أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن المعتصم بالله فأمر عامله عَلَى المغرب وهو أو تامش مولى أمير الْمُؤْمِنِين بأن يعقد له عَلَى ناحيته فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل أو تامش وولى الناحية وصيف مولى أمير الْمُؤْمِنِين فعقد له وأنفذه
.

(1/232)


فتح جزائر في البحر
قالوا: غزا معاوية بْن حديج الكندي أيام معاوية بْن أَبِي سُفْيَان سقلية وكان أول من غزاها ولم تزل تغزى بعد ذلك، وقد فتح آل الأغلب بْن سالم الأفريقي منها نيفا وعشرين مدينة وهي في أيدي المسلمين، وفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الأغلب منها في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل على الله قصريانه وحصن غليانة، وقال الواقدي: سبى عَبْد اللَّهِ بْن قيس بن مخلد الدزقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضة مكالمة بالجوهر فبعث بها إِلَى معاوية فوجه بها معاوية إِلَى البصرة لتحمل إِلَى الهند فتباع هناك ليثمن بها، قَالُوا: وكان معاوية بْن أَبِي سُفْيَان يغزي برا وبحرا فبعث جنادة بْن أَبِي أمية الأزدي إِلَى رودس وجنادة أحد من روى عنه الحديث ولقى أَبَا بكر وعمرو معاذ بْن جبل ومات في سنة ثمانين ففتحها عنوة، وكانت غيضة في البحر وأمره معاوية فأنزلها قوما منَ المسلمين وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين، قَالُوا:
ورودس من أخصب الجزائر وهي نحو ستين ميلا فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي وغيره، قَالُوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم، فلما مات معاوية كتب يزيد إِلَى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل، وكان معاوية يعاقب بَيْنَ الناس فيها وكان مجاهد بْن جبر مقيما بها يقرئ الناس القرآن، وفتح جنادة بْن أَبِي أمية في سنة أربع وخمسين أرواد وأسكنها معاوية المسلمين، وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع بْن امرأة كعب الأحبار وبها أقرا مجاهد تبيعا القرآن، ويقال: أنه أقراه القرآن برودس وأرواد جزيرة بالقرب منَ القسطنطينية، وغزا جنادة أقريطش، فلما كان زمن الوليد فتح بعضها ثُمَّ أغلق وغزاها حميد بْن معيوق الهمداني في خلافة

(1/233)


الرشيد ففتح بعضها، ثُمَّ غزاها في خلافة المأمون أَبُو حفص عُمَر بْن عِيسَى الأندلسي المعروف بالأقريطشي وافتتح منها حصنا واحدا ونزله، ثُمَّ لم يزل يفتح شيئا بعد شيء حَتَّى لم يبق فيها منَ الروم أحد وأخرب حصونهم.
صلح التوبة
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي عَنِ الوليد بْن كثير عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير، قَالَ: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاصي إِلَى القرى الَّتِي حولها الخيل ليطأهم فبعث عقبة بْن نافع الفهري، وكان نافع أخا العاصي لأمه فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل صوائف الروم فلقي المسلمون بالنوبة قتالا شديدا لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حَتَّى جرح عامتهم فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة فسموا رماة الحدق فلم يزالوا عَلَى ذلك حَتَّى ولى مصر عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح فسألوه الصلح والموادعة فأجابهم إِلَى ذلك على غير جزية لكن على هدية ثلاثمائة رأس في كل سنة وعلى أن يهدي المسلمون إليهم طعامًا بقدر ذلك.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الواقدي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن جَعْفَر عن عَمْرو بْن الحارث عن أَبِي قبيل حيي بْن هاني المعافري عن شيخ من حمير، قَالَ: شهدت النوبة مرتين في ولاية عُمَر بْن الخطاب فلم أر قوما أحد في حرب منهم لقد رأيت أحدهم يقول: للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك فربما عبث الفتى منا فقال في مكان كذا فلا يخطئه كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شيء فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف فما قدرنا عَلَى معالجتهم رمونا حَتَّى ذهبت الأعين فعدت مائة وخمسين عينا مفقودة، فقلنا: مالها ولاء خير من

(1/234)


الصلح إن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة، فلم يصالحهم عَمْرو ولم يزل يكالبهم حَتَّى نزع وولى عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح فصالحهم، قَالَ الواقدي:
وبالنوبة ذهبت عين معاوية بْن حديج الكندي وكان أعور.
حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، قال. حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة عن يزيد بْن أَبِي حبيب، قَالَ: ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق إنما هي هدنة بينا وبينهم على أن نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد عن عَبْد اللَّهِ بْن صالح عَنِ الليث بْن سَعْد، قَالَ: إنما الصلح بيننا وبين النوبة عَلَى أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا وأن يعطونا رقيقا ونعطيهم بقدر ذلك طعاما فإن باعوا نساءهم وأبناءهم لم أر بذلك بأسا أن يشترى، ومن رواية أَبِي البحتري وغيره أن عَبْد اللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح صالح أهل النوبة عَلَى أن يهدوا في السنة أربعمائة رأس يخرجوا بها يأخذون بها طعاما.
وكان المهدي أمير الْمُؤْمِنِين أمر بإلزام النوبة فى كل سنة ثلاثمائة رأس وستين رأسا وزرافة عَلَى أن يعطوا قمحا وخل خمر وثيابا وفرشا أو قيمته، وقد ادعوا حديثا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة وأنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدي فرفعوا إليه أن هَذَا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم فإذا لم يجدوا منه شيئا عادوا عَلَى أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة فأمر بأن يحملوا في ذلك عَلَى أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت في دواوين الحضرة ووجد في الديوان بمصر، وكان المتوكل عَلَى اللَّه أمر بتوجيه رجل يقال له مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ ويعرف بالقمي إِلَى المعدن بمصر واليا عَلَيْهِ وولاه القلزم، وطريق الحجاز، وبذرقة حاج مصر، فلما وافى المعدن حمل الميرة منَ القلزم إِلَى بلاد البجة. ووافى ساحلا يعرف بعيذاب

(1/235)


فوافته المراكب هناك فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حَتَّى وصل إِلَى قلعة ملك البجة فناهضه وكان في عدة يسيرة، فخرج إليه البجوي في الدهم عَلَى إبل محزمة فعمد القمي إِلَى الأجراس فقلدها الخيل، فلما سمعت الإبل أصواتها تقطعت بالبجويين في الأودية والجبال وقتل صاحب البجة، ثُمَّ قام من بعده ابن أخته وكان أبوه أحد ملوك البجويين وطلب الهدنة فأبى المتوكل عَلَى اللَّه ذلك إلا أن يطأ بساطه فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة عَلَى أداء الإتاوة والبقط ورد مع القمي فأهل البجة عَلَى الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين منَ العمل في معدن الذهب وكان ذلك في الشرط عَلَى صاحبهم [1]
__________
[1] في صفحات التاريخ رواية تفيد بأن البجاة غاروا على أرض مصر بعد أن رفضوا تقديم الجزية المفروضة عليهم من الذهب الخالص، وأبدوا عن عدم استعدادهم لنقل هذا الذهب إلى مصر.
وعند ما هاجموا العمال الذين يستخدمهم والي مصر في تعدين الذهب، هرب هؤلاء خوفا من القتل، فكتب والي مصر يعرض الأمر على الخليفة العباسي، الذي علم أن أهل تلك المنطقة ليسوا سوى أهل بادية وأصحاب إبل وماشية، وإن الوصول إلى بلادهم صعب لصعوبة مسالكها، ولكثرة مفاوزها، ووعورة أرضها، وبينها وبين بلاد الإسلام مسيرة شهر في أرض قفراء خالية من الماء، وعلى الجيوش التي ترغب في دخولها التزود بالغذاء الذي يكفيها مدة شهر متى تخرج منها، فإن جاوز تلك المدة هلكت وفتك بمجموعها البجاة باليد، فأمسك المتوكل عنهم فطمعوا وزاد شرهم حتى ارتعدت فرائص أهل مصر منهم، فبعث والي مصر جيشا لمحاربتهم، فلما وصل الجيش إلى عنبسة زود بما يلزمه من الغذاء، فواصل السير إلى أرض البجة وتبعه عمال المعادن وبعض المتطوعة، بين فارس وراجل قيل أنهم بلغوا العشرين ألفا، ووجه إلى القلزم فحمل له في البحر سبع مراكب عامرة بالمواد التموينية، وأمر أصحابه أن يوافوه بها إلى ساحل البحر مما يلي بلاد البجة. ولما وصل الجيش إلى منطقة مناجم الذهب وحاول مهاجمة الحصون والقلاع خرج إليه ملك تلك البلاد علي بابا في جيش كبير يفوق عدد الجيش المصري بكثير، وهم على إبل سريعة،

(1/236)


أمر القراطيس
قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير. فكان عَبْد الملك بْن مروان أول من أحدث الكتاب الَّذِي يكتب فى رؤس الطوامير من قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 112: 1 وغيرها من ذكر اللَّه فكتب إليه ملك الروم أنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه. قَالَ: فكبر ذلك في صدر عَبْد الملك فكره أن يدع سنة حسنة سنها، فأرسل إِلَى خَالِد بْن يزيد بْن معاوية، فقال له: يا أَبَا هاشم إحدى بنات طبق وأخبره الخبر، فقال: افرخ روعك يا أمير الْمُؤْمِنِين حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها وأضرب للناس سككا، ولا
__________
[ () ] فوقعت بينهم معارك طاحنة استمرت عدة أيام، حتى وصلت المراكب التي فيها الأقوات في البحر فوزعها القمي قائد الجيش المصري على الجميع، ولما شعر علي بابا بأن المصريين قد اشتد ساعدهم بالأقوات شنّ هجوما قويا عليهم، ولكن القمي جمع صفوفه وخاض معركة طاحنة أفضت عن انكسار البجة وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون حتى أدركهم الليل فرجعوا إلى معسكرهم، ولما شعر علي بابا بضراوة المعارك طلب الأمان، فآمنه القمي على أن يدفع الجزية والخراج. فحمل علي بابا ما عليه من ضرائب للمدة التي منعها وهي أربع سنين. ثم غادر القمي البلاد ومعه علي بابا وقد استخلف ابنه فلما دخل على المتوكل خلع عليه وعلى أصحابه الديباج وولى المتوكل سعد الخادم البجة وطريق ما بين مصر ومكة.

(1/237)


تعف هؤلاء الكفرة مما كرهوا في الطوامير، فقال عَبْد الملك: فرجتها عني فرج اللَّه عنك وضرب الدنانير. قَالَ عوانة بْن الحكم وكانت الأقباط تذكر المسيح فى رؤس الطوامير وتنسبه إِلَى الربوبية تعالى اللَّه علوا كبيرا، وتجعل الصليب مكان بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم فلذلك كره ملك الروم ما كره واشتد عَلَيْهِ تغير عَبْد الملك ما غيره، وقال المدائني، قَالَ مسلمة بْن محارب: أشار خَالِد بْن يزيد عَلَى عَبْد الملك بتحريم دنانيرهم ومنع منَ التعامل بها وأن يدخل بلاد الروم شيء منَ القراطيس فمكث حينا لا يحمل إليهم.