فتوح البلدان
فتوح سواد العراق (خلافة أَبِي بكر الصديق
رضي اللَّه عنه)
قَالُوا: وكان المثنى بْن حارثة بْن سلمة بْن ضمضم الشيباني يغير عَلَى
السواد في رجال من قومه فبلغ أَبَا بكر الصديق رضي اللَّه عنه خبره
فسأل عنه، فقال له قيس بْن عاصم بْن سنان المنقري: هَذَا رجل غير خامل
الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد: هَذَا المثنى بْن حارثة
الشيباني، ثُمَّ أن المثنى قدم عَلَى أَبِي بكر، فقال له يا خليفة
رَسُول اللَّهِ استعملني عَلَى من أسلم من قومي أقاتل هَذِهِ الأعاجم
من أهل فارس، فكتب له أَبُو بكر في ذلك عهدا، فسار حَتَّى نزل خفان
ودعا قومه إِلَى الإِسْلام فأسلموا، ثُمَّ أن أَبَا بكر رضي اللَّه عنه
كتب إِلَى خَالِد بْن الوليد المخزومي يأمره بالمسير إِلَى العراق،
ويقال: بل وجهه منَ المدينة، وكتب أَبُو بكر إِلَى المثنى بْن حارثة
يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه، وكان مذعور بْن عدي العجلي قَدْ كتب
إِلَى أَبِي بكر يعلمه حاله وحال قومه ويسأله توليته قتال الفرس، فكتب
إليه يأمره بأن ينضم إِلَى خَالِد فيقيم معه إذا أقام ويشخص إذا شخص،
فلما نزل خَالِد النباج لقيه المثنى بْن حارثة بها
(1/238)
وأقبل خَالِد حَتَّى أتى البصرة وبها سويد
بْن قطبة الذهلي، وقال غير أَبِي مخنف كان بها قطبة بْن قتادة الذهلي،
من بكر بْن وائل ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل
المثنى بالكوفة، ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة، فقال سويد
لخالد: إن أهل الأبلة قَدْ جمعوا لي ولا أحسبهم امتنوا مني إلا لمكانك،
قَالَ له خَالِد فالرأي إن أخرج منَ البصرة نهارا ثُمَّ أعود ليلا
فأدخل عسكرك بأصحابي فإن صبحوك حاربناهم ففعل خَالِد ذلك وتوجه نحو
الحيرة، فلما جن عَلَيْهِ الليل انكفأ راجعا حَتَّى صار إِلَى عسكر
سويد فدخله بأصحابه وأصبح الأبليون وقد بلغهم انصراف خَالِد عَنِ
البصرة فأقبلوا نحو سويد، فلما رأوا كثرة من في عسكره سقط في أيديهم
وانكسروا، فقال خَالِد: احملوا عليهم فإني أرى هيئة قوم قَد ألقى
اللَّه في قلوبهم الرعب، فحملوا عليهم فهزموهم وقتل اللَّه منهم بشرا،
وغرق طائفة في دجلة البصرة، ثُمَّ مر خَالِد بالخريبة ففتحها وسبى من
فيها، واستخلف بها فيما ذكر الكلبي شريح بْن عَامِر بْن قين من بني
سَعْد بْن بكر بْن هوازن، وكانت مسلحة للعجم، ويقال أيضا: أنه أتى
النهر الَّذِي يعرف بنهر المرأة فصالح أهله، وأنه قاتل جمعا بالمذار،
ثُمَّ سار يريد الحيرة وخلف سويد بْن قطبة عَلَى ناحيته، وقال له: قَدْ
عركنا هَذِهِ الأعاجم بناحيتك عركة أذاتهم لك.
وقد روي أن خالدا لما كان بناحية اليمامة كتب إِلَى أَبِي بكر يستمده
فأمده بجرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فلقيه جرير منصرفا منَ اليمامة
فكان معه وواقع صاحب المذار بأمره والله أعلم.
وقال الواقدي: والذي عَلَيْهِ أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدا قدم
المدينة منَ اليمامة ثُمَّ خرج منها إِلَى العراق عَلَى فيد والثعلبية
ثُمَّ أتى الحيرة.
(1/239)
قَالُوا: ومر خَالِد بْن الوليد بزندورد من
كسكر فافتتحها وافتتح درتا وذواتها بأمان بعد أن كانت من أهل زندورد
مراماة للمسلمين ساعة، وأتى هرمزجرد فآمن أهلها أيضا وفتحها، وأتى أليس
فخرج إليه جابان عظيم العجم فقدم إليه المثنى بْن حارثة الشيباني فلقيه
بنهر الدم، وصالح خَالِد أهل أليس عَلَى أن يكونوا عيونا للمسلمين
عَلَى الفرس وأدلاء وأعوانا.
وأقبل خَالِد إِلَى مجتمع الأنهار فلقيه أراذبة صاحب مسالح كسرى فيما
بينه وبين العرب فقاتله المسلمون وهزموه، ثُمَّ نزل خَالِد خفان،
ويقال: بل سار قاصدا إِلَى الحيرة فخرج إليه عَبْد المسيح بْن عُمَر
بْن قيس بْن حيان ابن بقيلة، واسم بقيلة الحارث وهو منَ الأزد، وهانئ
بْن قبيصة بْن مَسْعُود الشيباني وإياس بْن قبيصة الطائي، ويقال فروة
بْن إياس، وكان إياس عامل كسرى أبرويز عَلَى الحيرة بعد النعمان بْن
المنذر فصالحوه عَلَى مائة ألف درهم، ويقال عَلَى ثمانين ألف درهم في
كل عام، وعلى أن يكونوا عيونا للمسلمين عَلَى أهل فارس، وأن لا يهدم
لهم بيعة ولا قصرا، وروى أَبُو مخنف عن أَبِي المثنى الوليد بْن
القطامي وهو الشرقي بْن القطامي الكلبي:
أن عَبْد المسيح استقبل خالدا وكان كبير السن، فقال له خَالِد: من أين
أقصى أثرك يا شيخ، فقال: من ظهر أَبِي، قَالَ: فمن أين خرجت، قَالَ:
من بطن أمي، قَالَ: ويحك في أي شيء أنت، قَالَ: في ثيابي، قَالَ: ويحك
عَلَى أي شيء أنت، قَالَ: عَلَى الأرض، قَالَ: أتعقل قَالَ: نعم وأقيد،
قَالَ: ويحك إنما أكلمك بكلام الناس، قَالَ: وأنا إنما أجيبك جواب
الناس، قَالَ أسلم أنت أم حرب؟ قَالَ: بل سلم، قَالَ: فما هَذِهِ
الحصون، قَالَ: بنيناها للسفيه حَتَّى يجيء الحليم، ثُمَّ تذاكرا الصلح
فاصطلحا عَلَى مائة ألف يؤدونها في كل سنة فكان الَّذِي أخذ منهم أول
مال حمل إِلَى المدينة من
(1/240)
العراق، واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين
غائلة، وأن يكونوا عيونا عَلَى أهل فارس وذلك في سنة اثنتي عشرة.
وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود عن يَحْيَى بْن آدم، قَالَ: سمعت أن أهل
الحيرة كانوا ستة آلاف رجل فألزم كل رجل منهم أربعة عشر در هما وزن
خمسة فبلغ ذلك أربعة وثمانين ألفا وزن خمسة تكون ستين وزن سبعة، وكتب
لهم بذلك كتابا قَدْ قرأته، وروى عن يزيد بْن نبيشة العامري أنه قَالَ:
قدمنا العراق مع خَالِد بْن الوليد فانتهينا إِلَى مسلحة العذيب، ثُمَّ
أتينا الحيرة وقد تحصن أهلها في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة قصر
العدسيين فأجلنا الخيل في عرصاتهم ثُمَّ صالحونا، قَالَ ابن الكلبي:
العدسيون من كلب نسبوا إِلَى أمهم وهي كلبية أيضا.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ ابن مجالد عن أبيه عن الشعبي أن
خريم ابن أوس بْن حارثة بْن لام الطائي قَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن فتح اللَّه عليك الحيرة فأعطني ابنة بقيلة،
فلما أراد خَالِد صلح أهل الحيرة، قَالَ له خريم. إن النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل لي بنتي بقيلة فلا تدخلها في صلحك وشهد
له بشير بْن سَعْد، وَمُحَمَّد بْن مسلمة الأنصاريان فاستثناها في
الصلح ودفعها إِلَى خريم فاشتريت منه بألف درهم، وكانت عجوزا قَدْ حالت
عن عهده فقيل له ويحك لقد أرخصتها كان أهلها يدفعون إليك أضعاف ما سألت
بها فقال. ما كنت أظن عددا يكون أكثر من عشر مائة، وقد جاء في الحديث
أن الَّذِي سأل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنت بقيلة
رجل من ربيعة، والأول أثبت، قَالُوا: وبعث خَالِد بْن الوليد بشير بْن
سَعْد أَبَا النعمان بْن بشير الأنصاري إِلَى بانقيا فلقيته خيل
الأعاجم عليها فرخبنداذ فرشقوا من معه بالسهام وحمل عليهم فهزمهم وقتل
فرخبنداذ،
(1/241)
ثُمَّ انصرف وبه جراحة انتقضت به وهو بعين
التمر فمات منها، ويقال: إن خالدا لقي فرخبنداذ بنفسه وبشير معه ثُمَّ
بعث خَالِد جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي إِلَى أهل بانقيا فخرج إليه
بصهرى بْن صلوبا فاعتذر إليه منَ القتال وعرض الصلح فصالحه جرير عَلَى
ألف درهم وطيلسان، ويقال: إن ابن صلوبا أتى خالدا فاعتذر إليه وصالحه
هَذَا الصلح، فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم
ومن أهل الحيرة صلحهم وكتب لهم كتابا بقبض ذلك، وقوم ينكرون أن يكون
جرير بْن عَبْد اللَّهِ قدم العراق إلا في خلافة عُمَر بْن الخطاب،
وكان أَبُو مخنف والواقدي يقولان: قدمها مرتين. قَالُوا:
وكتب خَالِد لبصبهرى بن صلوبا كتابا ووجه إِلَى أَبِي بكر بالطيلسان مع
مال الحيرة وبالألف درهم فوهب الطيلسان للحسين بْن علي رضي اللَّه
عنهما.
وحدثني أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك بْن عَبْد اللَّهِ
النخعي عَنِ الحجاج بْن أرطاة عَنِ الحكم عن عَبْد اللَّهِ بْن مغفل
المزني، قَالَ: ليس لأهل السواد عهد إلا الحيرة وأليس وبانقيا.
وحدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عَنِ
المفضل بْن المهلهل عن مَنْصُور عن عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن أو
أَبِي الحسن عَنِ ابن مغفل، قَالَ: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض
بني صلوبا وأرض الحيرة.
وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم عَنِ الْحَسَن
بْن صالح عَنِ الأسود بْن قيس عن أبيه، قَالَ انتهينا إلى الحيرة
فصالحناهم عَلَى كذا وكذا ورحل، قَالَ. فقلت وما صنعتم بالرحل، قَالَ
لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه.
وحدثنا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن أَبِي مريم عَنِ السرى
بْن يَحْيَى عن حميد بْن هلال أن خالدا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم
يقاتلوا، وقال ضرار
(1/242)
ابن الأزور الأسدي:
أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما ... لقيت ببانقيا منَ الجرح يأرق
وقال الواقدي. المجتمع عَلَيْهِ عند أصحابنا أن ضرارا قتل باليمامة،
قَالُوا.
وأبى خَالِد الفلاليج منصرفة من بانقيا وبها جمع للعجم فتفرقوا ولم يلق
كيدا فرجع إِلَى الحيرة فبلغه أن جابان في جمع عظيم بتستر فوجه إليه
المثنى بْن حارثة الشيباني وحنظلة بْن الربيع بْن رباح الأسيدي من بني
تميم، وهو الَّذِي يقال له حنظلة الكاتب، فلما انتهيا إليه هرب وسار
خَالِد إِلَى الأنبار فتحصن أهلها، ثُمَّ أتاه من دله عَلَى سوق بغداد
وهو السوق العتيق الَّذِي كان عند قرن الصراة فبعث خَالِد المثنى بْن
حارثة فأغار عَلَيْهِ فملأ المسلمون أيديهم منَ الصفراء والبيضاء وما
خف محمله منَ المتاع ثُمَّ باتوا بالسيلحين وأتوا الأنبار وخالد بها
فحصروا أهلها وحرقوا في نواحيها، وإنما سميت الأنبار لأن إهراء العجم
كانت بها، وكان أصحاب النعمان وصنائعه يعطون أرزاقهم منها، فلما رأى
أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خَالِد عَلَى شيء رضي به فأقرهم، ويقال
أن خالدا قدم المثنى إِلَى بغداد ثُمَّ سار بعده فتولى الغارة عليها
ثُمَّ رجع إِلَى الأنبار، وليس ذلك بثبت.
وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثني يحيى بن آدم قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن صالح عن جابر عَنِ الشعبي أنه قَالَ: لأهل
الأنبار عهد وعقد.
وحدثني مشايخ من أهل الأنبار أنهم صالحوا في خلافة عُمَر رحمه اللَّه
عَلَى طسوجهم عَلَى أربعمائة ألف درهم وألف عباءة قطوانية في كل سنة
وتولى الصلح جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، ويقال: صالحهم عَلَى
ثمانين ألفا والله أعلم.
قَالُوا: وفتح جرير بوازيج الأنبار وبها قوم من مواليه، قَالُوا: وأتى
خَالِد بْن الوليد رجل دله عَلَى سوق يجتمع فيها كلب وبكر بْن وائل
وطوائف
(1/243)
من قضاعة فوق الأنبار، فوجه إليها المثنى
بْن حارثة فأغار عليها فأصاب ما فيها وقتل وسبى، ثُمَّ أتى خَالِد عين
التمر فألصق بحصنها وكانت فيه مسلحة للأعاجم عظيمة فخرج أهل الحصن
فقاتلوا، ثُمَّ لزموا حصنهم فحاصرهم خَالِد والمسلمون حَتَّى سألوا
الأمان فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة وقتل وسبى، ووجد في كنيسة
هناك جماعة سباهم فكان من ذلك السبي حمران بْن أبان ابن خَالِد التمري،
وقوم يقولون: كان اسم أبيه أبان وحمران مولى عُثْمَان، وكان للمسيب بْن
نجبة الفزاري فاشتراه منه فأعتقه، ثُمَّ وجهه إِلَى الكوفة للمسألة عن
عامله فكذبه فأخرجه من جواره فنزل البصرة، وسيرين أَبُو مُحَمَّد بْن
سيرين وأخوته، وهم يَحْيَى بْن سيرين، وأنس بْن سيرين، ومعبد بْن سيرين
وهو أكبر أخوته، وهم موالي أنس بْن مَالِك الأنصاري، وكان من ذلك السبي
أيضا أَبُو عمرة جد عَبْد الأعلى الشاعر، ويسار جد مُحَمَّد بْن
إِسْحَاق صاحب السيرة، وهو مولى قيس بْن مخرمة بْن المطلب بْن عَبْد
مناف، وكان منهم مرة أَبُو عُبَيْد جد مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد
ابن مرة، ونفيس بْن مُحَمَّد بْن زيد بْن عُبَيْد بْن مرة صاحب القصر
عند الحرة ابن محمد هذا وبنوه ويقولون عبيد بن مرة بن المعلى الأنصاري
ثُمَّ الزرقي، ونصير أَبُو موسى بْن نصير صاحب المغرب، وهو مولى لبني
أمية وله بالثغور موال من أولاد من أعتق يقولون ذلك.
وقال ابن الكلبي: كان أَبُو فروة عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الأسود، ونصير
أَبُو موسى ابن نصير عربيين من أراشة من يلي: سبيا أيام أَبِي بكر رحمه
اللَّه من جبل الجليل بالشام، وكان اسم نصير نصرا فصغر وأعتقه بعض بنى
أمية فرجع إِلَى الشام وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مرى وكان أعرج،
وقال الكلبي: وقد قيل أنهما أخوان من سبي عين التمر وأن ولاءهما لبني
ضبة.
(1/244)
وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني يقال: أن
أَبَا فروة ونصيرا كانا من سبي عين التمر فابتاع ناعم الأسدي أَبَا
فروة ثُمَّ ابتاعه منه عُثْمَان وجعله يحفر القبور فلما وثب الناس به
كان معهم عَلَيْهِ، فقال له: رد المدالم فقال له: أنت أولها ابتعتك من
مال الصدقة لتحفر القبور فتركت ذلك، وكان ابنه عَبْد اللَّهِ ابن أَبِي
فروة من سراة الموالي، والربيع صاحب المَنْصُور الربيع بْن يونس ابن
مُحَمَّد بْن أَبِي فروة، وإنما لقب أَبَا فروة لفروة كانت عَلَيْهِ
حين سبى.
وقد قيل: أن خالدا صالح أهل حصن عين التمر وأن هَذَا السبي وجد في
كنيسة ببعض الطسوج، وقيل: أن سيرين من أهل جرجرايا، وأنه كان زائرا
لقرابة له فأخذ في الكنيسة معهم.
حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حدثني يَحْيَى بن آدم عن الحسن بن
صالح عن أشعب عَنِ الشعبي قَالَ: صالح خَالِد بْن الوليد أهل الحيرة
وأهل عين التمر، وكتب بذلك إِلَى أَبِي بكر فأجازه، قَالَ يَحْيَى:
فقلت للحسن ابن صالح. أفأهل عين التمر مثل أهل الحيرة إنما هُوَ شيء
عليهم وليس عَلَى أراضيهم شيء فقال نعم.
قالوا: وكان هلال بْن عقه بْن قيس بْن البشر النمري عَلَى النمر بْن
قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه، وقال ابن
الكلبي كان على التمر يومئذ عقه بْن قيس بْن البشر بنفسه.
قَالُوا. وانتقض ببشير بْن سَعْد الأنصاري جرحه فمات فدفن بعين التمر
ودفن إِلَى جنبة عمير بْن رئاب بْن مهشم بْن سَعِيد بْن سهم بْن
عَمْرو.
وكان أصابه سهم بعين التمر فاستشهد.
ووجه خَالِد بْن الوليد وهو بعين التمر النسير بْن ديسم بْن ثور إِلَى
ماء لبني تغلب فطرقهم ليلا فقتل وأسر، فسأله رجل منَ الأسرى أن يطلقه
على
(1/245)
أن يدله عَلَى حي من ربيعة ففعل فأتى
النسير ذلك الحي فبيتهم فغنم وسبى ومضى إِلَى ناحية تكريت في البر فغنم
المسلمون.
وحدثني أبو مَسْعُود الكوفي عن مُحَمَّد بْن مروان أن النسير أتى
عكبراء فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه طعاما وعلفا ثُمَّ مر بالبردان
فاقبل أهلها يعدون من بَيْنَ أيدي المسلمين، فقال لهم: لا بأس فكان ذلك
أمانا، قَالَ: ثُمَّ أتى المخرم، قَالَ أَبُو مَسْعُود: ولم يكن يدعى
يومئذ مخرما إنما نزله بعض ولد مخرم بْن حزن زياد بْن أنس بْن الديان
الحارثي فسمي به فيما ذكر هِشَام بْن مُحَمَّد الكلبي، ثم عبر المسلمون
جسرا كان معقودا عند قصر سابور الَّذِي يعرف اليوم بقصر عِيسَى بْن علي
فخرج إليه خرزاد بْن ماهبنداذ وكان موكلا به، فقابلوه وهزموه ثُمَّ
لجوا فأتوا عين التمر، وقال الواقدي. وجه المثنى بْن حارثة النسير
وحذيفة بْن محصن بعد يوم الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين إِلَى خفان وذلك
في خلافة عُمَر بْن الخطاب في خيل، فأوقعا بقوم من بني تغلب وعبر إِلَى
تكريت فأصاب نعما وشاء، وقال عتاب بْن إِبْرَاهِيم فيما ذكر لي عنه
أَبُو مَسْعُود أن النسير وحذيفة آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابا أنفذه
له عتبة بْن فرقد السلمي حين فتح الطيرهان، والموصل، وذكر أيضا أن
النسير توجه من قبل خَالِد بْن الوليد فأغار عَلَى قرى بمسكن وقطربل
فغنم منها غنيمة حسنة، قَالُوا: ثُمَّ سار خَالِد من عين التمر إِلَى
الشام، وقال للمثنى بْن حارثة ارجع رحمك اللَّه إِلَى سلطانك فغير مقصر
ولا وان وقال الشاعر:
صبحنا بالكتائب حي بكر ... وحيا من قضاعة غير ميل
أبحنا دارهم والخيل تردى ... بكل سميدع سامي التليل
يعني من كان في السوق الَّذِي فوق الأنبار، وقال آخر:
وللمثنى بالعال معركة ... شاهدها من قبيلة بشر
(1/246)
يعني بالعال الأنبار وقطربل ومسكن
وبادوريا، فأراد سوق بغداد:
كتيبة أفزعت بوقعتها ... كسرى وكاد الإيوان ينفطر
وشجع المسلمون إذ حذروا ... وفي صروف التجارب العبر
سَهْل نهج السبيل فاقتفروا ... آثاره والأمور تقتفر
وقال بعضهم حين لقوا خرزاد:
وآل منا الفارسي الحذره ... حين لقيناه دوينا المنظرة
بكل قباء لحوق مضمره ... بمثلها يهزم جمع الكفرة
يعني بالمنظرة تل عقرقوف، وكان شخوص خَالِد إِلَى الشام في شهر ربيع
الآخر، ويقال: في شهر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة، وقال قوم أن خالدا أتى
دومة من عين التمر ففتحها ثُمَّ أقبل إِلَى الحيرة فمنها مضى إِلَى
الشام وأصح ذلك مضيه من عين التمر.
خلافة عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه
قَالُوا: لما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجه أَبَا عُبَيْد بْن
عَمْرو ابن عمير بْن عوف بْن عقدة بْن غيرة بْن عوف بْن ثقيف، وهو
أَبُو المختار بْن أَبِي عُبَيْد، إِلَى العراق في ألف، وكتب إِلَى
المثنى بْن حارثة يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له، وبعث مع أَبِي
عُبَيْد سليط بن عمرو الأنصارى وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك ولكن
الحرب زبون لا يصلح لها إلا الرجل المكيث، فأقبل أَبُو عُبَيْد لا يمر
بقوم منَ العرب إلا رغبهم في الجهاد والغنيمة فصحبه خلق، فلما صار
بالعذيب بلغه أن جابان الأعجمى يتستر في جمع كثير فلقيه فهزم جمعه وأسر
منهم، ثُمَّ أتى درنى وبها جمع للعجم فهزمهم إِلَى كسكر وسار إِلَى
الجالينوس وهو ببار وسما فصالحه بن الأنذر زعز عن كل رأس عَلَى
(1/247)
أربعة دراهم عَلَى أن ينصرف، ووجه أَبُو
عُبَيْد المثنى إِلَى زندورد فوجدهم قَدْ نقضوا فحاربهم فظفر وسبى،
ووجه عُرْوَة بْن زيد بن الخيل الطائي إِلَى الزوابي فصالح دهقانها
عَلَى مثل صلح باروسما.
يوم قس الناطف وهو يوم الجسر
قالوا: بعث الفرس إِلَى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب مردانشاه
وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به وسمى ذا الحاجب لأنه كان يصعب
حاجبيه ليرفعهما عن عينه كبرا، ويقال: أن اسمه رستم، فأمر أَبُو
عُبَيْد بالجسر فعقد وأعانه عَلَى عقده عهده أهل بانقيا، ويقال: أن ذلك
الجسر كان قديما لأهل الحيرة يعبرون عَلَيْهِ إِلَى ضياعهم فأصلحه
أَبُو عُبَيْد، وذلك أنه كان معتلا مقطوعا ثُمَّ عبر أَبُو عُبَيْد
والمسلمون منَ المروحة عَلَى الجسر فلقوا ذا الحاجب وهو في أربعة آلاف
مدجج ومعه فيل، ويقال: عدة فيلة واقتتلوا قتالا شديدا وكثرت الجراحات
وفشت في المسلمين، فقال سليط بْن قيس: يا أَبَا عُبَيْد قَدْ كنت نهيتك
عن قطع هَذَا الجسر إليهم، وأشرت عليك بالانحياز إِلَى بعض النواحي
والكتاب إِلَى أمير الْمُؤْمِنِين بالاستمداد فأبيت، وقاتل سليط حَتَّى
قتل، وسأل أَبُو عُبَيْد: أين مقتل هَذِهِ الدابة فقيل خرطومه فحمل
فضرب خرطوم الفيل، وحمل عَلَيْهِ أَبُو محجن بْن حبيب الثقفي فضرب رجله
فعلقها، وحمل المشركون فقتل أَبُو عُبَيْد رحمه اللَّه، ويقال: أن
الفيل برك عَلَيْهِ فمات تحته فأخذ اللواء أخوه الحكم فقتل فأخذ ابنه
حبر فقتل ثُمَّ أن المثنى بْن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم
عَلَى حامية بعض، وقاتل عُرْوَة بْن زيد الخيل يومئذ قتالا شديدا عدل
بقتال جماعة، وقاتل أَبُو زبيد الطائي الشاعر حمية للمسلمين بالغربية،
وكان أتى الحيرة في بعض أموره وكان نصرانيا، وأتى
(1/248)
المثنى أليس، فنزلها وكتب إِلَى عُمَر بْن
الخطاب بالخبر مع عُرْوَة بْن زيد وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر
أَبُو مخنف أَبُو زيد الأنصاري أحد من جمع القرآن عَلَى عهد النَّبِيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وكانت وقعة الجسر يوم
السبت في آخر شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وقال أَبُو محجن بْن حبيب:
أنى تسدت نحونا أم يوسف ... ومن دون مسراها فياف مجاهل
إِلَى فتية بالطف نيل سراتهم ... وغودر أفراس لهم ورواحل
مرت عَلَى الأنصار وسط رحالهم ... فقلت لهم هل منكم اليوم قافل
حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا مُحَمَّد بْن كثير عن زائد
عَنِ إسماعيل بْن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم، قال: عبر أبو عبيد
بانقيافى ناس من أصحابه فقطع المشركون الجسر فأصيب ناس من أصحابه، قال
إسماعيل، وقال أَبُو عَمْرو الشيباني: كان يوم مهران في أول السنة
والقادسية في آخرها.
يوم مهران وهو يوم النخيلة
قال: أَبُو مخنف وغيره، مكث عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه سنة لا
يذكر العراق لمصاب أَبِي عُبَيْد وسليط، وكان المثنى بْن حارثة مقيما
بناحية أليس يدعو العرب إِلَى الجهاد، ثُمّ أن عُمَر رضي اللَّه عنه
ندب الناس إِلَى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه حَتَّى هم أن
يغزو بنفسه، وقدم عَلَيْهِ خلق منَ الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم
إِلَى العراق ورغبهم في غنائم آل كسرى فردوا الاختيار إليه فأمرهم
بالشخوص، وقدم جرير بْن عَبْد اللَّهِ منَ السراة في بجيلة فسأل أن
يأتي العراق عَلَى أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عَلَيْهِ فأجابه عُمَر
إِلَى ذلك فسار نحو العراق. وقوم يزعمون أنه مر عَلَى طريق البصرة
وواقع
(1/249)
مرزبان المذار فهزمه، وآخرون يزعمون أنه
واقع المرزبان وهو مع خَالِد بْن الوليد، وقوم يقولون أنه سلك الطريق
عَلَى فيد والثعلبة إِلَى العذيب.
حدثني عَفَّان بْن مُسْلِم قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة، قَالَ:
حَدَّثَنَا داود بْن أَبِي هند، قَالَ أَخْبَرَنِي الشعبي أن عُمَر وجه
جرير بْن عَبْد اللَّهِ إِلَى الكوفة بعد قتل أَبِي عُبَيْد أول من وجه
قَالَ هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس؟
قَالَ نعم، قالوا واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشرة وقد هلك
شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إِلَى أن يبلغ يزدجرد بْن شهريار فبعث
إليهم مهران بْن مهر بنداذ الهمذاني في اثني عشر ألفا فأمهل المسلمون
له حَتَّى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور، وروى سيف أن مهران صار
عند عبور الجسر إِلَى موضع يقال له البويب وهذا الموضع الَّذِي قتل به،
ويقال أن جنبتي البويب أفعمت عظاما حَتَّى استوى وعفا عليها التراب
زمان الفتنة وأنه بإيثار هناك وذلك ما بَيْنَ السكون وبني سليم فكان
مغيضا للفرات زمن الأكاسرة يصب في الجوف، وعسكر المسلمين بالنخيلة.
وكان عَلَى الناس فيما تزعم بجيلة جرير بْن عَبْد اللَّهِ، وفيما تقول
ربيعة المثنى بْن حارثة، وقد قيل: أنهم كانوا متسايدين عَلَى كل قوم
رئيسهم فالتقى المسلمون وعدوهم فأبلى شرحبيل بْن السمط الكندي يومئذ
بلاء حسنا، وقتل مَسْعُود بْن حارثة أخو المثنى بْن حارثة، فقال
المثنى: يا معشر المسلمين لا يرعكم مصرع أخي فإن مصارع خياركم هكذا،
فحملوا حملة رجل واحد محققين صابرين حَتَّى قتل اللَّه مهران وهزم
الكفرة فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقتل من نجا منهم، وضارب قرط بْن
جماح العبدي يومئذ حَتَّى انثنى سيفه وجاء الليل فتناموا إِلَى عسكرهم
وذلك في سنة أربع عشرة فتولى قتل مهران جرير بْن عَبْد اللَّهِ،
والمنذر بْن حسان بْن ضرار الضبي، فقال: هَذَا أنا قتلته، وقال هَذَا
أنا قتلته وتنازعا نزاعا شديدا
(1/250)
فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه،
ويقال: أن الحصن بْن معبد ابن زرارة بْن عدس التميمي كان ممن قتله.
ثُمَّ لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بَيْنَ الحيرة
وكسكر وفيما بَيْنَ كسكر وسورا وبربيسما وصراة جاماسب وما بَيْنَ
الفلوجتين والنهرين وعين التمر، وأتوا حصن مليقيا وكان منظرة ففتحوه
وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف وكانوا منخوبين قَدْ وهن سلطانهم
وضعف أمرهم وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى، ونهر الملك،
وبادوريا، وبلغ بعضهم كلواذى، وكانوا يعيشون بما ينالون منَ الغارات،
ويقال: أن ما بَيْنَ مهران والقادسية ثمانية عشر شهرا.
يوم القادسية
قَالُوا: كتب المسلمون إِلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه يعلمونه
كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد، فأراد أن يغزو بنفسه
وعسكر لذلك، فأشار عَلَيْهِ العَبَّاس بْن عَبْد المطلب، وجماعة من
مشايخ أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمقام
وتوجيه الجيوش والبعوث ففعل ذلك، وأشار عَلَيْهِ علي بْن أَبِي طالب
بالمسير، فقال له: إني قَدْ عزمت عَلَى المقام وعرض عَلَى علي رضي
اللَّه عنه الشخوص فأباه فأراد عُمَر توجيه سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو
ابن نفيل العدوي، ثُمَّ بدا له فوجه سَعْد بْن أَبِي وقاص، واسم أَبِي
وقاص مَالِك ابن أهيب بْن عَبْد مناف بْن زهرة بْن كلاب، وقال: أنه رجل
شجاع رام ويقال: إن سَعِيد بْن زيد بْن عَمْرو كان يومئذ بالشام غازيا،
قَالُوا: وسار إِلَى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حَتَّى تلاحق
به الناس، ثُمَّ قدم العزيب في سنة خمس عشرة، وكان المثنى بْن حارثة
مريضا فأشار عَلَيْهِ بأن يحارب العدو
(1/251)
بَيْنَ القادسية والعذيب ثُمَّ اشتد وجعه
فحمل إِلَى قومه فمات فيهم، وتزوج سَعْد امرأته.
قَالَ الواقدي: تُوُفِّيَ المثنى قبل نزول رستم القادسية، قَالُوا:
وأقبل رستم وهو من أهل الري، ويقال بل هُوَ من أهل همذان فنزل برس،
ثُمَّ سار فأقام بَيْنَ الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم عَلَى
المسلمين ولا يقاتلهم والمسلمون معسكرون بَيْنَ العذيب والقادسية، وقدم
رستم ذا الحاجب فكان معسكرا بطيزناباذ، وكان المشركون زهاء مائة ألف
وعشرين ألفا ومعهم ثلاثون فيلا وروايتهم العظمى التي تدعى درفش كابيان،
وكان جمع المسلمون ما بَيْنَ تسعة آلاف إِلَى عشرة آلاف فإذا احتاجوا
إِلَى العلف والطعام أخرجوا خيولا في البر فأغارت عَلَى أسفل الفرات،
وكان عُمَر يبعث إليهم منَ المدينة الغنم والجزر، قَالُوا: وكانت
البصرة قَدْ مصرت فيما بَيْنَ يوم النخيلة ويوم القادسية مصرها عتبة
بْن غزوان، ثُمَّ استأذن للحج وخلف المغيرة بْن شعبة فكتب عُمَر بعهده
فلم يلبث أن قرف بما قرف به فولى أَبَا موسى البصرة وأشخص المغيرة
إِلَى المدينة، ثُمَّ أن عُمَر رده ومن شهد عَلَيْهِ إلي البصرة، فلما
حضر يوم القادسية كتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى يأمره بإمداد سَعْد فأمده
بالغيرة في ثمانمائة ويقال في أربعمائة فشهدها ثُمَّ شخص إِلَى المدينة
فكتب عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدة بْن الجراح فأمد سعدا بقيس ابن هبيرة
بْن المكشوح المرادي، فيقال: أنه شهد القادسية، ويقال: بل قدم عَلَى
المسلمين وقد فرغ من حربها وكان قيس في سبعمائة.
وكان يوم القادسية في آخر سنة ست عشرة، وقد قبل أن الَّذِي أمدي سعدا
بالمغيرة عتبة بْن غزوان وأن المغيرة إنما ولى البصرة بعد قدومه منَ
القادسية وأن عُمَر لم يخرجه منَ المدينة حين أشخصه إليها لما قرف به
إلا واليا عَلَى الكوفة.
(1/252)
وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد عن مجلد عَنِ الشعبي، قَالَ:
كتب عُمَر إِلَى أَبِي عُبَيْدة ابعث قيس بْن مكشوح إِلَى القادسية
فيمن انتدب معه فانتدب معه خلق فقدم متعجلا في سبعمائة، وقد فتح عَلَى
سَعْد فسألوه الغنيمة فكتب إِلَى عُمَر في ذلك فكتب إليه عُمَر إن كان
قيس قدم قبل دفن القتلى فاقسم له نصيبه، قالوا: وأرسل رستم إِلَى سَعْد
يسأله توجيه بعض أصحابه إليه فوجه المغيرة بْن شعبة فقصد قصد سريره
ليجلس معه وعليه فمنعته الأساورة من ذلك، وكلمه رستم بكلام كثير، ثُمَّ
قَالَ له: قَدْ علمت أنه لم يحملكم عَلَى ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش
وشدة الجهد ونحن نعطيكم ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون، فقال
المغيرة. إن اللَّه بعث إلينا نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فسعدنا بإجابته واتباعه، وأمرنا بجهاد من خالف ديننا (حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) 9: 29، ونحن ندعوك إِلَى
عبادة اللَّه وحده، والإيمان بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم، فنحر رستم غضبا، ثُمَّ قَالَ.
والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدا حَتَّى نقتلكم أجمعين، فقال المغيرة:
لا حول ولا قوة إلا بالله وانصرف عنه، وكان عَلَى فرس له مهزول وعليه
سيف معلوب ملفوف عَلَيْهِ الخرق.
وكتب عُمَر إِلَى سَعْد يأمره بأن يبعث إِلَى عظيم الفرس قوما يدعونه
إِلَى الإِسْلام، فوجه عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي، والأشعث بْن قيس
الكندي في جماعة فمروا برستم فأتى بهم، فقال. أين تريدون، قَالُوا
صاحبكم فجرى بينهم كلام كثير حَتَّى قَالُوا إن نبينا قَدْ وعدنا أن
نغلب عَلَى أرضكم فدعا بزبيل من تراب، فقال: هَذَا لكم من أرضنا، فقام
عَمْرو ابن معدي كرب مبادرا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف،
(1/253)
فقيل له ما دعاك إِلَى ما صنعت قَالَ
تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا ونغلب عليها، ثُمَّ أتوا الملك ودعوه
إِلَى الإِسْلام فغضب وأمرهم بالانصراف، وقال: لولا أنكم رسل لقتلتكم،
وكتب إِلَى رستم يعنفه عَلَى إنفاذهم إليه.
ثُمَّ أن علافة المسلمين وعليها زهرة بْن حوية بْن عَبْد اللَّهِ بْن
قتادة التميمي ثُمَّ السعدي، ويقال: كان عليها قتادة بْن حويه لقيت
خيلا للأعاجم فكان ذلك سبب الوقعة أغاثت الأعاجم خيلها وأغاث المسلمون
علافتهم فالتحمت الحرب بينهم وذلك بعد الظهر، وحمل عَمْرو بْن معدي كرب
الزبيدي فاعتنق عظيما منَ الفرس فوضعه بَيْنَ يديه في السرج، وقال: أنا
أَبُو ثور افعلوا كذا ثُمَّ حطم فيلا منَ الفيلة، وقال الزموا سيوفكم
خراطيمها فإن مقتل الفيل خرطومه، وكان سَعْد قَد استخلف عَلَى العسكر
والناس خَالِد بْن عرفطة العذري حليف بني زهرة لعلة وجدها، وكان مقيما
في قصر العذيب فجعلت امرأته وهي سلمى بنت حفصة من بني تيم الله بن
ثعلبة امرة المثنى بن حارثة تقول: وا مثنياه ولا مثنى للخيل فلطمها،
فقالت يا سَعْد: أغيرة وجبنا، وكان أَبُو محجن الثقفي بباضع غربه إليها
عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه لشربه الخمر فتخلص حَتَّى لحق بسعد
ولم يكن فيمن شخص معه فيما ذكر الواقدي وشرب الخمر في عسكر سَعْد فضربه
وحبسه في قصر العذيب فسأل زبراء أم ولد سَعْد أن تطلقه ليقاتل ثُمَّ
يعود إِلَى حديده فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته، فركب فرس سَعْد وحمل
عَلَى الأعاجم فخرق صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه، فقال: أما
الفرس ففرسي: وأما الحملة فحملة أَبِي محجن، ثُمَّ أنه رجع إِلَى
حديده، ويقال: إن سلمى بنت حفصة أعطته الفرس. والأول أصح وأثبت.
فلما انقضى أمر رستم، قَالَ له سعد: والله لأضربتك في الخمر بعد ما
رأيت
(1/254)
منك أبدا، قَالَ: وأنا والله فلا شربتها
أبد، وأبلى طليحة بْن خويلد الأسدي يومئذ وضرب الجالينوس ضربة قدت
مغفره ولم تعمل في رأسه، وقال قيس بْن مكشوح: يا قوم إن منايا الكرام
القتل فلا يكونن هؤلاء القلف أولى بالصبر وأسخى نفسا بالموت منكم،
ثُمَّ قاتل قتالا شديدا وقتل اللَّه رستم فوجد بدنه مملوءا ضربا وطعنا
فلم يعلم من قاتله، وقد كان مشى إليه عَمْرو بْن معدى كرب، وطليحة بْن
خويلد الأسدي، وقرط بْن جماح العبدي وضرار بْن الأزور الأسدي، وكان
الواقدي يقول: قتل ضرار يوم اليمامة وقد قيل أن زهير بْن عَبْد شمس
البجلي قتله وقيل أيضا أن قاتله عوام بْن عَبْد شمس وقيل أن قاتله هلال
بْن علفة التيمي، فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت
وهي ليلة الهرير، وإنما سميت ليلة صفين بها ويقال: أن قيس بْن مكشوح لم
يحضر القتال بالقادسية ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون منَ القتال.
وحدثني أَحْمَد بْن سلمان الباهلي عَنِ السهمي عن أشياخه أن سلمان بْن
ربيعة غزا الشام مع أَبِي أمامة الصدى بْن عجلان الباهلي فشهد مشاهد
المسلمين هناك ثُمَّ خرج إِلَى العراق فيمن خرج منَ المدد إِلَى
القادسية متعجلا فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر.
وقال الواقدي في إسناده. خد قوم منَ الأعاجم لرايتهم وقالوا لا نبرح
موضعنا حَتَّى نموت فحمل عليهم سلمان بْن ربيعة الباهلي فقتلهم وأخذ
الراية، قَالُوا: وبعث سَعْد خَالِد بْن عرفطة عَلَى خيل الطلب فجعلوا
يقتلون من لحقوا حَتَّى انتهوا إِلَى برس ونزل خَالِد عَلَى رجل له
بسطام فأكرمه وبره وسمى نهر هناك نهر بسطام واجتاز خَالِد بالصراة فلحق
جالينوس فحمل عَلَيْهِ كثير بْن شهاب الحارثي فطعنه ويقال قتله، وقال
ابن الكلبي. قتله
(1/255)
زهرة بْن حويه السعدي وذلك أثبت، وهرب
الفرس إِلَى المدائن ولحقوا بيزدجرد وكتب سَعْد إِلَى عُمَر بالفتح
وبمصاب من أصيب.
وحدثني أَبُو رجاء الفارسي عن أبيه عن جده، قَالَ: حضرت وقعة القادسية
وأنا مجوسي، فلما رمتنا العرب بالنبل جعلنا نقول دوك دوك نعني مغازل
فما زالت بنا تلك المغازل حَتَّى أزالت أمرنا، لقد كان الرجل منا يرمي
عَنِ القوس الناوكية فما يزيد سهما عَلَى أن يتعلق بثوب أحدهم، ولقد
كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة والجوسن المضاعف مما علينا.
وقال هِشَام بْن الكلبي: كان أول من قتل أعجميًا يوم القادسية ربيعة
بْن عُثْمَان بْن ربيعة أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بْن
مَنْصُور وقال طليحة في يوم القادسية:
أنا ضربت الجالينوس ضربة ... حين جياد الخيل وسط الكبة
وقال أَبُو محجن الثقفي حين رأى الحرب:
كفى حزنا أن تدعس الخيل بالفنا ... وأترك قَدْ شدوا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا
وقال زهير بْن عَبْد شمس بْن عوف البجلي:
أنا زهير وابن عَبْد شمس ... أرديت بالسيف عظيم الفرس
رستم ذا النخوة والدمقس ... أطعت ربي وشفيت نفسي
وقال الأشعث بْن عَبْد الحجر بْن سراقة الكلابي وشهد الحيرة والقادسية:
وما عقرت بالسيلحين مطيتي ... وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا
فبئس امرؤ يبأى على برهطه ... وقد ساد أشياخي معدا وحميرا
(1/256)
وقال بعض المسلمين يومئذ:
وقاتلت حَتَّى أنزل اللَّه نصره ... وسعد بباب القادسية معصم
فرحنا وقد آمت نساء كثيرة ... ونسوة سَعْد ليس منهن أيم
وقال قيس بْن المكشوح ويقال أنها لغيره:
جلبت الخيل من صنعا تردى ... بكل مدجج كالليث سام
إِلَى وادي القرى فديار كلب ... إِلَى اليرموك فالبلد الشآمي
وجئنا القادسية بعد شهر ... مسومة دوابرها دوامي
فناهضنا هنالك جمع كسرى ... وأبناء المرازنة الكرام
فلما أن رأيت الخيل جالت ... قصدت لموقف الملك الهمام
فأضرب رأسه فهوى صريعا ... بسيف لا أقل ولا كهام
وقد أبلى الإله هناك خيرا ... وفعل الخير عند اللَّه نام
وقال عصام بْن المقشعري:
فلو شهدتني بالقوادس أبصرت ... جلاد امرئ ماض إذا القوم أحجموا
أضارب بالمخشوب حَتَّى أفله ... وأطعن بالرمح المتل وأقدم
وقال طليحة بْن خويلد:
طرقت سليمي أرحل الركب ... إني اهتديت بسبسب سهب
إني كلفت سلام بعدكم ... بالغارة الشعواء والحرب
لو كنت يوم القادسية إذ ... نازلتهم بمهند عضب
أبصرت شداتي ومنصرفي ... وإقامتي للطعن والضرب
وقال بشر بْن ربيعة بْن عَمْرو الخثعمي:
ألم خيال من أميمة موهنا ... وقد جعلت أولى النجوم تغور
ونحن بصحراء العذيب ودارها ... حجازية أن المحلى شطير
(1/257)
ولا غرو إلا جوبها البيد في الدجى ... ومن
دوننا وعن أشم وقور
تحن بباب القادسية ناقتي ... وسعد بْن وقاص عَلَى أمير
وسعد أمير شره دون خيره ... طويل الشذمى كأبي الزناد قصير
تذكر هداك اللَّه وقع سيوفنا ... بباب قديس والمكر عسير
عشية ود القوم لو أن بعضهم ... يعار جناحي طائر فيطير
قَالَ: واستشهد يومئذ سَعْد بْن عُبَيْد الأنصاري فاغتم عُمَر لمصابه
وقال:
لقد كان قتله ينغص عَلَى هَذَا الفتح.
فتح المدائن
قَالُوا: مضى المسلمون بعد القادسية فلما جاوزوا دير كعب لقيهم
النخيرخان إليها وبدأ في جمع عظيم من أهل المدائن فاقتتلوا وعانق زهير
بْن سليم الأزدي النخيرخان فسقط إِلَى الأرض وأخذ زهير خنجرا كان في
وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله، وسار سَعْد والمسلمون فنزلوا ساباط
واجتمعوا بمدينة بهر سير وهي المدينة الَّتِي في شق الكوفة فأقاموا
تسعة أشهر ويقال ثمانية عشر شهرا حَتَّى أكلوا الرطب مرتين، وكان أهل
تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها، فلما فتحها المسلمون أجمع
يزدجرد بْن شهريار ملك فارس عَلَى الهرب فدلى من أبيض المدائن في زبيل
فسماه النبط برزبيلا ومضى إِلَى حلوان معه وجوه أساورته وحمل معه بيت
ماله وخف متاعه وخزانته والنساء والذراري وكانت السنة الَّتِي هرب فيها
سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس ثُمَّ عبر المسلمون خوضا ففتحوا المدينة
الشرقية.
حدثني عَفَّان بْن مُسْلِم، قَالَ: أَخْبَرَنَا هشيم، قَالَ:
أَخْبَرَنَا حصين، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو وائل، قَالَ: لما انهزم الأعاجم منَ القادسية
اتبعناهم فاجتمعوا بكوثى
(1/258)
فاتبعناهم ثُمَّ انتهينا إِلَى دجلة، فقال
المسلمون: ما تنتظرون بهذه النطفة أن نخوضها فخضناها فهزمناهم.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عَنِ ابن أَبِي سبرة عَنِ ابن
عجلان عن أبان بْن صالح، قَالَ: لما انهزمت الفرس منَ القادسية قدم
فلهم المدائن فانتهى المسلمون إِلَى دجلة وهي تطفح بماء لم ير مثله قط
وإذا الفرس قَدْ رفعوا السفن والمعابر إِلَى الجيزة الشرقية وحرقوا
الجسر فاغتم سَعْد والمسلمون إذ لم يجدوا إِلَى العبور سبيلا. فانتدب
رجل منَ المسلمين فسبح فرسه وعبر فسبح المسلمون، ثُمَّ أمروا أصحاب
السفن فعبروا الأثقال. فقالت الفرس: والله ما تقاتلون إلا جنا
فانهزموا.
حدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة بْن الحكم وقال أَبُو
عُبَيْدة معمر بْن المثنى: حدثني أَبُو عَمْرو بْن العلاء، قالا: وجه
سَعْد بْن أَبِي وقاص خَالِد بْن عرفطة عَلَى مقدمته فلم يرد سَعْد
حَتَّى فتح خَالِد ساباط، ثُمَّ قدم فأقام عَلَى الرومية حَتَّى صالح
أهلها عَلَى أن يجلو من أحب منهم ويقيم من أقام عَلَى الطاعة والمناصحة
وأداء الخراج ودلاله المسلمين ولا ينطووا لهم عَلَى غش ولم يجد معابر
فدل عَلَى مخاضة عند قرية الصيادين فأخاضوها الحيل فجعل الفرس يرمونهم
فسلموا غير رجل من طيء يقال له سليل بْن يزيد بْن مَالِك السنبسي لم
يصب يومئذ غيره.
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْن صالح، قَالَ: حدثني من أثق به عَنِ
المجالد بْن سَعِيد عَنِ الشعبي إنه قَالَ: أخذ المسلمون يوم المدائن
جواري من جواري كسرى جيء بهن منَ الآفاق فكن تصنعن له فكانت أمي
إحداهن، قَالَ: وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه في قدورهم
ويظنونه ملحا، قَالَ الواقدي: كان فراغ سَعْد منَ المدائن وجلولاء في
سنة ست عشرة
.
(1/259)
يوم جلولاء الوقيعة
قَالُوا: مكث المسلمون بالمدائن أياما، ثُمَّ بلغهم أن يزدجرد قَدْ جمع
جمعا عظيما ووجهه إليهم وأن الجمع بجلولاء، فسرح سَعْد بْن أَبِي وقاص
هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص إليهم في اثني عشر ألفا، فوجدوا الأعاجم
قَدْ تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا
يفروا وجعلت الأمداد تقدم عليهم من حلوان والجبال، فقال المسلمون:
ينبغي أن نعالجهم قبل أن تكثر أمدادهم فلقوهم وحجر بْن عدى الكندي
عَلَى الميمنة، وعمر بْن معدى كرب عَلَى الخيل، وطليحة بْن خويلد عَلَى
الرجال، وعلى الأعاجم يومئذ خرزاذ أخو رستم فاقتتلوا قتالا شديدا لم
يقتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا بالرماح حَتَّى تقصفت وتجالدوا بالسيوف
حَتَّى انثنت، ثُمَّ أن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الأعاجم
عن موقفهم وهزموهم فولوا هاربين وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا
ذريعا حَتَّى حال الظلام بينهم ثُمَّ انصرفوا إِلَى معسكرهم، وجعل هاشم
بْن عتبة جرير بْن عَبْد اللَّهِ بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بَيْنَ
المسلمين وبين عدوهم، فارتحل يزدجرد من حلوان، وأقبل المسلمون يغيرون
في نواحي السواد من جانب دجلة الشرقي فأتوا مهروذ فصالح دهقانها هاشما
عَلَى جريب من دراهم عَلَى أن لا يقتل أحدا منهم وقتل دهقان الدسكرة
وذلك أنه اتهمه بغش المسلمين وأتى البندبحين فطلب أهله الأمان عَلَى
أداء الجزية والخراج فأمنهم، وأتى جرير بْن عَبْد اللَّهِ خانقين وبها
بقية منَ الأعاجم فقتلهم ولم يبق من سواد دجلة ناحية إلا غلب عليها
المسلمون وصارت في أيديهم، وقال هِشَام بْن الكلبي: كان عَلَى الناس
يوم جلولاء من قبل سَعْد عَمْرو بْن عتبة ابن نوفل بْن أهيب بْن عَبْد
مناف بْن زهرة وأمه عاتكة بنت أَبِي وقاص،
(1/260)
قالوا: وانصرف سَعْد بعد جلولاء إِلَى
المدائن فصير بها جمعا، ثُمَّ مضى إِلَى ناحية الحيرة وكانت وقعة
جلولاء في آخر سنة ست عشرة، قالوا: فأسلم جميل بن بصيهرى دهقان
الفلاليج والنهرين وبسطام بْن نرسى دهقان بابل وخطرنية والرفيل دهقان
العال وفيروز دهقان نهر الملك وكوثى وغيرهم منَ الدهاقين، فلم يعرض لهم
عُمَر بْن الخطاب ولم يخرج الأرض من أيديهم.
وأزال الجزية عن رقابهم.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن عوانة عن أبيه، قَالَ: وجه سَعْد بْن
أَبِي وقاص هاشم بْن عتبة بْن أَبِي وقاص ومعه الأشعث بْن قيس الكندي
فمر بالراذانات وأتى دقوقا وخانيجار فغلب عَلَى ما هناك وفتح جميع كورة
بأجرمى ونفذ إِلَى نحو سن بارما وبوازيج الملك إلى حد شهر زور.
حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حدثني يَحْيَى بْن آدم، قَالَ:
أَخْبَرَنَا ابن المبارك عَنِ ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، قَالَ:
كتب عُمَر بْن الخطاب إِلَى سَعْد بْن أبي وقاص حين فتح السواد: أما
بعد فقد بلغني كتابك تذكر أن الناس سألوك أن تقسم بينهم ما أفاء اللَّه
عليهم، فإذا أتاك كتابي فانظر ما أجلب عَلَيْهِ أهل العسكر بخيلهم
وركابهم من مال أو كراع فاقسمه بينهم بعد الخمس واترك الأرض والأنهار
لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنك إن قسمتها بَيْنَ من حضر لم
يكن لمن يبقى بعدهم شيء.
وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن فضيل بْن غزوان عن
عَبْد اللَّهِ ابن حازم، قَالَ: سألت مجاهدا عن أرض السواد، فقال: لا
نشتري ولا تباع، قَالَ: نقول لأنها فتحت عنوة ولم تقسم فهي لجميع
المسلمين.
وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي سيرة عن صالح بْن كيسان
عن سُلَيْمَان بْن يسار، قَالَ: أقر عُمَر بْن الخطاب السواد لمن في
أصلاب
(1/261)
الرجال وأرحام النساء وجعلهم ذمة تؤخذ منهم
الجزية ومن أرضهم الخراج وهم ذمة لأرق عليهم، قَالَ سُلَيْمَان: وكان
الوليد بْن عَبْد الملك أراد أن يجعل أهل السواد فيئا فأخبرته بما كان
من عُمَر في ذلك فورعه اللَّه عنهم.
حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عَنِ
إسرائيل عن أَبِي إِسْحَاق عن حارثة بْن مضرب: أن عُمَر بْن الخطاب
أراد قسمة السواد بَيْنَ المسلمين فأمر يحصلوا فوجد الرجل منهم نصيبه
ثلاثة منَ الفلاحين فشاور أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فقال على: دعهم يكونوا مادة للسلمين، فبعث
عُثْمَان بْن حنيف الأنصاري فوضع عَلَيْهِ ثمانية وأربعين وأربعة
وعشرين واثني عشر.
حَدَّثَنَا أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك عَنِ الأجلح عن
حبيب بْن أَبِي ثابت عن ثعلبة بن يزيد عن على، قال: لولا أن يضرب بعضكم
وجوه بعض لقسمت السواد بينكم. حدثني الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى
بْن آدم، قَالَ: حَدَّثَنَا إسرائيل عن جابر عن عَامِر قَالَ: ليس لأهل
السواد عهد وإنما نزلوا عَلَى الحكم.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم، قَالَ:
حدثني صلب الزبيدي عن مُحَمَّد بْن قيس الأسدي عَنِ الشعبي أنه سئل عن
أهل السواد ألهم عهد، فقال: لم يكن لهم عهد فلما رضي منهم بالخراج صار
لهم عهد.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن عن يَحْيَى بْن آدم عن شريك عن جابر عن عَامِر
أنه قَالَ:
ليس لأهل السواد عهد.
حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
الْمِصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عن جعفر بن محمد عن أبيه،
قال: كَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ مَجْلِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ عُمَرُ
يَجْلِسُ مَعَهُمْ فِيهِ وَيُحَدِّثُهُمْ عَمَّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ
مِنْ أَمْرِ الْآفَاقِ فَقَالَ يَوْمًا: مَا أَدْرِي
(1/262)
كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ فَوَثَبَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: سُنُّوا
بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الصباح البزاز، قَالَ: حَدَّثَنَا هشيم،
قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل ابن أَبِي خالد عن قيس بْن أَبِي حازم،
قَالَ: كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية وكان عُمَر جعل لهم ربع
السواد، فلما وفد عَلَيْهِ جرير، قَالَ: لولا أني قاسم مسئول لكنت
عَلَى ما جعلت لكم وأني أرى الناس قَدْ كثروا فردوا ذلك عليهم ففعل
وفعلوا، فأجازه عُمَر بثمانين دينارا قَالَ: فقالت امرأة من بجيلة يقال
لها أم كرز: أن أَبِي هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لن أسلم، فقال:
لها يا أم كرز أن قومك قَدْ أجابوا فقالت له ما أنا بمسلمة أو تحملني
عَلَى ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهبا ففعل عُمَر ذلك.
وحدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أسامة عَنِ إسماعيل عن قيس
عن جرير، قَالَ: كان عُمَر أعطى بجيلة ربع السواد فأخذوه ثلاث سنين،
قال قيس: ووفد جرير بْن عَبْد اللَّهِ عَلَى عُمَر مع عمار بْن ياسر،
فقال عُمَر: لولا أني قاسم مسئول لتركتكم عَلَى ما كنتم عَلَيْهِ،
ولكني أرى أن تردوه ففعلوا فأجازه بثمانين دينارا الْحَسَن بْن
عُثْمَان الزيادي، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْن يونس عَنِ إسماعيل عن
قيس قَالَ: أعطى عُمَر جرير بْن عَبْد اللَّهِ أربعمائة دينار.
حدثني حميد بْن الربيع عن يَحْيَى بْن آدم عَنِ الْحَسَن بْن صالح،
قَالَ صالح عُمَر بجيلة من ربع السواد عَلَى أن فرض لهم في ألفين منَ
العطاء.
وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن جرير ابن
يزيد بْن جرير بْن عَبْد اللَّهِ عن أبيه عن جده أن عُمَر جعل له
ولقومه ربع ما غلبوا عَلَيْهِ منَ السواد فلما جمعت غنائم جلولاء طلب
ربعه فكتب سَعْد إِلَى عُمَر يعلمه ذلك، فكتب عُمَر إن شاء جرير أن
يكون إنما قاتل
(1/263)
وقومه عَلَى جعل كجعل المؤلفة قلوبهم
فأعطوهم جعلهم وإن كانوا إنما قاتلوا لله واحتسبوا ما عنده فهم منَ
المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فقال جرير صدق أمير
الْمُؤْمِنِين وبر لا حاجة لنا بالربع.
حدثني الْحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم عن عَبْد السلام
بْن حرب عن معمر عن علي بْن الحكم عَنِ إِبْرَاهِيم النخعي، قَالَ: جاء
رجل إِلَى عُمَر بْن الخطاب، فقال: إني قَدْ أسلمت فارفع عن أرضي
الخراج، قَالَ: أن أرضك أخذت عنوة.
حَدَّثَنَا خلف بْن هِشَام البزار، قَالَ: حَدَّثَنَا هشيم عَنِ العوام
بْن حوشب عَنِ إِبْرَاهِيم التيمي، قَالَ: لما افتتح عُمَر السواد
قَالُوا له أقسمه بيننا فإنا فتحناه عنوة بسيوفنا فأبى، وقال: فما لمن
جاء بعدكم منَ المسلمين وأخاف إن قسمته أن تتفاسدوا بينكم في المياه،
قَالَ: فأقر أهل السواد في أرضهم وضرب على رؤسهم الجزية وعلى أرضهم
الطسق ولم تقسم بينهم.
وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن مجالد عن
أبيه عَنِ الشعبي أن عُمَر بْن الخطاب بعث عُثْمَان بْن حنيف الأنصاري
يمسح السواد فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب فوضع عَلَى كل جريب درهما
وقفيزا قَالَ الْقَاسِم: وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكا لهم يدعى
الشابر فان قَالَ يَحْيَى ابن آدم: هُوَ المختوم الحجاجي.
حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو معاوية عَنِ الشيباني عن
مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، قَالَ: وضع عُمَر عَلَى السواد
عَلَى كل جريب عَامِر أو غامر يبلغه الماء درهما وقفيزا وعلى جريب
الرطبة خمسة دراهم وخمسة أقفزة، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة
أقفزة، ولم يذكر النخل، وعلى رؤس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين
واثني عشر.
(1/264)
وحدثنا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأنصاري عن سَعِيد بْن أبي
عروبة عن قتادة عن أبي مجلز لاحق بْن حميد أن عُمَر بْن الخطاب بعث
عمار بْن ياسر عَلَى صلاة أهل الكوفة وجيوشهم، وعبد اللَّه ابن
مَسْعُود عَلَى قضائهم وبيت مالهم، وعُثْمَان بْن حنيف عَلَى مساحة
الأرض وفرض لهم كل يوم شاة بينهم شطرها وسواقطها لعمار والشطر الآخر
بَيْنَ هذين فمسح عُثْمَان بْن حنيف الأرض فجعل عَلَى جريب النخل عشرة
دراهم وعلى جريب الكرم عشرة دراهم وعلى جريب القصب ستة دراهم وعلى جريب
البر أربعة دراهم وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إِلَى عُمَر رحمه
اللَّه فأجازه.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن آدم
عن مندل العنزي عَنِ الأعمش عَنِ إِبْرَاهِيم عن عَمْرو بْن ميمون،
قَالَ: بعث عُمَر بْن الخطاب حذيفة ابن اليمان عَلَى ما وراء دجلة وبعث
عثمان بن حنيف على مادون دجلة فوضعا عَلَى كل جريب قفيزا ودرهما.
حدثنا الحسين، قال: حدثنا يحيى بن آدم عن مندل عن أَبِي إِسْحَاق
الشيباني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي، قَالَ كتب المغيرة بْن
شعبة وهو عَلَى السواد أن قبلنا أصنافا منَ الغلة لها مزيد عَلَى
الحنطة والشعير فذكر الماش والكروم والرطبة والسماسم، قَالَ: فوضع
عليها ثمانية ثمانية وألغى النخل.
وحدثنا خلف البزار، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بكر بْن عياش وحدثني
الْحُسَيْن ابن الأسود عن يَحْيَى بْن آدم عن أَبِي بكر، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو سَعِيد البقال عَنِ العيزار ابن حريث، قَالَ: وضع
عُمَر بْن الخطاب عَلَى جريب الحبطة درهمين وجريبين وعلى جريب الشعير
درهما وجريبا وعلى كل غامر يطق زرعه عَلَى الجريبين درهما.
(1/265)
وحدثنا خلف البزار عن أَبِي بكر بْن عياش
عن أبى سعيد عَنِ العيزار ابن حريث، قَالَ: وضع عُمَر عَلَى جريب الكرم
عشرة دراهم وعلى جريب الرطبة عشرة دراهم وعلى جريب القطن خمسة دراهم
وعلى النخلة منَ الفارسي درهما وعلى الدفلتين درهما.
حدثني عَمْرو الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا حفص بْن غياث عَنِ ابن أَبِي
عروبة عن قتادة عن أَبِي مجلز أن عُمَر وضع عَلَى جريب النخل ثمانية
دراهم.
وحدثنا الحسين بن الأسود، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قَالَ حَدَّثَنَا
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سُلَيْمَان عَنِ السرى بْن إسماعيل عَنِ الشعبي،
قَالَ: بعث عمر ابن الخطاب عُثْمَان بْن حنيف فوضع عَلَى أهل السواد
لجريب الرطبة خمسة دراهم ولجريب الكرم عشرة دراهم، ولم يجعل عَلَى ما
عمل تحته شيئا.
وحدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أَبِي سبرة عَنِ ابن رفاعة
قَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ. كان خراج السواد عَلَى عهد عُمَر
بْن الخطاب مائة ألف ألف درهم، فلما كان الحجاج صار إِلَى أربعين ألف
ألف درهم.
وحدثنا الوليد عَنِ الواقدي عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الْعَزِيزِ عن
أيوب بْن أَبِي أمامة بْن سَهْل بْن حنيف عن أبيه، قَالَ: ختم عُثْمَان
بْن حنيف في رقاب خمسمائة ألف وخمسين ألف علج وبلغ الخراج في ولايته
مائة ألف ألف درهم.
وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا يونس بْن أرقم المالكي،
قَالَ حدثني يَحْيَى بْن أَبِي الأشعث الكندي عن مصعب بْن يزيد أَبِي
زيد الأنصاري عن أبيه، قَالَ: بعثني عَلِيُّ بْن أَبِي طالب على ما سقى
الفرات، فذكر رساتيق وقرى فسمى نهر الملك، وكوثى، وبهرسير، والرومقان،
ونهرجوبر، ونهر درقيط والبهقباذات، وأمرني أن أضع عَلَى كل جريب زرع
غليظ البر درهما ونصفًا وصاعًا من طعام، وعلى كل جريب وسط درهما، وعلى
كل جريب
(1/266)
منَ البر رقيق الزرع ثلثي درهم وعلى الشعير
نصف ذلك، وأمرني أن أضع عَلَى البساتين الَّتِي تجمع النخل والشجر
عَلَى كل جريب عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم إذا أتت عَلَيْهِ ثلاث سنين
ودخل في الرابعة وأطعم عشرة دراهم، وأن ألغي كل نخل شاذ عن القرى يأكله
من مربه، وأن لا أضع عَلَى الخضراوات شيئا المقاثي، والحبوب، والسماسم،
والقطن، وأمرني أن أضع عَلَى الدهاقين الَّذِينَ يركبون البراذين
ويتختمون بالذهب عَلَى الرجل ثمانية وأربعين درهما وعلى أوسطهم منَ
التجار عَلَى رأس كل رجل أربعة وعشرين درهما في السنة وأن أضع عَلَى
الأكرة وسائر من بقي منهم عَلَى الرجل اثني عشر درهما.
حدثني حميد بْن الربيع عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، قَالَ: قلت
للحسن ما هَذِهِ الطسوق المختلفة، فقال: كل قَدْ وضع حالا بعد حال
عَلَى قدر قرب الأرضين والفرض منَ الأسواق وبعدها قَالَ، وقال يَحْيَى
بْن آدم:
وأما مقاسمة السواء فإن الناس سألوها السلطان في آخر خلافة المَنْصُور
فقبض قبل أن تقاسموا ثُمَّ أمر المهدي بها فقوسموا فيها دون عقبة
حلوان.
وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي عن عبثر أَبِي زيد عَنِ الثقات،
قَالَ:
مسح حذيفة سقى دجلة ومات بالمدائن، وقناطر حذيفة نسبت إليه وذلك أنه
نزل عندها، ويقال: جددها، وكان ذراعه وذراع ابن حنيف ذراع اليد وقبضة
وإبهاما ممدودة، ولما قوسم أهل السواد عَلَى النصف بعد المساحة الَّتِي
كانت تمسح عليهم، قَالَ بعض الكتاب: العشر الَّذِي يؤخذ منَ القطائع
هُوَ عشر ما يكال خمس النصف الَّذِي يؤخذ منَ الاستان فينبغي أن يوضع
عَلَى الجريب مما تجري عَلَيْهِ المساحة في القطائع أيضا خمس ما يؤخذ
من جريب الاستان فمضى الأمر عَلَى ذلك.
حدثني أَبُو عُبَيْدة قَالَ: حَدَّثَنَا كثير بْن هِشَام عن جَعْفَر
بْن برقان عن
(1/267)
ميمون بْن مهران أن عُمَر رحمه اللَّه بعث
حذيفة وابن حنيف إِلَى خانقين، وكانت من أول ما افتتحوا فختما أعناق
الذمة ثُمَّ قبضا الخراج.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ. حَدَّثَنَا وَكِيع، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ ابن الوليد قَالَ: حَدَّثَنَا رجل كان أبوه
أَخْبَرَ الناس بهذا السواد يقال له عَبْد الملك ابن أَبِي حرة عن
أبيه. أن عُمَر بْن الخطاب أصفى عشر أرضين منَ السواد فحفظت سبعا وذهب
عني ثلاث، أصفى الأجام ومغايض الماء وأرض كسرى وكل دير يزيد، وأرض من
قتل في المعركة، وأرض من هرب، قَالَ: ولم يزل ذلك ثابتا حَتَّى أحرق
الديوان أيام الحجاج بْن يوسف فأخذ كل قوم ما يليهم.
وحدثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الجعفي، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المبارك
عن عَبْد اللَّهِ ابن الوليد عن عَبْد الملك بْن أَبِي حرة عن أبيه
قَالَ. أصفى عُمَر بْن الخطاب منَ السواد أرض من قتل في الحرب وأرض من
هرب، وكل أرض كسرى وكل أرض لأهل بيته، وكل مغيض ماء، وكل دير يزيد، وكل
صافية اصطفاها كسرى. فبلغت صوافيه سبعة آلاف ألف درهم، فلما كانت وقعة
الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل قوم ما يليهم.
حدثني الْحُسَيْن وعمرو الناقد، قالا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن فضيل
عَنِ الأعمش عَنِ إِبْرَاهِيم بْن مهاجر عن موسى بْن طلحة قَالَ أقطع
عُثْمَان عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود أرضا بالنهرين وأقطع عمار بْن
ياسر أسبينا وأقطع خباب بْن الأرت صعنبا وأقطع سعدا قرية هرمز.
وحدثنا عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي عَنِ إسماعيل عَنِ إسماعيل بْن
مجالد عن أبيه عَنِ الشعبي قَالَ أقطع عُثْمَان بْن عَفَّان طلحة بْن
عَبْد اللَّهِ النشاستج وأقطع أسامة بْن زيد أرضا باعها.
حَدَّثَنَا شيبان بْن فروخ، قَالَ. حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عَنِ
إِبْرَاهِيم بن المهاجر
(1/268)
عن موسى بْن طلحة أن عُثْمَان بْن عَفَّان
أقطع خمسة نفر من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
منهم عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وسعد بْن مَالِك الزهري، والزبير ابن
العوام، وخباب بْن الأرت، وأسامة بْن زيد، قَالَ: فرأيت ابن مَسْعُود
وسعدا فكان جاري يعطيان أرضهما بالثلث والربع.
وحدثني الوليد بْن صالح عن مُحَمَّد بْن عَمْرو الأسلمي عن إسحاق بْن
يَحْيَى عن موسى بْن طلحة، قَالَ: أول من أقطع العراق عُثْمَان بْن
عَفَّان، أقطع قطائع من صوافى كسرى وما كان من أرض الجالية فأقطع طلحة
النشاستج وأقطع وائل بْن حجر الحضرمي ما والى زرارة، وأقطع خباب بْن
الأرت أسبينا وأقطع عدي بْن حَاتِم الطائي الروحاء، وأقطع خَالِد بْن
عرفطة أرضا عند حمام أعين وأقطع الأشعث بْن قيس الكندي طيزناباذ، وأقطع
جرير ابن عَبْد اللَّهِ البجلي أرضه عَلَى شاطئ الفرات.
حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح، قَالَ:
بلغني أن عليا رحمه اللَّه ألزم أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم وكتب لهم
بذلك كتابا في قطعة أديم.
وحدثني أَحْمَد بْن حَمَّاد الكوفي، قَالَ: أجمة برس بحضرة صرح نمرود
ببابل وفي الأجمة هوة بعيدة القعر يقال أنها بئر كان آجر الصرح اتخذ من
طينها ويقال: إنها موضع خسف.
وحدثني أَبُو مَسْعُود وغيره أن دهاقين الأنبار سألوا سَعْد بْن أَبِي
وقاص أن يحفر لهم نهرا كانوا سألوا عظيم الفرس حفره لهم، فكتب إِلَى
سَعْد بْن عَمْرو ابن حرام يأمره بحفره لهم، فجمع الرجال لذلك فحفروه
حَتَّى انتهوا إِلَى جبل لم يمكنه شقه فتركوه، فلما ولي الحجاج العراق
جمع الفعلة من كل ناحية وقال لقوامه: انظروا إِلَى قيمة ما يأكل رجل
منَ الحفارين في اليوم فإن كان وزنه
(1/269)
مثل وزن ما يقلع فلا تمتنعوا منَ الحفر فانفقوا عَلَيْهِ حَتَّى
استتموه، فنسب ذلك الجيل إِلَى الحجاج، ونسب النهر إِلَى سَعْد بْن
عَمْرو بْن حرام، قَالَ:
وأمرت الخيزران أم الخلفاء أن يحفر النهر المعروف بمحدود وسمته الريان
وكان وكيلها جعله أقساما وحد كل قسم ووكل بحفره قومًا فسمى محدودًا.
فأما النهر المعروف بشيلى فإن بنى شيلى بْن فرخزادان المروزي يدعون أن
سابور حفره لجدهم حين رتبه بنغيا من طسوج الأنبار، والذي يقول غيرهم
أنه نسب إِلَى رجل يقال له شيلى كان متقبلا لحفره وكانت له عَلَيْهِ
مبقلة في أيام المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، وأن هَذَا النهر كان
قديما مندفنا فأمر المنصور بحضره فلم يستتم حَتَّى تُوُفِّيَ فاستتم في
خلافة المهدي، ويقال: أن المَنْصُور كان أمر بإحداث فوهة له فوق فوهته
القديمة فلم يتم ذلك حَتَّى أتمها المهدي رحمه اللَّه. |