فتوح البلدان
ذكر تمصير الكوفة
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر
الواقدي عن عَبْد الحميد ابن جَعْفَر وغيره أن عُمَر بْن الخطاب كتب
إِلَى سَعْد بْن أَبِي وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة وقيروانا
وأن لا يجعل بينه وبينهم بخرافاتى الأنبار وأراد أن يتخذها منزلا، فكثر
عَلَى الناس الذباب، فتحول إِلَى موضع آخر فلم يصلح فتحول إِلَى الكوفة
فاختطها وأقطع الناس المنازل، وأنزل القبائل منازلهم وبنى مسجدها وذلك
في سنة سبع عشرة.
وحدثني عَلِيُّ بْن المغيرة الأثرم «قَالَ حدثني أَبُو عُبَيْدة معمر
بْن المثنى عن أشياخه، قَالَ: وأخبرني هِشَام بْن الكلبي عن أبيه
ومشايخ الكوفيين قَالُوا، لما فرغ سَعْد بْن أَبِي وقاص من وقعة
القادسية وجه إِلَى المدائن، فصالح أهل الرومية وبهرسير» ثُمَّ افتتح
المدائن وأخذ أسبانبر وكرد بنداذ عنوة فأنزلها جندد فاحتووها، فكتب
إِلَى سَعْد أن حولهم فحولهم إلى
(1/270)
سوق حكمة، وبعضهم يقول: حولهم إِلَى كويفة
دون الكوفة، وقال الأثرم وقد قيل: التكوف الاجتماع، وقيل أيضا أن
المواضع المستديرة منَ الرمل تسمى كوفاني، وبعضهم يسمي الأرض الَّتِي
فيها الحصباء مع الطين والرمل كوفة، قَالُوا فأصابهم البعوض، فكتب
سَعْد إِلَى عُمَر يعلمه أن الناس قَدْ بعضوا وتأذوا بذلك فكتب إليه
عُمَر: أن العرب بمنزلة الإبل لا يصلحها إلا ما يصلح الإبل فارتد لهم
موضعا عدنا ولا تجعل بيني وبينهم بحرا، وولى الاختطاط للناس أَبَا
الهياج الأسدي عَمْرو بْن مَالِك بْن جنادة ثُمَّ أن عَبْد المسيح بْن
بقيلة أتى سعدا وقال له أدلك عَلَى أرض انحدرت عن الفلاة وارتفعت عن
المباق فدله عَلَى موضع الكوفة اليوم، وكان يقال لها سورستان.
فلما انتهى إِلَى موضع مسجدها أمر رجلا فعلا بسهم قبل مهب القبلة فاعلم
عَلَى موقعه ثُمَّ علا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم عَلَى موقعه
ثُمَّ علا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم عَلَى موقعه ثُمَّ علا بسهم قبل
مهب الصبا فاعلم عَلَى موقعه، ثُمَّ وضع مسجدها ودار أمارتها في مقام
العالي وما حوله، وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين عَلَى أنه من خرج
بسهمه أولا فله الجانب الأيسر وهو خيرهما، فخرج سهم أهل اليمن فصارت
خططهم في الجانب الشرقي وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك
العلامات، وترك ما دونها فناء للمسجد ودار الأمارة، ثُمَّ أن المغيرة
بْن شعبة وسعه وبناه زياد فاحكمه وبنى دار الأمارة.
وكان زياد يقول. أنفقت عَلَى كل أسطوانة من أساطين مَسْجِد الكوفة
ثماني عشرة ومائة، وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومي بناء، وكان زياد
يستخلفه عَلَى الكوفة إذا شخص إِلَى البصرة، ثُمَّ بنى العمال فيها
فضيقوا
(1/271)
رحابها واقنيتها، قَالَ: وصاحب زقاق عَمْرو
بالكوفة بنو عَمْرو بْن حريث ابن عَمْرو بْن عُثْمَان بْن عَبْد
اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم بْن يقظة.
وحدثني وهب بْن بقية الواسطي، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون عن
داود بْن أَبِي هند عَنِ الشعبي، قَالَ: كنا- يعني أهل اليمن- اثنى عشر
ألفا، وكانت نزار ثمانية آلاف، ألا ترى أنا أكثر أهل الكوفة وخرج سهمنا
بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي.
وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني عن مسلمة بْن محارب وغيره، قَالُوا:
زاد المغيرة في مَسْجِد الكوفة وبناه ثُمَّ زاد فيه زياد، وكان سبب
إلقاء الحصى فيه وفي مَسْجِد البصرة أن الناس كانوا يصلون فإذا رفعوا
أيديهم وقد تربت نفضوها، فقال زياد. ما أخوفني أن يظن الناس عَلَى غابر
الأيام أن نفض الأيدي سنة في الصلاة فزاد في المسجد ووسعه، وأمر بالحصى
فجمع وألقي في صحن المسجد وكان الموكلون بجمعه يتعنتون الناس، ويقولون
لمن وظفوه عليه ايتونا به عَلَى ما نريكم وانتقوا منه ضروبا اختاروها
فكانوا يطلبون ما أشبهها فأصابوا مالا، فقيل: حبذا الأمارة ولو عَلَى
الحجارة. وقال الأثرم. قَالَ أَبُو عُبَيْدة: إنما قيل ذلك لأن الحجاج
بْن عتيك الثقفي أو ابنه تولى قطع حجارة أساطين مَسْجِد البصرة من جبل
الأهواز فظهر له مال فقال الناس. حبذا الأمارة ولو على الحجارة. وقال
أبو عُبَيْدة. وكان تكويف الكوفة في سنة ثمان عشرة قَالَ: وكان زياد
اتخذ في مَسْجِد الكوفة مقصورة ثُمَّ جددها خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ
القصري.
وحدثني حفص بْن عُمَر العمري، قَالَ. حدثني الهيثم بْن عدي الطائي،
قَالَ: أقام المسلمون بالمدائن واختطوها وبنوا المساجد فيها، ثم أن
المسلمين استوخموها واستوبؤها، فكتب بذلك سعد بن أبي وقاص إلى عمر،
(1/272)
فكتب إليه عمر أن تنزلهم منزلا غريبا
فارتاد كويفة ابن عُمَر فنظروا فإذا الماء محيط بها فخرجوا حَتَّى أتوا
موضع الكوفة اليوم فانتهوا إِلَى الظهر، وكان يدعى خد العذراء ينبت
الخزامى والأقحوان والشيح والقيصوم والشقائق فاختطوها.
وحدثني شيخ منَ الكوفيين. أن ما بَيْنَ الكوفة والحيرة كان يسمى
الملطاط قَالَ: وكانت دار عَبْد الملك بْن عمير للضيفان أمر عُمَر أن
يتخذ لمن يرد منَ الآفاق دارا فكانوا ينزلونها.
وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف عن مُحَمَّد
بْن إِسْحَاق، قَالَ اتخذ سَعْد بْن أَبِي وقاص بابا مبوبا من خشب وخص
عَلَى قصره خصا من قصب، فبعث عُمَر بْن الخطاب مُحَمَّد بْن مسلمة
الأنصاري حَتَّى أحرق الباب والخص وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل
فيه إلا خيرا.
وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي وإِبْرَاهِيم العلاف البصري، قالا:
حَدَّثَنَا أَبُو عوانة عن عَبْد الملك بْن عمير عن جابر بْن سمرة أن
أهل الكوفة سعوا بسعد بْن أَبِي وقاص إِلَى عُمَر، وقالوا: إنه لا يحسن
الصلاة فقال سَعْد: أما أنا فكنت أصلي بهم صلاة رَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا أخرم عنها، أركد في الأوليين وأحذف في
الأخريين، فقال عُمَر: ذاك الظن بك يا أبا اسحق، فأرسل عُمَر رجالا
يسألون عنه بالكوفة، فجعلوا لا يأتون مسجدا من مساجدها إلا قَالُوا
خيرا وأثنوا معروفا حَتَّى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس، فقال رجل منهم
يقال أَبُو سعدة: أما إذا سألتمونا عنه فإنه كان لا يقسم بالسوية، ولا
يعدل في القضية قَالَ، فقال سَعْد. اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره، وأدم
فقره وأعم بصره، وعرضه الفتن، قَالَ عَبْد الملك فأنا رأيته بعد يتعرض
للإماء في السكك، فإذا قيل له:
(1/273)
كيف أنت يا أَبَا سعدة، قَالَ كبير مفتون
أصابتني دعوة سَعْد قال العَبَّاس النرسي في غير هَذَا الحديث: إن سعدا
قَالَ لأهل الكوفة اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم بأمير.
وحدثني العَبَّاس النرسي، قَالَ: بلغني أن المختار بْن أَبِي عُبَيْد
أو غيره، قَالَ: حب أهل الكوفة شرف وبغضهم تلف.
وحدثني الْحَسَن بْن عُثْمَان الزيادي، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بْن
مجالد عن أبيه عَنِ الشعبي. أن عَمْرو بْن معدى كرب الزبيدي وفد عَلَى
عُمَر بْن الخطاب بعد فتح القادسية فسأله عن سَعْد وعن رضاء الناس عنه
فقال:
تركته يجمع لهم جمع الذرة، ويشفق عليهم شفقة الأم البرة، أعرابي في
تمرته، نبطي في جبايته، يقسم بالسوية ويعدل في القضية وينفذ بالسوية،
فقال عُمَر: كأنكما تقارضتما إلينا، وقد كان سَعْد كتب يثني عَلَى
عمرو، قَالَ: كلا يا أمير الْمُؤْمِنِين ولكني أنبأت بما أعلم، قَالَ
يا عَمْرو: أَخْبَرَنِي عَنِ الحرب، قَالَ: مرة المذاق، إذا قامت عَلَى
ساق. من صبر فيها عرف.
ومن ضعف عنها تلف، قَالَ: فأخبرني عَنِ السلاح، قَالَ: سل يا أمير
الْمُؤْمِنِين عما شئت منه، قَالَ: الرمح، قَالَ: أخوك وربما خانك
قَالَ: فالسهام، قَالَ: رسل المنايا تخطئ وتصيب، قَالَ: فالترس قَالَ.
ذاك المجن عَلَيْهِ تدور الدوائر قَالَ: فالدرع قَالَ: مشغلة للفارس
متعبة للراجل، وأنها لحصن حصين.
قَالَ والسيف قَالَ: هناك ثكلتك أمك. فقال عُمَر: بل ثكلتك أمك. فقال
عَمْرو الحمى أضرعتني إليك قَالَ وعزل عُمَر سعدا وولى عمار بْن ياسر
فشكوه وقالوا ضعيف لا علم له بالسياسة فعزله. وكانت ولايته الكوفة سنة
وتسعة أشهر، فقال عُمَر. من عذيرى من أهل الكوفة إن استعملت عليهم
القوي فجروه. وإن وليت عليهم الضعيف حقروه. ثُمَّ دعى المغيرة ابن شعبة
فقال. إن وليتك الكوفة أتعود إِلَى شيء مما قرفت به. فقال: لا، وكان
المغيرة حين فتحت القادسية صار إِلَى المدينة فولاه عُمَر الكوفة فلم
(1/274)
يزل عليها حَتَّى توفي عُمَر، ثُمّ أن
عُثْمَان بْن عَفَّان ولاها سعدا ثُمَّ عزله وولى الوليد بْن عقبة بْن
أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن أمية فلما قدم عَلَيْهِ قَالَ له سَعْد:
أما أن تكون كست بعدي أو أكون حمقت بعدك، ثُمَّ عزل الوليد وولى سعد بن
العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن بعض الكوفيين قال سمعت مسعر ابن كدام
يحدث، قَالَ: كان مع رستم يوم القادسية أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه
فاستأمنوا عَلَى أن ينزلوا حيث أحبوا ويحالفوا من أحبوا ويفرض لهم في
العطاء فأعطوا الَّذِي سألوه، وحالفوا زهرة بْن حوية السعدي من بني
تميم وأنزلهم سَعْد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب
منهم يقال له ديلم فقيل حمراء ديلم، ثُمَّ أن زياد سير بعضهم إِلَى
بلاد الشام بأمر معاوية فهم بها يدعون الفرس، وسير منهم قوما إِلَى
البصرة فدخلوا في الأساورة الَّذِينَ بها، قَالَ أَبُو مَسْعُود:
والعرب تسمى العجم الحمراء، ويقولون جئت من حمراء ديلم كقولهم جئت من
جهينة وأشباه ذلك، قَالَ أَبُو مَسْعُود وسمعت من يذكر أن هؤلاء
الأساورة كانوا مقيمين بإزاء الديلم فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا
عَلَى مثل ما أسلم عَلَيْهِ أساورة البصرة وأتوا الكوفة فأقاموا بها.
وحدثني المدائني، قَالَ: كان أبرويز وجه إِلَى الديلم فأتى بأربعة آلاف
وكانوا خدمه وخاصته، ثُمَّ كانوا عَلَى تلك المنزلة بعده وشهدوا
القادسية مع رستم فلما قتل وانهزم المجوس اعتزلوا، وقالوا: ما نحن
كهؤلاء ولا لنا ملجأ وأثرنا عندهم غير جميل، والرأي لنا أن ندخل معهم
في دينهم فنعز بهم فاعتزلوا، فقال سَعْد: ما لهؤلاء، فأتاهم المغيرة
بْن شعبة فسألهم عن أمرهم فاخبروه بخبرهم وقالوا: ندخل في دينكم فرجع
إِلَى سَعْد فأخبره فأمنهم فأسلموا وشهدوا فتح المدائن مع سَعْد وشهدوا
فتح جلولاء، ثُمَّ تحولوا فنزلوا الكوفة مع المسلمين.
(1/275)
وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: جبانة
السبيع نسبت إِلَى ولد السبيع بْن سبع بْن صعب الهمداني، وصحراء أثير
نسبت إِلَى رجل من بني أسد يقال له أثير، وكان عَبْد الحميد نسب إِلَى
عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زيد بْن الخطاب عامل عُمَر بْن
عَبْد الْعَزِيزِ عَلَى الكوفة، وصحراء بني قرار نسبت إِلَى بني قرار
بْن ثعلبة بْن مَالِك بْن حرب بْن طريف بْن النمر بْن يقدم ابن عنزة
بْن أسد بْن ربيعة بْن نزار، قَالَ: وكانت دار الروميين مزبلة لأهل
الكوفة تطرح فيها القمامات والكساحات حَتَّى استقطعها عنبسة بن سعيد بن
العاصي من يزيد بْن عَبْد الملك فأقطعه إياها فنقل ترابها بمائة ألف
وخمسين ألف درهم، وقال أَبُو مَسْعُود. سوق يوسف بالحيرة نسب إِلَى
يوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الحكم بن أبى عقيل الثقفي بن عم
الحجاج بْن يوسف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل، وهو عامل هِشَام عَلَى
العراق.
وأخبرني أَبُو الْحَسَن علي بْن مُحَمَّد وأبو مَسْعُود قالا: حمام
أعين نسب إِلَى أعين مولى سَعْد بْن أَبِي وقاص، وأعين هَذَا هُوَ
الَّذِي أرسله الحجاج ابن يوسف إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الجارود العبدي
من رستقاباذ حين خالف وتابعه الناس عَلَى إخراج الحجاج منَ العراق
ومسئلة عَبْد الملك تولية غيره، فقال له حين أدى الرسالة. لولا أنك
رَسُول لقتلتك. قَالَ أَبُو مَسْعُود وسمعت أن الحمام قبله كان لرجل
منَ العباد يقال له جابر أخو حيان الَّذِي ذكره الأعشى. وهو صاحب مسناة
جابر بالحيرة فابتاعه من ورثته.
وقال ابن الكلبي وبيعة بنى مازن بالحيرة لقوم منَ الأزد من بني عَمْرو
ابن مازن منَ الأزد وهم من غسان، قَالَ: وحمام عُمَر نسب إِلَى عُمَر
بْن سَعْد بْن أَبِي وقاص.
قَالُوا وشهارسوج بحيلة بالكوفة إنما نسب إلى بنى بحلة وهم ولد مَالِك
(1/276)
ابن ثعلبة بْن بهثة بْن سليم بْن مَنْصُور
وبجلة أمهم وهي غالبة عَلَى نسبهم فغلط الناس فقالوا بحلة، وجبانة عرزم
نسبت إِلَى رجل يقال له عرزم كان يضرب فيها اللبن ولبنها رديء فيه قصب
وخزف فربما وقع الحريق بها فاحترقت الحيطان.
وحدثني ابن عرفة، قَالَ: حدثني إسماعيل بْن علية عَنِ ابن عون أن
إِبْرَاهِيم النخعي أوصى أن لا يجعل في قبره لبن عرزمي، وقد قَالَ بعض
أهل الكوفة أن عرزما هَذَا رجل من بني نهد، وجبانة بشر نسبت إِلَى بشر
بْن ربيعة بْن عَمْرو بْن منارة بْن قمير الخثعمي الذي يقول:
تحن بباب القادسية ناقتي ... وسعد بْن وقاص عَلَى أمير
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وكان بالكوفة موضع يعرف بعنترة الحجام وكان أسود
فلما دخل أهل خراسان الكوفة كانوا يقولون حجام عنترة فبقي الناس عَلَى
ذلك وكذلك حجام فرج وضحاك رواس وبطارحيان ويقال رستم ويقال صليب وهو
بالحيرة.
وقال هِشَام بْن الكلبي: نسبت زرارة بْن يزيد بْن عَمْرو بْن عدس من
بنى البكا ابن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة وكانت منزله وأخذها منه
معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، ثُمَّ أصفيت بعد حَتَّى أقطعها مُحَمَّد
بْن الأشعث بْن عقبة الخزاعي قَالَ: ودار حكيم بالكوفة في أصحاب
الأنماط نسبت إِلَى حكيم بن سعد بن ثور البكاى، وقصر مقاتل نسب إِلَى
مقاتل بْن حسان بْن ثعلبة بْن أوس بْن إِبْرَاهِيم ابن أيوب بْن محروق
أحد بني امرئ القيس بْن زيد مناة بْن تميم، قَالَ: والسوادية بالكوفة
نسبت إِلَى سواد بْن زيد عدى بْن زيد الشاعر العبادي وجده حَمَّاد بْن
زيد بْن أيوب بْن محروق، وقرية أَبِي صلابة الَّتِي عَلَى الفرات نسبت
إِلَى صلابة ابن مَالِك بْن طارق بْن جبر بْن همام العبدي، وأقساس
مَالِك نسبت إِلَى
(1/277)
مَالِك بْن قيس بْن عَبْد هند بْن لجم أحد
بني حذافة بْن زهر بْن إياد بْن نزار ودير الأعور لرجل منَ إياد من بني
أمية بْن حذافة كان يسمى الأعور وفيه يقول أَبُو داود الأيادي:
ودير يقول له الرائد و ... ن ويل أم دار الحذاقي دارا
ودير قرة أحد بني أمية بْن حذافة وإليهم ينسب دير السوا والسوا العدل
كانوا يأتونه فيتناصفون فيه ويحلف بعضهم لبعض عَلَى الحقوق، وبعض
الرواة يقول السوا امرأة منهم، قَالَ: ودير الجماجم لأياد وكانت بينهم
وبين بني بهراء ابن عَمْرو بْن الحاف بْن قضاعة وبين وبنى القين بْن
جسر ابن شيع اللَّه بْن وبرة ابن تغلب بْن حلوان بْن عِمْرَان بْن
الحاف حرب فقتل فيها منَ إياد خلق فلما انقضت الوقعة دفنوا قتلاهم عند
الدير، وكان الناس بعد ذلك يحفرون فخرج جماجم فسمي دير الجماجم: هَذِهِ
رواية الشرقي بْن القطامي، وقال مُحَمَّد بْن السائب الكلبي: كان
مَالِك الرماح بْن محرز الإيادي قتل قومًا منَ الفرس ونصب جماجمهم عند
الدير فسمي دير الجماجم، ويقال:
أن دير كعب لإياد ويقال لغيرهم، ودير هند لأم عَمْرو بْن هند وهو
عَمْرو ابن المنذر بْن ماء السماء وأمه كندية، ودار قمام بنت الحارث
بْن هاني الكندي وهي عند دار الأشعث ابن قيس قَالَ: وبيعة بنى عدي نسبت
إِلَى بنى عدي ابن الذميل من لخم قَالُوا، وكانت طيزناباذ تدعى
ضيزناباذ فغيروا اسمها وإنما نسبت إِلَى الضيزن بْن معاوية بْن
العُبَيْد السليحي، واسم سليح عُمَر بْن طريف ابن عِمْرَان بْن الحاف
بْن قضاعة وربة الخضراء النضير بنت الضيزن وأم الضيزن جيهلة بنت تزيد
بْن حيدان بْن عُمَر بْن الحاف بْن قضاعة، قَالَ:
والذي نسب إليه مَسْجِد سماك بالكوفة سماك بْن مخرمة بْن حمين الأسدي
من بني الهالك بْن عَمْرو بْن أسد وهو الَّذِي يقول له الأخطل:
(1/278)
أن سماكا بنى مجدا لأسرته ... حَتَّى
الممات وفعل الخير يبتدر
قَدْ كنت أحسبه قينا وأخبره ... فاليوم طير عن أثوابه الشرر
وكان الهالك أول من عمل الحديد، وكان ولد يعيرون بذلك، فقال سماك
للأخطل: ويحك ما أعياك أردت أن تمدحني فهجوتني، وكان هرب من علي ابن
أَبِي طالب منَ الكوفة ونزل الرقة، قَالَ ابن الكلبي بالكوفة محلة بني
شيطان وهو شيطان بْن زهير بْن شهاب بْن ربيعة بْن أَبِي سود بْن مَالِك
بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زيد مناة من تميم، وقال ابن الكلبي: موضع دار
عِيسَى ابن موسى الَّتِي يعرف بها اليوم، كان للعلاء بْن عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن محرز بْن حارثة ابن ربيعة بْن عَبْد العزى بْن عَبْد
شمس بْن عَبْد مناف، وكان العلاء عَلَى ربع الكوفة أيام ابن الزبير
وسكة بْن محرز تنسب إليه وبالكوفة سكة تنسب إِلَى عميرة بْن شهاب بْن
محرز بْن أَبِي شمر الكندي الَّذِي كانت أخته عند عُمَر ابن سَعْد بْن
أَبِي وقاص فولدت له حفص بْن عُمَر، وصحراء شبث نسبت إِلَى شبث بْن
ربعي الرياحي من بني تميم، قَالُوا: ودار حجير بالكوفة نسبت إِلَى حجير
بْن الجعد الجمحي، وقال: بئر المبارك في مقبرة جعفى نسبت إِلَى المبارك
ابن عكرمة بْن حميري الجعفي وكان يوسف بْن عُمَر ولاه بعض السواد، ورحى
عمارة نسبت إِلَى عمارة بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن
أمية، وقال جبانة سالم نسبت إِلَى سالم بْن عمار بْن عَبْد الحارث أحد
بني دارم بْن نهار بْن مرة ابن صعصعة بْن معاوية بْن بكر بْن هوازن
وبنو مرة بْن صعصعة ينسبون إِلَى أمهم سلول بنت ذهل بْن شيبان،
قَالُوا: وصحراء البردخت نسبت إِلَى البردخت الشاعر الضبي واسمه عَلي
بْن خَالِد، قَالُوا: ومسجد بني عنز نسب إِلَى بني عنز بْن وائل بْن
قاسط، ومسجد بني جذيمة نسب إِلَى بني جذيمة بْن مَالِك ابن نَصْر بْن
قعين بْن الحارث بْن ثعلبة بْن دودان بْن أسد ويقال إِلَى بني جذيمة
(1/279)
ابن رواحة العبسي وفيه حوانيت الصيارفة،
قَالَ: وبالكوفة مَسْجِد نسب إِلَى بني المقاصف بْن ذكوان بْن زبينة
بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس بْن بغيض بْن ريث بْن غطفان بْن سَعْد
بْن قيس بْن عيلان ولم يبق منهم أحد، قَالَ: ومسجد بني بهدلة نسب إِلَى
بني بهدلة بْن المثل بْن معاوية من كندة، قَالَ: وبئر الجعد بالكوفة
نسب إِلَى الجعد مولى همدان، قَالَ: ودار أَبِي أرطاة نسبت إِلَى أرطاة
بْن مَالِك البجلي، قَالَ: ودار المقطع نسبت إِلَى المقطع بْن سنين
الكلبي بْن خَالِد بْن مَالِك، وله يقول ابن الرقاع:
عَلَى ذي منار تعرف العين شخصه ... كما يعرف الأضياف دار المقطع
قَالَ: وقصر العدسيين في طرف الحيرة لبنى عمار بْن عَبْد المسيح بْن
قيس ابن حرملة بْن علقمة بْن عدس الكلبي نسبوا إِلَى جدتهم عدسة بنت
مَالِك ابن عوف الكلبي وهي أم الرماح والمشظ ابني عَامِر المذمم.
وحدثني شيخ من أهل الحيرة، قَالَ: وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة
الَّتِي كانت لآل المنذر أن المسجد الجامع بالكوفة بني ببعض نقض تلك
القصور وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم.
وحدثني أَبُو مَسْعُود وغيره، قَالَ كان خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن
أسد بْن كرز القسري من بجيلة بنى لأمه بيعة هي اليوم سكة البريد
بالكوفة وكانت أمه نصرانية، وقال وبنى خَالِد حوانيت أنشأها وجعل
سقوفها أزاجا معقودة بالآجر والجص وحفر خَالِد النهر الَّذِي يعرف
بالجامع، واتخذ بالقرية قصرا يعرف بقصر خَالِد واتخذ أخوه أسد بْن
عَبْد اللَّهِ القرية الَّتِي تعرف بسوق أسد وسوقها ونقل الناس إليها
فقيل سوق أسد، وكان العبر الآخر ضيعة عتاب بْن ورقاء الرياحي، وكان
معسكره حين شخص إِلَى خراسان واليا عليها عند سوقه هَذَا.
(1/280)
قال أَبُو مَسْعُود: وكان عُمَر بْن هبيرة
بْن معية الفزاري أيام ولايته العراق أحدث قنطرة الكوفة ثُمَّ أصلحها
خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري واستوثق منها، وقد أصلحت بعد ذلك مرات
قَالَ، وقال بعض أشياخنا: كان أول من بناها رجل منَ العباد من جعفى في
الجاهلية، ثُمَّ سقطت فاتخذ في موضعها جسرا، ثُمَّ بناها في الإسلام
زياد بْن أَبِي سُفْيَان، ثُمَّ ابن هبيرة، ثُمَّ خَالِد بْن عَبْد
اللَّهِ، ثُمَّ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة، ثُمَّ أصلحت بعد بني أمية
مرات.
حدثني أَبُو مَسْعُود وغيره، قَالُوا كان يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بنى
مدينة بالكوفة عَلَى الفرات ونزلها ومنها شيء يسير لم يستتم فأتاه كتاب
مروان يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها وبنى القصر الذي يعرف
بقصر ابن هبيرة بالقرب مى جسر سورا، فلما ظهر أمير الْمُؤْمِنِين أَبُو
العَبَّاس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها وأحدث فيها بناء وسماها
الهاشمية فكان الناس ينسبونها إِلَى ابن هبيرة عَلَى العادة، فقال: ما
أرى ذكر ابن يسقط عنها، فرفضها وبنى بحيالها الهاشمية ونزلها، ثم اختار
نزول الأنبار فبنى بها مدينته المعروفة فلما تُوُفِّيَ دفن بها،
واستخلف أَبُو جَعْفَر المَنْصُور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة
واستتم شيئا كان بقى منها وزاد فيها بناء وهيأها عَلَى ما أراد، ثُمَّ
تحول منها إِلَى بغداد فبنى مدينته ومصر بغداد وسماها مدينة السلام
وأصلح سورها القديم الَّذِي يبتدئ من دجلة وينتهي إِلَى الصراط،
وبالهاشمية حبس المَنْصُور عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن علي بْن
أَبِي طالب بسبب ابنيه مُحَمَّد وإِبْرَاهِيم وبها قبره، وبنى
المَنْصُور بالكوفة الرصافة وأمر أَبَا الخصيب مرزوقا مولاه فبنى له
القصر المعروف بأبي الخصيب عَلَى أساس قديم، ويقال: أن أَبَا الخصيب
بناه لنفسه فكان المَنْصُور يزوره فيه، وأما الخورنق فكان قديما فارسيا
بناه النعمان بْن امرئ القيس وهو ابن الشقيقة
(1/281)
بنت أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شيبان لبهرام
جور بْن يزدجرد بْن بهرام بْن سابور ذي الأكتاف، وكان بهرام جور في
حجره والنعمان هَذَا الَّذِي ترك ملكه وساح فذكره عدي بْن زيد العبادي
في شعره، فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إِبْرَاهِيم بْن سلمة
أحد الدعاة بخراسان وهو جد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِسْحَاق القاضي كان
بمدينة السلام في خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما اللَّه، وكان
مولى للرباب وإِبْرَاهِيم أحدث فيه الخورنق في خلافة أَبِي العَبَّاس
ولم تكن قبل ذلك.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سلمة بْن
كهيل الحضرمي عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن
أصابوا بها فيلا وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك منَ الفيلة فكتبوا
فيه إِلَى عُمَر فكتب إليهم أن بيعوه إن وجدتم له مباعا فاشتراه رجل من
أهل الحيرة فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به في القرى فمكث عنده
حينا، ثُمَّ أن أم أيوب بنت عمارة بْن عقبة بْن أَبِي معيط امرأة
المغيرة بْن شعبة وهي الَّتِي خلف عليها زياد بعده أحبت النظر إليه وهي
تنزل دار أبيها فأتى به ووقف عَلَى باب المسجد الَّذِي يدعى اليوم باب
الفيل فجعلت تنظر إليه ووهبت لصاحبه شيئا وصرفته فلم يخط إلا خطى يسيرة
حَتَّى سقط ميتا فسمي الباب باب الفيل، وقد قيل أن الناظرة إليه امرأة
الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط، وقيل أن ساحرا أرى الناس أنه أخرج من
هَذَا الباب فيلا عَلَى حمار وذلك باطل، وقيل: أن الأجانة الَّتِي في
المسجد حملت عَلَى فيل وأدخلت من هَذَا الباب فسمي باب الفيل، وقال
بعضهم: أن فيلا لبعض الولاة اقتحم هَذَا الباب فنسب إليه: والخبر الأول
أثبت هَذِهِ الأخبار.
وحدثني أَبُو مَسْعُود، قَالَ: جبانة ميميون بالكوفة نسبت إِلَى ميمون
(1/282)
مولى مُحَمَّد بْن علي بْن عَبْد اللَّهِ
وهو أَبُو بشر بْن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بالقرب من باب الشام،
وصحراء أم سلمة نسبت إِلَى أم سلمة بنت يعقوب بْن سلمة بْن عَبْد
اللَّهِ بْن الوليد بْن المغيرة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم
امرأة أَبِي العَبَّاس. وحدثني أَبُو مَسْعُود، قَالَ: أخذ المَنْصُور
أهل الكوفة بحفر خندقها وألزم كل امرئ منهم للنفقة عَلَيْهِ أربعين
درهما وكان ذاما لهم لميلهم إِلَى الطالبين وإرجافهم بالسلطان.
وحدثنا الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عَنِ إسرائيل
عن جابر عن عَامِر، قَالَ: كتب عُمَر إِلَى أهل الكوفة رأس العرب.
وحدثنا الْحُسَيْن قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن سُفْيَان عن حبيب بْن
أَبِي ثابت عن نافع بْن جبير بْن مطعم، قَالَ: قَالَ عُمَر بالكوفة
وجوه الناس. وحدثنا الْحُسَيْن وإِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الخوارزمي،
قالا: حَدَّثَنَا وَكِيع عن يونس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنِ الشعبي،
قَالَ: كتب عُمَر إِلَى أهل الكوفة إِلَى رأس الإسلام. وحدثنا
الْحُسَيْن بْن الأسود، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن قيس بْن الربيع عن
شمر بْن عطية قَالَ: قَالَ عُمَر وذكر الكوفة، فقال: هم رمح اللَّه
وكنز الإيمان وجمجمة العرب يحرزون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار.
وحدثنا أَبُو نَصْر التمار، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك بْن عَبْد اللَّهِ
بْن أَبِي شريك العامري عن جندب عن سلمان قَالَ: الكوفة قبة الإِسْلام،
يأتي عَلَى الناس زمان لا يبقى مؤمن ألا وهويها أو يهوى قلبه إليها
.
(1/283)
أمر واسط العراق
حدثني عَبْد الحميد بْن واسع الختلي الحاسب، قَالَ: حدثني يَحْيَى بْن
آدم عَنِ الْحَسَن بْن صالح، قَالَ: أول مَسْجِد جامع بني بالسواد
مَسْجِد المدائن بناه سَعْد وأصحابه ثُمَّ وسع بعد وأحكم بناؤه وجرى
ذلك عَلَى يدي حذيفة ابن اليمان وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين،
ثُمَّ بني مَسْجِد الكوفة ثُمَّ مَسْجِد الأنبار قَالَ: وأحدث الحجاج
مدينة واسط في سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع وثمانين وبنى مسجدها
وقصرها وقبة الخضراء بها، وكانت واسط أرض قصب فسميت واسط القصب، وبينها
وبين الأهواز والبصرة والكوفة مقدار واحد، وقال ابن القرية: بناه في
غير بلده ويتركها لغير ولده.
وحدثني شيخ من أهل واسط عن أشياخ منهم. أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب
إِلَى عَبْد الملك بْن مروان أني اتخذت مدينة في كرش منَ الأرض بَيْنَ
الجبل والمصرين وسميتها واسطا فلذلك سمي أهل واسط الكرشيين، وكان
الحجاج قبل اتخاذه واسطا أراد نزول الصين من كسكر فحفر نهر الصين وجمع
له الفعلة وأمر بأن يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا» ثُمَّ بدا له فأحدث
واسطا فنزلها واحتفر النيل والزابي وسماه زابيا لأخذه منَ الزابي
القديم، وأحيا ما عَلَى هذين النهرين منَ الأرضين، وأحدث المدينة
الَّتِي تعرف بالنيل ومصرها، وعمد إِلَى ضياع كان عَبْد اللَّهِ بْن
دراج مولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان استخرجها له أيام ولايته خراج
الكوفة مع المغيرة ابن شعبة من موات مرفوض ونقوض مياه ومغايض وآجام ضرب
عليها المسنيات، ثُمَّ قلع قصبها فحازها لعبد الملك بْن مروان وعمرها
ونقل الحجاج إِلَى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابا من زندورد
والدوقرة ودار
(1/284)
وساط ودير ماسرجسان وشرايط فضج أهل هَذِهِ
المدن، وقالوا: قَدْ أومنا عَلَى مدننا وأموالنا فلم يلتفت إِلَى
قولهم، قَالَ: وحفر خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري المبارك فقال
الفرزدق:
كأنك بالمبارك بعد شهر ... تخوض غموره بقع الكلاب
ثُمَّ قَالَ في شعر له طويل:
أعطى خليفته بقوة خَالِد ... نهرا يفيض له عَلَى الأنهار
أن المبارك كاسمه يسقى به ... حرث السواد وناعم الْجَبَّارِ
وكأن دجلة حين أقبل مدها ... ناب يمد له بحبل قطار
وحدثني مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ الطحان، قَالَ: حدثني
مشايخنا أن خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري كتب إِلَى هِشَام بْن
عَبْد الملك يستأذنه في عمل قنطرة عَلَى دجلة فكتب إليه هِشَام، لو كان
هَذَا ممكنا لسبق إليه الفرس فراجعه فكتب إليه: أن كنت متيقنا أنها تتم
فاعملها فعملها وأعظم النفقة عليها فلم يلبث أن قطعها الماء فأغرمه
هِشَام ما كان أنفق عليها.
قالوا: وكان النهر المعروف بالبزاق قديمًا وكان يدعى بالنبطية البساق
أي الَّذِي يقطع الماء عما يليه ويجره إليه وهو نهر يجتمع إليه فضول
مياه آجام السيب وماء من ماء الفرات فقال الناس البزاق، فأما الميمون
فأول من حفره وكيل لأم جَعْفَر زبيدة بنت جَعْفَر بْن المَنْصُور يقال
له سَعِيد بْن زيد، وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون فحولت في
أيام الواثق بالله عَلَى يدي عُمَر بْن فرج الرخجي وسمى الميمون لئلا
يسقط عنه ذكر اليمن.
وحدثني مُحَمَّد بْن خَالِد، قَالَ: أمر المهدي أمير الْمُؤْمِنِين
بحفر نهر الصلة فحفر وأحيى ما عَلَيْهِ منَ الأرضين وجعلت غلته لصلات
أهل الحرمين والنفقة هناك، وكان شرط لمن تألف إليه منَ المزارعين الشرط
الَّذِي هم عَلَيْهِ اليوم
(1/285)
خمسين سنة عَلَى أن يقاسموا بعد انقضاء
الخمسين مقاسمة النصف، وأما نهر الأمير فنسب إِلَى عِيسَى بْن علي وهو
في قطيعته.
وحدثنا مُحَمَّد بْن خَالِد، قَالَ: كان مُحَمَّد بْن الْقَاسِم أهدى
إِلَى الحجاج منَ السند فيلا فأجيز البطائح في سفينة وأخرج في المشرعة
الَّتِي تدعى مشرعة الفيل فسميت تلك المشرعة مشرعه الفيل وفرضة الفيل.
أمر البطائح
حدثني جماعة من أهل العلم: أن الفرس كانت تتحدث بزوال ملكها وتروي في
آية ذلك زلازل وطوفان تحدث، وكانت دجلة تصب إِلَى دجلة البصرة الَّتِي
تدعى العوراء في أنهار متشعبة ومن عمود مجراها الَّذِي كان باقي مائها
يجري فيه وهو كبعض تلك الأنهار، فلما كان زمان قباذ بْن فيروز انبثق في
أسافل كسكر بثق عظيم فأغفل حَتَّى غلب ماؤه وغرق كثيرا من أرضين عامرة،
وكان قباذ واهنا قليل التفقد لأمره، فلما ولى أنوشروان ابنه أمر بذلك
الماء فردم بالمسنيات حَتَّى عاد بعض تلك الأرضين إِلَى عمارة، ثُمَّ
لما كانت السنة الَّتِي بعث فيها رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّهِ بْن حذافة السهمي إِلَى كسرى أبرويز
وهي سنة سبع منَ الهجرة، ويقال سنة ست زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم
ير مثلها قبلها لا بعدها، وانبثقت بثوق عظام فجهد أبرويز أن يسكرها
فغلبه الماء ومال إِلَى موضع البطائح فطفا عَلَى العمارات والزروع فغرق
عدة طساسيج كانت هناك، وركب كسرى بنفسه لسد تلك البثوق ونثر الأموال
عَلَى الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية، وصلب عَلَى بعض البثوق فيما يقال
أربعين جسارا في يوم فلم يقدر للماء عَلَى حيلة، ثُمَّ دخلت العرب أرض
العراق وشغلت الأعاجم بالحروب فكانت البثوق تنفجر فلا يلتفت إليها
ويعجز الداهقين عن سد
(1/286)
عظمها فاتسعت البطيحة وعرضت، فلما ولي
معاوية بْن أَبِي سُفْيَان ولى عَبْد اللَّهِ بْن دراج مولاه خراج
العراق واستخرج له منَ الأرضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف
وذلك أنه قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات، ثُمَّ كان حسان النبطي مولى
بني ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة والذي تنسب إليه منارة حسان بالبطائح
فاستخرج للحجاج أيام الوليد ولهِشَام بْن عَبْد الملك أرضين من أراضي
البطيحة، قَالُوا: وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهر يقال له الجنب،
وكان طريق البريد إِلَى ميسان ودستميسان وإلى الأهواز في شقه القبلي
فلما تبطحت البطائح سمى ما استأجم من شق طريق البريد آجام البريد وسمي
الشق الآخر أجام أغمر بثى، وفي ذلك الآجام الكبرى والنهر اليوم يظهر في
الأرضين الجامدة الَّتِي استخرجت حديثا.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عن أشياخه، قَالُوا: حدثت البطائح بعد
مهاجرة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وملك الفرس
أبرويز، وذلك أنه انبثقت بثوق عظام عجز كسرى عن سدها وفاضت الأنهار
حَتَّى حدثت البطائح، ثُمَّ كان مد في أيام محاربة المسلمين الأعاجم
بثوق لم يعن أحد بسدها فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت، وقد كان بنو أمية
استخرجوا بعض أرضيها، فلما كان زمن الحجاج غرق ذلك لأن بثوقا انفجرت
فلم يعان الحجاج سدها مضارة للدهاقين لأنه كان اتهمهم بممالأة ابن
الأشعث حين خرج عَلَيْهِ واستخرج حسان النبطي لهِشَام أرضين من أرضى
البطيحة أيضًا.
وكان أَبُو الأسد الَّذِي نسب إليه نهر أَبِي الأسد قائدا من قواد
المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين ممن كان وجه إِلَى البصرة أيام مقام
عَبْد اللَّهِ بْن علي بها وهو الَّذِي أدخل عَبْد اللَّهِ بْن على
الكوفة.
(1/287)
وحدثني عُمَر بْن بكير: أن المَنْصُور رحمه
اللَّه وجه أَبَا الأسد مولى أمير الْمُؤْمِنِين فعسكر بينه وبين عسكر
عِيسَى بْن موسى حين كان يحارب إِبْرَاهِيم ابن عَبْد اللَّهِ بْن
الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن علي بْن أَبِي طالب وهو حفر النهر المعروف
بأبي أسد عند البطيحة، وقال غيره: أقام عَلَى فم النهر لأن السفن لم
تدخله لضيقه عنها فوسعه ونسب إليه.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وقد انبثقت في أيام الدولة المباركة بثوق زادت
في البطائح سعة، وحدثت أيضا منَ الفرات آجام استخرج بعضها.
وحدثني أَبُو مَسْعُود عن عوانة، قَالَ: انبثقت البثوق أيام الحجاج
فكتب الحجاج إِلَى الوليد بْن عَبْد الملك يعلمه: أنه قدر لسدها ثلاثة
آلاف ألف درهم فاستكثرها الوليد، فقال له مسلمة بْن عَبْد الملك: أنا
أنفق عليها عَلَى أن تقطعني الأرضين المنخفضة الَّتِي يبقى فيها الماء
بعد انفاق ثلاثة آلاف ألف درهم يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج
فأجابه إِلَى ذلك فحصلت له أرضون من طساسيج متصلة فخفر السيبين وتألف
الاكره والمزارعين وعمر تلك الأرضين وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة
للتغزز به، فلما جاءت الدولة المباركة وقبضت أموال بني أمية أقطع جميع
السيبين داود بْن علي ابن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس، ثُمَّ ابتيع
ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده فصار من ضياع الخلافة
.
(1/288)
أمر مدينة السلام
قَالُوا: وكانت بغداد قديمة فمصرها أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه
اللَّه وابتنى بها مدينة وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومائة فلما بلغه
خروج مُحَمَّد وإِبْرَاهِيم بني عَبْد اللَّهِ بْن حسن بْن حسن عاد
إِلَى الكوفة، ثُمَّ حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين منَ الكوفة
إِلَى بغداد سنة ست وأربعين ومائة وسماها مدينة السلام واستتم بناء
حائط مدينته وجميع أمره وبناء سور بغداد القديم سنة سبع وأربعين ومائة
وتوفي سنة ثمان وخمسين ومائة بمكة ودفن عند بئر ميمون الحضرمي حليف بن
أمية، وبن المَنْصُور للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي ببغداد، وكان
هَذَا الجانب يدعى عسكر المهدي لأنه عسكر فيه حين خرج إِلَى الري، فلما
قدم منَ الري وقد بدا للمَنْصُور في إنفاذه إِلَى خراسان للإقامة بها
نزل الرصافة وذلك في سنة إحدى وخمسين ومائة وقد كان المَنْصُور أمر
فبنى للمهدي قبل إنزاله الجانب الشرقي قصره الَّذِي يعرف بقصر الوضاح
وبقصر المهدى وبالشرقية، وهو مما يلي باب الكرخ، والوضاح رجل من أهل
الأنبار كان تولى النفقة عَلَيْهِ فنسب إليه، وبنى المَنْصُور مسجدي
مدينة السلام، وبنى القنطرة الجديدة عَلَى الصراة، وابتاع أرض مدينة
السلام من قوم من أرباب القرى بادوريا وقطربل وبهزبوق ونهربين وأقطعها
أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه، وجعل مجمع الأسواق بالكرخ وأمر
التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة.
وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه، قَالَ: سمى المخرم ببغداد
مخرما لأن مخرم بْن شريح بْن حزن الحارثي نزله، قَالَ: وكان ناحية
قنطرة البردان للسرى بْن الحطيم صاحب الحطيمة الَّتِي تعرف ببغداد.
وحدثني مشايخ من أهل بغداد: إن الصالحية ببغداد نسبت إِلَى صالح بْن
(1/289)
المَنْصُور، قَالُوا: والحربية نسبت إِلَى
حرب بْن عَبْد اللَّهِ البلخي، وكان عَلَى شرط جَعْفَر بْن أبي جَعْفَر
بالموصل، والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إِلَى زهير بْن مُحَمَّد من
أهل أبيورد، وعيساباذ نسبت إِلَى عِيسَى بْن المهدي وكان في حجر منازل
التركي وهو ابن الخيزران، وقصر عبوديه مما يلي براثا نسبت إِلَى رجل
منَ الأزد يقال له عبدويه وكان من وجوه أهل الدولة، قَالُوا: وأقطع
المَنْصُور ببغداد سُلَيْمَان بْن مجالد ومجالد سروي مولى لعلي بْن
عَبْد اللَّهِ موضع داره وأقطع مهلهل بْن صفوان قطيعة بالمدينة وإليه
ينسب درب مهلهل، وكان صفوان مولى علي بْن عَبْد اللَّهِ، وكان اسم
مهلهل يَحْيَى فاستنشده مُحَمَّد بْن علي شعرا فانشده:
أليلتنا بذي حشم أنيري
وهي لمهلهل فسماه مهلهلا، وَمُحَمَّد أعتقه وأقطع المَنْصُور عمارة بْن
حَمْزَة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج، وأقطع ميمون أبا
بشر ابن ميمون قطيعة عند بستان القس ناحية باب الشام، وطاقات بشر تنسب
إِلَى بشر بْن ميمون: هَذَا، وكان ميمون مولى عَلي بْن عَبْد اللَّهِ
وأقطع شبيلا مولاه قطيعة عند دار يقطين وهناك مَسْجِد يعرف بشبيل،
وأقطع أم عُبَيْدة وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بْن علي قطيعة وإليها
تنسب طاقات أم عُبَيْدة بقرب الجسر، وأقطع منيرة مولاة مُحَمَّد بْن
علي وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة في الجانب الشرقي وأقطع ريشانة
موضعا يعرف بمسجد بني رغبان، مولى حبيب بْن مسلمة الفهري يدخل في قصر
عِيسَى بْن جَعْفَر أو جَعْفَر بْن جَعْفَر بْن المَنْصُور ودرب مهرويه
في الجانب الشرقي نسب إِلَى مهرويه الرازي، وكان من سبى سنفاذ فأعتقه
المهدي ولم يزل المَنْصُور رحمه اللَّه بمدينة السلام إِلَى آخر سني
خلافته، ثُمَّ حج منها وتوفي بمكة، ونزلها بعده المهدي أمير
الْمُؤْمِنِين، ثُمَّ شخص منها إِلَى ماسبذان فتوفي بها، وكان أكثر
نزوله من مدينة السلام بعيساباذ فى أبنية بناها هناك، ثُمَّ
(1/290)
نزلها الهادي موسى بْن المهدي فتوفي بها،
ونزلها الرشيد هارون بْن المهدي ثُمَّ شخص عنها إِلَى الرافقة فأقام
بها وسار منها إِلَى خراسان فتُوُفِّيَ بطوس، ونزلها مُحَمَّد بْن
الرشيد فقتل بها وقدمها المأمون عَبْد اللَّهِ بْن الرشيد من خراسان
فأقام بها ثُمَّ شخص عنها غازيا فمات بالفذندون ودفن بطرسوس، ونزلها
أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله ثُمَّ شخص عنها إِلَى القاطول فنزل
قصر الرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الَّذِي دعاه أَبَا الجند لقيام
ما يسقى منَ الأرضين بأرزاق جنده، ثُمَّ بنى بالقاطول بناء نزله ودفع
ذلك القصر إِلَى أشناس التركي مولاه وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء
مدينة تركها ثُمَّ رأى تمصير سر من رأى فمصرها ونقل الناس إليها وأقام
بها، وبنى مسجدا جامعا في طرف الأسواق وسماها سر من رأى، ونزل أشناس
مولاه فيمن ضم إليه منَ القواد كرخ فيروز، وأنزل بعض قواده الدور
المعروفة بالعربايى وتُوُفِّيَ رحمه اللَّه بسر من رأى في سنة سبع
وعشرين ومائتين، وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناء بناه
وسماه الهاروني حَتَّى تُوُفِّيَ به، ثُمَّ استخلف أمير الْمُؤْمِنِين
جَعْفَر المتوكل عَلَى اللَّه رحمه اللَّه في ذي الحجة سنة اثنتين
وثلاثين ومائتين فأقام بالهاروني وبنى بناء كثيرا وأقطع الناس في ظهر
سر من رأى بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجره بها قطائع فاتسعوا
بها وبنى مسجدا جامعا كبيرا وأعظم النفقة عَلَيْهِ وأمر برفع منارته
لتعلو أصوات المؤذنين فيها حَتَّى نظر إليها من فراسخ، فجمع الناس فيه
وتركوا المسجد الأول، ثُمَّ أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها
وأقام بها وأقطع الناس فيها القطائع وجعلها فيها بَيْنَ الكوخ المعروف
بفيروز وبين القاطول المعروف بكسرى فدخلت الدور والقرية المعروفة
بالماحوز فيها، وبنى بها مسجدا جامعا وكان منَ ابتدائه إياها إِلَى أن
نزلها أشهر ونزلها في أول سنة ست وأربعين ومائتين ثُمَّ تُوُفِّيَ بها
رحمه اللَّه في شوال
(1/291)
سنة سبع وأربعين واستخلف في هَذِهِ الليلة
المنتصر بالله فانتقل عنها إِلَى سر من رأى يوم الثلاثاء لعشر خلون من
شوال ومات بها.
قَالُوا: كانت عيون الطف مثل عين الصيد، والقطقطانة، والرهيمة، وعين
جمل وذواتها للموكلين بالمسالح الَّتِي وراء السواد: وهي عيون خندق
سابور الَّذِي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم،
وذلك أن سابور أقطعهم أرضها فاعتموها من غير أن يلزمهم لها خراجا، فلما
كان يوم ذي قار ونصر اللَّه العرب بنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غلبت العرب عَلَى طائفة من تلك العيون وبقى في أيدي الأعاجم
بعضها، ثُمَّ لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعد أن طمت عامة
ما في أيديهم منها وبقي الَّذِي في أيدي العرب فاسلموا عَلَيْهِ وصار
ما عمروه منَ الأرضين عشريا، ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما
جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون إِلَى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية
أيضا وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكل
صدقتها إِلَى عمال المدينة، فلما ولى إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن
مصعب السواد للمتوكل عَلَى اللَّه ضمها إِلَى ما في يده فتولى عمالة
عشرها وصيرها سوادية وهي عَلَى ذلك إِلَى اليوم، وقد استخرج عيون
إسلامية مجرى ما سقت عيونها منَ الأرضين هَذَا المجرى.
وحدثني بعض المشايخ: أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه، وقال بعض
أهل واسط أن المستخرج لها كان يسمى جملا، قَالُوا: وسميت العين عين
الصيد لأن السمك يجتمع فيها.
وأخبرني بعض الكريزين: أن عين الصيد كانت مما طم فبينا رجل منَ
المسلمين تحول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها فنزل عنه فخفر فظهر
له الماء فجمع قوما عاونوه عَلَى كشف التراب والطين عنها وتنقيتها
حَتَّى
(1/292)
عادت إِلَى ما كانت عَلَيْهِ، ثُمَّ إنها
صارت بعد إِلَى عِيسَى بْن علي، وكان عِيسَى ابتاعها من ولد حسن بْن
حسن بْن علي بْن أَبِي طالب، وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بْن
حسن، وكان معاوية أقطع الْحَسَن بْن علي عين صيد هَذِهِ عوضا منَ
الخلافة مع غيرها، وكانت عين الرحبة مما طم قديما فرآها رجل من حجاج
أهل كرمان وهي تبض فلما انصرف من حجه أتى عِيسَى بْن موسى متنصحا فدله
عليها فاستقطعها وأرضها واستخرجها له الكرماني فاعتمل ما عليها منَ
الأرضين وغرس النخل الَّذِي في طريق العذيب وعلى فراسخ من هيت عيون
تدعى العرق تجري هَذَا المجرى أعشارها إِلَى صاحب هيت.
حدثني الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة عن أَبِي عمرو بْن العلاء، قَالَ: لما
رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر، قَالُوا: ما رأينا سوادا أكثر
والسواد الشخص فتر لك سمي السواد سوادا.
وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد عن
مُحَمَّد بْن أَبِي موسى قَالَ: خرج علي إِلَى السوق فرأى أهله قَدْ
حازوا أمكنتهم، فقال: ليس ذلك لهم إن سوق المسلمين كمصلاهم من سبق
إِلَى موضع فهو له يومه حَتَّى يدعه.
حدثني أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حدثني مروان بْن معاوية عن عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن عُبَيْد عن أبيه، قَالَ: كنا نغدو إِلَى السوق في زمن
المغيرة بْن شعبة فمن قعد في موضع كان أحق به إِلَى الليل، فلما كان
زياد قَالَ: من قعد في موضع كان أحق به ما دام فيه، قَالَ مروان: وولى
المغيرة الكوفة مرتين لعمر مرة ومرة لمعاوية
.
(1/293)
نقل ديوان الفارسية
وحدثني المدائني علي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سيف عن أشياخه. قَالُوا:
لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية، فلما ولى الحجاج
العراق استكتب زادان فروخ بْن بيرى وكان معه صالح بْن عَبْد
الرَّحْمَنِ مولى بنى تميم يخط بَيْنَ يديه بالعربية والفارسية وكان
أَبُو صالح من سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحا بالحجاج وخف عَلَى
قلبه، فقال له ذات يوم:
إنك شبيبي إِلَى الأمير وأراه قَد استخفني ولا آمن أن يقدمني عليك وأن
تسقط، فقال: لا تظن ذلك هُوَ أحوج إِلَى منه إليك لأنه لا يجد من يكفيه
حسابه غيري، فقال: والله لو شئت أن أحول الحساب إِلَى العربية لحولته،
قَالَ: فحول منه شطرا حَتَّى أرى ففعل فقال له نمارض فتمارض فبعث إليه
الحجاج طبيبه فلم ير به علة وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر، ثُمّ
أن زادان فروخ قتل أيام عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث
الكندي وهو خارج من منزل كان فيه إِلَى منزله أو منزل غيره فاستكتب
الحجاج صالحا مكانه فأعلمه الَّذِي كان جرى بينه وبين زادان فروخ في
نقل الديوان فعزم الحجاج عَلَى أن يجعل الديوان بالعربية وقلد ذلك
صالحا فقال له مردانشاه بْن زادان فروخ كيف تصنع بدهوية وششوية، قَالَ:
اكتب عشر ونصف عشر، قَالَ: فكيف تصنع بويد، قال: اكتبه أيضا والويد
النيف والزيادة تزاد، فقال: قطع اللَّه أصلك منَ الدنيا كما قطعت أصل
الفارسية، وبذلت له مائة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان
ويمسك عن ذلك فأبى ونقله، فكان عَبْد الحميد بن يحيى كاتب مروان بْن
مُحَمَّد يقول: لله در صالح ما أعظم منته عَلَى الكتاب.
وحدثني عُمَر بْن شبة قَالَ حدثني أَبُو عاصم النبيل، قَالَ: أنبأنا
سَهْل بْن أَبِي الصلت، قَالَ، أجل الحجاج صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ
أجلا حتى قلب الديوان
.
(1/294)
فتح الجبال (حلوان)
قَالُوا: لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بْن عتبة بْن
أَبِي وقاص إِلَى جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي خيلا كثيفة ورتبه
بجلولاء ليكون بَيْنَ المسلمين وبين عدوهم ثُمّ أن سعدا وجه إليهم زهاء
ثلاثة آلاف منَ المسلمين وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إِلَى حلوان، فلما
كان بالقرب منها هرب يزدجرد إِلَى ناحية أصبهان ففتح جرير حلوان صلحا
عَلَى أن كف عنهم وأمنهم عَلَى دمائهم وأموالهم وجعل لمن أحب منهم
الهرب أن لا يعرض لهم، ثُمَّ خلف بحلوان جريرا مع عزرة بْن قيس بْن
غزية البجلي ومضى نحو الدينور فلم يفتحها وفتح قرماسين عَلَى مثل ما
فتح عَلَيْهِ حلوان وقدم حلوان فأقام بها واليا عليها إِلَى أن قدم
عمار بْن ياسر الكوفة فكتب إليه يعلمه أن عُمَر بْن الخطاب أمره أن يمد
به أَبَا موسى الأشعري فخلف جرير عزرة ابن قيس عَلَى حلوان وسار حَتَّى
أتى أَبَا موسى الأشعري في سنة تسع عشرة.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مُحَمَّد بْن نجاد عن عائشة
بنت سَعْد بْن أَبِي وقاص قالت: لما قتل معاوية حجر بْن عدي الكندي،
قَالَ أَبِي: لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف أن له
غناء عظيما عَنِ الإِسْلام، قَالَ الواقدي: وقد نزل حلوان قوم من ولد
جرير بْن عَبْد الله فاعقابهم بها
.
(1/295)
فتح نهاوند
قَالُوا: لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة تكانبت الفرس وأهل
الري وقومس وأصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إِلَى يزدجرد وذلك في سنة
عشرين فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب وأخرجوا رايتهم الدرفشكابيان،
وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مائة ألف، وقد كان عمار بْن
ياسر كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب بخبرهم فهم أن يغزوهم بنفسه ثُمَّ خاف
أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها، وأشير عَلَيْهِ بأن يغزي أهل الشام من
شامهم وأهل اليمن من يمنهم فخاف إن فعل ذلك أن تعود الروم إِلَى
أوطانها وتغلب الحبشة عَلَى ما يليها، فكتب إِلَى أهل الكوفة يأمرهم أن
يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم وديارهم وبعث من أهل البصرة بعثا،
وقال: لاستعملن رجلا يكون لأول ما يلقاه منَ الأسنة، فكتب إِلَى
النعمان بْن عَمْرو بْن مقرن المزني وكان مع السائب بن الأقرع الثقفي
بتوليته الجيش، وقال: إن أصبت فالأمير حذيفة بْن اليمان فإن أصيب فجرير
بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فإن أصيب فالمغيرة بْن شعبة فإن أصيب فالأشعث
ابن قيس، وكان النعمان عاملا عَلَى كسكر وناحيتها ويقال بل كان
بالمدينة فولاه عُمَر أمر هَذَا الجيش مشافهة فشخص منها.
وحدثني شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة عن أَبِي عمران
الجواني عن علقمة بْن عَبْد اللَّهِ عن معقل بْن يسار أن عُمَر بْن
الخطاب شاور الهرمزان فسأل ما ترى أنبدأ بأصبهان أو بأذربيجان فقال
الهرمزان: أصبهان الرأس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس سقط
الجناحان والرأس.
قال: فدخل عُمَر المسجد فبصر النعمان بْن مقرن فقعد إِلَى جنبه، فلما
قضى صلاته قَالَ: أما إني سأستعملك، فقال النعمان: أما جابيا فلا ولكن
غازيا قَالَ
(1/296)
فأنت غاز فأرسله، وكتب إِلَى أهل الكوفة أن
يمدوه فأمدوه وفيهم المغيرة بْن شعبة فبعث النعمان المغيرة إِلَى ذي
الحاجبين عظيم العجم بنهاوند فجعل يشق بسطه برمحه حَتَّى قام بَيْنَ
يديه ثُمَّ قعد عَلَى سريره فأمر به فسحب، فقال إني رَسُول، ثُمَّ
التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرة في سلسلة وكل خمسة في سلسلة
لئلا يفروا، قَالَ: فرمونا حَتَّى جرحوا منا جماعة وذلك قبل القتال.
وقال النعمان: شهدت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان
إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول
النصر، ثُمَّ قَالَ: إني هاز لوائي ثلاث هزات، فأما أول هزة فليتوضأ
الرجل بعدها وليقض حاجته، وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إِلَى
سيفه أو قَالَ شعه وليتهيأ وليصلح من شأنه، وأما الثالثة فإذا كانت إن
شاء اللَّه فاحملوا ولا يلوين أحد عَلَى أحد، فهز لواءه ففعلوا ما
أمرهم وثقل درعه عَلَيْهِ فقاتل وقاتل الناس، فكان رحمه اللَّه أول
قتيل قَالَ: وسقط الفارسي عن بغلته فانشق بطنه، قَالَ فأتيت النعمان
وبه رمق فغسلت وجهه من أدواة ماء كانت معي فقال: من أنت قلت معقل
قَالَ: ما صنع المسلمون قلت: أبشر بفتح اللَّه ونصره قَالَ: الحمد لله
اكتبوا إِلَى عُمَر.
حدثني شيبان، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سلمة، قَالَ: حدثني علي
بْن زيد بْن جدعان عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: أنا ذهبت بالبشارة
إِلَى عُمَر فقال:
ما فعل النعمان قلت قتل قَالَ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ
راجِعُونَ) 2: 156 ثُمَّ بكى فقلت: قتل والله فى آخرين لا أعلمهم قَالَ
ولكن اللَّه يعلمهم.
وحدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أسامة وأبو
عَامِر العقدي وسلم بْن قتيبة جميعا عن شعبة عن علي بْن زيد عن أَبِي
عُثْمَان النهدي، قَالَ:
رأيت عُمَر بْن الخطاب لما جاءه نعي النعمان بْن مقرن وضع يده عَلَى
رأسه وجعل يبكي.
(1/297)
وحدثنا الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الأنصاري عَنِ النهاس بْن قهم
عَنِ الْقَاسِم بْن عوف عن أبيه عَنِ السائب بْن الأقرع- أو عن عُمَر
بْن السائب عن أبيه شك الأنصاري- قَالَ: زحف إِلَى المسلمين زحف لم ير
مثله، فذكر حديث عُمَر فيما هم به منَ الغزو بنفسه وتوليته النعمان بْن
مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع السائب وولى السائب الغنائم، وقال:
لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقا ثُمَّ ذكر الواقعة، قَالَ: فكان النعمان
أول مقتول يوم نهاوند، ثُمَّ أخذ حذيفة الراية ففتح اللَّه عليهم.
قال السائب: فجمعت تلك الغنائم ثُمَّ قسمتها، ثُمَّ أتاني ذو العوينتين
فقال: إن كنز النخيرخان في القلعة قَالَ: فصعدتها فإذا أنا بسفطين
فيهما جوهر لم أر مثله قط قَالَ: فأقبلت إِلَى عُمَر وقد راث عنه الخبر
وهو يتطوف المدينة، ويسأل، فلما رآني قَالَ: ويلك ما وراءك فحدثته
بحديث الوقعة ومقتل النعمان وذكرت له شأن السفطين فقال: اذهب بهما
فبعهما ثم اقسم ثمنهما بين المسلمين، فأقبلت بهما إلى الكوفة فأتاني
شاب من قريش يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما باعطية الذرية والمقاتلة،
ثم انطلق بإحداهما إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به مني وفضل الآخر
فكان ذلك أول لهوة مال اتخذه.
وقال بعض أهل الصيرة: اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس ثُمَّ
تحاجزوا ثُمَّ اقتتلوا يوم الجمعة، وذكر من حديث الوقعة نحو حديث
حَمَّاد ابن سلمة، وقال ابن الكلبي عن أَبِي مخنف: أن النعمان بْن مقرن
نزل الأسبيذهار وجعل عَلَى ميمنته الأشعث بْن قيس، وعلى الميسرة
المغيرة بْن شعبة فاقتتلوا فقتل النعمان ثُمَّ ظفر المسلمون فسمى ذلك
الفتح فتح الفتوح، قَالَ: وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم
الأربعاء ويقال في سنة عشرين.
(1/298)
وحدثنا الرفاعي قَالَ حَدَّثَنَا العبقري
عن أَبِي بكر الهذلي عَنِ الْحَسَن وَمُحَمَّد قالا: كانت وقعة نهاوند
سنة إحدى وعشرين.
وحدثني الرفاعي، قَالَ حَدَّثَنَا العبقري عَنِ أبي معشر عن مُحَمَّد
بْن كعب مثله، قَالُوا: ولما هزم الجيش الأعاجم وظهر المسلمون وحذيفة
يومئذ عَلَى الناس حاصر نهاوند فكان أهلها يخرجون فيقاتلون وهزمهم
المسلمون، ثُمَّ أن سماك بْن عُبَيْد العبسي اتبع رجلا منهم ذات يوم
ومعه ثمانية فوارس فجعل لا يبرز إليه رجل منهم إلا قتله حَتَّى لم يبق
غير الرجل وحده فاستسلم وألقى سلاحه فأخذه أسيرا. فتكلم بالفارسية فدعى
له سماك برجل يفهم كلامه فترجمه فإذا هُوَ يقول: اذهب إِلَى أميركم
حَتَّى أصالحه عن هَذِهِ الأرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك عَلَى أسرك
إياي ما شئت فإنك قَدْ مننت علي إذ لم تقتلني فقال له وما اسمك قَالَ
دينار فانطلق به إِلَى حذيفة فصالحه عَلَى الخراج والجزية وآمن أهل
مدينته نهاوند عَلَى أموالهم وحيطانهم ومنازلهم فسميت نهاوند ماه دينار
وكان دينار يأتي بعد ذلك سماكا ويهدي إليه ويبره.
وحدثني أَبُو مَسْعُود الكوفي عَنِ المبارك بْن سَعِيد عن أبيه قَالَ
وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة والدينور من فتوح أهل البصرة فلما كثر
المسلمون بالكوفة احتاجوا إِلَى أن يزادوا في النواحي الَّتِي كان
خراجها مقسوما فيهم فصيرت لهم الدينور وعوض أهل البصرة نهاوند لأنها من
أصبهان فصار فضل ما بَيْنَ خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة فسميت
نهاوند ماه البصرة والدينور ماه الكوفة وذلك في خلافة معاوية.
وَحَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ
الْيَمَانِ وَهُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ حُسْيَلِ بْنِ جَابِرٍ الْعَبْسِيُّ
حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأُمُّهُ
الرَّبَابُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عَدِيٍّ مِنْ عَبْدِ الْأَشْهَلِ
وَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قتله
(1/299)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
الْهُذَلِيُّ خَطَأً وَهُوَ يَحْسَبُهُ كَافِرًا فَأَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإْخَراجِ دِيتَهُ
فَوَهَبَهُ حُذَيْفَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْوَاقِدِيُّ يَقُولُ
سُمِّيَ حُسَيْلٌ الْيَمَان لِأَنَّهُ كَانَ يَتْجَرُ إِلَى الْيَمَنِ
فَإِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ قَالُوا قَدْ جَاءَ الْيَمَانِيُّ.
وقال الكلبي: هُوَ حذيفة بْن حسيل بْن جابر بْن ربيعة بْن عَمْرو بْن
جروة وجروة هُوَ اليمان نسب إليه حذيفة وبنيهما آباء وكان قَدْ أصاب في
الجاهلية دما وهرب إِلَى المدينة وحالف بني عَبْد الأشهل فقال قومه
هُوَ يمان لأنه حالف اليمانية.
صلح الدينور وماسبذان ومهرجا نقذف
قالوا: انصرف أَبُو موسى الأشعري من نهاوند وقد كان سار بنفسه إليها
عَلَى بعث أهل البصرة ممدا للنعمان بْن مقرن فمر بالدينور فأقام عليها
خمسة أيام قوتل منها يوما واحدا، ثُمَّ أن أهلها أقروا بالجزية والخراج
وسألوا الأمان عَلَى أنفسهم وأموالهم وأولادهم فأجابهم إِلَى ذلك وخلف
بها عامله في خيل ثُمَّ مضى إِلَى ماسبذان فلم يقاتله أهلها وصالحه أهل
السيروان عَلَى مثل صلح الدينور وعلى أن يؤدوا الجزية والخراج، وبث
السرايا وفيهم فغلب عَلَى أرضها وقوم يقولون: أن أَبَا موسى فتح
ماسبذان قبل وقعة نهاوند وبعث أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب
بْن الأقرع الثقفي وهو صهره عَلَى ابنته وهي أم مُحَمَّد بْن السائب
إِلَى الصيمرة مدينة مهرجا نقذف ففتحها صلحا عَلَى حقن الدماء وترك
السباء والصفح عَنِ الصفراء والبيضاء وعلى أداء الجزية وخراج الأرض
وفتح جميع كور مهرجا نقذف، وأثبت الخبر أنه وجه السائب منَ الأهواز
ففتحها.
(1/300)
حدثني محمد بن عقبة بن مصرم الضبي عن أبيه
عن سيف بْن عُمَر التميمي عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا
الجبال فمروا بالقلة الشرقية الَّتِي تدعى سن سميرة، وسميرة امرأة من
ضبة من بني معاوية بْن كعب بْن ثعلبة بْن سَعْد بْن ضبة منَ المهاجرات
وكانت لها سن فسمى ذلك سن سميرة قال ابن هِشَام الكلبي وقناطر النعمان
نسبت إِلَى النعمان بْن عَمْرو بْن مقرن المزني عسكر عندها وهي قديمة.
وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن عوانة قَالَ: كان كثير
بْن شهاب بْن الحصين بْن ذي الغصة الحارثي عُثْمَانيا يقع في علي بْن
أَبِي طالب ويثبط الناس عَنِ الْحُسَيْن ومات قبيل خروج المختار بْن
أَبِي عُبَيْد أو في أول أيامه، وله يقول المختار بْن أَبِي عُبَيْد في
سجعه: أما ورب السحاب، شديد العقاب، سريع الحساب، منزل الكتاب، لأنبشن
قبر كثير بْن شهاب، المفتري الكذاب، وكان معاوية ولاه الري ودستبى حينا
من قبله ومن قبل زياد والمغيرة بْن شعبة عامليه، ثُمَّ غلب عَلَيْهِ
فحبسه بدمشق وضربه حَتَّى شخص شريح بْن هانئ المرادي إليه في أمره
فتخلصه، وكان يزيد بْن معاوية قَدْ حمد مشايعته وأتباعه لهواه فكتب
إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن زياد في توليته ماسبذان ومهرجا نقذف وحلوان
والماهين وأقطعه ضياعا بالجبل فبنى قصره المعروف بقصر كثير، وهو من عمل
الدينور، وكان زهرة بن الحارث بن مَنْصُور بْن قيس بْن كثير بْن شهاب
اتخذ بماسبذان ضياعا.
حدثني بعض ولد خشرم بْن مَالِك بْن هبيرة الأسدي أن أول نزول الخشارمة
ماسبذان كان في آخر أيام بني أمية نزع إليها جدهم منَ الكوفة.
وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، قَالَ: كان زياد في سفر فانقطع
سفشق قبائه فأخرج كثير بْن شهاب إبرة كانت مغروزة في قلنسوته وخيطا
(1/301)
كان معه فأصلح السفشق، فقال له زياد: أنت
حازم وما مثلك يعطل فولاه بعض الجبل.
فتح همذان
قَالُوا: وجه المغيرة بْن شعبة وهو عامل عُمَر بْن الخطاب عَلَى الكوفة
بعد عزل عمار بْن ياسر جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي إِلَى همذان،
وذلك في سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم
فقال: احتسبتها عند اللَّه الَّذِي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثُمَّ
سلبنيها في سبيله، ثُمَّ أنه فتح همذان عَلَى مثل صلح نهاوند وكان ذلك
في آخر سنة ثلاث وعشرين فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب عَلَى أرضها
فأخذها قسرا، وقال الواقدي: فتح جرير نهاوند في سنة أربع وعشرين بعد
ستة أشهر من وفاة عُمَر بْن الخطاب رحمه اللَّه وقد روى بعضهم أن
المغيرة بْن شعبة سار إِلَى همذان وعلى مقدمته جرير فافتتحها وإن
المغيرة ضم همذان إِلَى كثير بْن شهاب الحارثي.
وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن جده وعوانة بْن الحكم، أن سَعْد
ابن أَبِي وقاص لما ولى الكوفة لعُثْمَان بْن عَفَّان ولى العلاء بْن
وهب بْن عَبْد ابن وهبان أحد بني عَامِر بْن لؤي ماه وهمذان فغدر أهل
همذان ونقضوا فقاتلهم ثُمَّ أنهم نزلوا عَلَى حكمه فصالحهم عَلَى أن
يؤدوا خراج أرضهم وجزية الرؤوس ويعطوه مائة ألف درهم للمسلمين، ثُمَّ
لا يعرض لهم في مال ولا حرمة ولا ولد وقال ابن الكلبي: ونسبت القلعة
الَّتِي تعرف بماذران إِلَى السرى بْن نسير بْن ثور العجلي وهو كان
أناخ عليها حَتَّى فتحها.
وحدثني زياد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ البلخي عن أشياخ من أهل سيسر، قَالَ
سميت سيسر لأنها في الخفاض منَ الأرض بَيْنَ رؤس آكام ثلاثين فقيل
(1/302)
ثلاثون رأسا، وكانت سيسر تدعى سيسر صدخانية
أي ثلاثون رأسا ومائة عين وبها عيون كثيرة تكون مائة عين، قَالُوا: ولم
تزل سيسر وما والاها مراعي لمواشي الأكراد وغيرهم، وكانت مروج لدواب
المهدي أمير الْمُؤْمِنِين وأغنامه، وعليها مولى له يقال له سُلَيْمَان
بْن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام، وشريك معه يقال له سلام
الطيفوري، وكان طيفور مولى أَبِي جَعْفَر المَنْصُور وهبه للمهدي، فلما
كثر الصعاليك والذعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدي أمير
الْمُؤْمِنِين جعلوا هَذِهِ الناحية ملجأ لهم وحوزا فكانوا يقطعون
ويأوون إليها ولا يطلبون لأنها حد همذان والدينور وأذربيجان، فكتب
سُلَيْمَان بْن قيراط وشريكه إِلَى المهدي بخبرهم وشكيا عرضهم لما في
أيديهم منَ الدواب والأغنام، فوجه إليهم جيشا عظيما وكتب إِلَى
سُلَيْمَان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها وأعوانهما ورعاتهما
ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها، فبنيا مدينة سيسر
وحصناها وأسكناها الناس، وضم إليها رستاق ما ينهرج منَ الدينور ورستاق
الجوذمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر فكورت بهذه الرساتيق،
ووليها عامل مفرد وكان خراجها يؤدي إليه، ثُمَّ أن الصعاليك كثروا في
خلافة أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد وشعثوا سيسر فأمر بمرمتها وتحصينها
ورتب فيها ألف رجل من أصحاب خاقان الخادم السغدي ففيها قوم من أولادهم.
ثُمَّ لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة بْن أَبِي مرة الرديني
العجلي عَلَى سيسر، فحاول عُثْمَان الأودي مغالبته عليها فلم يقدر
عَلَى ذلك وغلبه عَلَى ما كان في يده من أذربيجان أو أكثر، ولم يزل مرة
بْن الرديني يؤدي الخراج عن سيسر في أيام مُحَمَّد الرشيد عَلَى مقاطعة
قاطعه عليها إِلَى أن وقعت الفتنة ثُمَّ إنها أخذت من عاصم بْن مرة
فأخرجت من يده في خلافة المأمون
(1/303)
فرجعت إِلَى ضياع الخلافة.
وحدثني مشايخ من أهل المفازة وهي متاخمة لسيسر أن الجرشي لما ولى الجبل
جلا أهل المفازة عنها فرفضوها، وكان للجرشي قائد يقال له همام بْن هانئ
العبدي فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب عَلَى ما فيها فكان
يؤدي حق بيت المال فيها حَتَّى تُوُفِّيَ وضعف ولده عَنِ القيام بها
فلما أقبل المأمون أمير الْمُؤْمِنِين من خراسان بعد قتل مُحَمَّد بْن
زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له
مُحَمَّد بْن العَبَّاس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه
رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها عَلَى أن يعزوا ويمتنعوا منَ الصعاليك
وغيرهم فقبلها وأمر بتقويتهم ومعونتهم عَلَى عمارتها ومصلحتها فصارت من
ضياع الخلافة.
وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها، وسألته أن يكتب
لها إِلَى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك.
فتح قم وقاشان وأصبهان
قالوا: لما انصرف أَبُو موسى عَبْد اللَّهِ بْن قيس الأشعري من نهاوند
سار إِلَى الأهواز فاستقرأها، ثُمَّ أتى «قم» وأقام عليها أياما ثُمَّ
افتتحها، ووجه الأحنف بْن قيس واسمه الضحاك بْن قيس التميمي إِلَى
«قاشان» ففتحها عنوة ثُمَّ لحق به، ووجه عُمَر بْن الخطاب عَبْد
اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء الخزاعي إِلَى «أصبهان» سنة ثلاث وعشرين،
ويقال: بل كتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى الأشعري يأمره بتوجيهه في جيش
إِلَى أصبهان فوجهه ففتح عَبْد اللَّهِ بن بديل جى صلحا بعد قتال عَلَى
أن يؤدي أهلها الخراج والجزية وعلى أن يؤمنوا عَلَى أنفسهم وأموالهم
خلا ما في أيديهم منَ السلاح، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل: الأحنف
(1/304)
ابن قيس وكان في جيشه إِلَى اليهودية
فصالحه أهلها عَلَى مثل ذلك الصلح وغلب ابن بديل عَلَى أرض أصبهان
وطساسيجها وكان العامل عليها إِلَى أن مضت من خلافة عُثْمَان سنة،
ثُمَّ ولاها عُثْمَان السائب بْن الأقرع.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد مولى بني هاشم، قَالَ: حَدَّثَنَا موسى بْن
إسماعيل عن سُلَيْمَان بْن مُسْلِم عن خاله بشير بْن أَبِي أمية أن
الأشعري نزل بأصبهان فعرض عليهم الإِسْلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية
فصالحوه عليها فباتوا عَلَى صلح ثُمَّ أصبحوا عَلَى غدر فقاتلهم وأظهره
اللَّه عليهم، قَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد:
أحسبه عن أهل قم.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: حدثني الهيثم بْن جميل عن حَمَّاد
بْن سلمة عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق، قَالَ وجه عُمَر بْن بديل الخزاعي
إِلَى أصبهان وكان مرزبانها مسنا يسمى الفادوسفان فحاصره وكاتب أهل
المدينة فخذلهم عنه، فلما رأى الشيخ التياث الناس عَلَيْهِ اختار
ثلاثين رجلا منَ الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم، ثُمَّ خرج منَ المدينة
هاربا يريد كرمان ليتبع يزدجرد ويلحق به فانتهى خبره إِلَى عَبْد
اللَّهِ بْن بديل فاتبعه في خيل كثيفة فالتفت الأعجمي إليه وقد علا
شرفا فقال: اتق عَلَى نفسك فليس يسقط لمن ترى سهم فإن حملت رميناك وإن
شئت أن تبارزنا بارزناك فبارز الأعجمي فضربه ضربة وقعت عَلَى قربوص
سرجه فكسرته وقطعت اللبب، ثُمَّ قَالَ له يا هَذَا ما أحب قتلك فإني
أراك عاقلا شجاعًا فهل لك في أن أرجع معك فأصالحك عَلَى أداء الجزية عن
أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له وأدفع المدينة إليك،
فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه وقال: يا أهل أصبهان رأيتكم
لئاما متخاذلين فكنتم أهلا لما فعلت بكم، قَالُوا: وسار ابن بديل في
نواحي أصبهان سهلها وجبلها فغلب عليها، وعاملهم في الخراج نحو ما
عاملهم عَلَيْهِ أهل الأهواز. قَالُوا: وكان فتح أصبهان وأرضها في
(1/305)
بعض سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين.
وقد روى أن عُمَر بْن الخطاب وجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل في جيش فوافى
أبا موسى وقد فتح «قم» و «قاشان» فغزوا جميعا «أصبهان» وعلى مقدمة
أَبِي موسى الأشعري الأحنف بْن قيس ففتحا اليهودية جميعا عَلَى ما
وصفنا، ثُمَّ فتح ابن بديل «جى» وسارا جميعا في أرض «أصبهان» فغلبا
عليها، وأصح الأخبار أن أَبَا موسى فتح «قم» و «قاشان» وأن عَبْد
اللَّهِ بْن بديل فتح «جى» و «اليهودية» .
وحدثني أَبُو حسان الزيادي عن رجل من ثقيف قال: كان لعثمان بن أبى
العاصي الثقفي مشهد بأصبهان.
وحدثنا مُحَمَّد بْن يَحْيَى التميمي عن أشياخه، قَالَ: كانت للأشراف
من أهل أصبهان معاقل بجفرباد من رستاق الثيمرة الكبرى ببهجاورسان
وبقلعة تعرف بماربين فلما فتحت جى دخلوا في الطاعة عَلَى أن يؤدوا
الخراج وأنفوا منَ الجزية فأسلموا.
وقال الكلبي وأبو اليقظان: ولى الهذيل بْن قيس العنبري أصبهان في أيام
مروان فمذ ذاك صار العنبريون إليها، قَالُوا: وكان جد أَبِي دلف، وأبو
دلف الْقَاسِم بْن عِيسَى بْن إدريس بْن معقل العجلي يعالج العطر ويحلب
الغنم، فقدم الجبل في عدة من أهله فنزلوا قرية من قرى همذان تدعى مس،
ثُمَّ أنهم أثروا واتخذوا الضياع، ووثب إدريس بْن معقل عَلَى رجل منَ
التجار كان له عَلَيْهِ مال فخنقه، ويقال بل خنقه وأخذ ماله، فحمل
إِلَى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بْن عُمَر الثقفي العراقي زمن
هِشَام بْن عَبْد الملك، ثُمَّ أن عِيسَى بْن إدريس نزل الكرج وغلب
عليها وبنى حصنها وكان حصنا رثا، وقويت حال أَبِي دلف الْقَاسِم بْن
عِيسَى وعظم شأنه عند السلطان فكبر ذلك الحصن ومدن الكرج فقيل كرج
أَبِي دلف والكرج اليوم مصر منَ الأمصار.
(1/306)
وكان المأمون وجه علي بْن هِشَام المروزي إِلَى قم وقد عصى أهلها
وخالفوا ومنعوا الخراج وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل وقتل رئيسهم
وهو يَحْيَى بْن عِمْرَان، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض وجباها سبعة
آلاف ألف درهم وكسرا، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم،
وقد نقضوا في خلافة أَبِي عَبْد اللَّهِ المعتز بالله بْن المتوكل
عَلَى اللَّه فوجه إليهم موسى بْن بغا عامله عَلَى الجبل لمحاربة
الطالبين الَّذِينَ ظهروا بطبرستان ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلق كثير،
وكتب المعتز بالله في حمل جماعة من وجوها. |