فتوح البلدان

مقتل يزدجرد بْن شهريار بْن كسرى أبرويز بْن هرمز بْن أنوشروان
قالوا: هرب يزدجرد منَ المدائن إِلَى حلوان ثُمَّ إِلَى أصبهان، فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من أصبهان إِلَى اصطخر فتوجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء بعد فتح أصبهان لاتباعه فلم يقدر عَلَيْهِ، ووافى أَبُو موسى الأشعري اصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك وعاناها عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي فلم يقدر عليها، وقدم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز البصرة سنة تسع وعشرين وقد افتتحت فارس كلها إلا اصطخر وجور فهم يزدجرد بأن يأتي طبرستان وذلك أن مرزبانها عرض عَلَيْهِ وهو بأصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها ثُمَّ بدا له فهرب إِلَى كرمان، واتبعه بْن عَامِر مجاشع بْن مَسْعُود السلمي وهرم بْن حيان العبدي فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان، فأصاب الناس الدمق وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل فسمي القصر قصر مجاشع، وانصرف مجاشع إِلَى ابن عَامِر، وكان يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان فدخل عَلَيْهِ مرزبانها

(1/307)


فلم يكلمه تيها فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عَنِ الملك ولو علم اللَّه فيك خيرا ما صيرك إِلَى هَذِهِ الحال، فمضى إِلَى سجستان فأكرمه ملكها وعظمه فلما مضت عَلَيْهِ أيام سأله عَنِ الخراج فتنكر له.
فلما رأى يزدجرد ذلك سار إِلَى خراسان، فلما صار إِلَى حد مرو تلقاه ماهويه مرزبانها معظما مبجلا وقدم عَلَيْهِ نيزك طرخان فحمله وخلع عَلَيْهِ وأكرمه فأقام نيزك عنده شهرا ثُمَّ شخص وكتب إليه يخطب ابنته فاحفظ ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عَبْد من عُبَيْدي فما جرأك عَلَى أن تخطب إلي، وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان مرو وسأله عَنِ الأموال، فكتب ماهويه إِلَى نيزك يحرضه عَلَيْهِ ويقول: هَذَا الَّذِي قدم مفلولا طريدا فمننت عَلَيْهِ ليرد عَلَيْهِ ملكه، فكتب إليك بما كتب ثُمَّ تضافر عَلَى قتله وأقبل نيزك في الأتراك حَتَّى نزل الجنابذ فحاربوه فتكافأ الترك، ثُمَّ عادت الديرة عَلَيْهِ فقتل أصحابه ونهب عسكره فأتى مدينة مرو فلم يفتح له فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب، ويقال أن ماهويه بعث إليه رسله حين بلغه خبره فقتلوه في بيت الطحان، ويقال أنه دس إِلَى الطحان فأمره بقتله فقتله، ثُمَّ قَالَ: ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش فأمر بالطحان فقتل، ويقال أن الطحان قدم له طعاما فأكل وأتاه بشراب فشرب فسكر فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه عَلَى رأسه فبصر به الطحان فطمع فيه فعمد إِلَى رحا فألقاها عَلَيْهِ فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء ثُمَّ عرف ماهويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب.
ويقال: أن يزدجرد نذر برسل ماهويه فهرب ونزل الماء فطلب منَ الطحان فقال: قد خرج من بيتي فوجدوه في الماء، فقال خلوا عني أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي، فتغيبوا عنه وسألهم شيئا يأكل به خبزا

(1/308)


فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم فضحك وقال: لقد قيل لي أنك ستحتاج إِلَى أربعة دراهم.
ثُمَّ أنه هجم عَلَيْهِ بعد ذلك قوم وجههم ماهويه لطلبه فقال: لا تقتلوني واحملوني إِلَى ملك العرب لأصالحه عني وعنكم فتأمنوا فأبوا ذلك وخنقوه بوتر ثُمَّ أخذوا ثيابه فجعلت في جراب وألقوا جثته في الماء، ووقع فيروز ابن يزدجرد فيما يزعمون إِلَى الترك فزوجوه وأقام عندهم.
فتح الري وقومس
حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف، أن عُمَر بْن الخطاب كتب إلى عمار بن ياسر وهو عامله عَلَى الكوفة بعد شهرين من وقعة نهاوند يأمره أن يبعث عُرْوَة بْن زيد الخيل الطائي إِلَى الري ودستبى في ثمانية آلاف ففعل، وسار عُرْوَة إِلَى ما هناك فجمعت له الديلم وأمدهم أهل الري فقاتلوه فأظهره اللَّه عليهم فقتلهم واجتاحهم ثُمَّ خلف حنظلة بْن زيد أخاه وقدم عَلَى عمار فسأله أن يوجهه إِلَى عُمَر وذلك أنه كان القادم عَلَيْهِ بخبر الجسر فأحب أن يأتيه بما يسره فلما رآه عُمَر قَالَ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) 2: 156 فقال عُرْوَة: بل أَحْمَد اللَّه فقد نصرنا وأظهرنا وحدثه بحديثه، فقال: هلا أقمت وأرسلت قَالَ: قَد استخلفت أخي وأحببت أن آتيك بنفسي فسماه البشير، وقال عُرْوَة:
برزت لأهل القادسية معلما ... وما كل من يغشى الكريهة يعلم
ويوما بأكناف النخيلة قبلها ... شهدت: فلم أبرح أدمى وأكلم
وأيقنت يوم الديلميين أنني ... متى ينصرف وجهي إِلَى القوم يهزموا
محافظة أني امرؤ ذو حفيظة ... إذا لم جد مستأخرا أتقدم

(1/309)


المنذر بْن حسان بْن ضرار أحد بني مَالِك بْن زيد شرك في دم مهران يوم النخيلة، قَالُوا فلما انصرف عُرْوَة بعث حذيفة عَلَى جيشه سلمة بْن عَمْرو بْن ضرار الضبي ويقال البراء بْن عازب وقد كانت وقعة عُرْوَة كسرت الديلم وأهل الري فأناخ عَلَى حصن الفرخان بْن الزينبدي والعرب تسميه الزينبي وكان يدعى عارين فصالحه ابن الزينبي بعد قتال عَلَى أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج وأعطاه عن أهل الري وقومس خمسمائة ألف عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت ناري، وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند في خراجهم، وصالحه أيضًا عن أهل دستى الرازي وكانت دستبى قسمين قسما رازيا وقسما همذانيا.
ووجه سُلَيْمَان بْن عَمْرو الضبي ويقال البراء بْن عازب إِلَى قومس خيلا فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان، ثُمَّ لما عزل عُمَر بْن الخطاب عمارا وولى المغيرة بْن شعبة الكوفة ولى المغيرة بْن شعبة كثير بْن شهاب الحارثي الري ودستبى، وكان لكثير أثر جميل يوم القادسية، فلما صاروا إِلَى الري وجد أهلها قَدْ نقضوا فقاتلهم حَتَّى رجعوا إِلَى الطاعة وأذعنوا بالخراج واجزية وغزا الديلم فأوقع بهم وغزا الببر والطيلسان.
فحدثني حفص بْن عُمَر العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بْن شهاب كان عَلَى الري ودستبى وقزوين، وكان جميلا حازمًا مقعدًا فكان يقول ما من مقعد إلا وهو عيال عَلَى أهله سواي، وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين، وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس أبر وخيوط كتان وبمخفف ومقراض ومخلاة وتليسة، وكان بخيلا، وكانت له جفنة توضع بَيْنَ يديه فإذا جاءه إنسان قَالَ: لا أبا لك أكانت لك علينا عين، وقال يوما يا غلام أطعمنا فقال: ما عندي

(1/310)


إلا خبر وبقل، فقال: وهل اقتتلت فارس والروم إلا عَلَى الخبز والبقل، وولى الري ودستبى أيضا أيام معاوية حينا، قَالَ: ولما ولى سَعْد بْن أَبِي وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الري وكانت ملتاثة فأصلحها وغزا الديلم وذلك في أول سنة خمس وعشرين ثُمَّ انصرف.
وحدثني بكر بْن الهيثم عن يَحْيَى بْن ضريس قاضي الري، قَالَ: لم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح حَتَّى كان آخر من فتحها قرظة ابن كعب الأنصاري في ولاية أَبِي موسى الكوفة لعُثْمَان فاستقامت، وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدي ويجمعون في مَسْجِد اتخذ بحضرته وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة، وكانوا يغزون الديلم من دستبى، قَالَ: وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلي ومات بها فصلى عَلَيْهِ علي رضي اللَّه عنه.
وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن جده، قَالَ: ولى علي يزيد بْن حجبة ابن عَامِر بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة الري ودستبى فكسر الخراج فحبسه فخرج فلحق بمعاوية، وقد كان أَبُو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها عَلَى أمرها الأول.
وحدثني جَعْفَر بْن مُحَمَّد الرازي، قَالَ قدم أمير الْمُؤْمِنِين المهدي في خلافة المَنْصُور فبنى مدينة الري الَّتِي الناس بها اليوم وجعل حولها خندقا وبنى فيها مسجدا جامعا جرى عَلَى يدي عمار بْن أَبِي الخصيب، وكتب اسمه عَلَى حائطه فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومائة وجعل لها فصيلا يطيف به فارقين أجر وسماها المحمدية فأهل الري يدعون المدينة الداخلة ويسمون الفصيل المدينة الخارجة وحصن الزنبدي في داخل المحمدية وكان المهدي قَدْ أمر بمرمته ونزله وهو مطل عَلَى المسجد الجامع ودار الأمارة وقد كان جعل بعد سجنا.
قَالَ: وبالري أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة، قَالَ:

(1/311)


وكانت مدينة الري تدعى فى الجاهلية أرازى فيقال أنه خسف بها وهي عَلَى ست فراسخ منَ المحمدية وبها سميت الري، وقال وكان المهدي في أول مقدمه الري نزل قرية يقال لها السير وأن، قَالَ وفي قلعة الفرخان يقول الشاعر الغطمش بْن الأعور بْن عَمْرو الضبي:
عَلَى الجوسق الملعون بالري لا يني ... عَلَى رأسه داعي المنية يلمع
قَالَ بكر بْن الهيثم: حدثني يَحْيَى بْن ضريس القاضي، قَالَ: كان الشعبي دخل الري مع قتيبة بْن مُسْلِم، فقال له: ما أحب الشراب إليك فقال أهونه وجودا وأعزه فقدا قَالَ: ودخل سَعِيد بْن جبير الري أيضًا فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير.
قَالَ: وكان عَمْرو بْن معدي كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت فلما انصرف تُوُفِّيَ فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان وبالري دفن الكسائي النحوي، واسمه عَلي بْن حَمْزَة، وكان شخص إليها مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خراسان وبهامات الحجاج بْن أرطاة، وكان شخص إليها مع المهدي ويكنى أَبَا أرطأة، وقال الكلبي: نسب قصر جابر بدستبى إِلَى جابر أحد بني زيبان بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة.
قَالُوا: ولم تزل وظيفة الري اثني عشر ألف ألف درهم حتى مربها المأمون منصرفا من خراسان يريد مدينة السلام فأسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم وأسجل بذلك لأهلها
.

(1/312)


فتح قزوين ونجبار
حدثني عدة من أهل قزوين، وبكر بْن الهيثم عن شيخ من أهل الري قَالُوا: وكان حصن قزوين بالفارسية كشوين ومعناه الحد المنظور إليه أي المحفوظ وبينه وبين الديلم جبل، ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتلة منَ الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة ويحفظون بلدهم من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح، وكانت دستبى مقسومة بَيْنَ الري وهمذان فقسم يدعى الرازي وقسم يدعى الهمذاني، فلما ولى المغيرة ابن شعبة الكوفة ولى جرير بْن عَبْد اللَّهِ همذان وولى البراء بْن عازب قزوين وأمره أن يسير إليها فإن فتحها اللَّه عَلَى يده غزا الديلم منها، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبى، فسار البراء ومعه حنظلة بْن زيد الخيل حَتَّى أتى أبهر، فقام عَلَى حصنها وهو حصن بناه بعض الأعاجم عَلَى عيون سدها بجلود البقر والصوف واتخذ عليها دكة ثُمَّ أنشأ الحصن عليها فقاتلوه، ثُمَّ طلبوا الأمان فآمنهم عَلَى مثل ما آمن عَلَيْهِ حذيفة أهل نهاوند وصالحهم عَلَى ذلك وغلب عَلَى أراضي أبهر، ثُمَّ غزا أهل حصن قزوين، فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة يسئلونهم نصرتهم، فوعدوهم أن يفعلوا وحل البراء والمسلمون بعقوتهم فخرجوا لقتالهم والديلميون وقوف عَلَى الجبل لا يمدون إِلَى المسلمين يدا، فلما رأوا ذلك طلبوا الصلح فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر فأنفقوا منَ الجزية وأظهروا الإسلام فقيل أنهم نزلوا عَلَى مثل ما نزل عَلَيْهِ أساورة البصرة منَ الإسلام عَلَى أن يكونوا مع من شاءوا، فنزلوا الكوفة، وحالفوا زهرة بْن حوية فسموا حمراء الديلم، وقيل: إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم وصارت أرضوهم عشرية، فرتب البراء معهم خمس مائة رجل منَ المسلمين معهم طليحة

(1/313)


ابن خويلد الأسدي وأقطعهم أرضين لا حق فيها لأحد، قَالَ بكر وأنشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه وكان مع البراء:
قَدْ علم الديلم إذ تحارب ... حين أتى في جيشه بْن عازب
بأن ظن المشركين كاذب ... فكم قطعنا في دجى الغياهب
من جبل وعر ومن سباسب وغزا الديلم حَتَّى أدوا إليه الإتاوة وغزا جيلان والببر والطيلسان وفتح زنجان عنوة، ولما ولى الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط بْن أَبِي عمرو بْن أمية الكوفة لعُثْمَان بْن عَفَّان غزا الديلم مما يلي قزوين، وغزا أذربيجان، وغزا جيلان وموقان والببر والطيلسان، ثُمَّ انصرف، وولى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بْن أمية بعد الوليد فغزا الديلم ومصر قزوين فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم.
وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا خلف بْن تميم، قَالَ، حَدَّثَنَا زائدة بْن قدامة عَنِ إسماعيل عن مرة الهمذاني، قَالَ: قَالَ علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية فليأخذ عطاءه وليخرج إِلَى الديلم فليقاتلهم، قال: كنت فى النخت فأخذنا أعطياتنا وخرجنا إِلَى الديلم ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وحدثنا عَبْد اللَّهِ بن صالح العجلى عن ابن يملو عن سُفْيَان، قَالَ: أغزى علي رضي اللَّه عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم وعقد له عَلَى أربعة آلاف منَ المسلمين.
وحدثني بعض أهل قزوين، قَالَ بقزوين مَسْجِد الربيع بْن خيثم معروف وكانت فيه شجرة يتمسح بها العامة ويقال أنه غرس سواكه في الأرض فأورق حَتَّى كانت الشجرة منه فقطعها عامل طَاهِر بْن عَبْد لله بْن طَاهِر في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه خوفا من أن يفتتن بها الناس، قَالُوا: وكان موسى

(1/314)


الهادي لما صار إِلَى الري أتى قزوين فأمر ببناء مدينة بإزائها، وهي تعرف بمدينة موسى، وابتاع أرضا تدعى رستماباذ فوقفها عَلَى مصالح المدينة، وكان عَمْرو الرومي مولاه يتولاها ثُمَّ تولاها بعده مُحَمَّد بْن عَمْرو، وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك وبها قوم من مواليه.
وحدثني مُحَمَّد بْن هارون الأصبهاني، قَالَ: مر الرشيد بهمذان وهو يريد خراسان واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم في مجاهدته وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القصبة فصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة، وكان الْقَاسِم بْن أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين فألجأ إليه أهل زنجان ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم، وكتبوا له عليها الأشرية وصاروا مزارعين له، وهي اليوم منَ الضياع وكان القاقزان عشريا لأن أهله أسلموا عَلَيْهِ وأحيوه بعد الإِسْلام فألجأوه إِلَى الْقَاسِم أيضا عَلَى أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال فصار أيضا في الضياع ولم تزل دستبى عَلَى قسميها بعضها منَ الري وبعضها من همذان إِلَى أن سعى رجل ممن بقزوين من بنى تميم يقال له حنظلة بْن خَالِد يكنى أَبَا مَالِك في أمرها حَتَّى صيرت كلها إِلَى قزوين، فسمعه رجل من أهل بلده يقول كورتها وأنا أَبُو مَالِك فقال بل أفسدتها وأنت أَبُو هالك.
وحدثني المدائني وغيره: أن الأكراد عاثوا وأفسدوا في أيام خروج عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث، فبعث الحجاج عَمْرو بْن هانئ العبسي في أهل دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا ثُمَّ أمره بغزو الديلم فغزاهم في اثني عشر ألفا فيهم من بني عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون منهم مُحَمَّد ابن سنان العجلي فحدثني عوف بْن أَحْمَد العبدي قَالَ: حدثني أَبُو حنش العجلي

(1/315)


عن أبيه، قَالَ: أدركت رجلا منَ التميميين العجليين الَّذِينَ وجههم الحجاج لمرابطة الديلم فحدثني قَالَ رأيت من موالي بني عجل رجلا يزعم أنه صليبة فقلت: إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلا فمن أين زعمت أنك صليبه، فقال: أَخْبَرَتني أمي بذلك فقلت هي مصدقة هي أعلم بأبيك.
قالوا: وكان مُحَمَّد بْن سنان العجلي نزل قرية من قرى دستبى، ثُمَّ صار إِلَى قزوين فبنى دارا في ربضها فعزله أهل الثغر، وقالوا: عرضت نفسك للتلف وعرضتنا للوهن إن نالك العدو بسوء، فلم يلتفت إِلَى قولهم فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة، ثُمَّ انتقل الناس بعد فبنوا حَتَّى تم ربض المدينة قَالُوا: وكان أَبُو دلف الْقَاسِم بْن عِيسَى غزا الديلم في خلافة المأمون وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الأفشين الجبال ففتح حصونا منها اقليسم صالح أهله عَلَى إتاوة، ومنها بومج فتحه عنوة، ثُمَّ صالح أهله عَلَى إتاوة، ومنها الأبلام، ومنها انداق في حصون أخر وأغزى الأفشين غير أبى دلف ففتح أيضا من ايلم حصونا، ولما كانت سنة ثلاث وخمسين ومائتين وجه أمير الْمُؤْمِنِين المعتز بالله موسى بْن بغا الكبير مولاه إِلَى الطالبيين الَّذِينَ ظهروا بالديلم وناحية طبرستان، وكانت الديالمة قَد اشتملت عَلَى رجل منهم يعرف بالكوكبي فغزا الديلم وأو غل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته. وأخبرني رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء الندماء براوند من عمل أصبهان وأن الشاعر إنما قَالَ:
ألم تعلما أني براوند مفردا
وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح العجلي، قَالَ: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الَّذِي [1] وجهه إِلَى الديلم فكانوا يتنادمون ثلاثتهم ولا
__________
[1] كان جيش الحجاج الذي أرسل إلى الديلم مجهزا تجهيزا كبيرا بالسلاح والعتاد بعد أن أنفقت عليه الأموال الطائلة.

(1/316)


يخالطون غيرهم فإنهم عَلَى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه، وكانا يشربان عند قبره فإذا بلغته الكاس هرقاها عَلَى قبره وبكيا، ثُمَّ أن الثاني مات فدفنه الباقي إِلَى جانبه، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب، ثُمَّ يصب عَلَى القبر الَّذِي يليه ثُمَّ عَلَى الآخر ويبكي، فأنشد ذات يوم يقول:
خليلي هبا طال ما قَدْ رقدتما ... أجدكما ما تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بقزوين مفرد ... وما لي فيها من خليل سواكما
مقيما عَلَى قبريكما لست بارحا ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
سأبكيكما طول الحياة وما الَّذِي ... يرد عَلَى ذي لوعة أن بكاكما
ثُمَّ لم يلبث أن مات فدفن عند صاحبيه فقبورهم تعرف بقبور الندماء
فتح أذربيجان
حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَمْرو الأردبيلي عن واقد الأردبيلي عن مشايخ أدركتهم أن المغيرة بْن شعبة قدم الكوفة واليا من قبل عُمَر بْن الخطاب ومعه كتاب إِلَى حذيفة بْن اليمان بولاية أذربيجان فأنفذه إليه وهو بنهاوند وبقربها فسار حَتَّى أتى أردبيل وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها واليه جباية خراجها، وكان المرزبان قَدْ جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان وميمذ والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا أياما، ثُمَّ أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان عَلَى ثمانمائة ألف درهم وزن ثمانية عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساترودان، ولا يمنع أهل الشيز خاصة منَ الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه، ثُمَّ إنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على أتاوة.

(1/317)


قَالُوا ثُمَّ عزل عُمَر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بْن فرقد السلمي فأتاها منَ الموصل ويقال: بل أتاها من شهر زور عَلَى السلق الَّذِي يعرف اليوم بمعاوية الأودي، فلما دخل أردبيل وجد أهلها عَلَى العهد وانتقضت عَلَيْهِ نواح فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عَمْرو بْن عتبة الزاهد.
وروى الواقدي في إسناده: أن المغيرة بْن شعبة غزا أذربيجان منَ الكوفة في سنة اثنتين وعشرين حَتَّى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج، وروى ابن الكلبي عن أَبِي مخنف: أن المغيرة غزا أذربيجان سنة عشرين ففتحها ثُمَّ أنهم كفروا فغزاها الأشعث بْن قيس الكندي ففتح حصن باجروان وصالحهم عَلَى صلح المغيرة ومضى صلح الأشعث إِلَى اليوم.
وكان أَبُو مخنف لوط بْن يَحْيَى يقول: أن عُمَر ولى سعدا ثُمَّ عمارا ثُمَّ المغيرة ثُمَّ رد سعدا وكتب إليه وإلى أمراء الأمصار في قدوم المدينة في السنة الَّتِي تُوُفِّيَ فيها فلذلك حضر سَعْد الشورى وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إِلَى عمله، وقال غيره تُوُفِّيَ عُمَر والمغيرة واليه عَلَى الكوفة وأوصى بتولية سَعْد الكوفة وتولية أبي موسى البصرة فولاهما عُثْمَان ثُمَّ عزلهما.
وحدثني المدائني عن عَلي بْن مجاهد عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنِ الزهري قَالَ: لما هزم اللَّه المشركين بنهاوند رجع الناس إِلَى أمصارهم وبقي أهل الكوفة مع حذيفة فغزا أذربيجان فصالحوه عَلَى مائة ألف.
وحدثني المدائني عن علي بْن مجاهد عن عاصم الأحول عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: عزل عُمَر حذيفة عن أذربيجان، واستعمل عليها عتبة بْن فرقد السلمي فبعث إليه بأخبصة قَدْ أدرجها في كرابيس، فلما وردت عليه قال أورق قَالُوا: لا قَالَ: فما هي قَالَ لطف بعث به، فلما نظر إليه قَالَ: ردوها عليه، وكتب إليه يا ابن أم عتبة إنك لتأكل الخبيص من غير كدك ولا كد أبيك، وقال عتبة

(1/318)


قدمت من أذربيجان وافدا عَلَى عُمَر فإذا بَيْنَ يديه عضلة جزور.
وحدثني المدائني عن عَبْد اللَّهِ بْن الْقَاسِم عن فروة بْن لقيط قَالَ: لما قام عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه استعمل الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فعزل عتبة عن أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عَبْد اللَّهِ شبل الأحمسي فأغار عَلَى أهل موقان والببر والطيلسان فغنم وسبى وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم صلح حذيفة، قال ابن الكلبي، ولى على ابن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه أذربيجان سَعِيد بْن سارية الخزاعي ثُمَّ الأشعث بْن قيس الكندي.
وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن معاذ العبقري عن أبيه عن سَعْد بْن الحكم بْن عتبة عن زيد بْن وهب، قَالَ: لما هزم اللَّه المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إِلَى حجازهم وأهل البصرة إِلَى بصرتهم، وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة فغزا أذربيجان فصالحوه عَلَى ثمانمائة ألف درهم، فكتب عُمَر بن الخطاب إنكم بأرض طعام ولباسهم الميتة فلا تأكلوا الأذكياء ولا تلبسوا الأزكيا يريد الفراء.
وحدثني العَبَّاس بْن الوليد النرسي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الواحد بْن زياد قَالَ: حَدَّثَنَا عاصم الأحول عن أَبِي عُثْمَان النهدي، قَالَ: كنت مع عتبة بْن فرقد حين افتتح أذربيجان فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود، ثُمَّ بعث بهما إِلَى عُمَر مع سحيم مولى عتبة، فلما قدم عَلَيْهِ، قَالَ:
ما الَّذِي جئت به أذهب أم ورق وأمر به فكشف عنه فذاق الخبيص، فقال: إن هَذَا لطيب أثر أكل المهاجرين أكل منه شبعه، قَالَ: لا إنما هُوَ شيء خصك به فكتب إليه.

(1/319)


من عَبْد اللَّهِ عُمَر أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى عتبة بْن فرقد أما بعد فليس كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم.
وحدثني الْحُسَيْن بْن عَمْرو وأحمد بْن مصلح الأزدي عن مشايخ من أهل أذربيجان، قَالُوا: قدم الوليد بْن عقبة أذربيجان ومعه الأشعث بْن قيس، فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتقضت فكتب إليه يستمده، فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة، فتتبع الأشعث بْن قيس حانا حانا- والحان الحائر في كلام أهل أذربيجان، ففتحها عَلَى مثل صلح حذيفة وعتبة بْن فرقد واسكنها ناسا منَ العرب من أهل العطاء والديوان وأمرهم بدعاء الناس إِلَى الإِسْلام، ثم تولى سعيد بن العاصي فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان. وتجمع له بناحية أرم وبلوا نكرح خلق منَ الأرمن وأهل أذربيجان فوجه إليهم جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي فهزمهم وأخذ رئيسهم فصلبه عَلَى قلعة باجروان، ويقال: أن الشماخ بْن ضرار الثعلبي كان مع سَعِيد بْن العاصي في هَذِهِ الغزاة، وكان بكير بْن شداد بْن عَامِر فارس أطلال معهم في هَذِهِ الغزاة وفيه يقول الشماخ:
وغنيت عن خيل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال
وهو من بنى كنانة، وهو الَّذِي سمع يهوديا في خلافة عُمَر ينشد:
وأشعث غره الإِسْلام مني ... خلوت بعرسه ليلى النمام
فقتله ثُمَّ ولى علي بْن أَبِي طالب الأشعث أذربيجان، فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأوا القرآن، فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان منَ العرب ومصرها وبنى مسجدها إلا أنه وسع بعد ذلك، قَالَ الْحُسَيْن بْن عَمْرو: وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها منَ المصرين والشام وغلب كل قوم عَلَى ما أمكنهم وابتاع

(1/320)


بعضهم منَ العجم الأرضين وألجئت إليهم القرى للخفارة فصار أهلها مزارعين لهم، وقال الْحُسَيْن كانت ورثان قنطرة كقنطرتى وحش وأرشق التين اتخذتا حديثا أيام بابك فبناها مروان بْن محمد بن مروان بن الحكم وأحيى أرضها وحصنها فصارت ضيعة له ثُمَّ قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية لأم جَعْفَر زبيدة بنت جَعْفَر بْن المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين، وهدم وكلاؤها سورها ثُمَّ رم وجدد قريبا، وكان الورثاني من مواليها، قَالَ: وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بْن كاوس عامل أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله عَلَى أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمي وحصنها.
قَالُوا: وكانت المراغة تدعى اقراهروذ فعسكر مروان بْن مُحَمَّد وهو والى أرمينية وأذربيجان منصرفة من غزوة موقان وجيلان بالقرب منها، وكان فيها سرجين كثير فكانت دوابه ودواب أصحابه تمرغ فيها فجعلوا يقولون: ايتوا قرية المراغة، ثُمَّ حذف الناس قرية وقالوا: المراغة، وكان أهلها ألجئوها إِلَى مروان فابتناها وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز وعمروها، ثُمَّ إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية وصارت لبعض بنات الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين، فلما عاث الوجناء الأزدي وصدقة بْن علي مولى الأزد فأفسدا وولى خزيمة بْن خازم بْن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد بنى سورها وحصنها ومصرها وأنزلها جندا كثيفا، ثُمَّ لما ظهر بابك الخرمي بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله منهم أَحْمَد بْن الجنيد بْن فرزندى، وعلي بْن هِشَام، ثُمَّ نزل الناس ربضها وحصنها، وأما مرند فكانت قرية صغيرة فنزلها حلبس أَبُو البعيث ثُمَّ ابنه مُحَمَّد بْن البعيث وبنى بها مُحَمَّد قصورا، وكان قَدْ خالف في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المتوكل عَلَى اللَّه فحاربه بغا الصغير مولى أمير الْمُؤْمِنِين حَتَّى ظفر به وحمله إِلَى سر من رأى وهدم حائط مرند وذلك القصر والبعيث

(1/321)


من ولد عتيب بْن عُمَر بْن وهب بْن أفصى بْن دعمى بْن جديلة بْن أسد بْن ربيعة، ويقال إنه عتيب بْن عوف بن سنان والعتبيون يقول ذلك والله أعلم.
وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زردشت صاحبهم كان منها وكان صدقة بْن علي بْن صدقة بْن دينار مولى الأزد حارب أهلها حَتَّى دخلها وغلب عليها وبنى وأخوته بها قصورا، وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدي ثُمَّ الوجناء بْن الرواد وبنى بها وأخوته بناء وحصنها بسور فنزلها الناس معه، وأما الميانج وخلباثا فمنازل الهمدانيين، وقد مدن عَبْد اللَّهِ بْن جَعْفَر الهمداني محلته بالميانج وصبر السلطان بها منبرا، وأما كورة برزة فللأود وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصنا وقد اتخذ بها في سنة تسع وثلاثين ومائتين منبر عَلَى كره منَ الأودي، وأما نريز فكانت قرية لها قصر قديم متشعث فنزلها مر بْن عَمْرو الموصلي الطائي فبنى بها وأسكنها ولده، ثُمَّ أنهم بنوا بها قصورا ومدنوها وبنوا سوق جابروان وكبروه وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون عامل أذربيجان فأما سراة فإن فيها من كندة جماعة أَخْبَرَنِي بعضهم أنه من ولد من كان مع الأشعث بْن قيس الكندي
.

(1/322)


فتح الموصل
قَالُوا: ولى عُمَر بْن الخطاب عتبة بن فرقد السلمى الموصل سنة عشرين فقاتله أهل نينوى فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة وعبر دجلة فصالحه أهل الحصن الآخر عَلَى الجزية والإذن لمن أراد الجلاء في الجلاء، ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها عَلَى الجزية ثُمَّ فتح المرج وقراه وأرض باهذرى وباعذرى وحبتون والحيانة والمعلة وداسير وجميع معاقل الأكراد وأتى بانعاثا من حزة ففتحها وأتى تل الشهارجة والسلق الَّذِي يعرف ببني الحرين صالح بْن عبادة الهمداني صاحب رابطة الموصل ففتح ذلك كله وغلب عليه.
وأخبرني معافى بْن طاوس عن مشايخ من أهل الموصل قَالَ كانت أرمية من فتوح الموصل فتحها عتبة بْن فرقد وكان خراجها حينا إِلَى الموصل وكذلك الحور وخوى وسلماس، قَالَ معافى: وسمعت أيضا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان والله أعلم.
وحدثني العَبَّاس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده قَالَ: أول منَ اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة بْن عرفجة البارقي.
حدثني أَبُو موسى الهروي عن أَبِي الْفَضْل الأنصاري عن أَبِي المحارب الضبي أن عُمَر بْن الخطاب عزل عتبة عَنِ الموصل وولاها هرثمة بْن عرفجة البارقي وكان بها الحصن وبيع النصارى ومنازل لهم قليلة عند تلك البيع ومحلة اليهود فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم ثُمَّ بنى المسجد الجامع.
وحدثني المعافى بْن طاوس، قَالَ: الَّذِي فرش الموصل بالحجارة ابن تليد

(1/323)


صاحب شرطة مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم، وكان مُحَمَّد والى الموصل والجزيرة وأرمينية وأذربيجان. قَالَ الواقدي: ولى عَبْد الملك بْن مروان ابنه سَعِيد ابن عَبْد الملك بْن مروان صاحب نهر سَعِيد الموصل وولى محمدا أخاه الجزيرة أرمينية فبنى سَعِيد سور الموصل وهو الَّذِي هدمه الرشيد حين مر بها، وقد كانوا خالفوا قبل ذلك وفرشها سَعِيد بالحجارة وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا غرة أهل ناحية منها مما يلي دامير يقال لها زران فأتوهم في يوم عيد لهم وليس معهم سلاح فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها، قَالُوا ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات النصارى فمصرها وأسكنها قوما منَ العرب فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل، وبنى نحوه حصنا ويقال أن هرثمة نزل الحديثة أولا فمصرها واختطها قبل الموصل وأنها إنما سميت الحديثة حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج ابن يوسف فعسفها، وكان فيهم قوم من أهل حديثة الأنبار فبنوا بها مسجدا وسموا المدينة الحديثة.
قَالُوا: وافتتح عتبة بْن فرقد الطيرهان وتكريت، وآمن أهل حصن تكريت عَلَى أنفسهم وأموالهم، وسار في كورة باجرمى، ثُمَّ صار إِلَى شهرزور وحدثني شيخ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمان وشرط لهم فخرقه الجرشي حين أخرب قرى الموصل نرساباذ وهاعلة وذواتها، وزعم الهيثم بْن عدي أن عياض بْن غنم لما فتح بلدا أتى الموصل ففتح أحد الحصنين والله تعالى أعلم
.

(1/324)


فتح شهرزور والصامغان ودراباذ
حدثني إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الشهرزوري، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عن مُحَمَّد بْن مروان عَنِ الكلبي عن بعض آل عزرة البجلي أن عزرة بْن قيس حاول فتح شهرزور وهو وال عَلَى حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها فغزاها عتبة بْن فرقد ففتحها بعد قتال عَلَى مثل صلح حلوان، وكانت العقارب تصيب الرجل منَ المسلمين فيموت.
وحدثني إِسْحَاق عن أبيه عن مشايخهم، قَالَ: صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة عَلَى الجزية والخراج عَلَى أن لا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقا يسلكونه.
حدثني أبو رجاء الحلواني عن أبيه عن مشايخ شهرزور، قَالُوا:
شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة بْن فرقد السلمي فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقا، وكتب إِلَى عُمَر: أني قَدْ بلغت بفتوحي أذربيجان فولاه إياه وولى هرثمة بْن عرفجة الموصل.
قَالُوا: ولم تزل شهرزور. وأعمالها مضمومة إِلَى الموصل حَتَّى فرقت في آخر خلافة الرشيد فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجل مفرد وكان رزق عامل كل كورة من كور الموصل مائتي درهم فخط لهذه الكور ستمائة درهم
.

(1/325)


فتح جرجان وطبرستان ونواحيها
قَالُوا: ولى عُثْمَان بْن عفان رحمه الله سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي ابن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس وهو عَلَى البصرة يدعوهما إِلَى خراسان عَلَى أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر فخرج ابن عَامِر يريدها وخرج سَعِيد فسبقه ابن عَامِر فغزا سَعِيد طبرستان، ومعه في غزاته فيما يقال الْحَسَن والْحُسَيْن ابنا علي بْن أَبِي طالب عليهم السلام، وقيل أيضا أن سعيدا غزا طبرستان بغير كتان أتاه من أحد وقصد إليها منَ الكوفة والله أعلم. ففتح سَعِيد طميسة ونامنة، وهي قرية وصالح ملك جرجان عَلَى مائتي ألف درهم، ويقال على ثلاثمائة ألف بغلية وافته، فكان يؤديها إِلَى غزاة المسلمين وافتتح سَعِيد سَهْل طبرستان والرويان ودنباوند وأعطاه أهل الجبال مالا، وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الإتاوة عفوا وربما أعطوها بعد قتال.
وولى معاوية بْن أَبِي سُفْيَان مصقلة بْن هبيرة بْن شبل أحد بني ثعلبة ابن شيبان بْن ثعلبة بْن عكابة طبرستان وجميع أهلها حرب وضم إليه عشرة آلاف، ويقال عشرين ألفا فكاده العدو وأروه الهيبة له حَتَّى توغل بمن معه في البلاد، فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم وهددوا الصخور من الجبال على رؤوسهم فهلك ذلك الجيش أجمع وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا حَتَّى يرجع مصقلة من طبرستان، ثُمَّ أن عُبَيْد اللَّه بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان ولى مُحَمَّد بْن الأشعث بْن قيس الكندي طبرستان فصالحهم وعقد لهم عقدا ثُمَّ أمهلوا له حَتَّى دخل فأخذوا عَلَيْهِ المضايق وقتلوا

(1/326)


ابنه أَبَا بكر وفضحوه، ثُمَّ نجا فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون منَ التوغل في أرض العدو.
وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف وغيره، قَالُوا:
لما ولى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك بْن مروان الأمر ولى يزيد بْن المهلب بْن أَبِي صفرة العراق فخرج إِلَى خراسان لسبب ما كان منَ التواء قتيبة بْن مُسْلِم وخلافه عَلَى سُلَيْمَان وقتل وَكِيع بْن أَبِي سود التميمي إياه، فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خراسان، فكتب إِلَى سُلَيْمَان يستأذنه في غزوه فأذن له فغزا جيلان وسارية، ثُمَّ أتى دهستان وبها صول فحصرها وهو في جند كثيف من أهل المصرين واهل الشام وأهل خراسان، فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم فألح عليهم يزيد وقطع المواد عنهم ثُمَّ أن صول أرسل إِلَى يزيد يسأله الصلح عَلَى أن يؤمنه عَلَى نفسه وماله وأهل بيته ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها فقبل يزيد ذلك وصالحه عَلَيْهِ ووفى له وقتل يزيد أربعة عشر ألفا منَ الترك واستخلف عليها وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: أن صول قتل، والخبر الأول أثبت.
وقال هِشَام بْن الكلبي: أتى يزيد جرجان فتلقاه أهلها بالأتاوة التي كان سعيد بن العاصي صالحهم عليها فقبلها، ثُمَّ أن أهل جرجان نقضوا وغدروا فوجه إليهم جهم بْن زحر الجعفي ففتحها، قَالَ ويقال، أنه سار إِلَى مرو فأقام بها شتوته ثُمَّ غزا جرجان في مائة ألف وعشرين ألفا من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخراسان.
وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني قَالَ، أقام يزيد بْن المهلب بخراسان شتوة ثُمَّ غزا جرجان وكان عليها حائط من آجر قَدْ تحصنوا به منَ الترك وأحد طرفيه في البحر، ثُمَّ غلبت الترك عَلَيْهِ وسموا ملكهم صول فقال يزيد قبح الله

(1/327)


قتيبة ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين أو قَالَ وغزا الصين وخلف يزيد عَلَى خراسان مخلد بْن يزيد.
قَالَ: فلما صار إِلَى جرجان وجد صول قَدْ نزل في البحيرة فحصره ستة أشهر وقاتله مرارا فطلب الصلح عَلَى أن يؤمنه عَلَى نفسه وماله وثلاثمائة من أهل بيته ويدفع إليه البحيرة بما فيها فصالحه، ثُمَّ سار إِلَى طبرستان واستعمل دهستان والبياسان عَبْد اللَّهِ بْن معمر اليشكري وهو في أربعة آلاف، ووجه ابنه خَالِد بْن يزيد وأخاه أَبَا عيينة بْن المهلب إِلَى الأصبهبذ وهزمهما حَتَّى ألحقهما بعسكر يزيد وكتب الأصبهبذ إِلَى المرزبان- ويقال المروزبان- إنا قَدْ قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبلك منَ العرب فقتل عَبْد اللَّهِ بْن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون في منازلهم، وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة وهو من سبي الديلم فقال للأصبهبذ: إني رجل منك وإليك وأن فرق الدين بيننا ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير الْمُؤْمِنِين ومن جيوش خراسان مالا قبل لك به ولا قوام لك معه، وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعا إِلَى الصلح فصالحه، ولم يزل يخدعه حَتَّى صالح يزيد عَلَى سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفرانا، فقال له الأصبهبذ: العشرة وزن ستة فقال: لا، ولكن وزن سبعة فأبى، فقال حيان: أنا أتحمل فضل ما بَيْنَ الوزنين فتحمله وكان حيان من أنبل الموالي وسرواتهم وكان يكنى أَبَا معمر.
قَالَ المدائني: بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغدرهم فسار يريدها ثانية، فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها وحولها غياض واشب فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها عَلَى شيء وقاتلوه مرارا ونصب المنجنيق عليها، ثُمَّ أن رجلا دلهم عَلَى طريق إِلَى قلعتهم وقال: لا بد من سلم جلود فعقد يزيد لجهم بْن زحر الجعفي، وقال: إن غلبت عَلَى الحياة فلا تغلبن عَلَى الموت، وأمر

(1/328)


يزيد أن تشعل النار في الحطب فهالهم ذلك وخرج قوم منهم ثُمَّ رجعوا وانتهى جهم إِلَى القلعة فقاتله قوم ممن كان عَلَى بابها فكشفهم عنه ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم، ففتحت القلعة وأنزلوا عَلَى حكم يزيد فقادهم جهم إِلَى وادي جرجان وجعل يقتلهم حَتَّى سالت الدماء في الوادي وجرت وهو بنى مدينة جرجان، وسار يزيد إِلَى خراسان فبلغته الهدايا، ثُمَّ ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إِلَى سُلَيْمَان فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم فوقع الكتاب في يدي عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ فاخذ يزيد به وحبسه.
وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عن أَبِي مخنف أو عوانة بْن الحكم قَالَ: سار يزيد إِلَى طبرستان فاستجاش الأصبهبذ الديلم فأنجدوه فقاتله يزيد، ثُمَّ أنه صالحه عَلَى نقد أربعة آلاف درهم وعلى سبعمائة ألف درهم مثاقيل في كل سنة ووقر أربعمائة جماز زعفرانا وأن يخرجوا أربعمائة رجل عَلَى رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وخام فضة ونمرقة حرير، وبعض الراوة يقول: برنس، وفتح يزيد الرويان ودنباوند عَلَى مال وثياب وآنية، ثُمَّ مضى إِلَى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته وقدم أمامه جهم بْن زحر بْن قيس الجعفي فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون، ووافاه ابن المهلب فقتل خلقا من أهلها وسبى ذراريهم وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره واستخلف عليها جهما فوضع الجزية والخراج عَلَى أهلها وثقلت وطأته عليهم.
قَالُوا: ولم يزل أهل طبرستان يؤدون الصلح مرة ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون، فلما كانت أيام مروان بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم غدروا ونقضوا حَتَّى إذا استخلف أَبُو العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين وجه إليهم عامله فصالحوه ثُمَّ أنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير

(1/329)


الْمُؤْمِنِين المَنْصُور فوجه إليهم خازم بْن خزيمة التميمي وروح بْن حَاتِم المهلبي ومعهما مرزوق أَبُو الخصيب مولاه الَّذِي نسب إليه قصر أَبِي الخصيب بالكوفة فسألهما مرزوق حين طال عليها الأمر وصعب أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته ففعلا، فخلص إِلَى الأصبهبذ فقال له: إن هذين الرجلين استغشاني وفعلا بي ما ترى وقد هربت إليك فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني المنزلة الَّتِي أستحقها منك دللتك عَلَى عورات العرب وكنت يدا معك عليهم، فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له فكان يريه أنه له ناصح وعليه مشفق، فلما اطلع عَلَى أموره وعوراته كتب إِلَى خازم وروح بما احتاجا إِلَى معرفته من ذلك واحتال للباب حَتَّى فتحه فدخل المسلمون المدينة وفتحوها وساروا في البلاد فدوخوها.
وكان عُمَر بْن العلاء جزارا من أهل الري فجمع جمعا وقاتل سنفاذ حين خرج بها فأبلى ونكى فأوفده جهور بْن مرار العجلي عَلَى المَنْصُور فقوده وحضنه وجعل له مرتبة، ثُمَّ أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدي أمير الْمُؤْمِنِين.
وافتتح مُحَمَّد بْن موسى بْن حفص بْن عُمَر بْن العلاء ومايزديار بْن قارن جبال شروين من طبرستان، وهي أمنع جبال وأصعبها وأكثرها أشبا وغياضا في خلافة المأمون رحمه اللَّه، ثُمَّ أن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند وسماه محمدا وجعل له مرتبة الأصبهبذ فلم يزل واليا حَتَّى تُوُفِّيَ المأمون، ثُمَّ استخلف أَبُو إِسْحَاق المعتصم بالله أمير الْمُؤْمِنِين فاقره عَلَى عمله ثُمَّ أنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهر من خلافته، فكتب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر بْن الْحُسَيْن بْن مصعب عامله عَلَى خراسان والري وقومس وجرجان يأمره بمحاربته فوجه عَبْد اللَّهِ إليه الْحَسَن بْن الْحُسَيْن عمه في رجال خراسان، ووجه المعتصم بالله مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن

(1/330)


مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة فلما توافت الجنود في بلاده كاتب أخ له يقال له فوهيار بْن قارن الْحَسَن وَمُحَمَّدا وأعلمهما أنه معهما عَلَيْهِ وقد كان يحقد أشياء يناله بها منَ استخفاف وكان أهل عمله قَدْ ملوا سيرته لتجبره وعسفه، فكتب الْحَسَن يشير عَلَيْهِ بأن يكمن في موضع سماه له، وقال لمايزديار: أن الْحَسَن قَدْ أتاك وهو بموضع كذا وذكر غير ذلك الموضع وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني، فسار مايزديار يريد الْحَسَن، فلما صار بقرب الموضع الَّذِي الْحَسَن كامن فيه آذنه فوهيار بمجيئه فخرج عَلَيْهِ في أصحابه وكانوا متقطعين في العياض فجعلوا ينتامون إليه وأراد مايزديار الهرب فأخذ فوهيار بمنطقته وانطوى عَلَيْهِ أصحاب الْحَسَن فأخذوه سلما بغير عهد ولا عقد فحمل إِلَى سر من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين فضرب بالسياط بَيْنَ يدي المعتصم بالله ضربا مبرحا، فلما رفعت السياط عنه مات فصلب بسر من رأى مع بابك الخرمي عَلَى العقبة الَّتِي بحضرة مجلس الشرطة، ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه فقتل بطبرستان وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها، فتولاها عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر وطاهر بْن عَبْد اللَّهِ من بعده.
فتوح كور دجلة
قالوا: كان سويد بن قطبة الذهلي، وبعضهم يقول قطبة بْن قتادة يغير في ناحية الخريبة منَ البصرة عَلَى العجم كما كان المثنى بْن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة، فلما قدم خَالِد بْن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة اثنتي عشرة أعانه عَلَى حرب أهل الأبلة وخلف سويدا، ويقال أن خالدا لم يسر منَ البصرة حَتَّى فتح الخريبة وكانت مسلحة للأعاجم فقتل وسبى وخلف بها رجلا من بني سَعْد بْن بكر بْن هوازن يقال له شريح بْن عَامِر، ويقال

(1/331)


أنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحا صالحه عنه النوشجان بن جسنسما والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى وهي ابنة عم النوشجان، وإنما سميت المرأة لأن أَبَا موسى الأشعري كان نزل بها فزودته خبيصا فجعل يقول: أطعمونا من دقيق المرأة، وكان مُحَمَّد بْن عُمَر الواقدي ينكر أن يكون خَالِد بْن الوليد أتى البصرة حين فرغ منَ أمر أهل اليمامة والبحرين ويقول:
قدم المدينة ثُمَّ سار منها إِلَى العراق عَلَى طريق فيد والثعلبية والله أعلم.
قَالُوا: فلما بلغ عُمَر بْن الخطاب خبر سويد بْن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله، فولاها عتبة بْن غزوان بْن جابر ابن وهب بْن نسيب أحد بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خصفة وهو حليف بني نوفل بْن عَبْد مناف، وكان منَ المهاجرين الأولين، وقال له:
أن الحيرة قَدْ فتحت وقتل عظيم منَ العجم يعني مهران ووطئت خيل المسلمين أرض بابل فصر إِلَى ناحية البصرة وأشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم عَلَى إخوانك، فأتاها عتبة وانضم إليه سويد بْن قطبة ومن معه من بكر بْن وائل وبني تميم، وكانت بالبصرة سبع دساكر اثنتان بالخريبة واثنتان بالزابوقة، وثلاث في موضع دار الأزد اليوم، ففرق عتبة أصحابه فيها ونزل هُوَ بالخريبة وكانت مسلحة للأعاجم ففتحها خَالِد بْن الوليد فخلت منهم وكتب عتبة إِلَى عُمَر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا، فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعا قريبا منَ الماء والمرعى فأقبل إِلَى موضع البصرة، قَالَ أَبُو مخنف وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل أنها بصرة، وقيل أنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها.
قَالُوا: وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط ولم يكن لهم بناء وأمد

(1/332)


عُمَر عتبة بهرثمة بْن عرفجة البارقي وكان بالبحرين، ثُمَّ أنه صار بعد إِلَى الموصل قَالُوا: فغزا عتبة بْن غزوان الأبلة ففتحها عنوة، وكتب إِلَى عُمَر يعلمه ذلك ويخبره أن الأبلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين وأنفذ الكتاب مع نافع بْن الحارث الثقفي.
وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حَدَّثَنَا مرحوم العطار عن أبيه عن شويس العدوي، قَالَ: خرجنا مع أمير الابلة فطفرنا بها ثُمَّ عبرنا الفرات فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم فظفرنا بهم وفتحنا الفرات.
وحدثني عبد الواحد بن غياث، قال: حدثنا حماد بْن سلمة عن أبيه عن حميري بْن كراثة الربعي، قَالَ: لما دخلوا الأبلة وجدوا خبيز الحواري فقالوا هَذَا الَّذِي كان يقال أنه يسمن، فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إِلَى سواعدهم ويقولون والله ما نرى سمنا، قَالَ: وأصبت قميصا مجيبا من قبل صدره أخضر فكنت أحضر فيه الجمعة.
وحدثني المدائني عن جهم بْن حسان، قَالَ: فتح عتبة الأبلة ووجه مجاشع ابن مَسْعُود عَلَى الفرات وأمر المغيرة بالصلاة وشخص إِلَى عُمَر وحدثني المدائني عن أشياخه: أن ما بَيْنَ الفهرج إِلَى الفرات صلح وسائر الأبلة عنوة.
وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح المقري، قَالَ: حدثني عبدة بْن سُلَيْمَان عن مُحَمَّد ابن إِسْحَاق بْن يسار قَالَ: وجه عُمَر بْن الخطاب عتبة بْن غزوان حليف بني نوفل في ثمانمائة إِلَى البصرة وأمده بالرجال فنزل بالناس في خيم، فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان: وبالزابوقة واحدة، وفي الأزد اثنتان، وفي تميم اثنتان، ثُمَّ أنه خرج إِلَى الأبلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة، وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بْن مَسْعُود السلمي ففتحه

(1/333)


عنوة، وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه اللَّه وغرق عامة من معه وأخذ سلما فضرب عتبة عنقه، وسار عتبة إِلَى دستميسان وقد جمع أهلها للمسلمين وأرادوا المسير إليهم فرأى أن يعالجهم بالغزو ليكون ذلك أفت في أعضادهم وأملأ لقلوبهم فلقيهم فهزمهم اللَّه وقتل دهاقينهم وانصرف عتبة من فوره إِلَى أبرقباذ ففتحها اللَّه عَلَيْهِ.
قَالُوا ثُمَّ استأذن عتبة عُمَر بْن الخطاب في الوفادة عَلَيْهِ والحج فأذن له فاستخلف مجامع بْن مَسْعُود السلمي، وكان غائبا عَنِ البصرة وأمر المغيرة بْن شعبة أن يقوم مقامه إِلَى قدومه، فقال: أتولي رجلا من أهل الوبر عَلَى رجل من أهل المدر واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه وشخص فمات في الطريق فولى عُمَر البصرة المغيرة بْن شعبة، وقد كان الناس سألوا عتبة عَنِ البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلق منَ الناس.
وحدثني عَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن عوانة، قَالَ: كانت عند عتبة بْن غزوان أزدة بنت الحارث بْن كلدة، فلما استعمل عُمَر عتبة بْن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد، ثُمَّ إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات فجعلت امرأته أزدة تحرض الناس عَلَى القتال وهي تقول:
إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف
ففتح اللَّه عَلَى المسلمين تلك المدينة، وأصابوا غنائم كثيرة، ولم يكن فيهم أحد يكتب ويحسب إلا زياد، فولى قسم ذلك المغنم، وجعل له كل يوم درهمان وهو غلام في رأسه ذؤابة، ثُمَّ أن عتبة شخص إِلَى عُمَر، وكتب إِلَى مجاشع بْن مَسْعُود يعلمه أنه قَدْ خلفه وكان غائبا، وأمر المغيرة بْن شعبة أن يصلي بالناس إِلَى قدوم مجاشع، ثُمَّ أن دهقان ميسان كفر ورجع عَنِ الإِسْلام، فلقيه المغيرة بالمنعرج، فقتله وكتب المغيرة إِلَى عُمَر بالفتح منه فدعا عُمَر عتبة فقال ألم تعلمني

(1/334)


انك استخلفت مجاشعا، قَالَ نعم، قَالَ فإن المغيرة كتب إلي بكذا فقال أن مجاشعا كان غائبا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلي بالناس إِلَى قدومه، فقال عُمَر: لعمري لأهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر، ثُمَّ كتب إِلَى المغيرة بعهده عَلَى البصرة وبعث به إليه، فأقام المغيرة ما شاء اللَّه، ثُمَّ أنه هوى المرأة.
وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح عن عبدة عن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق قَالَ: غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد وغلب عَلَى أرضها، ثُمَّ أن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة.
وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ: حدثني وهب بْن جرير بْن حازم عن أبيه، قَالَ: فتح عتبة بْن غزوان الأبلة والفرات وأبرقباذ ودستميسان وفتح المغيرة ميسان وغدو أهل أبر قباذ ففتحها المغيرة، وقال علي بْن مُحَمَّد المدائني: كان الناس يسمون ميسان ودستميسان والفرات وأبرقباذ ميسان قَالُوا: وكان من سبى ميسان أَبُو الْحَسَن البصري وسعيد بْن يسار أخوه وكان اسمه يسار فيروز، فصار أَبُو الْحَسَن لامرأة منَ الأنصار يقال لها الربيع بنت النضر عمة أنس بْن مَالِك، ويقال كان لامرأة من بني سلمة يقال لها جميلة امرأة أنس بْن مَالِك.
وروى الْحَسَن، قَالَ: كان أَبِي وأمي لرجل من بني النجار فتزوج امرأة من بن سلمة فساقهما إليها في صداقها فأعتقتهما تلك المرأة فولاؤنا لها، وكان مولد الْحَسَن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عُمَر وخرج منها بعد صفين بسنة ومات بالبصرة سنة عشر ومائة وهو ابن تسع وثمانين.
قَالُوا: أن المغيرة جعل يختلف إِلَى امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بْن الأفقم بْن شعيثة بْن الهزن، وقد كان لها زوج من ثقيف يقال له الحجاج بْن عتيك فبلغ ذلك أَبَا بكرة بْن مسروح مولى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ

(1/335)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مولدي ثقيف، وشبل بْن معبد بْن عُبَيْد البجلي، ونافع بْن الحارث بْن كلدة الثقفي، وزياد بْن عُبَيْد، فرصدوه حَتَّى إذا دخل عليها هجموا عَلَيْهِ فإذا هما عريانان وهو متبطنها، فخرجوا حَتَّى أتوا عُمَر بْن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا فقال عُمَر لأبي موسى الأشعري: إني أريد أن أبعثك إِلَى بلد قَدْ عشش فيه الشيطان، قَالَ: فأعني بعدة منَ الأنصار فبعث معه البراء ابن مَالِك، وعمران بْن الحصين أَبَا نجيد الخزاعي، وعوف بْن وهب الخزاعي فولاه البصرة وأمره بإشخاص المغيرة فأشخصه بعد قدومه بثلاث.
فلما صار إِلَى عُمَر جمع بينه وبين الشهود، فقال نافع بْن الحارث:
رأيته عَلَى بطن المرأة يحتفر عليها ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة، ثُمَّ شهد شبل بْن معبد عَلَى شهادته، ثُمَّ أَبُو بكرة، ثُمَّ أقبل زياد رابعا فلما نظر إليه عُمَر قَالَ: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى يده ولا يخزى بشهادته.
وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال زياد رأيت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا وما أدري أخالطها أم لا، ويقال لم يشهد بشيء فأمر عُمَر بالثلاثة فجلدوا، فقال شبل أتجلد شهود الحق وتبطل الحد، فلما جلد أَبُو بكرة، قَالَ: أشهد أن المغيرة زان. فقال عُمَر، حدوه، فقال عَلَى أن جعلتها شهادة فارجم صاحبك، فحلف أَبُو بكرة أن لا يكلم زيادا أبدا، وكان أخاه لأمه سمية ثُمَّ أن عُمَر ردهم إِلَى مصرهم، وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عُمَر بولايتها وإشخاص المغيرة، والأول أثبت، وروى أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه كان أمر سَعْد بْن أَبِي وقاص رضي اللَّه عنه أن يبعث عتبة ابن غزوان إِلَى البصرة ففعل، وكان نائف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى

(1/336)


وأن عُمَر رضي اللَّه عنه رده واليا فمات في الطريق، وكانت ولاية أَبِي موسى البصرة في سنة ست عشرة ويقال سنة سبع عشرة فاستقرى كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها عَلَى قدر احتمالها، والثبت أن أَبَا موسى ولى البصرة في سنة ست عشرة.
حدثني شيبان بْن فروخ الأبلي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هلال الراسبي، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كثير أن كاتبا لأبي موسى كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب من أَبُو موسى فكتب إليه عُمَر إذا أتاك كتابي هَذَا فاضرب كاتبك سوطا وأعزله عن عملك.