فتوح البلدان
تمصير البصرة
حدثني علي بْن المغيرة الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة، قَالَ: لما نزل عتبة
بْن غزوان الخريبة كتب إِلَى عُمَر بْن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه
لا بد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من
غزوهم، فكتب إليه اجمع أصحابك في موضع واحد وليكن قريبا منَ الماء
والرعي واكتب إِلَى بصفته، فكتب إليه إني وجدت أرضا كثيرة القصبة في
طرف البر إِلَى الريف ودونها مناقع ماء فيها قصباء، فلما قرأ الكتاب،
قَالَ: هَذِهِ أرض نضرة قريبة منَ المشارب والمراعي والمختطب وكتب إليه
أن أنزلها الناس، فأنزلهم إياها، فبنوا مساكن بالقصب وبنى عتبة مسجدا
من قصب، وذلك في سنة أربع عشرة فيقال أنه تولى اختطاط المسجد بيده
ويقال اختطه محجر بْن الأدرع البهزي من سليم، ويقال اختطه نافع بْن
الحارث بْن كلدة حين خط داره، ويقال بل اختطه الأسود بْن سريع التميمي،
وهو أول من قضى فيه، فقال له مجاشع ومجالد ابنا مَسْعُود رحمك اللَّه
شهرت نفسك فقال: لا أعود، وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد في الرحبة
الَّتِي يقال لها اليوم رحبة بني هاشم، وكانت تسمى الدهناء وفيها
(1/337)
السجن والديوان فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك
القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من العزو، فإذا رجعوا أعادوا بناءه فلم
تزل الحال كذلك، ثُمَّ أن الناس اختطوا وبنوا المنازل، وبنى أَبُو موسى
الأشعري المسجد ودار الأمارة بلين وطين وسقفها بالعشب وزاد في المسجد،
وكان الإمام إذا جاء للصلاة بالناس تخطاهم إِلَى القبلة على حاجر، فخرج
عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر ذات يوم من دار الأمارة يريد القبلة وعلية
جبة خز دكناء فجعل الأعراب يقولون عَلَى الأمير جلد دب.
وحدثني أَبُو مُحَمَّد الثوري عَنِ الأصمعي، قَالَ: لما نزل عتبة بْن
غزوان الخريبة، ولد بها عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة، وهو أول
مولود بالبصرة فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل البصرة، ثُمَّ لما استعمل
معاوية بْن أَبِي سُفْيَان زيادا عَلَى البصرة زاد فى المسجد زيادة
كثيرة وبناء بالآجر والجص وسقفه بالساج، وقال: لا ينبغي للإمام أن
يتخطى الناس فحول دار الإمارة منَ الدهناء إِلَى قبلة المسجد فكان
الإمام يخرج منَ الدار في الباب الَّذِي في حائط القبلة، وجعل زياد حين
بنى المسجد ودار الإمارة يطوف فيها وينظر إِلَى البناء ثُمَّ يقول لمن
معه من وجوه أهل البصرة أترون خللا فيقولون ما نعلم بناء أحكم منه فقال
بلى هَذِهِ الأساطين الَّتِي عَلَى كل واحدة منها أربعة عقود لو كانت
أغلظ من سائر الأساطين، وروى عن يونس بْن حبيب النحوي، قَالَ: لم يؤت
من تلك الأساطين فقط تصديع ولا عيب، وقال حارثة بْن بدر الغداني، ويقال
بل قَالَ ذلك البعيث المجاشعي:
بنى زياد لذكر اللَّه مصنعة ... منَ الحجارة لم تعمل منَ الطين
لولا تعاون أيدي الانس ترفعها ... إذا لقلنا من أعمال الشياطين
وقال الوليد بْن هِشَام بْن قحذم لما بنى زياد المسجد جعل صفته المقدمة
(1/338)
خمس سواري وبنى منارته بالحجارة، وهو أول
من عمل المقصورة ونقل دار الإمارة إِلَى قبلة المسجد، وكان بناؤه إياها
لبن وطين حَتَّى بناها صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ السجستاني مولى بني
تميم في ولايته خراج العراق لسُلَيْمَان بْن عَبْد الملك بالآجر والجص
وزاد فيه عُبَيْد بْن زياد وفي مَسْجِد الكوفة، وقال: دعوت اللَّه أن
يرزقني الجهاد ففعل، ودعوته أن يرزقني بناء مسجدي الجماعة بالمصرين
ففعل، ودعوته أن يجعلني خلفا من زياد ففعل.
وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى: لما بنى زياد المسجد أتى بسوارية
من جبل الأهواز، وكان الَّذِي تولى أمرها وقطعها الحجاج بْن عتيك
الثقفي وابنه فظهر له مال فقيل حبذا الإمارة ولو عَلَى الحجارة فذهبت
مثلا، قَالَ وبعض الناس يقول: أن زيادا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا
تربت وهم في الصلاة فقال: لا آمن أن يظن الناس عَلَى طول الأيام أن نفض
الأيدي في الصلاة سنة، فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد فاشتد
الموكلون بذلك عَلَى الناس وتعنتوهم وأروهم حصى أنتقوه، فقالوا: ايتونا
بمثله عَلَى مقاديره وألوانه وارتشوا عَلَى ذلك فقال القائل: حبذا
الإمارة ولو عَلَى الحجارة، وقال أَبُو عُبَيْدة: وكان جانب المسجد
الشمالي منزويا لأنه كانت هناك دار لنافع بْن الحارث بْن كلدة فأبى
ولده بيعها، فلما ولى معاوية عُبَيْد اللَّه بْن زياد البصرة قَالَ
عُبَيْد اللَّه لأصحابه: إذا شخص عَبْد اللَّهِ بْن نافع إِلَى أقصى
ضيعته فاعلموني ذلك، فشخص إِلَى قصره الأبيض الَّذِي عَلَى البطيحة،
فأخبر عُبَيْد اللَّه بذلك فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به
تربيع المسجد، وقدم ابن نافع فضج إليه من ذلك فأرضاه بأن أعطاه بكل
ذراع خمسة أذرع وفتح له في الحائط خوخة إِلَى المسجد فلم تزل الخوخة في
حائطه حَتَّى زاد المهدي أمير الْمُؤْمِنِين في المسجد فأدخلت الدار
كلها فيه، وأدخلت فيه أيضا دار الإمارة في خلافة الرشيد رحمه اللَّه.
(1/339)
وقال أبو عُبَيْدة لما قدم الحجاج بْن يوسف
العراق أَخْبَرَ أن زيادا ابتنى دار الإمارة بالبصرة فأراد أن يزيل
اسمه عنها فهم ببنائها يجص وآجر فقيل له إنما تزيد اسمه فيها ثباتا
وتوكدا فهدمها وتركها، فبنيت عامة الدور حولها من طينها ولبنها
وأبوابها فلم تكن بالبصرة دار إمارة حَتَّى ولى سُلَيْمَان بْن عَبْد
الملك، فاستعمل صالح ابن عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى خراج العراق فحدثه
صالح حديث الحجاج وما فعل في دار الإمارة فأمره بإعادتها فأعادها
بالآجر والجص عَلَى أساسها ورفع سمكها، فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي
اللَّه عنه، وولى عدي بْن أرطاة الفزاري البصرة أراد عدي أن يبني فوقها
غرفا، فكتب إليه عمر: هبلتك أمك يا ابن أم عدي أيعجز عنك منزل وسع
زيادا وآل زياد، فأمسك عدي عَنِ إتمام تلك الغرف وتركها فلما ولى
سُلَيْمَان بْن علي ابن عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس البصرة لأبي
العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين بنى عَلَى ما كان عدي رفعه من حيطان
الغرف بناء بطين ثُمَّ تركه وتحول إِلَى المربد فنزله، فلما استخلف
الرشيد أدخلت الدار في قبلة المسجد فليس اليوم للأمراء بالبصرة دار
إمارة.
وقال الوليد بْن هِشَام بْن قحذم لم يزد أحد في المسجد بعد ابن زياد
حَتَّى كان المهدي فاشترى دار نافع بْن الحارث بْن كلدة الثقفي، ودار
عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، ودار ربيعة بْن كلدة الثقفي، ودار
عَمْرو بْن وهب الثقفي. ودار أم جميل الهلالية التي كان من أمرها وأمر
المغيرة بْن شعبة ما كان، ودورا غيرها فزادها في المسجد أيام ولى
مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي البصرة، ثُمَّ أمر هارون أمير
الْمُؤْمِنِين الرشيد عِيسَى بْن جَعْفَر بْن المَنْصُور أيام ولايته
البصرة أن يدخل دار الإمارة في المسجد ففعل.
وقال الوليد بْن هِشَام أَخْبَرَنِي أَبِي عن أبيه، وكان يوسف بْن
عُمَر ولاه ديوان جند العرب، قَالَ: نظرت في جماعة مقاتلة البصرة أيام
زياد فوجدتهم ثمانين
(1/340)
ألفا ووجدت عيالهم مائة ألف وعشرين ألف
عيل، ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالهم ثمانين ألفا.
وحدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي في إسناده، قَالَ: كان عتبة
بْن غزوان مع سَعْد بْن أَبِي وقاص، فكتب إليه عُمَر أن اضرب قيروانك
بالكوفة ووجه عتبة بْن غزوان إِلَى البصرة فخرج في ثمانمائة فضرب خيمة
من أكسية وضرب الناس معه وأمده عُمَر بالرجال، فلما كثروا بنى رهط منهم
سبع دساكر من لبن منها بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفي بني
تميم اثنتان وفي الأزد اثنتان، ثُمَّ أن عتبة خرج إِلَى الفرات بالبصرة
فافتتحه ثُمَّ رجع إِلَى البصرة، وكان سَعْد يكاتب عتبة فغمه ذلك،
فاستأذن عُمَر في الشخوص إليه فلحق به واستخلف المغيرة بْن شعبة، فلما
قدم المدينة شكا إِلَى عُمَر تسلط سَعْد عليه يقال له: وما عليك أن تقر
بالإمارة لرجل من قريش له صحبة وشرف فأبى الرجوع وأبى عمر الاردة، فسقط
عن راحلته في الطريق فمات في سنة ست عشرة وكان محجر بْن الأدرع اختط
مَسْجِد البصرة ولم يبنه فكان يصلي فيه غير مبني فبناه عتبة بقصب ثُمَّ
بناه أَبُو موسى الأشعري وبنى بعده.
حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي، قال: حدثنا يحيى بن آدم قال
حدثنا أبو معاوية عَنِ الشيباني عن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الثقفي،
قَالَ: كان بالبصرة رجل يكنى أَبَا عَبْد اللَّهِ، ويقال له نافع، وكان
أول منَ افتلا الفلا بالبصرة فأتى عُمَر فقال له: إن بالبصرة أرضا ليست
من أرض الخراج ولا تضر بأحد منَ المسلمين. فكتب له أَبُو موسى إِلَى
عُمَر بذلك. فكتب له عُمَر إليه أن يقطعه إياها.
وحدثنا سَعِيد بْن سُلَيْمَان. قَالَ: حَدَّثَنَا عباد بْن العوام عن
عوف الأعرابي قَالَ: قرأت كتاب عُمَر إِلَى أَبِي موسى أن أبا عَبْد
اللَّهِ سألني أرضا عَلَى شاطئ
(1/341)
دجلة يفتلى فيها خيله فإن كانت في غير أرض
الجزية ولا يجزأ إليها ماء الجزية فأعطه إياها، وقال عباد: بلغني أنه
نافع بْن الحارث بْن كلدة طبيب العرب، وقال الوليد بْن هِشَام بْن
قحذم: وجدت كتابا عندنا فيه: بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم من عَبْد
اللَّهِ عُمَر أمير الْمُؤْمِنِين إِلَى المغيرة بْن شعبة، سلام عليك
فإني أَحْمَد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن أَبَا عَبْد
اللَّهِ ذكر أنه زرع بالبصرة في إمارة ابن غزوان وافتلى أولاد الخيل
حين لم يفتلها أحد من أهل البصرة، وأنه نعم ما أرى فأعنه عَلَى زرعه
وعلى خيله، فإني قَدْ أذنت له أن يزرع، وآته أرضه الَّتِي زرع إلا أن
تكون أرضا عليها الجزية من أرض الأعاجم أو يصرف إليها ماء أرض عليها
الجزية، ولا تعرض له الا بخير، والسلام عليك ورحمة اللَّه، وكتب معيقيب
بْن أَبِي فاطمة في صفر سنة سبع عشرة، وقال الوليد بْن هِشَام:
أَخْبَرَنِي عمي عَنِ ابن شبرمة أنه قَالَ: لو وليت البصرة لقبضت
أموالهم لأن عُمَر بْن الخطاب لم يقطع بها أحدا إلا أَبَا بكرة ونافع
بْن الحارث ولم يقطع عُثْمَان بالبصرة إلا عِمْرَان بْن حصين، وابن
عَامِر أقطعه داره، وحمران مولاه قَالَ: وقد أقطع زياد عِمْرَان قطيعة
أيضا فيما يقال.
وقال هِشَام بْن الكلبي: أول دار بنيت بالبصرة دار نافع بْن الحارث
ثُمَّ دار معقل بْن يسار المزني وكان عُثْمَان بْن عَفَّان أخذ دار
عثمان بن أبى العاصي الثقفي، وكتب أن يعطى أرضا بالبصرة فأعطى أرضه
المعروفة بشط عُثْمَان بحيال الأبلة وكانت سبخة فاستخرجها وعمرها، وإلى
عُثْمَان بْن أَبِي العاصي ينسب باب عُثْمَان بالبصرة، قَالُوا: كان
حمران بن أبار للمسيب بْن نجبة الفزاري أصابه بعين التمر فابتاعه منه
عُثْمَان بْن عَفَّان وعلمه الكتاب واتخذه كاتبا فوجد عليه لأنه كان
وجهه للمسلمة عن ما رفع على الوليد بْن عقبة بْن أَبِي معيط فارتشى منه
وكذب ما قيل فيه، فتيقن عُثْمَان صحة ذلك بعد فوجد عَلَيْهِ، وقال: لا
يساكنني أبدا
(1/342)
وخيره بلدا يسكنه غير المدينة فاختار
البصرة، وسأله أن يقطعه بها دارًا وذكر ذرعا كثيرا فاستكثره عُثْمَان
وقال لابن عَامِر: اعطه دارا مثل بعض دورك فأقطعه داره الَّتِي
بالبصرة، قَالُوا: ودار خَالِد بْن طليق الخزاعي القاضي كانت لأبي
الجراح القاضي صاحب سجن ابن الزبير اشتراها له سلم بْن زياد، لأنه هرب
من سجن ابن الزبير، قَالَ ابن الكلبي: سكة بني سمرة بالبصرة كان صاحبها
عتبة بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن
عَبْد شمس ابن عَبْد مناف، ومسجد عاصم نسب إِلَى عاصم أحد بني ربيعة
بْن كلاب بْن ربيعة بْن عَامِر بْن صعصعة، ودار أَبِي نافع بالبصرة
نسبت إِلَى أَبِي نافع مولى عَبْد الرَّحْمَنِ أَبِي بكرة.
وقال القحذمي: كانت دار أَبِي يعقوب الخطابي لسحامة بْن عَبْد
الرَّحْمَنِ ابن الأصم الغنوي مؤذن الحجاج. وهو ممن قاتل مع يزيد بْن
المهلب فقتله مسلمة بْن عَبْد الملك يوم العقر. وهي إِلَى جانب دار
المغيرة بْن شعبة، قَالُوا:
ودار طارق نسبت إِلَى طارق بْن أبى بكرة وقبالتها خطة بن أبى العاصي
الثقفي ودار زياد بْن عُثْمَان كان عُبَيْد اللَّه بْن زياد اشتراها
لابن أخيه زياد بْن عُثْمَان وتليها الخطة الَّتِي منها دار بابة بنت
أبى العاصي، وكانت دار سُلَيْمَان بْن علي لسلم ابن زياد فغلب عليها
بلال بْن أَبِي بردة أيام ولايته البصرة لخالد بْن عَبْد اللَّهِ،
ثُمَّ جاء سُلَيْمَان بْن علي فنزلها قَالُوا وكانت دار موسى بْن أَبِي
المختار مولى ثقيف لرجل من بني دارم فأراد فيروز حصين ابتياعها منه
بعشرة آلاف، فقال:
ما كنت لا بيع جوارك بمائة ألف فأعطاه عشرة آلاف وأقر الدار في يده.
وقال أَبُو الْحَسَن: أراد الدارمي بيع داره فقال أبيعها بعشرة آلاف
درهم خمسة آلاف ثمنها وخمسة آلاف لجوار فيروز. فبلغ فيروز ذلك فقال:
أمسك عليك دارك وأعطاه عشرة آلاف درهم. ودار ابن تبع نسبت إِلَى عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن تبع الحميري
(1/343)
وكان عَلَى قطائع زياد، وكان دمون من أهل
الطائف، فتزوج أبو موسى ابنته فولدت له أبا بردة، ولدمون خطة بالبصرة
وله يقول أهل البصرة: الرفاء والبنون، وخبز وكمون، في بيت الدمون.
وقال القحذمي وغيره: كان أول حمام اتخذ بالبصرة حمام عَبْد الله بن
عثمان ابن أبى العاصي الثقفي، وهو موضع بستان سُفْيَان بْن معاوية
الَّذِي بالخريبة وعند قصر عِيسَى بْن جَعْفَر، ثُمَّ الثاني حمام فيل
مولى زياد، ثُمَّ الثالث حمام مُسْلِم ابن أَبِي بكرة في بلالاباذ، وهو
الَّذِي صار لعمرو بْن مُسْلِم الباهلي، فمكثت البصرة دهرا وليس بها
إلا هَذِهِ الحمامات.
وحدثني المدائني قَالَ، قَالَ أَبُو بكرة لابنه مُسْلِم: يا بني والله
ما تلي عملا وما أراك تقصر عن أخوتك فى المنفعة، فقال: إن كتمت على
أخبرتك، قَالَ فإني أفعل، قَالَ: فإني أغتل من حمامي هَذَا في كل يوم
ألف درهم وطعاما كثيرا، ثُمَّ أن مسلما مرض فأوصى إِلَى أخيه عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة وأخبره بغلة حمامه، فأفشى ذلك واستأذن
السلطان فى بناء حمام، وكانت الحمامات لا نبنى بالبصرة إلا بإذن الولاة
فأذن له، فاستأذن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة فأذن له، واستأذن
الحكم ابن أبى العاصي فأذن له، وأستأذن سياه الأسواري فأذن له، واستأذن
الحصين ابن أَبِي الحر العنبري فأذن له واستأذنت ربطة بنت زياد فأذن
لها، واستأذنت لبابة بنت أوفى الجرشي فأذن لها في حمامين أحدهما في
أصحاب البقاء، والآخر في بني سَعْد، واستأذن المنجاب بْن راشد الضبي
فأذن له. وأفاق مُسْلِم بْن أَبِي بكرة من مرضه وقد فسدت عَلَيْهِ غلة
حمامه فجعل يلعن عَبْد الرَّحْمَنِ ويقول ما قطع اللَّه رحمه.
قالوا: وكان فيل حاجب زياد ومولاه ركب معه أَبُو الأسود الدؤلي وأنس
بْن زنيم. وكان عَلَى برذون هملاج وهما عَلَى فرسي سوء قطوفين
(1/344)
فأدركهما الحسد، فقال أنس: أجزيا أَبَا
الأسود قَالَ: هات، فقال:
لعمر أبيك ما حمام كسرى ... عَلَى الثلثين من حمام فيل
فقال أَبُو الأسود:
وما أرقاصنا حول الموالي ... بسنتنا عَلَى عهد الرسول
وقال أَبُو مفرغ لطلحة الطلحات وهو طلحة بْن عَبْد اللَّهِ بْن خلف:
تمنيني طليحة ألف ألف ... لقد منيتني أملا بعيدا
فلست لماجد حر ولكن ... لسمراء الَّتِي تلد العُبَيْدا
ولو أدخلت في حمام فيل ... والبست المطارف والبرودا
وقال بعضهم وقد حصرته الوفاة:
يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إِلَى حمام منجاب
يعني حمام المنجاب بْن راشد الضبي وقال عَبَّاس مولى بني أسامة:
ذكرت البند في حمام عَمْرو ... فلم أبرح إِلَى بعد العشاء
وحمام بلج نسب إِلَى بلج بْن نشبة السعدي الَّذِي يقول له زياد:
ومحترس من مثله وهو حارس
وقال هِشَام بْن الكلبي قصر أوس بالبصرة نسب إِلَى أوس بْن ثعلبة بْن
رقى أحد بني تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة وهو من وجوه من كان
بخراسان وقد تقلد بها أمورا جسيمة وهو الَّذِي مر بتدمر فقال في
صنميها:
فتأتى أهل تدمر حين آنى ... ألما تسأما طول القيام
فكائن مر من دهر ودهر ... لأهلكما وعام بعد عام
وقصر أنس نسب إِلَى أنس بْن مَالِك الأنصاري خادم رَسُول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: والذي بنى منارة بني أسيد
حسان بْن سَعْد منهم، والقصر الأحمر لعمرو بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان
وهو اليوم لآل عُمَر بْن
(1/345)
حفص بْن قبيصة بْن أَبِي صفرة، وقصر
المسيرين كان لعبد الرَّحْمَنِ بْن زياد، وكان الحجاج سير عيال من خرج
مع عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث الكندي إليه فحبسهم فيه،
وهو قصر في جوف قصر ويتلوه قصر عُبَيْد اللَّه بْن زياد وإلى جانبه
جوسق.
قَالَ القحذمي: وقصر النواهق هُوَ قصر زياد سماه الشطار بذلك، وقصر
النعمان كان للنعمان بْن صهبان الراسبي الَّذِي حكم بَيْنَ مضر وربيعة
أيام مات يزيد بْن معاوية، قَالَ: وزاد عُبَيْد اللَّه بْن زياد
للنعمان بْن صهبان في قصره هَذَا فقال: بئس المال هَذَا يا أَبَا
حَاتِم إن كثر الماء غرقت، وإن قل عطشت فكان كما قَالَ: قل الماء فمات
كل من ثُمَّ، وقصر زربى نسب إِلَى زربى مولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر،
وكان قيما عَلَى خيله فكانت الدار لدوابه. وقصر عطية نسب إِلَى عطية
الأنصاري، ومسجد بني عباد نسب إِلَى بني عباد بْن رضاء بْن شقرة بْن
الحارث بْن تميم بْن مر، وكانت دار عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي
لعمته دجاجة أم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فأقطعته إياها وهو عَبْد
اللَّهِ بْن خازم بْن أسماء بْن الصلت وهي دجاجة بنت أسماء.
وحدثني المدائني عن أَبِي بكر الهذلي والعَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن
عوانة، قالا: قدم الأحنف بْن قيس عَلَى عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه
عنه في أهل البصرة فجعل يسألهم رجلا رجلا والأحنف في ناحية البيت في بت
لا يتكلم فقال له عمر: أمالك حاجة؟ قَالَ: بلى يا أمير الْمُؤْمِنِين،
أن مفاتح الخير بيد اللَّه وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل
الأمم الخالية بَيْنَ المياه العذبة والجنان الملتفة، وإنا نزلنا سبخة
بشاشة لا يجف نداها ولا ينبت مرعاها، ناحيتها قبل المشرق البحر الأجاج،
ومن قبل المغرب الفلاة، فليس لنا زرع ولا ضرع تأتينا منافعنا وميرتنا
فى مثل مريء النعامة، يخرج الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين،
وتخرج المرأة
(1/346)
لذلك فتربق ولدها كما يربق العنز يخاف
بادرة العدو وأكل السبع، فإلا ترفع خسيستنا، وتجبر فاقتنا نكن كقوم
هلكوا، فألحق عُمَر ذراري أهل البصرة في العطاء، وكتب إِلَى أبى موسى
يأمره أن يحفر لهم نهوا.
فحدثني جماعة من أهل العلم، قَالُوا: كان لدجلة العوراء وهي دجلة
البصرة خور، والخور طريق للماء لم يحفره أحد يجري فيه ماء الأمطار
إليها ويتراجع ماؤها فيه عند المد وينضب في الجزر، وكان طوله قدر فرسخ،
وكان لحده مما يلي البصرة غورة واسعة تسمى في الجاهلية الأجانة وسمته
العرب في الإِسْلام الجزارة وهو عَلَى مقدار ثلاثة فراسخ منَ البصرة
بالذرع الَّذِي يكون به نهر الأبلة كله أربعة فراسخ ومنه يبتدئ النهر
الَّذِي يعرف اليوم بنهر الأجانة فلما أمر عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه
عنه أَبَا موسى الأشعري أن يحتفر لأهل البصرة نهرا ابتدأ الحفر منَ
الأجانة وقادة ثلاثة فراسخ حَتَّى بلغ به البصرة فصار طول نهر الأبلة
أربعة فراسخ. ثُمَّ إنه انطم منه ما بَيْنَ البصرة وبثق الحيرى وذلك
عَلَى قدر فرسخ منَ البصرة.
وكان زياد بْن أَبِي سُفْيَان واليا عَلَى الديوان وبيت المال من قبل
عبد الله ابن عامر بن كريز، وعبد اللَّه يومئذ عَلَى البصرة من قبل
عُثْمَان بْن عَفَّان، فأشار علي بْن عَامِر أن ينفذ حفر نهر الأبلة من
حيث انطم حَتَّى يبلغ به البصرة، وكان يربث ذلك ويدافع به.
فلما شخص بْن عَامِر إِلَى خراسان واستخلف زيادا أقر حفر أَبِي موسى
الأشعري عَلَى حاله وحفر النهر من حيث انطم حَتَّى بلغ به البصرة، وولى
ذلك عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة، فلما فتح عَبْد الرَّحْمَنِ
الماء جعل يركض فرسه والماء يكاد يسقيه، وقدم ابن عَامِر من خراسان
فغضب عَلَى زياد، وقال: إنما أردت أن تذهب بذكر النهر دوني فتباعد ما
بينهما حتى ماتا
(1/347)
وتباعد بسببه ما بَيْنَ أولادهما، فقال
يونس بْن حبيب النحوي: أنا أدركت ما بَيْنَ آل زياد وآل ابن عَامِر
متباعدا.
وحدثني الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة، قَالَ: قاد أَبُو موسى الأشعري نهر
الأبلة من موضع الأجانة إِلَى البصرة، وكان شرب الناس قبل ذلك من مكان
يقال له دير قاووس فوهته في دجلة فوق الأبلة بأربعة فراسخ يجري في سباخ
لا عمارة عَلَى حافاته، وكانت الأرواح تدفنه، قَالَ: ولما حفر زياد فيض
البصرة بعد فراغه منَ إصلاح نهر الأبلة قدم ابن عامر من خراسان فلامه،
وقال: أردت أن تذهب بشهرة هَذَا النهر وذكره، فتباعد ما بينهما وبين
أهلهما بذلك السبب، وقال أَبُو عُبَيْدة: كان احتفاره الفيض من لدن دار
فيل مولى زياد وحاجبه إِلَى موضع الجسر.
وروى مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي وغيره أن عُمَر بْن الخطاب أمر
أَبَا موسى بحفر النهر الآخر وأن يجريه عَلَى يد معقل بْن يسار المزني
فنسب إليه، وقال الواقدي تُوُفِّيَ معقل بالبصرة في ولاية عُبَيْد
اللَّه بْن زياد البصرة لمعاوية، وقال الوليد بْن هِشَام القحذمي، وعلي
بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سيف المدائني. كلم المنذر بْن الجارود العبدي
معاوية بْن أَبِي سُفْيَان في حفر نهر ثار، فكتب إِلَى زياد فحفر نهر
معقل، فقال قوم: جرى عَلَى يد معقل بْن يسار فنسب إليه، وقال آخرون: بل
أجراه زياد عَلَى يد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة أو غيره، فلما
فرغ منه وأرادوا فتحه بعث زياد معقل بْن يسار ففتحه تبركا به لأنه من
أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال الناس:
نهر معقل، فذكر القحذمي أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم، وقال له: أبلغ
دجلة وسل عن صاحب هَذَا النهر من هُوَ، فإن قَالَ لك رجل:
إنه نهر زياد فاعطه الألف، فبلغ دجلة ثُمَّ رجع فقال: ما لقيت أحدا إلا
يقول: هُوَ نهر معقل، فقال زياد: «ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من
يَشاءُ» 5: 54
(1/348)
قالوا: ونهر دبيس نسب إِلَى رجل فصار يقال
له دبيس كان يقصر الثياب عَلَيْهِ، وبثق الحيرى نسب إِلَى نبطي من أهل
الحيرة، ويقال كان مولى لزياد، قَالُوا: وكان زياد لما بلغ بنهر معقل
قبته الَّتِي يعرض فيها الجند رده إِلَى مستقبل الجنوب حَتَّى أخرجه
إِلَى أصحاب الصدقة بالجبل فسمى ذلك العطف نهر دبيس، وحفر عَبْد
اللَّهِ بْن عَامِر نهره الَّذِي عند دار فيل، وهو الَّذِي يعرف بنهر
الأساورة، وقال بعضهم: الأساورة حفروه، ونهر عَمْرو:
نسب إِلَى عَمْرو بْن عتبة بْن أَبِي سُفْيَان، ونهر أم حبيب نسب إِلَى
أم حبيب بنت زياد. وكان عَلَيْهِ قصر كثير الأبواب فسمى الهزاردر، وقال
علي بْن مُحَمَّد المدائني: تزوج شيرويه الأسواري مرجانة أم عُبَيْد
اللَّه بْن زياد فبنى لها قصرا فيه أبواب كثيرة فسمى هزاردر.
وقال أَبُو الْحَسَن قَالَ قوم: سمى هزاردر لأن شيرويه اتخذ في قصره
ألف باب، وقال بعضهم: نزل ذلك الموضع ألف أسوار في ألف بيت أنزلهم كسرى
فقيل هزاردر، ونسب نهر حرب إِلَى حرب بْن سلم بْن زياد وكان عَبْد
الأعلى بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر أدعى أن الأرض
التي كانت عليه كانت لابن عَامِر وخاصم فيها حربا، فلما توجه القضاء
لعبد الأعلى أتاه حرب فقال له: خاصمتك في هَذَا النهر وقد ندمت عَلَى
ذلك وأنت شيخ العشيرة وسيدها فهو لك، فقال عَبْد الأعلى بْن عَبْد
اللَّهِ: بل هُوَ لك فانصرف حرب فلما كان العشى جاء موالي عَبْد الأعلى
ونصحاؤه فقالوا: والله ما أتاك حرب حَتَّى توجه لك القضاء عَلَيْهِ،
فقال: والله لا رجعت فيما جعلت له أبدا، والنهر المعروف بيزيدان: نسب
إِلَى يزيد بْن عُمَر الأسيدي صاحب شرطة عدي بْن أرطاة، وكان رجل أهل
البصرة في زمانه.
وقالوا: أقطع عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز عَبْد اللَّهِ بْن
عمير بْن عَمْرو بْن مَالِك الليثي وهو أخوه لأمه دجاجة بنت أسماء بْن
الصلت السلمية ثمانية
(1/349)
آلاف جريب فحفر لها النهر الَّذِي يعرف
بنهر ابن عميرة، قَالُوا: وكان عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر حفر نهر أم
عَبْد اللَّهِ دجاجة ويتولاه غيلان بْن خرشة الضبي وهو النهر الَّذِي
قَالَ حارثة بْن بدر الغداني لعبد اللَّه بْن عَامِر وقد سايره لم أر
أعظم بركة من هَذَا النهر يستقى منه الضعفاء من أبواب دورهم ويأتيهم
منافعهم فيه إِلَى منازلهم، وهو مغيض لمياههم، ثُمَّ أنه ساير زيادا
بعد ذلك في ولايته فقال ما رأيت نهرا شرا منه ينز منه دورهم وببغضون له
في منازلهم ويغرق فيه صبيانهم.
وروى قوم أن غيلان بْن خرشة القائل هَذَا: والأول أثبت، ونهر سلم نسب
إِلَى سلم بن زياد أَبِي سُفْيَان، وكان عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر حفر
نهرا تولاه نافذ مولاه فغلب عَلَيْهِ فقيل نهر نافذ، وهو لآل الْفَضْل
بْن عَبْد الرَّحْمَنِ ابن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد
المطلب، قَالَ أَبُو اليقظان: أقطع عُثْمَان بْن عَفَّان العَبَّاس بْن
ربيعة بْن الحارث دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم، وكان عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن عَبَّاس يلقب رائض البغال لجودة ركوبه لها وتابعه
الناس بعد هرب ابن الأشعث إِلَى سجستان فهرب منَ الحجاج، وطلحتان نهر
طلحة ابن أَبِي نافع مولى طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، ونهر حميدة نسب
إِلَى امرأة من آل عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن حبيب بْن عَبْد شمس
يقال حميد وهي امرأة عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر،
وخيرتان لخيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب ولها مهلبان كان المهلب
وهبه لها، ويقال: بل كان لها فنسب إِلَى المهلب وهي أم أَبِي عيينة
ابنه، وجبيران لجبير بْن حية، وخلفان قطيعة عَبْد اللَّهِ بْن خلف
الخزاعي أَبِي طلحة الطلحات، طليقان لآل عِمْرَان بْن حصين الخزاعي من
ولد خَالِد بْن طليق بْن مُحَمَّد بْن عِمْرَان وكان خَالِد ولى قضاء
البصرة.
وقال القحذمى نهرمرة لابن عَامِر ولى حفره له مرة مولى أَبِي بكر
الصديق فغلب عَلَى ذكره، وقال أَبُو اليقظان وغيره: نسب نهر مرة إِلَى
مرة
(1/350)
ابن أَبِي عُثْمَان مولى عَبْد الرَّحْمَنِ
بْن أَبِي بكر الصديق، وكان سريا سأل عائشة أم الْمُؤْمِنِين أن تكتب
له إِلَى زياد وتبدأ به في عنوان كتابها فكتبت له إليه بالوصاية به
وعنونته: إِلَى زياد بْن أَبِي سُفْيَان من عائشة أم الْمُؤْمِنِين،
فلما رأى زياد أنها قَدْ كاتبته ونسبته إِلَى أَبِي سُفْيَان سر بذلك
وأكرم مرة وألطفه، وقال للناس: هَذَا كتاب أم الْمُؤْمِنِين إلي فيه
وعرضه عليهم ليقرءوا عنوانه، ثُمَّ أقطعه مائة جريب عَلَى نهر الأبلة
وأمره فحفر لها نهرا فنسب إليه، وكان عُثْمَان بْن مرة من سراة أهل
البصرة وقد خرجت القطيعة من أيدي ولده وصارت لآل الصفاق بْن حجر بْن
بجير العقوي منَ الأزد.
قَالُوا: ودرجاه جنك من أموال ثقيف، وإنما قيل له ذلك لمنازعات كانت
فيه، وجنك بالفارسية صخب إنسان: نسب إِلَى أنس بْن مَالِك في قطيعة من
زياد. نهر بشار نسب إِلَى بشار بْن مُسْلِم بْن عَمْرو الباهلي أخي
قتيبة، وكان أهدى إِلَى الحجاج فرسا فسبق عَلَيْهِ فأقطعه سبعمائة جريب
ويقال أربعمائة جريب فحفر لها النهر، ونهر فيروز نسب إِلَى فيروز حصين،
ويقال إِلَى باشكار كان يقال له فيروز، وقال القحذمي: نسب إِلَى فيروز
مولى ربيعة بْن كلدة الثقفي، ونهر العلاء نسب إِلَى العلاء بْن شريك
الهذلي أهدى إِلَى عَبْد الملك شيئا أعجبه فأقطعه مائة جريب، ونهر ذراع
نسب إِلَى ذراع النمري من ربيعة وهو أَبُو هارون بْن ذراع، ونهر حبيب
نسب إِلَى حبيب ابن شهاب الشامي التاجر في قطيعة من زياد ويقال من
عُثْمَان، ونهر أبى بكرة نسب إلى أبى بكرة بْن زياد.
وحدثني العقوي الدلال قَالَ: كانت الجزيرة بَيْنَ النهرين سبخة فأقطعها
معاوية بعض بني أخوته، فلما قدم الفتى لينظر إليها أمر زياد بالماء
فأرسل فيها فقال الفتى: إنما أقطعني أمير الْمُؤْمِنِين بطيحة لا حاجة
لي فيها فابتاعها زياد منه
(1/351)
بمائتي ألف درهم وحفر أنهارها وأقطع منها
روادان لرواد بْن أَبِي بكرة، ونهر الراء صيدت فيه سمكة تسمى الراء
فسمى بها وعليه أرض حمران الَّذِي أقطعه إياها معاوية، نهر مكحول نسب
إِلَى مكحول بْن عُبَيْد اللَّه الأحمسي وهو ابن عم شيبان صاحب مقبرة
شيبان بْن عَبْد اللَّهِ الَّذِي كان عَلَى شرطة ابن زياد، وكان مكحول
يقول الشعر في الخيل فكانت قطيعة من عَبْد الملك بْن مروان، وقال
القحذمي نهر مكحول نسب إِلَى مكحول بْن عَبْد اللَّهِ السعدي.
وقال القحذمي شط عُثْمَان اشتراه عُثْمَان بْن أبى العاصي الثقفي من
عُثْمَان ابن عَفَّان بمال له بالطائف، ويقال أنه اشتراه بدار له
بالمدينة فزادها عُثْمَان ابن عَفَّان في المسجد وأقطع عثمان بن أبى
العاصي أخاه حفص بن أبى العاصي حفصان، وأقطع أبا أمية بن أبى العاصي
أخاه أميتان، وأقطع الحكم بن أبى العاصي حكما، وأقطع أخاه المغيرة
مغيرتان، قَالَ: فكان نهر الأرحاء لأبى عمرو بن أبى العاصي الثقفي.
وقال المدائني: أقطع زياد في الشط الجموم وهي زيادان، وقال لعبد اللَّه
ابن عُثْمَان إني لا أنفذ إلا ما عمرتم، وكان يقطع الرجل القطيعة ويدعه
سنتين فإن عمرها وإلا أخذها منه، فكانت الجموم لأبي بكرة ثم صارت لعبد
الرَّحْمَنِ ابن أَبِي بكرة، أزرقان نسب إِلَى الأزرق بْن مُسْلِم مولى
بني حنيفة، ونسب محمدان إِلَى مُحَمَّد بْن علي بْن عُثْمَان الحنفي،
زيادان نسب إِلَى زياد مولى بني الهيثم، وهو جد مؤنس بْن عِمْرَان بْن
جميع بْن يسار وجد عِيسَى بْن عُمَر النحوي وحاجب بْن عُمَر لأمهما،
ونهر أَبِي الخصيب نسب إِلَى أَبِي الخصيب مرزوق مولى المَنْصُور أمير
الْمُؤْمِنِين، ونهر الأمير بالبصرة حفره المَنْصُور ثُمَّ وهبه لابنه
جَعْفَر فكان يقال نهر أمير الْمُؤْمِنِين، ثُمَّ قيل نهر الأمير ثُمَّ
ابتاعه الرشيد، وأقطع منه وباع ونهر ربا للرشيد نسب إِلَى سورجي
والقرشي كان عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الأعلى الكريزي وعُبَيْد اللَّه
بْن عُمَر بْن الحكم
(1/352)
الثقفي اختصما فيه ثُمَّ اصطلحا عَلَى أن
أخذ كل واحد منهما نصفه فقيل القرشي والعربي، والقندل خور من أخوار
دجلة سده سُلَيْمَان بْن علي وعليه قطيعة المنذر بْن الزبير بْن العوام
وفيه نهر النعمان بْن المنذر صاحب أقطعه أيام كسرى وكان هناك قصر
للنعمان، ونهر مقاتل نسب إِلَى مقاتل ابن جارية بْن قدامة السعدي،
وعميران نسب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عمير الليثي، وسيحان كان للبرامكة
وهم سموه سيحان، والجوبرة صيد فيها الجوبرة فسميت بذلك، حصينان لحصين
بْن أبى الحر العنبري، عبيد لان لعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة،
عُبَيْدان لعُبَيْد بن كعب النميري، منقذان لمنقذ بْن علاج السلمي،
عَبْد الرحمانان كان لأبي بكرة بْن زياد فاشتراه أَبُو عَبْد
الرَّحْمَنِ مولى هِشَام، ونافعان لنافع بْن الحارث الثقفي، وأسلمان
لأسلم بْن زرعة الكلابي، وحمرانان لحمران بْن أبان مولى عُثْمَان،
وقتيبتان لقتيبة بْن مُسْلِم، وخشخشان لآل الخشخاش العنبري.
وقال القحذمي: نهر البنات بنات زياد أقطع كل بنت ستين جريبا وكذلك كان
يقطع العامة، وقال: أمر زياد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن تبع الحميري، وكان
عَلَى قطائعه أن يقطع نافع بْن الحارث الثقفي ما مشى فمشى فانقطع شسعه
فجلس، فقال حسبك، فقال: لو علمت لمشيت إِلَى الأبلة فقال:
دعني حَتَّى أرمي بنعلي فرمى بها حَتَّى بلغت الأجانة، سعيدان لآل
سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عباد بْن أسيد وكانت سُلَيْمَانان
قطيعة لعُبَيْد بْن قسيط صاحب الطوف أيام الحجاج فرابط بها رجل منَ
الزهاد يقال له سُلَيْمَان بْن جابر فنسبت إليه، وعمران لعمر بْن
عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي، وفيلان لفيل مولى زياد، وخالدان نسب
إِلَى خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد بْن أَبِي العيص
بْن أمية، نهر يزيد الأباضي وهو يزيد بْن عَبْد اللَّهِ الحميري،
المسمارية قطيعة مسمار مولى زياد وله بالكوفة ضيعة، قَالَ القحذمي وكان
(1/353)
بلال بْن أَبِي بردة الَّذِي فتق نهر معقل
في فيض البصرة، وكان قبل ذلك مكسورا يفيض إِلَى القبة الَّتِي كان زياد
يعرض فيها الجند واحتفر بلال نهر بلال وجعل على جنبتيه حوانت ونقل
إليها السوق وجعل ذلك ليزيد بْن خَالِد القسري، قَالُوا: وحفر بشير بْن
عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة المرغاب وسماه باسم مرغاب مرو، وكانت
القطيعة الَّتِي فيها المرغاب لهلال بْن أحوز المازني أقطعه إياها يزيد
بْن عَبْد الملك وهي ثمانية آلاف جريب فحفر بشير المرغاب والسواقي
والمعترضات بالتغلب وقال هَذِهِ قطيعة لي وخاصمه حميري بْن هلال فكتب
خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري إِلَى مَالِك بْن المنذر بْن الجارود
وهو عَلَى أحداث البصرة أن خل بَيْنَ الحميري وبين المرغاب وأرضه، وذلك
أن بشيرا أشخص إِلَى خَالِد فتظلم فقبل قوله، وكان عَمْرو بْن يزيد
الأسيدي يعنى بحميري ويعينه فقال لمالك بْن المنذر أصلحك اللَّه ليس
هَذَا خل إنما هو حل بَيْنَ حميري وبين المرغاب، قَالَ: وكانت لصعصعة
بْن معاوية عم الأحنف قطيعة بحيال المرغاب وإلى جنبها فجاء معاوية بْن
معاوية معينا لحميري، فقال بشير هَذَا مسرح إبلنا وبقرنا وحميرنا
ودوابنا وغنمنا فقال معاوية: أمن أجل تلط بقرة عقفاء وأتان وديق تريد
أن تغلبنا عَلَى حقنا، وجاء عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي عُثْمَان بْن
عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فقال:
أرضنا وقطيعتنا فقال له معاوية أسمعت بالذي تخطى النار فدخل اللهب في
أسته فأنت هُوَ، قَالُوا: وكانت سويدان لعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة
قطيعة مبلغها أربعمائة جريب فوهبها لسويد بْن منجوف السدوسي، وذلك أن
سويدا مرض وعاده ابن أَبِي بكرة فقال له كيف تجدك، قَالَ صالحا إن شئت
قَالَ:
قَدْ شئت فما ذاك، قَالَ: إن أعطيتني مثل الَّذِي أعطيت ابن معمر فليس
علي بأس فأعطاه سويدان فنسبت إليه.
قَالَ المدائني: حفر يزيد بْن المهلب نهر يزيد في قطيعة لعُبَيْد
اللَّه بْن أبى
(1/354)
بكرة، فقال لبشير بْن عُبَيْد اللَّه اكتب
لي كتابا بأن هَذَا النهر في حقي، قَالَ:
لا ولئن عزلت لأخاصمنك، جبران لآل كلثوم بْن جبر نهر ابن أَبِي برذعة
نسب إِلَى أَبِي برذعة بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة، والمسرقانان
قطيعة لآل أَبِي بكرة وأصلها مائة جريب فمسحها مساح المَنْصُور ألف
جريب فأقروا في أيدي آل أَبِي بكرة منها مائة وقبضوا الباقي، قطيعة
هميان لهميان بْن عدي السدوسي، كثيران لكثير بْن سيار، بلالان لبلال
بْن أَبِي بردة كانت القطيعة لعباد بْن زياد فاشتراها، شبلان لشبل بْن
عميرة بْن يثربي الضبي، نهر سلم نسب إِلَى سلم بْن عُبَيْد اللَّه بْن
أَبِي بكرة، النهر الرباحي نسب إِلَى رباح مولى آل جدعان، سبخة عائشة
إِلَى عائشة بنت عَبْد اللَّهِ بْن خلف الخزاعي، قَالُوا: واحتفر كثير
بْن عَبْد اللَّهِ السلمي وهو أَبُو العاج عامل يوسف بْن عُمَر الثقفي
عَلَى البصرة نهرا من نهر ابن عتبة إِلَى الخستل فنسب إليه، نهر أَبِي
شداد نسب إِلَى أَبِي شداد مولى زياد، بثق سيار لفيل مولى زياد ولكن
القيم عَلَيْهِ كان سيار مولى بني عقيل فغلب عَلَيْهِ أرض الأصبهانيين
شرا من بعض العرب، وكان هؤلاء الأصبهانيون قوما أسلموا وهاجروا إِلَى
البصرة، ويقال أنهم كانوا مع الأساورة الَّذِينَ صاروا بالبصرة، ودار
ابن الأصبهاني بالبصرة نسبت إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن الأصبهاني وكان له
أربعمائة مملوك لقى المختار مع مصعب وهو عَلَى ميمنته.
حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن بعض آل الأهتم، قَالَ: كتب يزيد ابن
عَبْد الملك إِلَى عُمَر بْن هبيرة أنه ليست لأمير الْمُؤْمِنِين بأرض
العرب خرصة فسر عَلَى القطائع فخذ فضولها لأمير الْمُؤْمِنِين فجعل
عُمَر يأتي القطيعة فيسأل عنها ثُمَّ يمسحها حَتَّى وقف عَلَى أرض،
فقال: لمن هَذِهِ فقال صاحبها لي فقال ومن أين هي لك فقال:
ورثناهن عن أباء صدق ... ويورثها إذا متنا بنينا
(1/355)
قَالَ: ثُمَّ أن الناس ضجوا من ذلك فأمسك،
قَالُوا: صلتان نسب إِلَى الصلت بْن حريث الحنفي، وقاسمان قطيعة
الْقَاسِم بْن عَبَّاس بْن ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطلب ورثه
إياها أخوه عون، ونهر خالدان الأجمة لآل خَالِد بْن أسيد وآل أَبِي
بكرة ونهر ماسوران كان فيه رجل شرير يسعى بالناس ويبحث عليهم فنسب
النهر إليه، والماسور بالفارسية الجرير الشرير، جبيران أيضا، قطيعة
جبير بْن أَبِي زيد من بني عَبْد الدار، معقلان قطيعة معقل بْن يسار من
زياد، وولده يقولون: من عمرو لم يقطع عُمَر أحدا عَلَى النهرين، جندلان
لعُبَيْد اللَّه بْن جندل الهلالي، نهر التوت قطيعة عبد الله ابن نافع
بْن الحارث الثقفي وقال القحذمي: كان نهر سُلَيْمَان بْن علي لحسان ابن
أَبِي حسان النبطي، والنهر الغوثي كان عَلَيْهِ صاحب مسلحة يقال له غوث
فنسب إليه، وقال بعضهم جعل مغيثا للمرغاب فسمى الغوث ذات الحفافين
عَلَى نهر معقل، ودجلة كانت لعبد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة فاشتراها
عربي التمار مولى أمة اللَّه بنت أَبِي بكرة، نهر أبى سبرة الهذلي،
قطيعة حريانان قطيعة حرب بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الحكم بن أبى
العاصي، قطيعة الحباب للحباب بْن يزيد المجاشعي، نهر جَعْفَر كان
لجَعْفَر مولى سلم ابن زياد، وكان خراجيا، بثق شيرين نسب إِلَى شيرين
امرأة كسرى ابن هرمز.
وقال القحذمي والمدائني: كانت مهلبان الَّتِي تعرف في الديوان بقطيعة
عُمَر بْن هبيرة لعمر بْن هبيرة أقطعه إياها يزيد بْن عَبْد الملك حين
قبض مال يزيد بْن المهلب وأخوته وولده وكانت للمغيرة بْن المهلب وفيها
نهر كان زادان فروخ حفره فعرف به وهي اليوم لآل سُفْيَان بْن معاوية
بْن يزيد بْن المهلب رفع إِلَى أَبِي العَبَّاس أمير الْمُؤْمِنِين
فيها فأقطعه إياها فخاصمه آل المهلب فى أمرها فقال: كانت المغيرة
فقالوا: نحن نجيز ذلك مات المغيرة بْن المهلب قبل
(1/356)
أبيه فورثت ابنته النصف فلك ميراثك من أمك
ورجع الباقي إِلَى أبيه فهو بَيْنَ الورثة. قَالَ: وللمغيرة ابن.
قَالُوا: ومالك ولابن المغيرة؟ أنت لا ترثه! إنما هُوَ خالك فلم يعطهم
شيئا وهي ألف وخمسمائة جريب.
كوسجان نسب إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الثقفي الكوسج. وقال
المدائني:
كانت كوسجان لأبي بكرة فخاصمه أخوه نافع فخرجا إليها وكل واحد منهما
يدعيها وخرج إليها عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو الكوسج فقال لهما: أراكما
تختصمان فحكماني فحكماه. فقال: قَدْ حكمت بها لنفسي فسلماها له. قَالَ:
ويقال أنه لم يكن للوسج شرب فقال لأبي بكرة ونافع: اجعلا لي شربا بقدر
وثبة فأجاباه إِلَى ذلك فيقال أنه وثب ثلاثين ذراعا.
قَالُوا: وبالفرات أرضون أسلم أهلها عليها حين دخلها المسلمون وأرضون
خرجت من أيدي أهلها إِلَى قوم مسلمين بهبات وغير ذلك من أسباب الملك
فصيرت عشرية وكانت خراجية فردها الحجاج إِلَى الخراج. ثُمَّ ردها عُمَر
بْن عَبْد الْعَزِيزِ إِلَى الصدقة. ثُمَّ ردها عُمَر بْن هبيرة إِلَى
الخراج. فلما ولى هِشَام بْن عَبْد الملك رد بعضها إِلَى الصدقة. ثُمَّ
أن المهدي أمير الْمُؤْمِنِين جعلها كلها من أراضي الصدقة. وقال
جَعْفَر: إن كان لأم جَعْفَر بنت مجزأة بْن ثور السدوسي امرأة أسلم
صاحب أسلمان.
قَالَ القحذمي: حدثني أرقم بْن إِبْرَاهِيم أنه نظر إِلَى حسان النبطي
يشير منَ الجسر، ومعه عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّهِ بحوز كل شيء من
حد نهر الفيض لولد هِشَام بْن عَبْد الملك، فلما بلغ دار عَبْد الأعلى
رفع الذرع. فلما كانت الدولة المباركة قبض ذلك أجمع فوقف أَبُو جَعْفَر
الجبان فيما وقف عَلَى أهل المدينة وأقطع المهدى العباسة ابنته امرأة
مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الشرقي عبادان قطيعة لحمران بْن أبان مولى
عُثْمَان من عَبْد الملك بْن مروان وبعضها فيما يقال من زياد
(1/357)
وكان حمران من سبى عين التمر يدعى أنه منَ
التمر بْن قاسط فقال الحجاج ذات يوم وعنده عباد بْن حصين الحبطي: ما
يقول حمران لئن أنتمي إِلَى العرب ولم يقل أن أباه أبى وأنه مولى
لعثمان لأضربن عنقه، فخوج عباد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران
بقوله، فوهب له غربي النهر وحبس الشرقي فنسب إِلَى عباد بْن الحصين،
وقال: هِشَام بْن الكلبي: كان أول من رابط بعبادان عباد بْن الحصين،
قَالَ: وكان الربيع بْن صبح الفقيه وهو مولى بني سَعْد جمع مالا من أهل
البصرة فحصن به عبادان ورابط فيها، والربيع يروي عَنِ الْحَسَن البصري،
وكان خرج غازيا إِلَى الهند في البحر فمات فدفن في جزيرة منَ الجزائر
في سنة ستين ومائة.
قَالَ القحذمي: خالدان القصر، وخالدان هبساء كانا لخالد بْن عَبْد
اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد، وخالدان ليزيد بْن طلحة الحنفي ويكنى
أَبَا خَالِد، قَالَ: ونهر عدي كان خورا من نهر البصرة حَتَّى فتقه عدي
بْن أرطاة الفزاري عامل عُمَر ابن عَبْد الْعَزِيزِ من بثق شيرين،
قَالَ: وكان سُلَيْمَان أقطع يزيد بْن المهلب ما اعتمل منَ البطيحة
فاعتمل الشرقي والجبان والخست والريحية ومغيرتان وغيرها فصارت حوزا
فقبضها يزيد بْن عَبْد الملك ثُمَّ أقطعها هِشَام ولده ثُمَّ حيزت
بعده.
قَالَ القحذمي: وكان الحجاج أقطع خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب
عَبَّاسان فقبضها يزيد بْن عَبْد الملك فأقطعها العَبَّاس بْن الوليد
بْن عَبْد الملك، ثُمَّ قبضت فأقطعها أَبُو العَبَّاس أمير
الْمُؤْمِنِين سُلَيْمَان بْن علي، قَالَ:
وكانت الْقَاسِمية مما نضب عنه الماء فأفتعل الْقَاسِم بْن سُلَيْمَان
مولى زياد كتابا ادعى أنه من يزيد بْن معاوية بإقطاعه إياها، الخالية
لخالد بْن صفوان بن الأهتم كانت للقاسم بن سليمان المالكية لمالك بن
المنذر بن الجارود، الحَاتِمية لحَاتِم بْن قبيصة بْن المهلب.
(1/358)
حدثني جماعة من أهل البصرة. قَالُوا: كتب
عدي بْن أرطاة إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وأمر أهل البصرة أن
يكتبوا في حفر نهر لهم فكتب إليه وَكِيع ابن أَبِي سود التميمي. أنك إن
لم تحفر لنا نهرا فما البصرة لنا بدار، ويقال:
أن عديا التمس في ذلك الأضرار ببهز بْن يزيد بْن المهلب فنفعه. قَالُوا
فكتب عُمَر يأذن له في حفر نهر فحفر نهر عدي وخرج الناس ينظرون إليه
فحمل عدي الْحَسَن البصري عَلَى حمار كان عَلَيْهِ وجعل يمشي.
قَالُوا: ولما قدم عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ عاملا
عَلَى العراق من قبل يزيد بْن الوليد أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة
مائهم. وحملوا إليه قارورتين في أحدهما ماء البصرة وفي الأخرى ماء من
ماء البطيحة فرأى بينهما فصلا فقالوا: إنك إن حفرت لنا نهرا شربنا من
هَذَا العذب. فكتب بذلك إِلَى يزيد فكتب إليه يزيد أن بلغت نفقة هَذَا
النهر خراج العراق ما كان في أيدينا فانفقه عَلَيْهِ. فحفر النهر
الَّذِي يعرف بنهر عَمْرو. قَالَ رجل ذات يوم في مجلس بن عمرو الله أنى
أحسب نفقة هذا النهر تبلغ ثلاثمائة ألف أو أكثر فقال ابن عُمَر. لو
بلغت خراج العراق لأنفقته عَلَيْهِ.
قَالُوا. وكانت الولاة والأشراف بالبصرة يستعذبون الماء من دجلة
ويحتفرون الصهاريج. وكان للحجاج بها صهريج معروف يجتمع فيه ماء المطر
وكان لابن عَامِر وزياد وابن زياد صهاريج يبيحونها الناس.
قَالُوا: وبنى المَنْصُور رحمه اللَّه بالبصرة في دخلته الأولى قصره
الَّذِي عند الحبس الأكبر وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة وبنى في
رحلته الثانية المصلى بالبصرة وقال القحذمى: الحبس الأكبر إسلامي،
قَالُوا: ووقف مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي ضيعة له عَلَى أحواض
اتخذها بالبصرة فغلتها تنفق عَلَى دواليبها وإبلها ومصلحتها.
(1/359)
وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن عن عمه أَبِي
هِشَام عن أبيه، قَالَ: وفد أهل البصرة عَلَى ابن عُمَر بْن عَبْد
الْعَزِيزِ بواسط فسألوه حفر نهر لهم فحفر لهم نهر ابن عُمَر، وكان
الماء الَّذِي يأتي نزرا قليلا، وكان عظم ماء البطيحة يذهب في نهر
الدير، فكان الناس يستعذبون منَ الأبلة حَتَّى قدم سُلَيْمَان بْن علي
البصرة واتخذ المغيثة وعمل مسنياتها عَلَى البطيحة فحجز الماء عن نهر
الدبر وصرفه إلى نهر ابن عمرو أنفق عَلَى المغيثة ألف ألف درهم، فقال:
شكا أهل البصرة إِلَى سُلَيْمَان ملوحة الماء وكثرة ما يأتيهم من ماء
البحر فسكر القندل فعذب ماؤهم قَالَ: واشترى سُلَيْمَان بْن علي موضع
السجن من ماله في دار ابن زياد فجعله سجنا وحفر الحوض الَّذِي في
الدهناء وهي رحبة بني هاشم.
وحدثني بعض أهل العلم بضياع البصرة، قَالَ: كان أهل الشعيبية منَ
الفرات جعلوها لعلي بْن أمير الْمُؤْمِنِين الرشيد في خلافة الرشيد
عَلَى أن يكونوا مزارعين له فيها ويخفف مقاسمتهم فتكلم فيها فجعلت
عشرية منَ الصدقة وقاسم أهلها عَلَى ما رضوا به وقام له بأمرها شعيب
بْن زياد الواسطي الَّذِي لبعض ولده دار بواسط عَلَى دجلة فنسبت إليه.
وحدثني عدة منَ البصريين منهم روح بْن عَبْد المؤمن، قَالُوا لما اتخذ
سُلَيْمَان بْن علي المغيثة أحب المَنْصُور أن يستخرج ضيعة منَ البطيحة
فأمر باتخاذ السبيطة فكره سُلَيْمَان بْن علي وأهل البصرة ذلك، واجتمع
أهل البصرة إِلَى باب عَبْد اللَّهِ بْن علي وهو يومئذ عند أخيه
سُلَيْمَان هاربا منَ المَنْصُور فصاحوا يا أمير الْمُؤْمِنِين انزل
إلينا نبايعك، فكفهم سُلَيْمَان وفرقهم وأوفد إِلَى المَنْصُور سوار
بْن عَبْد اللَّهِ التميمي ثُمَّ العنزي وداود بْن أَبِي هند مولى بني
بشير وسعيد بْن أَبِي عروبة واسم أَبِي عروبة بهران فقدموا عَلَيْهِ
ومعهم صورة البطيحة فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماءهم، فقال: ما أراه
(1/360)
كما ظننتم وأمر بالامساك، ثُمَّ أنه قدم
البصرة فأمر باستخراج السبيطية فاستخرجت له فكانت منها أجمة لرجل منَ
الدهاقين يقال له سبيط، فحبس عنه الوكيل الَّذِي قلد القيام بأمر الضية
واستخراجها بعض ثمنها وضربه فلم يزل عَلَى باب المَنْصُور يطالب بما
بقي له من ثمن أجمعته ويختلف في ذلك إِلَى ديوانه حَتَّى مات فنسبت
الضيعة إليه بسبب أجمته فقيل السبيطية.
وقالوا قنطرة قرة بالبصرة نسبت إِلَى قرة بْن حيان الباهلي، وكان عندها
نهر قديم ثُمَّ اشترته أم عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فتصدقت به مغيضا
لأهل البصرة وابتاع عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر السوق فتصدق به، قَالُوا
ومر عُبَيْد اللَّه بْن زياد يوم نعي يزيد بْن معاوية عَلَى نهر أم
عَبْد اللَّهِ فإذا هُوَ بنخل فأمر به فعقر، وهدم حمام حمران بْن أبان
وموضعه اليوم يعمل فيه الرباب.
قَالُوا: ومسجد الحامرة نسب إِلَى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان ثُمَّ
صاروا منها إِلَى البصرة عَلَى حمير فأقاموا بحضرة هَذَا المسجد، وقال
بعضهم بنوه ثُمَّ جدد بعد.
وحدثني علي الأثرم عن أَبِي عُبَيْدة عن أَبِي عمرو بْن العلاء، قَالَ:
كان قيس بْن مَسْعُود الشيباني عَلَى الطف من قبل كسرى فهو اتخذ
المنجشانية عَلَى ستة أميال منَ البصرة وجرت عَلَى يد عضروط يقال له
منجشان فنسبت إليه، قَالَ: وفوق ذلك روضة الخيل كانت مهارته ترعى فيها.
وقال ابن الكلبي: نسب الماء الذي يعرف بالحوءب إِلَى الحوءب بنت كلب
بْن وبرة، وكانت عند مر بْن أد بْن طابخة، ونسب حمى ضرية إِلَى ضرية
بنت ربيعة بْن نزار وهي أم حلوان بْن عِمْرَان بْن الحاف بْن قضاعة،
قَالُوا نسب حلوان إِلَى حلوان هذا
.
(1/361)
أمر الأساوة والزط
حدثني جماعة من أهل العلم، قَالُوا: كان سياه الأسواري عَلَى مقدمة
يزدجرد، ثُمَّ أنه بعث به إِلَى الأهواز فنزل الكلبانية وأبو موسى
الأشعري محاصر السوس، فلما رأى ظهور الإِسْلام وعز أهله وأن السوس قَدْ
فتحت والأمداد متتابعة إِلَى أَبِي موسى أرسل إليه: إنا قَدْ أحببنا
الدخول معكم في دينكم عَلَى أن نقاتل عدوكم منَ العجم معكم وعلى أنه إن
وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه أن قاتلنا العرب
منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا منَ البلدان
ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير
الَّذِي بعثكم، فقال أَبُو موسى بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا،
قَالُوا لا نرضى، فكتب أَبُو موسى بذلك إِلَى عُمَر فكتب إليه عُمَر،
أن أعطهم جميع ما سألوا، فخرجوا حَتَّى لحقوا بالمسلمين وشهدوا مع
أَبِي موسى حصار تستر فلم يظهر منهم نكاية، فقال لسياه يا عون ما أنت
وأصحابك كما كنا نظن، فقال له أَخْبَرَك أنه ليست بصائرنا كبصائركم ولا
لنا فيكم حرم نخاف عليها ونقاتل، وإنما دخلنا في هَذَا الدين في بدء
أمرنا تعوذا وإن كان اللَّه قَدْ رزق خيرا كثيرا، ثُمَّ فرض لهم في شرف
العطاء، فلما صاروا إِلَى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسبا إِلَى
رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: بنو تميم
وكانوا عَلَى أن يحالفوا الأزد فتركوهم وحالفوا بنى تميم، ثم خطت لهم
خططهم فنزلوا وحفروا نهرهم وهو يعرف بنهر الأساورة، ويقال أن عَبْد
اللَّهِ بْن عَامِر حفره.
وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: أراد شيرويه الأسواري أن ينزل في بكر
بْن وائل مع خَالِد بْن معمر وبنى سدوس فأبى سياه ذلك فنزلوا في بني
تميم ولم
(1/362)
يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عَبْد شمس،
قَالَ فانضم إِلَى الأساورة السيابجة وكانوا قبل الإِسْلام بالسواحل
وكذلك الزط وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلأ فلما اجتمعت الأساورة والزط
والسيابجة تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم فصارت الأساورة في بني سَعْد
والزط والسيابجة في بني حنظلة فأقاموا معهم يقاتلون المشركين وخرجوا مع
ابن عَامِر إِلَى خراسان ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين ولا شيئا من
حروبهم حَتَّى كان يوم مَسْعُود، ثُمَّ شهدوا بعد يوم مَسْعُود الربذة،
وشهدوا أمر ابن الأشعث معه فأضربهم الحجاج فهدم دورهم وحط أعطياتهم
وأجلى بعضهم، وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا عَلَى بعض.
وقد روي: أن الأساورة لما انحازوا إِلَى الكلبانية وجه أَبُو موسى
إليهم الزبير بْن زياد الحارثي فقاتلهم، ثُمَّ أنهم استأمنوا عَلَى أن
يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاءوا وينزلوا بحيث أحبوا، قَالُوا:
وانحاز إِلَى هؤلاء الأساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له فلحقوا
بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها في النواحي فصاروا معهم ودخلوا في
الإِسْلام.
وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى أصبهان دعا سياه فوجه إِلَى اصطخر
في ثلاثمائة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم وأمره أن ينتخب من أحب من أهل
كل بلد ومقاتلته، ثُمَّ اتبعه يزدجرد، فلما صار باصطخر وجهه إِلَى
السوس وأبو موسى محاصر لها، ووجهه الهرمزان إِلَى تستر فنزل سياه
الكلبانية، وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أَبَا موسى الصلح
فصالحهم فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حَتَّى سار أَبُو موسى إِلَى
تستر فتحول سياه فنزل بَيْنَ رامهرمز وتستر حَتَّى قدم عمار فجمع سياه
الرؤساء الَّذِينَ خرجوا معه من أصبهان، فقال: قَدْ علمتم بما كنا
نتحدث به من أن
(1/363)
هؤلاء القوم سيغلبون عَلَى هَذِهِ المملكة
ويروا دوابهم في إيوان اصطخر وأمرهم في الظهور عَلَى ما ترون فانظروا
لأنفسكم وادخلوا في دينهم فأجابوه إِلَى ذلك فوجه شيرويه في عشرة إِلَى
أَبِي موسى فأخذوا ميثاقا عَلَى ما وصفنا منَ الشرط وأسلموا.
وحدثني غير المدائني عن عوانة، قَالَ: حالفت الأساورة الأزد ثُمَّ
سألوا عن أقرب الحيين منَ الأزد وبني تميم نسبا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء وأقربهم مددا فقيل بنو تميم
فحالفوهم وسيد بني تميم يومئذ الأحنف بْن قيس وقد شهد وقعة الربذة أيام
ابن الزبير جماعة منَ الأساورة فقتلوا خلقا بعدتهم منَ النشاب ولم يخطئ
لأحد منهم رمية، وأما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا في جند
الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند ومن كان سبيا من أولى الغزاة،
فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أَبَا موسى فأنزلهم
البصرة كما أنزل الأساورة.
وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن، قَالَ حدثني يعقوب بْن الحضرمي عن سلام،
قَالَ: أتى الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها منَ الأمم معهم
أهلوهم وأولادهم وجواميسهم فأسكنهم بأسافل كسكر، قال روح: فغلبوا عَلَى
البطيحة وتناسلوا بها، ثُمَّ أنه ضوى إليهم قوم من أباق العُبَيْد
وموالي باهلة وخولة مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن علي وغيرهم، فشجعوهم
عَلَى قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية، وإنما كانت غايتهم قبل ذلك
أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة فيتناولوا منها ما
أمكنهم اختلاسه، وكان الناس في بعض أيام المأمون قَدْ تحاموا الاجتياز
بهم وانقطع عن بغداد جميع ما كان يحمل إليها منَ البصرة في السفن فلما
استخلف المعتصم بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال
له عجيف بْن عنبثة، وضم إليه من
(1/364)
القواد والجند خلقا ولم يمنعه شيئا طلبه
منَ الأموال، فرتب بَيْنَ البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة ملهوبة
الأذناب، وكانت أخبار الزط تأتيه بمدينة السلام فى ساعات من النهار أو
أول الليل وأمر عجيفا فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حَتَّى أخذوا فلم
يشذ منهم أحد وقدم بهم إِلَى مدينة السلام في الزواريق فجعل بعضهم
بخانقين وفرق سائرهم في عين زربة والثغور.
قَالُوا: وكانت جماعة السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال أنهم
أربعون، ويقال أربعمائة، فلما قدم طلحة بْن عُبَيْد اللَّه والزبير بْن
العوام البصرة وعليها من قبل علي بْن أَبِي طالب عُثْمَان بْن حنيف
الأنصاري أبوا أن يسلموا بيت المال إِلَى قدوم علي رضي اللَّه عنه
فأتوهم في السحر فقتلوهم وكان عَبْد اللَّهِ بْن الزبير المتولي لأمرهم
في جماعة تسرعوا إليهم معه، وكان عَلَى السيابجة يومئذ أَبُو سالمة
الزطي، وكان رجلا صالحا، وقد كان معاوية نقل منَ الزط والسيابجة
القدماء إِلَى سواحل الشام وأنطاكية بشرا، وقد كان الوليد بْن عَبْد
الملك نقل قوما منَ الزط إِلَى انطاكية وناحيتها.
قَالُوا: وكان عُبَيْد اللَّه بْن زياد سبى خلقا من أهل بخارى ويقال بل
نزلوا عَلَى حكمه، ويقال بل دعاهم إِلَى الأمان والفريضة فنزلوا عَلَى
ذلك ورغبوا فيه فأسكنهم البصرة، فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا
منهم إليها فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خَالِد الشاطر المعروف بابن
مارقلى، قَالَ ولإندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان
.
(1/365)
فتح كور الأهواز
قَالُوا: غزا المغيرة بْن شعبة سوق الأهواز في ولايته حين شخص عتبة بْن
غزوان منَ البصرة في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة فقاتله
البيرواز دهقانها ثُمَّ صالحه عَلَى مال ثُمَّ أنه نكث، فغزاها أَبُو
موسى الأشعري حين ولاه عُمَر بْن الخطاب البصرة بعد المغيرة، فافتتح
سوق الأهواز عنوة وفتح نهرتيرى عنوة، وولى ذلك بنفسه في سنة سبع عشرة.
وقال أَبُو مخنف والواقدي في روايتهما: قدم أَبُو موسى البصرة فاستكتب
زيادا، واتبعه عُمَر بْن الخطاب بعمران بْن الحصين الخزاعي وصيره عَلَى
تعليم الناس الفقه والقرآن، وخلافة أَبِي موسى إذا شخص عَنِ البصرة،
فسار أَبُو موسى إِلَى الأهواز، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا ونهرا
نهرا، والأعاجم تهرب من بين يديه فغلب على جمع أرضها إلا السوس، وتستر
ومناذر، ورامهرمز.
وحدثني الوليد بْن صالح، قَالَ: حدثني مرحوم العطار عن أبيه عن شويس
العدوي، قَالَ: أتينا الأهواز وبها ناس منَ الزط والأساورة فقاتلناهم
قتالا شديدا فظفرنا بهم فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم، فكتب إلينا عُمَر
أنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما في أيديكم منَ السبي واجعلوا
عليهم الخراج فرددنا السبي ولم نملكهم.
قَالُوا: وسار أَبُو موسى إِلَى مناذر، فحاصر أهلها فاشتد قتالهم فكان
المهاجر بْن زياد الحارثي أخو الربيع بْن زياد بْن الديان في الجيش
فأراد أن يشري نفسه وكان صائما، فقال الربيع لأبي موسى: أن المهاجر عزم
عَلَى أن يشري نفسه وهو صائم، فقال أَبُو موسى: عزمت عَلَى كل صائم أن
يفطر
(1/366)
أولا يخرج إِلَى القتال، فشرب المهاجر شربة
ماء، وقال: قَدْ أبررت عزمة أميري والله ما شربتها من عطش، ثُمَّ راح
في السلاح فقاتل حَتَّى استشهد أخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه عَلَى قصرهم
بَيْنَ شرفتين، وله يقول القائل:
وفي مناذر لما جاش جمعهم ... راح المهاجر في حل بأجمال
والبيت بيت بني الديان نعرفه ... في آل مذحج مثل الجوهر الغالي
واستخلف أَبُو موسى الأشعري الربيع بْن زياد عَلَى مناذر وسار إِلَى
السوس، ففتح الربيع مناذر عنوة، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية وصارت
مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين، فولاهما أَبُو موسى عاصم بْن
قيس بْن الصلت السلمي، وولى سوق الأهواز سمرة بْن جندب الفزاري حليف
الأنصار وقال قوم: أن عُمَر كتب إِلَى أَبِي موسى وهو محاصر مناذر
يأمره أن يخلف عليها ويسير إِلَى السوس فخلف الربيع بْن زياد.
حدثني سعدوية، قَالَ: حَدَّثَنَا شريك عن أَبِي إِسْحَاق عَنِ المهلب
بْن أَبِي صفرة، قَالَ حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا، فكتب عُمَر: أن مناذر
كقرية منَ القرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم.
قَالُوا. وسار أَبُو موسى إِلَى السوس فقاتل أهلها ثُمَّ حاصرهم حَتَّى
نفد ما عندهم منَ الطعام فضرعوا إِلَى الأمان، وسأل مرزبانهم أن يؤمن
ثمانون منهم عَلَى أن يفتح باب المدينة ويسلمها فسمى الثمانين وأخرج
نفسه منهم فأمر به أَبُو موسى فضربت عنقه ولم يعرض للثمانين، وقتل من
سواهم منَ المقاتلة وأخذ الأموال وسبى الذرية، ورأى أَبُو موسى في
قلعتهم بيتا وعليه ستر فسأل عنه فقيل أن فيه جثة دانيال النَّبِيّ
عَلَيْهِ السلام وعلى أنبياء اللَّه ورسله، فأنهم كانوا أقحطوا فسألوا
أهل بابل دفعه إليهم ليستسقوا به ففعلوا، وكان بختنصر سبى دانيال وأتى
به بابل فقبض بها، فكتب أَبُو موسى بذلك إِلَى عُمَر
(1/367)
فكتب إليه عُمَر أن كفنه وأدفنه فسكر أبو
موسى نهرا حق إذا انقطع دفنه ثُمَّ أجرى الماء عَلَيْهِ.
حدثني أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن
معاوية عن حميد الطويل عن حبيب عن خَالِد بْن زيد المزني، وكانت عينه
أصيبت بالسوس قَالَ: حاصرنا مدينتها، وأميرنا أَبُو موسى فلقينا جهدا
ثُمَّ صالحه دهقانها عَلَى أن يفتح له المدينة ويؤمن له مائة من أهله
ففعل، وأخذ عهد أَبِي موسى، فقال له: أعزلهم فجعل يعزلهم وأبو موسى
يقول لأصحابه:
إني لأرجو أن يغلبه اللَّه عَلَى نفسه فعزل المائة وبقى عدو اللَّه،
فأمر به أَبُو موسى أن يقتل فنادى: رويدك أعطيك مالا كثيرا فأبى وضرب
عنقه.
قَالُوا: وهادن أَبُو موسى أهل رامهرمز، ثُمَّ انقضت هدنتهم فوجه إليهم
أَبَا مريم الحنفي فصالحهم عَلَى ثمانمائة ألف درهم.
حدثني روج بْن عَبْد المؤمن، قَالَ: حدثني يعقوب عن أَبِي عاصم
الرامهرمزي، وكان قَدْ بلغ المائة أو قاربها، قَالَ: صالح أَبُو موسى
أهل رامهرمز عَلَى ثمانمائة ألف أو تسعمائة ألف، ثُمَّ أنهم غدروا
ففتحت بعد عنوة ففتحها أَبُو موسى في آخر أيامه.
قالوا: وفتح أَبُو موسى سرق عَلَى مثل صلح رامهرمز، ثُمَّ أنهم غدروا
فوجه إليها حارثة بْن بدر الغداني في جيش كثيف فلم يفتحها، فلما قدم
عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فتحها عنوة، وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك،
وفيه يقول أَبُو الأسود الدؤلي:
أحار بْن بدر قَدْ وليت أمارة ... فكن جرزا فيها تخون وتسرق
فإن جميع الناس: إما مكذب ... يقول بما تهوى: وإما مصدق
يقولون أقوالا بظن وشبهة ... فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
ولا تعجزن فالعجز أسوء عادة ... فحظك من مال العراقين سرق
(1/368)
فلما بلغ الشعر حارثة قَالَ:
جزاك إله الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا
أمرت بحزم لو أمرت بغيره ... لألفيتني فيه لأمرك عاصيا
قَالُوا: وسار أَبُو موسى إِلَى تستر وبها شوكة العدو وحدهم، فكتب
إِلَى عُمَر يستمده، فكتب عُمَر إِلَى عمار بْن ياسر يأمره بالمسير
إليه في أهل الكوفة فقدم عمار جرير بْن عَبْد اللَّهِ البجلي، وسار
حَتَّى تستر، وعلى ميمنته يعني ميمنة أَبِي موسى البراء بْن مَالِك أخو
أنس بْن مَالِك، وعلى ميسرته مجزأة بْن ثور السدوسي، وعلى الخيل أنس
بْن مَالِك، وعلى ميمنة عمار البراء بْن عازب الأنصاري، وعلى ميسرته
حذيفة بْن اليمان العبسي، وعلى خيلة قرظة بْن كعب الأنصاري، وعلى
رجالته النعمان بْن مقرن المزني، فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا، وحمل
أهل البصرة وأهل الكوفة حتى بلغوا ناب تستر فضاربهم البراء بْن مَالِك
عَلَى الباب حَتَّى استشهد رحمه اللَّه ودخل الهرمزان وأصحابه المدينة
بشر حال، وقد قتل منهم في المعركة تسعمائة وأسر ستمائة ضربت أعناقهم
بعد وكان الهرمزان من أهل مهرجا نقذف، وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم،
ثُمَّ أن رجلا منَ الأعاجم استأمن إِلَى المسلمين على أن يدلهم عَلَى
أن يدلهم عَلَى عورة المشركين فأسلم واشترط أن يفرض لولده ويفرض له،
فعاقده أَبُو موسى عَلَى ذلك، ووجه رجلا من شيبان يقال له أشرس بْن عوف
فخاض به دجيل عَلَى عرق من حجارة ثُمَّ علا به المدينة وأراه الهرمزان،
ثُمَّ رده إِلَى العسكر، فندب أَبُو موسى أربعين رجلا مع مجزأة بْن ثور
وأتبعهم مائتي رجل وذلك في الليل والمستأمن يقدمهم فأدخلهم المدينة،
فقتلوا الحرس وكبروا على سور المدينة فلما سمع ذلك الهرمزان هرب إِلَى
قلعته وكانت موضع خزانته وأمواله، وعبر أَبُو موسى حين أصبح حَتَّى دخل
المدينة فاحتوى عليها، وقال الهرمزان
(1/369)
ما دل العرب عَلَى عورتنا إلا بعض من معنا
ممن رأى إقبال أمرهم وإدبار أمرنا، وجعل الرجل منَ الأعاجم يقتل أهله
وولده ويلقيهم في دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب، وطلب الهرمزان
الأمان وأبى أَبُو موسى أن يعطيه ذلك إلا عَلَى حكم عُمَر فنزل عَلَى
ذلك، وقتل أَبُو موسى من كان في القلعة ممن لا أمان له وحمل الهرمزان
إِلَى عُمَر فاستحياه وفرض له، ثُمَّ أنه اتهم بممالأة أَبِي لؤلؤة
عَبْد المغيرة بْن شعبة عَلَى قتل عُمَر رضي اللَّه عنه فقال عُبَيْد
اللَّه بْن عُمَر أمض بنا ننظر إِلَى فرس لي فمضى وعُبَيْد اللَّه خلفه
فضربه بالسيف وهو غافل فقتله.
حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن معاوية عن حميد
عن أنس، قَالَ حاصرنا تستر فنزل الهرمزان فكنت الَّذِي أتيت به إِلَى
عُمَر بعث بي أَبُو موسى فقال له عُمَر: تكلم فقال: أكلام حي أم كلام
ميت، فقال: تكلم لا بأس فقال الهرمزان: كنا معشر العجم ما خلى الله
بيننا وبينكم نقضيكم ونقلتكم فلما كان اللَّه معكم لم يكن لنا بكم
يدان، فقال عُمَر: ما تقول يا أنس، قلت تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا
كلبا، فإن قتلته بئس القوم منَ الحياة فكان أشد لشوكتهم وان استحييته
طمع القوم في الحياة، فقال عُمَر: يا أنس سبحان اللَّه، قاتل البراء
بْن مَالِك، ومجزأة بْن ثور السدوسي، قلت: فليس لك إِلَى قتله سبيل،
قَالَ: ولم أعطاك أصبت منه، قلت: ولكنك قلت له لا بأس فقال: متى لتجيئن
معك بمن شهد وإلا بدأت بعقوبتك، قَالَ:
فخرجت من عنده فإذا الزبير بْن العوام قَدْ حفظ الَّذِي حفظت فشهد لي
فخلى سبيل الهرمزان فأسلم وفرض له عُمَر.
وحدثني اسحق بْن أَبِي إسرائيل، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن المبارك عَنِ
ابن جريج عن عطاء الخراساني، قَالَ: كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت
فسار إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري فلم يزالوا في
أيدي سادتهم حَتَّى كتب عُمَر خلوا ما في أيديكم.
(1/370)
قال: وسار أبو موسى إلى جنديسابور وأهلها
منخوبون فطلبوا الأمان فصالحهم عَلَى أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه
ولا يعرض لأموالهم سوى السلاح ثُمَّ أن طائفة من أهلها توجهوا إِلَى
الكلبانية، فوجه إليهم أَبُو موسى الربيع بْن زياد فقتلهم وفتح
الكلبانية، واستأمنت الأساورة فأمنهم أَبُو موسى فأسلموا، ويقال، إنهم
استأمنوا قبل ذلك فلحقوا بأبي موسى وشهدوا تستر والله أعلم.
وحدثني عُمَر بْن حفص العمري عن أَبِي حذيفة عن أَبِي الأشهب عن أَبِي
رجاء، قَالَ: فتح الربيع بْن زياد الثيبان من قبل أَبِي موسى عنوة
ثُمَّ غدروا ففتحها منجوف بْن ثور السدوسي، قَالَ: وكان مما فتح عَبْد
اللَّهِ بْن عَامِر سنبيل والزط، وكان أهلهما قَدْ كفروا، فاجتمع إليهم
أكراد من هَذِهِ الأكراد، وفتح أيذج بعد قتال شديد، وفتح أَبُو موسى
السوس وتستر ودورق عنوة، وقال المدائني: فتح ثات ابن ذي الحرة الحميري
قلعة ذي الرناق.
حدثني المدائني عن أشياخه وعمر بْن شبة عن مجالد بْن يَحْيَى أن مصعب
بْن الزبير: ولى مطرف بْن سيدان الباهلي أحد بني جاوة شرطته في بعض
أيام ولايته العراق لأخيه عَبْد اللَّهِ بْن الزبير فأتى مطرف بالنابي
بْن زياد بْن ظبيان أحد بني عائش بْن مَالِك بْن تيم اللَّه بْن ثعلبة
بْن عكابة وبرجل من بني نمير قطعا الطريق فقتل النابي وضرب النميري
بالسياط وتركه، فلما عزل مطرف عَنِ الشرطة وولى الأهواز جمع عبيد الله
بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده فالتقيا فتواقفا وبينهما نهر فعبر
مطرف بن سيدان فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله فبعث مصعب مكرم بن مطرف في
طلبه، فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف اليوم بعسكر مكرم فلم يلق بن
ظبيان ولحق بن ظبيان بعبد الملك بن مروان وقاتل معه مصعبا فقتله واحتز
رأسه، ونسب
(1/371)
عسكر مكرم إلى مكرم بن مطرف هذا، قال
البعيث السكري.
سقينا ابن سيدان بكأس روية ... كفتنا وخير الأمر ما كان كافيا
ويقال أيضا أن عسكر مكرم إنما نسب إِلَى مكرم بْن الفزر أحد بني جعونة
بْن الحارث بْن نمير وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بْن بأس حين عصى
ولحق بأيذج وتحصن في قلعة تعرف به، فلما طال عَلَيْهِ الحصار نزل
مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك، فظفر به مكرم ومعه درتان في قلنسوته
فأخذه وبعث به إِلَى الحجاج فضرب عنقه.
وذكروا: أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها البناء بعد، ثُمَّ
لم يزل يزاد فيه حَتَّى كثر فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم وهو اليوم مصر
جامع.
وحدثني أَبُو مَسْعُود عن عوانة، قَالَ ولى عَبْد اللَّهِ بْن الزبير
البصرة حَمْزَة ابن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير فخرج إِلَى الأهواز، فلما
رأى جبلها قَالَ: كأنه قيقعان، وقال الثوري الأهواز سمى بالفارسية هو
زمسير، وإنما سميت الأخواز فغيرها الناس، فقالوا: الأهواز، وأنشد
الأعرابي:
لا ترجعني إلى الأخواز ثانية ... وقعقعان الَّذِي في جانب السوق
ونهر بط الَّذِي أمسى يؤرقني ... فيه البعوض بلسب غير تشفيق
فما الَّذِي وعدته نفسه طمعا ... منَ الحصيني أو عَمْرو بمصدوق
وقال نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط فقالت العامة: نهر بط كما
قَالُوا: دار بطيخ، وسمعت من يقول: أن النهر كان لامرأة تسمى البطئة
فنسب إليها ثُمَّ حذف.
حدثني مُحَمَّد بْن سَعْد عَنِ الواقدي عن مُحَمَّد بن اللَّهِ عَنِ
الزهري، قَالَ:
افتتح عُمَر السواد والأهواز عنوة فسئل عُمَر قسمة ذلك، فقال: فما لمن
جاء منَ المسلمين بعدنا فأقرهم عَلَى منزلة أهل الذمة.
(1/372)
وحدثني المدائني عن علي بْن حَمَّاد وسحيم
بْن حفص وغيرهما، قَالُوا قَالَ أَبُو المختار يزيد بْن قيس بْن يزيد
بْن الصعق كلمة رفع فيها عَلَى عمال الأهواز وغيرهم إِلَى عُمَر بْن
الخطاب رضي اللَّه عنه.
أبلغ أمير الْمُؤْمِنِين رسالة ... فأنت أمين اللَّه في النهي والأمر
وأنت أمين اللَّه فينا، ومن يكن ... أمينا لرب العرش يسلم له صدري
فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى ... يسيغون مال اللَّه في الآدم الوفر
فأرسل إِلَى الحجاج فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إِلَى بشر
ولا تنسين النافعين كليهما ... ولا ابن غلاب من سراة بني نَصْر
وما عاصم منها بصفر عيابه ... وذاك الَّذِي في السوق مولى بني بدر
وأرسل إِلَى النعمان واعرف حسابه ... وصهر بني غزوان أني لذو خبر
وشبلا فسله المال وابن محرش ... فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر
فقاسمهم أهلي فداؤك أنهم ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة: أنني ... أغيب ولكني أرى عجب الدهر
نؤوب إذا آبوا ونغزوا إذا غزوا ... فإني لهم وفر: ولسنا أولي وفر
إذا التاجر الداري جاء بفارة ... منَ المسك راحت في مفارقهم تجري
فقاسم عُمَر هؤلاء الَّذِينَ ذكرهم أَبُو المختار شطر أموالهم حَتَّى
أخذ نعلا وترك نعلا، وكان فيهم أَبُو بكرة، فقال: إني لم آل لك شيئا،
فقال له: أخوك عَلَى بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به
فأخذ منه عشرة آلاف، ويقال: قاسمه شطر ماله، وقال الحجاج الَّذِي ذكره
الحجاج بْن عتيك الثقفي وكان عَلَى الفرات وجزء بْن معاوية عم الأحنف
كان عَلَى سرق، وبشر ابن المحتفز كان على جنديسابور، والنافعان نفيع
أبو بكرة ونافع بن الحرث ابن كلدة أخوه، وابن غلاب خَالِد بْن الحرث من
بني دهمان كان عَلَى بيت
(1/373)
المال بأصبهان وعاصم بْن قيس بْن الصلت السلمي كان عَلَى مناذر والذي
في السوق سمرة بْن جندب عَلَى سوق الأهواز، والنعمان بْن عدي بْن نضلة
بْن عَبْد العزى بْن حرثان أحد بني عدي بْن كعب بْن لؤي كان عَلَى كور
دجلة، وهو الَّذِي يقول:
من مبلغ الحسناء أن خليلها ... بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... وصناجة تجذو عَلَى كل منسم
لعل أمير الْمُؤْمِنِين يسوءه ... تنادمنا بالجوسق المنهدم
فلم بلغ عُمَر شعره، قَالَ: إي والله إنه ليسوءني ذلك وعزله، وصهر بني
غزوان مجاشع بْن مَسْعُود السلمي كانت عنده بنت عتبة بْن غزوان وكان
عَلَى أرض البصرة وصدقاتها، وشبل بْن معبد البجلي ثُمَّ الأحمسي كان
عَلَى قبض المغانم، وابن محرش أَبُو مريم الحنفي كان عَلَى رام هرمز،
قَالَ عوسجة ابن زياد الكاتب أقطع الرشيد أمير الْمُؤْمِنِين عُبَيْد
اللَّه بْن المهدي مزارعة الأهواز فدخل فيها شبهة فرفع في ذلك قوم
إِلَى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها، فما لم تكن فيه شبهة
أنفذ وما شك فيه سمى المشكوك فيه وذلك معروف بالأهواز. |