فتوح البلدان
فتح كور فارس وكرمان
قَالُوا: كان العلاء بْن الحضرمي وهو عامل عمر بن الخطاب عَلَى البحرين
وجه هرثمة بْن عرفجة البارقي منَ الأزد، ففتح جزيرة في البحر مما يلي
فارس، ثُمَّ كتب عُمَر إِلَى العلاء أن يمد به عتبة بْن فرقد السلمي
ففعل، ثُمَّ لما ولى عُمَر عُثْمَان بن أبى العاصي الثقفي البحرين
وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما وجه أخاه الحكم بن أبى العاصي في
البحر إِلَى فارس في جيش عظيم من عَبْد القيس والأزد وتميم وبني ناجية
وغيرهم، ففتح جزيرة أبر كاوان، ثُمَّ صار إِلَى
(1/374)
توج وهي من أرض أردشير خره، ومعنى أردشير
خره بهاء أردشير، وفي رواية أَبِي مخنف: أن عثمان بن أبى العاصي نفسه
قطع البحر إِلَى فارس فنزل توج ففتحها وبنى بها المساجد وجعلها دارا
للمسلمين وأسكنها عَبْد القيس وغيرهم فكان يغير منها عَلَى أرجان وهي
متاخمة لها، ثُمَّ أنه شخص عن فارس إِلَى عمان والبحرين لكتاب عُمَر
إليه في ذلك واستخلف أخاه الحكم، وقال غير أَبِي مخنف: أن الحكم فتح
توج وأنزلها المسلمين من عَبْد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة، وقالوا: أن
شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس واشتد
عَلَيْهِ وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم عَلَى كل من لقوه من عدوهم
فجمع جمعا عظيما وسار بنفسه حَتَّى أتى راشهر من أرض سابور وهي بقرب
توج، فخرج إليه الحكم بن أبى العاصي وعلى مقدمته سوار بْن همام العبدي
فاقتتلوا قتالا شديدا وكان هناك واد قَدْ وكل به شهرك رجلا من نقابه في
جماعة وأمره أن لا يجتازه هارب من أصحابه إلا قتله فأقبل رجل من شجعاء
الأساورة موليا منَ المعركة، فأراد الرجل قتله، فقال له: لا تقتلني
فإنما نقاتل قوما مَنْصُورين: اللَّه معهم، ووضع حجرا فرماه ففلقه،
ثُمَّ قَالَ: أترى هَذَا السهم الَّذِي فلق الحجر والله ما كان ليخدش
بعضهم لو رمي به، قَالَ: لا بد من قتلك: فبينا هُوَ في ذلك إذ أتاه
الخبر بقتل شهرك وكان الَّذِي قتله سوار ابن همام العبدي حمل عَلَيْهِ
فطعنه فأرداه عن فرسه وضربه بسيفه حَتَّى فاضت نفسه وحمل ابن شهرك
عَلَى سوار فقتله، وهزم اللَّه المشركين وفتحت راشهر عنوة، وكان يومها
في صعوبته وعظيم النعمة عَلَى المسلمين فيه كيوم القادسية وتوجه بالفتح
إِلَى عُمَر بْن الخطاب عَمْرو بْن الأهتم التميمي، فقال:
جئت الإمام بإسراع لأخبره ... بالحق من خبر العبدي سوار
أخبار أروع ميمون نقيبته ... مستعمل في سبيل اللَّه مغوار
(1/375)
وقال بعض أهل توج: أن توج مصرت بعد مقتل
شهرك والله أعلم، قَالُوا: ثُمَّ أن عُمَر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه
كتب إلى عثمان بن أبى العاصي في إتيان فارس فخلف عَلَى عمله أخاه
المغيرة، ويقال: هو حفص بن أبى العاصي وكان جزلا وقدم توج فنزلها فكان
يغزو منها ثُمَّ يعود إليها، وكتب عُمَر إِلَى أَبِي موسى وهو بالبصرة
يأمره أن يكانف عثمان بن أبى العاصي ويعاونه فكان يغزو فارس منَ البصرة
ثُمَّ يعود إليها، وبعث عثمان بن أبى العاصي هرم بْن حيان العبدي إِلَى
قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال. وقال بعضهم: فتح هرم
قلعة الستوج عنوة وأتى عُثْمَان جره من سابور ففتحها وأرضها بعد أن
قاتله أهلها صلحا عَلَى أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين، وفتح
عُثْمَان بْن أبى العاصي كازرون من سابور وغلب عَلَى أرضها، وفتح
عُثْمَان النوبندجان من سابور أيضا وغلب عليها واجتمع أبو موسى وعثمان
بن أبى العاصي في آخر خلافة عُمَر رضي اللَّه عنه ففتحا أرجان صلحا
عَلَى الجزية والخراج وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره عَلَى أن
يكونوا ذمة يؤدون الخراج إلا من أحب منهم الجلاء ولا يقتلوا ولا
يستعبدوا، وفتحا سينيز من أرض أردشير خره وترك أهلها عمارا للأرض، وفتح
عُثْمَان حصن جنابا بأمان، وأتى عثمان بن أبى العاصي درابجرد، وكانت
شادر وأن علمهم ودينهم وعليها الهربذ فصالحه الهربذ عَلَى مال أعطاه
إياه وعلى أن أهل درابجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس، واجتمع
له جمع بناحية جهرم ففضهم، وفتح أرض جهرم، وأتى عُثْمَان فصالحه عظيمها
عَلَى مثل صلح درابجرد، ويقال أن الهربذ صالح عليها أيضا، وأتى عثمان
بن أبى العاصي مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال فى سنة أربع
وعشرين قبل أن تأنى أَبَا موسى ولايته البصرة من قبل عُثْمَان بْن
عَفَّان فوجد أهلها هائبين للمسلمين ورأى أخو شهرك
(1/376)
في منامه كأن رجلا منَ العرب دخل عَلَيْهِ
فسلبه قميصه فنخب ذلك قلبه فامتنع قليلا ثُمَّ طلب الأمان والصلح،
فصالحه عُثْمَان عَلَى أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه، وعلى أن تكون له ذمة
ويعجل مالا. ثُمَّ أن أهل سابور نقضوا وغدروا ففتحت في سنة ست وعشرين
فتحها عنوة أَبُو موسى وعلى مقدمته عثمان ابن أبى العاصي.
وقال معمر بْن المثنى وغيره: كان عُمَر بْن الخطاب أمر أن يوجه الجارود
العبدي سنة اثنتين وعشرين إِلَى قلاع فارس فلما كان بَيْنَ جره وشيراز
تخلف عن أصحابه فى عقبة هناك سحرا لحاجته ومعه أدوات فأحاطت به جماعة
منَ الأكراد فقتلوه فسميت تلك العقبة عقبة الجارود.
قَالُوا: ولما ولي عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز البصرة من قبل
عُثْمَان بْن عَفَّان بعد أَبِي موسى الأشعري سار إِلَى اصطخر في سنة
ثمان وعشرين فصالحه ماهك عن أهلها، ثُمَّ خرج يريد جور، فلما فارقها
نكثوا وقتلوا عامله عليهم، ثُمَّ لما فتح جور كر عليهم ففتحها،
قَالُوا: وكان هرم بْن حيان مقيما على جور وهي مدينة أردشير خره، وكان
المسلمون يعانونها ثُمَّ ينصرفون عنها فيعاونون إصطخر ويفزون نواحي
كانت تنتقض عليهم، فلما نزل ابن عَامِر بها قاتلوه ثُمَّ تحصنوا ففتحها
بالسيف عنوة، وذلك في سنة تسع وعشرين وفتح ابن عَامِر أيضا السكاريان
وفشجاتن، وهي الفيشجان من درابجرد ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ
وانتقضتا.
وحدثني جماعة من أهل العلم: أن جور غزيت عدة سنين فلم يقدر عليها
حَتَّى فتحها ابن عَامِر، وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات
ليلة وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم، فجاء كلب فجره وعدا به حَتَّى
دخل المدينة من مدخل لها خفى فظاهر المسلمون بذلك المدخل حَتَّى دخلوا
منه وفتحوها،
(1/377)
قالوا: ولما فرغ عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر
من فتح جور كر عَلَى أهل اصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد ورمى
بالمناجيق وقتل بها منَ الأعاجم أربعين ألفا وأفنى أكثر أهل البيوتات
ووجوه الأساورة، وكانوا قَدْ لجأوا إليها، وبعض الرواة يقول أن ابن
عَامِر رجع إِلَى اصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها ثُمَّ صار إِلَى جور
وعلى مقدمته هرم بْن حيان ففتحها، وروى الْحَسَن بْن عُثْمَان الزيادي
أن أهل اصطخر غدروا في ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاس رضي اللَّه
عنهما العراق لعلي رضي اللَّه عنه ففتحها.
وحدثني العَبَّاس بْن هِشَام عن أبيه عن أَبِي مخنف، قَالَ: توجه ابن
عَامِر إِلَى اصطخر، ووجه عَلَى مقدمته عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي
فاستقبله أهل اصطخر برامجرد فقاتلهم فقتلوه فدفن فى بستان برامجرد،
وبلغ ابن عَامِر الخبر فأقبل مسرعا حَتَّى واقعهم وعلى ميمنته أَبُو
برزة نضلة بْن عَبْد اللَّهِ الأسلمي، وعلى ميسرته معقل بْن يسار
المزني، وعلى الخيل عِمْرَان بْن الحصين الخزاعي وعلى الرجال خَالِد
بْن المعمر الذهبي فقاتلهم فهزمهم حَتَّى أدخلهم اصطخر وفتحها اللَّه
عنوة، فقتل فيها نحوا من مائة ألف وأتى درابجرد ففتحها وكانت منتقضة
ثُمَّ وجه إلى كرمان.
حدثني عمر الناقد، قَالَ: حَدَّثَنَا مروان بْن معاوية الفزاري عن عاصم
الأحول عن فضيل بْن زيد الرقاشي، قَالَ: حاصرنا شهرياج شهرا جرارا وكنا
ظننا إنا سنفتحها في يومنا فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إِلَى معسكرنا
وتخلف عَبْد مملوك منافرا ظنوه فكتب لهم أمانا ورمى به إليهم في سهم،
قَالَ: فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم، فقالوا: هَذَا أمانكم، فكتبنا
بذلك إِلَى عُمَر فكتب إلينا أن العبد المسلم منَ المسلمين ذمته كذمتهم
فلينفذ أمانه فأنفذناه.
وحدثني الْقَاسِم بْن سلام، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النضر عن شعبة عن
عاصم
(1/378)
عن الفضيل، قال: كنا مصافي العدو بسيراف
ثُمَّ ذكر نحو ذلك. وحدثنا سعدويه، قَالَ: حَدَّثَنَا عباد بْن العوام
عن عاصم الأحول عَنِ الفضيل بْن زيد الرقاشي، قَالَ: حاصر المسلمون
حصنا فكتب عَبْد أمانا ورمى به إليهم في مشقص فقال المسلمون: ليس أمانه
بشيء، فقال القوم: لسنا نعرف الحر منَ العبد، فكتاب بذلك إِلَى عُمَر،
فكتب أن عَبْد المسلمين منة ذمته ذمتهم.
وأخبرني بعض أهل فارس: أن حصن سيراف يدعى سوريانج فسمته العرب شهرياج،
وبفسا قلعة تعرف بخرشة بْن مَسْعُود من بني تميم، ثُمَّ من بني شقرة
كان مع ابن الأشعث فتحصن في هَذِهِ القلعة، ثُمَّ أو من فمات بواسط وله
عقب بفسا.
وأما كرمان فام عثمان بن أبى العاصي الثقفي لقي مرزبانها في جزيرة
ابركاوان وهو في خف فقتله فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم فلما صارا
ابن عَامِر إِلَى فارس وجه مجاشع بْن مَسْعُود السلمي إِلَى كرمان في
طلب يزدجرد، فأتى بيمنذ فهلك جيشه بها، ثُمَّ لما توجه ابن عَامِر يريد
خراسان ولى مجاشعا كرمان ففتج بيمنذ عنوة واستبقى أهلها وأعطاهم أمانا
وبها قصر يعرف بقصر مجاشع، وفتح مجاشع بروخروة وأتى الشيرجان وهي مدينة
كرمان وأقام عليها أياما يسيرة وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل
فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلا، ثُمَّ أن كثيرا من أهلها جلوا
عنها، وقد كان أَبُو موسى الأشعري وجه الربيع بْن زياد ففتح ما حول
الشيرجان وصالح أهل بم والاندغار، فكفر أهلها ونكثوا، فافتتحها مجاشع
بْن مَسْعُود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها، وأتى القفص وتجمع
له بهرموز خلق ممن جلا منَ الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم، وهرب
كثير من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وأتى بعضهم
(1/379)
سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وارضيهم
فعمروها وأدوا العشر فيها واحتفروا القنى في مواضع منها، وولى الحجاج
قطعن بْن قبيصة بْن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو الَّذِي انتهى إِلَى
نهر فلم يقدر أصحابه عَلَى إجازته، فقال: من جاز فله ألف درهم فجازوه
فوفى لهم فكان ذلك أول يوم سميت الجائزة فيه، قَالَ الشاعر وهو الجحاف
بن حكيم:
فدى للأكرمين بني هلال ... على علاتهم أهلي ومالي
هم سنوا الجوائز في معد ... فصارت سنة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان ... وعشر حين تختلف العوالي
وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وفي قطن يقول الشاعر:
كم من أمير قَدْ أصبت حباءه ... وآخر حظي منَ إمارته الحزن
فهل قطن إلا كمن كان قبله ... فصبرا عَلَى ما جاء يوما به قطن
قَالُوا: وكان ابن زياد ولى شريك بْن الأعور الحارثي- وهو شريك بْن
الحارث- كرمان، وكتب ليزيد بْن زياد بْن ربيعة بْن مفرغ الحميري إليه
فأقطعه أرضا بكرمان فباعها بعد هرب بْن زياد منَ البصرة، وولى الحجاج
الحكم بْن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس فبنى مَسْجِد أرجان
ودار أمارتها
.
(1/380)
فتح سجستان وكابل
حدثني علي بْن مُحَمَّد وغيره أن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز
بْن ربيعة بْن حبيب بْن عَبْد شمس توجه يريد خراسان سنة ثلاثين فنزل
بعسكره شق الشيرجان من كرمان ووجه الربيع بْن زياد بْن أنس بْن الديان
الحارثي إِلَى سجستان فسار حَتَّى نزل الفهرج، ثُمَّ قطع المفازة، وهي
خمسة وسبعون فرسخا، فأتى رستاق زالق وبين زالق وبين سجستان خمسة فراسخ
وزالق حصن، فأغار عَلَى أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه فافتدى نفسه
بأن ركز عنزة ثُمَّ غمرها ذهبا وفضة وصالح الدهقان عَلَى حقن دمه.
وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى صالحه عَلَى أن يكون بلده كبعض ما
افتتح من بلاد فارس وكرمان، ثُمَّ أتى قرية يقال لها: كركويه عَلَى
خمسة أميال من زالق فصالحوه ولم يقاتلوه، ثُمَّ نزل رستاقا يقال له
هيسون فأقام له أهله النزل وصالحوه عَلَى غير قتال، ثُمَّ أتى زالق
وأخذ الأدلاء منها إِلَى زرنج وسار حَتَّى نزل الهندمند، وعبر واديا
يترع منه يقال له نوق وأتى ذوشت وهي من زرنج عَلَى ثلثي ميل فخرج إليه
أهلها فقاتلوه قتالا شديدا وأصيب رجال منَ المسلمين، ثُمَّ كر المسلمون
وهزموهم حَتَّى اضطروهم إِلَى المدينة بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة،
ثُمَّ أتى الربيع ناشروز وهي قرية فقاتل أهلها وظفر بهم وأصاب بها
عَبْد الرَّحْمَنِ أَبَا صالح بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الذي كتب للحجاج
مكان زادانفروخ ابن نيري، وولى خراج العراق لسُلَيْمَان بْن عَبْد
الملك وأمه فاشترته امرأة من بني تميم ثُمَّ من بني مرة بْن عُبَيْد
بْن مقاعس بْن عَمْرو بْن كعب بْن سَعْد ابن زيد مناة بْن تميم يقال
لها عبلة، ثُمَّ مضى من ناشروذ إِلَى شرواذ وهي قرية فغلب عليها وأصاب
بها جد إِبْرَاهِيم بْن بسام فصار لابن عمير
(1/381)
الليثي، ثُمَّ حاصر مدينة زرنج بعد أن
قاتله أهلها فبعث إليه أبرويز مرزبانها يستأمنه ليصالحه فأمر بجسد من
أجساد القتلى فوضع له فجلس عَلَيْهِ واتكأ عَلَى آخر وأجلس أصحابه
عَلَى أجساد القتلى، وكان الربيع آدم أفوه طويلا فلما رآه المرزبان
هاله فصالحه عَلَى ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب ودخل الربيع المدينة
ثُمَّ أتى سناروذ وهو واد فعبره وأتى القريتين، وهناك مربط فرس رستم
فقاتلوه فظفر، ثُمَّ قدم زرنج فأقام بها سنتين، ثُمَّ أتى ابن عَامِر
واستخلف بها رجلا من بني الحارث بْن كعب فاخرجوه وأغلقوها، وكانت ولاية
الربيع سنتين ونصفا، وسبى في ولايته هَذِهِ أربعين ألف رأس، وكان كاتبه
الْحَسَن البصري، ثُمَّ ولى ابن عَامِر عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة بْن
حبيب بْن عَبْد شمس سجستان، فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم
عيد لهم فصالحه عَلَى ألفي ألف درهم وألفي وصيف وغلب ابن سمرة عَلَى ما
بَيْنَ زرنج وكش من ناحية الهند وغلب من ناحية طريق الرخج عَلَى ما
بينه وبين بلاد الدوار، فلما انتهى إِلَى بلاد الدوار حصرهم في حبل
الزور ثُمَّ صالحهم فكانت عدة من معه منَ المسلمين ثمانية آلاف فأصاب
كل رجل منهم أربعة آلاف، ودخل عَلَى الزور وهو صنم من ذهب عيناه
ياقوتتان فقطع يده وأخذ الياقوتتين، ثُمَّ قَالَ للمرزبان: دونك الذهب
والجوهر، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع وفتح بست وزابل
بعهد.
حدثني الْحُسَيْن بْن الأسود قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيع عن حَمَّاد بْن
زيد عن يَحْيَى ابن عتيق عن مُحَمَّد بْن سيرين أنه كره سبي زابل وقال:
أن عُثْمَان ولث لهم ولثا، قَالَ وَكِيع: عقد لهم عقدا وهو دون العهد،
قَالُوا: وأتى عَبْد الرَّحْمَنِ زرنج فأقام بها حَتَّى اضطرب أمر
عُثْمَان، ثُمَّ استخلف أمير بْن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان، لأمير
يقول، زياد الأعجم:
لولا أمير هلكت يشكر ... ويشكر هلكى عَلَى كل حال
(1/382)
ثم أن أهل زرنج أخرجوا أميرا وأغلقوها،
ولما فرغ علي بْن أَبِي طالب عَلَيْهِ السلام من أمر الجمل خرج حسكة
بْن عتاب الحبطي وعمران بْن الفصيل البرجمي في صعاليك منَ العرب حَتَّى
نزلوا زالق وقد نكث أهلها، فأصابوا منها مالا، وأخذوا جد البختري الأصم
بْن مجاهد مولى شيبان، ثُمَّ أتوا زرنج وقد خافهم مرزبانها فصالحهم
ودخلوها وقال الراجز:
بشر سجستان بجوع وحرب ... بابن الفصيل وصعاليك العرب
لا فضة يغنيهم ولا ذهب
وبعث علي بْن أَبِي طالب عَبْد الرَّحْمَنِ بْن جزء الطائي إِلَى
سجستان فقتله حسكة، فقال علي: لأقتلن منَ الحبطات أربعة آلاف، فقيل له:
أن الحبطات لا يكونون خمسمائة.
وقال أَبُو مخنف: وبعث علي رضي اللَّه عنه عون بْن جعدة بْن هبيرة
المخزومي إِلَى سجستان فقتله بهدالي اللص الطائي في طريق العراق، فكتب
علي إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن العَبَّاس يأمره أن يولى سجستان رجلا في
أربعة آلاف فوجه ربعي بْن الكاس العنبري في أربعة آلاف وخرج معه الحصين
بْن أَبِي الحر واسم أَبِي الحر مَالِك بْن الخشخاش العنبري، وثات بْن
ذي الحرة الحميري، وكان عَلَى مقدمته، فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة
فقتلوه وضبط ربعي البلاد فقال راجزهم.
نحن الَّذِينَ اقتحموا سجستان ... عَلي بْن عتاب وجند الشيطان
يقدمنا الماجد عَبْد الرَّحْمَنِ ... إنا وجدنا في منير الفرقان
أن لا نوالي شيعة ابن عَفَّان
وكان ثابت يسمى عَبْد الرَّحْمَنِ، وكان فيروز حصين ينسب إِلَى حصين
ابن أَبِي الحر وهذا هُوَ من سبى سجستان، ثُمَّ لما ولى معاوية بْن
أَبِي سُفْيَان
(1/383)
استعمل ابن عَامِر عَلَى البصرة، فولى
عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة سجستان فأتاها وعلى شرطته عباد بْن الحصين
الحبطي ومعه منَ الأشراف عُمَر بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر التيمي،
وعبد اللَّه بْن خازم السلمي وقطري بْن الفجاءة، والمهلب بْن أَبِي
صفرة فكان يغزو البلد قَدْ كفر أهلها فيفتحه عنوة أو يصالح أهله حَتَّى
بلغ كابل، فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهرا وكان يقاتلهم
ويرميهم بالمنجنيق حتى ثلث ثلثة عظيمة، فبات عليها عباد بْن الحصين
ليلة يطاعن المشركين حَتَّى أصبح فلم يقدروا عَلَى سدها، وقاتل بْن
خازم معه عليها فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين فضرب بْن خازم
فيلا كان معهم فسقط عَلَى الباب الَّذِي خرجوا منه فلم يقدروا غلقه
فدخلها المسلمون عنوة، وقال أَبُو مخنف: الَّذِي عقر الفيل المهلب وكان
الْحَسَن البصري يقول: ما ظنت أن رجلا يقوم مقام ألف حَتَّى رأيت عباد
بْن الحصين.
قَالُوا: ووجه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة ببشارة الفتح عُمَر بْن
عُبَيْد اللَّه بْن معمر والمهلب بْن أَبِي صفرة، ثُمَّ خرج عَبْد
الرَّحْمَنِ فقطع وادي نسل، ثُمَّ أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة،
وسار إلى رزان فهرب أهلها غلب عليها، ثُمَّ سار إِلَى خشك فصالحه
أهلها، ثُمَّ أتى الرخج فقاتلوه فظفر بهم وفتحها، ثُمَّ سار إِلَى
ذابلستان فقاتلوه وقد كانوا نكثوا ففتحها وأصاب سبيا، وأتى كابل وقد
نكث أهلها ففتحها، ثُمَّ ولى معاوية عَبْد الرَّحْمَنِ بْن سمرة سجستان
من قبله وبعث إليه بعهده فلم يزل عليها حَتَّى قدم زياد البصرة فأقره
أشهرا ثُمَّ ولاها الربيع بْن زياد ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين
وصلى عليها زياد وهو الَّذِي قَالَ له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لا تسأل الأمارة فإنك أوتيتها عن غير مسئلة أعنت
عليها وإن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإذا حلفت عَلَى يمين فرأيت
خيرا منها فأت الَّذِي هُوَ خير وكفر عن يمينك» وكان عبد الرحمن قدم
بغلمان من سبي كابل فعملوا له مسجدا في قصره بالبصرة عَلَى بناء كابل.
(1/384)
قَالُوا: ثُمَّ جمع كابل شاه للمسلمين
وأخرج من كان منهم بكابل وجاء رتبيل فغلب عَلَى ذابلستان والرخج حَتَّى
انتهى إِلَى بست، فخرج الربيع بْن زياد في الناس فقاتل رتبيل ببست،
وهزمه واتبعه حَتَّى أتى الرخج فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور،
ثُمَّ عزل زياد بْن أَبِي سُفْيَان الربيع بْن زياد الحارثي وولى
عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة سجستان فغزا، فلما كان برزان بعث إليه
رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل عَلَى ألف ألف ومائتي ألف،
فأجابه إِلَى ذلك وسأله أن يهب له مائتي ألف تفعل فتم الصلح عَلَى ألف
ألف درهم، ووفد عُبَيْد اللَّه عَلَى زياد فأعلمه ذلك فأمضى الصلح،
ثُمَّ رجع عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة إِلَى سجستان فأقام بها إِلَى
أن مات زياد، وولى سجستان بعد موت زياد عباد بْن زياد من قبل معاوية،
ثُمَّ لما ولى يزيد بْن معاوية ولى سلم بْن زياد خراسان وسجستان فولى
سلم أخاه يزيد بن زياد سجسان، فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر
أهل كابل ونكثوا وأسروا أَبَا عُبَيْدة بْن زياد فسار إليهم يزيد بْن
زياد فقاتلهم وهم بجنزة فقتل يزيد بْن زياد وكثير ممن كان معه وانهزم
سائر الناس، وكان فيمن استشهد زيد بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مليكة
بْن عَبْد اللَّهِ بْن جدعان القرشي، وصلة بْن أشيم أَبُو الصهباء
العدوي زوج معاذة العدوية، فبعث سلم بْن زياد طلحة بْن عَبْد اللَّهِ
بْن خلف الخزاعي الَّذِي يعرف بطلحة الطلحات ففدى أَبَا عُبَيْدة
بخمسمائة ألف درهم، وسار طلحة من كابل إِلَى سجستان واليا عليها من قبل
سلم بْن زياد فجبى وأعطى زواره ومات بسجستان واستخلف رجلا من بني يشكر
فأخرجته المضرية ووقعت العصبية وغلب كل قوم عَلَى مدينتهم فطمع فيهم
رتبيل، ثُمَّ قدم عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر واليا
عَلَى سجستان من قبل القباع، وهو الحارث بْن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي
ربيعة المخزومي في أيام ابن الزبير فأدخلوه مدينة زرنج وحاربوا رتبيل
فقتله أبو عفراء
(1/385)
عمير المازني وانهزم المشركون، وأرسل عَبْد
الْعَزِيزِ بْن ناشرة التميمي إِلَى عَبْد الْعَزِيزِ أن خذ جميع ما في
بيت المال وانصرف ففعل، وأقبل ابن ناشرة حَتَّى دخل زرنج ومضى وَكِيع
بْن أَبِي سود التميمي فرد عَبْد الْعَزِيزِ وأدخله المدينة حين فتحت
للحطابين وأخرج بْن ناشرة فجمع جمعا فقاتله عَبْد الْعَزِيزِ ابن عَبْد
اللَّهِ ومعه وَكِيع فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل، فقال أَبُو حزابة،
ويقال حنظلة بْن عرادة.
ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى ... ولا شيء إلا قَدْ تولى وأدبرا
أكان حصادا للمنايا ازدرعنه ... فهلا تركن النبت ما كان أخضرا
فتى حنظلي ما تزال يمينه ... تجود بمعروف وتنكر منكرا
لعمري: لقد هدت قريش عروشنا ... بأروع نفاح العشيات أزهرا
واستعمل عَبْد الملك بْن مروان أمية بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن
أسيد بْن أَبِي العيص عَلَى خراسان فوجه ابنه عَبْد اللَّهِ بْن أمية
عَلَى سجستان وعقد له عليها وهو بكرمان، فلما قدمها غزا رتبيل الملك
بعد رتبيل الأول المقتول، وقد كان هاب المسلمين فصالح عَبْد اللَّهِ
حين نزل بست عَلَى ألف ألف ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق فأبى قبول ذلك،
وقال: إن ملأ لي هَذَا الرواق ذهبا وإلا فلا صلح بيني وبينه، وكان غزاء
فخلى له رتبيل البلاد حتى إذا أو غل فيها أخذ عَلَيْهِ الشعاب والمضايق
وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئا فأبى ذلك وقال: بل تأخذ
ثلاثمائة ألف درهم صلحا وتكتب لنا بها كتابا ولا تغزو بلاد ناما كنت
آليا ولا تحرق ولا تخرب ففعل، وبلغ عَبْد الملك بْن مروان ذلك فعزله،
ثُمَّ ولما ولى الحجاج بْن يوسف العراق وجه عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي
بكرة إِلَى سجستان فحار ووهن، وأتى الرخج وكانت البلاد مجدبة فسار
حَتَّى نزل بالقرب من كابل وانتهى إِلَى شعب فاخذه عَلَيْهِ العدو
ولحقهم رتبيل فصالحهم عُبَيْد اللَّه عَلَى أن
(1/386)
يعطوه خمسمائة ألف درهم ويبعث إليه بثلاثة
من ولده نهار والحجاج وأبى بكرة رهناء ويكتب لهم كتابا أن لا يغزوهم ما
كان واليا، فقال له شريح بْن هانئ الحارثي: اتق اللَّه وقاتل هؤلاء
القوم فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الإسلام بهذا الثغر، وكنت
قَدْ فررت منَ الموت الَّذِي إليه مصيرك فاقتتلوا وحمل شريح فقتل وقاتل
الناس فأفلتوا وهم مجهودون وسلكوا مفازة بست فهلك كثير منَ الناس عطشا
وجوعا ومات عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم،
ويقال أنه اشتكى أذنه فمات واستخلف عَلَى الناس ابنه أَبَا برذعة،
ثُمَّ أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُحَمَّد بْن الأشعث خلع وخرج إِلَى
سجستان مخالفا لعبد الملك بْن مروان والحجاج فهادن رتبيل وصار إليه،
ثُمَّ أن رتبيل أسلمه خوفا منَ الحجاج، وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى
نفسه فوق جبل ويقال من فوق سطح وسقط معه الَّذِي كان يحفظه وكان قَدْ
سلسل نفسه معه فمات، فأتى الحجاج برأسه فصالح الحجاج رتبيل عَلَى أن لا
يغزوه سبع سنين، ويقال تسع سنين عَلَى أن يؤدي بعد ذلك في كل سنة
بتسعمائة ألف درهم عروضا، فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بْن بشر
الكلبي سجستان فعاسر رتبيل في العرض الَّتِي أداها فكتب إِلَى الحجاج
يشكوه إليه فعزله الحجاج.
قَالُوا: ثُمَّ لما ولي قتيبة بْن مُسْلِم الباهلي خراسان وسجستان في
أيام الوليد ابن عَبْد الملك ولى أخاه عَمْرو بْن مُسْلِم سجستان فطلب
الصلح من رتبيل دراهم مدرهمة فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق
عَلَيْهِ الحجاج منَ العروض، فكتب عَمْرو بذلك إِلَى قتيبة فسار قتيبة
إِلَى سجستان، فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه أنا لم نخلع يدا منَ
الطاعة وإنما فارقتمونا عَلَى عروض فلا تظلمونا، فقال قتيبة للجند:
اقبلوا منه العروض فإنه ثغر مشئوم فرضوا بها، ثُمَّ انصرف قتيبة إِلَى
خراسان بعد أن ذرع زرعا في أرض زرنج لييأس العدو من
(1/387)
انصرافه فيذعن له فلما حصد ذلك الزرع منعت
منه الأفاعي فأمر به فاحرق واستخلف قتيبة عَلَى سجستان ابن عَبْد
اللَّهِ بْن عمير الليثي أخي عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر لأمه، ثُمَّ ولى
سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وولى يزيد بْن المهلب العراق فولى يزيد
مدرك بْن المهلب أخاه سجستان فلم يعطه رتبيل شيئا، ثم ولى معاوية بن
يزيد فرضخ له ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك فلم يعط رتبيل عماله
شيئا، قَالَ ما فعل قوم كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه منَ
الصلاة نعالهم خوص، قَالُوا:
انقرضوا، قال: أولئك أو فى منكم عهدا وأشد بأسا، وإن كنتم أحسن منهم
وجوها، وقيل له ما بالك كنت تعطي الحجاج الإتاوة ولا تعطيناها، فقال:
كان الحجاج رجلا لا يظفر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه
درهم وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه
عشرة، ثُمَّ لم يعط أحدا من عمال بني أمية ولا عمال أَبِي مسلم عَلَى
سجستان من تلك الإتاوة شيئا.
قَالُوا: ولما استخلف المَنْصُور أمير الْمُؤْمِنِين ولى معن بْن زائدة
الشيباني سجستان فقدمها وبعث عماله عليها وكتب إِلَى رتبيل يأمره بحمل
الإتاوة الَّتِي كان الحجاج صالح عليها، فبعث بابل وقباب تركية ورقيق
وزاد في قيمة ذلك للواحد ضعفه، فغضب معن وقصد الرخج وعلى مقدمته يزيد
بْن مزيد فوجد رتبيل قَدْ خرج عنها ومضى إِلَى ذابلستان ليصيف بها،
ففتحها وأصاب سبايا كثيرة، وكان فيهم فرج الرخجي وهو صبي وأبوه زياد
فكان فرج يحدث أن معنا رأي غبارا ساطعا أثارته حوافر حمير وحشية فظن أن
جيشا قَدْ أقبل نحوه ليحاربه ويتخلص السبي والأسرى من يده فوضع السيف
فيهم فقتل منهم عدة كثيرة ثُمَّ أنه تبين أمر الغبار ورأى الحمير
فأمسك، وقال فرج: لقد رأيت أَبِي حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى
علي وهو يقول اقتلوني ولا تقتلوا ابني.
قالوا: وكانت عدة من سبي وأسر زهاء ثلاثين ألفا فطلب ماوند خليفة
(1/388)
رتبيل الأمان عَلَى أن يحمله إِلَى أمير
الْمُؤْمِنِين، فآمنه وبعث به إِلَى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلهم
فأكرمه المَنْصُور وفرض له وقوده، قَالُوا: وخاف معن الشتاء وهجومه
فانصرف إِلَى بست، وأنكر قوم منَ الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلة كانوا
يبنون في منزله بناء، فلما بلغوا التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في
حزم القصب ثُمَّ دخلوها عَلَيْهِ قبته وهو يحتجم ففتكوا به وشق بعضهم
بطنه بخنجر كان معه، وقال أحدهم وضربه عَلَى رأسه أَبُو الغلام الطاقي
والطاق رستاق بقرب زرنج فقتلهم يزيد بْن مزيد فلم ينج منهم أحد، ثُمَّ
أن يزيد قام بأمر سجستان، واشتدت عَلَى العرب والعجم من أهلها وطأته
فاحتال بعض العرب فكتب عَلَى لسانه إِلَى المَنْصُور كتابا يخبره فيه
إن كتب المهدي إليه قَدْ حيرته وأدهشته ويسأله أن يعفيه من معاملته،
فأغضب ذلك المَنْصُور وشتمه وأقر المهدي كتابه فعزله وأمر بحبسه وبيع
كل شيء له، ثُمَّ أنه كلم فيه فأشخص إِلَى مدينة السلام فلم يزل بها
مخبوءا حَتَّى لقيه الخوارج عَلَى الجسر فقاتلهم فتحرك أمره قليلا،
ثُمَّ توجه إِلَى يوسف البرم بخراسان فلم يزل في ارتفاع ولم يزل عمال
المهدي والرشيد رحمهما اللَّه يقبضون الإتاوة من رتبيل سجستان عَلَى
قدر قوتهم وضعفهم ويولون عمالهم النواحي الَّتِي قَدْ غلب عليها
الإِسْلام ولما كان المأمون بخراسان أديت إليه الإتاوة مضعفة وفتح كابل
وأظهر ملكها الإسلام والطاعة وأدخلها عامله واتصل إليها البريد فبعث
إليه منها بأهليلج غض ثُمَّ استقامت بعد ذلك حينا.
وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي، قَالَ: كان في صلحات سجستان
القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم قَالَ، وقال: أول
من دعا أهل سجستان إِلَى رأي الخوارج رجل من بني تميم يقال له عاصم أو
ابن عاصم
.
(1/389)
فتوح خراسان
قَالُوا: وجه أَبُو موسى الأشعري عَبْد اللَّهِ بْن بديل بْن ورقاء
الخزاعي غازيا فأتى كرمان ومضى حَتَّى بلغ الطبسين وهما حصنان يقال
لأحدهما طبس وللآخر كرين، وهما جرم فيهما نخل وهما بابا خراسان، فأصاب
مغنما وأتى قوم من أهل الطبسين عُمَر بْن الخطاب فصالحوه عَلَى ستين
ألفا، ويقال خمسة وسبعين ألفا وكتب لهم كتابا.
ويقال: بل توجه عَبْد اللَّهِ بْن بديل من أصبهان من تلقاء نفسه، فلما
استخلف عُثْمَان بْن عَفَّان ولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر بْن كريز
البصرة في سنة ثمان وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين وهو ابن خمس وعشرين
سنة فافتتح من أرض فارس ما افتتح ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين واستخلف
عَلَى البصرة زياد بْن أَبِي سُفْيَان وبعث عَلَى مقدمته الأحنف بْن
قيس، ويقال عَبْد اللَّهِ ابن حازم بْن أسماء بْن الصلت بْن حبيب
السلمي، فأقر صلح الطبسين، وقدم ابن عَامِر الأحنف بْن قيس إِلَى
قوهستان، وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إِلَى الطبسين فدل عليها فلقيته
الهياطلة وهم أتراك، ويقال بل هم قوم من أهل فارس كانوا يلوطون فنفاهم
فيروز إِلَى هراة فصاروا مع الأتراك فكانوا معاونين لأهل قوهستان
فهزمهم وفتح قوهستان عنوة، ويقال بل ألجأهم إِلَى حصنهم ثُمَّ قدم
عَلَيْهِ ابن عَامِر فطلبوا الصلح فصالحهم عَلَى ستمائة ألف درهم.
وقال معمر بْن المثنى: كان المتوجه إِلَى قوهستان أمير بْن أحمر
اليشكري وهي بلاد بكر بْن وائل إِلَى اليوم، وبعث ابن عَامِر يزيد
الجرشي أَبَا سالم بْن يزيد إِلَى رستاق زام من نيسابور ففتحه عنوة،
وفتح باخرز وهو رستاو من نيسابور، وفتح أيضا جوبن وسبى سبيا ووجه ابن
عَامِر الأسود بْن كلثوم
(1/390)
العدوي عدي الرباب وكان ناسكا إِلَى بيهق
وهو رستاق من نيسابور فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه ودخلت معه
طائفة منَ المسلمين وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة فقاتل الأسود حَتَّى
قتل ومن معه، وقام بأمر الناس بعده أدهم بْن كلثوم فظفر وفتح بيهق،
وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه
ودفن منَ استشهد من أصحابه، وفتح ابن عَامِر بشت من نيسابور وأشبندورخ
وزاوة وخواف وإسبرائن وأرغيان من نيسابور، ثُمَّ أتى أبر شهر وهي مدينة
نيسابور فحصر أهلها أشهرا وكان عَلَى كل ربع منها رجل موكل به. وطلب
صاحب ربع من تلك الأرباع الأمان عَلَى أن يدخل المسلمين المدينة فأعطيه
وأدخلهم إياها ليلا ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز ومعه جماعة
فطلب الأمان عَلَى أن يصالحه من جميع نيسابور عَلَى وظيفة يؤديها
فصالحه عَلَى ألف ألف درهم ويقال سبعمائة ألف درهم. وولى نيسابور حين
فتحها قيس بْن الهيثم السلمي ووجه ابن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن خازم
السلمي إِلَى حمراتدز من نسا وهو رستاق ففتحه، وأتاه صاحب نسا فصالحه
عَلَى ثلاثمائة ألف درهم، ويقال عَلَى احتمال الأرض منَ الخراج عَلَى
أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه.
وقدم بهمنة عظيم أبيورد عَلَى ابن عَامِر فصالحه عَلَى أربعمائة ألف
ويقال وجه إليها ابن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن خازم فصالح أهلها عَلَى
أربعمائة ألف درهم، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر عَبْد اللَّهِ بْن
خازم إِلَى سرخس فقاتلهم، ثُمَّ طلب زاذويه مرزبانها الصلح عَلَى إيمان
مائة رجل، وأن يدفع إليه النساء فصارت ابنته في سهم ابن خازم واتخذها
وسماها ميثاء، وغلب ابن خازم عَلَى أرض سرخس، ويقال أنه صالحه عَلَى أن
يؤمن مائة نفس فسمى له المائة ولم يسم نفسه فقتله ودخل سرخس عنوة، ووجه
ابن خازم من سرخس يزيد بْن
(1/391)
سالم مولى شريك بْن الأعور إِلَى كيف وبينة
ففتحها، وأنى كنازتك مرزبان طوس ابن عَامِر فصالحه عن طوس عَلَى ستمائة
ألف درهم، ووجه ابن عَامِر جيشا إِلَى هراة عَلَيْهِ أوس بْن ثعلبة بْن
رقى، ويقال خليد بْن عَبْد اللَّهِ الحنفي فبلغ عظيم هراة ذلك فشخص
إِلَى ابن عَامِر وصالحه عن هراة وبادغيس وبوشنج غير طاغون وباغون
فإنهما فتحا عنوة، وكتب له ابن عَامِر:
بسم اللَّه الرَّحْمَنِ الرحيم: هَذَا ما أمر به عَبْد اللَّهِ بْن
عَامِر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس، أمره بتقوى اللَّه، ومناصحة
المسلمين، وإصلاح ما تحت يديه منَ الأرضين، وصالحه عن هراة سهلها
وجبلها على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عَلَيْهِ، وأن يقسم ذلك عَلَى
الأرضين عدلا بينهم، فمن منع ما عَلَيْهِ فلا عهد له ولا ذمة، وكتب
ربيع بْن نهشل وختم ابن عَامِر.
ويقال أيضا: أن ابن عَامِر سار بنفسه في الدهم إِلَى هراة فقاتل أهلها
ثُمَّ صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس عَلَى ألف ألف درهم،
وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح فوجه ابن عَامِر إِلَى مرو
حَاتِم بْن النعمان الباهلي فصالحه عَلَى ألفي ألف ومائتي ألف درهم،
وقال بعضهم ألف ألف درهم ومائتي ألف جريب من بر وشعير، وقال بعضهم ألف
ألف ومائة ألف أوقية وكان فى صلحم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم وأن
عليهم قسمة المال وليس عَلَى المسلمين إلا قبض ذلك وكانت مرو صلحا كلها
إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة.
وقال أَبُو عُبَيْدة صالحه عَلَى وصائف ووصفاء ودواب ومتاع، ولم يكن
عند القوم يومئذ عين وكان الخراج كله عَلَى ذلك حَتَّى ولى يزيد بْن
معاوية فصيره مالا، ووجه عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر الأحنف بْن قيس نحو
طخارستان، فأتى الموضع الَّذِي يقال له قصر الأحنف وهو حصن من مرو
الروذ، وله رستاق
(1/392)
عظيم يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ
فحصر أهله فصالحوه عَلَى ثلاثمائة ألف، فقال الأحنف أصالحكم عَلَى أن
يدخل رجل منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حَتَّى انصرف فرضوا، وكان
الصلح عن جميع الرستاق ومضى الأحنف إِلَى مرو الروذ فحصر أهلها
وقاتلوهم قتالا شديدا فهزمهم المسلمون فاضطروهم إِلَى حصنهم، وكان
المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له، فكتب إِلَى الأحنف:
أنه دعاني إِلَى الصلح إسلام باذام فصالحه عَلَى ستين ألفا، وقال
المدائني: قَالَ قوم ستمائة ألف، وقد كانت للأحنف خيل سارت وأخذت
رستاقا يقال له بغ واستاقت منه مواشي فكان الصلح بعد ذلك.
وقال أَبُو عُبَيْدة: قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات، ثُمَّ أنه مر
برجل يطبخ قدرا لأصحابه أو يعجن عجينا فسمعه يقول: إنما نبتغي للأمير
أن يقاتلهم من وجه واحد من داخل الشعب، فقال في نفسه: الرأي ما قاله
الرجل فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، والمرغاب نهر
يسيح بمرو الروذ ثُمَّ يغيض في رمل ثُمَّ يخرج بمرو الشاهجان فهزمهم
ومن معهم منَ الترك ثُمَّ طلبوا الأمان فصالحه.
وقال غير أَبِي عُبَيْدة: جمع أهل طخارستان للمسلمين فاجتمع أهل
الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم فبلغوا ثلاثين ألفا وجاءهم أهل
الصغانيان وهم في الجانب الشرقي منَ النهر فرجع الأحنف إِلَى قصره فوفى
له أهله وخرج ليلا فسمع أهل خباء يتحدثون ورجلا يقول. الرأي للأمير أن
يسير إليهم فيناجزهم حيث لقيهم فقال رجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن. ليس
هَذَا برأي ولكن الرأي أن ينزل بَيْنَ المرغاب والجبل فيكون المرغاب عن
يمينه والجبل عن يساره فلا يلقى من عدوه وان كثروا
(1/393)
إلا مثل عدة أصحابه، فرأى ذلك صوابا ففعله
وهو في خمسة آلاف منَ المسلمين أربعة آلاف منَ العرب وألف من مسلمي
العجم فالتقوا وهز رايته وحمل وحملوا فقصد ملك الصغانيان للأحنف، فأهوى
له بالرمح فانتزع الأحنف الرمح من يده، وقاتل قتالا شديدا، فقتل ثلاثة
ممن معهم الطبول منهم كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله، ثُمَّ أن اللَّه
ضرب وجوه الكفار فقتلهم المسلمون قتلا ذريعا ووضعوا السلاح أنى شاءوا
منهم ورجع الأحنف إِلَى مرو الروذ، ولحق بعض العدو بالجوزجان فوجه
إليهم الأحنف الأقرع بْن حابس التميمي في خيل: وقال: يا بني تميم
تحابوا وتبادلوا تعتدل أموركم وابدؤا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم
دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم، فسار الأقرع فلقي العدو بالجوزجان
فكانت في المسلمين جولة، ثُمَّ كروا فهزموا الكفرة، وفتحوا الجوزجان
عنوة، وقال ابن الغريزة النهشلي:
سقى صوب الصحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان
إِلَى القصرين من رستاق حوف ... أفادهم هناك الأقرعان
وفتح الأحنف مطالقان صلحا وفتح الفارياب، ويقال بل فتحها أمير ابن
أحمر، ثم سار الأحنف إلى بلخ وهي مدينة طخارى فصالحهم أهلها عَلَى
أربعمائة ألف ويقال سبعمائة ألف، وذلك أثبت، فاستعمل عَلَى بلخ أسيد
ابن المتشمس، ثُمَّ سار إِلَى خارزم وهي من سقى النهر جميعا ومدينتها
شرقية فلم يقدر عليها فانصرف إِلَى بلخ وقد جبى أسيد صلحها.
وقال أَبُو عُبَيْدة: فتح ابن عَامِر ما دون النهر، فلما بلغ أهل ما
وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل، فيقال أنه عبر النهر
حَتَّى أتى موضعا موضعا وقيل بل أتوه فصالحوه وبعث من قبض ذلك، فأتته
الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب، ثم أنه أحرم شكر الله ولم
يذكر غيره عبوره
(1/394)
النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي، وقالوا:
أنه أهل بعمرة وقدم عَلَى عُثْمَان واستخلف قيس بْن الهيثم فسار قيس
بعد شخوصه في أرض طخارستان فلم يأت بلدا منها إلا صالحه أهله فأذعنوا
له حَتَّى أتى سمنجان فامتنعوا فحصرهم حَتَّى فتحها عنوة، وقد قيل أن
ابن عَامِر جعل خراسان بَيْنَ ثلاثة الأحنف ابن قيس وحَاتِم بْن
النعمان الباهلي وقيس بْن الهيثم، والأول أثبت، ثُمَّ أن ابن خازم
افتعل عهدا عَلَى لسان بْن عَامِر وتولى خراسان فاجتمعت بها جموع الترك
ففضهم ثُمَّ قدم البصرة قبل قتل عُثْمَان.
وحدثني الْحُسَيْن بن الأسود، قال: حدثنا وكيع بن الجراح عَنِ ابن عون
عن مُحَمَّد بْن سيرين أن عُثْمَان بْن عَفَّان عقد لمن وراء النهر،
قَالُوا وقدم ماهويه مرزبان مرو علي بْن أَبِي طالب في خلافته وهو
بالكوفة فكتب له إِلَى الدهاقين والأساورة والدهشلارين أن يؤدوا إليه
الجزية فانتقضت عليهم خراسان فبعث جعدة بْن هبيرة المخزومي وأمه أم
هانئ بنت أَبِي طالب فلم يفتحها ولم تزل خراسان ملتاثة حَتَّى قتل علي
عَلَيْهِ السلام، قال أَبُو عُبَيْدة أول عمال على خرسان عَبْد
الرَّحْمَنِ بْن أبزى مولى خزاعة ثُمَّ جعدة بْن هبيرة بْن أَبِي وهب
ابن عَمْرو بْن عائد بْن عِمْرَان بْن مخزوم.
قَالُوا: واستعمل معاوية بْن أَبِي سُفْيَان قيس بْن الهيثم بْن قيس
بْن الصلت السلمي عَلَى خراسان فلم يعرض لأهل النكث، وجبى أهل الصلح
فكان عليها سنة أو قريبا منها، ثُمَّ عزله وولى خَالِد بْن المعمر فمات
بقصر مقاتل أو بعين التمر، ويقال أن معاوية ندم عَلَى توليته فبعث إليه
بثوب مسموم ويقال بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حَتَّى مات، ثُمَّ
ضم معاوية إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر مع البصرة خراسان، فولى بْن
عَامِر قيس بْن الهيثم السلمي خراسان وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج
وبلخ على نكثهم
(1/395)
فسار إلى بلح فأخرب نوبهارها، وكان الَّذِي
تولى ذلك عطاء بْن السائب مولى بني الليث وهو الخشل، وإنما سمي عطاء
الخشل واتخذ قناطر عَلَى ثلاثة أنهار من بلخ عَلَى فرسخ فقيل قناطر
عطاء، ثُمّ أن أهل بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة فصالحهم قيس ثُمَّ
قدم عَلَى ابن عَامِر فضربه مائة وحبسه.
واستعمل عَبْد اللَّهِ بْن خازم فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس،
فطلبوا الأمان والصلح فصالحهم، وحمل إِلَى بْن عَامِر مالا وولى زياد
بْن أَبِي سُفْيَان البصرة في سنة خمس وأربعين، فولى أمير بْن أحمر
مرو، وخليد بن عبد الله الحنفي أبر شهر، وقيس بْن الهيثم مرو الروذ،
والطالقان، والفارياب ونافع بن خالد الطاحي من الأزدهراة، وبادغيس،
وبوشنج وقادس من أنواران فكان أمير أول من أسكن العرب مرو، ثُمَّ ولى
زياد الحكم ابن عَمْرو الغفاري، وكان عفيفا وله صحبة وإنما قال لحاجبه
فيل ايتني بالحكم وهو يريد الحكم بن أبى العاصي الثقفي، وكانت أم عَبْد
اللَّهِ بنت عُثْمَان بْن أَبِي العاصي عنده فأتاه بالحكم بن عمرو،
فلما رآه تبرك به، وقال رجل صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فولاه خراسان فمات بها فى سنة خمسين وكان الحكم أول من صلى من
وراء النهر.
وحدثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ الجعفي، قَالَ: سمعت عَبْد اللَّهِ بْن
المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان كان يطلب معنا الحديث أتدري من فتح
بلادك قَالَ لا. قَالَ: فتحها الحكم بْن عَمْرو الغفاري، ثُمَّ ولى
زياد بْن أَبِي سُفْيَان الربيع ابن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين
خراسان، وحول معه من أهل المصريين زهاء وخمسين ألفا بعيالاتهم، وكان
فيهم بريدة بْن الحصيب الأسلمي أَبُو عَبْد اللَّهِ وبمرو توفى أيام
يزيد بْن معاوية، وكان أيضا أَبُو برزة الأسلمى عبد الله ابن نضلة
وبهامات وأسكنهم دون النهر، والربيع أول من أمر الجند بالتناهد
(1/396)
ولما بلغه مقتل حجر بْن عدي الكندي غمه
ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه فمات، وذلك سنة ثلاث وخمسين واستخلف
عَبْد اللَّهِ ابنه فقاتل أهل آمل وهي آمويه وزم، ثُمَّ صالحهم ورجع
إِلَى مرو فمكث بها شهرين ثُمَّ مات، ومات زياد فاستعمل معاوية عُبَيْد
اللَّه بْن زياد عَلَى خراسان وهو ابن خمس وعشرين سنة فقطع النهر في
أربعة وعشرين ألفا فأتى بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى، فأرسلت إِلَى
الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم
وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعث إليهم خاتون تطلب الصلح والأمان
فصالحها عَلَى ألف ألف ودخل المدينة، وفتح رامدين وبيكند وبينهما
فرسخان، ورامدين تنسب إِلَى بيكند، ويقال إنه فتح الصغانيان وقدم معه
البصرة بخلق من أهل بخارى ففرض لهم ثُمَّ ولى معاوية سَعِيد بْن
عُثْمَان بْن عَفَّان خراسان فقطع النهر، وكان أول من قطعه بجنده فكان
معه رفيع أَبُو العالية الرياحي وهو مولى لامرأة من بني رياح فقال رفيع
أبو العالبة رفعة وعلو.
فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك
وأهل كش ونسف وهي نخشب إِلَى سَعِيد في مائة ألف وعشرين ألفا فالتقوا
ببخارى وقد ندمت خاتون عَلَى أدائها الإتاوة ونكثت العهد، فحضر عَبْد
لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون
ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح ودخل سَعِيد مدينة بخارى، ثُمَّ غزا
سَعِيد ابن عُثْمَان سمرقند فأعانته خاتون بأهل بخارى، فنزل عَلَى باب
سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمي قهندزها، فقاتل أهلها ثلاثة
أيام وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث ففقئت عينه وعين المهلب بْن
أَبِي صفرة، ويقال أن عين المهلب فقئت بالطالقان، ثُمَّ لزم العدو
المدينة وقد فشت فيهم الجراح، وأتاه رجل فدله عَلَى قصر فيه أبناء
ملوكهم وعظمائهم فسار إليهم وحصرهم،
(1/397)
فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة
ويقتل من فيه طلبوا الصلح فصالحهم عَلَى سبعمائة ألف درهم وعلى أن
يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء ويخرج منَ
الباب الآخر فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم، ويقال أربعين، ويقال
ثمانين ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته ثُمَّ انصرف، فلما كان بالترمذ
حملت إليه خاتون الصلح وأقام عَلَى الترمذ حَتَّى فتحها صلحا، ثُمَّ
لما قتل عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي أتى موسى ابنه ملك الترمذ
فأجاره وألجأه وقوما كانوا معه فأخرجه عنها وغلب عليها وهو مخالف، فلما
قتل صارت في أيدي الولاة ثُمَّ انتقض أهلها ففتحها قتيبة بْن مُسْلِم،
وفي سَعِيد يقول مالك ابن الريب:
هبت شمال خريق أسقطت ورقا ... واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح
فارحل هديت ولا نجعل غنيمتنا ... ثلجا يصفقه بالترمذ الريح
إن الشتاء عدو ما نقاتله ... فاقفل هديت وثوب الدق مطروح
ويقال أن هَذِهِ الأبيات لنهار بْن توسعة في قتيبة وأولها:
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... فكل باب منَ الخيرات مفتوح
فاستبدلت قتبا جعدا أنامله ... كأنما وجهه بالجل منضوح
وكان قثم بْن العَبَّاس بْن عَبْد المطلب مع سَعِيد بْن عُثْمَان
فتُوُفِّيَ بسمرقند، ويقال استشهد بها، فقال عَبْد اللَّهِ بْن
العَبَّاس حين بلغته وفاته شتان ما بَيْنَ مولده ومقبره فأقبل يصلي
فقيل له ما هَذَا، فقال: أما سمعتم اللَّه يقول:
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا
عَلَى الْخاشِعِينَ) 2: 45 وحدثني عَبْد اللَّهِ بْن صالح، قَالَ:
حَدَّثَنَا شريك عن جابر عَنِ الشعبي، قَالَ: قدم قثم عَلَى سَعِيد بْن
عُثْمَان بخراسان، فقال له سَعِيد: أعطيك منَ المغنم ألف سهم، فقال: لا
ولكن أعطني سهما لي وسهما لفرسي، قَالَ: ومضى سَعِيد بالرهن الَّذِينَ
أخذهم منَ السند حَتَّى ورد بهم المدينة، فدفع ثيابهم ومناطقهم إِلَى
(1/398)
مواليه وألبسهم جباب الصوف وألزمهم السقى
والسواني والعمل فدخلوا عَلَيْهِ مجلسه ففتكوا به ثُمَّ قتلوا أنفسهم،
وفي سَعِيد يقول مَالِك بْن الريب:
وما زلت يوم السغد ترعد واقفا ... منَ الجبن حَتَّى خفت أن تتنصرا
وقال خَالِد بْن عقبة بْن أَبِي معيط:
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا ... سَعِيد بْن عُثْمَان قتيل الأعاجم
فإن تكن الأيام أردت صروفها ... سعيدا فمن هَذَا منَ الدهر سالم
وكان سَعِيد احتال لشريكه في خراج خراسان فأخذ منه مالا فوجه معاوية من
لقيه بحلوان فأخذ المال منه، وكان شريكه أسلم بْن زرعة، ويقال إِسْحَاق
بْن طلحة بْن عُبَيْد اللَّه، وكان معاوية قَدْ خاف سعيدا عَلَى خلعه
ولذلك عاجله بالعزل، ثُمَّ ولى معاوية عَبْد الرَّحْمَنِ بْن زياد
خراسان، وكان شريفا ومات معاوية وهو عليها، ثُمَّ ولى يزيد بْن معاوية
سلم بْن زياد فصالحه أهل خارزم عَلَى أربعمائة ألف وحملوها إليه وقطع
النهر ومعه امرأته أم مُحَمَّد بنت عبد الله بن عثمان بن أبى العاصي
الثقفي، وكانت أول عربية عبر بها النهر وأتى سمرقند فأعطاه أهلها ألف
دية، وولد له ابن سماه السغدي، واستعارت امرأة منَ امرأة صاحب السغد
حليها فكسرته عليها وذهبت به، ووجه سلم بْن زياد وهو بالسغد جيشا إِلَى
خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا فقال الأعشى:
ليت خيلي يوم الخجندة لم يهزم وغودرت في المكر سليبا تحضر الطير مصرعي
وتروحت إِلَى اللَّه في الدماء خضيبا ثُمَّ رجع سلم إِلَى مرو ثُمَّ
غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدي، وقد كان السغد جمعت له
فقاتلها، ولما مات يزيد بْن معاوية التاث الناس عَلَى سلم وقالوا: بئس
ما ظن ابن سمية أن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة كما قيل
لأخيه عُبَيْد اللَّه بالبصرة فشخص عن خراسان وأتى عَبْد اللَّهِ بْن
الزبير فأغرمه
(1/399)
أربعة آلاف ألف درهم وحبسه، وكان سلم يقول:
ليتني أتيت الشام ولم آنف من حدمة أخي عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فكنت
أغسل رجله ولم آت ابن الزبير فلم يزل بمكة حَتَّى حصر ابن الزبير
الحجاج بْن يوسف فنقب السجن وصار إِلَى الحجاج ثُمَّ إِلَى عَبْد
الملك، فقال له عَبْد الملك: أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال
غيرك، ولا كان بها عليك أمير وولاه خراسان، فلما قدم البصرة مات بها.
قَالُوا: وقد كان عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي تلقى سلم بْن زياد
منصرفه من خراسان بنيسابور، فكتب له سلم عهدا عَلَى خراسان وأعانه
بمائة ألف درهم، فاجتمع جمع كثير من بكر بْن وائل وغيرهم، فقالوا:
عَلَى ما يأكل هؤلاء خراسان دوننا فأغاروا عَلَى ثقل ابن خازم فقاتلوهم
عنه فكفوا.
وأرسل سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قيس
بن ثعلبة ابن عكابة منَ المراثد بْن ربيعة إِلَى ابن خازم أن العهد
الَّذِي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخراسان لم يخرج عنها ويوجهك،
وأقبل سُلَيْمَان فنزل بمشرعة سُلَيْمَان ونزل ابن خازم بمرو، واتفقا
عَلَى أن يكتبا إِلَى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الأمير ففعلا، فولى
ابن الزبير عَبْد اللَّهِ بْن خازم خراسان فقدم إليه بعهده عُرْوَة بْن
قطبة بعد ستة أشهر فأبى سُلَيْمَان أن يقبل ذلك، وقال: ما ابن الزبير
بخليفة وإنما هُوَ رجل عائذ بالبيت فحاربه ابن خازم وهو في ستة آلاف
وسُلَيْمَان في خمسة عشر ألفا فقتل سُلَيْمَان قتله قيس بْن عاصم
السلمي واحتز رأسه وأصيب من أصحاب ابن خازم رجال، وكان شعار ابن خازم
حمر لا ينصرون، وشعار سُلَيْمَان يا نَصْر اللَّه اقترب، واجتمع فل
سُلَيْمَان إِلَى عُمَر بْن مرثد بالطالقان، فسار إليه ابن خازم فقاتله
فقتله، واجتمعت ربيعة إِلَى أوس بْن ثعلبة بهراة فاستخلف ابن خازم موسى
ابنه وسار إليه، وكانت بَيْنَ أصحابهما وقائع، واغتنمت الترك ذلك فكانت
تغير
(1/400)
حَتَّى بلغت قرب نيسابور ودس ابن خازم
إِلَى أوس من سمه فمرض، واجتمعوا للقتال فحض ابن خازم أصحابه فقال:
اجعلوه يومكم واطعنوا الخيل من مناخرها فإنه لم يطعن فرس قط في منخره
إلا أدبر فاقتتلوا قتالا شديدا، وأصابت أوسا جراحة وهو عليل فمات منها
بعد أيام، وولى ابن خازم ابنه محمدا هراة، وجعل عَلَى شرطته بكير ابن
وشاح وصفت له خراسان.
ثُمَّ أن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدا فظفر أبوه بعثمان بن بشر
بن المختفز فقتله صبرا، وقتل رجلا من بني تميم فاجتمع بنو تميم
فتناظروا، وقالوا ما نرى هَذَا يقلع عنا فيصير جماعة منا إِلَى طوس
فإذا خرج إليهم خلعه من بمرو منا، فمضى بجير بْن وقاء الصريمي من بني
تميم إِلَى طوس في جماعة فدخلوا الحصن ثُمَّ تحولوا إِلَى أبرشهر
وخلعوا ابن خازم فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إِلَى الترمذ، ولم
يأمن عَلَيْهِ من بمرو من بني تميم، وورد كتاب عَبْد الملك بْن مروان
عَلَى ابن خازم بولاية خراسان فأطعم رسوله الكتاب، وقال: ما كنت لألقى
اللَّه وقد نكثت بيعة ابن حواري رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إِلَى بكير بْن
وشاح بولايته خراسان فخاف ابن خازم أن يأتيه في أهل مرو، وقد كان بكير
خلع ابن خازم، وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إِلَى بيعة عَبْد
الملك فبايعوه، فمضى ابن خازم يريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله
وثقله فاتبعه بحير فقاتله بقرب مرو، ودعيا وكيف بْن الدورقية القريعي،
واسم أبيه عميرة وأمه من سبي دورق نسب إليه بدرعه وسلاحه فلبسه وخرج
فحمل عَلَى ابن خازم ومعه بجير بْن وقاء فطعناه وقعد وَكِيع عَلَى
صدره، وقال: يا لثارات دويلة ودويلة أخو وَكِيع لأمه، وكان مولى لبني
قريع قتله ابن خازم فتنخم ابن خازم في وجهه، وقال لعنك اللَّه أتقتل
كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوى، وقال وَكِيع:
(1/401)
ذق يا ابن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا
تحسبني كنت عن ذاك غافلا
عجلى أم ابن خازم وكان يكنى أَبَا صالح، وكنية وَكِيع بْن الدورقية
أَبُو ربيعة وقتل مع عَبْد اللَّهِ بْن خازم ابناه عنبسة ويحيى وطعن
طهمان مولى ابن خازم، وهو جد يعقوب بْن داود كاتب أمير الْمُؤْمِنِين
المهدي بعد أَبِي عُبَيْد اللَّه، وأتى بكير بْن وشاح برأس ابن خازم
فبعث به إِلَى عَبْد الملك بْن مروان فنصبه بدمشق، وقطعوا يده اليمنى
وبعثوا بها إِلَى ولد عُثْمَان بْن بشر ابن المحتفز المزني.
وكان وَكِيع جافيا عظيم الخلقة صلى يوما وبين يديه نبت فجعل يأكل منه
فقيل له: أتأكل وأنت تصلي، فقال: ما كان اللَّه أحرم نبتا أنبته بماء
السماء عَلَى طين الثرى، وكان يشرب الخمر فعوتب عليها، فقال: في الخمر
تعاتبوني وهي تجلو بولي حَتَّى تصيره كالفضة.
قَالُوا: وغضب قوم لابن خازم ووقع الاختلاف، وصارت طائفة مع بكير بْن
وشاح، وطائفة مع بجير، فكتب وجوه أهل خراسان وخيارهم إِلَى عَبْد الملك
يعلمونه أنه لا تصلح خراسان بعد الفتنة إلا برجل من قريش، فولى أمية
بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية خراسان،
فولى بكير ابن وشاح طخارستان، ثُمَّ ولاه غزو ما وراء النهر: ثُمَّ عزم
أمية عَلَى غزو بخارى ثُمَّ إتيان موسى بْن عَبْد اللَّهِ بْن خازم
بالترمذ فانصرف بكير إِلَى مرو وأخذ ابن أمية فحبسه ودعى الناس إِلَى
خلع أمية فأجابوه، وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارى عَلَى فدية قليلة
واتخذ السفن. وقد كان بكير أحرقها ورجع وترك موسى بْن عَبْد اللَّهِ
فقدم فقاتله بكير. ثُمَّ صالحه عَلَى أن يوليه أي ناحية شاء، ثُمَّ بلغ
أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك، فأمر إذا دخل داره أن يأخذ فدخلها فأخذ
وأمر بحبسه فوثب به بجير بْن وقاء فقتله.
(1/402)
وغزا أمية الختل وقد نقضوا بعد أن صالحهم
سَعِيد بْن عُثْمَان فافتتحها، أن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع
العراقين، قولي خراسان المهلب بْن أَبِي صفرة، واسمه ظالم بْن سراق بْن
صبح بْن العتيك منَ الأزد، ويكنى أَبَا سَعِيد سنة تسع وتسعين فغزى
كثيرة، وفتح الختل وقد انتقضت، وفتح خجندة فأدت إليه السغد الأتاوة،
وغزاكش ونسف ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة، وكان بدء علته
الحزن عَلَى ابنه المغيرة بْن المهلب واستخلف المهلب ابنه يزيد بْن
المهلب فغازا مغازي كثيرة وفتح البتم عَلَى يد مخلد بْن يزيد بْن
المهلب.
وولى الحجاج يزيد بْن المهلب وصار عَبْد الرَّحْمَنِ بْن العَبَّاس بْن
ربيعة ابن الحارث بْن عَبْد المطلب إِلَى هراة في فل ابن الأشعث
وغيرهم، وكان خرج مع ابن الأشعث فقتل الرقاد العتكي وجبى الخراج فسار
إليه يزيد فاقتتلوا فهزمهم يزيد وأمر بالكف عَنِ اتباعهم ولحق الهاشمي
بالسند، وغزا يزيد خارزم وأصاب سبيا فلبس الجند ثياب السبي فماتوا منَ
البرد، ثُمَّ ولى الحجاج المفضل بْن المهلب بْن أَبِي صفرة ففتح بادغيس
وقد انتقضت وشومان وآخرون وأصاب غنائم قسمها بَيْنَ الناس.
قَالُوا: وكان موسى بْن عَبْد اللَّهِ بْن خازم السلمي بالترمذ، فأتى
سمرقند فأكرمه ملكها طرخون، فوثب رجل من أصحابه عَلَى رجل منَ السغد
فقتله فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش. ثُمَّ أتى الترمذ وهو حصن فنزل
عَلَى دهقان الترمذ وهيأ له طعاما فلما أكل اضطجع. فقال له الدهقان:
أخرج فقال: لست أعرف منزلا مثل هَذَا. وقاتل أهل الترمذ حَتَّى غلب
عليها. فخرج دهقانها وأهلها إِلَى الترك يستنصرونهم فلم ينصروهم.
وقالوا:
لعنكم اللَّه فما ترجون بجبر أتاكم رجل في مائة وأخرجكم عن مدينتكم
وغلبكم عليها.
(1/403)
ثم تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه
وغيرهم، ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حَتَّى أعانوا وأطافوا
جميعا بموسى ومن معه فبيتهم موسى وحوى عسكرهم وأصيب منَ المسلمين ستة
عشر رجلا، وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى فاستجاشا طرخون
وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشرا كثيرا فعظمت دالتهما عَلَيْهِ
وكانا الآمرين والناهيين في عسكره فقيل له إنما لك الاسم وهذان صاحبا
العسكر والأمر، وخرج إليه من أهل الترمذ خلق من الهياطلة والترك
واقتلوا قتالا شديدا فغلبهم المسلمون ومن معهم فبلغ ذلك الحجاج، فقال:
احمد لله الَّذِي نَصْر المنافقين عَلَى المشركين، وجعل موسى من رؤس من
قاتله جوسقين عظيمين، وقتل حريث بْن قطبة بنشابة أصابته فقال أصحاب
موسى لموسى: قَدْ أراحنا اللَّه من حريث فأرحنا من ثابت فإنه لا يصفو
عيش معه، وبلغ ثابتا ما يخوضون فيه فلما استثبته لحق بحشورا واستنجد
طرخون فأنجده، فنهض إليه موسى فغلب عَلَى ربض المدينة، ثُمَّ كبرت
أمداد السغد فرجع إِلَى الترمذ فتحصن بها وأعانه أهل كش ونسف وبخارى
فحصر ثابت موسى وهو في ثمانين ألفا فوجه موسى يزيد بْن هزيل كالمعزي
لزياد القصير الخزاعي وقد أصيب بمصيبة فالتمس الغرة من ثابت فضربه
بالسيف عَلَى رأسه ضربة عاش بعدها سبعة أيام ثُمَّ مات وألقى يزيد نفسه
في نهر الصغانيان فنجا وقام طرخون بأمر أصحابه فبيتهم موسى فرجعت
الأعاجم إِلَى بلادها، وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى قاتل
مع أبيه سنتين لم يفل، ثُمَّ أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدة يسيرة
وأخرج ملكها عنها ثُمَّ قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم فلما عزل
يزيد ابن المهلب وتولى المفضل بْن المهلب خراسان وجه عُثْمَان بْن
مَسْعُود، فسار حَتَّى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عُثْمَان،
وهو في خمسة عشر ألفا
(1/404)
فضيق عَلَى موسى وكتب إِلَى طرخون فقدم
عَلَيْهِ، فلما رأى موسى الَّذِي ورد عَلَيْهِ خرج منَ المدينة وقال
لأصحابه الَّذِينَ خلفهم فيها: إن قتلت فادفعوا المدينة إِلَى مدرك بْن
المهلب ولا تدفعوها إِلَى ابن مَسْعُود، وحال الترك والسغد بَيْنَ موسى
والحصن وعثر به فرسه فسقط فارتدف خلف مولى له، وجعل يقول: الموت كريه
فنظر إليه عُثْمَان فقال وثبة موسى ورب الكعبة وقصد له حتى سقط ومولاه
فانطووا عَلَيْهِ فقتلوه وقتل أصحابه فلم ينج منهم إلا رقية بْن
الحرفانة دفعه إِلَى خَالِد بْن أَبِي برزة الأسلمي، وكان الَّذِي أجهز
عَلَى موسى بْن عَبْد اللَّهِ واصل بْن طيسلة العنبري، ودفعت المدينة
إِلَى مدرك ابن المهلب وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين وضرب رجل ساق
موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله.
قَالُوا: ثُمَّ ولى الحجاج قتيبة بْن مُسْلِم الباهلي خراسان، فخرج
يريد آخرون فلما كان بالطالقاه تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر
فأتاه حين عبر النهر ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب وأعطاه الطاعة
ودعاه إِلَى نزول بلاده وكان ملك آخرون وشومان قَدْ ضيق عَلَى ملك
الصغانيان وغزاه فلذلك أعطي قتيبة ما أعطاه ودعاه إِلَى ما دعاه إليه،
وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان وسلما إليه،
بلديهما، فانصرف قتيبة إِلَى مرو وخلف أخاه صالحا عَلَى ما وراء النهر
ففتح صالح كاسان وأورشت، وهي من فرغانة وكان نَصْر بْن سيار معه في
جيشه وفتح بيعنخر وفتح خشكت من فرغانة وهي مدينتها القديمة، وكان آخر
من فتح كاسان وأورشت، وقد انتقض أهلها نوح بْن أسد في خلافة أمير
الْمُؤْمِنِين المنتصر بالله رحمه اللَّه.
قَالُوا: وأرسل ملك الجوزجان إِلَى قتيبة فصالحه عَلَى أن يأتيه فصار
إليه، ثُمَّ رجع فمات بالطالقان. ثُمَّ غزا قتيبة بيكند سنة سبع
وثمانين ومعه
(1/405)
نيزك فقطع النهر من زم إِلَى بيكند، وهي
أدنى مدائن بخارى إِلَى النهر فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار
عليهم وحصرهم فطلبوا الصلح ففتحها عنوة وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة
ثمان وثمانين واستخلف عَلَى مرو بشار بْن مُسْلِم أخاه فصالحهم وافتتح
حصونا صغارا وغزا قتيبة بخارى ففتحها عَلَى صلح، وقال أَبُو عُبَيْدة
معمر بْن المثنى أتى قتيبة بخارى فاحترسوا منه، فقال دعوني أدخلها
فأصلي ركعتين فأذنوا له في ذلك فأكمن لهم قوما، فلما دخلوا كاثروا أهل
الباب ودخلوا فأصاب فيها مالا عظيما وغدر بأهلها، قَالَ:
وأوقع قتيبة بالسغد وقتل نيزك بطخارستان وصلبه وافتتح كش ونسف وهي نخشب
صلحا.
قَالُوا: وكان ملك خارزم ضعيفا، وكان أخوه خر زاد قَدْ ضاده وقوي
عَلَيْهِ، فبعث ملك خارزم إِلَى قتيبة أني أعطيك كذا وكذا وأدفع إليك
المفاتيح عَلَى أن تملكني عَلَى بلادي دون أخي، وخارزم ثلاث مدائن يحاط
بها فارقين ومدينة الفيل أحصنها.
وقال علي بْن مجاهد إنما مدينة الفيل سمرقند، فنزل الملك أحصن المدائن
وبعث إِلَى قتيبة بالمال الَّذِي صالحه عَلَيْهِ وبالمفاتيح فوجه قتيبة
أخاه عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُسْلِم إِلَى خرزاد فقاتله وظفر بأربعة
آلاف أسير فقتلهم، وملك ملك خارزم الأول عَلَى ما شرط له، فقال له أهل
مملكته:
أنه ضعيف ووثبوا عَلَيْهِ فقتلوه، فولى قتيبة أخاه عُبَيْد اللَّه بْن
مُسْلِم خوارزم، وغزا قتيبة سمرقند، وكانت ملوك السغد تنزلها قديما،
ثُمَّ نزلت أشتيخن، فحصر قتيبة أهل سمرقند والتقوا مرارا فاقتتلوا،
وكتب ملك السغد إِلَى ملك الشاش وهو مقيم بالطاربند، فأتاه في خلق من
مقاتلته فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال، ثُمَّ أن قتيبة أوقع بهم
وكسرهم فصالحه غوزك عَلَى ألفي ألف ومائتي ألف درهم في كل عام وعلى أن
يصلي في المدينة فدخلها وقد اتخذ له غوزك طعاما فأكل وصلى واتخذ مسجدا
وخلف بها جماعة منَ
(1/406)
المسلمين فيهم الضحاك بْن مزاحم صاحب
التفسير، ويقال: أنه صالح قتيبة عَلَى سبعمائة ألف درهم وضيافة
المسلمين ثلاثة أيام، وكان في صلحه بيوت الأصنام والنيران فأخرجت
الأصنام فسلبت حليتها وأحرقت، وكانت الأعاجم تقول أن فيها أصناما منَ
استخف بها هلك فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق، فقال المختار بْن
كعب الجعفي في قتيبة:
دوخ السغد بالقبائل حَتَّى ... ترك السغد بالعراء قعودا
وقال أَبُو عُبَيْدة وغيره لما استخلف عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ وفد
عَلَيْهِ قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها
المسلمين عَلَى غدر فكتب عُمَر إِلَى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا
ينظر فيما ذكروا فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بْن
حاضر الباجي فحكم بإخراج المسلمين عَلَى أن ينابذوهم عَلَى سواء فكره
أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بَيْنَ أظهرهم.
وقال الهيثم بْن عدي: حدثني ابن عياش الهمذاني، قَالَ: فتح قتيبة عامة
الشاش وبلغ أسبيجاب، وقيل كان فتح حصن أسبيجاب قديما ثُمَّ غلب
عَلَيْهِ الترك ومعهم قوم من أهل الشاش، ثُمَّ فتحه نوح بْن أسد في
خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله وبنى حوله سورا يحيط بكروم
أهله ومزارعهم.
وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى فتح قتيبة خارزم وفتح سمرقند
عنوة، وقد كان سَعِيد بْن عُثْمَان صالح أهلها ففتحها قتيبة بعده ولم
يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم، قَالَ: وفتح بيكند وكش ونسف والشاش،
وغزا فرغانة ففتح بعضها وغزا السغد وأشر وسنة، قَالُوا: وكان قتيبة
مستوحشا من سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وذلك أنه سعى في بيعة عَبْد
الْعَزِيزِ بْن الوليد فأراد دفعها عن سُلَيْمَان، فلما مات الوليد.
وقام سُلَيْمَان خطب الناس فقال
(1/407)
أنه قَدْ وليكم هبنقة العائشي، وذلك أن
سُلَيْمَان كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم، وكان
هبنقة وهو يزيد بْن ثروان يؤثر سمان ابله بالعلف والمرعى، ويقول: أنا
لا أصلح ما أفسد اللَّه ودعا الناس إِلَى خلعه فلم يجبه أحد إِلَى ذلك
فشتم بني تميم ونسبهم إِلَى الغدر، وقال لستم بني تميم ولكنكم بني
ذميم، وذم بني بكر بْن وائل، وقال: يا أخوة مسلمة، وذم الأزد فقال
بدلتم الرماح بالمراد وبالسفن أعنة الحصن، وقال:
يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية لأضعنكم بحيث وضعكم اللَّه،
قَالَ:
فكتب سُلَيْمَان إِلَى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه وأن
يعطي الناس أعطياتهم ويأذن لمن أراد القفول في القفول وكانوا متطلعين
إِلَى ذلك وأمر رسوله بإعلام الناس ما كتب به، فقال قتيبة: هَذَا من
تدبيره علي وقام فقال: أيها الناس إن سُلَيْمَان قَدْ مناكم مخ أعضاد
البعوض وأنكم ستدعون إِلَى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته وكانوا حنقين
عَلَيْهِ لشتمه إياهم فاعتذر من ذلك، وقال: إني غضبت فلم أدر ما قلت
وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا، وقالوا: إن أذن لنا في القفول كان
خيرا له.
وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه، وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد إحسانه
إليهم وذم قلة وفائهم له وخلافهم عَلَيْهِ وخوفهم بالأعاجم الَّذِينَ
استظهر بهم عليهم، فأجمعوا عَلَى حربه ولم يجيبوه بشيء وطلبوا إِلَى
الحصين بْن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى وأشار عليهم بوَكِيع بْن حسان
بْن قيس بْن أَبِي سود بْن كلب بْن عوف بْن مَالِك بْن غدانة بْن يربوع
بْن حنظلة التميمي، وقال: لا يقوى عَلَى هَذَا الأمر غيره لأنه أعرابي
جاف تطيعه عشيرته وهو من بني تميم وقد قتل قتيبة بني الأهتم فهم
يطلبونه بدمائهم فسعوا إِلَى وَكِيع فأعطاهم يده فبايعوه، وكان السفير
بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل
البصرة أربعون
(1/408)
ألفا ومن أهل الكوفة سبعة آلاف ومن الموالي
سبعة آلاف، وإن وَكِيعا تمارض ولزم منزله فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى
رجليه وساقه بمغرة فيقول أنا عليل لا تمكنني الحركة، وكان إذا أرسل
إليه قوما يأتونه به تسللوا وأتوا وَكِيعا فأخبروه فدعا وَكِيع بسلاحه
وبرمح وأخذ خمار أم ولده فعقده عَلَيْهِ، ولقيه رجل يقال له إدريس فقال
له يا أَبَا مطرف إنك تريد أمرا وتخاف ما قَدْ أمنك الرجل منه فالله
اللَّه، فقال وَكِيع: هَذَا إدريس رَسُول إبليس أقتيبة يؤمنني والله لا
آتيه حَتَّى أوتى برأسه، ودلف نحو فسطاط قتيبة وتلاحق به وقتيبة في أهل
بيته وقوم وفوا له فقال صالح أخوه لغلامه:
هات قوسي، فقال له بعضهم وهو يهزأ به: ليس هَذَا يوم قوس ورماه رجل من
بني ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى وقتيبة عند رأسه وكان
قتيبة يقول لحيان وهو عَلَى الأعاجم أحمل فيقول لم يأن ذلك بعد وحملت
العجم عَلَى العرب، فقال حيان: يا معشر العجم لم تقتلون أنفسكم لقتيبة
ألحسن بلائه عندكم فانحاز بهم إِلَى بني تميم وتهايج الناس وصبر مع
قتيبة أخوته وأهل بيته وقوم من أبناء ملوك السغد أنفوا من خذلانه وقطعت
أطناب الفسطاط وأطناب الفازة فسقطت عَلَى قتيبة وسقط عمود الفازة عَلَى
هامته فقتله فاحتز رأسه عَبْد اللَّهِ بْن علوان، وقال قوم منهم هِشَام
بْن الكلبي: بل دخلوا عَلَيْهِ فسطاطه فقتله جهم بْن زحر الجعفي وضربه
سَعْد بْن مجد واحتز رأسه بْن علوان، قَالُوا: وقتل معه جماعة من أخوته
وأهل بيته وأم ولده الصماء ونجا ضرار بْن مُسْلِم أمنه بنو تميم، وأخذت
الأزد رأس قتيبة وخاتمه وأتى وَكِيع برأس قتيبة فبعث به إِلَى
سُلَيْمَان مع سليط بْن عطية الحنفي. وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من
ذلك، وكتب وكيع إلى أبى مجاز لاحق بْن حميدة بعهده عَلَى مرو فقبله
ورضي الناس به، وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة، ولما قبل
وَكِيع بْن أَبِي سود بصارم بخراسان
(1/409)
وضبطها فأراد سُلَيْمَان توليته إياها فقيل
له أن وَكِيعا ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة وفيه جفاء وأعرابية، وكان
وَكِيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرن إليه فمكث تسعة أشهر حَتَّى قدم
عَلَيْهِ يزيد بْن المهلب، وكان بالعراق، فكتب إليه سُلَيْمَان أن يأتي
خراسان وبعث إليه بعهده فقدم يزيد مخلدا ابنه فحاسب وَكِيعا وحبسه،
وقال له: أد مال اللَّه فقال: أو خازنا لله كنت، وغزا مخلد البتم
ففتحها ثُمَّ نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم فطمعوا في انصرافه، ثُمَّ كر
عليهم حَتَّى دخلها ودخلها جهم بْن زحر وأصاب بها مالا وأصناما من ذهب
فأهل البتم ينسبون إِلَى ولائه، قَالَ أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى:
كانوا يرون أن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأهتم أَبَا خاقان
قَدْ كتب إِلَى الحجاج يسعى بقتيبة ويخبر بما صار إليه منَ المال وهو
يومئذ خليفة قتيبة عَلَى مرو، وكان قتيبة إذا غزا استخلفه عَلَى مرو،
فلما كانت غزوة بخارى وما يليها واستخلفه أتاه بشير أحد بني الأهتم،
فقال له: أنك قَد انبسطت إِلَى عَبْد اللَّهِ وهو ذو غوائل حسود فلا
نأمنه أن يعزلك فيستفسدنا قَالَ إنما قلت هَذَا حسدا لابن عمك، قَالَ
فليكن عذري عندك فإن كان ذلك عذرتني وغزا، فكتب بما كتب به إِلَى
الحجاج فطوى الحجاج كتابه في كتابه إِلَى قتيبة، فجاء الرسول حَتَّى
نزل السكة بمرو وجاوزها، ولم يأت عَبْد اللَّهِ فأحس بالشر فهرب فلحق
بالشام فمكث زمنا يبيع الخمر والكتانيات في رزمة عَلَى عنقه يطوف بها،
ثُمَّ أنه وضع خرقة وقطنة عَلَى إحدى عينيه ثُمَّ عصبها واكتنى بأبي
طينة، وكان يبيع الزيت فلم يزل عَلَى هَذِهِ الحال حَتَّى هلك الوليد
بْن عَبْد الملك، وقام سُلَيْمَان فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة وقام
بخطبة تهنئة لسُلَيْمَان ووقوعا في الحجاج وقتيبة، وكان قَدْ بايع لعبد
الْعَزِيزِ بْن الوليد وخلع سُلَيْمَان فتفرق الناس وهم يقولون: أَبُو
طينة الزيات أبلغ الناس، فلما انتهى إِلَى قتيبة كتاب ابن الأهتم إِلَى
الحجاج وقد فاته عكر عَلَى
(1/410)
بني عمه وبنيه، وكان أحدهم شيبة أَبُو شبيب
فقتل تسعة أناسي منهم أحدهم بشير:
فقال له بشير: اذكر عذري عندك فقال قدمت رجلا وأخرت رجلا يا عدو اللَّه
فقتلهم جميعا، وكان وَكِيع بْن أَبِي سود قبل ذلك عَلَى بني تميم
بخراسان فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلا من بني ضرار الضبي، فقال حين
قتلهم: قتلني اللَّه أنا أقتله ويفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر،
فقالوا له: إنك لم تصل، فقال:
وكيف أصلي لرب قتل منا عامتهم صبيان ولم يغضب لهم.
وقال أَبُو عُبَيْدة: غزا قتيبة مدينة فيل ففتحها، وقد كان أمية بْن
عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد فتحها ثُمَّ نكثوا ورامهم يزيد بْن
المهلب فلم يقدر عليها، فقال كعب الأشقري:
أعطتك فيل بأيديها وحق لها ... ورامها قبلك الفجاجة الصلف
يعني يزيد بْن المهلب، قَالُوا: ولما استخلف عُمَر بْن عَبْد
الْعَزِيزِ كتب إِلَى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إِلَى الإسلام فأسلم
بعضهم، وكان عامل عُمَر عَلَى خراسان الجراح بْن عَبْد اللَّهِ الحكمي
فأخذ مخلد بْن يزيد وعمال يزيد فحبسهم ووجه الجراح عَبْد اللَّهِ بْن
معمر اليشكري إِلَى ما وراء النهر فأوغل في بلاد العدو وهم بدخول الصين
فأحاطت به الترك حَتَّى افتدى منهم وتخلص وصار إِلَى الشاش، ورفع عُمَر
الخراج عَلَى من أسلم بخراسان وفرض لمن أسلم وابتنى الخانات، ثُمَّ بلغ
عُمَر عَنِ الجراح عصبية وكتب إليه أنه لا يصلح أهل خراسان إلا السيف
فأنكر ذلك وعزله وكان عَلَيْهِ دين فقضاه، وولى عَبْد الرَّحْمَنِ بْن
نعيم الغامدي حرب خراسان وعبد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ القشيري
خراجها.
قَالَ وكان الجراح بْن عَبْد اللَّهِ يتخذ نقرا من فضة وذهب ويصيرها
تحت
(1/411)
بساط في مجلسه عَلَى أوزان مختلفة، فإذا
دخل عَلَيْهِ الداخل من أخوته والمعتزين به رمى إِلَى كل امرئ منهم
مقدار ما يؤهل له، ثُمَّ ولى يزيد بْن عَبْد الملك فولى مسلمة بْن
عَبْد الملك العراق وخراسان، فولى مسلمة سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيزِ
بْن الحارث بْن الحكم بْن أَبِي العاص بْن أمية خراسان وسعيد هَذَا
يلقب حذيفة، وذلك أن بعض دهاقين ما وراء النهر دخل عَلَيْهِ وعليه
معصفر وقد رجل شعره، فقال: هَذَا حذيفة يعني دهقانه، وكان سَعِيد صهر
مسلمة على ابنته فقدم سَعِيد سورة بْن الحر الحنظلي، ثُمَّ ابنه فتوجه
إِلَى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها فحاربهم وهزمهم
ومنع الناس من طلبهم حينا، ثُمَّ لقي الترك ثانية فهزموهم وأكثروا
القتل في أصحابه وولى سَعِيد نَصْر بْن سيار وفي سَعِيد يقول الشاعر:
فسرت إِلَى الأعداء تلهو بلعبة ... فأيرك مشهور وسيفك مغمد
وشخص قوم من وجوه أهل خراسان إِلَى مسلمة يشكون سعيدا فعزله وولى
سَعِيد بْن عُمَر الجرشي خراسان، فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده
وكان لحانا، فقال سَعِيد: أيها الناس إن الأمير بريء مما تسمعون من
هَذَا اللحن ووجه إِلَى السغد يدعوهم إِلَى الفئة والمراجعة وكف عن
مهايجتهم حتى أنته رسله بإقامتهم عَلَى خلافة فزحف إليهم فانقطع عن
عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل، وفارقوهم مائلين إِلَى الطاعة، وافتتح
الجرشي عامة حصون السغد ونال منَ العدو نيلا شافيا.
وكان يزيد بْن عَبْد الملك ولى عهده هِشَام بْن عَبْد الملك والوليد
بْن يزيد بعده، فلما مات يزيد بْن عَبْد الملك قام هِشَام فولى عُمَر
بْن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل عَلَى خراسان مُسْلِم
بْن سَعِيد فغزا أفشين فصالحه عَلَى ستة آلاف رأس ودفع إليه قلعته
ثُمَّ انصرف إِلَى مرو، وولى
(1/412)
طخارستان نَصْر بْن سيار فخالفه خلق منَ
العرب فأوقع بهم ثُمَّ سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.
واستعمل هِشَام خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري عَلَى العراق فولى أسد
بْن عَبْد اللَّهِ أخاه خراسان وبلغ ذلك مُسْلِم بْن سَعِيد، فسار
حَتَّى أتى فرغانة فأناخ عَلَى مدينتها فقطع الشجر وأخرب العمارة
وانحدر عَلَيْهِ خاقان الترك في عسكره فارتحل عن فرغانة وسار في يوم
واحد ثلاث مراحل حَتَّى قامت دوابه وتطرفت الترك عسكره فقاب بعض
الشعراء:
غزوت بنا من خشية العزل عاصيا ... فلم تنج من دنيا معن غرورها
وقدم أسد سمرقند فاستعمل عليها الْحَسَن بْن أَبِي العمرطة، فكانت
الترك تطرف سمرقند وتغير، وكان الْحَسَن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم،
فخطب ذات يوم فدعا عَلَى الترك في خطبته، فقال: اللهم أقطع آثارهم وعجل
أقدارهم وأنزل عليهم الصبر فشتمه أهل سمرقند، وقالوا: لا بل أنزل
اللَّه علينا الصبر وزلزل أقدامهم.
وغزا أسد جبال نمرود فصالحه نمرود وأسلم وغزا الختل، فلما قدم بلخ أمر
ببناء مدينتها ونقل الدواوين إليها وصار إِلَى الختل فلم يقدر منها
عَلَى شيء وأصاب الناس ضر وجوع وبلغه عن نَصْر بْن سيار كلام فضربه
وبعث به إِلَى خَالِد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب، ثُمَّ شخص أسد عن
خراسان وخلف عليها الحكم بْن عوانة الكلبي، واستعمل هِشَام أشرس بْن
عَبْد اللَّهِ السلمي عَلَى خراسان، وكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة
ويكنى أَبَا أمية فزين له الشر فزاد أشرس وظائف خراسان واستخف
بالدهاقين، ودعا أهل ما وراء النهر إِلَى الإسلام وأمر بطرح الجزية عمن
أسلم فسارعوا إِلَى الإِسْلام وانكسر الخراج، فلما رأى أشرس ذلك أخذ
المسألة فأنكروا ذلك وألاحوا منه
(1/413)
وغضب لهم ثابت قطنة الأزدي، وإنما قيل له
قطنة لأن عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة فبعث إليهم أشرس من فرق جمعهم
وأخذ ثابتا فحبسه ثُمَّ خلاه بكفالة ووجهه فى وجه فخرجت عَلَيْهِ الترك
فقتلته.
واستعمل هِشَام في سنة اثنتي عشرة ومائة الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ
المرى عَلَى خراسان فلقي الترك فحاربهم ووجه طلائع له فظفروا بابن
خاقان وهو سكران يتصيد، فأخذوه فأتوا به الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ
فبعث به إِلَى هِشَام، ولم يزل يقاتل الترك حَتَّى دفعهم، فكتب إِلَى
هِشَام يستمده فأمده بعمرو بْن مُسْلِم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة
وبعبد الرَّحْمَنِ بْن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة وحمل إليه
ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس وأطلق يده في الفريضة ففرض لخمسة عشر
ألف رجل، وكانت للجنيد مغاز وانتشرت دعاة بني هِشَام في ولايته وقوي
أمرهم وكانت وفاة الجنيد بمرو، وولى هِشَام خراسان عاصم بْن عَبْد
اللَّهِ بْن يزيد الهلالي، وقال أَبُو عُبَيْدة معمر بْن المثنى التاثت
نواح من طخارستان ففتحها الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ وردها إِلَى
صلحها ومقاطعتها.
قَالَ: وكان نَصْر بْن سيار غزا اشر وسنة أيام مروان بْن مُحَمَّد فلم
يقدر عَلَى شيء منها، فلما استخلف أمير الْمُؤْمِنِين العَبَّاس رحمه
اللَّه ومن بعده منَ الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض
العدو وأطرافها ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبالة
ويعيدون مصالحة منَ امتنع منَ الوفاء بصلحه بنصب الحرب له.
قَالُوا: ولما استخلف المأمون أمير الْمُؤْمِنِين أغزى السغد وأشروسنة
ومن انتقض عَلَيْهِ من أهل فرغانة الجند وألح عليهم بالحروب وبالغارات
أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك، وكان مع تسريته الخيول إليهم يكاتبهم
بالدعاء إِلَى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما.
(1/414)
ووجه إِلَى كابل شاه جيشا فأدى الإتاوة
وأذعن بالطاعة واتصل إليها البريد حَتَّى حمل إليها منها إهليلج وصل
رطبا، وكان كاوس ملك أشروسنة كتب إِلَى الْفَضْل بْن سَهْل المعروف بذي
الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه يسأله الصلح عَلَى مال يؤديه عَلَى
أن لا يغزي المسلمين بلده فأجيب إِلَى ذلك، فلما قدم المأمون رحمه
اللَّه إِلَى مدينة السلام امتنع كاوس منَ الوفاء بالصلح، وكان له
قهرمان أثير عنده قد زوج ابنته منَ الْفَضْل بْن كاوس فكان يفرط
الْفَضْل عنده ويقربه من قبله ويذم حيدر بْن كاوس المعروف بالأفشين
ويشنعه، فوثب حيدر عَلَى القرمان فقتله عَلَى باب كنب مدينتهم وهرب إلى
هاشم بن محوز الختلي، وكان هاشم ببلده مملكا عَلَيْهِ، فسأله أن يكتب
إلى أبيه فى الرضى عَلَيْهِ، وكان كاوس قَدْ زوج أم جنيد حين قتل
قهرمانة طراديس وهرب ببعض دهاقينه.
فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الإسلام وشخص إِلَى مدينة السلام، فوصف للمأمون
سهولة الأمر فى أشر وسنة وهون عليه ما يهوله الناس من خبروها ووصف له
طريقا مختصرة إليها، فوجه المأمون أَحْمَد بْن أَبِي خالد الأحول
الكاتب لغزوها في جيش عظيم، فلما بلغ كاوس إقباله نحوه بعث الْفَضْل
ابن كاوس إِلَى الترك يستنجدهم فأنجده منهم الدهم، وقدم أَحْمَد بْن
أبى خالد بلد أشر وسنة فأناخ عَلَى مدينتها قبل موافاة الْفَضْل
بالأتراك فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطريق البعيدة وأنه لا يعرف
هَذِهِ الطريق المختصرة فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم وخرج في الطاعة
وبلغ الْفَضْل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك ثم فارقهم وسار
جلدا حَتَّى أتى أباه فدخل في أمانه وهلك الأتراك عطشا، وورد كاوس
مدينة السلام فأظهر الإِسْلام وملكه المأمون عَلَى بلاده، ثُمَّ ملك
حيدر ابنه وهو الأفشين بعده، وكان المأمون رحمه اللَّه يكتب إِلَى
عماله عَلَى خراسان في غزو من لم يكن عَلَى
(1/415)
الطاعة والإِسْلام من أهل ما وراء النهر،
ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك
النواحي وأبناء ملوكهم ويستميلهم بالرغبة فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى
صلاتهم وأرزاقهم، ثُمَّ استخلف المعتصم بالله فكان عَلَى مثل ذلك
حَتَّى صار حل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر منَ السغد
والفراعنة والأشروسنة وأهل الشاش وغيرهم، وحضر ملوكهم بابه وغلب
الإِسْلام عَلَى ما هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من
الترك، وأعزى عَبْد اللَّهِ بْن طَاهِر ابنه طَاهِر بْن عَبْد اللَّهِ
بلاد الغوزية، ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله.
وحدثني العمري عَنِ الهيثم بْن عدي عَنِ ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب
ما وراء النهر حَتَّى أسكنهم أرض فرغانة والشاش.
فتوح السند
أَخْبَرَنَا علي بن محمد بن عبد الله بن أَبِي سيف، قَالَ: ولى عُمَر
بْن الخطاب رضى الله عنه عُثْمَان بْن أَبِي العاصي الثقفي البحرين
وعمان سنة خمس عشرة فوجه أخاه الحكم إِلَى البحرين ومضى إِلَى عمان
فأقطع جيشا إِلَى تانه، فلما رجع الجيش كتب إِلَى عُمَر يعلمه ذلك،
فكتب إليه عُمَر: يا أخا ثقيف حملت دودا عَلَى عود وإني أحلف بالله لو
أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم، ووجه الحكم أيضا إِلَى بروص، ووجه أخاه
المغيرة بْن أبى العاصي إِلَى خور الديبل، فلقي العدو فظفر، فلما ولى
عُثْمَان بْن عَفَّان رضي اللَّه عنه، وولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر
بْن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إِلَى ثغر الهند من يعلم علمه
وينصرف إليه بخبره فوجه حكيم بْن جبلة العبدي، فلما رجع أوفده إِلَى
عُثْمَان فسأله عن حال البلاد فقال: يا أمير الْمُؤْمِنِين قَدْ عرفتها
وتنحرتها، قَالَ فصفها لي، قَالَ: ماؤها وشل
(1/416)
وثمرها دفل ولصها بطل، إن قل الجيش فيها
ضاعوا، وإن كثروا جاعوا، فقال له عُثْمَان: أخابر أم ساجع، قَالَ: بل
خابر فلم يغزها أحدا، فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع
وثلاثين في خلافة علي بْن أَبِي طالب رضي اللَّه عنه توجه إِلَى ذلك
الثغر الحارث بْن مرة العبدي متطوعا بإذن علي فظفر وأصاب مغنما وسبيا
وقسم في يوم واحد ألف رأس، ثُمَّ إنه قتل ومن معه بأرض القيقان إلا
قليلا، وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين والقيقان من بلاد السند مما
يلي خراسان، ثُمَّ غزا ذلك الثغر المهلب بْن أَبِي صفرة في أيام معاوية
سنة أربع وأربعين فأتى بنة والأهواز وهما بَيْنَ الملتان وكابل فلقيه
العدو فقاتله ومن معه، ولقي المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا منَ
الترك عَلَى خيل محذوفة فقاتلوه فقتلوا جميعا، فقال المهلب: ما جعل
هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا فحذف الخيل فكان أول من حذفها منَ
المسلمين وفي بنة يقول الأزدي:
ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا ... ببنة كانوا خير جيش المهلب
ثُمَّ ولى عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر في زمن معاوية بْن أَبِي سُفْيَان
عَبْد اللَّهِ بْن سوار العبدي، ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند،
فغزا القيقان فأصاب مغنما، ثُمَّ وفد إِلَى معاوية وأهدى إليه خيلا
قيقانية وأقام عنده، ثُمَّ رجع إِلَى القيقان فاستجاشوا الترك فقتلوه
وفيه يقول الشاعر:
وابن سوار عَلَى عدته ... موقد النار وقتال السغب
وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره في عسكره، فرأى ذات ليلة نارا
فقال: ما هَذِهِ، فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص فأمر أن يطعم
الناس الخبيص ثلاثا وولى زياد بْن أَبِي سُفْيَان في أيام معاوية سنان
بْن سلمة بْن المحبق الهذلي، وكان فاضلا متألها، وهو أول من أحلف الجند
بالطلاق فأتى الثغر ففتح مكران عنوة ومصرها وأقام بها وضبط البلاد،
وفيه يقول الشاعر:
(1/417)
رأيت هذيلا أحدثت في يمينها ... طلاق نساء
ما يسوق لها مهرا
لهان عَلَى حلفة ابن محبق ... إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا
وقال ابن الكلبي: كان الَّذِي فتح مكران حكيم بْن جبلة العبدي، ثُمَّ
استعمل زياد عَلَى الثغر راشد بْن عَمْرو الجديدي منَ الأزد فأتى
مكران، ثُمَّ غزا القيقان فظفر، ثُمَّ غزا الميد فقتل، وقام بأمر الناس
سنان بْن سلمة فولاه زياد الثغر فأقام به سنتين، وقال أعشى همدان في
مكران:
وأنت تسير إِلَى مكران ... فقد شحط الورد والمصدر
ولم تك حاجتي مكران ... ولا الغزو فيها ولا المتجر
وحدثت عنها ولم آتها ... فما زالت من ذكر آخر
بأن الكثير بها جائع ... وأن القليل بها معور
[1] وغزا عباد بْن زياد ثغر الهند من سجستان فأتى سناروذ ثُمَّ أخذ
عَلَى حوى كهز إِلَى الروذبار من أرض سجستان إِلَى الهندمند فنزل كش
وقطع المفازة حَتَّى أتى القندهار فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم وفتحها بعد
أن أصيب رجال منَ المسلمين، ورأى قلانس أهلها طوالا فعمل عليها فسميت
العبادية وقال ابن مفرغ: [1]
كم بالجروم وأرض الهند من قدم ... ومن سرائنك قتلى لا هم قبروا
بقندهار ومن تكتب منيته ... بقندهار يرجم دونه الخبر
ثُمَّ ولى زياد المنذر بْن الجارود العبدي ويكنى أَبَا الأشعث ثغر
الهند، فغزا البوقان والقيقان فظفر المسلمون وغنموا وبث السرايا في
بلادهم، وفتح قصدار وسبابها، وكان سنان قَدْ فتحها إلا أن أهلها
انتقضوا، وبها مات فقال الشاعر:
حل بقصدار فأضحى بها ... في القبر لم يغفل مع الغافلين
__________
[1] وردت في الأصل مقارع فصححناها اعتمادا على بعض المصادر الأدبية.
(1/418)
لله قصدار وأعنابها ... أي فتى دنيا أجنت
ودين
ثُمَّ ولى عُبَيْد بْن زياد بْن حرى الباهلي، ففتح اللَّه تلك البلاد
عَلَى يده وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم، وقال قوم: أن عُبَيْد
اللَّه بْن زياد ولى سنان ابن سلمة، وكان حرى عَلَى سراياه وفي حرى بْن
حرى يقول الشاعر:
لولا طعاني بالبوقان ما رجعت ... منه سرايا ابن حرى بأسلاب
وأهل البوقان اليوم مسلمون وقد بنى عِمْرَان بْن موسى بْن يَحْيَى بْن
خَالِد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء وذلك في خلافة المعتصم بالله،
ولما ولى الحجاج ابن يوسف بْن الحكم بْن أَبِي عقيل الثقفي العراق ولى
سَعِيد بْن أسلم بْن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر فخرج عليه معاوية
ومحمد ابنا الحارث العلافيان فقتل وغلب العلافيان عَلَى الثغر واسم
علاف هُوَ ربان بْن حلوان بْن عِمْرَان ابن الحاف بْن قضاعة، وهو أَبُو
جرم، فولى الحجاج مجاعة بْن سعر التميمي ذلك الثغر فغزا مجاعة فغنم
وفتح طوائف من قندابيل، ثُمَّ أتم فتحها مُحَمَّد ابن الْقَاسِم ومات
مجاعة بعد سنة بمكران قَالَ الشاعر:
ما من مشاهدك الَّتِي شاهدتها ... إلا يزينك ذكرها مجاعا
ثُمَّ استعمل الحجاج بعد مجاعة مُحَمَّد بْن هارون بْن ذراع النمري
فأهدى إِلَى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن في بلاده
مسلمات ومات آباؤهن وكانوا تجارا فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة
الَّتِي كنا فيها قوم من ميد الديبل في بوارج فأخذوا السفينة بما فيها
فنادت امرأة منهن وكانت من بني يربوع يا حجاج، وبلغ الحجاج ذلك فقال:
يا لبيك فأرسل إِلَى داهر يسأله تخلية النسوة. فقال: إنما أخذهن لصوص
لا أقدر عليهم، فأغزى الحجاج عُبَيْد اللَّه بْن نبهان الديبل فقتل،
فكتب إِلَى بديل بْن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إِلَى
الديبل، فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو
(1/419)
فقتلوه وقال بعضهم قتله زط البدهة، قَالَ:
وإنما سميت هَذِهِ الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها، ثُمَّ ولى
الحجاج مُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد بْن الحكم بْن أَبِي عقيل
في أيام الوليد بْن عَبْد الملك فغزا السند، وكان مُحَمَّد بفارس وقد
أمره أن يسير إِلَى الري وعلى مقدمته أَبُو الأسود جهم بْن زحر الجعفي
فرده إليه وعقد له عَلَى ثغر السند وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام
وخلقا من غيرهم وجهزه بكل ما احتاج إليه حَتَّى الخيوط والمال، وأمره
أن يقيم بشيراز حَتَّى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما عدله، فعمد الحجاج
إِلَى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق، ثُمَّ جفف في الظل
فقال: إذا صرتم إِلَى السند فإن الخل بها ضيق فانقعوا هَذَا القطن في
الماء ثُمَّ اطبخوا به واصطبغوا، ويقال أن محمدا لما صار إِلَى الثغر
كتب يشكو ضيق الخل عليهم فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل، فسار
مُحَمَّد بْن الْقَاسِم إِلَى مكران فأقام بها أياما ثُمَّ أتى قنزبور
ففتحها ثُمَّ أتي أرمائيل ففتحها وكان مُحَمَّد بْن هارون بْن ذراع
قَدْ لقيه فانضم إليه وسار معه فتوفي بالقرب منها فدفن بقنيل، ثُمَّ
سار مُحَمَّد بْن الْقَاسِم منَ أرمائيل ومعه جهم بْن زحر الجعفي فقدم
الديبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة فخندق
حين نزل الديبل، وركزت الرماح عَلَى الخندق، ونشرت الأعلام، وأنزل
الناس عَلَى راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعرس كان يمد فيها خمسمائة
رجل، وكان بالديبل بد عظيم عَلَيْهِ دقل طويل وعلى الدقل راية حمراء
إذا هبت الريح أطافت بالمدينة وكانت تدور والبد فيما ذكروا منارة عظيمة
يتخذ في بناء لهم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها وقد يكون الصنم في
داخل المنارة أيضا وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد،
والصنم بد أيضا، وكانت كتب الحجاج ترد عَلَى مُحَمَّد وكتب مُحَمَّد
ترد عَلَيْهِ بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة
أيام، فورد عَلَى مُحَمَّد منَ الحجاج
(1/420)
كتاب أن أنصب العرس واقصر منها قائمة ولتكن
مما يلي المشرق ثُمَّ ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الَّذِي
وصفت لي فرمى الدقل فكسر فاشتد طرة الكفر من ذلك، ثُمَّ أن محمدا
ناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حَتَّى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد
عليها الرجال، وكان أولهم صعودا رجل من مراد من أهل الكوفة ففتحت عنوة،
ومكث مُحَمَّد يقتل من فيها ثلاثة أيام وهرب عامل داهر عنها وقتل سادني
بيت آلهتهم، واختط مُحَمَّد للمسلمين بها وبنى مسجدا وأنزلها أربعة
آلاف.
قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: فحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم النحوي مولى
آل خَالِد بْن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسورا، وأن
عنبسة بْن إِسْحَاق الضبي العامل كان عَلَى السند في خلافة المعتصم
بالله رحمه اللَّه هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنا وابتدأ في مرمة
المدينة بما نقض من حجارة تلك المناورة فعزل قبل استتمام ذلك، وولى
بعده هارون بْن أبى خالد المرور وذى فقتل بها.
قَالُوا: وأتى مُحَمَّد بْن الْقَاسِم البيرون وكان أهلها بعثوا سمنيين
منهم إِلَى الحجاج فصالحوه فأقاموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم
ووفوا بالصلح وجعل مُحَمَّد لا يمر بمدينة إلا فتحها حَتَّى عبر نهرا
دون مهران فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عمن خلفهم ووظف عليهم الخراج
وسار إِلَى سهيان ففتحها، ثُمَّ سار إِلَى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك
داهر واستعد لمحاربته وبعث مُحَمَّد بْن الْقَاسِم مُحَمَّد بْن مصعب
بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الثقفي إِلَى سدوسا في خيل وحمارات، فطلب أهلها
الأمان والصلح وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ
منهم رهنا وانصرف إِلَى مُحَمَّد ومعه منَ الزط أربعة آلاف فصاروا مع
مُحَمَّد، وولى سدوسان رجلا، ثُمَّ أن محمدا احتال لعبور مهران حَتَّى
عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة منَ الهند عَلَى جسر عقده وداهر
(1/421)
مستخف به لاه عنه ولقيه مُحَمَّد والمسلمون
وهو عَلَى فيل وحوله الفيلة ومعه التكاكرة فاقتتلوا قتالا شديدا لم
يسمع بمثله وترجل داهر وقاتل فقتل عند المساء وانهزم المشركون فقتلهم
المسلمون كيف شاءوا وكان الَّذِي قتله في رواية المدائني رجلا من بني
كلاب وقال:
الخيل تشهد يوم داهر والقنا ... وَمُحَمَّد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد
أني فرجت الجمع غير معرد ... حَتَّى علوت عظيمهم بمهند
فتركته تحت العجاج مجدلا ... متعفر الخدين غير مؤسد
فحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم، قَالَ: داهر والذي قتله مصوران ببروص
وبديل بْن طهفة مصور بقند وقبره بالديبل.
وحدثني علي بْن مُحَمَّد المدائني عن أَبِي مُحَمَّد الهندي عن أَبِي
الفرج قَالَ:
لما قتل داهر غلب مُحَمَّد بْن الْقَاسِم عَلَى بلاد السند، وقال ابن
الكلبي: كان الَّذِي قتل داهر الْقَاسِم بْن ثعلبة بْن عَبْد اللَّهِ
بْن حصن الطائي.
قالوا وفتح محمد بن القاسم راور عنوة وكانت بها امرأة لداهر فخافت أن
تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها، ثُمَّ أتى محمد بن القاسم
بزهمناباذ العتيقة وهي عَلَى رأس فرسخين منَ المَنْصُورة، ولم تكن
المَنْصُورة يومئذ إنما كان موضعا غيضة، وكان فل داهر ببرهمناباذ
هَذِهِ فقاتلوه ففتحها مُحَمَّد عنوة وقتل بها ثمانية آلاف وقيل ستة
وعشرين ألفا وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب، وسار مُحَمَّد يريد الرور
وبغرور فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان فأعطاهم إياه واشترط عليهم
ضيافة المسلمين ودلالتهم وأهل ساوندرى اليوم مسلمون، ثُمَّ تقدم إِلَى
بسمد فصالح أهلها عَلَى مثل صلح ساوندرى وانتهى مُحَمَّد إِلَى الرور
وهي من مدائن السند وهي عَلَى جبل فحصرهم
(1/422)
أشهرا ففتحها صلحا عَلَى أن لا يقتلهم ولا
يعرض لبدهم وقال: ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران
المجوس ووضع عليهم الخراج بالرورويني مسجدا، وسار مُحَمَّد إِلَى السكة
وهي مدينة دون يباس ففتحها والسكة اليوم خراب، ثُمَّ قطع نهر يباس
إِلَى الملتان فقاتله أهل الملتان فأبلى زائدة بْن عمير الطائي، وانهزم
المشركون فدخلوا المدينة وحصرهم مُحَمَّد ونفدت أزواد المسلمين فأكلوا
الحمر، ثُمَّ أتاهم رجل مستأمن فدلهم عَلَى مدخل الماء الَّذِي منه
شربهم وهو ماء يجري من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في
المدينة وهم يسمونه البلاح فغوره، فلما عطشوا نزلوا عَلَى الحكم فقتل
مُحَمَّد المقاتلة وسبى الذرية وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف، وأصابوا
ذهبا كثيرا فجمعت تلك الأموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثماني أذرع
يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة في سطحه فسميت الملتان، فرج بيت الذهب
والفرج الثغر وكان بد الملتان بدا تهدى إليه الأموال وينذر له النذور
ويحج إليه السند فيطوفون به ويحلقون رؤسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن
صنما فيه هُوَ أيوب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالُوا: ونظر الحجاج فإذا هُوَ قَدْ أنفق عَلَى مُحَمَّد بْن
الْقَاسِم ستين ألف ألف ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف، فقال:
شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر، ومات
الحجاج فأتت محمدا وفاته فرجع عن الملتان إلى الرورو بغرور، وكان قَدْ
فتحها فأعطى الناس ووجه إِلَى البيلمان جيشا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة
وسالمه أهل سرست وهي مغزى أهل البصرة اليوم وأهلها الميد الَّذِي
يقطعون في البحر، ثُمَّ أتى مُحَمَّد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله
فانهزم العدو وهرب دوهر، ويقال قتل ونزل أهل المدينة عَلَى حكم
مُحَمَّد فقتل وسبى قَالَ الشاعر:
نحن قتلنا داهرا ودوهرا والخيل تردي منسرا فمنسرا
(1/423)
ومات الوليد بْن عَبْد الملك، وولى
سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك فاستعمل صالح ابن عَبْد الرَّحْمَنِ عَلَى
خراج العراق، وولى يزيد بْن أَبِي كبشة السكسكي السند فحمل مُحَمَّد
بْن الْقَاسِم مقيدا مع معاوية بْن المهلب، فقال مُحَمَّد متمثلا:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر فبكى أهل الهند عَلَى
محمد وصوروه بالكيرج فحبسه صالح بواسط فقال:
فلئن ثويت بواسط وبأرضها ... رهن الحديد مكبلا مغلولا
فلرب فتية فارس قَدْ رعتها ... ولرب قرن قَدْ تركت قتيلا
وقال:
لو كنت جمعت القرار لوطئت ... أناث أعدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ... ولا كان من عك عَلَى أمير
ولا كنت للعبد المزونى تابعا ... فيا لك دهر بالكرام عثور
فعذبه صالح في رجال من آل أَبِي عقيل حَتَّى قتلهم، وكان الحجاج قتل
آدم أخا صالح، وكان يرى رأي الخوارج، وقال حَمْزَة بْن بيض الحنفي:
إن المروءة والسماحة والندى ... لمحمد بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة ... يا قرب ذلك سوددا من مولد
وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة ... ولداته عن ذاك في أشغال
ومات يزيد بْن أَبِي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوما
واستعمل سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك حبيب بْن المهلب عَلَى حرب السند
فقدمها وقد رجع ملوك الهند إِلَى ممالكهم فرجع حليشة بْن داهر إِلَى
برهمناباذ ونزل حبيب عَلَى شاطئ مهران فأعطاه أهل الرور الطاعة وحارب
قوما فظفر
(1/424)
بهم، ثُمَّ مات سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك
وكانت خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ بعده فكتب إِلَى الملوك يدعوهم
إِلَى الإِسْلام والطاعة عَلَى أن يملكهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما
عليهم، وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشة والملوك وتسموا
بأسماء العرب، وكان عَمْرو بْن مُسْلِم الباهلي عامل عُمَر عَلَى ذلك
الثغر فغزا بعض الهند فظفر وهرب بنو المهلب إِلَى السند في أيام يزيد
ابن عَبْد الملك فوجه إليهم هلال بْن أحوز التميمي فلقيهم فقتل مدرك
بْن المهلب بقندابيل وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومروان ومعاوية بني
المهلب وقتل معاوية بْن يزيد في آخرين.
وولى الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ المرى من قبل عُمَر بْن هبيرة
الفزاري ثغر السند، ثُمَّ ولاه إياه هِشَام بْن عَبْد الملك فلما قدم
خَالِد بْن عَبْد اللَّهِ القسري العراق كتب هِشَام إِلَى الجنيد يأمره
بمكاتبته فأتى الجنيد الديبل، ثُمَّ نزل شط مهران فمنعه حليشة العبور
وأرسل إليه أني قَدْ أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي ولست آمنك فأعطاه
رهنا وأخذ منه رهنا بما عَلَى بلاده منَ الخراج، ثُمَّ أنهما ترادا
الرهن وكفر حليشة وحارب وقيل أنه لم يحارب ولكن الجنيد يجني عَلَيْهِ،
فأتى الهند فجمع جموعا وأخذ السفن واستعد للحرب فسار إليه الجنيد في
السفن فالتقوا في بطيحة الشرقي فأخذ حليشة أسيرا وقد جنحت سفينته فقتله
وهرب صصة بْن داهر وهو يريد أن يمضي إِلَى العراق فيشكو غدر الجنيد،
فلم يزل الجنيد يؤنسه حَتَّى وضع يده فى يده فقتله وغزا الجنيد الكيرج،
وكانوا قَدْ نقضوا فاتخذ كباشا نطاحة فصك بها حائط المدينة حَتَّى ثلمه
ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم ووجه العمال إِلَى مرمد والمندل ودهنج
وبروص، وكان الجنيد يقول القتل في الجزع أكبر منه في الصبر، ووجه
الجنيد جيشا إِلَى أزين ووجه حبيب بْن مرة في جيش إِلَى أرض المالية
فأغاروا عَلَى أزين وغزوا بهريمد فحرقوا ربضها، وفتح الجنيد
(1/425)
البيلمان والجرز، وحصل في منزله سوى ما
أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها قَالَ جرير:
أصبح زوار الجنيد وصحبه ... يحيون صلت الوجه حما مواهبه
وقال أَبُو الجويرية:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بإحسانهم أو مجدهم قعدوا
محسدون عَلَى ما كان من كرم ... لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
ثُمَّ ولى بعد الجنيد تميم بْن زيد العتبي فضعف ووهن ومات قريبا منَ
الديبل بماء يقال له ماء الجواميس، وإنما سمي ماء الجواميس لأنه يهرب
بها إليه من دباب زرق تكون بشاطئ مهران، وكان تميم من أسخياء العرب وجد
في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطرية فأسرع فيها، وكان
قَدْ شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس وأمه من طيء
إِلَى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إِلَى تميم في إقفاله وعاذت
بقبر غالب أبيه، فكتب الفرزدق إِلَى تميم:
أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها
فهب لي خنيسا واتخذ فيه منة ... لحوبة أم ما يسوغ شرابها
تميم بْن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر ولا يجفى عليك جوابها
فلا تكثر الترداد فيها فإنني ... ملول لحاجات بطيء طلابها
فلم يدر ما اسم الفتى أهو خنيش أم خنيس فأمر أن يقفل كل من كان اسمه
عَلَى مثل هَذِهِ الحروف، وفي أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد الهند
ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إِلَى هَذِهِ الغاية، ثُمَّ ولى الحكم
بْن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة فلم ير للمسلمين ملجأ
يلجؤن إليه فبنى من وراء البحيرة مما يلي الهند مدينة سماها المحفوظة
وجعلها مأوى لهم
(1/426)
ومعاذا ومصرها، وقال لمشايخ كلب من أهل
الشام ما ترون أن نسميها، فقال بعضهم دمشق، وقال بعضهم حمص، وقال رجل
منهم سمها تدمر، فقال: دمر اللَّه عليك يا أحمق ولكنى أسميها المحفوظة
ونزلها، وكان عَمْرو ابن مُحَمَّد بْن الْقَاسِم مع الحكم، وكان يفوض
إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله، فأغزاها منَ المحفوظة، فلما قدم
عَلَيْهِ وقد ظفر أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المَنْصُورة فهي
الَّتِي ينزلها العمال اليوم، وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما
غلبوا عَلَيْهِ ورضي الناس بولايته، وكان خالد يقول وا عجبا وليت فتى
العرب فرفض يعنى تميما ووليت أبخل الناس فرضي به، ثُمَّ قتل الحكم بها،
ثُمَّ كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم ويفتحون
الناحية قَدْ نكث أهلها، فلما كان أول الدولة المباركة ولى أَبُو
مُسْلِم عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مُسْلِم مغلسا البعدي ثغر السند وأخذ
عَلَى طخارستان وسار حَتَّى صار إِلَى مَنْصُور ابن جمهور الكلبي وهو
بالسند فلقيه مَنْصُور فقتله وهزم جنده، فلما بلغ أَبَا مُسْلِم ذلك
عقد لموسى بْن كعب التميمي ثُمَّ وجهه إِلَى السند، فلما قدمها كان
بينه وبين مَنْصُور بْن جمهور مهران، ثُمَّ التقيا فهزم مَنْصُورا
وجيشه وقتل منظورا أخاه وخرج مَنْصُور مفلولا هاربا حَتَّى ورد الرمل
فمات عطشا، وولى موسى السند فرم المَنْصُورة وزاد في مسجدها وغزا
وافتتح، وولى أمير الْمُؤْمِنِين المَنْصُور رحمه اللَّه هِشَام بْن
عَمْرو التغلبي السند ففتح ما استغلق، ووجه عَمْرو بْن جمل في بوارج
إلى نارند ووجه إِلَى ناحية الهند فافتتح قشميرا وأصاب سبابا ورقيقا
كثيرا، وفتح الملتان وكان بقندابيل متغلبة منَ العرب فأجلاهم عنها،
وأتى القندهار في السفن ففتحها وهدم البد وبنى موضعه مسجدا، فأخصبت
البلاد في ولايته فتبركوا به ودوخ الثغر وحكم أموره، ثُمَّ ولى ثغر
السند عمر بن حفص بن عثمان هزار مرد ثُمَّ داود بْن يزيد بْن حَاتِم،
وكان معه أَبُو الصمة
(1/427)
المتغلب اليوم وهو مولى لكندة، ولم يزل أمر
ذلك الثغر مستقيما حَتَّى وليه بشر بْن داود في خلافة المأمون فعصى
وخالف فوجه إليه غسان بْن عباد وهو رجل من أهل سواد الكوفة فخرج بشر
إليه في الآمان وورد به مدينة السلام، وخلف غسان على الثغر موسى بر
يَحْيَى بْن خَالِد بْن برمك، فقتل باله ملك الشرقي وقد بذل له خمسمائة
ألف درهم على أن يستبقه، وكان باله هَذَا التوى عَلَى غسان وكتب إليه
في حضور عسكره فيمن حضره منَ الملوك فأبى ذلك، وأثر موسى أثرا حسنا
ومات سنة إحدى وعشرين واستخلف ابنه عِمْرَان بْن موسى فكتب إليه أمير
الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله بولاية الثغر فخرج إِلَى القيقان وهم زط
فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند، ثُمَّ أتى
المَنْصُورة وصار منها إِلَى قندابيل وهي مدينة عَلَى جبل وفيها متغلب
يقال له مُحَمَّد بْن الخليل فقاتله وفتحها وحمل رؤساءها إِلَى قصدار،
ثُمَّ غزا الميد وقتل منهم ثلاثة آلاف وسكر سكرا يعرف بسكر الميد وعسكر
عِمْرَان عَلَى نهر الرور ثُمَّ نادي بالزط الَّذِينَ بحضرته فأتوه
فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم إذا
اعترض عَلَيْهِ كلب، فبلغ الكلب خمسين درهما، ثُمَّ غزا الميد ومعه
وجوه الزط، فحفر منَ البحر نهرا أجراه في بطيحتهم حَتَّى ملح ماءهم وشن
الغارات عليهم، ثُمَّ وقعت العصبية بَيْنَ النزارية واليمانية فمال
عِمْرَان إِلَى اليمانية فسار إليه عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ الهباري
فقتله وهو غار، وكان جد عُمَر هَذَا ممن قدم السند مع الحكم بْن عوانة
الكلبي.
وحدثني مَنْصُور بْن حَاتِم، قَالَ: كان الْفَضْل بْن ماهان مولى بني
سامة فتح سندان وغلب عليها وبعث إِلَى المأمون رحمه اللَّه بفيل وكاتبه
ودعا له في مَسْجِد جامع اتخذه بها، فلما مات قام مُحَمَّد بْن
الْفَضْل بْن ماهان مقامه فسار
(1/428)
في سبعين بارجة إِلَى ميد الهند فقتل منهم خلقا وافتتح فالى ورجع إِلَى
سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بْن الْفَضْل، وكاتب أمير
الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجا لم ير مثله عظما وطولا،
وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عَلَيْهِ فقتلوه وصلبوه، ثُمَّ أن
الهند بعد غلبوا عَلَى سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون
للخليفة.
وحدثني أَبُو بكر مولى الكريزبين: أن بلدا يدعى العسيفان بَيْنَ قشمير
والملتان، وكابل، كان له ملك عاقل، وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنما
قَدْ بنى عَلَيْهِ بيت وأبدوه، فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت،
فقال لهم: أدعوا الصنم أن يبرئ ابني فغابوا عنه ساعة، ثُمَّ أتوه
فقالوا قَدْ دعوناه وقد أجابنا إِلَى ما سألناه فلم يلبث الغلام أن
مات، فوثب الملك عَلَى البيت فهدمه وعلى الصنم فكسره وعلى السدنة
فقتلهم، ثُمَّ دعا قوما من تجار المسلمين فعرضوا عَلَيْهِ التوحيد فوحد
وأسلم، وكان ذلك في خلافة أمير الْمُؤْمِنِين المعتصم بالله رحمه
اللَّه. |