فتوح مصر والمغرب

ذكر من اختطّ حول المسجد الجامع مع عمرو بن العاص
واختطّ حول عمرو والمسجد قريش، والأنصار، وأسلم، وغفار، وجهينة، ومن كان فى الراية ممّن لم يكن لعشيرته فى الفتح عدد مع عمرو.
فاختطّ وردان مولى عمرو القصر الذي يعرف بقصر عمر بن مروان، وإنما نسب إلى عمر بن مروان أن أنتناس صاحب الجند «3» وخراج مسلمة، سأل معاوية أن يجعل له منزلا قرب الديوان، فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلّد، يأمره أن يشترى له منزل وردان، ويخطّ لوردان حيث شاء، ففعل، فأخذ أنتناس المنزل، وبعث مسلمة مع وردان السمط مولى مسلمة، وأمره أن يقطعه غلوة «4» نشّابه، فخرج معه حتى وقفا على موضع مناخ الإبل، وكان ذلك فناء يتوسّع فيه «5» المسلمون فيما بينهم وبين البحر، فقال السمط لوردان: لنعلمنّ اليوم فضل غلاء «6» فارس على الروم، وكان السمط فارسيّا، ووردان

(1/122)


روميّا، فمغط «1» السمط فى قوسه ونزع له بنشّابه فاختطّها وردان. فلما مات أنتناس أقطعت عمر بن مروان. ويكنّى وردان بأبى عبيد.
ويقال إن قصر عمر بن مروان من خطّة الأزد، فابتاع ذلك عبد العزيز بن مروان، فوهبه لأخيه عمر بن مروان، وذلك أن ذلك الزقاق من قصر عمر بن مروان إلى الاصطبل، والاصطبل من خطّة الأزد.
واختطّ قيس بن سعد بن عبادة فى قبلة المسجد الجامع، دار الفلفل «2» ، وكانت فضاء فبناها لمّا ولى البلد، ولّاه إياه على بن أبى طالب، ثم عزله، فكان الناس يقولون إنها له حتى ذكر له ذلك، فقال: وأىّ دار لى بمصر، فذكروها له، فقال: إنما «3» تلك بنيتها «4» من مال المسلمين لا حقّ لى فيها.
ويقال إن قيس بن سعد أوصى حين حضرته الوفاة، فقال: إنى كنت بنيت دارا بمصر وأنا واليها، واستعنت فيها بمعونة المسلمين، فهى للمسلمين، ينزلها «5» ولاتهم.
ولهم عن قيس عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديثان. أحدهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: ربّ الدابّة أحقّ بصدر دابّته «6» . حدثناه أبو الأسود، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد العزيز بن عبد الملك ابن مليل، عن عبد الرحمن بن أبى أميّة «7» ، عن قيس بن سعد.
ويقال بل كانت دار الفلفل، ودار الزلابية التى إلى جنبها لنافع بن عبد القيس الفهرىّ. ويقال بل هو عقبة بن نافع، فأخذها قيس بن سعد منه وعوّضه منها دار

(1/123)


الفهريّين التى فى زقاق القناديل. ويقال بل كانت تلك الدار خطّة عقبة بن نافع، ويقال بل كانت دار الفلفل لسعد بن أبى وقّاص فتصدّق بها على المسلمين، واقتصر على داره التى بالموقف، والله أعلم. ويقال إن داره التى بالموقف التى تعرف بالفندق ليس هو خطّة لسعد، وإنما كان لمولى «1» سعد فمات فورثها عنه آل سعد. وإنما سمّيت دار الفلفل؛ لأن أسامة بن زيد التنوخىّ إذ كان واليا على خراج مصر، وابتاع من موسى بن وردان فلفلا بعشرين ألف دينار كان كتب فيه الوليد بن عبد الملك أراد أن يهديه إلى صاحب الروم، فخزنه فيها، فشكا ذلك موسى بن وردان إلى عمر بن عبد العزيز حين ولى الخلافة، فكتب أن يدفع إليه.
حدثنا طلق بن السمح، حدثنا ضمام بن إسماعيل، حدثنى موسى بن وردان، قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز فحدّثته بأحاديث عمّن أدركته من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكنت عنده بمنزله، أدخل إذا شئت وأخرج إذا شئت، فكنت أحدّثه عمّن أدركت من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فسألته الكتاب إلى حيّان بن سريج فى عشرين ألف دينار أستوفيها مرح ثمن فلفل ليكتب إليه يدفعها «2» إلىّ، فقال لى: ولمن العشرون الألف الدينار؟ قلت: هى لى. قال: ومن أين هى لك؟ قلت له: كنت تاجرا، فضرب بمخصرته ثم قال: التاجر فاجر، والفاجر فى النار. ثم قال: اكتبوا إلى حيّان بن سريج «3» ، فلم أدخل عليه بعدها، وأمر حاجبه ألا يدخلنى عليه.
وصارت دار الزلابية للحكم بن أبى بكر. ويقال بل دار الزلابية خطّة عبدة بن عبدة.
واختطّ مسلمة بن مخلّد دار الرمل، واختطّ مع مسلمة فيها، أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، واختطّ معهم عقبة بن عامر الجهنىّ، فلما ولى مسلمة بن مخلّد سأله معاوية داره فأعطاه إياها، وخطّ له فى الفضاء داره ذات الحمّام التى بسوق «4» وردان. ثم صارت

(1/124)


إلى بنى أبى بكر بن عبد العزيز، فحازها بنو العبّاس مع ما حيز من أموال بنى مروان.
فامتدح ابن شافع صالح بن علىّ فأقطعه إياها.
وإنما صارت لبنى أبى بكر بن عبد العزيز، أن مسلمة بن مخلّد توفّى ولم يترك ذكرا، فورثته ابنته أمّ سهل ابنة مسلمة، وإليها تنسب منية أمّ سهل مع «1» زوجتيه وعصبته بنى أبى دجانة، فتزوّج عبد العزيز امرأتى مسلمة بعد وفاته، وقضى عنه عشرين ألف دينار كانت عليه، وتزوّج أبو بكر بن عبد العزيز ابنته، أمّ سهل ابنة مسلمة.
وكان الذي صار إليهم من ربع «2» مسلمة بالميراث الذي ورثوا عن نسائهم.
فكانت دار مسلمة من رحا الكعك إلى حمّام سوق وردان، مما صار لعبد العزيز ولأبى بكر بن عبد العزيز، وكان لأبى بكر من منية أم سهل ما ورثه عن امرأته أمّ سهل.
وما كان فى أيدى الناس غيرهم من ذلك مما كان لابن الأشتر الصدفىّ، ولبنى وردان، ولحمّادة ابنة محمد، ولموسى بن علىّ، فمن حقوق عصبة مسلمة مما باعه يحيى بن سعيد الأنصارى، وكان العصبة قد وكّلوه بذلك، وبهذا السبب قدم يحيى بن سعيد مصر.
وكانت الدار المعروفة بدار المغازل بالحمراء مما باع يحيى بن سعيد أيضا، فاشتراها منه ابن وردان وابن مسكين.
وكان مسلمة بن مخلّد، كما حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، أحسبه أيّام عمرو على الطواحين. واشترى معاوية أيضا دار عقبة بن عامر، وخطّ له فى الفضاء قبالة الطريق إلى دار محفوظ بن سليمان، وكانت من الخطّ الأعظم إلى البحر.
ويقال بل مسلمة بن مخلّد أقطعها عقبة على ابنته أمّ كلثوم ابنة عقبة، وقد يجوز أن يكون مسلمة إنما أقطعها لعقبة بأمر معاوية عوضا من الذي أخذ منه من داره.
وكانت دار أبى رافع قد صارت إلى مولاه السائب مولى أبى رافع، فاشتراها منه معاوية، وأقطع السائب فى الفضاء عند حيز الوزّ.
ويقال بل اختطّ المقداد بن الأسود دارا كانت إلى جنب دار الرمل، وكانت إلى

(1/125)


جنبها دار لعقبة بن عامر هى خطّته، فابتاع عقبة دار المقداد بن الأسود فهدمها، وهدم داره، فبناهما جميعا دارا لرملة ابنة معاوية فكتب إليه معاوية: لا حاجة لنا «1» بها، فاجعلها للمسلمين.
وبرملة سمّيت دار الرمل (2 لأنهم كانوا يقولون دار رملة، فحرّفت العامّة ذلك، وقالوا: دار الرمل.
ويقال إنما سمّيت دار الرمل 2) لما ينقل إليها من الرمل لدار الضرب.
سمعت يحيى بن بكير فيما أحسب يقوله ولا أعلمنى سمعت ذلك من غيره.
يكنّى المقداد أبا معبد.
حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبى عبّاد، حدثنا حمّاد بن شعيب، عن منصور، عن هلال بن يساف «3» ، قال: استعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم، المقداد على سريّة، فلما رجع قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: كيف رأيت الإمارة أبا معبد؟ قال: خرجت يا رسول الله وما أرى أن لى فضلا على أحد من القوم، فما رجعت إلا وكأنهم عبيد لى. قال: كذلك الإمارة أبا معبد، إلا من وقاه الله شرّها. قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على عمل أبدا.
قال ويقال بل كتب معاوية حين استخلف إلى عقبة بن عامر يسأله أن يسلّمها ليزيد لقربها من المسجد، ويعطيه ما هو خير منها، ففعل، فأقطعه معاوية داره التى بسوق وردان وبناها له، وبنى سفل دار الرمل ليزيد، وأقطع معاوية أيضا يزيد قرية من قرى الفيّوم، فأعظم الناس ذلك وتكلّموا فيه، فلما بلغ ذلك معاوية كره قالة الناس، فردّ تلك القرية إلى الخراج كما كانت للمسلمين، وجعل دار الرمل للمسلمين تنزلها ولاتهم، ولم يكن بنى منها إلا سفلها، حتى بنى علوها القاسم بن عبيد الله بن الحبحاب.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى قبيل، عن فضالة بن عبيد، قال: كنّا عند معاوية يوما وعنده معاوية بن حديج، وكان معاوية

(1/126)


كالجمل الطنّىّ «1» ، يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، يرمى «2» بالكلمة فإن ذلّت العرب «3» أمضاها، وإن أنكروها لم يمضها. فقال ذات يوم: ما أدرى فى أىّ كتاب الله تجدون هذا الرزق والعطاء؟ فلو أنّا حبسناه، فضرب معاوية بن حديج بين كتفيه مرارا حتى ظننّا أنه يجد ألم ذلك، ثم قال: كلّا والذي نفسى بيده يا بن أبى سفيان، أو لنأخذنّ «4» بنصولها ثم لتقفنّ على أنادرها، ثم لا تخلص منها إلىّ دينار ولا درهم، فسكت معاوية.
ويكنّى معاوية بن أبى سفيان بأبى عبد الرحمن، ومعاوية بن حديج بأبى نعيم.
وكان الديوان كما حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، فى زمان معاوية أربعين ألفا، وكان منهم أربعة آلاف فى مائتين مائتين.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن رزين بن عبد الله مثله. وزاد فكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف فضل أعطيات الجند.
حدثنا هانئ، حدثنا ضمام، عن أبى قبيل، قال: كان معاوية بن أبى سفيان قد جعل على كلّ قبيلة من قبائل العرب رجلا، فكان على المعافر رجل يقال له الحسن، يصبح كل يوم فيدور على المجالس، فيقول: هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال: ولد لفلان غلام، ولفلان جارية، فيقول: سمّوهم، فيكتب. ويقال «5» نزل بها رجل من أهل اليمن بعياله فيسمّونه وعياله، فإذا فرغ من القبائل «6» كلّها أتى الديوان.
وكان الديوان كما حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة فى زمان معاوية أربعين ألفا، وكان منهم أربعة آلاف فى مائتين مائتين.

(1/127)


قال ابن عفير فى حديثه عن ابن لهيعة، قال: فأعطى مسلمة بن مخلّد أهل الديوان أعطياتهم، وأعطيات عيالاتهم وأرزاقهم، ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور،.
وأرزاق الكتبة، وحملان القمح إلى الحجاز، وبعث إلى معاوية بستّمائة ألف دينار فضلا.
قال ابن عفير: فنهضت الإبل فلقيهم برح بن حسكل، فقال: ما هذا! ما بال ما لنا يخرج من بلادنا؟ ردّوه. فردّ حتى وقف على المسجد فقال: أخذتم عطاءكم «1» وأرزاقكم وعطاء عيالاتكم ونوائبكم؟ قالوا: نعم. فقال: لا بارك الله لهم.
قال: وخطّة برح بن حسكل عند دار زنين فى الزقاق الذي يعرف بخلف «2» القمّاح.
واختطّ قيس بن أبى العاص السهمى داره التى عند دار ابن رمّانة، وكانت دار ابن رّمانة بينها وبين المسجد، ودخل بعضها فى المسجد حين زاد فى عرضه عبد الله بن طاهر، وقد كان عمرو بن العاص ولّاه القضاء.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان قيس بن أبى العاص بمصر، ولّاه عمرو بن العاص القضاء.
واختطّ إلى جانب قيس بن أبى العاص عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدىّ مما يلى زقاق البلاط دار ابن رمّانة وما يليها، فاشترى ذلك عبد العزيز بن مروان، فوهب لابن رمّانة حين قدم عليه ما بنى، وكان ما بقى للأصبغ بن عبد العزيز، وكانت دار عبد الله تلى المسجد وقبلىّ بابها اليوم مرحاض بيت المال. وكان ابن رمّانة مع عبد العزيز بن مروان فى الكتّاب، وكان عبد العزيز قد وهب لابن رمّانة خاتما كان له، فلما صار عبد العزيز إلى ما صار إليه، قدم عليه ابن رمّانة من الحجاز على بعير ليس عليه إلا فروة «3» له، فقال للحاجب: استأذن لى على الأمير، فكأن الحاجب تثاقل عنه، فقال له ابن رمّانة:
استأذن لى اليوم أستأذن لك غدا، فدخل الحاجب على عبد العزيز فأخبره بقوله فقال:
أدخله، فلما دخل عليه ابن رمّانة وكلّمه أخرج الخاتم لعبد العزيز فعرفه، فنزع عبد

(1/128)


العزيز خاتم نفسه فدفعه إلى ابن رمّانة، وبنى له داره، وغرس له نخلهم الذي لهم اليوم بناحية حلوان.
وعبد العزيز أيضا الذي غرس لعمير بن مدرك نخله الذي بالجيزة الذي يعرف بجنان عمير. وكان سبب ذلك كما حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، أن عمير بن مدرك كان غرسه أصنافا من الفاكهة، فلما أدرك سأل عبد العزيز أن يخرج إليه، فخرج معه عبد العزيز إليه، فلما رآه قال له عبد العزيز: هبه لى، فوهبه له، فأرسل عبد العزيز إلى صاحب الجزيرة فقال له: لئن أتت عليه الجمعة وفيه شجرة قائمة لأقطعنّ يدك، وكان بالجزيرة خمسمائة فاعل عدّة لحريق «1» إن كان فى البلاد أو هدم. فأتى بهم «2» صاحب الجزيرة فكانوا يقطعون الشجرة بحملها وعمير يرى حسرات، فلما فرغ من ذلك، أمر فنقل إليه الودىّ من حلوان، وغرسه نخلا، فلما أدرك خرج إليه عبد العزيز وخرج بعير معه، فقال له: أين هذا من الذي كان؟ فقال عمير: وأين أبلغ أنا ما بلغ الأمير؟ قال:
فهو لك، وحبّسه على ولدك «3» . فهو لهم إلى اليوم.
واختطّ إلى جنب عبد الله بن الحارث ثوبان مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. ويقال بل هو عجلان مولى قيس بن أبى العاص. وهى الدار التى زادها فى المسجد سلمة مولى صالح ابن علىّ.
واختطّ عبادة بن الصامت إلى جانب ابن رمّانة، وأنت تريد إلى سوق الحمّام، وهى الدار التى كان يسكنها جوجو المؤذّن، ودار إلى جنبها، فابتاع أحدهما عبد العزيز ابن مروان فكانت له، وصارت الأخرى لبنى «4» مسكين.
واختطّ خارجة بن حذافة غربىّ المسجد بينه وبين دار ثوبان قبالة الميضأة القديمة إلى أصحاب الحنّاء إلى أصحاب السويق بينه وبين المسجد الطريق.
وكان الربيع بن خارجة يتيما فى حجر عبد العزيز، فلما بلغ اشترى منه داره بعشرة آلاف دينار للأصبغ بن عبد العزيز، فلما ولى عمر بن عبد العزيز ركب اليه

(1/129)


وأخرج له «1» كتاب حبس الدار، فردّها عليه بعد أن يدفع إليه الثمن، فسأله أن يعطى كراءها، فقال: أمّا الكراء فلا، الكراء بالضمان، فردّها عليه ولم يأمر له بالكراء.
قال الليث بن سعد: فرأيت الربيع فيها وأنا إذ ذاك غلام. ثم خاصم فيها الأصبغ إليه، وابن شهاب قاضيه يومئذ، فقضى ابن شهاب لابن خارجة بالدار، وقبضها، أنه لا يجوز اشتراء الولىّ ممن يلى أمره ثم خاصم إلى يزيد بن عبد الملك بعد عمر، فقضا له بالكراء فسلّمها له بنو الأصبغ حتى مات يزيد، ثم رفعوا إلى هشام بن عبد الملك، فقضى ألّا كراء عليهم، فردّ الكراء إلى بنى الأصبغ.
وخارجة بن حذافة كما حدثنا شعيب بن الليث، وعبد الله بن صالح، عن الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، أوّل من بنى غرفة بمصر، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فكتب إلى عمرو بن العاص: سلام، أما بعد، فإنه بلغنى أن خارجة بن حذافة بنى غرفة، ولقد أراد خارجة أن يطلع على عورات جيرانه، فإذا أتاك كتابى هذا فاهدمها إن شاء الله والسلام.
ولأهل مصر عن خارجة بن حذافة عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد، ليس لهم عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم غيره. وهو حديث الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الله بن راشد الزوفىّ، عن عبد الله بن أبى مرّة الزوفىّ، عن خارجة بن حذافة، قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: إن الله قد أمدّكم «2» بصلاة هى خير لكم من حمر النعم، الوتر جعله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر «3» . حدثناه أبى، وشعيب بن الليث، وعبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد.
ولهم عنه حكايات فى نفسه، وكان خارجة بن حذافة على شرط عمرو بن العاص، أيام عمرو «4» وأيام معاوية حتى قتله الخارجىّ، وذلك أن عمرو بن العاص كان أصابه فى بطنه شىء فتخلّف فى منزله، وكان خارجة يعشّى الناس، فضربه الحرورىّ وهو

(1/130)


يظنّ أنه عمرو، فلما علم أنه ليس عمرا، قال: أردت عمرا وأراد الله خارجة. فكان عمرو يقول: ما نفعنى بطنى قطّ إلا ذلك اليوم.
حدثنا معاوية بن صالح، حدثنا يحيى بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه، قال: ذهب حرورىّ ليقتل عمرو بن العاص بمصر، فلما قدمها إذا رجل جالس يغدّى قد ولى شرطة عمرو، فظنّ أنه عمرو، فوثب عليه فقتله، فلما أدخل على عمرو قال: أما والله ما أردت غيرك، قال: لكن الله لم يردنى، فقتل الرجل.
وقد قيل إن خارجة إنما قتل بالشام، والله أعلم.
حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الهقل بن زياد، عن معاوية بن يحيى الصدفىّ، حدثنى الزهرىّ، قال: تعاقد «1» ثلاثة نفر من أهل العراق عند الكعبة على قتل معاوية وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة، فأقبلوا بعد ما بويع معاوية على الخلافة حتى قدموا إيلياء، فصلّوا من السحر فى المسجد ما قدر لهم ثم انصرفوا، فسألوا بعض من حضر المسجد من أهل الشام، أىّ ساعة يوافون فيها خلوة أمير المؤمنين، فإنّا رهط من أهل العراق أصابنا غرم فى أعطياتنا ونريد أن نكلّمه وهو لنا فارغ، فقال لهم: امهلوا حتى إذا ركب دابّته فاعترضوا له فكلّموه، فإنه سيقف عليكم حتى تفرغوا من كلامه.
فتعجّلوا ذلك؛ فلما خرج معاوية لصلاة الفجر كبّر، فلما سجد السجدة الأولى، انبطح أحدهم «2» على ظهر الحرسىّ الساجد بينهم وبينه حتى طعن معاوية فى مأكمته، يريد فخذه، بخنجر، فانصرف معاوية وقال للناس: أتمّوا صلاتكم، وأخذ الرجل فأوثق، ودعى لمعاوية الطبيب فقال الطبيب: إن هذا الخنجر إلّا يكن مسموما فإنه ليس عليك بأس، فأعدّ الطبيب العقاقير التى تشرب إن كان مسموما، ثم أمر بعض من يعرفها من تبّاعه أن يسقيه إن عقل لسانه حتى يلحس الخنجر، ثم نحسه فلم يجده مسموما، فكبّر وكبّر من عنده من الناس. ثم خرج خارجة بن حذافة، وهو أحد بنى عدىّ بن كعب من عند معاوية إلى الناس، فقال: هذا أمر عظيم ليس بأمير المؤمنين بأس بحمد الله وأخذ يذكّر الناس وشدّ عليه أحد الحروريّين الباقيين يحسبه عمرو بن العاص فضربه بالسيف على

(1/131)


الذّؤابة فقتله، فرماه الناس بالثياب، وتعاونوا «1» عليه أخذوه وأوثقوه، واستلّ الثالث السيف فشدّ على أهل المسجد، وصبر له سعيد بن مالك بن شهاب، وعليه ممطر تحته السيف مشرج على قائمه، فأهوى بيده فأدخلها الممطر على شرج السيف فلم يحلّها حتى غشيه الحرورىّ فنحاه لمنكبه، فضربه ضربة خالطت سحره، ثم استلّ سعيد السيف فاختلف هو والحرورىّ ضربتين، فضرب الحرورىّ ضربة العين أذهب «2» عينه اليسرى، وضربه سعيد فطرح يمينه بالسيف وعلاه بالسيف حتى قتله، ونزف سعيد فاحتمل نزيفا، فلم يلبث أن توفّي، فقال وهو يخبر من «3» يدخل عليه: أما والله لو شئت لنجوت مع الناس، ولكنى تحرجت أن أولّيه ظهرى ومعى السيف. ودخل رجل من كلب فقال: هذا طعن معاوية؟
قالوا: نعم. فامتلخ السيف فضرب عنقه، فأخذ الكلبىّ فسجن، وقيل له قد اتّهمت بنفسك، فقال: إنما قتلته غضبا لله، فلما سئل عنه وجد بريئا فأرسل.
ودفع قاتل خارجة إلى أوليائه من بنى عدىّ بن كعب، فقطعوا يديه ورجليه، ثم حملوه حتى جاءوا به العراق، فعاش كذلك حينا، ثم تزوّج امرأة فولدت له غلاما فسمعوا أنه ولد له غلام فقالوا: لقد عجزنا حين نترك قاتل خارجة يولد له الغلمان، فكلّموا معاوية فأذن لهم بقتله فقتلوه.
وقال الحرورىّ الذي قتل خارجة: أمّا والله ما أردت إلا عمرو بن العاص. فقال عمرو حين بلغه: ولكن الله أراد خارجة.
فلما قتل خارجة ولّي عمرو بن العاص شرطه السائب بن هشام بن عمرو، أحد بنى مالك بن حسل، وهشام بن عمرو هو الذي كان قام فى نقض الصحيفة التى كان «4» كتبت قريش على بنى هاشم ألا يناكحوهم، ولا ينكحوا إليهم، ولا يبتاعوا منهم شيئا حتى يسلّموا رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

(1/132)


(1 وفيه يقول حسّان بن ثابت:
هل توفينّ بنو أميّة ذمّة ... عهدا كما أوفى جوار هشام
من معشر لا يغدرون بجارهم ... للحارث بن حبيّب بن سخام
واذا بنو حسل أجاروا ذمّة ... أوفوا وأدّوا جارهم بسلام
قال ابن هشام: سخام 1) . وخالف ابن هشام غيره من أهل العلم بالشعر. فقال: إنما هى سحام «2» .
وقد كان خارجة بن حذافة القرشىّ، ثم من بنى عدىّ بن كعب، قد بنى غرفة فى عهد عمر بن الخطاب فأشرفت، فشكت «3» جيرانه إلى عمر بن الخطاب. فكتب «4» إلى عمرو بن العاص، أن انصب سريرا فى الناحية التى شكيت، ثم أقم عليه «5» رجلا لا جسيما ولا قصيرا، فإن أشرفت فسدّها.
فسئل يزيد من حدّثك بهذا الحديث؟ فقال: مشايخ الجند.
قال: واختطّ عبد الرحمن بن عديس البلوىّ الدار البيضاء، ويقال بل كانت الدار البيضاء صحنا بين يدى المسجد ودار عمرو بن العاص موقفا لخيل المسلمين على باب المسجد، حتى قدم مروان بن الحكم مصر فى سنة خمس وستّين فابتناها لنفسه دارا، وقال: ما ينبغى للخليفة «6» أن يكون ببلد لا يكون له بها دار، فبنيت له فى شهرين «7» .

(1/133)


وابن عديس ممن بايع تحت الشجرة، ولأهل مصر عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد، ليس لهم عنه غيره عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وهو حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن ابن شماسة، أن رجلا حدثه عن عبد الرحمن بن عديس أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: تخرج «1» ناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة يقتلهم الله فى جبل لبنان والجليل «2» . أو الجليل وجبل لبنان «3» .
واختطّ عبد الله بن عديس أخو عبد الرحمن بن عديس عند القبّة «4» ، دار المعافرىّ.
وكانت دار بنى جمح بركة يجتمع «5» فيها الماء، فقال عمرو بن العاص: خطّوا لابن عمّى إلى جانبى، يريد وهب بن عمير الجمحىّ، وهو ممن كان شهد الفتح، فردمت وخطّت له.
ويقال بل هو عمير بن وهب بن عمير. ويقال بل هى قطيعة من معاوية. وكان عمير قد قدم مصر فى أيام معاوية بن أبى سفيان فكتب أن يبنى له دار، وكان ما هنالك فضاء ليس لأحد فيه دار، وكانت «6» مغيضا للمياه، وهذا مما يحتجّ به على أن ما حول المسجد كان فضاء لموقف خيل المسلمين، كما فعل عمرو بن العاص حين قدم عليه من بنى سهم من لم يكن شهد الفتح، فبنى لهم دار السلسلة التى فى غربىّ المسجد.
حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، قال: كان وهب بن عمير أمير أهل مصر فى غزوة عمّورية سنة ثلاث وعشرين، وأمير أهل الشام أبو الأعور السلمى.

(1/134)


واختطّ ابن الحويرث السهمىّ إلى جانب دار بنى جمح وقبلىّ دار زكريّاء بن الجهم العبدرىّ.
واختطّت ثقيف فى ركن المسجد الشرقىّ إلى السرّاجين، وكانت دار أبى عرابة خطّة حبيب بن أوس الثقفى الذي كان نزل عليه يوسف بن الحكم بن أبى عقيل ومعه ابنه الحجّاج بن يوسف مقدم مروان بن الحكم مصر. ثم لثقيف ما كان متّصلا بدار أبى عرابة إلى الدرب الذي يخرجك إلى دار فرج.
واختطّ زكريّاء بن الجهم العبدرىّ داره التى فى زقاق القناديل، وهى دار عبّاس ابن شرحبيل اليوم ذات الحنيّة.
واختطّ عبد الرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة دور «1» عباس بن شرحبيل الأخرى التى إلى جانبها، ودار سلمة بن عبد الملك الطحاوىّ.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان ربيعة بن شرحبيل بن حسنة على المكس.
قال: واختطّ أبو ذرّ الغفارىّ دار العمد ذات الحمّام، التى أخذ بركة بن منصور الكاتب بيرها، بابها فى زقاق القناديل، وبابها الآخر مما يلى دار بركة، ومن هنالك راجعا إلى سوق بربر إلى قصر ابن جبر قبلك «2» خطّة غفار، وكان ابن جبر قد والى غفار.
وابن جبر هذا كان رسول المقوقس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمارية وأختها، وبما أهدى معهما. وتزعم القبط أن رجلا منهم قد صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يريدون ابن جبر. وأبو ذرّ الذي كان عهد إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مصر ما عهد.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا رشدين بن سعد. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن حرملة بن عمران، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرىّ، قال: سمعت أبا ذرّ، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمّة ورحما، فإذا رأيتم أخوين يقتتلان فى موضع لبنة

(1/135)


فاخرج «1» . فمرّ بعبد الرحمن، وربيعة ابنى شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان فى موضع لبنة فخرج منها. قال ابن وهب: سمعت الليث يقول: لا أرى النبي صلّى الله عليه وسلم. قال له ذلك، إلّا للذى كان من أمر أهل مصر فى عثمان. واختطّ إياس بن عبد الله القارىّ «2» غربىّ دار بنى شرحبيل بن حسنة.
واختطّ رويفع بن ثابت، وعقبة بن كريم، الأنصاريّان، مع ربيعة وعبد الرحمن ابنى شرحبيل بن حسنة.
واختطّ رويفع بن ثابت الأنصارىّ أيضا الدار التى صارت لبنى الصمّة. وتوفّى رويفع بن ثابت ببرقة، وكان قد وليها.
حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، قال: ولى رويفع بن ثابت أنطابلس سنة ثلاث وأربعين.
واختطّ أبو فاطمة الأزدىّ دار الدوسىّ، والدار التى فيها أصحاب الحمائل اليوم.
ولهم عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد، وهو ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، حدثنى كثير الأعرج الصدفىّ، قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذى الصوارى، يقول:
قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أبا فاطمة، أكثر من السجود فإنّه ليس «3» مسلم يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة «4» .
حدثناه أبو الأسود، وسعيد بن أبى مريم، عن ابن لهيعة وقد رواه عنه غير «5» أهل مصر.
قال والدار التى كان يسكنها عمرو بن خالد، خطّة لرجل من بنى تميم.
وأصحاب السويق أيضا خطّة لرجل من بنى تميم ممن كان شهد الفتح، ثم اشترى ذلك عمرو بن سهيل من بعده.

(1/136)


واختطّ عبد الله بن سعد بن أبى سرح داره اللاصقة بقصر الروم، يقال لها دار الحنيّة. والدار التى يقال لها دار الموز، وليس قصره هذا الكبير «1» الذي يعرف بقصر الجنّ خطّة، وإنما بناه بعد ذلك فى خلافة عثمان بن عفّان، أمر ببنائه حين خرج إلى المغرب لغزو إفريقيّة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يذكر أن المقداد كان غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية، فلما رجعوا قال عبد الله للمقداد فى دار بناها: كيف ترى «2» بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد: إن كان من مال الله فقد أسرفت، وإن كان من مالك فقد أفسدت. فقال عبد الله بن سعد: لولا أن يقول قائل أفسد مرّتين لهدمتها. وكان عبد الله يكنّى بأبى يحيى.
ولهم عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد، ليس لهم عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم غيره، وهو حديث ابن لهيعة، عن عيّاش بن عباس القتبانى، عن الهيثم بن شفى أبى الحصين، عن عبد الله بن سعد بن أبى سرح، قال: بينا «3» رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعشرة من أصحابه معه، أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ والزبير وغيرهم على جبل، إذ تحرّك بهم الجبل، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اسكن حراء، فإنه ليس عليك إلا نبىّ أو صدّيق أو شهيد «4» .
ولهم عنه حكايات فى نفسه، لم يرو عنه غير أهل مصر.
واختطّ كعب بن ضنّة ويقال كعب بن يسار بن ضنّة العبسىّ الدار التى فى طرف زقاق القناديل مما يلى سوق بربر، تعرف بدار النخلة. وكعب هو ابن بنت خالد بن سنان العبسىّ. أو ابن أخته. قال عبد الرحمن: أنا اشكّ.
وخالد بن سنان الذي تزعم فيه قيس أنه كان تنبّأ فى الفترة فيما بين النّبيّ وعيسى صلوات الله عليهما.
ولخالد بن سنان حديث فيه طول.
حدثنا المقرئ عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا الضحّاك بن شرحبيل

(1/137)


الغافقىّ، أن عمّار بن سعد التجيبى أخبرهم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص أن يجعل كعب بن ضنّة على القضاء، فأرسل إليه عمرو فأقرأه كتاب أمير المؤمنين، فقال كعب: لا والله لا ينجّيه الله من الجاهليّة وما كان فيها من الهلكة، ثم يعود فيها بعد إذ نجّاه «1» الله منها، فأبى أن يقبل القضاء فتركه عمرو «2» .
قال ابن عفير: وكان كعب بن ضنّة حكما فى الجاهلية.
ولقيس أيضا الدار التى تعرف بدار الزير، وهى اليوم لبنى وردان. وكان يقال لزقاق القناديل زقاق الأشراف؛ لأن عمرا كان على طرفه مما يلى المسجد الجامع، وكعب بن ضنّة على طرفه الآخر مما يلى سوق بربر، وفيما بين ذلك دار عياض بن جريبة الكلبىّ، وهبها له عبد العزيز بن مروان. ودار ابن مذيلفة الكلبى، ودار ابن فراس الكنانى. ودار نافع ابن عبد القيس الفهرىّ، ويقال بل هو عقبة بن نافع. ودار محمد بن عبد الرحمن الكنانى. ودار أبى ذرّ الغفارى. ودور ربيعة وعبد الرحمن ابنى شرحبيل بن حسنة وإياهم يتولّى بكر بن مضر. ودار زكرياء بن الجهم العبدرىّ. ودار إياس بن عبد الله القارىّ. ودار أبى حكيم مولى عتبة بن أبى سفيان بناها له معاوية بن أبى سفيان.
واختطّ ابن عبدة داره التى فى السرّاجين، وفيها العقّابين اليوم، وصارت لبنى مسكين.
وكانت دار نصر لرجل من قريش، فمات، فاشتراها عبد العزيز بن مروان فوهبها للإصبغ.
ودار سهل التى فيها السرّاجين وحمّام سهل كان ذلك «3» لعبد الله بن عمرو بن العاص، اشتراها فوهبها «4» لابنته أمّ عبد الله ابنة عبد الله بن عمرو، فتزوّجها عبد العزيز ابن مروان فأولدها سهلا وسهيلا، فورثاها من أمّهما.
والقصر الذي يقال له قصر مارية، كان خطّة لابن رفاعة الفهمى، فوهبه لعبد

(1/138)


العزيز بن مروان فبناه لأمّ ولد له روميّة يقال لها مارية فنسب إليها. ويقال إنه عوّضه من ذلك موضعه بالحمراء.
ويقال بل ذلك خطّتهم، ثم هدمه عيسى بن يزيد الجلودىّ مدخله مصر مع عبد الله بن طاهر، فبناه سجنا، وهو السجن الذي عند محرس بنانة «1» عند منزل عمرو بن سوّاد السرحىّ، وبنانة «1» كانت حاضنة لبعض بنى مروان أو ظئرا لهم، فنسب المحرس إليها.
ومارية أمّ محمد بن عبد العزيز ولم يعقّب.
وقد كان عمرو بن العاص كما حدثنا سعيد بن عفير، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، قد دعا خالد بن ثابت الفهمى جدّ بنى رفاعة ليجعله على المكس فاستعفاه، فقال عمرو: ما تكره منه؟ قال: إن كعبا قال: لا تقرب المكس فإن صاحبه فى النار.
واختطّ جهم بن الصلت المطّلبى مما يلى أصحاب الزيت الدار التى تقابل حمّام بسر.
واختطّ ابن ملجم بالراية فى أصحاب الزيت الدار المبنىّ وجهها بالحجارة.
واختطّ إياس بن البكير وابنه تميم بن إياس الدار التى عند دار ابن أبرهة الدار التى فيها أصحاب الأوتاد النافذة إلى السوق، وهو إياس بن البكير بن عبد يا ليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، حلفاء بنى عدىّ بن كعب.
واختطّ مجاهد بن جبر مولى بنت غزوان، داره التى فى النحّاسين، التى صارت لصالح صاحب السوق.
واختطّ أبو شمر بن أبرهة إلى جنب دار شييم «2» الليثىّ.
واختطّ ابن وعلة إلى جنبه فأخذوا ومن معهم إلى سوق الحمّام والدور التى كانت لبنى مروان.
وأخبرنى حميد بن هشام الحميرىّ، قال: ليس لابن أبرهة خطّة بفسطاط مصر،

(1/139)


وإنما خطّتهم بالجيزة، وإنما صارت المنازل التى لهم بالفسطاط وراثة ورثوها من الوعليّة؛ لأنهم كانوا صاهروا إلى ابن وعلة فصارت المنازل لهم بالميراث.
وكان بنو أبرهة أربعة: كريب بن أبرهة أبو رشدين، وأبو شمر بن أبرهة، ومعدى كرب بن أبرهة، ويكسوم بن أبرهة.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، قال: هاجر كريب بن أبرهة وأخوه أبو شمر بن أبرهة فى خلافة عمر بن الخطّاب.
حدثنا هارون بن عبد الله الزهرىّ، حدثنا محمد بن عمر، أخبرنى عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبى حبيب، أن عبد العزيز بن مروان سأل كريب بن أبرهة بن الصبّاح عن خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، أشهدتها؟ فقال: شهدتها وأنا غلام علىّ إزار أسمعها ولا أعيها، ولكن أدلّك على من سمعها وهو رجل، قال: من؟ قال: سفيان ابن وهب الخولانىّ. فأرسل إليه فسأله، فقال أشهدت عمر بالجابية؟ قال: نعم. ثم ذكر الحديث.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ميمون بن يحيى، عن مخرمة بن بكير، عن يعقوب ابن عبد الله بن الأشجّ، قال: قدمت مصر فى أيّام عبد العزيز بن مروان فرأيت كريب بن أبرهة يخرج من عند عبد العزيز وإن تحت ركابه خمسمائة رجل من حمير.
واختطّ كعب بن عدىّ العبادىّ فى القيساريّة، فلما أراد عبد العزيز بناءها اشتراها منهم، وخطّ لهم دارهم التى فى بنى وائل.
والحمّام الذي «1» يعرف «2» اليوم بحمّام أبى مرّة، كان خطّة لرجل من تنوخ، هو «3» جدّ ابن علقمة أو أبوه، فسأله إياه عبد العزيز بن مروان، فوهبه له فبناه حمّاما لزبّان بن عبد العزيز، وبزبّان كان يعرف، وفيه يقول الشاعر:
من كان فى نفسه للبيض «4» منزلة ... فليأت أبيض فى حمّام زبّان
لا روح فيه ولا شفر يقلّبه ... لكنّه صنم فى خلق إنسان

(1/140)


فى أبيات له «1» . وكان فيه صنم من رخام على خلقة المرأة عجب من العحب، حتى كسرت فى السنة التى أمر يزيد بن عبد الملك فيها بكسر الأصنام، وكان أمر بكسرها فى سنة اثنتين ومائة. وغرس له عبد العزيز نخله التى بالجيزة اليوم التى تعرف بجنان كعب، عوضا من ذلك.
واختطّ الزبير بن العوّام داره التى بسوق وردان اليوم والخطّة لبلىّ، وفيها السلّم الذي كان الزبير نصبه وصعد عليه الحصن، وفيها كان عبد الله بن الزبير ينزل إذا قدم مصر فيما ذكر بعض المشايخ، وقد كان عبد الملك بن مروان اصطفاها فردّها عليهم هشام بن عبد الملك، ثم أخذها منهم يزيد بن الوليد، فلم تزل فى أيديهم حتى كانت ولاية أمير المؤمنين أبى جعفر، فكلّمه فيها هشام بن عروة، وكانت لهشام ناحية من أبى جعفر فأمر بردّها عليهم، وقال: ما مثل أبى عبد الله.- يريد الزبير- يؤخذ له شىء.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن الزبير بن العوّام اختطّ بالفسطاط.
واختطّ أبو بصرة الغفارىّ عند دار الزبير بن العوّام. وأقرّ عمرو بن العاص القصر لم يقسمه وأوقفه.
ولأهل مصر عن أبى بصرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم، أحاديث، منها: حدثنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبى الخير، عن أبى بصرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: إنّا راكبون غدا إلى يهود، فإذا سلّموا عليكم فقولوا: عليكم «2» .
ومنها حديث الليث بن سعد، عن خير بن نعيم، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبى تميم الجيشانى، عن أبى بصرة الغفارى، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، صلّى يوما صلاة العصر بالمخمّص- واد من أوديتهم- ثم انصرف، فقال: إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فتوانوا عنها وتركوها، فمن صلّاها منكم كتب الله له أجرها ضعفين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد «3» .

(1/141)


حدثناه عبد الله بن صالح. وحدثناه إدريس بن يحيى الخولانى، عن ابن عيّاش القتبانى، عن ابن هبيرة.
ومنها حديث الليث أيضا، عن يزيد بن أبى حبيب، عن كليب بن ذهل الحضرمى، عن عبيد بن جبر، أنه سافر مع أبى بصرة الغفارى فى رمضان، فلما دفعوا «1» من الفسطاط دعا بطعام ونحن ننظر إلى الفسطاط، فقلت له: نأكل ولو نريد أن ننظر إلى الفسطاط نظرنا «2» . فقال: أنرغب «3» عن سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه! فأفطرنا.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أبى الهيثم، عن أبى بصرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: الكافر يأكل فى سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل فى معى واحد. حدثناه سعيد بن عفير.
قال واختطّت أسلم مما يلى دار أبى ذرّ ومن خططها دار الصبّاح. والزقاق الذي فيه دار ابن بلادة الشرق منه لأسلم. ولهم أيضا من قصر ابن جبر إلى الحجّامين الذين بسوق بربر.
ويزعم بعض مشايخ أهل مصر قال: ولخزاعة داران: الدار التى تنسب إلى ابن نيزك «4» كانت لرجل منهم يقال له الحارث بن فلان، أو فلان بن الحارث. والدار التى إلى جانبها تليها القضاة «5» .
واختطّ الليثيّون الذين كانوا مع عمرو بن العاص وهم آل عروة بن شييم «6» عند أصحاب القراطيس. واختطّ خلفهم بسر بن أبى أرطاة.
ولبنى معاذ من «7» مدلج داران: إحداهما فى زقاق عبد الملك بن مسلمة كانت لأشهب الفقيه، والأخرى فى عقبة سوق بربر فى الزقاق الذي فيه دار مصعب الزهرىّ.

(1/142)


ولعنزة من ربيعة دور مجتمعة نحو من عشر، ومسجد فى أصل العقبة التى عند دار ابن صامت.
واختطّ بلىّ خلف خارجة بن حذافة، ثم مضوا بخطّتهم من دار عمرو بن يزيد إلى دار سلمة ودار واضح، حتى حازوا «1» دار مجاهد بن جبر إلى درب الزجاج، ثم مضوا حتى شرعوا فى أصحاب الزيت، ثم مضوا يشرعون فى قبلة سوق وردان حتى بلغوا مسجد القرون، ثم داخل الزقاق إلى مسجد بنى عوف من بلىّ، وهو المسجد الذي فى الزقاق ودار ابن يبولة التى بسوق وردان من بلىّ «2» جزاء «3» الى المعاصير.
وكانت بلىّ إنما يقفون عن يمين راية عمرو بن العاص، لأنّ أمّ العاص بن وائل بلويّة.
(4 حدثنا عبد الملك بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق أن أمّ العاص بن وائل امرأة من بلىّ 4) .
وإنما كثرت بلى بمصر كما حدثنا العبّاس بن طالب، عن عبد الواحد بن زياد، عن عاصم الأحول، عن أبى عثمان النهدىّ، قال: نادى رجل من بلىّ وهو حىّ من قضاعة بالشام، يا آل قضاعة، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب فكتب إلى عامل الشام أن تسيّر «5» ثلث قضاعة إلى مصر فنظروا «6» فإذا بلىّ ثلث قضاعة، فسيّروا إلى مصر.
قال ثم اختطّت بنو بحر مما يلى بلىّ، وهم قوم من الأزد فى لخم، ثم شرعوا إلى البحر.
ثم اختطّت بعدهم الحمراء، وسأذكر حديثهم فى موضعه إن شاء الله.
ثم شرعت طائفة من سلامان إلى البحر، ثم شرعت من بعدهم طائفة من فهم وكنانة فهم ثم الحمراء أيضا إلى القنطرة.

(1/143)


وكان أوّل القبائل بلىّ أهل الراية مما يلى بلىّ بن عمرو، والراية قريش ومن معها.
وإنما سمّيت الراية لراية عمرو بن العاص. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، قال: الراية قريش كانت معهم راية عمرو بن العاص. ويقال إنما سمّيت الراية أن قوما من أفناء القبائل من العرب كانوا قد شهدوا مع عمرو بن العاص الفتح، ولم يكن من قومهم عدد فيقفوا مع قومهم تحت رايتهم، وكرهوا أن يقفوا تحت راية غيرهم، فقال لهم عمرو: أنا أجعل راية لا أنسبها إلى أحد أكثر من الراية تقفون تحتها، فرضوا بذلك، فكان كلّ من لم يكن لقومه عدد وقف تحتها، فقيل الراية من أجل ذلك والله أعلم.
والحجر من الأزد فمسجد العيثم حتى تبلغ زقاق السمىّ «1» ثم يرفا ثم شجاعة ثم ثراد، ثم لقيتها هذيل وفهم، ثم قطعت هذيل بينهم وبين سلامان حتى انتهت هذيل إلى سويقة عدوان، وهى السويقة التى عند زقاق المكّى. فدار سبرة والزقاق الذي كان ينزله ابن الأغلب إلى هذه السويقة لهذيل، والزقاق من كتّاب إسماعيل إلى منزل بنانة لفهم.
ومسجد العيثم بناه الحكم بن أبى بكر بن عبد العزيز بن مروان، فهو من الاصطبل، وكان الاصطبل للأزد فاشتراه منهم الحكم فبناه، وكان يجرى على الذي يقرأ فى المصحف الذي وضعوه فى المسجد الذي يقال له مصحف أسماء من كراه فى كل شهر ثلاثة دنانير، فلما حيزت أموالهم وضمّت إلى مال الله وحيز الاصطبل فيما حيز كتب بأمر المصحف إلى أمير المؤمنين أبى العبّاس، فكتب أن أقرّوا مصحفهم فى مسجدهم على حاله، وأجروا على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير من مال الله فى كل شهر.
وكان سبب المصحف فيما حدثنا يحيى بن بكير وغيره يزيد بعضهم على بعض، أن الحجّاج بن يوسف كتب مصاحف وبعث بها إلى الأمصار، ووجّه بمصحف منها إلى مصر، فغضب عبد العزيز بن مروان من ذلك، وقال: يبعث إلى جند أنا به بمصحف، فأمر فكتب له هذا المصحف الذي فى المسجد الجامع اليوم، فلما فرغ منه قال: من وجد فيه حرف خطإ فله رأس أحمر وثلاثون دينارا، فتداوله القراء فأتى رجل من أهل الحمراء

(1/144)


فنظر فيه ثم جاء إلى عبد العزيز فقال: قد وجدت فى المصحف حرف خطإ، قال:
مصحفى! قال: نعم. فنظروا فإذا فيه إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً «1»
فاذا هى مكتوبة نجعة، قد قدّمت الجيم قبل العين، فأمر بالمصحف فأصلح ما كان فيه ثم أمر له بثلاثين دينارا ورأس «2» أحمر.
ثم توفّى عبد العزيز فاشتراه فى ميراثه أبو بكر بن عبد العزيز بألف دينار. ثم توفّى أبو بكر فبيع فى ميراثه فاشترته أسماء ابنة أبى بكر بن عبد العزيز بسبعمائة دينار فأمكنت منه الناس وشهرته فنسب إليها. ثم توفّيت أسماء فاشتراه الحكم بن أبى بكر فجعله فى المسجد، وأجرى على الذي يقرأ فيه ثلاثة دنانير فى كل شهر من كراء الاصطبل، والحكم بن أبى بكر الذي بنى المسجد المعروف اليوم بقبّة سوق وردان.
قال: ثم عدوان حتى تنتهى إلى السوق، ثم لقيتهم سلامان، فدار ابن أبى الكنود شارعة فى سويقة عدوان، وزقاق المكّى خطّة دارس «3» ، ونفر من يرفا، ثم مضت سلامان حتى شرعوا فى البحر إلى جنان حوىّ، ثم اعترضتهم كنانة من فهم، فلهم من زقاق ابن رفاعة حتى يشرعوا فى البحر. ثم تلقّى سلامان من تلقاء جنان حوىّ بنو يشكر من لخم فجنان حوىّ، وسفح الجبل الغربى ليشكر بن جزيلة من لخم. وثمّ خطّة علىّ بن رباح اللخمى بالحمراء عند جنان حوىّ على يسارك وأنت ذاهب تريد القنطرة.
قال: واختطّت مهرة أوّل ما دخلت بدار الخيل وما والاها على سفح الجبل الذي يقال له جبل يشكر مما يلى الخندق إلى شرقىّ العسكر الى جنان بنى مسكين اليوم، مسجد مهرة هنالك قبّة سوداء، حتى أدخله طريف الخادم فى دور الخيل حين بناها.
وكان جنان بنى مسكين اليوم خطّة لرجل من مهرة يقال له الجرّاح، فمات ولم يترك عقبا، فقدم شريح بن ميمون المهرىّ فورثه وتزوّج امرأته وعقد له على البحر، فلم يكن يعلم مددىّ نال من الشرف فى زمانه ما نال، إلّا أن توبة «4» بن نمر الحضرمى كان مدديّا فولى القضاء.

(1/145)


حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، قال: قدمت سفن إفريقيّة سنة ثمان وتسعين عليهم ابن أبى بردة، فغزوا هم «1» وأهل مصر عليهم شريح بن ميمون فشتوهم والسفن الأولى عمر «2» بن هبيرة وأبو عبيدة على أهل المدينة بالبنطس.
وكانت منازل مهرة قبلىّ «3» الراية مما يلى منازل ابن سعد بن أبى سرح حوزا حازوه، وكانوا إذا أتوا لجمعة ربطوا خيولهم، ثم نقلهم عمرو بن العاص بعد ذلك وضمّهم إليه، وعطلوا منازلهم هنالك، فذهبت مهرة بخطّتها حتى لقيت غافقا فى السوق ولقوا الصدف ولقوا غنثا مما يلى الغرب.
واختطّت لخم. فاختطّت قبلىّ ثقيف مما يلى السرّاجين فالدار التى صارت لعيّاش بن عقبة لهم ودار الزّلابية، ومضوا بخطّتهم إلى عقبة مهرة إلى زقاق أبى حكيم، ومعهم نفر من جذام، ثم انحدروا فى زقاق وردان مولى ابن أبى سرح.
وثمّ خطّة أبى رقيّة اللخمىّ، ومنزله هنالك قائم بحاله لم يغيّر، يقابل المسجد الذي عند دور بنى وردان.
ثم انحدروا إلى مسجد عبد الله فما كان عن يمينك وأنت تريد المسجد الجامع فى الطريق إلى دور الوردانيّين من مسجد عبد الله فهو للخم، وما كان عن يسارك فلغافق. ثم جازت لخم بخطّتها إلى دور مطر التى بسوق بربر فإنّ الأزد تلقّاهم بدور أبى مريم وباقى خطّتها فإن ذلك لحجر وحاء. ومسجد حاء المسجد الذي عند دار إسحاق بن متوكل ذو المنارة، والمسجد الذي على الطريق وأنت تريد إلى محرس أبى حبيب مجلس كان لهم يجلسون فيه، فإذا أقيمت الصلاة خرجوا من خوخات لهم ثلاث شوارع إلى الطريق فإذا صلّوا رجعوا إلى مجلسهم.
ثم يلقون خثيما ومازنا من الأزد مما يلى دار ابن فليح. ثم يلقون تنوخا مما يلى دار البراء بن عثمان بن حنيف. ثم يلقون غنثا من الأزد مما يلى دار ابن برمك، التى كانت الوكلاء تنزلها، فذلك الزقاق والرحبة وما شرع فى مسجد عبد الله من دار ابن الهيثم

(1/146)


الأيلى وما بينهما فلغنث من الأزد إلى منزل أشهب، وإذا سلكت زقاق أشهب فما كان عن يمينك وأنت تريد الموقف فهو لغافق، وما كان عن يسارك فهو للأزد حتى تنتهى إلى الموقف.
والموقف كان لابنة مسلمة بن مخلّد فتصدّقت به على المسلمين. ودار أبى قدامة أيضا مما كانت تصدّقت به، ودار إبراهيم بن صالح، وهى دار بنى عبد الجبّار من غافق.
ثم مضت الأزد حتى أخذت ما شرع فى السويقة قبالة دار سعيد بن عفير، وزقاق الروّاسين حتى تنتهى إلى دار حوىّ ودار عبد الرحمن بن هاشم.
ثم تلقى مما يلى السويقة العتقاء، وهم قليل، ومسجد العتقاء هنالك مشهور، وللعتقاء من دار زياد الحاجب حتى تهبط إلى بيطار بلال إلى السوق.
وكان زبيد بن الحارث الحجرىّ حجر حمير كان عداده فى العتقاء، وكان عريفهم. وكان سعيد بن الجهم يقول لعبد الرحمن بن القاسم: أنت منا، فيضيق لذلك، يعنى أن زبيد بن الحارث من حجر، وأنه مولى لهم.
وكان عبد الرحمن بن القاسم يتولّى العتقاء.
فإذا جئت من السويقة وأنت تريد المسجد الجامع، فما كان عن يمينك فللأزد، وما كان عن يسارك مما يلى محرس أبى حبيب فلهم.
ثم تلقاهم شجاعة بسقيفة الغزل، وتلقاهم فهم عند كتّاب إسماعيل، وتلقاهم بنو شبابة الأزد عند دار حوىّ. فما كان على الخطّ الأعظم إذا انتهيت إلى درب دار حوىّ وتركته وأممت العسكر فهو لفهم حتى تبلغ العسكر، وتلك خطّة بنى شبابة من فهم.
ولبنى شبابة أيضا المسجد الذي له المنارة التى تخرجك إلى سقيفة تركيّ، ولهم أيضا المسجد الذي فى رحبة السّوسىّ.
وإذا هبطت من درب حوىّ البحرىّ وقعت فى هذيل. فما كان عن يمينك وأنت تريد الخندق فلهذيل، وما كان عن يسارك فلدهنة من الأزد حتى تلقى يشكر من لخم فى جبل يشكر.
ثم اختطّت غافق بين مهرة ولخم، ثم مضوا بخطّتهم حتى برزوا إلى الصحراء مما

(1/147)


يلى الموقف، ولقوا من وجه مهبّ الشمال لخما وغنثا، ولقوا مما يلى القبلة الصدف ومهرة.
واختطّت فاتّسعت خطّتها لكثرتهم. وكانت غافق كما حدّثنا عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب ثلث الناس مدخل عمرو بن العاص مصر.
ولغافق من درب السرّاجين إلى دور بنى وردان. فما كان عن يمينك فلغافق حتى تنتهى إلى مسجد فهم الجمرات، ثم جرى إلى الصّفا الى مسجدى حذران، وحذران بطن من غافق إلى مسجد أحدب وإلى مسجد الزمام.
وفى موضع مسجد الزمام دفن محمد بن أبى بكر الصدّيق فيما يزعمون.
ثم ارجع إلى حمّام سهل. فما كان عن يسارك وأنت تريد مهرة فلغافق، وثم زقاق حمد من غافق الذي قبالة حمّام سهل الذي للنساء، وفيه مسجد أبى موسى الغافقى ليس فى الزقاق مسجد غيره.
ولأبى موسى صحبة برسول الله صلّى الله عليه وسلم، واسم أبى موسى عبد الله بن مالك. ولهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثان.
حدثنا محمد بن يحيى الصدفى، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث أن يحيى بن ميمون الحضرمى حدثه عن وداعة الحمدىّ، حدثه أنه سمع أبا موسى الغافقى يقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: من افترى علىّ كذبا فليتبوّأ بيتا أو مقعدا من النار «1» .
حدثنا أسد بن موسى، وسعيد بن عفير، قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن سليمان، عن ثعلبة أبى الكنود، عن عبد الله بن مالك، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:
إذا توضأت وأنا جنب أكلت وشربت، ولا أصلّى ولا أقرأ حتى أغتسل.
ثم جرى إلى زقاق الموزة فإذا جاوزت زقاق الموزة إلى مسجد سيبان وهو المسجد ذو القبّة الذي عند دار خالد بن عبد السلام الصدفى، وسيبان من مهرة فما كان عن يسارك وأنت تريد إلى سقيفة جواد فلغافق، وما كان عن يمينك فللصدف إلى مسجد أحدب

(1/148)


إلى ما فوق ذلك إلى الدرب الذي يخرجك إلى الصحراء، غير أن دار ابن سابور وهى الدار التى صارت لإسماعيل بن أسباط خطّة رجل من حمير.
وللربّانيّين أيضا من غافق من دار مطر، ما كان عن يمينك وأنت تريد إلى مسجد عبد الله. وعبد الله الذي ينسب إليه المسجد هو عبد الله بن عبد الملك بن مروان. وكان عبد الملك ولّاه مصر بعد موت عبد العزيز بن مروان. وكانت ولايته فى جمادى سنة ستّ وثمانين، كما حدثنا يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، وكان حدثا. وكان أهل مصر يسمّونه مكيّسا «1» ، وهو أول من نقل الدواوين إلى العربيّة، وإنما كانت بالعجميّة، وهو أول من نهى الناس عن لباس البرانس.
ثم إلى دار ابن هجالة الغافقى، فإذا بلغت دار ابن هجالة فلغافق ما كان عن يمينك وعن شمالك. وفى دار ابن هجالة الغافقى كان تغيّب محمد بن أبى بكر حين دخل عمرو بن العاص مصر عام المسنّاة. وكانت المسنّاة كما حدثنّا يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، فى صفر سنة ثمان وثلاثين.
وكانت للغافقى أخت ضعيفة، فلما أقبل معاوية بن حديج ومن معه فى طلب قتلة عثمان، قالت أخت الغافقى: من تطلبون؟ محمد بن أبى بكر؟ أنا أدلّكم عليه ولا تقتلوا أخى، فدلّتهم عليه، فلما أخذ قال: احفظوا فىّ أبا بكر. فقال معاوية بن حديج:
قتلت سبعين من قومى بعثمان وأتركك وأنت قاتله! فقتله.
وهى الدار الملاصقة بمسجد «2» الزنج تعمل على بابها النعال السنديّة وفى داخلها الأرحاء.
ولغافق من مسجد بادى إلى دار إبراهيم بن صالح إلى مسجد إبراهيم القرّاط، وتلك دهنة غافق.
ولغافق من الخطّة أكثر مما ذكرنا، غير أن هذه جملها.
واختطّت الصدف قبلىّ مهرة، فمضوا بخطّتهم حتى برزوا بطرف منها، فلقوا حضر موت دون الصحراء، ولقوا مما يلى القبلة بنى سعد من تجيب، ولقوا آل أيدعان بن

(1/149)


سعد، ولقوا بطرف منها سلهما من مراد، ثم لقوا حضر موت حالوا «1» بينهم وبين الصحراء.
وكانت راية الأجدوم مدخل عمرو مع حيّان- أو حبّان- بن يوسف، فلما استقرّت الصدف عرّف عليهم عمران بن ربيعة، فأقام عريفا سنين، ثم عرّف ابنه، ولم يزل بالبلد منهم قوم لهم شرف وسخاء كان منهم ابن سليك الصدفى.
واختطّت حضر موت وبطن من يحصب فيهم فى موضعهم اليوم فى زمان عثمان ابن عفّان إلا عبد الله بن المتهلّل. ودخل مع عمرو بن العاص الفسطاط من حضرموت عبد الله بن كليب من الأشباء، خطّته فى آل أيدعان عند دار ابن الروّاغ. ومالك بن عمرو بن الأجدع من الحارث. وداره دار هبيرة بن أبيض. والملامس بن جذيمة بن سريع، وخطّته عند الصّفا عند دار الفرج بن جعفر. ونمر بن زرعة بن نمر بن شاجى البسّىّ «2» . والأعين بن نمر بن مالك بن سريع. وأبو العالية مولى لهم وهو جدّ أبى قنان.
وكانوا مع أخوالهم فى تجيب، ثم قدمت مادّتهم فى أيام عثمان، فاختطّوا شرقىّ سلهم والصدف حتى أصحروا، فتحوّل إليهم من أراد التحوّل ممّن كان منهم بتجيب.
واختطّ بمكانهم عبد الله بن كليب من الأشباء خطّته فى بنى أيدعان عند دار ابن الروّاغ. وكان أخوه قيس بن كليب فى حجّاب عمرو بن العاص أيام معاوية، وهو فتّى شابّ جميل فرآه معاوية مع عمرو فقال: من هذا الفتى؟ فقال عمرو: أحد حجّابى.
فقال معاوية: ما يعان من حجبه مثل هذا.
ثم حجب بعد ذلك عبد العزيز بن مروان، وفى قيس بن كليب يقول أبو المصعب البلوىّ فى قصيدته التى هجا فيها أشراف أهل مصر:
وظلت أنادى اللّكعاء قيسا ... لتدخلنى «3» وقد حضر الغداء
وليس بماجد الجدّات قيس ... ولكن حضرميّات قماء

(1/150)


وأعرض نفحة «1» ليربوع عنّى ... يزيد بعد ما رفع اللواء
أشار بكفّه اليمنى وكانت ... شمالا لا يجوز «2» لها عطاء
أكلّم عائذا ويصدّ عنّى ... ويمنعه السّلام الكبرياء
وجرف قد تهدّم جانباه ... كريب ذاكم البرم العياء
وأمّا القحزمىّ فذاك بغل ... أضرّ به مع الدبر الحفاء
وهذاك القصيّر من تجيب ... ولو يسطيع ما نفض الخلاء
وتروى أضرّ به مع الدبر الخصاء.
قال وكان معاوية إذا قدم عليه أحد من أهل مصر سأله: هل تروى قصيد أبى المصعب؟ وهذه الأبيات فى قصيدة له، يريد بيزيد يزيد بن شرحبيل بن حسنة، وقيس قيس بن كليب الحاجب، وعائذ بن ثعلبة البلوىّ. وقتل عائذ بالبرلّس فى سنة ثلاث وخمسين مع وردان مولى عمرو بن العاص، وأبى رقيّة اللخمى «3» ، وسأذكر حديثهم فى موضعه إن شاء الله. والقحزمىّ عمرو بن قحزم وكريب كريب بن أبرهة، والقصيّر من تجيب زياد بن حناطة التجيبى ثم الخلاوىّ وهو صاحب قصر ابن حناطة الذي بتجيب.
ولم يزل الملامس بن جذيمة عريف حضر موت يدّعون له الأشباء والحارث، حتى زمان معاوية بن أبى سفيان، فإنه وقع بين مسلمة بن مخلّد وبين الملامس كلام، فاستأذن الملامس معاوية فى النقلة إلى فلسطين بحضر موت، فأذن له، وكتب له بذلك إلى مسلمة، فكره مسلمة ذلك، فقال له رجل من حضر موت يقال له فلان بن مسلم: أنا أمشى بينهم فأكرّه إليهم الخروج ففعل، فلما تنجّز الملامس ذلك من مسلمة قال له: إن رضى قومك، ثم جمعهم فذكر لهم ما قال الملامس، فقال رجل منهم: ما نفارق بلادنا. فقال له: من أنت؟ قال: أنا ابن أميّة. قال: فمن قومك؟ قال: بنو عوف. ثم تتابعوا على مثل قوله فكتبهم وعرّفهم.

(1/151)


حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة، عن عتبة بن أبى حكيم، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: حضر موت خير من بنى الحارث «1» .
حدثنا أبو الأسود، حدثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، أن معاوية بن أبى سفيان كتب إلى مسلمة بن مخلّد وهو على مصر: لا تولّى عملك إلا أزدىّ أو حضرمىّ، فإنهم أهل الأمانة.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، عن تبيع، قال: لا يدرك أحد من حضر موت الدجّال.
قال: ثم اختطّت تجيب، فأخذت بنو عامر شرقىّ الحصن قبلىّ منزل عبد الله بن سعد بن أبى سرح، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا مهرة والصدف من مهبّ الشمال، ولقوا سلهما عما يلى الشرق، ولقوا وعلان من مراد، وطرفا من خولان من مهبّ الجنوب، ثم لقوا بنى غطيف وقبائل من مراد، وحالت سلهم بينهم وبين الصحراء.
فخطّة كنانة بن بشر بن سلمان الأيدعىّ دار هبيرة، وثمّ مسجده. ثم صارت بعد ذلك لعثمان بن يونس أبى السمح جدّ ابن دهقان لأمّه. وكان لكنانة سيف يقال له المقلّد، صار إلى سعيد بن عبيد، فكان سعيد يقول: إنما لتجيب سيفان، عريض بنى حديج والمقلّد، فقد صار المقلّد إلىّ.
قال: واختطّت خولان الشرق قبلىّ الحصن ومهبّ الجنوب، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا بنى وائل والفارسييّن فى السهل، ولقوا تجيب ورعينا فى الجبل، ولقوا بنى غطيف وبنى وعلان من مراد فى الشرق، وتجيب من مهبّ الشمال، فجاوزهم غطيف فتحوّل بينهم وبين خطّتهم.
وكان رائم بن ثعلبة الخولانى من الحياويّة يقال إنه رجل من كنانة معروف النسب فيهم، وفيه يقول ابن جذل الطّعان:
من مبلغ خولان عنّى رسالة ... يربّضها «2» أبنا فراس بن مالك

(1/152)


بأنّ أخانا رائم الخير فيكم ... مقيم بلا ذنب بأزل المهالك
إلى مالك ينمى إذا عدّ أصله ... كنانة أهل المكرمات الموالك
فأجابه رجل من خولان، فقال:
من مبلغ عنّى فراسا رسالة ... فنحن لخولان بن عمرو بن مالك
إلى سبا الأملاك أصلى ومنبتى ... يحدّثنى جدّى به غير هالك
قال: واختطّت مذحج بين خولان وتجيب. واختطّت وعلان مما يلى القصر، ثم مضوا ينازلون خولان وتجيب هم وبنو غطيف.
ثم مضت مراد بخطّتها حتى لقوا قبائل نافع ورعين، وفيهم بنو عبس بن زوف، ثم مضوا بخطّتهم حتى لقوا بنى موهب من المعافر، ولقوا السلف وسبأ وحالوا بينهم وبين الصحراء.
وقد غلط بعض الناس فى بنى عبس بن زوف والزقاق المنسوب إلى بنى عبس، فقال: هم عبس قيس وليس كما قال.
حدثنا أبو الأسود النضر، بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة. عن عتبة بن أبى حكيم، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: أكثر القبائل فى الجنّة مذحج.
واختطّت القبائل المنسوبة إلى سبإ منهم ابن ذى هجران ومعهم السلف شرقىّ جنب مما يلى مراد، ثم مضوا بخطّتهم بين المعافر وحضر موت حتى أصحروا.
واختطّت حمير قبلىّ خولان وشرقيّها وشرقى بديعة من مذحج، فكانت يحصب قبلىّ المعافر حتى قطعوا الجبال.
واختطّت يافع ورعين شرقى خولان «1» ، ثم لقوا قبائل الكلاع، ثم مضوا بين قبائل سبإ والمعافر وبين اصطبل قرّة بن شريك حتى أصحروا.
واختطّت المعافر وفيهم الأشعريّون والسّكاسك شرقى الكلاع، فوليهم من ذلك الأكنوع وهم من الأشعريّين. وبنو موهب ثم السكاسك ثم المعافر وهم مختلطون. ثم

(1/153)


مضوا بخطّتهم حتى أصحروا ينازلون حمير وطائفة من خولان. وحمير والمعافر على الجبل موفون على قبائل مضر، وليس فى هذا الجبل إلا هذه القبائل، غير أن جهينة قد كانت نزلت بجرف ينّة «1» .
وكانت المعافر قد نزلت إلى جنب عمرو بن العاص فأذاهم البعوض وكان جرى النيل. فشكوا «1» ذلك إلى عمرو وسأوه أن ينقلهم، فقال: لا أجد قوما أحمل «2» لى من أصحابى، فنقل قريشا إلى موضعهم، ونقل المعافر إلى موضعها التى هى به اليوم، وقال عمرو لأصحابه: اغتنموا، فكأنى أنظر إلى المسجد وما حوله قد صار فيه الناس ورغبوا فيه وإلى موضعهم قد خرب، فكان كما قال.
حدثنا هانئ بن المتوكّل، حدثنا ضمام بن إسماعيل، عن أبى قبيل، عن شفىّ بن ماتع، قال: كان الناس إذا كان فزع خرجوا براياتهم، وكان لكل قوم موقف، فكان موقف المعافر تحت الكوم يريد بالإسكندرية.
وقصر فهد الذي بالمعافر ومسجد لسبإ خطّه هو فهد بن «3» كثير بن فهد، وكان ولى برقة أيام أسامة بن زيد الأولى، وكان قد ولى جزيرة الصناعة، وهو «4» القصر الذي عند مسجد الزينة، وفى الأشعريّين والسكاسك جاء الحديث.
حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك، حدثنا الركن بن عبد الله بن سعد، عن مكحول، عن معاذ، أن النبي صلّى الله عليه وسلم يوم بعثه إلى اليمن حمله على ناقة، وقال: يا معاذ انطلق حتى تأتى الجند، فحيث «5» بركت بك هذه الناقة فأذّن وصلّ وابن فيه مسجدا، فانطلق معاذ حتى إذا انتهى إلى الجند، دارت به ناقته، وأبت أن تبرك. فقال: هل من جند غير هذا؟ قالوا: نعم. جند رخامة، فلما أتاه دارت وبركت، فنزل معاذ فنادى بالصلاة ثم قام فصلّى، فخرج إليه ابن يخامر السّكسكىّ، فقال: من أنت؟ قال: أنا رسول رسول ربّ العالمين. فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقاتل من خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فلما

(1/154)


قصّ عليه معاذ ما أوصاه به رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال له ابن يخامر: مرحبا بمن جئت من عنده، ومرحبا بك. ابسط يدك، فبايعه ووثب إليه ثلّة من الأشعريّين، ووثب إليه الأملوك أملوك ردمان، فقال ابن يخامر: إن العرصة «1» التى بنيت فيها المسجد لى، فقال معاذ:
خذ ثمنها، فقال: لا، بل هى لله والرسول. فقاتل معاذ من خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالثلّة من الأشعريّين والأملوك أملوك ردمان حتى أجابوه، فكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إنى قاتلت حتى أجابنى أهل اليمن بثلّة من الأشعريّين والسكاسك والأملوك أملوك ردمان. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اللهمّ اغفر للسكاسك والأملوك أملوك ردمان وثلّة من الأشعريّين.
حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنى الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب أنه بلغه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بخير قبائل؟ قالوا بلى. قال الأملوك أملوك ردمان وفرق من «2» الأشعريّين وفرق من خولان والسكاسك والسّكون.
قال: واختطّت بنو وائل فى مهبّ الشمال، ثم مضوا بخطّتهم شارعين على النيل حتى لقيت راشدة من لخم مما يلى الاصطبل. وبين طائفة منهم وبين يحصب وهم فى الجبل الفارسيّون وهم قليل.
ثم انحطّت «3» طائفة من لخم خلف بنى وائل وشرعوا فى النيل، ثم مضوا ينازعون يحصب وهم فى جبل حتى برزوا إلى أرض الحرث والزرع، وكان بين القبائل فضاء من القبيل إلى القبيل، فلما مدّت الأمداد فى زمان عثمان بن عفّان وما بعد ذلك وكثر الناس، وسّع كلّ قوم لبنى أبيهم حتى كثر البنيان والتأم.
خطط الجيزة
(* حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، وابن هبيرة يزيد أحدهما على صاحبه، قال: فاستحبّت همدان ومن والاها الجيزة، فكتب عمرو بن

(1/155)


العاص إلى عمر بن الخطاب يعلمه بما صنع الله للمسلمين. وما فتح عليهم «1» ، وما فعلوا فى خططهم؛ وما استحبّت همدان ومن والاها من النزول بالجيزة. فكتب إليه عمر، يحمد الله على ما كان من ذلك، ويقول له: كيف رضيت أن تفرقّ عنكّ أصحابك، لم يكن ينبغى لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينهم وبينك بحر، لا تدرى ما يفجؤهم فلعلّك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره. فاجمعهم إليك فإن أبوا عليك، وأعجبهم موضعهم. فابن عليهم من فىء المسلمين حصنا.
فعرض عمرو ذلك عليهم فأبوا، وأعجبهم موضعهم بالجيزة ومن والاهم على ذلك من رهطهم؛ يافع وغيرها، واحبّوا ما هنالك، فبنى لهم عمرو بن العاص الحصن الذي بالجيزة فى سنة إحدى وعشرين، وفرغ من بنائه فى سنة اثنتين وعشرين.
قال غير ابن لهيعة من مشايخ أهل مصر: إن عمرو بن العاص لّما سأل أهل الجيزة أن ينضمّوا إلى الفسطاط، قالوا: متقدّما «2» قدّمناه فى سبيل الله ما كنّا لنرحل «3» منه إلى غيره، فنزلت يافع الجيزة، فيها مبرّح بن شهاب، وهمدان، وذو أصبح، فيهم أبو شمر بن أبرهة، وطائفة من الحجر، منهم علقمة بن جنادة أحد بنى مالك بن الحجر*) .
وكانت منهم طائفة قد اختطّوا بالفسطاط أسفل من عقبة تنوخ، قد بيّنت ذلك فى صدر كتابى.
قال: وقد كان دخل مع عمرو بن العاص قوم من العجم يقال لهم الحمراء والفارسيّون. فأمّا الحمراء فقوم من الروم فيهم بنو ينّة وبنو الأزرق وبنو روبيل. والفارسيّون قوم من الفرس وفيهم «4» زعموا قوم من الفرس الذين كانوا بصنعاء، وكان حامل لوائهم ابن ينّة، وإليه تنسب سقيفة ابن ينّة التى بفسطاط مصر بالحمراء.
فقالت الروم والفارسيّون: إنّهم العرب، وإنّا لا نأمنهم ونخاف الغدر من قبلهم، قالوا: فما الرأى؟ قالوا: ننزل نحن فى طرف وأنتم فى طرف، فإن يكن منهم غدر كانوا

(1/156)


بيننا، فقال بعضهم: فإن يكن منهم غدر كانوا بين لحيى الأسد، وكنّا قد أخذنا بالوثقى.
فنزلت الروم الحمراء التى بالقنطرة، ونزلت الفرس بناحية بنى وائل فمسجد الفارسيّين هنالك مشهور معروف.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن شيخ من موالى فهم، عن علىّ بن رباح، قال: قدم عمرو بن العاص بالحمراء والفارسيّين من الشام. قال ابن لهيعة: سمّاهم الحمراء لأنهم من العجم.
ذكر أخائذ الإسكندرية
قال وأما الإسكندرية فلم يكن بها خطط، غير أن أبا الأسود النضر بن عبد الجبّار حدثنا، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن الزبير بن العوّام اختطّ بالإسكندرية.
وإنما كانت أخائذ من أخذ منزلا نزل فيه هو وبنو أبيه. وأن عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية أقبل هو وعبادة بن الصامت حتى علوا الكوم الذي فيه مسجد عمرو بن العاص، فقال معاوية بن حديج: ننزل، فنزل عمرو بن العاص القصر الذي صار لعبد الله ابن سعد بن أبى سرح، ويقال إن عمرا وهبه له لمّا ولى البلد.
ونزل أبو ذرّ الغفارى منزلا كان غربىّ المصلّى الذي عند مسجد عمرو مما يلى البحر وقد انهدم، ونزل معاوية بن حديج موضع داره التى فوق هذا التلّ، وضرب عبادة ابن الصامت بناء فلم يزل فيه حتى خرج من الإسكندرية. ويقال إن أبا الدرداء كان معه والله أعلم.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، وابن هبيرة فى حديثهما، قال: فلما استقامت لهم البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس، وربع فى السواحل والنصف مقيمون معه «1» ، وكان يصيّر بالإسكندرية خاصّة الربع فى الصيف بقدر ستّة أشهر، ويعقب بعدهم شاتية ستّة أشهر، وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه واتّخذوا فيه أخائذ.

(1/157)


حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، أن المسلمين لما سكنوها فى رباطهم ثم قفلوا ثم غزوا، ابتدروا، فكان الرجل يأتى المنزل الذي كان فيه صاحبه قبل ذلك فيبتدره فيسكنه، فلما غزوا قال عمرو: إنى أخاف أن تخربوا المنازل إذا كنتم تتعاورونها، فلما كان عند الكريون قال لهم: سيروا على بركة الله، فمن ركز منكم رمحه فى دار فهى له ولبنى أبيه، فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه فى منزل منها، ثم يأتى الآخر فيركز رمحه فى بعض بيوت الدار، فكانت الدار تكون لقبيلتين، ثلاث، وكانوا يسكنونها، حتى إذا قفلوا سكنها الروم وعليهم مرمّتها.
فكان يزيد بن أبى حبيب، يقول: لا يحلّ من كرائها شىء ولا بيعها. ولا يورّث ولا يورث منها شىء، إنما كانت لهم يسكنونها فى رباطهم.
الزيادة فى المسجد الجامع
ثم إن مسلمة بن مخلّد الأنصارى زاد فى المسجد الجامع بعد بنيان عمرو له، ومسلمة الذي كان أخذ أهل مصر ببنيان المنار للمساجد، كان أخذه إيّاهم بذلك فى سنة ثلاث وخمسين، فبنيت المنار وكتب عليها اسمه.
حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: أخذ مسلمة بن مخلّد الناس ببناء منار المساجد ووضع ذلك عن خولان؛ لأنه كان صاهر إليهم، وأسقط ذلك عنهم.
ثم هدم عبد العزيز بن مروان المسجد فى سنة سبع وسبعين وبناه. ثم كتب الوليد ابن عبد الملك فى خلافته إلى قرّة بن شريك العبسىّ وهو يومئذ واليه على أهل مصر.
وكانت ولاية قرّة بن شريك مصر فى سنة تسعين، قدمها يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وعزل عبد الله بن عبد الملك، وفى ذلك يقول الشاعر «1» :
عجبا ما عجبت حين أتانا ... أن قد امّرت قرّة بن شريك
وعزلت الفتى المبارك عنّا ... ثمّ فيّلت فيه رأى أبيك
فهدمه كلّه وبناه هذا البناء، وزوّقه، وذهّب رءوس العمد التى فى مجالس قيس، وليس فى المسجد عمود مذهّب الرأس إلا فى مجالس قيس، وحوّل قرّة المنبر حين هدم

(1/158)


المسجد إلى قيساريّة العسل، فكان الناس يصلّون فيها الصلوات ويجمّعون فيها الجمع، حتى فرغ من بنيانه. والقبلة فى القيسارية إلى اليوم، وكانت القبّة التى فى وسط الجزيرة بين الجسرين فى المسجد «1» الجامع. ثم زاد موسى بن عيسى الهاشمى بعد ذلك فى مؤخّره فى سنة خمس وسبعين ومائة. ثم زاد عبد الله بن طاهر فى عرضه بكتاب المأمون بالإذن له فى ذلك فى سنة ثلاث عشرة ومائتين. وأدخل فيه دار الرمل كلها إلا ما بقى منها من دار الضرب، ودخلت فيه دار ابن رمّانة وغيرها من بعض الخطط التى ذكرناها.
فكان عمّال الوليد بن عبد الملك، كما حدثنا سعيد بن عفير، كتبوا إليه: إن بيوت الأموال قد ضاقت من مال الخمس، فكتب إليهم أن ابنوا المساجد.
فأوّل مسجد بنى بفسطاط مصر المسجد الذي فى أصل حصن الروم عند باب الريحان قبالة الموضع الذي يعرف بالقالوس يعرف بمسجد القلعة «2» .
حدثنا حميد بن هشام الحميرى، قال: كل مسجد بفسطاط مصر فيه عمد رخام فليس بخطّىّ.
وأوّل كنيسة بنيت بفسطاط مصر، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن بعض شيوخ أهل مصر، الكنيسة التى خلف القنطرة أيام مسلمة بن مخلّد، فأنكر ذلك الجند على مسلمة وقالوا له: أتقّر لهم أن يبنوا الكنائس! حتى كاد أن يقع بينهم وبينه شرّ، فاحتجّ عليهم مسلمة يومئذ فقال: إنها ليست فى قيروانكم، وإنما هى خارجة فى أرضهم، فسكتوا عند ذلك، فهذه خطط أهل مصر.
ذكر القطائع
قال: وقد كان المسلمون حين اختطّوا قد تركوا بينهم وبين البحر والحصن فضاء لتعريق دوابّهم وتأدييها، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولى معاوية بن أبى سفيان فاشترى خطّة مسلمة بن مخلّد منه، وأقطعه داره التى بسوق وردان، ثم اشترى خطّة عقبة بن عامر وأقطعه داره التى فى الفضاء عند أصحاب التبن، وهى اليوم فى يدى فرج، اشترى دار أبى رافع التى صارت للسائب مولاه، وأقطع السائب الدار التى عند حيز الوزّ.

(1/159)


ثم ابتنى عبد العزيز دار الأضياف كانت لأضياف عبد العزيز. وأقطع معاوية أيضا سارية مولى عمر بن الخطّاب فى الزقاق الذي يعرف بحيز الوزّ، فباعه ولده مقطّعا.
وأقطع عبد العزيز خالد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام دار مخرمة التى فى الفضاء وكانت له، دار موسى بن عيسى النوشرىّ التى بالموقف.
قال: وكان خالد وعمر ابنا عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مع عبد الله بن الزبير، وكان أبو بكر بن عبد الرحمن أخا لعبد الملك بن مروان وتربا له، فلما ظهر عبد الملك بن مروان قال: لا سبيل إلى ما يكره عمر وخالد مع أبى بكر، ولكن لله علىّ ألا يسكنان الحجاز، فكتب إلى الحجّاج أن خيّرهما فى أىّ الأمصار شاءا فليلحقا بها، فلحق خالد بعبد العزيز بن مروان فأقطعه دار مخرمة فى الفضاء وكانت له دار موسى بن عيسى التى بالموقف، وأما عمر فلحق ببشر بن مروان بالعراق فله بواسط آثار كثيرة.
وأقطع عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط الدور التى تلى أصحاب التبن قبليا.
وكان أبو معيط يسمّى أبانا. حدثنى بذلك محمد بن إدريس الرازىّ، وله يقول ضرار بن الخطّاب:
عين فابكى لعقبة بن أبان ... فرع فهر وفارس الفرسان
وله يقول بعض الشعراء:
من سرّه شحم ولحم راكد ... فليأت جفنة عقبة بن أبان
قال: وكان عبد الأعلى بن أبى عمرة وهو مولى لبنى شيبان على أخت موسى بن نصير وكانت له من عبد العزيز منزلة فخطّ له داره ذات الحمّام الذي يقال له حمّام التبن، فلما قدم عبد الأعلى بن أبى عمرة من عند أليون صاحب الروم، قال لعبد العزيز:
قد أبليت المسلمين فى تأجيههم «1» إيّاى نصحا وبلاء حسنا، فمر لى بأربع سوارى «2» من خرب الإسكندرية، فأمر له بها فهى على حوض حمّامه الأعظم.

(1/160)


وكان عبد العزيز يرسله بالبزّ «1» إلى ابن عمر.
حدثنا أبو الأسود، حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن المغيرة، عن عبد الأعلى بن أبى عمرة، أن عبد العزيز بن مروان أرسل معه بألف دينار إلى ابن عمر فقبلها.
قال: وأقطع عبد الملك بن مروان عمر بن علىّ الفهرىّ، ثم أحد بنى محارب داره ذات الحمّام التى اشتراها موسى بن عيسى إلى جنب أصحاب القرط. وذلك أن عبد الملك بن مروان لما قتل عمرو بن سعيد، كان عمر بن على ممن أبلى معه، وكان فى أصحابه، فدخل عليه فى خاصّته وعمرو بن سعيد مقتول، فاستشارهم فى قتله، فكلّهم هاب قتله، ولم يره، فقال عمر بن علىّ: اقتله، قتله الله. فلا يزال فى خلاف ما عاش.
قال عبد الملك: ها هو ذا قال، فألق رأسه إلى الناس وأنهبهم بيت المال يفترقون عنك، ففعل، فافترق الناس، وأرسله عبد الملك إلى منزل عمرو يفتشه فوجد فيه كتبا فيها أسماء من بايعه فأحرقها، وبلغ ذلك عبد الملك فقال له: ما حملك على ما فعلت؟
قال: لو قرأتها لما صحّ لك قلب شأمىّ ولا استقامت طاعته إذا علم أنك قد علمت بخلافه فصوّب رأيه وحمده، وأقطعه داره ذات الحمّام التى اشتراها موسى بن عيسى إلى جنب أصحاب القرط.
قال عبد الملك بن مسلمة: هى قطيعة من عبد العزيز للفهرى ولم يسمّه باسمه.
إلا أن ابن عفير سمّاه وقال: عبد الملك بن مسلمة أقطعها عبد العزيز الفهرى مولى ابن رمّانة حين قدم عليه، وبناها له يزيد بن رمّانة، وهى الدار التى تعرف اليوم بدار السلسلة.
وآل أبى عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهرى ينكرون ذلك، وهم بذلك أعلم، ويقولون: إنها خطّة لأبى عبد الرحمن الفهرى، اختطّها عام فتح مصر ولم يكن بنى منها شيئا غير سورها، ثم خرج إلى الشام فاستشهد بها، ثم قدم ابناء العلاء وعلىّ وكان العلاء أسنّهما، وقد كان رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقدما إلى مصر فجعلا ذلك البناء مثل المريد العظيم، ولم يجعلا فيها إلا منزلا واحدا، وأسكنا فيه مولى لهما يقال له يحنّس، ثم خرج العلاء إلى المدينة فقتل عام الحرّة وخلّف الحارث بن العلاء، وخرج علىّ إلى الشام فتوفّى بها، وخلّف عمر بن على، فصار بمنزلة عند عبد الملك.

(1/161)


فبعث إلى ابن رمّانة وأرسل اليه بمال، وسأله أن يبنى له دار جدّه بأحكم ما يقدر عليه، ويجعل له فيها حمّاما ويجعل له خوخة فى داره إذا اراد أن يدخله دخله. وقال: إنّ ذلك ذكر لك ولشيخك، فحرّك ذلك ابن رمّانة فبناها وجعل سورها أكثر من ذراعين بذراع البناء، وجعلها تدوّر بعمد رخام، وجعل قاعدتها مستديرة، ولم يجعل فوقها بناء.
ثم قدم عمر بن علىّ مصر، وقد فرغ منها ابن رمّانة، فقال له عمر: لقد اتّقنت غير أنك لم تجعل لها مسجدا.
فبنى المسجد الذي يعرف اليوم بمسجد القرون، بناه مثل الدكّان الكبير، ونحّاه عن الدار، وجعل بينه وبين الدار فرجة وكان يجلس فيه. ثم بناه بعده أبو عون عبد الملك ابن يزيد، ثم زاد فيه المطّلب بن عبد الله الخزاعى، ثم احترق فبناه السّرىّ بن الحكم هذا البناء، ثم مات عمر بن على فورث الحارث بن العلاء- وهو ابن أخيه- كل ما ترك، وحبس الدار على الأقعد فالأقعد بالحارث بن العلاء من الرجال دون النساء أبدا ما تناسلوا، وتقديم كلّ طبقة على من هو أسفل منها. (فإذا انقرض الرجال فهى على النساء كلّ من رجعت بنسبها إليه من الصلب) «1» فإذا انقرض النساء فهى وحمّامها وكومها المعروف بأبى قشاش يقسم ذلك أثلاثا، فثلث فى سبيل الله، وثلث فى الفقراء والمساكين، وثلث على مواليه وموالى ولده وأولادهم أبدا ما تناسلوا بعد مرمّتها، ورزق قيّم إن كان لها. فإذا انقرض الموالى فلم يبق منهم أحد فعلى الفقراء والمساكين بفسطاط مصر ومدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم على ما يرى من وليّها «2» من عمارتها.
واسم أبى عبد الرحمن يزيد بن أنيس بن عبد الله بن عمرو بن حبيب بن عمرو ابن شيبان بن محارب بن فهر. وعمرو بن حبيب هو آكل السّقب، وأمّه السّوداء ابنة زهرة بن كلاب، وهو الذي يقول فيه الشاعر:
بنو آكل السّقب الذين كأنّهم ... نجوم بآفاق السماء تنور
وكان عند دار السلسلة فلا أدرى أهى هذه الدار أم «3» غيرها حوض من رخام،

(1/162)


وكان يملأ فى الأعياد طلاء وتجعل عليه الآنية ويشرب الناس، فلم يزل الأمر على ذلك حتى ولى عمر بن العزيز فقطعه.
وبالفسطاط غير دار يقال لها دار السلسلة سوى دار الفهرىّ منها دار السهمىّ التى فى الحذّائين، والدار التى كان فيها أصبغ الفقيه فى زقاق القناديل.
قال وبنى عبد العزيز بن مروان القيساريّات قيساريّات العسل، وقيسارية الحبال، وقيسارية الكباش وهى فى خطّة قوم من بلّى يقال لهم الوحاوحة، والقيسارية التى يباع فيها البزّ، «1» وهى التى تعرف بقيسارية عبد العزيز، وأدخل فيها من خطط الراية، وكان فيها منزل كعب بن عدىّ العبادى فعوّضه منها داره التى فى بنى وائل.
قال: وبنى هشام بن عبد الملك قيساريّته التى تعرف بقيسارية هشام يباع فيها البزّ الفسطاطىّ فى الفضاء بين القصر وبين البحر. وبقيت بعد ذلك من الفضاء بقيّة بين بنى وائل والبحر فأقطعها بنو العبّاس الناس.
قال: وأقطع عمرو بن العاص حين ولى وردان مولاه الأرض التى خلف القنطرة التى غربيّها أبو حميد إلى كنيسة الروم التى هناك. وما كان عن يمينك من رأس الجسر القديم إلى حمّام الكبش وهو الحمام الذي يعرف اليوم بحمام السّوق، والآخر إلى ساحل مريس، فكل ذلك كان للوليد بن عبد الملك، وكان للوليد أيضا ما كان على يسارك من الجزيرة وأنت خارج إلى الجيزة والحوانيت اللاصقة بجزيرة الصناعة.
وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد أقطع ابن سندر منية الأصبغ، فحاز لنفسه منها ألف فدّان كما حدثنا يحيى بن خالد، عن الليث بن سعد. ولم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدا من الناس شيئا من أرض مصر إلا ابن سندر، فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ، فلم تزل له حتى مات؛ فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز من ورثته؛ فليس بمصر قطيعة أقدم منها ولا أفضل.
وكان سبب إقطاع عمر ما أقطعه من ذلك كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة (* عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أنه كان لزنباع الجذامىّ غلام

(1/163)


يقال له سندر، فوجده يقبّل جارية له، فجبّه وجدع أذنيه وأنفه، فأتى سندر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأرسل إلى زنباع، فقال: لا تحملوهم ما لا تطيقون «1» ، وأطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون؛ فإن رضيتم فأمسكوا، وإن كرهتموهم فبيعوا، ولا تعذّبوا خلق الله، ومن مثل به أو أحرق بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله. فأعتق سندر، فقال: أوص بى يا رسول الله، قال: أوصى بك كلّ مسلم، فلما توفّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى سندر إلى أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه، فقال: احفظ فىّ وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فعاله أبو بكر حتى توفّى، ثم أتى عمر فقال له: احفظ فىّ وصيّة النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: نعم، إن رضيت أن تقيم عندى أجريت عليك ما كان يجرى عليك أبو بكر، والّا فانظر أىّ المواضع أكتب لك؛ فقال سندر: مصر فإنها أرض ريف، فكتب له إلى عمرو بن العاص: احفظ فيه وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فلما قدم على عمرو، قطع له أرضا واسعة ودارا، فجعل سندر يعيش فيها، فلما مات قبضت فى مال الله*) .
قال عمرو بن شعيب: ثم أقطعها عبد العزيز بن مروان الأصبغ بعد، فهى من خير أموالهم.
وروى ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن ربيعة بن لقيط التجيبى، عن عبد الله بن سندر، عن أبيه إنه كان عبدا لزنباع بن سلامة الجذامى، فعتب عليه فخصاه وجدعه، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره، فأغلظ لزنباع القول وأعتقه منه، فقال:
أوص بى يا رسول الله، قال: أوصى بك كل مسلم «2» . قال يزيد: وكان سندر كافرا.
حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، أن غلاما لزنباع الجذامى اتّهمه فأمر بإخصائه وجدع أنفه وأذنيه، فأتى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعتقه، وقال: أيّما مملوك مثل به فهو حرّ وهو مولى الله ورسوله، فكان بالمدينة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرفق به، فلما اشتدّ مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له ابن سندر: يا رسول الله، إنّا كما ترى، فمن لنا بعدك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أوصى بك كل مؤمن.
فلما ولى أبو بكر رضى الله عنه فأقّر عليه نفقته حتى مات، فلما ولى عمر بن

(1/164)


الخطّاب أتاه ابن سندر فقال: احفظ فىّ وصيّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال له: انظر أىّ أجناد المسلمين شئت فالحق به آمر لك بما يصلحك. فقال ابن سندر: ألحق بمصر، فكتب له إلى عمرو بن العاص يأمره أن يأمر له بأرض تسعه، فلم يزل فيما يسعه بمصر.
ويقال سندر وابن سندر والله أعلم بالصواب.
ولأهل مصر عنه حديثان مرفوعان هذا أحدهما، والآخر حدثنا يحيى بن بكير، وعبد الملك بن مسلمة، قالا: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير، عن ابن سندر، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وتجيب أجابت الله ورسوله» «1» .
قال ابن بكير فى حديثه فقلت يا أبا الأسود، أنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكر تجيب؟ قال: نعم. قلت وأحدّث الناس عنك بذلك؟ قال: نعم.
خروج عمرو إلى الريف
(* حدثنا عبد الله بن صالح، عن عبد الرحمن بن شريح، عن أبى قبيل، قال: كان الناس يجتمعون بالفسطاط إذا قفلوا؛ فإذا حضر مرافق الريف خطب عمرو بن العاص الناس، فقال: قد حضر مرافق ريفكم؛ فانصرفوا، فإذا حمض اللبن، واشتدّ العود، وكثر الذباب، فحىّ على فسطاطكم، ولا أعلمنّ ما جاء أحدكم «2» قد أسمن نفسه وأهزل جواده.
حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، قال: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا من غزوهم: إنه قد حضر الربيع، فمن أحبّ منكم أن يخرج بفرسه يربعه فليفعل؛ ولا أعلمنّ ما جاء رجل قد أسمن نفسه وأهزل فرسه؛ فإذا حمض اللبن وكثر الذباب، ولوى العود، فارجعوا إلى قيروانكم*) .
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، أن عمرو بن العاص كان

(1/165)


يقول للناس إذا قفلوا: اخرجوا إلى أريافكم «1» ، فإذا غنّى الذباب وحمض اللبن، ولوى العود، فحىّ على فسطاطكم.
خطبة عمرو بن العاص:
(* حدثنا سعيد بن ميسرة، عن إسحاق بن الفرات، عن ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحميرى، عن بحير بن ذاخر المعافرى، قال: رحت أنا ووالدى إلى صلاة الجمعة تهجيرا، وذلك آخر الشتاء أظنّه بعد حميم النّصارى بأيام يسيرة. فأطلنا الركوع إذ أقبل رجال بأيديهم السياط، يزجّرون الناس، فذعرت، فقلت: يا أبت، من هؤلاء؟ قال: يا بنىّ هؤلاء الشرط، فأقام المؤذّنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصد القامة وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشيّة، كأنّ به العقيان «2» ، تأتلق عليه حلّة وعمامة وجبّة، فحمد الله وأثنى عليه حمدا موجزا وصلّى على النبي صلّى الله عليه وسلم، ووعظ الناس، وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحضّ على الزكاة، وصلّة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد، وينهى عن الفضول، وكثرة العيال. وقال فى ذلك: يا معشر الناس، إيّاى وخلالا أربعا، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى المذلّة بعد العزّة، إيّاى وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، فى غير درك ولا نوال، ثم إنه لا بدّ من فراغ يؤول إليه المرء فى توديع جسمه، والتدبير لشأنه، وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقلّ، ولا يضيع المرء فى فراغه نصيب العلم من نفسه فيحور من الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا.
يا معشر الناس، إنه قد تدلّت الجوزاء، وذكت «3» الشعرى، وأقلعت السّماء، وارتفع الوباء، وقلّ الندى، وطاب المرعى ووضعت الحوامل، ودرّجت السخائل، وعلى الراعى بحسن رعيّته حسن النظر، فحىّ لكم على بركة الله إلى ريفكم، فنالوا من خيره ولبنه،

(1/166)


وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنّها جنّتكم من عدوّكم، وبها مغانمكم وأثقالكم «1» ، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا، وإيّاى والمشمومات والمعسولات، فإنهنّ يفسدن الدّين ويقصّرن الهمم.
حدثنى عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: إن الله سيفتح عليكم بعدى مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لكم منهم «2» صهرا وذمّة.
فعفّوا أيديكم وفروجكم، وغضّوا أبصاركم، ولا أعلمنّ ما أتى رجل قد أسمن جسمه، وأهزل فرسه، واعلموا أنى معترض الخيل كاعتراض الرجال، فمن أهزل فرسه «3» من غير علّة حططتّه من فريضته قدر ذلك، واعلموا أنكم فى رباط إلى يوم القيامة، لكثرة الأعداء حوالكم «4» وتشوّق «5» قلوبهم إليكم وإلى داركم، معدن الزرع والمال والخير الواسع والبركة النامية.
وحدثنى عمر أمير المؤمنين، أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة» . فاحمدوا الله معشر «6» الناس على ما أولاكم «7» ، فتمتّعوا فى ريفكم ما طاب لكم؛ فإذا يبس العود، وسخن العمود، وكثر الذباب، وحمض اللبن، وصوّح «8» البقل، وانقطع الورد من الشجر، فحىّ على فسطاطكم، على بركة الله «9» ، ولا يقدمنّ أحد منكم ذو عيال على عياله إلا ومعه تحفة لعياله على ما أطاق من سعيه أو عسرته، أقول قولى هذا وأستحفظ الله عليكم.
قال: فحفظت ذلك عنه، فقال والدى بعد انصرافنا إلى المنزل لمّا حكيت له

(1/167)


خطبته: إنه يا بنىّ يحدو الناس إذا انصرفوا إليه على الرباط كما حداهم على الريف والدّعة*) .
ذكر مرتبع الجند
قال: وكان إذا جاء وقت الربيع واللبن، كتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم إلى حيث أحبّوا، وكانت القرى التى يأخذ فيها عظمهم «1» ، منوف، ودسبندس «2» ، وأهناس، وطلحا.
وكان أهل الراية متفرّقين، فكان آل عمرو بن العاص وآل عبد الله بن سعد، يأخذون فى منف ووسيم.
وكانت هذيل تأخذ فى بنا وبوصير. وكانت عدوان تأخذ فى بوصير. وقرى عكّ التى يأخذ فيها عظمهم بوصير ومنوف ودسبندس وأتريب. وكانت بلىّ تأخذ فى منف وطرابية، وكانت فهم تأخذ فى أتريب وعين شمس ومنوف. وكانت مهرة تأخذ فى تتا وتمىّ. وكانت الصدف تأخذ فى الفيّوم. وكانت تجيب تأخذ فى تمىّ وبسطة ووسيم.
وكانت لخم تأخذ فى الفيّوم وطرابية وقربيط. وكانت جذام تأخذ فى طرابية وقربيط.
وكانت حضر موت تأخذ فى ببا وعين شمس وأتريب. وكانت مراد تأخذ فى منف والفيّوم ومعهم عبس بن زوف. وكانت حمير تأخذ فى بوصير وقرى أهناس. وكانت خولان تأخذ فى قرى أهناس والبهنسى والقيس. وآل وعلة يأخذون فى سفط من بوصير.
وآل أبرهة يأخذون فى منف. وغفار وأسلم يأخذون مع وائل من جذام وسعد فى بسطة وقربيط وطرابية. وآل يسار بن ضنّة فى أتريب. وكانت المعافر تأخذ فى أتريب وسخا ومنوف. وكانت طائفة من تجيب ومراد يأخذون باليدقون.
وكان بعض هذه القبائل ربّما جاوز بعضا فى الربيع ولا يوقع من معرفة ذلك على أحد إلّا أن عظم «3» القبائل. كانوا يأخذون حيث وصفنا «4» ، وكان يكتب لهم بالربيع فيربعون وباللّبن ما أقاموا.

(1/168)


وكان لغفار وليث أيضا مرتبع بأتريب.
قال: وأقامت مدلج بخربتا فاتخذوها منزلا، وكان معهم نفر من حمير من ذبحان وغيرهم حالفوهم فيها فهى منازلهم.
ورجعت خشين وطائفة من لخم وجذام فنزلوا أكناف صان وإبليل وطرابية ولم يحفظوا.
ولم تكن قيس بالحوف الشرقىّ قديما، وإنما الذي أنزلهم به ابن الحبحاب، وذلك أنه وفد إلى هشام بن عبد الملك فأمر له بفريضة خمسة آلاف رجل- أو ثلاثة آلاف رجل- شكّ عبد الرحمن «1» ، فجعل ابن الحبحاب الفريضة فى قيس وقدم بهم فأنزلهم بمصر الحوف الشرقىّ.
ذكر خيل مصر
قال عبد الرحمن «2» فلما نزل الناس واطمأنّت بهم منازلهم كانوا يخرجون فيؤدّبون خيلهم فى المضمار.
حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عبد الرحمن بن شماسة المهرى، عن معاوية بن حديج، أنه مرّ على رجل بالمضمار معه فرس ممسك برسنه على كثيب، فأرسل غلامه لينظر من الرجل، فإذا هو بأبى ذرّ، فأقبل ابن حديج إليه، فقال له: يا أبا ذرّ، إنى أرى هذه الفرس قد عنّاك وما أرى عنده شيئا. قال أبو ذرّ: هذا فرس قد استجيب له، قال ابن حديج: وما دعوة بهيمة من البهائم؟ فقال: أبو ذرّ: إنه ليس من فرس إلا أنه يدعو الله كلّ سحريّة، اللهمّ أنت خولتنى عبدا من عبيدك وجعلت رزقى بيده، اللهم اجعلنى أحبّ إليه من ولده وأهله وماله.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، وشعيب بن الليث، قالا: حدثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن ابن شماسة، أن معاوية بن حديج حدثه، أنه مرّ على

(1/169)


أبى ذرّ وهو قائم عند «1» فرس له، فسأله ما تعالج من فرسك؟ فقال: إنى أظنّ هذا الفرس قد استجيبت دعوته، ثم ذكر مثل حديث ابن وهب.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا ابن لهيعة، عن قيس بن الحجّاج، قال: مرّ بنا عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ونحن جلوس مع حنش بن عبد الله نحو صفا مهرة فغفل عن السّلام فناداه حنش يا بن معاوية تمرّ ولا تسلّم، والله لقد رأيتنى أشفع لك عند أبيك أن يجعل لسرجك ركابا تضع فيه رجلك.
قال: عبد الرحمن «2» وكان ولد معاوية بن حديج ليست لسروجهم ركب، إنما يثبون على الخيل وثبا.
قال عبد الرحمن «2» وكانت أصول خيل مصر من خيل سمّى ابن عفير بعضها، منها أشقر صدف، وكان لأبى ناعمة مالك بن ناعمة الصدفى، وبه سمّيت خوخة الأشقر التى بفسطاط مصر، وكان السبب فى ذلك أنّ الاشقر نفق فكره صاحبه أن يطرحه فى الأكوام كما تطرح جيف الدوابّ، فحفر له ودفنه هنالك فنسب الموضع اليه.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، قال: لما افتتح المسلمون القصر كان رجل من الروم يقبل من ناحية القصير على برذون له أشهب، والمسلمون فى صلاة الصبح، فيقتل ويطعن، فتطلبه خيل المسلمين فلا تقدر عليه، وكان صاحب الأشقر غائبا، فلما قدم أخبر بذلك، فكمن له فى موضع وأقبل العلج ففعل كما كان يفعل، فطلبه صاحب الأشقر فأدركه، قال: فاشتغلت «3» بقتل العلج، وشدّ الأشقر على الهجين فقتله.
ومنها ذو الريش فرس العوّام بن حبيب اليحصبىّ. والخطّار فرس لبيد بن عقبة السّومىّ. والذعلوق فرس حمير بن وائل السّومى، وعجلى فرس كانت لعكّ، ولها يقول الشاعر:
سبق الأقوام عجلى ... سبقتهمّ وهى حبلى

(1/170)


حدثنا عبد الواحد بن إسحاق، حدثنا مروان بن معاوية، عن أبى حيّان التيمى، عن أبى زرعة، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، سمّى الأنثى من الخيل فرسا.
قال: وعجلى التى قال عبد الرحمن بن معاوية بن حديج، لنمر بن أيفع العكّىّ:
ما فعلت عجلى؟ على وجه الاستهزاء به، فقال: أما إنّ لها فى أمّك سهمين.
قال: وكان للخم أيضا فرس يقال له أبلق لخم. وكان الجون لعقبة بن كليب الحضرمى.
وكان عبد العزيز بن مروان قد طلب الخطّار من لبيد بن عقبة فامتنع عليه، فأغزاه إفريقيّة فمات بها، فلما كان موسى بن نصير، أهدى إلى عبد العزيز بن مروان خيلا فيها الخطّار، قال: وقد طالت معرفته وذنبه، فلما صارت إليهم الخيل لم يجدوا من يعرف الخطّار، فقالوا: ابنة لبيد، فبعث به عبد العزيز إليها فقالت لمن أتاها: إنى امرأة فاخرجوا عنّى حتى أنظر اليه، ففعلوا، فخرجت فنظرت إليه فعرفته، فقالت: والله لا يركبك أحد بعد أبى سويّا، ثم قطعت أذنى الفرس وهلبت ذنبه ثم قالت: هو هذا خذوه لا بارك الله لكم فيه، فصار لعبد «1» العزيز بن مروان، فاتّخذه للفحلة «2» فكان منه الذائد، ثم كان من الذائد الفرقد فهو أبو الخيل الفرقديّة، ولم يعرق الفرقد فى شىء من خيل مصر إلّا جاء سابقا.
وكان أهل مصر لمّا بلغ مروان بن الحكم القاصرة وجّهوا إليه عقبة بن شريح بن كليب المعافرى ومطير بن يزيد التجيبى، طليعة لهم، ومطير يومئذ على الخطّار فرس لبيد ابن عقبة السومىّ، فدخلا فى عسكر مروان وجوّلا فيه، ثم إنّ شيخا من أهل العسكر نذر بهما واستنكر هيئتهما، فقال: والله إنى لأنكر سحنة «3» هذين الفرسين وما أرى على صاحبيهما شحوب السفر، فكرّا راجعين إلى الفسطاط فمرّا بناقة صرصرانيّة فى ناحية العسكر لبشر بن مروان، فطرداها، فلما لحقتهما «4» الخيل قال مطير لعقبة: اطرد الناقة وأنا أكفيك وكرّ مطير فقاتلهم حتى ولّوا عنه، ثم لحق صاحبه، ثم لحقته الخيل أيضا ففعل

(1/171)


مثل ذلك، حتى وصلا «1» إلى الفسطاط، فسألوهما عن الخبر فقالا: حتى تنحروا الناقة وتأكلوا لحمها وهى أوّل غنيمة فنحرت الناقة وأكل لحمها ثم أخبراهم الخبر وأنّهم أقوى من الرجل.
ثم كتب عمر بن الخطّاب كما حدثنا شعيب بن الليث، وعبد الله بن صالح، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعبد الملك بن مسلمة، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب إلى عمرو بن العاص: انظر من «2» قبلك ممّن بايع «3» تحت الشجرة فأتمّ لهم «4» العطاء مائتين، وأتمّها لنفسك لأمرتك، وأتمّها لخارجة بن حذافة لشجاعته، ولعثمان بن أبى العاص لضيافته.