فتوح مصر والمغرب
ذكر مقاسمة عمر بن الخطاب العمّال
قال عبد الرحمن «5» ثم بعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، كما حدثنا
معاوية بن صالح، عن محمد بن سماعة الرّملىّ، قال: حدثنى عبد الله بن
عبد العزيز شيخ ثقة إلى عمرو بن العاص وكتب إليه: أمّا بعد، فإنكم معشر
العمّال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام وأكلتم الحرام وأورثتم
الحرام، وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة الأنصارى ليقاسمك مالك فأحضره
مالك، والسلام.
فلما قدم محمد بن مسلمة مصر أهدى له عمرو بن العاص هديّة فردّها عليه،
فغضب عمرو وقال: يا محمد، لم رددت إلى «6» هديّتى وقد أهديت إلى رسول
الله صلّى الله عليه وسلم مقدمى من غزوة ذات السّلاسل فقبل؟ فقال له
محمد: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقبل بالوحى ما شاء
ويمتنع مما شاء، ولو كانت هديّة الأخ إلى أخيه قبلتها «7» ؛ ولكنّها
هديّة إمام شر خلفها، فقال عمرو: قبح الله يوما صرت فيه لعمر بن الخطاب
واليا، فلقد رأيت
(1/172)
العاص بن وائل يلبس الديباج المزرّر
بالذهب، وإنّ الخطّاب بن نفيل ليحمل الحطب على حمار بمكّة، فقال له
محمد بن مسلمة: أبوك وأبوه فى النار، وعمر خير منك، ولولا اليوم الذي
أصبحت تذمّ لألفيت «1» معتقلا عنزا يسرّك غزرها ويسوءك بكؤها: فقال
عمرو: هى فلتة المغضب وهى عندك بأمانة، ثم أحضره ماله فقاسمه إيّاه ثم
رجع.
قال: وكان سبب مقاسمة عمر بن الخطاب العمّال كما حدثنا أبو الأسود
النضر ابن عبد الجبّار، وعبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن
أبى حبيب عن خالد بن الصعق «2» قال شعرا كتب به إلى عمر بن الخطّاب:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فأنت ولىّ الله فى المال والأمر
فلا تدعن أهل الرّساتيق والجزى ... يسيغون «3» مال الله فى الأدم الوفر
«4»
فأرسل إلى النعمان فاعلم حسابه ... وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تنسينّ النّافعين «5» كليهما ... وصهر بنى غزوان عندك ذا وفر
ولا تدعونّى للشّهادة «6» إنّنى ... أغيب ولكنّى أرى عجب الدّهر
من الخيل كالغزلان والبيض كالدّمى ... وما ليس ينسى من قرام ومن ستر
«7»
ومن ريطة مطويّة فى صيانها ... ومن طىّ أستار «8» معصفرة حمر
إذا التاجر الهندىّ جاء بفارة ... من المسك راحت فى «9» مفارقهم تجرى
(1/173)
نبيع إذا باعوا ونغزوا إذا غزوا ... فأنّى
لهم مال ولسنا بذى وفر
فقاسمهم نفسى فداؤك إنّهم ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشّطر
فقاسمهم عمر نصف أموالهم. والنعمان: النعمان بن بشير، وكان على حمص
وصهر بنى غزوان، أبو هريرة، وكان على البحرين.
قال عبد الرحمن «1» : ويقال إن قائل هذه الأبيات كما حدثنا معاوية بن
صالح، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن الزبير بن الخرّيت
أبو المختار النميرىّ قال:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ... فأنت أمين «2» الله فى البرّ والبحر
فأرسل إلى النعمان فاعلم حسابه ... وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تدعنّ النافعين كليهما ... وذاك الّذى فى السّوق مولى بنى بدر
وما عاصم منها بصفر عيابه «3» ... ولا ابن غلاب من سراة بنى نصر
نبيع إذا باعوا ونغزوا إذا غزوا ... فأنّى لهم مال ولسنا بذى وفر
ترى الجرد كالخزّان والبيض كالدّمى ... وما لا يعدّ من قرام ومن ستر
ومن ريطة مطويّة فى صوانها ... ومن طىّ أستار محدرجة حمر
إذا التاجر الهندىّ جاء بفارة ... من المسك راحت فى مفارقهم تجرى
فدونك مال الله لا تتركنّه ... سيرضون إن قاسمتهم منك بالشّطر
ولا تدعونّى للشّهادة إنّنى ... أغيب ولكنّى أرى عجب الدّهر
قال عمر: فإنا قد أعفيناه من الشهادة ونأخذ منهم نصف أموالهم، فأخذ
النصف وكان عمر قد استعمل هؤلاء الرهط.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن
أبيه،
(1/174)
أن «1» جدّه أوصى أن يدفع إلى عمر بن
الخطاب نصف ماله، وكان عمر استعمله على بعض أعماله.
حدثنا أسد بن موسى، حدثنا سليمان بن أبى سليمان، عن محمد بن سيرين قال
قال: أبو هريرة لمّا قدمت من البحرين قال لى عمر: يا عدو الله، وعدو
الإسلام، خنت مال الله. قال قلت: لست بعدوّ الله ولا عدوّ الإسلام،
ولكنى عدوّ من عاداهما، ولم أخن مال الله ولكنها أثمان خيل لى تناتجت
وسهام اجتمعت «2» قال يا عدوّ الله وعدوّ الإسلام خنت مال الله، قال
قلت: لست بعدوّ الله ولا عدوّ الإسلام، ولكنى عدوّ من عاداهما ولم أخن
مال الله، ولكنها أثمان خيل لى تناتجت وسهام اجتمعت، قال ذلك ثلاث
مرّات، يقول ذلك عمر ويردّ عليه أبو هريرة هذا القول. قال: فغرّمنى
اثنى عشر ألفا، فقمت فى صلاة الغداة فقلت: اللهمّ اغفر لأمير المؤمنين،
فأرادنى على العمل بعد فقلت: لا. قال:
أوليس يوسف خيرا منك وقد سأل العمل؟ قلت: إنّ يوسف نبىّ ابن نبىّ، وأنا
ابن أميمة، وأنا أخاف ثلاثا واثنتين، قال: ألا تقول خمسا؟ قلت: لا،
قال: مه، قلت: أخاف أن أقول بغير حلم وأقضى بغير علم، وأن يضرب ظهرى،
ويشتم عرضى، ويؤخذ مالى.
ذكر النيل
(* حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله
المعافرى، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه قال: نيل مصر سيّد
الأنهار، سخر الله له كلّ نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن
يجرى نيل مصر أمر كل نهر أن يمدّه فأمدّته الأنهار بمائها، وفجر الله
له الأرض عيونا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله، أوحى الله إلى كل
ماء أن يرجع إلى عنصره.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن معاوية
بن أبى سفيان سأل كعب الأحبار، هل تجد لهذا النيل فى كتاب الله خبرا؟
قال: أى والذي
(1/175)
فلق البحر لموسى، إنى لأجده فى كتاب الله
أن الله يوحى إليه فى كل عام مرّتين يوحى إليه عند جريه: إن الله يأمرك
أن تجرى فيجرى ما كتب الله له، ثم يوحى إليه بعد ذلك:
يا نيل غر «1» حميدا.
حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا عبد الله بن عمر، عن حبيب بن عبد
الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبى هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلم، قال: النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنّة.
حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى
الخير، عن كعب الأحبار، أنه كان يقول: أربعة أنهار من الجنّة وضعها
الله فى الدنيا، فالنيل نهر العسل فى الجنّة، والفرات نهر الخمر فى
الجنة، وسيحان نهر الماء فى الجنة، وجيحان نهر اللّبن فى الجنة*) .
حدثنا سعيد بن أبى مريم، حدثنا الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة،
قالا: حدثنا يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير، عن أبى جنادة الكنانى،
أنه سمع كعبا يقول: النيل فى الآخرة عسل أغزر ما يكون من الأنهار التى
سمّاها الله، ودجلة فى الآخرة لبن أغزر ما يكون من الأنهار التى سمّى
الله، والفرات خمر أغزر ما يكون من الأنهار التى سمى الله، وجيحان ماء
أغزر ما يكون من الأنهار التى سمى الله.
(* قال فلما فتح عمرو بن العاص مصر كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن
لهيعة، عن قيس بن الحجّاج، عمّن حدّثه، أتى أهلها إلى عمرو بن العاص
حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيّها الأمير إنّ لنيلنا هذا
سنّة لا يجرى إلا بها، فقال لهم: وما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان لثنتى
عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر، عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا
أبويها وجعلنا عليها من الحلىّ والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها فى
هذا النيل، فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون فى الإسلام، وإن الإسلام
يهدم ما قبله، فأقاموا بؤونة وأبيب ومسرى لا يجرى قليلا ولا كثيرا حتى
همّوا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك. فكتب
إليه عمر: قد أصبت، إن
(1/176)
الإسلام يهدم ما كان قبله، وقد بعثت إليك
ببطاقة فألقها فى داخل النيل إذا أتاك كتابى «1» ، فلما قدم الكتاب على
عمرو فتح البطاقة فإذا فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل
أهل مصر، أمّا بعد، فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد
القهّار الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك.
فألقى عمرو البطاقة فى النيل قبل يوم الصليب بيوم، وقد تهيّأ أهل مصر
للجلاء والخروج منها لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا
يوم الصليب وقد أجراه الله ستّة عشر ذراعا فى ليلة، وقطع تلك السنّة
السّوء عن أهل مصر.
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن موسى
عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء
حتى طلبوا إلى موسى أن يدعو الله فدعا الله رجاء أن يؤمنوا، فأصبحوا
وقد أجراه الله فى تلك الليلة ستّة عشر ذراعا، فاستجاب الله بتطوّله
«2» لعمر بن الخطاب كما استجاب لنبيّه موسى عليه السلام*) .
ذكر الجزية
قال عبد الرحمن «3» : وكان عمرو يبعث إلى عمر بن الخطّاب بالجزية بعد
حبس ما كان يحتاج إليه، وكانت فريضة مصر كما حدثنا عثمان بن صالح، عن
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب لحفر خلجها «4» ، وإقامة جسورها، وبناء
قناطرها، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا «5» ، معهم الطّور
والمساحى والأداة؛ يعتقبون ذلك، لا يدعون ذلك شتاء ولا صيفا.
ثم كتب عمر بن الخطاب كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة عن القاسم بن عبد
الله، عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أن يختم فى رقاب أهل
الذمّة
(1/177)
بالرّصاص، ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم،
ويركبوا على الأكف عرضا، ولا يضربوا الجزية إلا على من جرت عليه
المواسى «1» ، ولا يضربوا على النساء ولا على الولدان «2» ، ولا يدعوهم
يتشبّهون بالمسلمين فى لبوسهم.
حدثنا شعيب بن الليث، حدثنا أبى، عن محمد بن عبد الرحمن بن عنج «3» ،
أن نافعا حدثهم. وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، حدثنى عبد
الله بن عمر، وعمر بن محمد، أن نافعا حدثهم عن أسلم مولى عمر، أنه حدثه
أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد ألّا يضربوا «4» الجزية إلا على من جرت
عليه المواسى.
وجزيتهم أربعون درهما على أهل الورق منهم، وأربعة دنانير على أهل
الذهب، وعليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان «5» من حنطة،
وثلاثة أقساط من زيت فى كل شهر لكل إنسان كان من أهل الشام والجزيرة،
وودك وعسل لا أدرى كم هو.
ومن كان من أهل مصر فإردب كلّ «6» شهر لكل إنسان، لا «7» أدرى كم من
الودك والعسل، وعليهم من البزّ والكسوة «8» التى يكسوها أمير المؤمنين
الناس، ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاث ليال «9» .
وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعا لكل إنسان، لا أدرى كم لهم من الودك.
وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان، وكان يختم فى أعناق رجال أهل
الجزية.
(1/178)
قال: وكانت ويبة عمر بن الخطاب كما حدثنا
عبد الملك «1» ، عن الليث بن سعد فى ولاية عمرو بن العاص، ستّة أمداد.
حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبى «2» إسحاق، عن
حارثة ابن مضرّب، أن عمر قال: جعلت على أهل السواد ضيافة يوم وليلة،
فمن حبسه مطر فلينفق من ماله.
(* قال: وكان عمرو بن العاص لما استوسق له الأمر أقرّ قبطها على جباية
«3» الروم؛ وكانت جبايتهم بالتعديل: إذا عمرت القرية، وكثر أهلها زيد
عليهم، وإن «4» قلّ أهلها وخربت نقصوا، فيجتمع عرفاء كلّ قرية وماروتها
ورؤساء أهلها، فيتناظرون فى العمارة والخراب؛ حتى إذا أقرّوا من القسم
بالزيادة انصرفوا بتلك القسمة إلى الكور، ثم اجتمعوا هم ورؤساء القرى،
فوزّعوا ذلك على احتمال القرى وسعة «5» المزارع، ثم ترجع كل قرية
بقسمهم فيجمعون قسمهم وخراج كلّ قرية وما فيها من الأرض العامرة
فيبدرون «6» فيخرجون من الأرض فدادين لكنائسهم وحمّاماتهم ومعدياتهم من
جملة الأرض، ثم يخرج منها عدد الضيافة للمسلمين ونزول السلطان، فإذا
فرغوا نظروا إلى ما فى كل قرية من الصنّاع والأجراء، فقسموا عليهم بقدر
احتمالهم؛ فإن كانت فيها جالية قسّموا عليها بقدر احتمالهم، وقلّ ما
كانت تكون إلا الرجل المنتاب أو المتزوّج، ثم ينظرون ما بقى من الخراج
فيقسمونه بينهم على عدد الأرض، ثم يقسمون ذلك بين من يريد الزرع منهم
على قدر طاقتهم؛ فإن عجز أحد وشكا ضعفا عن زرع أرضه وزعوا ما عجز عنه
على الاحتمال، وإن كان منهم من يريد الزيادة أعطى ما عجز عنه أهل
الضعف؛ فإن تشاحّوا قسموا «7» ذلك على عدّتهم. وكانت قسمتهم على
قراريط: الدينار أربعة
(1/179)
وعشرين قيراطا، يقسمون الأرض على ذلك.
وكذلك روى عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها
القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا» «1» . وجعل عليهم لكل فدّان نصف اردبّ
قمح وويبتين من شعير إلا القراط، فلم يكن عليه ضريبة، والويبة يومئذ
ستّة أمداد*) .
وكان عمر بن الخطاب، كما حدثنا عبد الملك بن مسلمة، عن ابن وهب، عن
يونس، عن ابن شهاب، يأخذ ممن صالحه من المعاهدين ما سمّى «2» على نفسه،
لا يضع «3» من ذلك شيئا ولا يزيد عليه، ومن نزل منهم على الجزية ولم
يسمّ شيئا يؤدّيه نظر عمر فى أمره؛ فإذا احتاجوا خفّف عنهم، وإن «4»
استغنوا زاد عليهم بقدر استغنائهم.
قال: وروى حيوة بن شريح، حدثنى الحسن بن ثوبان، أن هشام بن أبى رقيّة
اللخمى، حدثه أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص، فقال له: أخبرنا ما
على أحدنا من الجزية فيصبر لها، فقال عمرو وهو يشير إلى ركن كنيسة: لو
أعطيتنى من الأرض إلى السّقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا،
إن كثر علينا كثّرنا عليكم، وإن خفف عنّا خفّفنا عنكم، ومن ذهب إلى هذا
الحديث ذهب إلى أن مصر فتحت عنوة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، قال:
قال عمر بن عبد العزيز: أيّما ذمّي أسلم فإن إسلامه يحرز له نفسه
وماله، وما كان من أرض فإنها من فىء الله على المسلمين.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، أن عمر بن عبد العزيز
قال:
أيّما قوم صالحوا على جزية يعطونها، فمن أسلم منهم كان أرضه وداره
لبقيّتهم.
قال الليث: وكتب إلىّ يحيى بن سعيد أن ما باع القبط فى جزيتهم وما
يؤخذون به من الحقّ الذي عليهم من عبد أو وليدة أو بعير أو بقرة أو
دابّة، فإن ذلك جائز عليهم
(1/180)
جائز لمن ابتاعه منهم غير مردود إليهم إن
أيسروا، وما أكروا من أرضهم فجائز كراؤه إلا أن يكون يضرّ بالجزية التى
عليهم؛ فلعلّ الأرض أن تردّ عليهم إن أضرّت بجزيتهم، وإن كان فضلا بعد
الجزية فإنّا نرى كراءها جائزا لمن تكاراها منهم.
قال يحيى ونحن نقول: الجزية جزيتان؛ فجزية على رءوس الرجال، وجزية جملة
تكون على أهل القرية، ويؤخذ بها أهل القرية، فمن هلك من أهل القرية
التى عليهم جزية مسمّاة على القرية ليست على رءوس الرجال، فإنّا نرى
أنّ من هلك من أهل القرية ممن لا ولد له ولا وارث أن أرضه ترجع إلى
قريته فى جملة ما عليهم من الجزية، ومن هلك ممّن جزيته على رءوس الرجال
ولم يدع وارثا؛ فإنّ أرضه للمسلمين.
قال الليث: وقال عمر بن عبد العزيز: الجزية على الرءوس وليست على
الأرضين، يريد أهل الذمّة.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الملك بن جنادة، أن
عمر ابن عبد العزيز كتب إلى حيّان بن سريج أن يجعل جزية موتى القبط على
أحيائهم.
قال عبد الرحمن «1» : وحديث عبد الملك هذا يدلّ على أن عمر بن عبد
العزيز كان يرى أن أرض مصر فتحت عنوة، وأن الجزية إنما هى على «2»
القرى، فمن مات من أهل القرى كانت تلك الجزية ثابتة عليهم، وأنّ موت من
مات منهم لا يضع عنهم من الجزية شيئا.
قال: ويحتمل أن تكون مصر فتحت بصلح فذلك الصلح ثابت على من بقى منهم،
وأن موت من مات منهم لا يضع عنهم مما «3» صالحوا عليه شيئا. والله
أعلم.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن محمد بن عمرو، عن ابن
جريج أنّ رجلا أسلم على عهد عمر بن الخطّاب فقال: ضعوا الجزية عن أرضى،
فقال عمر: لا، إنّ أرضك فتحت عنوة.
قال عبد الملك: وقال مالك بن أنس: ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز
(1/181)
لهم، وما فتح عنوة فإنّ ذلك «1» لا يشترى
منهم أحد، ولا يجوز لهم بيع شىء مما تحت أيديهم من الأرض؛ لأن أهل
الصلح من أسلم منهم كان أحقّ بأرضه وماله، وأمّا أهل العنوة الذين
أخذوا عنوة؛ فمن أسلم منهم أحرز إسلامه نفسه، وأرضه للمسلمين، لأن أهل
العنوة غلبوا على بلادهم وصارت فيئا للمسلمين، ولأن أهل الصلح إنما هم
قوم امتنعوا ومنعوا بلادهم حتى صالحوا عليها، وليس عليهم إلا ما صالحوا
عليه، ولا أرى أن يزاد عليهم ولا يؤخذ منهم إلا ما فرض عمر بن الخطاب؛
لأن عمر خطب الناس فقال:
قد فرضت «2» لكم الفرائض وسنّت لكم السّنن، وتركتم على الواضحة.
قال: وأمّا جزية الأرض فلا علم لى ولا أدرى كيف صنع فيها عمر، غير أن
قد أقرّ الأرض فلم يقسمها بين الناس الذين افتتحوها فلو نزل هذا بأحد
كنت أرى أن يسأل أهل البلاد أهل المعرفة منهم والأمانة، كيف كان الأمر
فى ذلك، فإن وجد من ذلك علما يشفى وإلّا اجتهد فى ذلك هو ومن حضره من
المسلمين.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، أن عمر بن عبد العزيز
وضع الجزية عمّن أسلم من أهل الذمّة من أهل مصر، وألحق فى الديوان صلح
من أسلم منهم فى عشائر من أسلموا على يديه.
قال عبد الرحمن «3» : وقال غير عبد الملك: وكانت تؤخذ قبل ذلك ممن أسلم
وأول من أخذ الجزية ممن أسلم من أهل الذمّة كما حدثنا عبد الملك بن
مسلمة، عن ابن لهيعة، عن رزين بن عبد الله المرادى، الحجّاج بن يوسف.
ثم كتب عبد الملك بن مروان إلى عبد العزيز بن مروان، أن يضع الجزية على
من أسلم من أهل الذمة، فكلّمه ابن حجيرة «4» فى ذلك، فقال: أعيذك بالله
أيها الأمير أن تكون أوّل من سنّ ذلك بمصر، فوالله إنّ أهل الذمّة
ليتحمّلون جزية من ترهّب منهم، فكيف تضعها على من أسلم منهم؟ فتركهم
عند ذلك.
حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أن
عمر
(1/182)
ابن عبد العزيز كتب إلى حيّان بن سريج، أن
تضع الجزية عمّن أسلم من أهل الذمّة، فإن الله تبارك وتعالى قال:
فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1»
وقال: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا
يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «2»
وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا الليث بن سعد، قال: كان لعبد الله بن
سعد موالى نصارى فأعتقهم «3» فكان عليهم الخراج قال الليث: أدركنا
بعضهم وإنهم ليؤدّون الخراج.
حدثنا عثمان بن صالح، وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث بن سعد،
قال:
لما ولى ابن رفاعة مصر خرج ليحصى عدّة أهلها وينظر فى تعديل الخراج
عليهم، فأقام فى ذلك ستّة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ومعه جماعة من
الأعوان والكتّاب يكفونه ذلك بجدّ وتشمير، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض،
فأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية، فلم يحص فيها فى أصغر قرية
منها أقلّ من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين يفرض عليهم الجزية.
ذكر المقطّم
(* حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد، قال: سأل المقوقس عمرو
بن العاص أن يبيعه سفح «4» المقطّم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو من «5»
ذلك وقال:
أكتب فى ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: سله
لم أعطاك به ما أعطاك وهى لا تزدرع «6» ولا يستنبط «7» بها ماء، ولا
ينتفع بها فسأله «8»
(1/183)
فقال: إنّا لنجد صفتها فى الكتب؛ أنّ فيها
غراس الجنّة. فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه عمر: إنّا لا نعلم غراس
الجنّة إلا للمؤمنين «1» ، فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين، ولا
تبعه بشىء. فكان أوّل من دفن «2» فيها رجل من المعافر، يقال له عامر،
فقيل عمرت.
فقال المقوقس لعمرو، كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن وهب، عن عمارة
ابن عيسى، قال: ما ذالك، ولا على هذا عاهدتنا، فقطع لهم الحدّ الذي بين
المقبرة وبينهم.
حدثنا هانئ بن المتوكّل، عن ابن لهيعة، أن المقوقس قال لعمرو: إنّا
لنجد فى كتابنا أن ما بين هذا الجبل وحيث نزلتم ينبت فيه شجر الجنّة،
فكتب بقوله إلى عمر بن الخطّاب، فقال: صدق فاجعلها مقبرة للمسلمين.
وقال غير عمارة بن عيسى: فقبر فيها من عرف من أصحاب رسول الله صلّى
الله عليه وسلم، كما حدثنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عمّن حدثه،
خمسة نفر: عمرو بن العاص السّهمى، وعبد الله بن حذافة السهمى، وعبد
الله بن الحارث بن جزء الزبيدى، وأبو بصرة الغفارىّ، وعقبة بن عامر
الجهنى.
وقال غير عثمان ومسلمة بن مخلّد الانصارى. قال ابن لهيعة: والمقطّم ما
بين القصير إلى مقطع الحجارة وما بعد ذلك فمن اليحموم.
وقد اختلف فى القصير. أخبرنا عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، قال: ليس
بقصير موسى النبي عليه السلام، ولكنه موسى الساحر.
حدثنا سعيد بن عفير، وعبد الله بن عبّاد، قالا: حدثنا المفضّل بن
فضالة، عن أبيه، قال: دخلنا على كعب الأحبار، فقال لنا: ممّن أنتم؟
قلنا: من أهل مصر، فقال: ما تقولون فى القصير؟ قال قلنا: قصير موسى،
فقال: ليس بقصير موسى، ولكنه قصير عزيز
(1/184)
مصر، كان إذا جرى النيل يترفّع فيه، وعلى
ذلك إنه لمقدّس من الجبل إلى البحر «1» .
قال ويقال بل كان موقدا يوقد فيه لفرعون إذا هو ركب من منف إلى عين شمس
وكان على المقطّم موقد آخر، فإذا رأوا النار علموا بركوبه فأعدّوا له
ما يريد، وكذلك إذا ركب منصرفا من عين شمس. والله أعلم.
حدثنا هانئ بن المتوكّل، عن ابن لهيعة ورشدين بن سعد، عن الحسن بن
ثوبان، عن حسين بن شفىّ الأصبحى، عن أبيه شفىّ بن عبيد، أنه لما قدم
مصر- وأهل مصر قد اتخذوا مصلّى بحذاء ساقية أبى عون التى عند العسكر-
فقال: ما لهم وضعوا مصلّاهم فى الجبل الملعون، وتركوا الجبل المقدّس!
قال الحسن بن ثوبان: فقدّموا مصلّاهم إلى موضعه الذي هو به اليوم.
حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، حدثنا ابن لهيعة، عن أبى قبيل،
أن رجلا سأل كعبا عن جبل مصر، فقال: إنه لمقدّس ما بين القصير إلى
اليحموم*) .
ذكر استبطاء عمر بن الخطّاب عمرو بن العاص فى الخراج
قال عبد الرحمن «2» فلما استبطأ عمر بن الخطاب الخراج من قبل عمرو بن
العاص كما حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، كتب إليه: «3» بسم
الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص،
سلام عليك؛ فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد؛ فإنى
فكرت «4» فى أمرك والذي عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، قد
أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوّة فى برّ وبحر، وأنها قد عالجتها
الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما، مع شدّة
(1/185)
عتوّهم «1» وكفرهم، فعجبت من ذلك؛ وأعجب
مما عجبت أنها لا تؤدىّ نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك على غير
قحوط ولا جدوب؛ ولقد أكثرت فى «2» مكاتبتك فى الذي على أرضك من «3»
الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على عير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إلىّ
ذلك؛ فإذا أنت تأتينى بمعاريض تغتالها «4» لا توافق الذي فى نفسى؛ ولست
قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك. ولست أدرى مع ذلك
ما الذي أنفرك من كتابى وقبّضك! فلئن كنت مجزئا كافئا صحيحا، إن
البراءة لنافعة «5» ، وإن «6» كنت مضيعا نطفا إنّ الأمر لعلى غير ما
تحدّث به نفسك. وقد تركت أن أبتلى ذلك منك فى العام الماضى رجاء أن
تفيق فترفع إلىّ ذلك؛ وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا عمّالك عمّال
السّوء، وما توالس عليه وتلفّف؛ اتخذوك كهفا.
وعندى بإذن الله دواء فيه شفاء عمّا أسألك عنه؛ فلا تجزع أبا عبد الله
أن يؤخذ منك الحقّ وتعطاه؛ فإنّ النهز «7» يخرج الدرّ، والحقّ أبلج،
ودعنى وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء. والسلام.
قال: فكتب إليه عمرو بن العاص. بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله عمر
أمير المؤمنين من عمرو بن العاص؛ سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذي
لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد بلغنى كتاب أمير المؤمنين فى الذي
استبطأنى فيه من الخراج، والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلى «8» ،
وإعجابه من خراجها على أيديهم، ونقص ذلك منها منذ كان الإسلام. ولعمرى
للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر، لأنهم كانوا على كفرهم وعتوّهم
أرغب فى عمارة أرضهم منّا منذ «9» كان الإسلام. وذكرت أن النهز
(1/186)
يخرج الدرّ، فحلبتها حلبا قطع ذلك درّها.
وأكثرت فى كتابك، وأنبت، وعرّضت وثربت؛ وعلمت أن ذلك عن شىء تخفيه على
غير خبر؛ فجئت لعمرى بالمفظعات «1» المقذعات؛ ولقد كان لك فيه من
الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق. وقد عملنا لرسول الله صلّى الله
عليه وسلم ولمن بعده؛ فكنّا بحمد الله مؤدّين لأماناتنا، حافظين لما
عظّم الله من حقّ أئمّتنا، نرى غير ذلك قبيحا، والعمل به سيّئا، فيعرف
ذلك لنا ويصدّق فيه قيلنا.
معاذ الله من تلك الطعم، ومن شرّ الشيم، والاجتراء على كل مأثم؛ فاقبض
عملك؛ فإن الله قد نزهنى عن تلك الطعم الدنيّة والرغبة فيها بعد كتابك
الذي لم تستبق فيه عرضا ولم تكرم فيه أخا، والله يا بن الخطّاب؛ لأنا
حين يراد ذلك منّي أشدّ لنفسى غضبا، ولها إنزاها وإكراما. وما عملت من
عمل أرى علىّ فيه متعلّقا؛ ولكنى حفظت ما لم تحفظ؛ ولو كنت من يهود
يثرب ما زدت- يغفر الله لك ولنا- وسكتّ عن أشياء كنت بها عالما؛ وكان
اللسان بها منى ذلولا؛ ولكن الله عظّم من حقّك ما لا يجهل. والسلام.
فكتب إليه عمر بن الخطاب كما وجدت فى كتاب أعطانيه يحيى بن عبد الله بن
بكير، عن عبيد الله بن أبى جعفر، عن أبى مرزوق التجيبى، عن أبى قيس
مولى عمرو بن العاص: من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص؛ سلام عليك،
فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فقد عجبت من كثرة
كتبى إليك فى إبطائك بالخراج وكتابك إلىّ ببنيّات الطرق «2» ، وقد علمت
أنى لست أرضى «3» منك إلا بالحقّ البيّن؛ ولم «4» أقدمك إلى مصر أجعلها
لك طعمة ولا لقومك؛ ولكنى وجّهتك لما رجوت من توفيرك الخراج، وحسن
سياستك؛ فإذا أتاك كتابى هذا فاحمل الخراج، فإنما هو فئ المسلمين،
وعندى من قد تعلم قوم محصورون. والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم. لعمر بن الخطاب من
عمرو بن العاص، سلام عليك، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛
أما بعد، فقد أتانى كتاب أمير المؤمنين يستبطئنى فى الخراج، ويزعم «5»
أنى أعند عن الحقّ،
(1/187)
وأنكب «1» عن الطريق؛ وإنى والله ما أرغب
عن صالح ما تعلم؛ ولكنّ أهل الأرض استنظرونى إلى أن تدرك غلّتهم؛ فنظرت
للمسلمين؛ فكان الرفق بهم خيرا من أن يخرق بهم، فيصيروا إلى بيع ما لا
غنى بهم «2» عنه. والسلام.
حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، أن عمرا جباها اثنى عشر ألف
ألف.
قال غير الليث: وجباها المقوقس قبله بسنة عشرين «3» ألف ألف، فعند ذلك
كتب إليه عمر بما كتب به.
قال الليث وجباها عبد الله بن سعد حين استعمله عليها عثمان أربعة عشر
ألف ألف، فقال عثمان لعمرو: يا أبا عبد الله، درّت اللقحة بأكثر من
درّها الاوّل، قال عمرو:
أضررتم بولدها.
وقال غير الليث: فقال له عمرو: ذلك إن لم يمت الفصيل.
حدثنا هشام بن إسحاق العامرى، قال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن
العاص، أن يسأل المقوقس عن مصر: من أين تأتى عمارتها وخرابها؟ فسأله
عمرو، فقال له المقوقس: تأتى عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج
خراجها فى إبّان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم «4» ، ويرفع خراجها فى
إبّان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، وتحفر فى كل سنة خلجها،
وتسدّ ترعها وجسورّها، ولا يقبل محل أهلها- يريد البغى- فإذا فعل «5»
هذا فيها عمرت، وإن عمل فيها بخلافه خربت.
قال وفى كتاب ابن بكير الذي أعطانى «6» عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه،
قال:
لمّا استبطأ عمر بن الخطاب عمرو بن العاص فى الخراج، كتب إليه: أن ابعث
إلىّ رجلا
(1/188)
من أهل مصر؛ فبعث إليه رجلا قديما من
القبط، فاستخبره عمر عن مصر وخراجها قبل الإسلام، فقال: يا أمير
المؤمنين، كان لا يؤخذ منها شىء إلا بعد عمارتها، وعاملك لا ينظر إلى
العمارة، وإنما يأخذ ما ظهر له؛ كأنه لا يريدها إلا لعام واحد. فعرف
عمر ما قال، وقبل من عمرو ما كان يعتذر به.
ذكر نهي الجند عن الزرع
(* قال عبد الرحمن «1» ثم إن عمر بن الخطاب فيما حدثنا عبد الملك بن
مسلمة، عن ابن وهب، عن حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن عبد الله بن
هبيرة، أمر مناديه أن يخرج إلى أمراء الأجناد يتقدّمون إلى الرعيّة؛
أنّ عطاءهم قائم، وأنّ رزق «2» عيالهم سائل، فلا يزرعون ولا يزارعون.
قال ابن وهب: فأخبرنى شريك بن عبد الرحمن المرادى، قال: بلغنا أن شريك
بن سمىّ الغطيفى أتى إلى عمرو بن العاص، فقال: إنكم لا تعطونا ما
يحسبنا، أفتأذن لى بالزرع؟ فقال له عمرو: ما أقدر على ذلك، فزرع شريك
من غير إذن عمرو، فلما بلغ ذلك عمرا كتب إلى عمر بن الخطاب يخبره أنّ
شريك بن سمىّ الغطيفيّ حرث بأرض مصر فكتب إليه عمر: أن أبعث إلىّ به،
فلما انتهى كتاب عمر إلى عمرو أقرأه شريكا، فقال شريك لعمرو: قتلتنى يا
عمرو، فقال عمرو: ما أنا قتلتك، أنت صنعت هذا بنفسك، قال له: إذ كان
هذا من رأيك، فأذن لى بالخروج إليه من غير كتاب، ولك عهد الله أن أجعل
يدى فى يده، فأذن له بالخروج، فلما وقف على عمر قال: تؤمّنّى يا أمير
المؤمنين؟ قال: ومن أىّ الأجناد أنت؟ قال: من جند مصر، قال: فلعلّك
شريك بن سمى الغطيفى؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال لأجعلنّك نكالا
لمن خلفك، قال: أو تقبل منّى ما قبل الله من العباد، قال: وتفعل؟ قال:
نعم، فكتب إلى عمرو بن العاص: إنّ شريك بن سميّ جاءنى تائبا فقبلت
منه*) .
(1/189)
ذكر حفر خليج أمير المؤمنين
(* حدثنا عبد الله بن صالح أو غيره، عن الليث بن سعد، أن الناس
بالمدينة أصابهم جهد شديد فى خلافة عمر بن الخطّاب فى سنة الرّمادة،
فكتب إلى عمرو بن العاص وهو بمصر: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى
العاص بن العاص: سلام؛ أما بعد؛ فلعمرى يا عمرو ما تبالى إذا شبعت أنت
ومن معك أن أهلك أنا ومن معى؛ فيا غوثاء، ثم يا غوثاء! يردّد قوله «1»
.
فكتب إليه عمرو بن العاص: لعبد الله عمر أمير المؤمنين، من عمرو بن
العاص؛ أما بعد فيا لبيك ثم يا لبّيك! قد بعثت إليك بعير أوّلها عندك
وآخرها عندى. والسلام عليك ورحمة الله.
فبعث إليه بعير عظيمة، فكان أوّلها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها
بعضا، فلما قدمت على عمر وسّع بها على الناس، ودفع إلى أهل كل بيت
بالمدينة وما حولها بعيرا بما عليه من الطعام، وبعث عبد الرحمن بن عوف،
والزبير بن العوّام، وسعد بن أبى وقّاص، يقسمونها على الناس، فدفعوا
إلى أهل كل بيت بعيرا بما عليه من الطعام أن يأكلوا الطعام وينحروا
البعير فيأكلوا لحمه ويأتدموا شحمه ويحتذوا جلده، وينتفعوا بالوعاء
الذي كان فيه الطعام لما أرادوا من لحاف أو غيره، فوسّع الله بذلك على
الناس.
فلما رأى ذلك عمر حمد الله وكتب إلى عمرو بن العاص يقدم عليه هو وجماعة
من أهل مصر معه، فقدموا عليه، فقال عمر: يا عمرو؛ إنّ الله قد فتح على
المسلمين مصر، وهى كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى فى روعى- لما أحببت
من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها
قوّة لهم ولجميع المسلمين- أن أحفر خليجا من نيلها حتى يسيل فى البحر،
فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكّة؛ فإنّ حمله على
الظهر يبعد ولا نبلغ منه ما نريد؛ فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا فى ذلك
حتى يعتدل فيه رأيكم.
فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر فثقل ذلك عليهم، وقالوا:
(1/190)
نتخوّف أن يدخل فى هذا ضرر على مصر، فنرى
أن تعظّم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: إن هذا أمر «1» لا يعتدل ولا
يكون، ولا نجد إليه سبيلا.
فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: والذي نفسى بيده
لكأنى أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر
الخليج، فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل فى هذا ضرر «2» على أهل مصر؛
فنرى أن تعظّم ذلك على «3» أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا الأمر لا
يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلا.
فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين، لقد كان
الأمر على ما ذكرت، فقال له عمر: انطلق يا عمرو بعزيمة منّى حتى تجدّ
فى ذلك، ولا يأتى عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله. فانصرف عمرو
وجمع لذلك من الفعلة ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي فى
حاشية الفسطاط، الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى
القلزم؛ فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام
إلى المدينة ومكّة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمّى خليج أمير
المؤمنين.
ثم لم يزل يحمل فيه الطعام حتى حمل فيه بعد عمر بن عبد العزيز، ثم
ضيّعته الولاة بعد ذلك، فترك وغلب عليه الرمل، فانقطع، فصار منتهاه إلى
ذنب التمساح من ناحية طحا القلزم.
قال ويقال إن عمر بن الخطّاب قال لعمرو بن العاص وقدم عليه كما حدثنا
أخى عبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا عبد الله بن وهب، عن
ابن لهيعة، عن محمد بن عبد الرحمن- قال: حسبته، عن عروة: يا عمرو، إنّ
العرب قد تشاءمت بى وكادت أن تهلك على رجلى وقد عرفت الذي أصابها، وليس
جند من الأجناد أرجى عندى أن يغيث الله بهم أهل الحجاز من جندك؛ فإن
استطعت أن تحتال لهم حيلة حتى يغيثهم الله! فقال عمرو: ما شئت يا أمير
المؤمنين، قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل
الإسلام، فلمّا
(1/191)
فتحنا مصر انقطع ذلك الخليج واستدّ، وتركته
«1» التجار، فإن شئت أن نحفره فننشئ «2» فيه سفنا يحمل «3» فيه الطعام
إلى الحجاز فعلته «4» ! فقال له عمر: نعم، فأفعل*) ، فلما خرج عمرو من
عند عمر بن الخطاب ذكر ذلك لرؤساء أهل أرضه من قبط مصر، فقالوا له:
ماذا جئت به أصلح الله الأمير تنطلق فتخرج طعام أرضك وخصبها إلى الحجاز
وتخرّب هذه! فإن استطعت فاستثقل «5» ذلك، فلما ودّع عمر بن الخطاب قال
له: يا عمرو انظر إلى ذلك الخليج فلا «6» تنسينّ حفره، فقال له: يا
أمير المؤمنين، إنه قد انسد «7» وتدخل فيه نفقات عظام، فقال له عمر:
أما والذي نفسى بيده إنى لأظنّك حين خرجت من عندى حدّثت بذلك أهل أرضك
فعظّموه عليك، وكرهوا ذلك، أعزم عليك إلّا ما حفرته وجعلت «8» فيه
سفنا، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، إنه متى ما يجد أهل الحجاز طعام
مصر وخصبها مع صحّة الحجاز لا يخفّوا إلى الجهاد، قال: فإنى سأجعل من
ذلك أمرا لا يحمل فى هذا البحر إلّا رزق «9» أهل المدينة وأهل مكّة،
فحفره عمرو وعالجه، وجعل فيه السفن.
قال عبد الرحمن «10» ويقال: إن عمر بن الخطّاب كما ذكر عبد الله بن
صالح، عن الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، كتب
إلى عمرو بن العاص: إلى العاص بن العاص، فإنك لعمرى لا تبالى إذا سمنت
أنت ومن معك «11» أن أعجف أنا ومن قبلى، فيا غوثاه، ثم يا غوثاه! فكتب
إليه عمرو ابن العاص: أما بعد؛ فيا لبيك ثم يا لبّيك، أتتك عير أوّلها
عندك وآخرها عندى، مع أنى
(1/192)
أرجو أن أجد السبيل إلى أن أحمل إليك فى
البحر. ثم إن عمرا ندم على كتابه فى الحمل إلى المدينة فى البحر وقل:
إن أمكنت عمر من هذا خرّب مصر ونقله «1» إلى المدينة. فكتب إليه: إنى
نظرت فى أمر البحر فإذا هو عسر لا يلتأم ولا يستطاع. فكتب إليه عمر:
إلى العاص بن العاص، فقد بلغنى كتابك تعتلّ فى الذي كنت كتبت إلىّ به
من أمر البحر، وأيم الله لتفعلنّ أو لأقلعنّك بأذنك أو لأبعثنّ من يفعل
ذلك، فعرف عمرو أنه الجدّ من عمر بن الخطاب ففعل، فبعث إليه عمر ألا
تدع بمصر شيئا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلّها إلا بعثت إلينا
منه.
قال ويقال: إنما دلّ عمرو بن العاص على الخليج رجل من قبط مصر. حدثنا
أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبى نجيح، عن
أبيه، أن رجلا أتى إلى عمرو بن العاص من قبط مصر، فقال: أرأيت «2» إن
دللتك على مكان تجرى فيه السفن، حتى تنتهى إلى مكّة والمدينة، أتضع عنى
الجزية وعن أهل بيتى؟ قال: نعم، فكتب إلى عمر، فكتب إليه أن افعل؛ فلما
قدمت السفن الجار خرج عمر حاجا أو معتمرا، فقال للناس: سيروا بنا ننظر
إلى السفن التى سيّرها الله إلينا من أرض فرعون حتى أتتنا. فقال رجل من
بنى ضمرة: فأفردنى السّير معه فى سبعة نفر فآوانا الليل إلى خيمة
أعراب، فإذا «3» ببرمة تغطّى على النار، فقال عمر: هل من طعام؟ فقالوا:
لا إلا لحم ظبى أصبناه بالأمس، فقرّبوه فأكل منه وهو محرم.
حدثنا أسد بن موسى، حدثنا وكيع بن الجرّاح، عن هشام بن سعد، عن زيد ابن
أسلم، عن عمرو بن سعد الجارىّ أن عمر أتى الجار ثم دعا بمناديل ثم قال
اغتسلوا من ماء البحر فإنه مبارك.
قال غير أسد: فلما قدمت السفن الجار وفيها الطعام، صكّ عمر للناس بذلك
الطعام صكوكا، فتبايع التجار الصكوك بينهم قبل أن يقبضوها.
قال: فحدّثنى أبى عبد الله بن عبد الحكم، اخبرنا ابن لهيعة، عن أبى
الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: لقى عمر بن الخطاب العلاء بن الأسود،
فقال: كم
(1/193)
ربح حكيم بن حزام؟ فقال: ابتاع من صكوك
الجار بمائة ألف درهم، وربح عليها مائة ألف، فلقيه عمر بن الخطاب فقال:
يا حكيم، كم ربحت؟ فأخبره بمثل خبر العلاء، فقال عمر: فبعته قبل أن
تقبضه؟ قال: نعم، قال عمر: فإن هذا بيع لا يصلح، فاردده، فقال حكيم: ما
علمت أن هذا لا يصلح، وما أقدر على ردّه، فقال عمر: ما «1» بدّ، فقال
حكيم: والله ما أقدر على ذلك وقد تفرّق وذهب، ولكنّ رأس مالى وربحى
صدقة.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، أن حكيم
ابن حزام ابتاع طعاما أمر به عمر للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن
يستوفيه، فسمع بذلك عمر فردّه عليه، قال: لا تبع طعاما ابتعته حتى
تستوفيه.
قال مالك: وبلغنى أن صكوكا خرجت للناس فى زمان مروان بن الحكم من طعام
الجار فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها «2» ، فدخل زيد
ابن ثابت ورجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى مروان،
فقالا له: أتحلّ بيع الربا يا مروان! فقال أعوذ بالله، وما ذاك؟ قالا:
هذه الصكوك يتبايعها الناس ثم يبيعونها قبل أن يستوفوها، فبعث مروان
الحرس يتبعونها ينتزعونه «3» من أيدى الناس ويردّونها إلى أهلها.
وحدثنا أسد بن موسى، حدثنا مهدى بن ميمون، حدثنا سعيد الجريرىّ، عن أبى
نضرة، عن أبى فراس، أن عمر بن الخطاب خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال:
أيّها الناس إنه قد أتى علىّ زمان وأنا أحسب أن من قرأ القرآن إنما
يريد به الله وما عنده، وقد خيّل إلىّ بآخره أنه قد قرأه أقوام يريدون
به الدنيا ويريدون به الناس، ألا فأريدوا الله بأعمالكم وأريدوه
بقراءتكم، ألا إنما كنّا نعرفكم إذ ينزل الوحى وإذ رسول الله صلّى الله
عليه وسلم بين أظهرنا، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، فقد انقطع الوحى،
وذهب النبي صلّى الله عليه وسلم فإنما نعرفكم بما نقول لكم الآن «4» ،
من رأينا منه خيرا ظننّا به خيرا وأحببناه عليه، ومن رأينا منه شرّا
ظننّا به شرّا وأبغضناه عليه، سرائركم فيما بينكم وبين ربّكم، ألا إنّى
إنما أبعث
(1/194)
عمّالى ليعلّموكم دينكم ويعلّموكم سننكم
«1» ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ولا يأخذوا «2» أموالكم، ألا فمن أتى
إليه شىء من ذلك فليرفعه إلىّ، فوالذى نفس عمر بيده لأقصّنّه منه.
فقام عمرو بن العاص فقال: أرأيت يا أمير المؤمنين إن عتب عامل من
عمّالك على بعض رعيّته فأدّب رجلا من رعّيته إنك لمقصّه منه؟ قال: نعم،
والذي نفس عمر بيده لأقصّنّه منه، ألا أقصّه وقد رأيت رسول الله صلّى
الله عليه وسلم يقصّ من نفسه، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم ولا
تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تجمّروا بهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم
الغياض فتضيعّوهم.
فأتى رجل من أهل مصر كما حدّثنا عن أبى عبدة، عن ثابت البنانىّ وحميد،
عن أنس إلى عمر بن الخطّاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم،
قال: عذت معاذا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربنى
بالسّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم
عليه ويقدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصرىّ؟ خذ السوط فاضرب،
فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الألأمين، قال أنس: فضرب فوالله
لقد ضربه ونحن نحبّ ضربه فما أقلع عنه حتى تمنّينا أنه يرفع عنه، ثم
قال عمر للمصرىّ: ضع على ضلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه
الذي ضربنى وقد اشتفيت «3» منه، فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبّدتم الناس
وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟ قال يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتنى.
حدثنى عبد الله بن صالح، حدثنى الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر، أن
صبيغا العراقى جعل يسأل عن أشياء من القرآن فى أجناد «4» المسلمين حتى
قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب، فلما أتاه الرسول
بالكتاب فقرأه، قال:
أين الرجل؟ قال: فى الرحل، فقال عمر: ابصر «5» أن يكون ذهب فتصيبك منى
العقوبة
(1/195)
الموجعة، فأتاه به فقال له عمر: عمّ تسأل؟
فحدثه، فأرسل عمر إلى رطائب الجريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبره، ثم
تركه حتى برأ، ثم عاد له ثم، تركه حتى برأ، ثم دعا به ليعود له، فقال
صبيغ: يا أمير المؤمنين، إن كنت تريد قتلى فاقتلنى قتلا جميلا، وإن كنت
تريد أن تداوينى فقد والله برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب له إلى أبى
موسى الأشعرى: ألا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتدّ ذلك على الرجل، فكتب
أبو موسى إلى عمر: إنه قد حسنت هيئته، فكتب عمر أن ائذن للناس «1» فى
مجالسته «2» .
حدثنا أسد بن موسى، حدثنا محمد بن خازم، عن الحجّاج، عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جدّه قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطّاب يسأله عن
رجل أسلم ثم كفر ثم أسلم ثم كفر حتى فعل ذلك مرارا، أيقبل منه الإسلام؟
فكتب إليه عمر أن اقبل منه، اعرض عليه الإسلام، فإن قبل فاتركه، وإلّا
فاضرب عنقه.
حدثنا أسد بن موسى، حدثنا محمد بن خازم، عن الحجّاج، عن عمرو ابن شعيب،
عن أبيه، عن جدّه، قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب يسأله عن
عبد وجد جرّة من ذهب مدفونة، فكتب إليه عمر أن ارضخ له منها بشىء، فإنه
أحرى أن يؤدّوا ما وجدوا.
ذكر فتح الفيّوم
(* حدثنا سعيد بن عفير وغيره، قالوا: فلما تمّ الفتح للمسلمين بعث عمرو
جرائد الخيل إلى القرى التى حولها، فأقامت الفيّوم سنة لم يعلم
المسلمون بمكانها، حتى أتاهم رجل، فذكرها لهم؛ فأرسل عمرو معه ربيعة بن
حبيش بن عرفطة الصدفّى؛ فلما سلكوا فى المجابة لم يروا شيئا، فهمّوا
بالانصراف، فقالوا: لا تعجلوا، سيروا؛ فإن كان كذّب «3» فما أقدركم على
ما أردتم! فلم يسيروا إلا قليلا حتى طلع لهم سواد الفيوم، فهجموا
عليها، فلم يكن عندهم قتال، وألقوا بأيديهم.
قال ويقال: بل خرج مالك بن ناعمة الصدفّى- وهو صاحب الأشقر- على فرسه
(1/196)
ينفض المجابة، ولا علم له بما خلفها من الفيّوم «1» ، فلما رأى سوادها
رجع إلى عمرو فأخبره ذلك.
قال ويقال: بل بعث عمرو بن العاص قيس بن الحارث إلى الصعيد، فسار حتى
أتى القيس، فنزل بها، وبه سمّيت القيس، فراث على عمرو خبره، فقال ربيعة
بن حبيش: كفيت. فركب فرسه فأجاز عليه البحر- وكانت أنثى- فأتاه بالخبر.
ويقال: إنه أجاز من ناحية الشرقيّة حتى انتهى إلى الفيوم*) وكان يقال
لفرسه الأعمى. والله أعلم.
قال: (* وبعث عمرو بن العاص، نافع بن عبد القيس الفهرىّ- وكان نافع أخا
العاص بن وائل لأمّه- فدخلت خيولهم أرض النوبة صوائف كصوائف الروم، فلم
يزل الأمر على ذلك حتى عزل عمرو بن العاص عن مصر، وأمّر عبد الله بن
سعد بن أبى سرح، فصالحهم*) وسأذكر ذلك فى موضعه إن شاء الله. |