فتوح مصر والمغرب

وعبد الله بن سعد بن أبى سرح العامرىّ
وكان والى البلد فى خلافة عثمان بن عفّان مجموعا له. ولهم عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم حديث واحد، وهو حديث ابن لهيعة، قال: حدثنا عيّاش بن عبّاس القتبانى، عن الهيثم ابن شف، عن عبد الله بن سعد بن أبى سرح، قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعشرة من أصحابه معه؛ أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ والزبير وغيرهم على جبل إذ تحرّك بهم الجبل، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اسكن حراء؛ فإنه ليس عليك إلّا نبىّ أو صدّيق أو شهيد» «2» . حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.
ليس لهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديث غيره. وحديث آخر مرسل بشكّ، وهو

(1/290)


حديث ضمام بن إسماعيل، عن عيّاش بن عبّاس القتبانى، قال: لما حصروا الإسكندريّة قال لهم صاحب المقدّمة: لا تعجلوا حتى آمركم برأيى، فلما فتح الباب دخل رجلان فقتلا؛ فبكى صاحب المقدّمة، قال ضمام: أظنّه عبد الله بن سعد، فقيل له: لم بكيت وهما شهيدان؟ قال: ليت أنّهما شهيدان، ولكن سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنّة عاص، وقد أمرت ألا يدخلوا، فدخلوا بغير إذن. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.
ولهم عنه حكايات فى نفسه. منها حديث ابن لهيعة، عن ابن أبى جعفر، عن أبى سعيد الغافقى، أنه سمع عبد الله بن سعد بن أبى سرح وهو على المنبر، يقول: لا تسقوا دوابّكم الخمر؛ فإنها رجس من عمل الشيطان. حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، قال: حدثنى العلوىّ، عن عبد الله بن ربيعة، قال: غزونا مع عبد الله بن سعد إفريقيّة، فصلّى لهم صلاة، فبينا هم فى صلاتهم إذ فزع الناس؛ فانصرفوا؛ فقال لهم عبد الله بن سعد: إنّ هذه الصلاة قد اختضرت «1» ؛ فأعيدوا صلاتكم، فأعاد بهم الصلاة وأعادوا. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا بكر بن مضر، عن يزيد بن أبى حبيب، عن قيس بن أبى يزيد، عن الجلاس بن عامر، عن عبد الله بن ربيعة، قال: صلّى عبد الله ابن سعد للناس بإفريقيّة المغرب، فلما صلّى ركعتين سمع جلبة فى المسجد؛ فأرعبهم ذلك وظنّوا أنهم العدوّ؛ فقطع الصلاة، فلما لم ير شيئا خطب الناس وقال: إن هذه الصلاة اختضرت «2» ، وأمر مؤذّنه فأقام الصلاة ثم أعادها.
لم يرو عنه غير أهل مصر. وتوفّى بعسقلان فى أيّام معاوية بن أبى سفيان قبل اجتماع الناس عليه. يكنّى أبا يحيى، ويقال توفّى عبد الله بن سعد سنة ستّ وثلاثين، وكان والى البلد بمصر بعد عمرو بن العاص.

(1/291)


وممّن دخلها من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن شركوا الناس فى الرواية عنه وأغربوا به عليهم فى الحديث.
الزبير بن العوّام
ولهم عنه حديث واحد. وهو حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عمّن سمع عبيد الله بن المغيرة، يقول: سمعت سفيان بن وهب الخولانى، يقول: «لما افتتحنا «1» مصر بغير عهد «2» قام الزبير فقال: اقسمها يا عمرو؛ فقال عمرو: لا أقسمها حتى أوامر أمير المؤمنين، فقال الزبير: والله لتقسمنّها كما قسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيبر، فقال عمرو:
والله لا أقسمها حتى أوامر أمير المؤمنين، فكتب إلى عمر بن الخطّاب؛ فكتب اليه عمر: أقرّها حتى يغزو منها حبل الحبلة» «3» حدثناه يوسف بن عدّى، عن عبد الله بن المبارك. قال: وحدثناه عبد الملك بن مسلمة.
قال ابن لهيعة: وحدثنى يحيى بن ميمون، عن عبيد الله بن المغيرة، عن سفيان بن وهب نحوه.
وتوفى بوادى السباع سنة ستّ وثلاثين، قتله ابن جرموز. ويكنّى أبا عبد الله.
وعبد الله بن عمر بن الخطّاب
ولهم عنه شبيه بثمانية أحاديث كلّها أغربوا بها. منها حديث أبى شريح عبد الرحمن بن شريح، عن شراحيل بن بكيل، عن عبد الله بن عمر، قال: كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين نزل تحريم الخمر؛ فأمر بآنية الخمر فجمعها «4» فى موضع واحد، ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم غدا وهو آخذ بيدى اليسرى بيده اليمنى، فأقبل عمر بن الخطّاب؛ فحوّلنى عن يساره وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدى اليمنى بيده اليسرى، وأخذ عمر ابن الخطّاب بيده اليمنى يده اليسرى، فسرنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما بيننا، فأقبل أبو بكر فسرّح رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدى وحوّل عمر عن يساره، وأخذ بيد أبى بكر بيده اليمنى يده

(1/292)


اليسرى، فسرنا حتى أتينا الآنية التى جمعت وفيها الخمر والزقاق، فقال: ائتونى بشفرة أو مدية، فحسر رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذراعية وأخذ الشفرة، فقال عمر وأبو بكر: يا رسول الله، نحن نكفيك، فقال شقّوها على ما فيها من غضب الله، الخمر حرام، لعن شاربها، وساقيها، وبائعها، ومشتريها، وحاملها، والمحمولة إليه، وعاصرها، ومعتصرها، والقيّم عليها، وآكل ثمنها «1» . حدثناه طلق بن السمح.
قال: حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، وعبد الملك بن مسلمة، قالوا: حدثنا ابن لهيعة، عن أبى طعمة قال: سمعت ابن عمر يذكر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نحوه.
قال عبد الملك بن مسلمة قال ابن لهيعة: وكان أبو طعمة أوّل من أقرأ أهل مصر.
حدثنا أبى عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الله بن صالح، قالا: حدثنا الليث بن سعد. قال أبى: وحدثنى ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، أنه سمع ثابت بن يزيد الخولانى يذكر أنه كان له عم يبيع الخمر ويتجر فيها، فحججت فأتيت عبد الله بن عبّاس فذكرت ذلك له، فقال: يا أمّة محمد، لو كان كتاب بعد كتابكم أو نبىّ بعد نبيّكم لأنزل عليكم كما أنزل على من كان قبلكم، ولكن أخّر عنكم إلى يوم القيامة، وليس بأخفّ عليكم هى حرام وثمنها حرام.
ثم أتيت ابن عمر فذكرت له مثل ذلك فقال: سوف أخبرك عن الخمر، نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحريم الخمر وأنا عنده فقال: من كان عنده منها شىء فليؤذنّى به كلّما جاءه أحد يخبره أن عنده منها شىء قال الوادى، حتى إذا اجتمعت هناك قام إليها فأتى أبو «2» بكر وعمر فمشى «3» بينهما، حتى إذا وقف عليها قال: أتعرفون هذه؟ قالوا: نعم، هذه الخمر، قال: «إنّ الله لعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة اليه، وبائعها ومشتريها، وآكل ثمنها» قال الليث ثم دعا بالسّكّين فقال باعدوها؛ ففعلوا، ثم أخذها النبي صلّى الله عليه وسلم يخرّق الزقاق. فقال الناس: إنّ فى هذه الزقاق

(1/293)


المنفعة، قال: أجل، ولكن إنما أفعل ذلك لما فيها من سخط الله، فقال عمر: أنا أكفيك يا رسول الله، فقال: لا.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن قيصر مولى تجيب، عن ابن عمر، أنه كان عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأتاه «1» شيخ فقال: أقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم. ثم جاءه شابّ من قبل أن يقوم من مجلسه، فسأله؛ فقال: لا. فنظر بعضنا إلى بعض فقال:
«قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض، إنّ الشيخ يملك نفسه» «2» .
حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار. وخالف «3» أسد بن موسى فى هذا الحديث فقال: عبد الله بن عمرو، والله أعلم.
قال عبد الرحمن بن عبد الحكم: وكأنّى رأيت المصريّين يقولون هو ابن عمر، وقيصر مولى تجيب هو قيصر بن أبى بحريّة.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن أبى طعمة، قال: كنت مع ابن عمر إذ جاءه رجل فسأله عن الصيام فى السفر، فقال: لا تصم. قال إنّى أقوى على ذلك. قال ابن عمر سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفات» «4» . حدثناه النضر بن عبد الجبّار، وعبد الملك بن مسلمة.
وكان ابن عمر شهد الفتح مع عمرو بن العاص، وتوفى فى سنة ثلاث وسبعين، يكنّى أبا عبد الرحمن.
والمقداد بن الأسود شهد بدرا
ولم عنه ثلاثة أحاديث عن نفسه- وليس لهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم شىء- أحدها ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، أنه سمعه يذكر أن المقداد بن الأسود كان غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية؛ فلما رجعوا قال عبد الله للمقداد فى دار بناها: كيف ترى بنيان هذه الدار؟ فقال له المقداد: إن كان من مال الله فقد أفسدت، وإن كان من مالك

(1/294)


فقد أسرفت. فقال عبد الله لولا أن يقول قائل أفسدت «1» مرّتين لهدمتها. حدثناه عبد الملك بن مسلمة.
والآخر ابن لهيعة، عن عيّاش بن عبّاس القتبانى عن أبى المعارك الودّانىّ، أن رجلا من غافق كان له على رجل من مهرة مائة دينار فى زمان عثمان بن عفّان، فغنموا غنيمة حسنة، فقال الرجل أعجّل لك تسعين دينارا وتمحو عنّى المائة؟ وكانت مستأخرة؛ فرضى بذلك الغافقىّ، فمرّ بهما المقداد بن الأسود فأخذا بلجام دابّته ليشهداه، فلما قصّ عليه القصّة قال: كلا كما قد أذن بحرب من الله ورسوله. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، قال: حدثنى أزهر بن يزيد الغطيفى، قال: كان على مقاسم الناس يوم جرجير شريك بن سمىّ فباع تبرا بذهب بعضه أفضل من بعض، ثم لقيا المقداد بن الأسود فذكرا ذلك له، فقال المقداد: إن هذا لا يصلح.
يكنّى أبا معبد. وتوفى سنة ثلاث وثلاثين، وصلّى عليه عثمان بن عفّان.
ومعاوية بن أبى سفيان
ولهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثان: أحدهما حديث ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، قال: أخبرنا حسّان بن كريب الحميرىّ، قال: سمعت ابن ذى الكلاع، سمعت معاوية بن أبى سفيان يقول، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «اتركوا الترك ما تركوكم» «2» . حدثناه يحيى بن بكير.
والآخر حديث الليث بن سعد وابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حديج، أنه سمع معاوية بن أبى سفيان يقول: سألت أمّ حبيبة زوج النبي صلّى الله عليه وسلم «هل كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلّى فى الثوب الذي يجامعها فيه؟» وقال أحدهما:
«يضاجعها فيه» «فقالت: نعم، إذا لم يكن فيه أذّى» «3» حدثناه أبى، وشعيب بن الليث، وعبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد.

(1/295)


قال: وحدثناه أبى وعبد الملك بن مسلمة، عن ابن لهيعة.
وحدثناه أبى وإسحاق بن بكر بن مضر، عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن سويد بن قيس، عن معاوية بن حديج، عن معاوية بن أبى سفيان مثله.
وكان دخول معاوية بن أبى سفيان مصر فى سنة سبع وثلاثين حتى بلغ سلمنت من كورة عين شمس. يكنّى أبا عبد الرحمن. وتوفى بدمشق سنة ستّين.
وممّا يبيّن أن معاوية قد دخل مصر أن عبد الله بن يوسف حدثنا، قال: حدثنا محمد ابن المهاجر، عن العباس بن سالم، عن مدرك بن عبد الله الأزدى- أو أبى مدرك- قال:
غزونا مع معاوية مصر، فنزلنا منزلا، فقال عبد الله بن عمرو لمعاوية: أتأذن لى أن أقوم فى الناس؟ فأذن له؛ فقام على قوسه «1» ؛ فحمد لله وأثنى عليه، ثم قال: إنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: رأيت فى منامى أن عمود الكتاب حمل من تحت رأسى فأتبعته بصرى فاذا هو كالعمود من النور يعمد به إلى الشأم، ألا وإنّ الإيمان إذا وقعت الفتن، بالشأم» «2» ثلاث مرّات.
وعبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق
ولهم عنه حديث واحد، هو حديث ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن بكر ابن سوادة، عن أبى ثور، عن عبد الرحمن بن أبى بكر، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «لا تحلّ الصدقة لغنىّ» «3» .
وعمّار بن ياسر
ولهم عنه حديث واحد، وهو ابن لهيعة، عن أبى عشانة الموهبىّ- من المعافر- قال: سمعت عمار بن ياسر، يقول: أبشروا فوالله لأنتم أشدّ حبّا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تروه من عامّة من رآه. حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار.

(1/296)


وتوفى سنة سبع وثلاثين. يكنّى أبا اليقظان. وكان دخوله مصر أيّام عثمان ابن عفّان كما حدثنا عبد الحميد بن الوليد أبو زيد كبد.
وقد روى بعض الناس سمعت عمّار بن ياسر بذى الصّوارى.