فتوح مصر والمغرب
وأبو أيّوب الأنصارىّ شهد بدرا واسمه خالد
بن زيد
ولهم عنه تسعة أحاديث أغربوا بها- إلا حديثا واحدا رواه الناس معهم،
وهو حديث البصل- منها حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، قال:
أخبرنى أبو عمران أسلم، أنه سمع أبا أيّوب الأنصارى، يقول: قال لنا
رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وأخبر بعير لأبى سفيان
مقبلة فقال: هل لكم أن نخرج فنتلقّى هذه العير لعلّ الله يغنمناها؟
قلنا: نعم، فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا: ما ترون فى القوم؟
فإنهم قد أخبروا بخروجكم، قلنا: والله يا رسول الله، ما لنا طاقة بقتال
العدوّ؛ ولكنّا أردنا العير، ثم قال: ما ترون فى قتال العدوّ؟ قلنا: لا
طاقة لنا بقتالهم، فقال المقداد بن عمرو: إنّا لا نقول كما قال قوم
موسى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ
«1» .
قال أبو أيّوب: فتمنّينا معشر الأنصار لو أنّا قلنا كما قال المقداد
أحبّ إلينا من أن يكون لنا مال عظيم، فأنزل الله على رسوله صلّى الله
عليه وسلم كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ
فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ
«2» إلى قوله وَهُمْ يَنْظُرُونَ
ثم أنزل الله أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا
إلى قوله كُلَّ بَنانٍ
«3» وقال وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها
لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ
«4» والشوكة الشرّ، وغير الشوكة العير.
فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين إمّا العير وإمّا القوم طابت أنفسنا،
ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث رجلا لينظر؛ فأقبل الرجل
فقال: رأيت سوادا ولا أدرى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: هم
هم، فأمرنا أن نتعادّ؛ ففعلنا؛ فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا،
فأخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعدّتنا فسرّ بذلك، وحمد الله،
وقال: عدّة أصحاب طالوت.
ثم إنا اجتمعنا مع القوم فاصطففنا، فبدرت منا بادرة فقال ابن رواحة: يا
(1/297)
رسول الله، إنى أريد أن أشير عليك، ورسول
الله أفضل ممّا يشار عليه، إنّ الله أجلّ من أن يشكّ فى وعده، فقال: يا
بن رواحة، لا تشكّنّ فى وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.
وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها فى وجوه
القوم؛ فانهزموا؛ فأنزل الله عزّ وجلّ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
«1» فقتلنا وأسرنا، فقال عمر بن الخطّاب:
لا يكون أسرى؛ فإنما «2» نحن داعون «3» ؛ فقلنا معشر الأنصار إنما حمل
عمر حسد لنا، فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم استيقظ، فقال: ادع
لى عمر؛ فدعى؛ فقال له: إن الله قد أنزل ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ
«4» الآية. حدثناه أبى عبد الله ابن عبد الحكم، عن ابن لهيعة.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أسلم أبى عمران، عن أبى
أيّوب الأنصارى، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يقول:
بادروا بصلاة المغرب طلوع النجم «5» . حدثناه عبد الملك بن مسلمة.
حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة بن شريح، أخبرنا يزيد بن
أبى حبيب، قال: حدثنى أبو عمران التجيبى، أن عقبة بن عامر صلّى صلاة
الغرب فأخّرها ونحن بالقسطنطينيّة، ومعنا أبو أيّوب الأنصارى، فقال له
أبو أيّوب: يا عقبة، أتؤخّر صلاة المغرب هذا التأخير وأنت من أصحاب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيراك من لم يصحبه فيظنّ أنه وقتها! قال
أبو عمران، فقلت لأبى أيّوب: فمتى وقتها؟ فقال: كنّا نصلّيها حين تجب
الشمس نبادر بها طلوع النجوم.
ومنها حديث الليث وحيوة بن شريح، عن يزيد بن أبى حبيب، قال: حدثنى أسلم
أبو عمران، قال: كنا «6» بالقسطنطينيّة وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صاحب
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وعلى أهل الشأم فضالة بن عبيد، فخرج من
أهل المدينة صف عظيم من الروم،
(1/298)
وصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين، فحمل
رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا وصاح الناس،
سبحان الله! ألقى بيده «1» إلى التهلكة فقام أبو أيّوب الأنصارى، فقال:
أيّها الناس، إنكم لتأوّلون هذه الآية على هذا التأويل، وإنما أنزلت
هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنّه لمّا أعزّ الله دينه وكثّر ناصريه،
قلنا فيما بيننا بعضنا لبعض سرا من رسول الله: إنّ أموالنا قد ضاعت فلو
أنا أقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله عزّ وجلّ فى كتابه
يردّ علينا ما هممنا به. وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
«2» فكانت التهلكة أن نقيم فى الأموال ونصلحها. فأمرنا بالغزو، فما زال
أبو أيّوب غازيا فى سبيل الله حتى قبضه الله. حدثناه عبد الله بن صالح،
عن الليث بن سعد. وعبد الله بن يزيد المقرئ، حدثناه عن حيوة بن شريح.
ومنها حديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، أنه قال: جمعنا وأبا
أيّوب الأنصارى مرسى فى البحر، فلما حضر غداؤنا أرسلنا إلى أبى أيّوب
وأهل مركبه، فأتانا أبو أيّوب فقال: دعوتمونى وأنا صائم، فكان علىّ من
الحقّ أن أجيبكم، إنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنّ
للمسلم على أخيه المسلم ستّ خصال واجبة، فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقا
واجبا لأخيه عليه: إذا دعاه أن يجيبه، وإذا لقيه أن يسلّم عليه، وإذا
عطس أن يشمّته، وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يتبع جنازته، وإذا
استنصح له أن ينصحه» «3» قال حدثناه المقرئ.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن حيىّ بن عبد الله المعافرى، عن أبى عبد
الرحمن الحبلى، عن أبى أيّوب الأنصارى، قال: سمعت رسول الله صلّى الله
عليه وسلم يقول: «من فرق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين الأحبّة
يوم القيامة» «4» حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، وعثمان بن
صالح.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن أبى عبد الرحمن، أن أبا أيّوب
أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقصعة فيها بصل، فقال: «كلوا وأبى
أن يأكله «5» وقال: إنّى لست
(1/299)
كمثلكم» «1» وزعم أبو عبد الرحمن أن أبا
أيّوب لم يكن يأكل البصل نيا ولا طبيخا.
وتوفّى بالقسطنطينيّة سنة إحدى وخمسين غازيا مع يزيد بن معاوية.
وعبادة بن الصامت قد شهد بدرا والعقبة
ولهم عنه أحاديث أغربوا بها. منها حديث ابن لهيعة ونافع بن يزيد، عن
سيّار ابن عبد الرحمن، عن يزيد بن قودر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة بن
الصامت قال: أوصانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسبع خلال، قال: «لا
تشركوا بالله شيئا وإن قطّعتم أو حرّقتم أو قتلتم، ولا تتركوا الصلاة
المكتوبة متعمّدين؛ فمن تركها متعمّدا فقد خرج من الملّة، ولا تركبوا
المعصية فإنها من سخط الله، ولا تشربوا الخمر فإنها رأس الخطايا كلّها،
ولا تفرّوا من القتل والموت وإن كنتم فيه، ولا تعصين «2» والديك؛ وإن
أمراك أن تخرج من الدنيا كلّها فاخرج، ولا تضع عصاك عن أهلك، وأنصفهم
من نفسك» «3» حدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، عن ابن لهيعة
وسعيد بن أبى مريم، عن نافع بن يزيد.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، قال: حدثنى علىّ بن رباح،
أنه سمع جنادة بن أبى أميّة، يقول: سمعت عبادة بن الصامت، يقول: إن
رجلا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أىّ
العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله، وتصديق وجهاد فى سبيله قال: أريد أهون
من ذلك يا رسول الله، قال: السماحة والصبر، قال: أريد أهون من ذلك،
قال: لا تتّهم الله فى شىء قضى لك به» «4» حدثناه أبو الأسود النضر بن
عبد الجبّار ويحيى بن بكير.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبى جعفر، عن أبى عبد الرحمن
الحبلى، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:
«ما من نفس تموت لها عند الله خير تحبّ أن ترجع إليكم إلّا الشهيد؛
فإنه يحبّ أن يرجع، فيقتل مرّة أخرى» «5» حدثناه أبى عبد الله بن عبد
الحكم.
(1/300)
ولهم عن عبادة حديث قد شركهم الناس فيه؛
وهو حديث الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن أبى الخير، عن
الصنابحىّ، عن عبادة بن الصامت أنه قال: إنى من النقباء الذين بايعوا
رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقال: بايعناه على ألا نشرك بالله شيئا
ولا نسرق، ولا نزنى، ولا نقتل النفس التى حرّم الله، ولا ننتهب ولا
نقضى «1» بالجنّة إن فعلنا أو «2» غشينا من ذلك شيئا كان قضاء ذلك إلى
الله. حدثناه عبد الله بن صالح.
(3 قال: حدثنا عبد الملك بن هشام، قال: حدثنا زياد بن عبد الله
البكّائى، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثنى يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن
عبد الله اليزنى، عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحى، عن عبادة بن
الصامت، قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنّا اثنى عشر رجلا؛
فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بيعة النساء- وذلك قبل أن
تفرض الحرب- على ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزنى، ولا نقتل
أولادنا، ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه «4» فى
معروف؛ فإن وفيتم فلكم الجنّة، وان غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله،
إن شاء عذّب، وإن شاء غفر 3) .
قال عبد الرحمن: ورواه ابن شهاب الزهرى، عن عائذ الله بن عبد الله أبى
إدريس الخولانى، عن عبادة بن الصامت. حدثناه عبد الله بن صالح، عن
الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد. وعبد الملك بن هشام، عن زياد بن عبد
الله، عن محمد بن إسحاق.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، أن علىّ بن رباح حدثه، قال:
حدثنى من سمع عبادة بن الصامت، يقول: كنّا فى المسجد نتقرّأ، معنا أبو
بكر ونحن أمّيّون يقرأ بعضنا على بعض، فخرج عبد الله بن أبىّ بن سلول
تتبعه نمرقة وزربيّة وضعتا له؛ فاتّكأ؛ فقال: يا أبا بكر، ألا تقول
لمحمد يأتينا بآية كما أرسل الأوّلون؟ جاء صالح بالناقة، وجاء موسى
بالألواح، وجاء داود بالزبور، وجاء عيسى بالمائدة، وعبد الله ابن أبىّ
رجل فصيح صبيح، فبكى أبو بكر فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فقال
أبو بكر: قوموا بنا نستغيث بنبىّ الله من هذا المنافق، فقال رسول الله
صلّى الله عليه وسلم: «إنه لا يقام لى إنما يقام
(1/301)
لله» «1» إنّ جبريل أتانى فقال: اخرج حدّث
بنعمة الله التى أنعم عليك، وبفضيلته «2» التى فضّلك بها، فبشّرنى بعشر
لم يؤتها نبىّ قبلى: إن الله بعثنى إلى الناس جميعا، وأمرنى أن أنذر
الجنّ، وإن الله لقّانى كلامه وأنا أمّىّ، قد أوتى داود الزبور وموسى
الألواح وعيسى الإنجيل وأنه غفر لى ذنبى ما تقدّم منه وما تأخّر، وإن
الله أعطانى الكوثر، وإن الله أمدّنى بالملائكة، وآتانى النصر، وجعل
بين يدىّ الرعب، وجعل حوضى أعظم الحياض، ورفع ذكرى فى التأذين «3» ،
ويبعثنى «4» يوم القيامة مقاما محمودا والناس مهطعين مقنعى رءوسهم،
ويبعثنى يوم القيامة فى أوّل زمرة «5» ؛ فأدخل الجنّة فى سبعين ألفا من
أمّتى لا يحاسبون، ورفعنى يوم القيامة فى أقصى غرفة فى جنّات النعيم،
ليس فوقى إلّا الملائكة الذين يحملون العرش، وآتانى السلطان والملك،
وطيّب لى الغنيمة ولأمّتى؛ ولم تكن «6» لأحد قبلنا.
وتوفّى بالرملة سنة أربع وثلاثين. يكنّى أبا الوليد.
وقيس بن سعد بن عبادة
ولهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحاديث. منها ابن لهيعة
وحيوة بن شريح، عن عبد العزيز بن عبد الملك بن مليل، عن عبد الرحمن بن
أبى أميّة، عن قيس بن سعد، أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم، يقول: «صاحب الدابّة أولى بصدرها» «7» . حدثناه أبو الأسود النضر
بن عبد الجبّار.
وقد شركهم فى رواية هذا الحديث أهل الكوفة.
حدثناه أبو زرعة عن حيوة مثله سواء.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عمرو بن الوليد بن
عبدة،
(1/302)
عن قيس بن سعد، أن رسول الله صلّى الله
عليه وسلم خرج إليهم ذات يوم وهم فى المسجد؛ فقال: إن ربّى حرّم علىّ
الخمر والميسر والكوبة والقنّين، وكلّ مسكر حرام. حدثناه أبى عبد الله
ابن عبد الحكم. وربّما أدخل فيما بين عمرو بن الوليد وبين قيس أنه
بلغه.
حدثنا سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن أيّوب، عن عبيد الله بن زحر، عن بكر
بن سوادة، عن قيس بن سعد، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «إن
الله حرم الخمر والكوبة والقنّين، وإيّاكم والغبيراء؛ فإنها ثلث خمر
العالم» «1» .
ومنها حديث ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، أنه سمع شيخا يحدّث أبا تميم
الجيشانى، أنه سمع قيس بن سعد على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلّى
الله عليه وسلم، يقول: «من كذب علىّ كذبة متعمّدا فليتبوّأ بيتا من
النار، ألا ومن شرب الخمر أتى عطشانا يوم القيامة، وكلّ مسكر حرام» «2»
. وسمعت عبد الله بن عمرو يقول مثل ذلك ولم يختلفا إلّا فى بيت أو
مضجع. حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم، وطلق بن السمح.
وكان قيس بن سعد قد ولى مصر؛ ولّاه عليها علىّ بن أبى طالب فى سنة سبع
وثلاثين، وعزله «3» فى سنة ثمان وثلاثين.
وجابر بن عبد الله الأنصارى
ولهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحاديث. منها حديث بكر بن
سوادة وجعفر ابن ربيعة، عن أبى حمزة الخولانى، أنه سمع جابر بن عبد
الله، يقول: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعثا وأنا فيهم، وأمّر
عليهم قيس بن سعد بن عبادة، فجهدوا؛ فنحر لهم قيس تسع ركائب، ومرّوا
بالبحر؛ فوجدوه قد ألقى دابّة حوتا عظيما؛ فمكثوا عليه ثلاثة أيّام
يأكلون منه ويقدّدون ويغترفون شحمه فى قربهم، فلما قدموا على رسول الله
صلّى الله عليه وسلم ذكروا له شأن قيس فقال: «إنّ الجود من شيمة أهل
ذلك البيت» «4» وذكروا الحوت، فقال: لو نعلم أنّا نبلغه ولم يرح لأحببت
إن لو كان عندنا منه.
حدثناه شعيب بن يحيى، عن يحيى بن أيّوب، عن جعفر بن ربيعة.
(1/303)
وأبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، عن ابن
لهيعة، عن بكر بن سوادة. يزيد أحدهما الحرف ونحوه.
ومنها حديث بكر بن مضر والليث بن سعد، عن أبى زرعة عمرو بن جابر
الحضرمى، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه
قال: من صام رمضان وأتبعه ستا من شوّال؛ فكأنما صام الدهر أو فذلك صيام
الدهر.
حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم وعبد الغفّار بن داود، عن بكر بن
مضر. قال:
وحدثناه أبو الأسود النضر بن عبد الجبّار، عن ابن لهيعة وعثمان بن
صالح، عن الليث ابن سعد.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن أبى زرعة عمرو بن جابر، عن جابر بن عبد الله
صاحب النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول: الفارّ من الطاعون
كالفارّ من الزحف. حدثناه عثمان ابن صالح.
ومما يبيّن قدوم جابر بن عبد الله مصر، ما حدثنا عبد الله بن يوسف،
حدثنا سعيد ابن عبد العزيز التنوخى، قال: قدم جابر بن عبد الله على
مسلمة بن مخلّد وهو أمير على مصر، فقال له: أرسل إلى عقبة بن عامر
الجهنى حتى أسأله عن حديث سمعه «1» من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛
فأرسل إليه؛ فقال: إنى سمعت. ويقال الذي قدم من المدينة على عقبة ابن
عامر إنما هو السائب بن خلّاد الأنصارى، فيما ذكر يحيى بن حسّان، عن
ابن لهيعة، عن يزيد بن أبى حبيب، قال: إن السائب بن خلّاد الأنصارى قدم
على عقبة بن عامر الجهنى، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم
يذكر فى الستر «2» شيئا؟ فقال عقبة: سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم، يقول: من ستر مسلما ستره الله» «3» قال أنت سمعته من رسول الله
صلّى الله عليه وسلم؟
قال: نعم. قال فراح ولم يقدم من المدينة إلّا لذلك. والله أعلم.
قال: وحدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيّوب عن عيّاش بن عبّاس،
عن واهب بن عبد الله المعافرى، قال: قدم رجل من أصحاب رسول الله صلّى
الله عليه وسلم من الأنصار على مسلمة بن مخلّد، فألفاه نائما، فقال:
أيقظوه، فقالوا: بل تنزل حتى يستيقظ، قال: لست
(1/304)
فاعلا، فأيقظوا مسلمة فخرج، فقال: انزل،
قال: لا، حتى ترسل إلى عقبة، قال فأرسل إليه؛ فأتاه فقال: هل سمعت رسول
الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من وجد مسلما على عورة فستره فكأنما
أحيا موءودة من قبرها؟» «1» فقال عقبة: أنا أبو حمّاد، قد سمعت رسول
الله صلّى الله عليه وسلم يقول ذلك، ولم يسمّ يحيى بن أيّوب الرجل.
والله أعلم.
وسهل بن سعد الساعدىّ
ولهم عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحاديث كلها أغربوا بها.
منها حديث ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن سهل بن سعد، أن رجلا كان
اسمه أسود فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبيض. حدثناه سعيد بن
تليد، عن ابن وهب، عن ابن لهيعة.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن أبى زرعة عمرو بن جابر، قال: سمعت سهل ابن
سعد الساعدى يقول، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا
تبّعا فإنه قد أسلم» «2» حدثناه أبو الأسود وعثمان بن صالح، عن ابن
لهيعة.
ومنها حديث ابن لهيعة، عن جميل الحذّاء، عن سهل بن سعد، قال: سمعت رسول
الله صلّى الله عليه وسلم، يقول: «اللهمّ لا يدركنى زمان ولا أدركه لا
يتّبع فيه العليم، ولا يستحيا فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الأعاجم،
وألسنتهم ألسنة العرب» «3» . حدثناه عثمان ابن صالح.
ومنها حديث بكر بن مضر، عن عيّاش بن عقبة، أن يحيى بن ميمون حدثه، قال:
كنت فى المسجد فمرّ بى سهل بن سعد الأنصارى؛ فسلّم ثم وقف فقال: أحدّثك
بشىء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ ثم التفتّ إلى انسان كان
بجنبى، فقلت له: ليس بينى وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير هذا،
فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «من كان فى المسجد
ينتظر الصلاة فهو فى صلاة» «4» .
حدثناه أبى عبد الله بن عبد الحكم. وحدثنا أبو الأسود، عن ابن لهيعة،
عن يحيى
(1/305)
ابن ميمون الحضرمى، قال: سمعت سهل بن سعد يقول، قال رسول الله صلّى
الله عليه وسلم: «لا يزال أحدكم فى صلاة ما دام فى المسجد ينتظر
الصلاة» «1» .
ومسلمة بن مخلّد الانصارى
(2 ولهم عنه حديث واحد ليس لهم عنه غيره. وهو حديث موسى بن علىّ، عن
أبيه، أنه سمعه يقول وهو على المنبر: توفّى رسول الله صلّى الله عليه
وسلم وأنا ابن عشر سنين. لم يرو عنه غير أهل مصر. وأهل البصرة لهم عنه
حديث واحد، وهو حديث أبى هلال الراسبى، حدثنا جبلة بن عطيّة، عن مسلمة
بن مخلّد، أنه رأى معاوية يأكل، فقال لعمرو ابن العاص: إنّ ابن عمّك
لمخضد، ثم قال: أما إنى أقول هذا وقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه
وسلم يقول: «اللهمّ علّمه الكتاب ومكّن له فى البلاد وقه العذاب» «3»
وربما أدخل بعض المحدّثين بين جبلة بن عطّية وبين مسلمة رجلا» 2) .
وقد ولى مسلمة مصر، وهو أوّل من جمعت له مصر والمغرب، وتوفّى سنة
اثنتين وستين. يكنّى أبا سعيد. |