دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ حَدِيثِ نَفَقَةِ رَسُولِ اللهِ [
(1) ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كِفَايَةِ
اللهِ تَعَالَى هَمَّهُ، وَسَعْيِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَابْنِ السَّبِيلِ
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو تَوْبَةَ: الربيع ابن نَافِعٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا
[ (2) ] أَبُو حَاتِمٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ الْهَوْزَنِيُّ- يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ
الْهَوْزَنِيَّ، قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ النبي، صلى الله عليه
وَسَلَّمَ، بِحَلَبَ [ (3) ] ، فَقُلْتُ: يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي كَيْفَ
كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلّم؟
__________
[ (1) ] في (ح) : «نفقة النبي وما في ذلك» .
[ (2) ] في (ص) : «أخبرنا» .
[ (3) ] بلال بن رباح الحبشي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وأمه
حمامة، مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: أكثر الروايات على
أنه مات بدمشق سنة عشرين. وقال البخاري: مات بالشام، وقال أبو زرعة: «قبره
بدمشق» ، وقال ابن مندة: «توفي بدمشق، وقيل بحلب سنة عشرين» . تهذيب تاريخ
دمشق الكبير (3:
304) .
(1/348)
فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ
ذَلِكَ إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ مُنْذُ بَعَثَهُ
اللهُ، تَعَالَى [ (4) ] ، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ
الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ، فَرَآهُ عَارِيًا، يأمرني فأنطلق فأستعرض،
وَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ، فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى
اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ، إِنَّ
عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي. فَفَعَلْتُ،
فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ تَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قُمْتُ لِأُؤَذِّنَ
بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ،
فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا لَبَّيْهِ. فَتَجَهَّمَنِي وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا،
فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ.
قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ فَآخُذُكَ بِالَّذِي
لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ
كَرَامَتِكَ وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، ولكن أعطيتك لتجب لِي عَبْدًا
فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ فِي
نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ
أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتَمَةَ، رَجَعَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى أَهْلِهِ،
فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ،
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنَّ الْمُشْرِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ أَنِّي
كُنْتُ أتَدَيَّنُ مِنْهُ قَدْ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ
مَا تَقْضِي عَنِّي وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي.
فَأْذَنْ لِي آتِي بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ
أَسْلَمُوا حَتَّى يَرْزُقَ اللهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي.
فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي
وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِيَ
الْأُفُقَ. فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ
لَيْلًا نِمْتُ حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ
أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى يَدْعُو: يَا بِلَالُ، أَجِبْ
رَسُولَ اللهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى
أَتَيْتُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ
عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عليه
وسلم، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وسلم: أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللهُ بِقَضَائِكَ. فَحَمِدْتُ اللهَ
تَعَالَى. وَقَالَ: أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ
الْأَرْبَعِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ لك
__________
[ (4) ] في (ص) : «عز وجل» .
(1/349)
رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ. فَإِذَا
عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ «فَدَكَ»
فَاقْبِضْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اقصد دَيْنَكَ. قَالَ: فَفَعَلْتُ،
فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ أَحْمَالَهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمْ عَمَدْتُ
إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ
إِصْبُعي فِي أُذُنِي، فَنَادَيْتُ وَقُلْتُ:
مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، دَيْنًا
فَلْيَحْضُرْ. فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي، وَأَعْرِضُ وَأَقْضِي،
حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، دَيْنٌ
فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ، أَوْ أُوقِيَّةٌ
وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ
النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ [ (5) ] ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ
لِي: مَا فَعَلَ مَا قِبَلَكَ؟
قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ. فَقَالَ: فَضَلَ شَيْءٌ؟
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، دِينَارَانِ. قَالَ: انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي
مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى
تُرِيحَنِي مِنْهُمَا. قَالَ:
فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ،
وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ
النَّهَارِ، جَاءَ رَاكِبَانِ فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا
وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتَمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ:
مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلَكَ؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللهُ مِنْهُ.
فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ
وَعِنْدَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَزْوَاجَهُ
فَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ امْرَأَةٍ، حَتَّى إِذَا أَتَى مَبِيتَهُ.
فَهَذَا الَّذِي سألتني عنه [ (6) ] .
__________
[ (5) ] في (ص) : «قاعد وحده» .
[ (6) ] قال ابن كثير في البداية والنهاية (6: 55) : «قال البيهقي بسنده عن
أبي داود السجستاني، وأبي حاتم الرازي، كلاهما عن أبي تَوْبَةَ: الرَّبِيعُ
بْنُ نَافِعٍ ...
(1/350)
بَابُ مَا جَاءَ فِي جُلُوسِهِ مَعَ
الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَهْلِ الصُّفَّةِ
وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ رَبُّهُ وَنَهَاهُ عَنْ طَرْدِهِمْ. قَالَ اللهُ
تَعَالَى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (1) ] وَقَالَ تَعَالَى:
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [ (2) ] .
أخبرنا أبو محمد: عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ، كُرْدُوسٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى- يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ- عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ
بَشِيرٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِيُّ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ جَالِسًا مَعَهُمْ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَتِرُ
بِبَعْضٍ مِنَ الْعُرْيِ، وَقَارِئٌ لَنَا يَقْرَأُ عَلَيْنَا، فَكُنَّا
نَسْتَمِعُ إِلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ
أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ مَعَهُمْ نَفْسِيَ» . قَالَ: ثُمَّ
جَلَسَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم، وَسَطَنَا لِيَعْدِلَ
بَيْنَنَا نَفْسَهُ فينا، ثم
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (28) من سورة الكهف.
[ (2) ] الآية الكريمة (52) من سورة الأنعام.
(1/351)
قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَاسْتَدَارَتِ
الْحَلْقَةُ وَبَرَزَتْ وجُوهُهُمْ. قَالَ: فَمَا عَرَفَ رَسُولُ اللهِ،
صَلَّى الله عليه وسلم، أَحَدًا مِنْهُمْ غَيْرِي. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ،
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا مَعَاشِرَ صَعَالِيكِ
الْمُهَاجِرِينَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ، وَذَلِكَ خُمْسُمِائَةِ
عَامٍ» [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، عَنْ خَبَّابِ
بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ:
نَزَلَتْ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ قَالَ: كُنَّا ضُعَفَاءَ نَجْلِسُ عِنْدَ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ،
يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَالْخَيْرَ، وَكَانَ يُخَوِّفُنَا بِالْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، وَمَا يَنْفَعُنَا اللهُ بِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
فَجَاءَ الْأَقْرَعُ بن
__________
[ (3) ] الحديث في الترمذي في 37- كتاب الزهد، باب رقم (37) ما جاء ان
فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، الحديث رقم 2353، 4/ 578، عن
أبي هريرة، وقال: حسن صحيح.
وفي سنن ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (6) باب منزلة الفقراء حديث رقم 4122،
2/ 1380 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَدْخُلُ فقراء المؤمنين الْجَنَّةَ قَبْلَ
الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يوم.
وخمسمائة عام» .
وأخرجه الدارمي في كتاب الرقاق باب (118) ، والإمام احمد مسنده: 2/ 296،
343، 451، 513، 519، 5/ 366.
وقد سئل ابن الصلاح عن هذا الحديث وهل هذا يطلق على الفقير الذي قد جمع بين
العلم والعمل؟ أم الفقير الذي قد منع الدنيا ولا حظ له فيها فيكون دخوله
الجنة جبرا لقلبه يوم القيامة حيث يتمنى شيئا لا يقدر عليه؟ وان اطلق ذلك
على الفقير الذي قد جمع بين العلم والعمل فذلك هو الغني الأكبر، وما هو
الفقير والغني الذي ورد فيهم. بين لنا.
فأجاب رضي الله عنه: يدخل في هذا الفقير الذي لا يملك شيئا والمسكين الذي
يملك شيئا ولكن لا يملك تمام كفايته إذا كانوا مؤمنين غير مرتكبين شيئا من
الكبائر ولا مصرين على شيء من الصغائر، ويشترط في ذلك أن يكونا صابرين على
الفقر والمسكنة راضين بهما والله أعلم.
(1/352)
حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ
حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا،
وَإِنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَرَوْنَا مَعَهُمْ، فَاطْرُدْهُمْ إِذَا
جَالَسُوكَ، فَنَزَلَتْ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ إِلَى قَوْلِهِ: وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ يَقُولُ ابْتَلَيْنَا [ (4) ] .
وَحَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ الْحُسَيْنِ، الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ:
كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَنَحْنُ سِتَّةُ
نَفَرٍ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ فَلَا
يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا. وَكُنْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ،
وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَرَجُلَانِ قَدْ نَسِيتُ اسْمَهُمَا. فَوَقَعَ
فِي نَفْسِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا شَاءَ اللهُ
وَحَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الْآيَةَ:
وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
بِالشَّاكِرِينَ [ (5) ] . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (6) ] .
__________
[ (4) ] الحديث أخرجه ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد (7) باب مجالسة الفقراء،
ح (4127) ، ص (1382- 1383) ، وقال الهيثمي في الزوائد: «إسناده صحيح ورجاله
ثقات، وقد روى مسلم والنسائي وابن ماجة بعضه مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبي
وقاص» . قلت: وهو الحديث التالي.
[ (5) ] الآية الكريمة (53) من سورة الأنعام.
[ (6) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي 44- كتاب فضائل الصحابة، (5)
باب في فضل سعد بن أبي وقاص، الحديث (45) و (46) ، ص (1878) ، وأخرجه ابن
ماجة في: 37، كتاب الزهد، (7) باب في مجالسة الفقراء، ح (4128) ، ص (1383)
، كما أخرجه النسائي في المناقب (في الكبرى) عن بندار مختصرا، وَعَنْ
عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ في معناه. تحفة الأشراف (3: 289) .
(1/353)
|