دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ [ (1) ] ذِكْرِ اجْتِهَادِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي طَاعَةِ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ، عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَزَّازُ، بِالطَّابَرَانِ [ (2) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ النَّجَاحِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة، عن زياد ابن عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] ، مِنْ حديث ابن
__________
[ (1) ] من هنا تبدأ المقابلة مع النسخة المرموز إليها بالرمز (م) وفي وصفها راجع تقدمة الكتاب، وورد في هامش (ص) : أول الجزء الثاني من نسخة الخطيري.
[ (2) ] الطابران: إحدى مدينتي طوس، معجم البلدان (6: 2) .
[ (3) ] الحديث أخرجه الستة سوى أبي داود والإمام أحمد: فأخرجه البخاري في: 19- كتاب التهجد (6) باب قيام النبي صلى الله عليه وسلّم الليل. فتح الباري (3: 14) ، وفي: 65- كتاب التفسير (2) باب لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر، من تفسير سورة الفتح، فتح الباري (8: 584) كلاهما من حديث المغيرة.
وأخرجه مسلم في: 50- كتاب المنافقين (18) باب إكثار الأعمال، والاجتهاد في العبادة، حديث (79، 80) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وحديث (81) عن عائشة، ص (2171- 2172) .
وأخرجه الترمذي في الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي الاجتهاد في الصلاة، من حديث المغيرة، وقال:
«وفي الباب عن أبي هريرة، وعائشة، وحديث المغيرة بن شعبة: حديث حسن صحيح» (2:
268) .

(1/354)


عُيَيْنَةَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ [ (4) ] ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (5) ] ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟
قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَطِيعُ؟ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ زُهَيْرٍ وَإِسْحَاقَ، عَنْ جَرِيرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ مَنْصُورٍ [ (6) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ. قَالُوا [ (7) ] : فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يا رسول الله!
__________
[ () ] وأخرجه النسائي في قيام الليل (3: 219) من حديث المغيرة.
وأخرجه ابن ماجة في: 5- كتاب إقامة الصلاة والسنة فِيهَا، (200) بَابُ مَا جَاءَ فِي طول القيام، ح (1419) عن المغيرة، وحديث (1420) عن أبي هريرة. ص (456) .
وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4: 251، 256) ، و (6: 115) .
[ (4) ] في (م) : «الرّذباريّ» .
[ (5) ] ليست في (م) .
[ (6) ] الحديث أخرجه البخاري في: 30- كتاب الصوم (64) باب هل يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ، ح (1987) ، فتح الباري (4: 235) ، وفي: 81- كتاب الرقاق (18) باب القصد والمداومة على العمل، ح (6466) ، الفتح (11: 294) .
وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين وقصرها (30) باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره، الحديث (217) ، ص (541) .
وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، (باب) ما يؤمر به من القصد في الصلاة، ح (1370) ، ص (2: 48) ، والإمام أحمد في «مسنده» (6: 43، 55، 174، 189) ، والبيهقي في السنن الكبرى (4: 299) .
[ (7) ] في (ح) : «قال» .

(1/355)


قَالَ: إِنِّي لَسْتُ فِي ذَاكُمْ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ [ (8) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجْنَا [ (9) ] مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَائِشَةَ، وَغَيْرِهِمْ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ [ (10) ] الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَيْمُونِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وسلم: اقْرَأْ عَلَيَّ. فَقُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ. قَالَ:
فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ فَلَمَّا بَلَغتُ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [ (12) ] قَالَ: حَسْبُكَ. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عيناه تذرفان.
__________
[ (8) ] أخرجه مالك في الموطأ، في 18- كتاب الصيام، (13) باب النهي عن الوصال في الصيام، حديث رقم (39) صفحة (301) وأخرجه البخاري في: 30- كتاب الصوم، (49) باب التنكيل لمن أكثر الوصال، ومسلم في: 13- كتاب الصيام، (11) باب النهي عن الوصال في الصوم، حديث (58) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2: 231، 237، 244، 315، 345، 418) .
[ (9) ] في (ص) و (م) : أخرجا.
[ (10) ] في (م) : «أبو طاهر» .
[ (11) ] أورده ابن كثير في «البداية والنهاية» (6: 59) .
[ (12) ] الآية الكريمة (41) من سورة النساء.

(1/356)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (13) ] ، عَنِ الْفِرْيَابِيِّ.
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (14) ] أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْهِلَالِيِّ [ (15) ] ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ- هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ- قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ- يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ [ (16) ] وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ ابن مُكْرَمٍ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَا مِنَ الْبُكَاءِ [ (17) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا [ (18) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الْحُصَيْرِيُّ [ (19) ] ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَيَّانَ التَّمَّارُ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا
__________
[ (13) ] أخرجه البخاري في: 66- كتاب فضائل القرآن (33) باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. فتح الباري (9: 94) ، وأخرجه مسلم في: 6- كتاب صلاة المسافرين (40) باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظ للاستماع، الحديث (247) ، ص (551) .
[ (14) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (15) ] في (م) : «حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الهلالي» .
[ (16) ] أخرجه النسائي (3: 13) في كتاب السهو، (باب) البكاء في الصلاة، والإمام أحمد في «مسنده» (4: 25) .
[ (17) ] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، (باب) البكاء في الصلاة، الحديث (904) ، ص (1:
238) .
[ (18) ] في (ص) و (م) : «أخبرنا» .
[ (19) ] في (هـ) و (ح) : الحصري.

(1/357)


رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ شِبْتَ، قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ، والْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتِ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ (20) ] .
وَحَدَّثَنَا الْإِمَامُ الطَّيِّبُّ: سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر ابن مُحَمَّدِ بْنِ مَطَرٍ الْعَدْلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بِسْطَامٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ، فَقَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ وَأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.
__________
[ (20) ] الحديث أخرجه الترمذي في: 48- كتاب تفسير القرآن (57) باب سورة الواقعة، الحديث (3297) ، ص (4: 402) ، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2: 343) ، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي.

(1/358)


بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى الْجُوعِ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللهُ [ (1) ] بِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ فِيمَا دَعَا فِيهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الرَّبِيعِ الْمَكِّيُّ، [قَالَ] [ (2) ] : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابن جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَوْ كَانَ مُطْعِمُ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ لَأَطْلَقْتُهُمْ، يَعْنِي أُسَارَى بَدْرٍ [ (3) ] .
قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَدٌ، وَكَانَ أَجْزَى النَّاسِ بِالْيَدِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سعيد ابن الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حازم، قال:
__________
[ (1) ] في (م) : «الله تعالى» .
[ (2) ] ليست في (ص) و (م) .
[ (3) ] حديث:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عديّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هؤلاء النّتنى لتركتهم له» .. أخرجه البخاري في الخمس عن إسحق ولم ينسبه- عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَفِي المغازي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، وأخرجه أبو داود في الجهاد، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بن فارس الذهلي، عن عبد الرزاق.
«تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي (2: 414) » .

(1/359)


وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيِّهَانِ.
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ، [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (4) ] ، جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، فَعَمَدَ نَحْوَهُ فَوَقَفَ فَسَلَّمَ، فَرَدَّ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ عُمَرُ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ، فَطَلَعَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَعَمَدَ نَحْوَهُمَا حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمَ، فَرَدَّا عَلَيْهِ السَّلَامَ- فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَنَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ [ (5) ] صَاحِبُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، خَرَجَ قَبْلِي وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ، فَسَأَلْتُهُ: مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي. فَقَالَ: أَخْرَجَنِي الْجُوعُ. فَقُلْتُ لَهُ: أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم وَأَنَا فَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَعْلَمَانِ مِنْ أَحَدٍ نَضِيفُهُ الْيَوْمَ؟ قَالَا:
نَعَمْ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، لَهُ أَعْذُقٌ وَجَدْيٌ، إِنْ جِئْنَاهُ نَجِدْ عِنْدَهُ فَضْلَ تَمْرٍ [ (6) ] . فَخَرَجَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَصَاحِبَاهُ حَتَّى دَخَلُوا الْحَائِطَ، فَسَلَّمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ تَسْلِيمَهُ فَفَدَّتْ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ، وَأَخْرَجَتْ حِلْسًا لَهَا مِنْ شَعَرٍ فَجَلَسُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ؟ فَقَالَتْ: ذَاكَ ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ. فَطَلَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِالْقِرْبَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ، فَلَمَّا أَنْ رأى وضح
__________
[ (4) ] ليست في (م) و (ص) .
[ (5) ] في (م) و (ص) : «يخبره» .
[ (6) ] في (م) و (ص) : «تمر» .

(1/360)


النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخْلِ، أَسْنَدَهَا إِلَى جِذْعٍ وَأَقْبَلَ يُفَدِّي بِالْأَبِ وَالْأُمِّ. فَلَمَّا رَآهُمْ عَرَفَ الَّذِي بِهِمْ فَقَالَ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ: هَلْ أَطْعَمْتِ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَيْهِ شَيْئًا؟ فَقَالَتْ: إِنَّمَا جَلَسَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، السَّاعَةَ. قَالَ: فَمَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: عِنْدِي حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ: كَرْكِرِيهَا وَاعْجِنِي وَاخْبِزِي- إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْخَمِيرَ- قَالَ: وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم، مُوَلِّيًا، فَقَالَ: إِيَّاكَ وَذَاتَ الدَّرِّ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أُرِيدُ عُنَيِّقًا فِي الْغَنَمِ، فَذَبَحَ وَنَصَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَكَلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَصَاحِبَاهُ فَشَبِعُوا، لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهَا، فَمَا مَكَثَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْيَمَنِ، فَجَاءَتْهُ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، تَشْكُو إِلَيْهِ الْعَمَلَ وَتُرِيهُ يَدَهَا وَتَسْأَلُهُ إِيَّاهُ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أُعْطِيهِ أَبَا الْهَيْثَمِ، فَقَدْ رَأَيْتُهُ وَمَا لَقِيَ هُوَ وَمُرَيَّتُهُ يَوْمَ ضِفْنَاهُمْ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ:
[خُذْ] [ (7) ] هَذَا الْغُلَامَ يُعِينُكَ عَلَى حَائِطِكَ، وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا فَقَالَ [ (8) ] : فَمَكَثَ عِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَمْكُثَ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتُ مُشْتَغِلًا [ (9) ] أَنَا وَصَاحِبَتِي بِحَائِطِنَا، فَاذْهَبْ فَلَا رَبَّ لَكَ إِلَّا اللهُ، [عَزَّ وَجَلَّ] [ (10) ] . فَخَرَجَ ذَلِكَ الْغُلَامُ إِلَى الشَّامِ وَرُزِقَ فِيهَا [ (11) ] .
ورَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: هُوَ عِلْمِي: بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ، عن
__________
[ (7) ] الزيادة من (م) .
[ (8) ] في (ص) و (م) : «قال» .
[ (9) ] في (ص) و (م) : «مستقلا» .
[ (10) ] الزيادة من (هـ) و (ح) .
[ (11) ] أخرجه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10: 316- 317) ، وقال: «رواه البزار، وأبو يعلى باختصار قصة الغلام، والطبراني كذلك، وفي أسانيدهم كلها: «عَبْدُ اللهِ بْنُ عِيسَى، أبو خلف» ، وهو ضعيف.

(1/361)


أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-] [ (12) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (13) ] أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حدّثنا زكريّا ابن يَحْيَى الْخَزَّانُ، أَبُو عَلِيٍّ، بِالْبَصْرَةِ فِي حَانُوتِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ: عَبْدُ الله ابن عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ الظَّهِيرَةِ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ. فَذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. فَكَانَ فِيمَا زَادَ: وَجَاءَ أَبُو الْهَيْثَمِ فَفَرِحَ بِهِمْ وَقَرَّتْ عَيْنَاهُ بِهِمْ، وَصَعِدَ نَخْلَةً فَصَرَمَ لَهُمْ أَعْذَاقًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حَسْبُكَ يَا أَبَا الْهَيْثَمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، تَأْكُلُونَ مِنْ بُسْرِهِ [وَمِنْ] [ (14) ] رُطَبِهِ وَمَنْ تَذْنُوبِهِ [ (15) ]- ثُمَّ أَتَاهُمْ بِمَاءٍ فَشَرِبُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ» وَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْخَادِمِ [ (16) ] .
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ مُبَشِّرٍ، عَنْ أَبِي خَلَفٍ الْخَزَّازِ، دُونَ ذِكْرِ عُمَرَ فِي إِسْنَادِهِ. وَفِي الْبَابِ: عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَذَكَرَ قِصَّةَ الْخَادِمِ دُونَ ذِكْرِ فَاطِمَةَ.
وَأَرْسَلَهُ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
__________
[ (12) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (13) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (14) ] الزيادة من (م) .
[ (15) ] (تذنوبه) أي الذي بدأ فيه النضج من قبل ذنبه.
[ (16) ] «مجمع الزوائد» (10: 317) .

(1/362)


أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ: أَنَّ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ- قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ عَلَى حَجَرٍ- فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ:
لِمَ عَصَبَ رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ- وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ- فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وسلم، قَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزِ وَتَمَرَاتٍ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (وَحْدَهُ) ] [ (17) ] ، أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ مَعَهُ بِأَحَدٍ قَلَّ عَنْهُمْ. فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اذْهَبْ يَا أَنَسُ فَقُمْ قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَامَ فَدَعْهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ اتَّبِعْهُ حَتَّى إِذَا قَامَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ فَقُلْ: أَبِي يَدْعُوكَ. فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَلَمَّا قُلْتُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ. قَالَ لِأَصْحَابِهِ:
يَا هَؤُلَاءِ تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ بَيْتِنَا أَرْسَلَ يَدَيَّ، فَدَخَلْتُ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءِ بِهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي قُلْتَ لِي، فَدَعَا أَصْحَابَهُ، فَقَدْ جَاءَكَ بِهِمْ، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا يشبع مَا أَرَى [ (18) ] . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادْخُلْ، فَإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
__________
[ (17) ] الزيادة من (م) .
[ (18) ] في (هـ) «من أرى» .

(1/363)


اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ قَرِّبُوهُ. وَجَلَسَ [ (19) ] مَنْ مَعَهُ بِالسِّكَّةِ، فَقَرَّبْنَا مَا كَانَ عِنْدَنَا مِنْ كِسَرٍ وَتَمْرٍ فَجَعَلْنَاهُ عَلَى حَصِيرِنَا، فَدَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، فَقَالَ: يَدْخُلُ عَلَيَّ ثَمَانِيَةٌ، فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، فَجَعَلَ كَفَّهُ فَوْقَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوا اللهَ [تَعَالَى] [ (20) ] ، فَأَكَلُوا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أُدْخِلَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَقَامَ الْأَوَّلُونَ، فَفَعَلْتُ، فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَدْخَلْتُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةً. فَمَا زَالَ ذَلِكَ أَمْرَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا، كُلُّهُمْ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ. ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: كُلُوا. فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، أَيْنَ هَذَا مِنْ طَعَامِكِ حِينَ قَدَّمْتِيهِ؟
قَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ [ (21) ] ، لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُهُمْ يَأْكُلُونَ لَقُلْتُ: مَا نَقَصَ مِنْ طَعَامِنَا شَيْءٌ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ [ (22) ] .
__________
[ (19) ] في (م) : «وحبس» .
[ (20) ] الزيادة من (ح) و (هـ) .
[ (21) ] في (م) و (ص) : «بأبي أنت وأمي» .
[ (22) ] أخرجه مسلم في: 36- كتاب الأشربة (20) باب استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك..

(1/364)