دلائل النبوة للبيهقي محققا

ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ ابْنَيْ سَعْيَةَ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ [بْنِ قَتَادَةَ] [ (1) ] ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، قَالَ:
هَلْ تَدْرِي عَمَّا كَانَ إِسْلَامِ أُسَيْدٍ، وَثَعْلَبَةَ، ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ [ (2) ] بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٌ مِنْ هَذْلٍ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النَّضِيرِ، كَانُوا فَوْقَ ذَاكَ؟
فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ، يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الْهَيَّبَانِ [ (3) ] ، فَأَقَامَ عِنْدَنَا، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ خَيْرًا مِنْهُ.
فَقَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِسَنَتَيْنِ، فَكُنَّا إِذَا قَحِطْنَا، وَقَلَّ عَلَيْنَا الْمَطَرُ نَقُولُ: يَا ابْنَ الْهَيَّبَانِ، اخْرُجْ فَاسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تُقَدِّمُوا أَمَامَ مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً. فَنَقُولُ: كَمْ؟ فَيَقُولُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) .
[ (2) ] في (م) و (ص) : «أسيد وهو تصحيف.
[ (3) ] (الهيبان) بفتح الهاء، وتشديد الياء، مفتوحة بعدها باء موحدة، وآخره نون، وأصله صفة، يقال: قطن هيبان، «إذا كان منفوشا» .

(2/80)


شَعِيرٍ. فَنُخْرِجُهُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا، وَنَحْنُ معه، فيستسقي، فو الله مَا يَقُومُ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَمُرَّ الشِّعَابُ. قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ.
فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، وَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، مَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ؟ قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنَّمَا أَخْرَجَنِي أَتَوَقَّعُ [ (4) ] خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ [ (5) ] ، هَذِهِ الْبِلَادُ مُهَاجَرُهُ، فَأَتَّبِعُهُ، فَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ إِذَا خَرَجَ. يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ، بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ مِمَّنْ يُخَالِفُهُ، فَلَا يَمْنَعُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ. ثُمَّ مَاتَ. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي فُتِحَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ، قَالَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ الْفِتْيَةُ، وَكَانُوا شُبَّانًا أَحْدَاثًا: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، وَاللهِ إِنَّهُ لَلَّذِي كَانَ ذَكَرَ لَكُمُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ. فَقَالُوا: مَا هُوَ بِهِ.
قَالُوا: بَلَى وَاللهِ، إِنَّهُ لَصِفَتُهُ [ (6) ] ثُمَّ نَزَلُوا، فَأَسْلَمُوا وَخَلُّوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَهَالِيهِمْ [ (7) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا فَتَحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
__________
[ (4) ] في سيرة ابن هشام: «أتو كف خروج نبي» ، ومعناها: انتظر خروجه واستشعر.
[ (5) ] أظل زمانه: أشرف عليكم وقرب.
[ (6) ] في سيرة ابن هشام: «إنه لهو بصفته» .
[ (7) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 232- 233) .

(2/81)


ذِكْرُ سَبَبِ إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ [رَحِمَهُ اللهُ] [ (1) ] فِي «زِيَادَاتِ الْفَوَائِدِ» قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ:
أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، كَانَا صَدِيقَيْنِ لِزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَتَيَاهُ، أَنْ يُكَلِّمَ لَهُمَا سَلْمَانَ: أَنْ يُحَدِّثَهُمَا بِحَدِيثِهِ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إِسْلَامِهِ؟ فَأَقْبَلَا مَعَهُ حَتَّى لَقَوْا سَلْمَانَ، وَهُوَ بِالْمَدَائِنِ، أَمِيرًا [ (2) ] عَلَيْهَا، وَإِذَا هُوَ عَلَى كُرْسِيٍّ قَاعِدٌ، وَإِذَا خُوصٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَشُقُّهُ [ (3) ] . قَالَا: فَسَلَّمْنَا وَقَعَدْنَا، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ هَذَيْنِ لِي صَدِيقَانِ [ (4) ] ، وَلَهُمَا إِخَاءٌ، وَقَدْ أَحَبَّا أَنْ يَسْمَعَا حَدِيثَكَ:
كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ إسلامك؟
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (2) ] في (هـ) و (ص) و (م) : «أمير» .
[ (3) ] في (ص) و (م) : «يسفّه» ، وفي هامش (م) : «قوله: يسفه، بالسين المهملة والفاء، أي ينسجه.
[ (4) ] في الأصول «صديقين» .

(2/82)


قَالَ: فَقَالَ سَلْمَانُ: كُنْتُ يَتِيمًا مِنْ رَامَهُرْمُزَ [ (5) ] ، وَكَانَ ابْنُ دِهْقَانِ [ (6) ] رَامَهُرْمُزَ يَخْتَلِفُ إِلَى مُعَلِّمٍ [يُعَلِّمُهُ] [ (7) ] ، فَلَزِمْتُهُ لِأَكُونَ فِي كَنَفِهِ. وَكَانَ لِي أَخٌ أَكْبَرَ مِنِّي، وَكَانَ مُسْتَغْنِيًا فِي نَفْسِهِ، وَكُنْتُ غُلَامًا فَقِيرًا، فَكَانَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ تَفَرَّقَ مَنْ يُحَفِّظُهُ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا خَرَجَ فَتَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ يَصْعَدُ الْجَبَلَ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ مُتَنَكِّرًا، قَالَ: فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّكَ تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَلِمَ لَا تَذْهَبُ بِي مَعَكَ؟ قَالَ: أَنْتَ غُلَامٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ، قَالَ: قُلْتُ:
لَا تَخَفْ. قَالَ: فَإِنَّ فِي هَذَا الْجَبَلِ قَوْمًا فِي بِرْطِيلٍ [ (8) ] ، لَهُمْ عِبَادَةٌ وَلَهُمْ صَلَاحٌ، يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (9) ] ، وَيَذْكُرُونَ الْآخِرَةَ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّا عَبَدَةُ النِّيرَانِ، وَعَبَدَةُ الْأَوْثَانِ، وَأَنَّا عَلَى غَيْرِ دِينٍ، قُلْتُ: فَاذْهَبْ بِي مَعَكَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَسْتَأْمِرَهُمْ، وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكَ شَيْءٌ فَيَعْلَمَ أَبِي، فَيقْتُلَ الْقَوْمَ، فَيَجْرِيَ هَلَاكُهُمْ عَلَى يَدَيَّ. قَالَ: قُلْتُ: لَمْ يَظْهَرْ مِنِّي ذَلِكَ. فَاسْتَأْمَرَهُمْ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالَ: عِنْدِي غُلَامٌ يَتِيمٌ [ (10) ] فَأَحَبَّ أَنْ يَأْتِيَكُمْ وَيَسْمَعَ كَلَامَكُمْ، قَالُوا: إِنْ كُنْتَ تَثِقُ بِهِ، قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا يَجِيءَ مِنْهُ إِلَّا مَا أحب. قالوا: فجيء بِهِ. فَقَالَ لِي: قَدِ اسْتَأْذَنْتُ الْقَوْمَ أَنْ تَجِيءَ مَعِيَ، فَإِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي [ (11) ] رَأَيْتَنِي أَخْرُجُ فِيهَا فَأْتِنِي، وَلَا يَعْلَمُ بِكَ أَحَدٌ، فَإِنَّ أَبِي إِنْ عَلِمَ بِهِمْ قَتَلَهُمْ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَخْرُجُ تَبِعْتُهُ، فَصَعِدَ الْجَبَلَ، فانتهينا
__________
[ (5) ] في (ص) : «رام هرمز» ، وهي كورة بالأهواز.
[ (6) ] (الدّهقان) : بكسر الدال وضمها شيخ القرية، العارف بالفلاحة وما يصلح الأرض من الشجر، يلجأ إليه في معرفة ذلك، وهو معرّب.
[ (7) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (8) ] (البرطيل) : حجر عظيم مستطيل.
[ (9) ] ليست في (م) .
[ (10) ] في (م) و (ص) : «غلام عندي يتيم» .
[ (11) ] في (هـ) : «الساعة الذي» .

(2/83)


فِيهِ إِلَيْهِمْ. فَإِذَا هُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ. قَالَ عَلِيٌّ: وَأُرَاهُ قَالَ: هُمْ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ.
قَالَ: وَكَأَنَّ الرُّوحَ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ: يَصُومُونَ النَّهَارَ، وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ، يَأْكُلُونَ الشَّجَرَ وَمَا وَجَدُوا. فَقَعَدْنَا إِلَيْهِمْ فَأَثْنَى ابْنُ الدِّهْقَانِ عَلَيَّ خَيْرًا.
فَتَكَلَّمُوا فَحَمِدُوا اللهَ، وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ، وَذَكَرُوا مَنْ مَضَى مِنَ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، حَتَّى خَلَصُوا إِلَى عِيسَى بن مَرْيَمَ، فَقَالُوا: بَعَثَهُ اللهُ، وَوُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ، بَعَثَهُ اللهُ رَسُولًا، وَسَخَّرَ لَهُ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِ الطَّيْرِ، وَإِبْرَاءِ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَتَبِعَهُ قَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ابْتَلَى بِهِ خَلْقَهُ، قَالَ: وَقَالُوا قَبْلَ ذَلِكَ: يَا غُلَامُ، إِنَّ لَكَ رَبًّا، وَإِنَّ لَكَ مَعَادًا، وَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْكَ جَنَّةً وَنَارًا إِلَيْهِمَا تَصِيرُ، وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ النِّيرَانَ أَهْلُ كُفْرٍ وَضَلَالَةٍ، فَلَا يَرْضَى اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] ، بِمَا يَصْنَعُونَ، وَلَيْسُوا عَلَى دِينٍ. فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّاعَةُ الَّتِي يَنْصَرِفُ فِيهَا الْغُلَامُ انْصَرَفَ. وَانْصَرَفْتُ مَعَهُ. ثُمَّ غَدَوْنَا إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: مِثْلَ ذَلِكَ وَأَحْسَنَ. وَلَزِمْتُهُمْ فَقَالُوا لِي: يَا سَلْمَانُ إِنَّكَ غُلَامٌ، وَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَ مَا نَصْنَعُ، فَصَلِّ، وَنَمْ، وَكُلْ، وَاشْرَبْ.
قَالَ: فَاطَّلَعَ الْمَلِكُ عَلَى صَنِيعِ ابْنِهِ، فَرَكِبَ فِي الْخَيْلِ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فِي بِرْطِيلِهِمْ فَقَالَ: يَا هَؤُلَاءِ، قَدْ جَاوَرْتُمُونِي فَأَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَلَمْ تَرَوْا مِنِّي سُوءًا فَعَمِدْتُمْ إِلَى ابْنِي فَأَفْسَدْتُمُوهُ عَلَيَّ، قَدْ أَجَّلْتُكُمْ ثَلَاثًا، فَإِنْ قَدَرْتُ عَلَيْكُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْرَقْتُ عَلَيْكُمْ بِرْطِيلَكُمْ هَذَا، فَالْحَقُوا بِبِلَادِكُمْ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مِنِّي إِلَيْكُمْ سُوءٌ، قَالُوا: نَعَمْ. مَا تَعَمَّدْنَا مَسَاءَتَكَ، وَلَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. فَكَفَّ ابْنُهُ عَنْ إِتْيَانِهِمْ، فَقُلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّكَ تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا الدِّينَ دِينُ اللهِ، وَإِنَّ أَبَاكَ وَنَحْنُ عَلَى غَيْرِ دِينٍ، إِنَّمَا هُمْ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ، فَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَا غَيْرِكَ.
__________
[ (12) ] ليست في (م) و (ص) .

(2/84)


قَالَ: يَا سَلْمَانُ، هُوَ كَمَا تَقُولُ، وَإِنَّمَا أَتَخَلَّفُ عَنِ الْقَوْمِ بُقْيًا عَلَيْهِمْ: إِنْ تَبِعْتُ الْقَوْمَ طَلَبَني أَبِي فِي الْخَيْلِ، وَقَدْ جَزَعَ مِنْ إِتْيَانِي إِيَّاهُمْ حَتَّى طَرَدَهُمْ [ (13) ] ، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ فِي أَيْدِيهِمْ، وقالت: أَنْتَ أَعْلَمُ. ثُمَّ لَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَنَا مُشْتَغِلٌ بِنَفْسِي فِي طَلَبِ الْمَعِيشَةِ. فَأَتَيْتُهُمْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا فِيهِ، فَقَالُوا: يَا سَلْمَانُ، قَدْ كُنَّا نَحْذَرُ فَكَانَ مَا رَأَيْتَ. اتَّقِ اللهَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الدِّينَ مَا أَوْصَيْنَاكَ بِهِ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ عَبْدَةُ النِّيرَانِ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ وَلَا يَذْكُرُونَهُ، فَلَا يَخْدَعَنَّكَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا: نَحْنُ نَصُومُ النَّهَارَ، وَنَقُومُ اللَّيْلَ، وَنَأْكُلُ الشَّجَرَ وَمَا أَصَبْنَا، وَأَنْتَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: لَا أُفَارِقُكُمْ. قَالُوا: أَنْتَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْنَاكَ حَالَنَا، فَإِذَا أَتَيْتَ [ (14) ] فَاطْلُبْ حِذَاءً يَكُونُ مَعَكَ، وَاحْمِلْ مَعَكَ شَيْئًا تَأْكُلُهُ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَا نَسْتَطِيعُ نَحْنُ. قَالَ: فَفَعَلْتُ، وَلَقِيتُ أَخِي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَأَبَى، فَأَتَيْتُهُمْ فَتَحَمَّلُوا فَكَانُوا يَمْشُونَ وَأَمْشِي مَعَهُمْ، فَرَزَقَ اللهُ السَّلَامَةَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَوْصِلَ، فَأَتَيْنَا بِيْعَةً بِالْمَوْصِلِ، فَلَمَّا دَخَلُوا حَفُّوا بِهِمْ وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ؟ قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اللهَ [تَعَالَى] [ (15) ] ، بِهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ [ (16) ] فَطَرَدُونَا، فَقَدِمْنَا عَلَيْكُمْ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالُوا: يَا سَلْمَانُ إِنَّ هَهُنَا قَوْمًا فِي هَذِهِ الْجِبَالِ هُمْ أَهْلُ دِينٍ، وَإِنَّا نُرِيدُ لِقَاءَهُمْ. فَكُنْ أَنْتَ هَهُنَا مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ دِينٍ وَسَتَرَى مِنْهُمْ مَا تُحِبُّ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ. قَالَ [ (17) ] : وَأَوْصُوا بِي أَهْلَ الْبِيعَةِ، فَقَالَ أَهْلُ الْبِيْعَةِ: أَقِمْ مَعَنَا يَا غُلَامُ، فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُكَ شَيْءٌ يَسَعُنَا.
قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكُمْ، فَخَرَجُوا وَأَنَا مَعَهُمْ، فَأَصْبَحْنَا بَيْنَ جِبَالٍ فإذا
__________
[ (13) ] في (م) : «حتى أتاهم» .
[ (14) ] في (م) : «أبيت» .
[ (15) ] ليست في (م) .
[ (16) ] في (م) : «نيران» .
[ (17) ] في (هـ) و (م) : «قالوا» .

(2/85)


صَخْرَةٌ وَمَاءٌ كَثِيرٌ فِي جِرَارٍ [ (18) ] وَخُبْزٌ كَثِيرٌ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْجِبَالِ، يَخْرُجُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْ مَكَانِهِ، كَأَنَّ الْأَرْوَاحَ انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرُوا فَرَحَّبُوا بِهِمْ وَحَفُّوا، وَقَالُوا: أَيْنَ كُنْتُمْ. لَمْ نَرَكُمْ؟
قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَادٍ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ تَعَالَى [ (19) ] ، فِيهَا عَبْدَةُ النِّيرَانِ، وَكُنَّا نَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى [ (20) ] فَطَرَدُونَا. فَقَالُوا: مَا هَذَا الْغُلَامُ؟ قَالَ: فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ، وَقَالُوا: صَحِبَنَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا. قال: فو الله إِنَّهُمْ لَكَذَا، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ كَهْفٍ رَجُلٌ طُوَالٌ، فَجَاءَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ، فَحَفُّوا بِهِ وَعَظَّمُوهُ أَصْحَابِي الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ، وَأَحْدَقُوا بِهِ، فَقَالَ [ (21) ] لَهُمْ: أَيْنَ كُنْتُمْ؟
فَأَخْبَرُوهُ، قَالَ: مَا هَذَا الْغُلَامُ مَعَكُمْ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيَّ خَيْرًا، وَأَخْبَرُوهُ بِاتِّبَاعِي إِيَّاهُمْ، وَلَمْ أَرَ مِثْلَ إِعْظَامِهِمْ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ أَرْسَلَ اللهُ، تَعَالَى، مِنْ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَمَا لَقَوْا وَمَا صُنِعَ بِهِمْ، حَتَّى ذَكَرَ مَوْلِدَ عيسى بن مَرْيَمَ وَأَنَّهُ وُلِدَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ [ (22) ] ، فَبَعَثَهُ رَسُولًا، وَأَجْرَى عَلَى يَدَيْهِ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءَ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصَ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ. وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلَ، وَعَلَّمَهُ التَّوْرَاةَ، وَبَعْثَهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَفَرَ بِهِ قَوْمٌ، وَآمَنَ بِهِ قَوْمٌ. وَذَكَرَ بَعْضَ مَا لَقِيَ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَبْدًا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ، فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَرَضِيَ عَنْهُ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ [تعالى] [ (23) ] . وهو يعظمهم وَيَقُولُ: اتَّقُوا اللهَ، وَالْزَمُوا مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (24) ] ، وَلَا تُخَالِفُوا فَيُخَالَفَ بِكُمْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ من هذا شيئا
__________
[ (18) ] في (ح) و (م) : «قرار» .
[ (19) ] ليست في (م) .
[ (20) ] ليست في (م) .
[ (21) ] في (م) : «وقال» .
[ (22) ] في (م) : «بغير ذكر» .
[ (23) ] ليست في (م) .
[ (24) ] ليست في (م) .

(2/86)


فَلْيَأْخُذْ. فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَقُومُ فَيَأْخُذُ الْجَرَّةَ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّيْءِ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذِينَ جِئْتُ مَعَهُمْ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَظَّمُوهُ، فَقَالَ لَهُمُ: الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَفَرَّقُوا، وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا. فَقَالَ لِي: يَا غُلَامُ، هَذَا دِينُ اللهِ الَّذِي تَسْمَعُنِي أَقُولُهُ، وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْكُفْرُ. قَالَ: قُلْتُ: مَا أُفَارِقُكَ. قال: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعِي، إِنِّي لَا أَخْرُجُ مِنْ كَهْفِي هَذَا إِلَّا كُلَّ يَوْمِ أَحَدٍ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَيْنُونَةِ مَعِي. قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَيَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا:
يَا غُلَامُ، إنَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: يَا غُلَامُ، فَإِنِّي أُعْلِمُكَ الْآنَ أَنِّي أَدْخُلُ هَذَا الْكَهْفَ، وَلَا أَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا [ (25) ] الْأَحَدَ الْآخَرَ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ، قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا أَبَا فُلَانُ، هَذَا غُلَامٌ وَيُخَافُ عَلَيْهِ [ (26) ] قَالَ: قَالَ لِي: أَنْتَ أَعْلَمُ، قُلْتُ: إِنِّي لَا أُفَارِقُكَ.
فَبَكَى أَصْحَابِي الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ كُنْتُ مَعَهُمْ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّايَ، فَقَالَ: خُذْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ مَا تَرَى أَنَّهُ يَكْفِيكَ إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ، وَخُذْ مِنْ هَذَا الْمَاءِ مَا تَكْتَفِي بِهِ.
فَفَعَلْتُ وَتَفَرَّقُوا، وَذَهَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، وَتَبِعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ الْكَهْفَ فِي الْجَبَلِ، وَقَالَ: ضَعْ مَا مَعَكَ وَكُلْ وَاشْرَبْ. وَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ خَلْفَهُ أُصَلِّي، قَالَ: فَانْفَتَلَ إِلَيَّ وَقَالَ [ (27) ] : إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا، وَلَكِنْ صَلِّ وَنَمْ وَكُلْ وَاشْرَبْ. فَفَعَلْتُ فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا وَلَا طَاعِمًا، إِلَّا رَاكِعًا وَسَاجِدًا إِلَى الْأَحَدِ الْآخَرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذْ جَرَّتَكَ هَذِهِ وَانْطَلِقْ. فَخَرَجْتُ مَعَهُ أَتَّبِعُهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الصَّخْرَةِ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَهُ، فَقَعَدُوا وَعَادَ فِي حَدِيثِهِ نَحْوَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَقَالَ:
الْزَمُوا هَذَا الدِّينَ وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْلَمُوا أنّ عيسى بن مريم كان عبدا
__________
[ (25) ] في (م) : «إلى الأحد» .
[ (26) ] في (م) : «ونخاف عليه» .
[ (27) ] في (م) : «فقال» .

(2/87)


لِلَّهِ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَنِي. فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا فُلَانٍ، كَيْفَ وَجَدْتَ هَذَا الْغُلَامَ؟ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَقَالَ خَيْرًا، فَحَمِدُوا اللهَ تَعَالَى، وَإِذَا خُبْزٌ كَثِيرٌ وَمَاءٌ، فَأَخَذُوا وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ بِقَدْرِ مَا يَكْتَفِي بِهِ. فَفَعَلْتُ. وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْجِبَالِ وَرَجَعَ إِلَى كَهْفِهِ، وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللهُ: يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمِ أَحَدٍ فَيَخْرُجُونَ مَعَهُ فَيَحُفُّونَ بِهِ [ (28) ] وَيوصِيهِمْ بِمَا كَانَ يُوصِيهِمْ بِهِ، فَخَرَجَ فِي أَحَدٍ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمِدَ اللهَ وَوَعَظَهُمْ وَقَالَ مِثْلَ مَا كَانَ يَقُولُ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ آخِرَ ذَلِكَ: يَا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُ قَدْ كَبِرَ سِنِّي [ (29) ] ، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَإِنَّهُ لَا عَهْدَ لِي بِهَذَا الْبَيْتِ مُنْذُ كَذَا [ (30) ] وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ، فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ: فَجَزِعَ الْقَوْمُ فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ جَزَعِهِمْ، وَقَالُوا: يَا أَبَا فُلَانٍ أَنْتَ كَبِيرٌ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُصِيبَكَ الشَّيْءُ، ولسنا وأَحْوَجُ مَا كُنَّا إِلَيْكَ. قَالَ: لَا تُرَاجِعُونِي، لَا بُدَّ لِي مِنْ إِتْيَانِهِ، وَلَكِنِ اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَامِ خَيْرًا، وَافْعَلُوا وَافْعَلُوا. قَالَ: قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، قَدْ رَأَيْتَ حَالِيَ وَمَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ، إِنَّمَا أَمْشِي، أَصُومُ النَّهَارَ، وَأَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَ مَعِي زَادًا وَلَا غَيْرَهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى هَذَا. قَالَ:
قُلْتُ: مَا أَنَا بِمُفَارِقِكَ. قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ. قَالُوا [ (31) ] : يَا أَبَا فُلَانٍ، إِنَّا نَخَافُ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ. قَالَ: هُوَ أَعْلَمُ، قَدْ أَعْلَمْتُهُ الْحَالَ، وَقَدْ رَأَى مَا كَانَ قَبْلَ هَذَا.
فَقُلْتُ: لَا أُفَارِقُكَ. قَالَ: فَبَكَوْا وَوَدَّعُوهُ، وَقَالَ لَهُمُ: اتَّقُوا اللهَ، وَكُونُوا عَلَى مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، فَإِنْ أَعِشْ فَلَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ أَمُتْ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَقَالَ: لِي احمل معك من هذا الخبز
__________
[ (28) ] الزيادة من (ح) .
[ (29) ] من (م) : «كبرت سني» .
[ (30) ] (م) : «كذا وكذا» .
[ (31) ] في (هـ) : «قال» .

(2/88)


شَيْئًا تَأْكُلْهُ. فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ يَمْشِي وَأَتَّبِعُهُ، يَذْكُرُ اللهَ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَقِفُ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا أَمْسَى، قَالَ: يَا سَلْمَانُ، صَلِّ أَنْتَ وَنَمْ، وَكُلْ وَاشْرَبْ.
ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يُصَلِّي، إِلَى أَنِ انْتَهَيْنَا [ (32) ] إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِذَا أَمْسَى حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ مُقْعَدٌ، قَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، قَدْ تَرَى حَالِي فَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِشَيْءٍ، فَلَمْ يَلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ. فَجَعَلَ يَتَتَبَّعُ [ (33) ] أَمْكِنَةً مِنَ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا سَلْمَانُ، إِنِّي لَمْ أَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَجِدْ طَعْمَ نَوْمٍ، فَإِنْ أَنْتَ جَعَلْتَ لِي أَنْ تُوقِظَنِي إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا- نِمْتُ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَنَامَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَإِلَّا لَمْ أَنَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ، قَالَ: فَانْظُرْ إِذَا بَلَغَ الظِّلُّ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَأَيْقِظْنِي إِذَا غَلَبَتْنِي عَيْنِي. فَنَامَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا لَمْ يَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، لَأَدَعَنَّهُ ينام حتى يشتفي مِنَ النَّوْمِ. وَكَانَ فِيمَا يَمْشِي، وَأَنَا مَعَهُ، يُقْبِلُ عَلَيَّ فَيَعِظُنِي وَيخْبِرُنِي أَنَّ لِي رَبًّا، وَأَنَّ بَيْنَ يَدَيَّ [ (34) ] جَنَّةً وَنَارًا وَحِسَابًا، وَيُعَلِّمُنِي وَيُذَكِّرُني نَحْوَ مَا كَانَ يُذَكِّرُ الْقَوْمَ يَوْمَ الْأَحَدِ، حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُولُ لِي: يَا سَلْمَانُ، إِنَّ اللهَ، تَعَالَى، سَوْفَ يَبْعَثُ رَسُولًا اسْمُهُ أَحْمَدُ، يَخْرُجُ بِتِهَامَةَ- وَكَانَ رَجُلًا أَعْجَمِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَقُولَ تِهَامَةَ ولا محمد- عَلَامَتُهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، لايقبل الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمٌ، وَهَذَا زَمَانُهُ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ فَقَدْ تَقَارَبَ، فَأَمَّا أَنَا فَشَيْخٌ [ (35) ] كَبِيرٌ وَلَا أَحْسَبُنِي أُدْرِكُهُ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ أَنْتَ فَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ. قُلْتُ: وإن أمرني بترك دينك وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: وَإِنْ أَمَرَكَ، فَإِنَّ الْحَقَّ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ، وَرِضَا الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ. قَالَ:
__________
[ (32) ] في (هـ) و (م) : «انتهى» .
[ (33) ] في (م) : «يتّبع» .
[ (34) ] في (م) : «يديه» .
[ (35) ] في (م) : «فإني شيخ» .

(2/89)


فَلَمْ يَمْضِ إِلَّا يَسِيرًا [ (36) ] حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزِعًا يَذْكُرُ اللهَ، فَقَالَ: يَا سَلْمَانُ مَضَى الْفَيْءُ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ وَلَمْ أَذْكُرِ اللهَ، أَيْنَ مَا جَعَلْتَ لِي عَلَى نَفْسِكَ؟ قَالَ:
قُلْتُ: أَخْبَرْتَنِي أَنَّكَ لَمْ تَنَمْ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ ذَلِكَ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُسْتَشْفَى [ (37) ] مِنَ النَّوْمِ. فَحَمِدَ اللهَ وَقَامَ فَخَرَجَ، فَتَبِعْتُهُ فَمَرَّ بِالْمُقْعَدِ، فَقَالَ الْمُقْعَدُ: يَا عَبْدَ اللهِ دخلت فسألتك فلمن تُعْطِنِي، وَخَرَجْتَ فَسَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي. فَقَامَ يَنْظُرُ هَلْ يَرَى أَحَدًا فَلَمْ يَرَهُ، فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: نَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ: قُمْ بِاسْمِ اللهِ فَقَامَ، كَأَنَّهُ نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ، صَحِيحًا لَا عَيْبَ فِيهِ [ (38) ] فَخَلَّاهُ [ (39) ] عَنْ يَدِهِ فَانْطَلَقَ ذَاهِبًا، وَكَانَ لَا يَلْوِي عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي الْمُقْعَدُ: يَا غُلَامُ احْمِلْ عَلَيَّ ثِيَابِي حَتَّى أَنْطَلِقَ وَأُبَشِّرَ أَهْلِي. فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَانْطَلَقَ لَا يَلْوِي عَلَيَّ، فَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ أَطْلُبُهُ، وَكُلَّمَا سَأَلْتُ عَنْهُ قَالُوا: أَمَامَكَ، حَتَّى لَقِيَنِي الرَّكْبُ مِنْ كَلْبٍ فَسَأَلْتُهُمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا الفتى أَنَاخَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعِيرَهُ فَحَمَلَنِي خَلْفَهُ، حَتَّى أَتَوْا بِي بِلَادَهُمْ.
قَالَ: فَبَاعُونِي، فَاشْتَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا.
وَقَدْ مَرَّ [ (40) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأُخْبِرْتُ بِهِ، فَأَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ تَمْرِ حَائِطِي فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، قَالَ لِلْقَوْمِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ.
ثُمَّ لَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَخَذْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَجَعَلْتُهُ عَلَى شَيْءٍ، ثم أتيته
__________
[ (36) ] في (ح) : «يسير» .
[ (37) ] في (م) : «تشتفي» .
[ (38) ] في (م) : «لا عيب به» .
[ (39) ] في (م) : «فخلىّ» .
[ (40) ] في (م) : «وقدم» .

(2/90)


فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ أُنَاسًا، وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ أَقْرَبُ الْقَوْمِ مِنْهُ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا قُلْتُ: هَدِيَّةٌ. قَالَ: بِسْمِ اللهِ. فَأَكَلَ وَأَكَلَ الْقَوْمُ. قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ مِنْ آيَاتِهِ كَانَ صَاحِبِي رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يَقُولَ: تِهَامَةُ، قَالَ: تُهْمَةُ. وَقَالَ: أَحْمَدُ. فَدُرْتُ خَلْفَهُ، فَفَطِنَ لِي فَأَرْخَى ثَوْبَهُ فَإِذَا الْخَاتَمُ فِي نَاحِيَةِ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ فَتَبَيَّنْتُهُ، ثُمَّ دُرْتُ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مَمْلُوكٌ. فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثِي وَحَدِيثَ الرَّجُلِ الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ، وَمَا أَمَرَنِي بِهِ، قَالَ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ جَعَلَتْنِي فِي حَائِطٍ لَهَا. قَالَ: يَا أبابكر، قَالَ: لَبَّيْكَ. قَالَ:
اشْتَرِهْ. فَاشْتَرَانِي أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَنِي، فَلَبِثْتُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَلْبَثَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تَقُولُ فِي دِينِ النَّصَارَى؟
قَالَ: لَا خَيْرَ فِيهِمْ، وَلَا فِي دِينِهِمْ. فَدَخَلَنِي أَمْرٌ عَظِيمٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا الَّذِي كُنْتُ مَعَهُ وَرَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ أَخَذَ بِيَدِ الْمُقْعَدِ، فَأَقَامَهُ اللهُ عَلَى يَدِهِ [ (41) ] ، لَا خَيْرَ فِي هَؤُلَاءِ وَلَا فِي دِينِهِمْ. فَانْصَرَفْتُ وَفِي نَفْسِي مَا شَاءَ اللهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [ (42) ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: عَلَيَّ سَلْمَانُ. فَأَتَانِي الرَّسُولُ فَدَعَانِي وَأَنَا خَائِفٌ، فَجِئْتُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَرَأَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ [ (43) ] . فَقَالَ يَا سَلْمَانُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ كُنْتَ مَعَهُمْ وَصَاحِبُكَ لَمْ يَكُونُوا نَصَارَى، إِنَّمَا كَانُوا مُسْلِمِينَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فو الذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَهُوَ أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: وَإِنْ أمرني بترك دينك وما أَنْتَ عَلَيْهِ فَأَتْرُكُهُ؟ قَالَ:
__________
[ (41) ] في (م) : «يديه» .
[ (42) ] الآية الكريمة (82) من سورة المائدة.
[ (43) ] في (م) : «الآية» .

(2/91)


نَعَمْ، فَاتْرُكْهُ، فَإِنَّ الْحَقَّ وَمَا يُحِبُّ اللهُ فِيمَا يَأْمُرُكَ بِهِ [ (44) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، قَالَ:
كُنْتُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيُّ [ (45) ] ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ أَرْضِهِ، وَكَانَ يُحِبُّنِي حُبًّا شَدِيدًا لَمْ يُحِبَّهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَا وَلَدِهِ، فَمَا زَالَ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي الْبَيْتِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ. وَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَطَنَ [ (46) ] النَّارِ [الَّذِي يُوقِدُهَا] [ (47) ] وَلَا يَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً، فَكُنْتُ كَذَلِكَ لَا أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا إِلَّا مَا أَنَا فِيهِ، حَتَّى بَنَى أبي بنيانا له،
__________
[ (44) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 599- 602) ، وقال: «هذا حديث صحيح، عال في ذكر إِسْلَامِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ولم يخرجاه، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الطفيل: عامر بن وائلة، عن سلمان من وجه صحيح بغير هذه السياقة، فلم أجد من إخراجه بدأ لما في الروايتين من الخلاف في المتن والزيادة والنقصان.
وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (2: 316) وقال: «في هذا السياق غرابة كثيرة، وفيه بعض المخالفة لسياق محمد بن إسحق، وطريق محمد بن إسحق أقوى إسنادا وأقرب إلى ما رواه البخاري في صحيحه من حديث المعتمر بن سليمان» .
[ (45) ] (جيّ) مدينة بأصبهان، وانظر معجم البلدان (3: 196) ، وقد ورد بالرواية السابقة «رامهرمز» ، وفي رواية اخرى: ان سلمان من فارس، والجمع بين هذه الروايات أن جيّ مدينة أصبهان، وانه ولد في رامهرمز، وأصله من فارس، كما في دلائل النبوة لأبي نعيم (213) .
[ (46) ] (قطن النّار) هو خادمها الذي يخدمها ويمنعها من ان تنطفئ، والفرس كانوا مجوسا يعظمون النار ويعبدونها.
[ (47) ] في (ح) : «التي يوقدونها» ، وأثبتّ ما في (م) وهو موافق لسيرة ابن هشام.

(2/92)


وَكَانَتْ لَهُ ضَيْعَةٌ فِيهَا بَعْضُ الْعَمَلِ، فَدَعَانِي فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي مَا تَرَى مِنْ بُنْيَانِي عَنْ ضَيْعَتِي هَذِهِ، وَلَا بُدَّ لِي مِنِ اطِّلَاعِهَا، فَانْطَلِقْ إِلَيْهَا فَأْمُرْهُمْ [ (48) ] بِكَذَا وَكَذَا وَلَا تَحْتَبِسَنَّ عَنِّي، فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَنِّي شَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ، فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةِ النَّصَارَى، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ النَّصَارَى يُصَلُّونَ. فَدَخَلْتُ أَنْظُرُ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ حَالِهِمْ. فو الله مَا زِلْتُ جَالِسًا عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ. وَبَعَثَ أَبِي فِي طَلَبِي فِي كُلِّ وِجْهَةٍ [ (49) ] حَتَّى جِئْتُهُ حِينَ أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَذْهَبْ إِلَى ضَيْعَتِهِ، فَقَالَ أَبِي: أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَكُنْ قُلْتُ لَكَ؟ فَقُلْتُ [ (50) ] : يَا أَبَتَاهُ، مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُقَالُ لَهُمُ: النَّصَارَى، فَأَعْجَبَنِي صَلَوَاتُهُمْ وَدُعَاؤُهُمْ، فَجَلَسْتُ أَنْظُرُ كَيْفَ يَفْعَلُونَ. فَقَالَ [ (51) ] : أَيْ بُنَيَّ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِمْ. فَقُلْتُ: لَا وَاللهِ مَا هُوَ بِخَيْرٍ مِنْ دِينِهِمْ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيَدْعُونَهُ وَيُصَلُّونَ لَهُ، وَنَحْنُ إِنَّمَا نَعْبُدُ نَارًا نُوقِدُهَا بِأَيْدِينَا، إِذَا تَرَكْنَاهَا مَاتَتْ. فَخَافَنِي، فَجَعَلَ فِي رِجْلَيَّ حَدِيدًا، وَحَبَسَنِي فِي بَيْتٍ عِنْدَهُ، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّصَارَى، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَرَاكُمْ عَلَيْهِ؟ فَقَالُوا: بِالشَّامِ. فَقُلْتُ: فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنْ هُنَاكَ نَاسٌ فَآذِنُونِي. قَالُوا: نَفْعَلُ. فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ نَاسٌ فِي تِجَارَتِهِمْ.
فَبَعَثُوا إِلَيَّ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا تُجَّارٌ مِنْ تُجَّارِنَا. فَبَعَثْتُ إِلَيْهِمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَآذِنُونِي. فَقَالُوا: نَفْعَلُ. فَلَمَّا قَضَوْا حَوَائِجَهَمْ وَأَرَادُوا الرَّحِيلَ بَعَثُوا إِلَيَّ بِذَلِكَ، فَطَرَحْتُ الْحَدِيدَ الَّذِي فِي رِجْلَيَّ وَلَحِقْتُ بِهِمْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ. فَلَمَّا قَدِمْتُهَا، قُلْتُ: مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟
فَقَالُوا: الْأَسْقُفُّ [ (52) ] صَاحِبُ الْكَنِيسَةِ. فَجِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَحْبَبْتُ أن أكون
__________
[ (48) ] في (م) و (ح) : «فمرهم» .
[ (49) ] في (م) : «وجه» .
[ (50) ] في (هـ) و (م) : «فقال» .
[ (51) ] في (م) : «وقال» .
[ (52) ] (الأسقفّ) : بالتشديد: عالم النصارى الذي يقيم لهم أمر دينهم، ويقال: أسقف بالتخفيف ايضا.

(2/93)


مَعَكَ فِي كَنِيسَتِكَ، وَأَعْبُدُ اللهَ مَعَكَ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ الْخَيْرَ. قَالَ: فَكُنْ مَعِي.
قَالَ: فَكُنْتُ مَعَهُ، وَكَانَ رَجُلَ سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا، فَإِذَا جَمَعُوهَا إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ. فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُ مِنَ حَالِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ، فَلَمَّا جَاءُوا لِيَدْفِنُوهُ قُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، كَانَ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا، حَتَّى إِذَا جَمَعْتُمُوهَا إِلَيْهِ اكْتَنَزَهَا وَلَمْ يُعْطِهَا الْمَسَاكِينَ. فَقَالُوا: وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُخْرِجُ لَكُمْ كَنْزَهُ. فَقَالُوا:
فَهَاتِهِ. فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ سَبْعَ قِلَالٍ مَمْلُوءَةٍ ذَهَبًا وَوَرِقًا. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: وَاللهِ لَا يُدْفَنُ أَبَدًا. فَصَلَبُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ وَرَمَوهُ بِالْحِجَارَةِ، وَجَاءُوا بِرَجُلٍ آخَرَ فَجَعَلُوهُ [ (53) ] مَكَانَهُ. فَلَا وَاللهِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَرَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ أَشَدَّ اجْتِهَادًا، وَلَا أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مِنْهُ. مَا أَعْلَمُنِي أَحْبَبْتُ شَيْئًا قَطُّ، قَبْلَهُ، حُبَّهُ. فَلَمْ أَزَلْ مَعَهُ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ، قَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا أَحْبَبْتُ شَيْئًا، قَطُّ، حبّك، فماذا تأمرني؟ إلى مَنْ تُوصِينِي؟ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ فَائْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِي. فَلَمَّا مَاتَ [وَغُيِّبَ] [ (54) ] لَحِقْتُ بِالْمَوْصِلِ، فَأَتَيْتُ صَاحِبَهَا، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ أَنْ آتِيَكَ وَأَكُونَ مَعَكَ. قَالَ: فَأَقِمْ أَيْ بُنَيَّ. فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ أَمْرِ صَاحِبِهِ، حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ وقَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي [ (55) ] ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ، أَيْ بُنَيَّ، إِلَّا رَجُلٌ بِنَصِيبِينَ وَهُوَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ، فَالْحَقْ بِهِ. فَلَمَّا دَفَنَّاهُ. لَحِقْتُ بِالْآخَرِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ أَوْصَانِي إِلَيْكَ. قَالَ: فَأَقِمْ يَا بُنَيَّ. فَأَقَمْتُ
__________
[ (53) ] في (ح) و (ص) و (م) : «فجعلوا» .
[ (54) ] الزيادة من (ح) .
[ (55) ] ليست في (م) .

(2/94)


عِنْدَهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا فُلَانُ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَكَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى، وَقَدْ كَانَ فُلَانٌ أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَاني فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَأَوْصَاني فُلَانٌ إِلَيْكَ، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ لِي [ (56) ] : أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلٌ بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فَأْتِهِ، فَإِنَّكَ سَتَجِدُهُ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ. فَلَمَّا وَارَيْتُهُ، خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى صَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ، وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي غُنَيْمَةٌ وَبَقَرَاتٌ. ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ. فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ أَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ، وَفُلَانٌ إِلَيْكَ، وقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ، [تَعَالَى] [ (57) ] ، فَإِلَى مَنْ تُوصِينِي؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ، وَاللهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهَ. وَلَكِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنَ الْحَرَمِ، مُهَاجَرُهُ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ، إِلَى أَرْضٍ سَبِخَةٍ ذَاتِ نَخِيلٍ، وَإِنَّ فِيهِ عَلَامَاتٍ لَا تَخْفَى: بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةِ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَخْلُصَ إِلَى تِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ، فَإِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُهُ. فَلَمَّا وَارَيْنَاهُ، أَقَمْتُ حَتَّى مَرَّ رِجَالٌ مِنْ تُجَّارِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: تَحْمِلُونِي مَعَكُمْ حَتَّى تَقْدَمُوا [ (58) ] بِي أَرْضَ الْعَرَبِ، وَأُعْطِيكُمْ غَنِيمَتِي هَذِهِ وَبَقَرَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَأَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا، وَحَمَلُونِي حَتَّى إِذَا جَاءُوا بِي وَادِيَ الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودَ، بِوَادِي الْقُرَى. فو الله لَقَدْ رَأَيْتُ النَّخْلَ، وَطَمِعْتُ أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي نَعَتَ لِي صَاحِبِي وَمَا حَقَّتْ عِنْدِي، حَتَّى قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، مِنْ يَهُودِ وَادِيَ الْقُرَى، فَابْتَاعَنِي مِنْ صَاحِبِي الَّذِي كُنْتُ عِنْدَهُ، فَخَرَجَ بِي حَتَّى قَدِمَ بِي الْمَدِينَةَ. فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا فَعَرَفْتُ نِعْمَتَهُ، فَأَقَمْتُ في رقّ مع
__________
[ (56) ] ليست في (هـ) أو (م) .
[ (57) ] ليست في (م) أو (ص) .
[ (58) ] في (ح) : «حتى تقدمون بي» .

(2/95)


صَاحِبِي. وَبَعَثَ اللهُ رَسُولَهُ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ لَا يَذْكُرُ لِي شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ [ (59) ] مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الرِّقِّ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، قُبَاءَ، وَأَنَا أَعْمَلُ لِصَاحِبِي فِي نَخْلَةٍ لَهُ. فو الله إِنِّي لَفِيهَا إِذْ جَاءَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ [ (60) ] قَاتَلَ اللهُ بَنِي قَيْلَةَ [ (61) ] ، وَاللهِ إِنَّهُمُ الْآنَ لَفِي قُبَاءَ مُجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ جَاءَ مِنْ مَكَّةَ، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُهَا، فَأَخَذَتْنِي «الْعُرَوَاءُ» [ (62) ]- يَقُولُ «الرَّعْدَةُ» - حَتَّى ظَنَنْتُ لَأَسْقُطَنَّ عَلَى صَاحِبِي. وَنَزَلْتُ أَقُولُ: مَا هَذَا الْخَبَرُ؟ مَا هُوَ؟ فَرَفَعَ مَوْلَايَ يَدَهُ، فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ قِبَلَ [ (63) ] عَمَلِكَ. فَقُلْتُ: لَا شَيْءَ، إِنَّمَا سَمِعْتُ خَبَرًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَهُ.
فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ من طعام، فحلمته وَذَهَبْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِقُبَاءَ، فَقُلْتُ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَأَنَّ مَعَكَ أَصْحَابًا لَكَ غُرَبَاءَ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ لِلصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ مَنْ بِهَذِهِ الْبِلَادِ [بِهِ] [ (64) ] فَهَا هُوَ ذَا فَكُلْ مِنْهُ. فَأَمْسَكَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِيَدِهِ، وَقَالَ: لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ خَلَّةٌ مِمَّا وَصَفَ لِي صَاحِبِي.
ثُمَّ رَجَعْتُ، وَتَحَوَّلَ رَسُولُ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَمَعْتُ شَيْئًا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ جئته به، فقلت: إن قَدْ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ وَكَرَامَةٌ لَيْسَتْ بِالصَّدَقَةِ. فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ أَصْحَابُهُ. فَقُلْتُ: هَذِهِ خَلَّتَانِ.
ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتْبَعُ جَنَازَةً وَعَلَيَّ شَمْلَتَانِ [ (65) ] لِي، وَهُوَ في
__________
[ (59) ] في سيرة ابن هشام: «لا اسمع له بذكر» .
[ (60) ] في (م) : «فلان» بدون ياء المخاطبة.
[ (61) ] (بنو قيلة) : هي أم الأوس والخزرج.
[ (62) ] (العرواء) : الرعدة من البرد والانتفاض.
[ (63) ] في (هـ) : «أقبل على عملك» .
[ (64) ] الزيادة من (هـ) .
[ (65) ] (الشملة) الكساء الغليظ يشتمل به الإنسان، أي يلتحف به.

(2/96)


أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَرْتُ بِهِ لَأَنْظُرَ إِلَى الْخَاتَمِ فِي ظَهْرِهِ. فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، اسْتَدْبَرْتُهُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ شَيْئًا قَدْ وُصِفَ لِي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ كَمَا وَصَفَ لِي صَاحِبِي فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي. فَقَالَ: تَحَوَّلْ يَا سَلْمَانُ هَكَذَا. فَتَحَوَّلْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَحَبَّ أَنْ يُسْمِعَ أَصْحَابَهُ حَدِيثِي عَنْهُ. فَحَدَّثْتُهُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا حَدَّثْتُكَ. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ. فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. وَأَعَانَنِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِالنَّخْلِ: ثَلَاثِينَ وَدِيَّةً [ (66) ] . وعشرين وديّة، وعشر، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: فَقِّرْ لَهَا [ (67) ] فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَضَعُهَا بِيَدِي. فَفَقَّرْتُهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي- يَقُولُ حَفَرْتُ لَهَا حَيْثُ تُوضَعُ- حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهَا. ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ فَرَغْنَا مِنْهَا فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى جَاءَهَا، وَكُنَّا نَحْمِلُ إِلَيْهِ الْوَدِيَّ، وَيَضَعُهُ بِيَدِهِ، وَيُسَوِّي عَلَيْهَا.
فو الذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا مَاتَتْ مِنْهَا وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَبَقِيَتْ عَلَيَّ الدَّرَاهِمُ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنَ الذَّهَبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: أَيْنَ الْفَارِسِيُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَاتَبُ؟ فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ: خُذْ هَذِهِ يَا سَلْمَانُ، فَأَدِّهَا مِمَّا عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى سيؤدي بها عنك. فو الذي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَوَزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً، فَأَدَّيْتُهَا إِلَيْهِمْ وَعُتِقَ سَلْمَانُ. وَكَانَ الرِّقُّ قَدْ حَبَسَنِي حَتَّى فَاتَنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بَدْرٌ وَأُحُدٌ، ثُمَّ عُتِقْتُ فَشَهِدْتُ الْخَنْدَقَ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ [ (68) ] .
__________
[ (66) ] (الودية) : النخلة الصغيرة.
[ (67) ] فقر لها: أي احضر.
[ (68) ] خبر إسلام سلمان الفارسي في طبقات ابن سعد، وأخرجه الإمام احمد في «مسنده» (5: 438-»

(2/97)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِصَدَقَةٍ فَرَدَّهَا، وَأَتَيْتُهُ بِهَدِيَّةٍ فَقَبِلَهَا [ (69) ] .
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: أَعْطَانِي النَّبِيُّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، مِثْلَ هَذِهِ مِنْ ذَهَبٍ- وَحَلَّقَ شَرِيكٌ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى الْإِبْهَامِ مِثْلَ الدِّرْهَمِ. قَالَ: فَلَوْ وُضِعَ أُحُدٌ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ فِي أُخْرَى لَرَجَحَتْ بِهِ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ- هُوَ الْأَصَمُّ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، ذَلِكَ الذَّهَبَ فَقَالَ: اقْضِ بِهِ عَنْكَ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ فقلّبها رسول الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، عَلَى لِسَانِهِ ثُمَّ قَذَفَهَا إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهَا، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى [ (70) ] سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ.
__________
[ (441) ] . وفي سيرة ابن هشام (1: 233- 242) . ودلائل النبوة لأبي نعيم (213) ، وتاريخ الإسلام للذهبي (2: 51) ، والبداية والنهاية (2: 310- 316) ، والاكتفاء (1: 236) ، وتهذيب تاريخ دمشق الكبير (6: 192- 195) ، والخصائص الكبرى للسيوطي (1: 45) ، وسبل الهدى والرشاد (1: 122- 130) ، وقال: «رواه الإمام أحمد وابن سعد، والبزار، والطبراني، وابو نعيم، وغيرهم، من طرق أدخلت بعضها في بعض» .
[ (69) ] مسند الإمام أحمد (5: 437، 438) .
[ (70) ] ليست في (م) .

(2/98)


فَانْطَلَقْتُ فَوزَنْتُ لَهُمْ مِنْهَا حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ مِنْهَا أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً [ (71) ] .
* وأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَحَدَّثَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ، فَقَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ سَلْمَانَ:
أَنَّ صَاحِبَ عَمُّورِيَّةَ قَالَ لِسَلْمَانَ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: ائْتِ غَيْضَتَيْنِ [ (72) ] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَإِنَّ رَجُلًا يَخْرُجُ مِنْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فِي كُلِّ سَنَةٍ لَيْلَةً، يَعْتَرِضُهُ ذَوُو الْأَسْقَامِ، فَلَا يَدْعُو لِأَحَدٍ مِنْ مَرَضٍ إِلَّا شُفِيَ، فَسَلْهُ عَنْ هَذَا الدِّينِ الَّذِي تَسْأَلُنِي عَنْهُ: عَنِ الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقَمْتُ بِهَا سَنَةً، حَتَّى خَرَجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ إِحْدَى الْغَيْضَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى. وَإِنَّمَا كَانَ يَخْرُجُ مُسْتَجِيزًا [ (73) ] أَوْ مُسْتَخْفِيًا. فَخَرَجَ وَغَلَبَنِي عَلَيْهِ النَّاسُ حَتَّى دَخَلَ فِي الْغَيْضَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا حَتَّى مَا بَقِيَ إِلَّا مَنْكِبُهُ، فَأَخَذْتُ بِهِ فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ، الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ النَّاسُ الْيَوْمَ، قَدْ أَظَلَّكَ نَبِيٌّ يَخْرُجُ عِنْدَ هَذَا الْبَيْتِ بِهَذَا الْحَرَمِ، يُبْعَثُ بِذَلِكَ الدِّينِ.
فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ سَلْمَانُ لِرَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ صَدَقْتَنِي يَا سَلْمَانُ لَقَدْ رأيت عيسى بن مَرْيَمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ [ (74) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
__________
[ (71) ] سيرة ابن هشام (1: 241) .
[ (72) ] (الغيضة) : الشجر الملتف.
[ (73) ] في (ح) : «مستخبرا» .
[ (74) ] الخبر في سيرة ابن هشام (1: 241) ، وتهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (6: 195) ، والبداية والنهاية (2: 314) .

(2/99)


أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَوَارِبِيُّ، بِوَاسِطَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشَّهِيدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ:
أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةُ عَشَرَ، مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ [ (75) ] .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
__________
[ (75) ] أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، (53) باب إسلام سلمان الفارسي، فتح الباري (7:
277) .

(2/100)


ذِكْرُ حَدِيثِ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ [ (1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الشُّعَيْثِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ أَبِي طَاهِرٍ المحمّد أباذي، لَفْظًا، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو لُبَابَةَ:
مُحَمَّدُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْأَبِيوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي: قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ هُبَيْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيُّ» ؟ قَالُوا: هَلَكَ. قَالَ: «أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا مَا أَرَى أَنِّي أَحْفَظُهُ» . فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: نَحْنُ نَحْفَظُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: هَاتُوا.
قَالَ: فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِنَّهُ وَقَفَ بِسُوقِ عُكَاظَ، فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا وَعُوا: كُلُّ مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَكُلُّ من
__________
[ (1) ] هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك، من بني إياد، أحد حكماء العرب، ومن كبار خطبائهم في الجاهلية، ويقال: إنه أول عربي خطب متوكئا على سيف، او عصا، وأول من قال في كلامه: اما بعد، وكان يفد على قيصر الروم، زائرا، فيعظمه، ويكرمه، وهو معدود في المعمرين، طالت حياته، وأدركه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قبل النبوة، ورآه في عكاظ، وسئل عنه بعد ذلك، فقال: يحشر أمة وحده.
خطب الناس بعكاظ، وبشرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وحثهم على اتباعه، وذلك قبل البعثة.
الأغاني (14: 40) ، وله ترجمة في البيان والتبيين وخزانة الأدب، وغيرها.

(2/101)


مات فات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ. لَيْلٌ داج، وسماء ذات أبراج، وَنُجُومٌ تَزْهَرُ، وَبِحَارٌ تَزْخَرُ، وَجِبَالٌ مُرْسَاةٌ، وَأَنْهَارٌ مُجْرَاةٌ. إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا. أَرَى النَّاسَ يَمُرُّونَ [ (2) ] وَلَا يَرْجِعُونَ، أَرَضُوا بِالْإِقَامَةِ فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ، يُقْسِمُ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا إِثْمَ فِيهِ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى [ (3) ] دِينًا هُوَ أَرْضَى مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يقول:
في الذاهبين الأولين من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ ... لَمَّا رَأَيْتُ مَوَارِدًا لِلْمَوْتِ لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
ورأيت قومي نَحْوَهَا يَمْضِي الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرْ ... أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا مَحَالَةَ حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
* [وحَدَّثَنَا] [ (4) ] أَبُو مُحَمَّدٍ: عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ، إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ فَرْضَخٍ الْإِخْمِيمِيُّ، بِمَكَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللهِ: سَعِيدُ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ إِيَادٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ الْإِيَادِيِّ، فَقَالُوا: هَلَكَ يَا رَسُولَ اللهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «لَقَدْ شَهِدْتُهُ فِي الْمَوْسِمِ بِعُكَاظَ وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ- أَوْ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ- وَهُوَ يُنَادِي فِي النَّاسِ» :
أَيُّهَا الناس، اجتمعوا واستمعوا وَعُوا، وَاتَّعِظُوا تَنْتَفِعُوا: مَنْ عاش مات،
__________
[ (2) ] في (هـ) : «يموتون» ،
وفي رواية اخرى: «مَالِيَ أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فلا يرجعون..» .
[ (3) ] ليست في (م) ولا في (ص) .
[ (4) ] في (ص) : «حدثنا» .

(2/102)


وَمَنْ مَاتَ فَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا: نُجُومٌ تَغُورْ وَلَا تَغُورْ [ (5) ] ، وَبِحَارٌ تَفُورْ، وَلَا تَفُورْ [ (6) ] ، وَسَقْفٌ مَرْفُوعْ، وَمِهَادٌ مَوْضُوعْ.
وَأَنْهَارٌ مَنْبُوعْ. أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا كَذِبًا وَلَا إِثْمًا: لَيَتْبَعَنَّ الْأَمْرَ سَخَطًا، وَلَئِنْ كَانَ [فِي] [ (7) ] بَعْضِهِ رِضًا، إِنَّ فِي بَعْضِهِ لَسَخَطًا [ (8) ] . وَمَا هَذَا بِاللَّعِبِ، وَإِنَّ مِنْ وَرَاءِ هَذَا لَلْعَجَبَ. أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا بِاللهِ لَا كَذِبًا وَلَا إِثْمًا: إِنَّ لِلَّهِ دِينًا هُوَ أَرْضَى لَهُ مِنْ دِينٍ نَحْنُ عَلَيْهِ. مَا بَالُ النَّاسِ يَذْهَبُونَ وَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟
قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «ثُمَّ أَنْشَدَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ لَمْ أَحْفَظْهَا عَنْهُ» . فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (9) ] ، فَقَالَ: أَنَا حَضَرْتُ ذَلِكَ الْمَقَامَ، وَحَفِظْتُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَا هِيَ؟» فَقَالَ [لَهُ] [ (10) ] أَبُو بَكْرٍ: قَالَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ فِي آخر كلامه:
في الذاهبين الأولين ... من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لَمَّا رأيت مواردا للمو ... ت لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا ... يَمْضِي الْأَكَابِرُ وَالْأَصَاغِرْ
لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا ... لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
__________
[ (5) ] في (م) و (ص) «ولا تفور» .
[ (6) ] في (ص) و (م) «ولا تغور» .
[ (7) ] الزيادة من (هـ) .
[ (8) ] في (ص) و (م) و (ح) : «سخطا» .
[ (9) ] الزيادة من (ص) و (م) .
[ (10) ] ليست في (م) ولا في (ص) .

(2/103)


ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، عَلَى وَفْدِ إِيَادٍ، فَقَالَ: هَلْ وُجِدَ لِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَصِيَّةٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، وَجَدْنَا [ (11) ] لَهُ صَحِيفَةً تَحْتَ رَأْسِهِ مَكْتُوبٌ فِيهَا:
يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْأَمْوَاتُ فِي جَدَثٍ ... عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا ثَوبِهِمْ خِرَقُ
دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... كَمَا يُنَبَّهُ مِنْ نَوْمَاتِهِ الصَّعِقُ
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمَوْتَى فِي ثِيَابِهِمُ ... مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْأَوْرَقُ الْخَلَقُ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ آمَنَ [ (12) ] قُسٌّ بِالْبَعْثِ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أخبرنا أبو أحمد ابن عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْحَاسِبُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ، السَّمْتِيُّ [ (13) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ الله، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِنْ مَعْنَاهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يَرْوِي شِعْرَهُ؟ فأنشدوه. لم يذكر أبابكر الصديق [رضي الله عنه] [ (14) ] وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَصِيَّةَ.
وَهَذَا يَتَفَرَّدُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ. وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ مَتْرُوكٌ [ (15) ] .
__________
[ (11) ] في (هـ) و (ص) و (م) : «وجدوا» .
[ (12) ] في (هـ) : «لقد أقر» .
[ (13) ] في () : «السهمي» ، وهو تصحيف، واسمه: أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ حسان بن خالد الضبي السمتي البغدادي ترجمته في ميزان الاعتدال (2: 513) .
[ (14) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (15) ] مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ اللَّخْمِيُّ الواسطي، أبو إبراهيم نزيل بغداد: قال البخاري: «منكر الحديث» وقال ابن معين: «كذاب خبيث» ، وقال الدارقطني: «كذاب» وجرحه ابن حبان، الميزان (3:
509) ، اما مجالد بن سعيد الهمداني فهو شيعي كذاب. الميزان (3: 438) .

(2/104)


وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى السُّلَمِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: الْوَلِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ عِيسَى الْفُسْطَاطِيُّ، بِمَكَّةَ، مِنْ حِفْظِهِ- وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ خَمْسًا وَتِسْعِينَ سَنَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ- عَلَى بَابِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا محمد ابن عِيسَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْبَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي: عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَدِمَ الْجَارُودُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- وَكَانَ سَيِّدًا فِي قَوْمِهِ، مُطَاعًا عَظِيمًا فِي عَشِيرَتِهِ: مُطَاعَ الْأَمْرِ [ (16) ] رَفِيعَ الْقَدْرِ، عَظِيمَ الْخَطَرِ، ظَاهِرَ الْأَدَبِ، شَامِخَ الْحَسَبِ، بَدِيعَ الْجَمَالِ، حَسَنَ الْفِعَالِ، ذَا مَنَعَةٍ وَمَالٍ- فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ وَالْأَقْدَارِ، وَالْفَضْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَالْفَصَاحَةِ وَالْبُرْهَانِ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، عَلَى نَاقَةٍ كَالْفَحْلِ الْفَنِيقِ قَدْ جَنَّبُوا الْجِيَادَ، وَأَعَدُّوا لِلْجِلَادِ، مُجِدِّينَ فِي سَيْرِهِمْ، حَازِمِينَ فِي أَمْرِهِمْ، يَسِيرُونَ ذَمِيلًا، وَيَقْطَعُونَ مِيلًا فَمِيلًا، حَتَّى أَنَاخُوا عِنْدَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ. فَأَقْبَلَ الْجَارُودُ عَلَى قومه والمشائخ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، هَذَا مُحَمَّدٌ الْأَغَرُّ، سَيِّدُ الْعَرَبِ، وَخَيْرُ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ، وَوَقَفْتُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَحْسِنُوا عَلَيْهِ السَّلَامَ وَأَقِلُّوا عِنْدَهُ الْكَلَامَ. فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْهُمَامُ وَالْأَسَدُ الضِّرْغَامُ، لَنْ نَتَكَلَّمَ إِذَا حَضَرْتَ وَلَنْ [ (17) ] نُجَاوِزَ إِذَا أَمَرْتَ، فَقُلْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّا سَامِعُونَ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّا تَابِعُونَ. فَنَهَضَ الْجَارُودُ فِي كُلِّ كَمِيٍّ صِنْدِيدٍ، قَدْ دَوَّمُوا
__________
[ (16) ] ليست في (هـ) .
[ (17) ] في (م) و (ح) : «ولم» .

(2/105)


الْعَمَائِمَ، وَتَرَدُّوا بِالصَّمَائِمِ [ (18) ] ، يَجُرُّونَ أَسْيَافَهُمْ وَيَسْحَبُونَ أَذْيَالَهُمْ، يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، وَيَتَذَاكَرُونَ مَنَاقِبَ الْأَخْيَارِ، لَا يَتَكَلَّمُونَ طَوِيلًا، وَلَا يَسْكُتُونَ عِيًّا: إِنْ أَمَرَهَمُ ائْتَمَرُوا، وَإِنْ زَجَرَهُمُ ازْدَجَرُوا، كَأَنَّهُمْ أُسْدُ غِيلٍ يَقْدِمُهَا ذُو لَبُؤَةٍ مَهُولٍ [ (19) ] ، حَتَّى مَثَلُوا بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا دَخَلَ الْقَوْمُ الْمَسْجِدَ، وأَبْصَرَهُمْ أَهْلُ الْمَشْهَدِ، دَلَفَ الْجَارُودُ أَمَامَ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَحَسَرَ لِثَامَهُ وَأَحْسَنَ سَلَامَهُ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا نَبِيَّ الْهُدَى أَتَتْكَ رِجَالٌ ... قَطَعَتْ فَدْفَدًا وَآلًا فَآلَا
وَطَوَتْ نَحْوَكَ الصَّحَاصِحَ طُرًّا ... لَا تَخَالُ الْكَلَالَ فِيكَ كَلَالَا
كُلُّ دَهْمَاءَ يَقْصُرُ الطَّرْفُ عَنْهَا ... أَرْقَلَتْهَا قِلَاصُنَا إِرْقَالَا
وَطَوَتْهَا الْجِيَادُ تَجْمَحُ فِيهَا ... بكُمَاةٍ كَأَنْجُمٍ تَتَلَالَا
تَبْتَغِي دَفْعَ بَأْسِ يَوْمٍ عَبُوسٍ ... أَوْجَلَ الْقَلْبَ ذِكْرُهُ ثُمَّ هَالَا
فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، ذَلِكَ فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَرَفَعَ مَجْلِسَهُ وَحَبَاهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَقَالَ: يَا جَارُودُ، لَقَدْ تَأَخَّرَ بِكَ وَبِقَوْمِكَ الْمَوْعِدُ، وَطَالَ بِكُمُ الْأَمَدُ [ (20) ] . قَالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ أَخْطَأَكَ قَصْدُهُ، وَعَدِمَ رُشْدَهُ، وَتِلْكَ وَايْمُ اللهِ أَكْبَرُ خَيْبَةٍ، وَأَعْظَمُ حَوَبَةٍ، وَالرَّائِدُ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَلَا يَغُشُّ نَفْسَهُ. لَقَدْ جِئْتَ بِالْحَقِّ، وَنَطَقْتُ بِالصِّدْقِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا واخْتَارَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِيًّا، لَقَدْ وَجَدْتُ وَصْفَكَ فِي الْإِنْجِيلِ، وَلَقَدْ بَشَّرَ بِكَ [ابْنُ] [ (21) ] الْبَتُولِ، وَطُولُ التَّحِيَّةِ لَكَ وَالشُّكْرُ لِمَنْ أَكْرَمَكَ وَأَرْسَلَكَ، لَا أَثَرَ بَعْدَ
__________
[ (18) ] في (هـ) : «بالصوارم» .
[ (19) ] في (ح) : «فهول» .
[ (20) ] في (هـ) : «الأمل» .
[ (21) ] الزيادة من (هـ) .

(2/106)


عَيْنٍ، وَلَا شَكَّ بَعْدَ يَقِينٍ. مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّكَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ.
قَالَ: فَآمَنَ الْجَارُودُ، وَآمَنَ مِنْ قَوْمِهِ كُلُّ سَيِّدٍ، وَسُرَّ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، بِهِمْ سُرُورًا، وَابْتَهَجَ حُبُورًا، وَقَالَ: يَا جَارُودُ، هَلْ فِي جَمَاعَةِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مَنْ يَعْرِفُ لَنْا قُسًّا،؟ قَالَ: كُلُّنَا نَعْرِفُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْمِي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ: كَانَ قُسٌّ سِبْطًا مِنْ أَسْبَاطِ الْعَرَبِ، صَحِيحَ النَّسَبِ، فَصِيحًا إِذَا خَطَبَ، ذَا شَيْبَةٍ حَسَنَةٍ. عُمِّرَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، يَتَقَفَّرُ الْقِفَارَ، لَا تُكِنُّهُ دَارٌ، وَلَا يُقِرُّهُ قَرَارٌ، يَتَحَسَّى فِي تَقَفُّرِهِ بَيْضَ النَّعَامِ، وَيَأْنَسُ بِالْوَحْشِ وَالْهَوَامِّ، يَلْبَسُ الْمُسُوحَ وَيَتْبَعُ السُّيَّاحَ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ، لَا يَفْتُرُ مِنَ الرَّهْبَانِيَّةِ، مُقِرٌّ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، تُضْرَبُ بِحِكْمَتِهِ الْأَمْثَالُ، وَتُكْشَفُ بِهِ الْأَهْوَالُ، وَتَتْبَعُهُ الْأَبْدَالُ.
أَدْرَكَ رَأْسَ الْحَوَارِيِّينَ سَمْعَانَ! فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَأَلَّهَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَعْبَدُ مَنْ تَعَبَّدَ فِي الْحِقَبِ، وَأَيْقَنَ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَحَذَّرَ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ وَالْمَآبِ، وَوَعَظَ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَأَمَرَ بِالْعَمَلِ قَبْلَ الْفَوْتِ. الْحَسَنُ الْأَلْفَاظِ، الْخَاطِبُ بِسُوقِ عُكَاظَ، الْعَالِمُ بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ، وَيَابِسٍ وَرَطْبٍ، وَأُجَاجٍ وَعَذْبٍ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَالْعَرَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، يُقْسِمُ بِالرَّبِ الَّذِي هُوَ لَهُ لَيَبْلُغَنَّ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَلَيُوَفَّيَنَّ كُلُّ عَامَلٍ عَمَلَهُ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
هَاجَ لِلْقَلْبِ [ (22) ] مِنْ جَوَاهُ ادِّكَارُ ... وَلَيَالٍ خِلَالَهُنَّ نَهَارُ
وَنُجُومٌ يَحُثُّهَا قَمَرُ اللَّيْلِ ... وَشَمْسٌ فِي كلّ يوم تدار
ضوؤها يَطْمِسُ الْعُيُونَ وَرِعَادٌ [ (23) ] ... شَدِيدٌ فِي الْخَافِقَيْنِ مُطَارُ
وَغُلَامٌ وَأَشْمَطٌ وَرَضِيعٌ ... كُلُّهُمْ فِي التراب يوما يزار
__________
[ (22) ] في (م) : «بالقلب» .
[ (23) ] في (م) : «وإرعاد» .

(2/107)


وَقُصُورٌ مُشَيَّدَةٌ حَوَتِ الْخَيْرَ ... وَأُخْرَى خَلَتْ فَهُنَّ قِفَارُ
وَكَثِيرٌ مِمَّا يُقَصِّرُ عَنْهُ ... جَوْسَةُ النَّاظِرِ الَّذِي لَا يَحَارُ
وَالَّذِي قَدْ ذَكَرْتُ دَلَّ عَلَى ... اللهِ نُفُوسًا لَهَا هُدًى وَاعْتِبَارُ
فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ،: عَلَى رِسْلِكَ يَا جَارُودُ، فَلَسْتُ أَنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَوْرَقَ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مُونَقٍ، مَا أَظُنُّ أَنِّي أَحْفَظُهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ يَحْفَظُ لَنَا مِنْهُ شَيْئًا؟ فَوَثَبَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَحْفَظُهُ، وَكُنْتُ حَاضِرًا ذَلِكَ الْيَوْمَ بِسُوقِ عُكَاظٍ حِينَ خَطَبَ فَأَطْنَبَ، وَرَغَّبَ وَرَهَّبَ، وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ، فَقَالَ [ (24) ] فِي خُطْبَتِهِ:
أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، فَإِذَا [ (25) ] وَعَيْتُمْ فَانْتَفِعُوا: إِنَّهُ مَنْ عَاشَ مَاتْ، وَمَنْ مَاتَ فَاتْ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ، مَطَرٌ وَنَبَاتْ، وَأَرْزَاقٌ وَأَقْوَاتْ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَاتْ، وَأَحْيَاءٌ وَأَمْوَاتْ، جَمِيعٌ وَأَشْتَاتْ، وَآيَاتٌ بَعْدَ آيَاتْ. إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَخَبَرًا، وَإِنَّ فِي الْأَرْضِ لَعِبَرًا، لَيْلٌ دَاجْ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجْ [وَأَرْضٌ ذَاتُ رِتَاجْ] [ (26) ] وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجْ. مَالِيَ أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلَا يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُوا بِالْمُقَامِ فَأَقَامُوا؟ أَمْ تُرِكُوا هُنَاكَ فَنَامُوا؟ أَقْسَمَ قُسٌّ قَسَمًا [حَقًّا] [ (27) ] لَا حَانِثًا فِيهِ وَلَا آثِمًا: إِنَّ الله تَعَالَى [ (28) ] دِينًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، ونَبِيًّا قَدْ حَانَ حِينُهُ، وَأَظَلَّكُمْ أَوَانُهُ، وَأَدْرَكَكُمْ إِبَّانُهُ، فَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِهِ فَهَدَاهُ، وَوَيْلٌ لِمَنْ خَالَفَهُ وَعَصَاهُ.
ثُمَّ قَالَ: تَبًّا لِأَرْبَابِ الْغَفْلَةِ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَالْقُرُونِ الماضية. يا
__________
[ (24) ] في (م) : «وقال» .
[ (25) ] في (م) : «وإذا» .
[ (26) ] ما بين الحاصرتين ساقط من (هـ) .
[ (27) ] الزيادة من (هـ) .
[ (28) ] ليست في (م) .

(2/108)


مَعْشَرَ إِيَادٍ، أَيْنَ الْآبَاءُ وَالْأَجْدَادُ؟ وَأَيْنَ الْمَرِيضُ وَالْعُوَّادُ؟ وَأَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟
أَيْنَ مَنْ بَنَى وَشَيَّدَ؟! وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ؟! وَغَرَّهُ الْمَالُ وَالْوَلَدُ؟! أَيْنَ مَنْ بَغَى وَطَغَى، وَجَمَعَ فَأَوْعَى، وَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى؟! أَلَمْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ أَمْوَالًا، وَأَبْعَدَ مِنْكُمْ آمَالًا، وَأَطْوَلَ مِنْكُمْ آجَالًا؟! طَحَنَهُمُ الثَّرَى بِكَلْكَلِهِ، وَمَزَّقَهُمْ بِتَطَاوُلِهِ، فَتِلْكَ عِظَامُهُمْ بَالِيَةٌ، وَبُيُوتُهُمْ خَالِيَةٌ، عَمَرَتْهَا الذِّئَابُ الْعَاوِيَةُ [ (29) ] ، كَلَّا، بَلْ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْمَعْبُودُ، لَيْسَ بِوَالدٍ وَلَا مَوْلُودٍ!! ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين ... من الْقُرُونِ لَنَا بَصَائِرْ
لَمَّا رأيت مواردا للمو ... ت لَيْسَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِيَ نَحْوَهَا ... يَمْضِي الْأَصَاغِرُ وَالْأَكَابِرْ
لَا يَرْجِعُ الْمَاضِي إِلَيَّ ... وَلَا مِنَ الْبَاقِينَ غَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي لَا محا ... لة حَيْثُ صَارَ الْقَوْمُ صَائِرْ
قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ. فَقَامَ [ (30) ] رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بَعْدَهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ جَبَلٍ، ذُو هَامَةٍ عَظِيمَةٍ، وَقَامَةٍ جَسِيمَةٍ، قَدْ دَوَّمَ عَمَامَتَهُ، وَأَرْخَى ذُؤَابَتَهُ، مُنِيفٌ أَنُوفٌ أَحْدَقُ [ (31) ] أَجَشُّ الصَّوْتِ، فَقَالَ:
يَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ، وَصَفْوَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ قُسٍّ عَجَبًا، وَشَهِدْتُ مِنْهُ مَرْغَبًا. فَقَالَ: وَمَا الَّذِي رَأَيْتَهُ مِنْهُ وَحَفِظْتَهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: خَرَجْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي شَرَدَ مِنِّي كُنْتُ أَقْفُو أَثَرَهُ [ (32) ] وَأَطْلُبُ خَبَرَهُ، فِي نَتَائِفَ حَقَائِفَ [ (33) ] ، ذَاتِ دَعَادِعَ وَزَعَازِعَ، لَيْسَ بِهَا لِلرَّكْبِ مَقِيلٌ، ولا لغير الجن [ (34) ]
__________
[ (29) ] في (م) : «العادية» .
[ (30) ] في (م) : «وقام» .
[ (31) ] في (م) و (هـ) : «أشدق» .
[ (32) ] ليست في (م) .
[ (33) ] في (م) : «تنايف حقايف» .
[ (34) ] في (ح) و (م) : «الحق» .

(2/109)


سَبِيلٌ، وَإِذَا أَنَا بِمَوْئِلٍ مَهُولٍ فِي طَوْدٍ عَظِيمٍ لَيْسَ بِهِ إِلَّا الْبُومُ. وَأَدْرَكَنِي اللَّيْلُ فَوَلِجْتُهُ مَذْعُورًا لَا آمَنُ فِيهِ حَتْفِي، وَلَا أَرْكَنُ إِلَى غَيْرِ سَيْفِي. فَبِتُّ بِلَيْلٍ طَوِيلٍ، كَأَنَّهُ بِلَيْلٍ مَوْصُولٌ، أَرْقُبُ الْكَوْكَبَ، وَأَرْمُقُ الْغَيْهَبَ، حَتَّى إِذَا اللَّيْلُ عَسْعَسَ [ (35) ] ، وَكَادَ الصُّبْحُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، هَتَفَ بِي هَاتِفٌ يَقُولُ:
يَا أَيُّهَا الرَّاقِدُ فِي اللَّيْلِ الْأَحَمْ ... قَدْ بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا فِي الْحَرَمْ
مِنْ هَاشِمٍ أَهْلِ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمْ ... يَجْلُو دُجُنَّاتِ الدَّيَاجِيَ وَالْبُهَمْ [ (36) ]
قَالَ: فَأَدَرْتُ طَرْفِي فَمَا رَأَيْتُ لَهُ شَخْصًا وَلَا سَمِعْتُ لَهُ فَحْصًا، فأنشأت أقول:
يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ فِي دَاجِي الظُّلَمْ ... أَهْلًا وَسَهْلًا بِكَ مِنْ طَيْفٍ أَلَمْ
بَيِّنْ هَدَاكَ اللهُ فِي لَحْنِ الْكَلِمْ ... مَاذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ يُغْتَنَمْ [ (37) ] ؟
قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِنَحْنَحَةٍ، وَقَائِلٍ يَقُولُ: ظَهَرَ النُّورُ، وَبَطَلَ الزور [و] بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْحُبُورِ، صَاحِبَ النَّجِيبِ الأحمر، والتّاج والمغفر، ذو الْوَجْهِ [ (38) ] الْأَزْهَرِ، وَالْحَاجِبِ الْأَقْمَرِ، وَالطَّرْفِ الْأَحْوَرِ، صَاحِبَ قَوْلِ شَهَادَةِ:
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَذَلِكَ [ (39) ] مُحَمَّدٌ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ، أَهْلِ الْمَدَرِ وَالْوَبَرِ. ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقِ الْخَلْقَ عَبَثْ ... لَمْ يُخْلِنَا [حِينًا] [ (40) ] سُدًى مِنْ بَعْدِ عِيسَى واكترث
__________
[ (35) ] في (م) : «عسس الليل» .
[ (36) ] في (هـ) : الليالي وإليهم» .
[ (37) ] في (هـ) و (م) : «في اللحن ... تغتنم» .
[ (38) ] في (م) و (هـ) : «والوجه» .
[ (39) ] في (م) : «فذاك» .
[ (40) ] الزيادة من (م) .

(2/110)


أرسل فينا أحمدا خَيْرَ نَبِيٍّ قَدْ بُعِثْ ... صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا حَجَّ [ (41) ] لَهُ رَكْبٌ وَحَثَّ
قَالَ: فَذُهِلْتُ عَنِ الْبَعِيرِ وَاكْتَنَفَنِي السُّرُورُ، وَلَاحَ الصَّبَاحُ، وَاتَّسَعَ الْإِيضَاحُ [ (42) ] ، فَتَرَكَتُ الْمَوْرَاءَ [ (43) ] ، وَأَخَذْتُ الْجَبَلَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَنِيقِ يَسْتَنْشِقُ [ (44) ] النُّوقَ، فَمَلَكْتُ خطامه، وعلوت سنامه، فمرج [ (45) ] طَاعَةً وَهَزَزْتُهُ سَاعَةً، حَتَّى إِذَا لَغَبَ وَذَلَّ مِنْهُ مَا صَعُبَ، وَحَمِيَتِ الْوِسَادَةُ، وَبَرَدَتِ الْمَزَادَةُ، فَإِذَا الزَّادُ قَدْ هَشَّ لَهُ الْفُؤَادُ! تَرَكْتُهُ فَتُرِكَ، وَأَذِنْتُ لَهُ فَبَرَكَ، فِي رَوْضَةٍ خَضِرَةٍ نَضِرَةٍ عَطِرَةٍ، ذَاتِ حَوْذَانَ وَقُرْبَانَ وَعُنْقُرَانَ [ (46) ] وَعَبَيْثَرَانَ وَجُلَّى وَأَقَاحٍ وَجَثْجَاثٍ وَبَرَارٍ، وَشَقَائِقَ وَنَهَارٍ [ (47) ] كَأَنَّمَا قَدْ بَاتَ الْجَوُّ بِهَا مَطِيرًا، وَبَاكَرَهَا الْمُزْنُ بُكُورًا، فَخِلَالُهَا شَجَرْ، وَقَرَارُهَا نَهَرْ، فَجَعَلَ يَرْتَعُ أَبًّا، وَأَصِيدُ ضَبًّا، حَتَّى إِذَا أَكَلْتُ وَأَكَلْ! وَنَهَلْتُ وَنَهَلْ، وَعَلَلْتُ وَعَلْ- حَلَلْتُ عِقَالَهُ، وَعَلَوْتُ جِلَالَهُ، وَأَوْسَعْتُ مَجَالَهُ، فَاغْتَنَمَ الْحَمْلَةَ وَمَرَّ كَالنَّبْلَةِ، يَسْبِقُ الرِّيحْ، وَيَقْطَعُ عَرْضَ الْفَسِيحْ، حَتَّى أَشْرَفَ بِي عَلَى وَادْ وَشَجَرٍ، مِنْ شَجَرِ عَادْ مُورِقَةٍ مُونِقَةٍ، قَدْ تَهَدَّلَ أَغْصَانُهَا كَأَنَّمَا بَرِيرُهَا حَبُّ فُلْفُلٍ، فَدَنَوْتُ فَإِذَا أَنَا بِقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ بِيَدِهِ قَضِيبٌ مِنْ أَرَاكٍ يَنْكُتُ بِهِ الْأَرْضَ وَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِشِعْرٍ، وَهُوَ:
يَا نَاعِيَ الْمَوْتِ وَالْمَلْحُودِ [ (48) ] فِي جَدَثٍ ... عَلَيْهِمُ مِنْ بَقَايَا بَزِّهِمْ خِرَقُ
__________
[ (41) ] في (هـ) : «ما حنّ» .
[ (42) ] في (هـ) : «الأوضاع» .
[ (43) ] في (م) : «المور» .
[ (44) ] في (هـ) و (م) : «يشقشق» .
[ (45) ] في (م) : «فمرح» ، وفي (هـ) : «فخرج» .
[ (46) ] في (هـ) : «وغربان» .
[ (47) ] في (ح) و (م) : «وأنهار» .
[ (48) ] في (هـ) : «الأموات في جدث» .

(2/111)


دَعْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ يَوْمًا يُصَاحُ بِهِمْ ... فَهُمْ إِذَا أُنْبِهُوَا مِنْ نَوْمِهِمْ فَرِقُوا
حَتَّى يَعُودُوا لِحَالٍ [ (49) ] غَيْرِ حَالِهِمُ ... خَلْقًا جَدِيدًا كَمَا مِنْ قَبْلِهِ خُلِقُوا
مِنْهُمْ عُرَاةٌ وَمِنْهُمْ فِي ثِيَابِهِمُ ... مِنْهَا الْجَدِيدُ وَمِنْهَا الْمَنْهَجُ الْخَلَقُ
قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَامَ، وَإِذَا بِعَيْنٍ خَرَّارَةٍ، فِي أَرْضٍ خَوَّارَةٍ، وَمَسْجِدٍ بَيْنَ قَبْرَيْنِ، وَأَسَدَيْنِ عَظِيمَيْنِ يَلُوذَانِ بِهِ، وَيَتَمَسَّحَانِ بِأَثْوَابِهِ، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْبِقُ صَاحِبَهُ إِلَى الْمَاءِ فَتَبِعَهُ الْآخَرُ وَطَلَبَ الْمَاءَ، فَضَرَبَهُ بِالْقَضِيبِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَقَالَ: ارْجِعْ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، حَتَّى يَشْرَبَ الَّذِي وَرَدَ قَبْلَكَ. فَرَجَعَ ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَهُ. فَقُلْتُ لَهُ: ما هذا الْقَبْرَانِ؟ فَقَالَ: هَذَانِ قَبْرَا أَخَوَيْنِ لِي كَانَا يَعْبُدَانِ اللهَ تَعَالَى [ (50) ] ، مَعِي فِي هَذَا الْمَكَانِ، لَا يُشْرِكَانِ بِاللهِ شَيْئًا، فَأَدْرَكَهُمَا الْمَوْتُ فَقَبَرْتُهُمَا، وها أنا بَيْنَ قَبْرَيْهِمَا، حَتَّى أَلْحَقَ بِهِمَا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ بِالدِّمُوعِ، فَانْكَبَّ عليهما وجعل يقول:
خَلِيلَيَّ هُبَّا طَالَمَا قَدْ رَقَدْتُمَا ... أَجَدَّكُمَا لَا تَقْضِيَانِ كَرَاكُمَا
أَلَمْ تَرَيَا أَنِّي بِسَمْعَانَ مُفْرَدٌ ... وَمَالِيَ فِيهَا مِنْ خَلِيلٍ سُوَاكُمَا
مُقِيمٌ عَلَى قَبْرَيْكُمَا لَسْتُ بَارِحًا ... طَوَالَ اللَّيَالِي أَوْ يُجِيبُ صَدَاكُمَا
أُبَكِّيكُمَا طُولَ الْحَيَاةِ وَمَا الَّذِي ... يَرُدُّ عَلَى ذِي عَوْلَةٍ [ (51) ] إِنْ بَكَاكُمَا
أَمِنْ طُولِ نَوْمٍ لَا تُجِيبَانِ دَاعِيًا ... كَأَنَّ الَّذِي يَسْقِي الْعَقَارَ سَقَاكُمَا
كَأَنَّكُمَا وَالْمَوْتُ أَقْرَبُ غَايَةٍ ... بِرُوحِي فِي قَبْرَيْكُمَا قَدْ أَتَاكُمَا
فَلَوْ جُعِلَتْ نَفْسٌ لِنَفْسٍ وِقَايَةً ... لَجُدْتُ بِنَفْسِي أَنْ تكون فداكما
__________
[ (49) ] في (هـ) : «بجال» .
[ (50) ] ليست في (ص) ولا في (م) .
[ (51) ] في (هـ) : «ذي لوعة» .

(2/112)


فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: رَحِمَ اللهُ قُسًّا، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَبْعَثَهُ اللهُ أُمَّةً وَحْدَهُ [ (52) ] .
[وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مُنْقَطِعًا، وَرُوِيَ مُخْتَصَرًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَإِذَا رُوِيَ حَدِيثٌ مِنْ أَوْجُهٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا ضَعِيفًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا والله أعلم] [ (53) ] .
__________
[ (52) ] يبعث امة وحده: الأمة: الشخص المنفرد بدين، اي يقوم مقام جماعة.
[ (53) ] الفقرة الأخيرة من الحاصرتين سقطت من (هـ) . قال الحافظ عماد الدين بن كثير: هذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات اصل القصة.
وقال الحافظ في الإصابة طرقه كلها ضعيفة. وقال الشيخ رحمه الله تعالى في تهذيب موضوعات ابن الجوزي، أمثل طرقه الأول، فإن ابن أخي الزهري ومن فوقه من رجال البخاري ومسلم، وعلي بن محمد المدائني ثقة. وأحمد بن عبيد قال ابن عديّ: صدوق له مناكير.
قلت: وقال الذهبي: صويلح. قال الحافظ: ليّن الحديث. انتهى.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: فإذا ضمّ طريق خلف بن أعين إليه حكم بحسنه بلا توقف. انتهى.
إذا علمت ذلك فالحديث ضعيف لا موضوع، خلافا لابن الجوزي ومن تبعه.
وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس. فذكر حديثا طويلا مسجّعا فيه أشعار كثيرة.

(2/113)


حَدِيثُ الدَّيْرَانِيِّ الَّذِي أَخْبَرَ مَنْ نَزَلَ بِقُرْبِهِ مِنَ الْعَرَبِ- بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَاسْمِهِ، وَحَضَّ عَلَى مُتَابَعَتِهِ
أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: أَنَّ أَبَا أَحْمَدَ: الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَخْبَرَهُ [قَالَ] [ (1) ] : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، أَبُو الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ- وَقَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَوِيَّةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ. وَلَمْ يُقِمْ شَيْخُنَا إِسْنَادَهُ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ:
سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ [سُوَاءَةَ] [ (2) ] بْنِ جُشَمَ بْنِ سَعْدٍ: كَيْفَ سَمَّاكَ أَبُوكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ [ (3) ] سَأَلْتُ أَبِي عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَالَ: خَرَجْتُ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ [ (4) ] وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ، وَأُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خِنْدِفَ، نُرِيدُ ابْنَ جَفْنَةَ الْغَسَّانِيَّ بِالشَّامِ، فَلَمَّا وَرَدْنَا الشَّامَ نَزَلْنَا عَلَى غَدِيرٍ عَلَيْهِ شَجَرَاتٌ وَقُرْبُهُ قَائِمٌ لِدَيْرَانِيٍّ. فَقُلْنَا: لَوِ اغْتَسَلْنَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَادَّهَنَّا، وَلَبِسْنَا ثِيَابَنَا، ثُمَّ أَتَيْنَا
__________
[ (1) ] الزيادة من (م) و (ص) .
[ (2) ] رسمت في (هـ) : «سوأة» .
[ (3) ] ليست في (هـ) .
[ (4) ] في (ح) و (م) : «أحدهم» .

(2/114)


صَاحِبَنَا؟ فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا الدَّيْرَانِيُّ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَلُغةُ قَوْمٍ مَا هِيَ بِلُغَةِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ، فَقُلْنَا: نَعَمْ، نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ مُضَرَ. فَقَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَضَائِرِ؟ فَقُلْنَا: مِنْ خِنْدِفَ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ سَوْفَ يُبْعَثُ مِنْكُمْ وَشِيكًا نَبِيٌّ [ (5) ] فَتَسَارَعُوا إِلَيْهِ، وَخُذُوا بِحَظِّكُمْ مِنْهُ تَرْشُدُوا، فَإِنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ. فَقُلْنَا: مَا اسْمُهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِ ابْنِ جَفْنَةَ وَصِرْنَا إِلَى أَهْلِنَا وُلِدَ لِكُلِّ [وَاحِدٍ] [ (6) ] مِنَّا غُلَامٌّ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا [ (7) ] .
قُلْتُ: سَقَطَ مِنْ كِتَابِ شَيْخِنَا مِنْ إِسْنَادِهِ شَيْءٌ، وَالصَّوَابُ مَا قال فيه غيره.
__________
[ (5) ] في (ح) و (م) : «نبيا» .
[ (6) ] الزيادة من (م) .
[ (7) ] رواه الطبراني، وأبو نعيم في دلائل النبوة (55) ، وهو في كتاب الوفا (1: 46) ، وسبل الهدى (1:
135) .

(2/115)