دلائل
النبوة للبيهقي محققا ذِكْرُ حَدِيثِ النَّصْرَانِيِّ الَّذِي
أَخْبَرَ أُمَيَّةَ بْنَ أَبِي الصَّلْتِ بِبَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
* أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْحِمْيَرِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [ (1) ] أَبُو بَكْرٍ:
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا [ (2) ]
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ
عَوَانَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
الطُّرَيْحِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ،
عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ:
خَرَجْتُ أَنَا وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ إِلَى
الشَّامِ، فَمَرَرْنَا بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ فِيهَا نَصَارَى.
فَلَمَّا رَأَوْا أُمَيَّةَ أَعْظَمُوهُ وَأَكْرَمُوهُ، وَأَرَادُوهُ عَلَى
أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِي أُمَيَّةُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ
انْطَلِقْ مَعِي فَإِنَّكَ تَمْضِي إِلَى رَجُلٍ قَدِ انْتَهَى إِلَيْهِ
عِلْمُ النَّصْرَانِيَّةِ. فَقُلْتُ: لَسْتُ أَنْطَلِقُ مَعَكَ. قَالَ:
وَلِمَ؟ قُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُحَدِّثَنِي بِشَيْءٍ فَيُفْسِدَ
عَلَيَّ قَلْبِي. فَذَهَبَ مَعَهُمْ، ثُمَّ عَادَ فَرَمَى بِثَوْبِهِ
وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ أسودين وانطلق، فو الله مَا جَاءَنِي حَتَّى ذَهَبَ
هَدْأَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، فَجَاءَ فانْجَدَلَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَمَا نَامَ
حَتَّى أَصْبَحَ، فَقَالَ: أَلَا تَرْحَلُ بِنَا؟ فَقِيلَ: وهل فيك من
__________
[ (1) ] في (م) : «أخبرنا» .
[ (2) ] في (م) : «حدثنا» .
(2/116)
رَحِيلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
فَارْتَحَلْنَا. قَالَ: أَلَا تُجَاوِزُ بِنَا الرِّكَابَ؟ قُلْتُ:
بَلَى، فَجَاوَزْنَا [ (3) ] الرِّكَابَ، فَقَالَ لِي: يَا صَخْرُ. قُلْتُ:
قُلْ يَا أَبَا عُثْمَانَ. قَالَ:
أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشْرَفُ؟ قُلْتُ: عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. قَالَ:
أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَكْثَرُ مَالًا وَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا؟ قُلْتُ:
عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ. قَالَ: إِنَّ الشَّرَفَ وَالْمَالَ أَزْرَيْنَ
بِهِ.
قُلْتُ: لَا، وَاللهِ، وَلَكِنْ زَادَهُ شَرَفًا. قَالَ: تَكْتُمْ عَلَيَّ
مَا أُحَدِّثُكَ بِهِ؟ قُلْتُ:
نَعَمْ. قَالَ: حَدَّثَنِي هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ
عِلْمُ الْكِتَابِ أَنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ.
فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ هُوَ. هُوَ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ. قُلْتُ: فَانْسُبْهُ [ (4) ] قَالَ: هُوَ وَسَطٌ مِنْ
قَوْمِهِ. فَالَّذِي رَأَيْتَ مِنَ الْهَمِّ مَا صُرِفَ عَنِّي. قَالَ:
وَقَالَ لِي: آيَةُ ذَلِكَ: أَنَّ الشَّامَ قَدْ رَجَفَ [ (5) ] بَعْدَ
عيسى بن مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثَمَانِينَ رَجْفَةً، وَبَقِيَتْ
رَجْفَةٌ، يَدْخُلُ عَلَى الشَّامِ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ. فَلَمَّا
صِرْنَا قَرِيبًا مِنْ ثَنِيَّةٍ إِذَا رَاكِبٌ [ (6) ] قُلْنَا: مِنْ
أَيْنَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ. قَالَ: هَلْ كَانَ مِنْ حَدَثٍ [ (7) ] ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَجَفَتِ الشَّامُ رَجْفَةً، دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ
شَرٌّ ومصيبة [ (8) ] .
__________
[ (3) ] في (ح) و (م) : «فجاوز بنا» .
[ (4) ] في (هـ) : «ما نسبه» .
[ (5) ] في (هـ) و (م) : «رجفت» .
[ (6) ] في (هـ) : «ركب» .
[ (7) ] في (ح) : «من حديث» .
[ (8) ] الخبر في الاكتفاء (1: 244) ، والوفا (1: 51) ، وسبل الهدى والرشاد
(1: 135- 136) ، عن الطبراني والبيهقي.
(2/117)
ذِكْرُ حَدِيثِ الْجُهَنِيِّ الَّذِي
أُتِيَ فِي إِغْمَائِهِ وَأُخْبِرَ بِالِإِطْلَاقِ إِنْ شَكَرَ لِرَبِهِ
فَآمَنَ بِالنَّبِيِّ الْمُرْسَلِ وَتَرَكَ سَبِيلَ مَنْ أَشْرَكَ
فَأَضَلَّ
* أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ، بِبَغْدَادَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ:
الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ:
انْتَهَيْنَا إِلَى أَفْنِيَةِ جُهَيْنَةَ، فَإِذَا شَيْخٌ جَالِسٌ فِي
بَعْضِ أَفْنِيَتِهِمْ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنِي، قَالَ: إِنَّ
رَجُلًا مِنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ اشْتَكَى، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ،
فَسَجَّيْنَاهُ وَظَنَنَّا أَنْهَ قَدْ مَاتَ، وَأَمَرْنَا بِحُفْرَتِهِ
أَنْ تُحْفَرَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ جَلَسَ فَقَالَ:
إِنِّي أُتِيتُ حَيْثُ رَأَيْتُمُونِي، أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ لِي:
أُمُّكَ هَبِلْ.
أَلَا تَرَى حُفْرَتَكَ تُنْتَثَلْ وَقَدْ كَادَتْ أُمُّكَ تُثْكَلْ.
أَرَأَيْتَ إِنْ حَوَّلْنَاهَا عَنْكَ بِمَحْوَلْ، وَقَذَفْنَا فِيهَا
الْقُصَلْ، الَّذِي مَشَى وَأَجْزَلْ.
أَتَشْكُرُ لِرَبِّكَ وَتُصَلِّي وَتَدَعُ سَبِيلَ مَنْ أَشْرَكَ فَأَضَلْ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأُطْلِقْتُ، فَانْظُرُوا مَا فَعَلَ الْقُصَلُ.
(2/118)
مَرَّ آنِفًا. فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ
فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَدُفِنَ فِي الْحُفْرَةِ، وَعَاشَ الرَّجُلُ
حَتَّى أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ.
* وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
صَفْوَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا. قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللهِ
بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، قَالَ:
فَرَأَيْتُ الْجُهَنِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي وَيَسُبُّ الْأَوْثَانَ
وَيَقَعُ فِيهَا.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ. عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
مَرِضَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ حَتَّى ظَنَّ
أَهْلُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَحُفِرَتْ حُفْرَتُهُ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ
وَزَادَ فِي الشِّعْرِ:
ثُمَّ قَذَفْنَا فِيهَا الْقُصَلْ ... ثُمَّ مَلَأْنَا عَلَيْهِ
بِالْجَنْدَلْ
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ نَفْعَلْ؟
قَالَ: وَزَادَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي هَذَا الشِّعْرِ
شَيْئًا آخَرَ:
أَتُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ الْمُرْسَلْ؟
(2/119)
ذِكْرُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ [ (1) ] وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ [ (2) ] وَمَا فِي [ (3) ]
حَدِيثِهِمَا مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
__________
[ (1) ] زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ العزى القرشي
العدوي، أحد الحكماء، وهو ابن عم عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
لَمْ يدرك الإسلام، وكان يكره عبادة الأوثان، ولا يأكل مما ذبح عليها، ورحل
إلى الشام باحثا عن عبادات أهلها فلم تستمله اليهودية ولا النصرانية، فعاد
إلى مكة يعبد الله على دين إبراهيم، وجاهر بعداء الأوثان، فتألب عليه جمع
من قريش، فأخرجوه من مكة، فانصرف إلى «حراء» فسلّط عليه عمه: الخطاب شبانا
لا يدعونه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سرا، وكان عدوا لوأد البنات، لا
يعلم ببنت يراد وأدها إلا قصد أباها وكفاه مؤنتها، فيربيها حتى إذا ترعرعت
عرضها على أبيها فإن لم يأخذها بحث لها عن كفؤ فزوجها به.
رآه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل النبوة، وسئل عنه بعدها، فقال:
«يبعث يوم القيامة أمة وحده» .
توفي قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بخمس سنين، وله شعر قليل
منه البيت المشهور:
أربا واحدا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
[ (2) ] ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى: حكيم جاهلي من قريش، اعتزل
الأوثان قبل الإسلام، وامتنع عن أكل ذبائحها، وتنصّر، وقرأ كتب الأديان،
وأدرك أوائل عصر النبوة، ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم خديجة بنت خويلد، أم
المؤمنين، وكان يكتب اللغة العربية بالحرف العبراني.
وفي حديث ابتداء الوحي، بغار حراء، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رجع
إلى خديجة، وفؤاده يرتجف، فأخبرها، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل
«وكان شيخا كبيرا قد عمي» فقالت له خديجة: يا ابن عمّ
(2/120)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَلِيُّ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ [قَالَ] [ (4) ] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ [قَالَ] [ (5) ] ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ
السُّكَّرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (ح) . * وَأَخْبَرَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ،
الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ،
وَمُحَمَّدُ بن عبد الله بن يزيع. قَالَا: حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ:
لَقِيَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، زَيْدَ بْنَ
عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلَ بَلْدَحٍ [ (6) ] ، وذلك قبل
__________
[ () ] اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يا ابن أخي
مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وسلّم خبر ما رأى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا الناموس الذي نزّل الله
على موسى، يا ليتني فيها جذع! ليتني أكون حيا إذ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ،
فَقَالَ رَسُولُ الله: أو مخرجيّ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ! لَمْ يأت رجل قط
بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ
أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. وابتداء الحديث ونهايته، في البخاري.
ولورقة شعر سلك فيه مسلك الحكماء. وفي المؤرخين من يعده في الصحابة، قال
البغدادي: ألف أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي تأليفا في إيمان ورقة
بالنبي، وصحبته له، سماه «بذل النصح والشفقة، للتعريف بصحبة السيد ورقة» .
وفي وفاته روايتان: إحداهما الراجحة، وهي في حديث البخاري المتقدم، قال:
«ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أن توفي» يعني بعد بدء الوحي بقليل،
والثانية عن عروة بن الزبير، قال في خبر تعذيب «بلال» : «كانوا يعذبونه
برمضاء مكة، يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك، فيقول: أحد، أحد! فيمر به
ورقة، وهو على تلك الحال، فيقول: «أحد، أحد، يا بلال» وهذا يعني أنه أدرك
إسلام بلال. وعالج ابن حجر (في الإصابة) التوفيق بين الروايتين، فلم يأت
بشيء.
وفي حديث، عن أسماء بنت أبي بكر، أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم سئل
عن ورقة فقال، يبعث يوم القيامة أمة وحده!
[ (3) ] في (هـ) : «وما جاء في حديثهما» .
[ (4) ] الزياد م من (م) .
[ (5) ] الزيادة من (م) .
[ (6) ] (بلدح) : واد قبل مكة من جهة المغرب» معجم البلدان (2: 264) .
(2/121)
أَنْ يَنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، الْوَحْيُ. فَقُدِّمَتْ إِلَيْهِ سُفْرَةٌ
فَأَبَى زَيْدٌ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَالَ زَيْدٌ: إِنَّا لَا
نَأْكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ. وَلَا نَأْكُلُ إِلَّا
مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ
يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا
اللهُ تَعَالَى [ (7) ] ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً،
وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ
اللهِ تَعَالَى [ (8) ] ؟ إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (9) ] ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ [قَالَ] [ (10) ]
حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو مُصْعَبٍ: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ
سَالِمٍ، عَنِ عَبْدِ اللهِ- وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ
عَنِ الدِّينِ ويَتَّبِعُهُ فَلَقِيَ عَالِمَ [ (11) ] الْيَهُودِ،
فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ
بِدِينِكُمْ،
__________
[ (7) ] ليست في (م) .
[ (8) ] ليست في (م) .
[ (9) ] أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار، (24) باب حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بن نفيل، فتح الباري (7: 142) ، وفي: 72- كتاب الذبائح
والصيد، (16) باب ما ذبح على النّصب، فتح الباري (9: 630) .
[ (10) ] الزيادة من (م) .
[ (11) ] في البخاري: «عالما من اليهود» .
(2/122)
فَأَخْبِرُونِي [ (12) ] عَنْ دِينِكُمْ،
وَقَالَ [ (13) ] لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّكَ لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا
حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضِبِ اللهِ، تَعَالَى [ (14) ] .
قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَمَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ
اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَسْتَطِيعُ [ (15) ] فَهَلْ تَدُلُّنِي
عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ
حَنِيفًا [ (16) ] . قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ [ (17) ] ، لَمْ يَكُنْ يَهُوَدِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ لَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ، فَخَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِمْ فَسَأَلَ عَنْ عَالِمِ النَّصَارَى، فَقَالَ: لَعَلِّي أَنْ
أَدِينَ بِدِينِكُمْ، فَأَخْبِرُونِي عَنْ دِينِكُمْ. قَالَ: إِنَّكَ لَنْ
تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ، اللهِ
فَقَالَ: لَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا. وَأَنَا
أَسْتَطِيعُ [ (18) ] ، فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى دِينٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا؟
قَالَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا
الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُوَدِيًّا وَلَا
نَصْرَانِيًّا، وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. فَخَرَجَ مِنْ
عِنْدِهِمْ وَقَدْ رَضِيَ بِمَا أَخْبَرُوهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ
شَأْنِ إِبْرَاهِيمَ. فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى اللهِ،
تَعَالَى [ (19) ] ، وَقَالَ: إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ [ (20) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ [رَحِمَهُ
اللهُ] [ (21) ] ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حبيب،
__________
[ (12) ] في البخاري: «فأخبرني» .
[ (13) ] في (م) : «فقال» .
[ (14) ] ليست في (م) .
[ (15) ] في (م) : «وأنا أستطيع» ، وفي (هـ) : «وإني أستطيع» .
[ (16) ] في (هـ) : «إلا أن يكون حنيفيا» .
[ (17) ] ليست في (م) .
[ (18) ] في (هـ) : «وإني أستطيع» .
[ (19) ] ليست في (م) .
[ (20) ] أخرجه البخاري في الموضع السابق.
[ (21) ] الزيادة من (م) .
(2/123)
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ نُفَيْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ [ (22) ]
سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ- عَدِيِّ
قُرَيْشٍ- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ زَيْدَ بن عمرو بن نفيل، وَوَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، خَرَجَا
يَلْتَمِسَانِ الدِّينَ، حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى رَاهِبٍ بِالْمَوْصِلِ،
فَقَالَ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يَا صَاحِبَ
الْبَعِيرِ؟ قَالَ: مِنْ بَيْتِ [ (23) ] إِبْرَاهِيمَ [عَلَيْهِ
السَّلَامُ] [ (24) ] قَالَ: وَمَا تَلْتَمِسُ؟
قَالَ: أَلْتَمِسُ الدِّينَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ
يَظْهَرَ الَّذِي تَطْلُبُ فِي أَرْضِكَ.
فَأَمَّا وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَتَنَصَّرَ، وَأَمَّا زَيْدٌ فَعُرِضَ
عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَرَجَعَ وهو يقول:
لَبَّيْكَ حَقًّا حَقًّا ... تَعَبُّدًا وَرِقًّا
الْبِرُّ أَبْغِي لَا الْخَالُ ... وَهَلْ مُهَجِّرٌ كَمَنْ قَالَ
آمَنْتُ بِمَا آمَنَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنْفِي لَكَ عَانٍ رَاغِمُ ... مَهْمَا تُجَشِّمْنِي فَإِنِّي جَاشِمُ
ثُمَّ يَخِرُّ فَيَسْجُدُ
قَالَ: وَجَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عليه وآله
وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبِي كَانَ كَمَا رَأَيْتَ
وَكَمَا بَلَغَكَ فَاسْتَغْفِرْ لَهُ. قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ [ (25) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
__________
[ (22) ] في (ح) : «عن سعيد» .
[ (23) ] في (هـ) : «ثنية إبراهيم» .
[ (24) ] الزيادة من (م) .
[ (25) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 439) .
(2/124)
أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو. عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، ويَحْيَى بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ. [عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ] [ (26) ] ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُرْدِفِي إِلَى نُصُبٍ مِنَ الْأَنْصَابِ
فَذَبَحْنَا لَهُ شَاةً وَوَضَعْنَاهَا فِي التَّنُّورِ، حَتَّى إِذَا
نَضِجَتِ اسْتَخْرَجْنَاهَا فَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرَتِنَا، ثُمَّ
أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَسِيرُ
وَهُوَ مُرْدِفِي فِي أَيَّامِ الْحَرِّ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا
عَلَى [ (27) ] الْوَادِي لَقِيَ فِيهِ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ،
فَحَيَّا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، مَالِي أَرَى
قَوْمَكَ قَدْ شَنَفُوكَ [ (28) ] ؟ قَالَ:
أَمَا وَاللهِ إِنَّ ذَلِكَ مِنِّي لِغَيْرِ ثَائِرَةٍ [ (29) ] كَانَتْ
مِنِّي إِلَيْهِمْ، وَلَكِنِّي أَرَاهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَخَرَجْتُ
أَبْتَغِي هَذَا الدِّينَ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى أَحْبَارِ يَثْرِبَ
فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا
بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي. فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ [ (30) ] عَلَى
أَحْبَارِ أَيْلَةَ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ اللهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ،
فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي أَبْتَغِي. فَقَالَ لِي حَبْرٌ
مِنْ أَحْبَارِ أَهْلِ الشَّامِ: إِنَّكَ تَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ
أَحَدًا يَعْبُدُ اللهَ بِهِ [ (31) ] إِلَّا شَيْخًا بِالْجَزِيرَةِ.
فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي خَرَجْتُ
لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَيْتَ فِي ضَلَالَةٍ، إِنَّكَ تَسْأَلُ
عَنْ دِينٍ هُوَ دِينُ اللهِ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَقَدْ خَرَجَ فِي
أَرْضِكَ نَبِيٌّ أَوْ هُوَ خَارِجٌ، يَدْعُو إِلَيْهِ، ارْجِعْ إِلَيْهِ
وَصَدِّقْهُ وَاتَّبِعْهُ وَآمِنْ بِمَا جَاءَ بِهِ. فَرَجَعْتُ فَلَمْ
أَخْتَبِرْ شَيْئًا بَعْدُ.
وَأَنَاخَ [ (32) ] رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
الْبَعِيرَ الَّذِي كَانَ تَحْتَهُ، ثُمَّ قَدَّمْنَا إِلَيْهِ السفرة التي
__________
[ (26) ] في (ح) و (هـ) : «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بن حارثة» .
[ (27) ] في (م) : «بأعلى» .
[ (28) ] (شنفوك) : أي أبغضوك، (ولغير ثائرة) : أي لم أصنع لهم شرا.
[ (29) ] في (هـ) : «نائرة» .
[ (30) ] في (م) : «أقدم» .
[ (31) ] في (م) : «بغيره» .
[ (32) ] في (م) : «فأناخ» .
(2/125)
كَانَ فِيهَا [ (33) ] الشِّوَاءُ،
فَقَالَ: مَا هَذِهِ؟ فَقُلْنَا: هَذِهِ شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبِ كَذَا
وَكَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لَا آكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللهِ [ (34) ] .
قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ.
* وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ: [عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ
قَالَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ] [ (35) ] ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو [ (36) ] بْنُ
عَلِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَيَحْيَى بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ- يَعْنِي ابْنَ حَاطِبٍ- عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ،
عَنْ أَبِيهِ: زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِأَعْلَى الْوَادِي
لَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ،
صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ، مَالِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ
شَنِفُوا لَكَ؟
فَقَالَ [ (37) ] : أَمَا وَاللهِ إِنَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَائِرَةٍ كَانَتْ
مِنِّي إِلَيْهِمْ [ (38) ] ، وَلَكِنِّي أَرَاهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ،
فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي هَذَا الدِّينَ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى شَيْخٍ
بِالْجَزِيرَةِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ
أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ
وَالْقَرَظَةِ [ (39) ] . قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِي بَلَدِكَ
نَبِيٌّ، أَوْ هُوَ خَارِجٌ، قَدْ طَلَعَ نَجْمُهُ، فَارْجِعْ فَصَدِّقْهُ
وَآمِنْ به.
__________
[ (33) ] ليست في (م) .
[ (34) ] الخصائص الكبرى (1: 61) ، عن أبي يعلى، والبغوي، في معجمه،
والطبراني، والحاكم، والبيهقي، وأبي نعيم.
[ (35) ] في (ح) : عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسحق.
[ (36) ] في (هـ) و (م) : «عمر» .
[ (37) ] في (م) : «قال» .
[ (38) ] في (هـ) : «فيهم» ، وفي (م) : «منهم» .
[ (39) ] في (م) و (هـ) : «القرظ» .
(2/126)
قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ، إِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ [
(40) ] .
* أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ:
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ [ (41) ] بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَدْ ذَكَرَتْ لِوَرَقَةَ
بْنِ نوفل بن أسد- وَكَانَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، قَدْ
تَبِعَ الْكُتُبَ، وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ- مَا ذَكَرَ لَهَا
غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا كَانَ رَأَى مِنْهُ
إِذْ كَانَ الْمَلَكَانِ يُظِلَّانِهِ. فَقَالَ وَرَقَةُ: لَئِنْ كَانَ
هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةَ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ لَنَبِيَّ هَذِهِ
الْأُمَّةِ. قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ [ (42) ] لِهَذِهِ الْأُمَّةِ
نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ، هَذَا زَمَانُهُ. أَوْ كَمَا قَالَ: فَجَعَلَ وَرَقَةُ
يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى؟ فَكَانَ فِيمَا
يَذْكُرُونَ يَقُولُ أَشْعَارًا يَسْتَبْطِئُ فِيهَا خَبَرَ خَدِيجَةَ
وَيَسْتَرْيِثُ [ (43) ] مَا ذَكَرَتْ خَدِيجَةُ [ (44) ] فَقَالَ وَرَقَةُ
بْنُ نَوْفَلٍ:
أَتُبْكِرُ أَمْ أَنْتَ الْعَشِيَّةَ رَائِحُ ... وَفِي الصَّدْرِ مِنْ
إِضْمَارِكَ الْحُزْنُ فَادِحُ
لِفُرْقَةِ قَوْمٍ لَا أُحِبُّ فِرَاقَهُمْ ... كَأَنَّكَ عَنْهُمْ بَعْدَ
يَوْمَيْنِ نَازِحُ
وَأَخْبَارُ صِدْقٍ خُبِّرْتُ عَنْ مُحَمَّدٍ ... يُخَبِّرْهُمَا عَنْهُ
إِذَا غَابَ نَاصِحُ
بِفَتَاكِ [ (45) ] الَّذِي وَجَّهْتِ يَا خَيْرَ حُرَّةٍ ... بِغَورٍ
وَبِالنَّجْدَيْنِ حَيْثُ الصّحاصح
__________
[ (40) ] في (م) : «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم لزيد:
يأتي يوم القيامة ... » ، وكذا في (هـ) . والحديث أخرجه الحاكم (3: 440)
وصححه.
[ (41) ] في (م) : «وقد كانت خديجة» .
[ (42) ] في (م) : «كان» .
[ (43) ] في (هـ) : «يستريب» وهو تصحيف.
[ (44) ] ليست في (م) .
[ (45) ] في (م) : «فقال الذي» .
(2/127)
إِلَى سُوقِ بُصْرَى وَالرِّكَابِ الَّتِي
غَدَتْ ... وَهُنَّ مِنَ الْأَحْمَالِ قُعْصٌ دَوَالِحُ [ (46) ]
يُخْبِرُنَا عَنْ كُلِّ حَبْرٍ [ (47) ] بِعِلْمِهِ ... وَلِلِحَقِ
أَبْوَابٌ لَهُنَّ مَفَاتِحُ
كَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللهِ أَحْمَدَ مُرْسَلٌ ... إِلَى كُلِّ مَنْ
ضُمَّتْ عَلَيْهِ الْأَبَاطِحُ
وَظَنِي بِهِ أَنْ سَوْفَ يُبْعَثَ صَادِقًا ... كَمَا أُرْسِلَ
الْعَبْدَانِ: هُودٌ وَصَالِحُ
وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ حَتَّى يُرَى لَهُ ... بِهَا، وَمَنْشُورٌ مِنَ
الذِّكْرِ وَاضِحُ
وَيَتْبَعُهُ حَيًّا لُؤَيٌّ جَمَاعَةٌ ... شَبَابُهُمْ وَالْأَشْيَبُونَ
الْجَحَاجِحُ
فَإِنْ أَبْقَ حَتَّى يُدْرِكَ النَّاسَ دَهْرُهُ ... فَإِنِّي بِهِ
مُسْتَبْشِرُ الْوُدِّ فَارِحُ
وَإِلَّا فَإِنِّي يَا خَدِيجَةَ فَاعْلَمِي ... عَنْ أَرْضِكِ فِي
الْأَرْضِ العريضة [ (48) ] سائح [ (49) ]
__________
[ (46) ] في (م) : «ذوابح» .
[ (47) ] في (م) : «كل خير» .
[ (48) ] في (ح) : «الغويصة» .
[ (49) ] الأبيات في الروض الأنف (1: 127) ، ونقل بعضها ابن كثير عن المصنف
في البداية والنهاية (3: 10) ، وجاء في نسخة (هـ) بعدها ما يلي:
«تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله جماع أبواب المبعث روايته بشرطة
المعتبر عند أهل الأثر مسئولا في ذلك متلفظا به، وصح ذلك وثبت في الرابع من
ذي القعدة الحرام سنة ست وخمسين وثمانمائة أحسن الله عاقبتها. صحح ذلك.
وكتب: علي بن محمد الهيثمي ثم الطّبناوي.
(2/128)
|