دلائل
النبوة للبيهقي محققا حَدِيثُ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ [ (1) ]
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْكَاهِنُ الَّذِي لَمْ يُذْكَرِ
اسْمُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْبٍ
الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْلِ سماعه،
__________
[ (1) ] سواد بن قارب الدوسي، على ما رواه ابن أبي خيثمة، من بني دوس، كان
يتكهن في الجاهلية، وكان شاعرا، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ
الكبير (2: 2: 202) : له صحبة، وكذا قال أبو حاتم، والبرزنجي، والدارقطني،
وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، والذهبي في تجريد أسماء الصحابة، وابن
حجر في الإصابة.
أسلم، وداعبه عمر بن الخطاب يوما، فقال: ما فعلت كهانتك يا سواد، فغضب
وقال: ما كنا عليه نحن وأنت يا عمر من جاهليتنا وكفرنا شر من الكهانة، فما
لك تعيرني بشيء تبت منه، وأرجو من الله العفو عنه.
وقد روى ابن عبد البر أن عمر قال له- وهو خليفة-: كيف كهانتك اليوم؟ فقال
سواد: يا أمير المؤمنين! ما قالها لي احد قبلك، فاستحيا عمر، ثم قال: ايه
يا سواد! الذي كنا عليه من الشرك أعظم من كهانتك، ثم سأله عن حديثه في بدء
الإسلام، وما أتاه به رئيه من ظهور رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم،
فأخبره الخبر ...
وحديث سواد بن قارب رواه البخاري في الصحيح، فتح الباري (7: 177) في: 63-
كتاب مناقب الأنصار، (53) باب إسلام عمر بن الخطاب، وحدّثنا يحي بن سليمان
قال حدّثني ابن وهب قال حدّثني عمر أنّ سالما حدّثه عن عبد الله بن عمر قال
ما سمعت عمر لشيء قطّ يقول إنّي لأظنّه كذا إلّا كان كما يظن بينما عمر
جالس إذ مرّ به رجل جميل فقال عمر لقد أخطأ ظنّي أو إنّ هذا على دينه في
الجاهليّة أو لقد كان كاهنهم عليّ الرّجل فدعي له فقال له ذلك فقال ما رأيت
كاليوم استقبل به رجل مسلم قال فإنّي أعزم عليك إلّا ما أخبرتني قال كنت
كاهنهم في الجاهليّة قال فما أعجب ما جاءتك به جنّيّتك قال بينما أنا
(2/248)
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارُ الْأَصْبَهَانِيُّ قِرَاءَةً
عَلَيْهِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الْحَمَّارُ الْكُوفِيُّ
بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا [زِيَادُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَارَوِيَّةَ
أَبُو بَكْرٍ الْقَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ تَرَّاسٍ
الْكُوفِيُّ] [ (2) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] [ (3) ] ، يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى
مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ: أَيُّهَا
النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ
تِلْكَ السَّنَةَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الْمُقْبِلَةُ: قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ أَفِيكُمْ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: فَقُلْتُ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: إِنَّ سَوَادَ
بْنَ قَارِبٍ كَانَ بَدْءُ إِسْلَامِهِ شَيْئًا عَجِيبًا [ (4) ] . قَالَ:
فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، قَالَ:
فَقَالَ له عمر
__________
[ () ] يوما في السّوق جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فقالت أَلَمْ
تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلَاسَهَا ويأسها من بعد إنكاسها وَلُحُوقِهَا
بِالْقِلَاصِ وَأَحْلَاسِهَا قَالَ عمر صدق بينما أنا عِنْدَ آلِهَتِهِمْ
إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ فَصَرَخَ به صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ
صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ يَا جَلِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ
رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَوَثَبَ الْقَوْمُ قُلْتُ
لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحْ
أَمْرٌ نَجِيحْ رَجُلٌ فَصِيحْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَقُمْتُ
فما نشبنا أَنْ قِيلَ هَذَا نَبِيٌّ.
ولم يصرح البخاري بأن الكاهن هو سواد بن قارب، وفي فتح الباري صرح الحافظ
ابن حجر ان الكاهن: سواد بن قارب، وكذا العيني في عمدة القاري (17: 6، 7) .
وفي التاريخ الكبير للبخاري (2: 2: 202) . سواد بن قارب الأزدي، له صحبة،
قَالَ: كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الشراة، فَأَتَانِي آتٍ
فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: «قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ! أَتَاكَ
رَسُولٌ من لؤي بن غالب» .
وقد روى الخبر ابن اسحق عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كعب مولى عثمان بن عفان،
وابن الجوزي عن محمد بن كعب القرظي، وابو يعلى والخرائظي عن سواد بن قارب
مطوّلا، وعنهم، وعن البيهقي، نقله الصالحي في السيرة الشامية (2: 281) .
[ (2) ] ليست في (ح) ، وثابتة في بقية النسخ.
[ (3) ] الزيادة من (ح) .
[ (4) ] هكذا في (ص) و (ح) ، و «عجبا» في (م) و (هـ) .
(2/249)
يَا سَوَادُ حَدَّثَنَا بِبَدءِ
إِسْلَامِكَ كَيْفَ كَانَ؟ قَالَ سَوَادُ: فَإِنِّي كُنْتُ نَازِلًا
بِالْهِنْدِ وَكَانَ لِي رَئِيٌّ مِنَ الْجِنِّ. قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا
ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ جَاءَنِي [فِي مَنَامِي ذَلِكَ] [ (5) ]
قَالَ: قُمْ فَافْهَمْ وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ، قَدْ بُعِثَ
رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، ثُمَّ أنشأ يقول:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤمِنُوهَا مِثْلَ
أَرْجَاسِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى
رَاسِهَا
ثُمَّ أَنْبَهَنِي وَأَفْزَعَنِي، وَقَالَ: يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ إِنَّ
اللهَ عَزَّ وجل بَعَثَ نَبِيًّا فَانْهَضْ إِلَيْهِ تَهْتَدِ وَتَرْشُدْ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي ثُمَّ
أَنْشَأَ يَقُولُ كَذَلِكَ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... لَيْسَ قُدَامَاهَا
كَأَذْنَابِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى
نَابِهَا
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَتَانِي فَأَنْبَهَنِي ثُمَّ
قَالَ كَذَلِكَ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْبَارِهَا ... وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ
كَأَخْيَارِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... مَا مُؤمِنُو الْجِنِّ
كَكُفَّارِهَا
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يُكَرِّرُ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ وَقَعَ فِي
قَلْبِي حُبُّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَحْلِي
فَشَدَدْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِي فَمَا حَلَلْتُ نِسْعَةً، وَلَا عَقَدْتُ
أُخْرَى حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ،
فَإِذَا هُوَ بِالْمَدِينَةِ والناس
__________
[ (5) ] ليست في (ح) .
(2/250)
عَلَيْهِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ،
فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ:
مَرْحَبًا بِكَ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ! قَدْ عَلِمْنَا مَا جَاءَ بِكَ
قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَدْ قُلْتُ شِعْرًا فَاسْمَعْهُ مِنِّي،
قَالَ سواد فقلت:
أَتَانِي رَئِيٌّ بَعْدَ لَيْلٍ وَهَجْعَةٍ ... وَلَمْ يَكُ فِيمَا قَدْ
بَلَوْتُ بِكَاذِبِ
ثَلَاثَ لَيَالٍ قَوْلُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ ... أَتَاكَ رَسُولٌ [ (6) ] مِنْ
لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ
فَشَمَّرْتُ عَنْ سَاقِي الْإِزَارَ وَوَسَّطَتْ ... بِيَ الذِّعْلِبُ
الْوَجْنَاءُ عِنْدَ السَّبَاسِبِ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّكَ مَأْمُونٌ عَلَى
كُلِّ غَايبِ
وَأَنَّكَ أَدْنَى الْمُرْسَلِينَ شَفَاعَةً ... إِلَى الله يا ابن
الْأَكْرَمِينَ الْأَطَايِبِ
فَمُرْنَا بِمَا يَأْتِيكَ يَا خَيْرَ مَنْ مَشَى ... وَإِنْ كَانَ فِيمَا
جَاءَ شَيْبُ الذَّوَايِبِ
وَكُنْ لِي شَفِيعًا يَوْمَ لَا ذُو شَفَاعَةٍ ... سِوَاكَ بِمُغْنٍ عَنْ
سَوَادِ بْنِ قَارِبِ [ (7) ]
قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ لِي أَفْلَحْتَ يَا سَوَادُ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَأْتِيكَ رَئِيُّكَ الْآنَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ
قَرَأْتُ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْتِنِي وَنِعْمَ الْعِوَضُ كِتَابُ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجِنِّ» .
هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَرُوِيَ مِنْ
وَجْهَيْنِ آخَرَيْنَ
__________
[ (6) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ «نبي» .
[ (7) ] البيت الأخير ليس في (ح) ، وورد في سبل الهدى هكذا.
وكن لي شفيعا حين لا ذو قرابة ... بمعن فتيلا عَنْ سَوَادِ بْنِ قَارِبِ
(2/251)
(أَحَدُهُمَا) مَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ
الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صُبَيْحٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ مُبَارَكٍ [ (8) ] الْفَقِيهُ الْهَرَوِيُّ، وبشر بن أحمد الاسفرايني،
وَاللَّفْظُ لِلْهَرَوِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ
عَلِيٍّ الْمَعْنِيُّ [ (9) ] الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ
الْأَنْبَارِيُّ [ (10) ] قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو [ (11) ] عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الْوَقَّاصِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ،
قَالَ: «بَيْنَمَا عُمَرُ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ
فَقِيلَ أَتَعْرِفُ هَذَا الْمَارَّ؟ قَالَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا
سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ:
أَأَنْتَ [ (12) ] سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَأَنْتَ
الَّذِي أَتَاهُ رَئِيُّهُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ عَلَى مَا كُنْتَ عَلَيْهِ مِنْ
كَهَانَتِكَ. فَغَضِبَ وَقَالَ: مَا اسْتَقْبَلَنِي بِهَذَا أَحَدٌ مُنْذُ
أَسْلَمْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُبْحَانَ
اللهِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ أَعْظَمُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي
بِإِتْيَانِكَ رَئِيُّكَ بِظُهُورِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ.
قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتُ لَيْلَةٍ بَيْنَ النَّائِمِ واليقظان إذ
أَتَانِي رَئِيِّي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ
قَارِبٍ اسْمَعْ مَقَالَتِي وَاعْقِلْ إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ إِنَّهُ قَدْ
بُعِثَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَدْعُو إِلَى اللهِ وَإِلَى
عِبَادَتِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَذَكَرَ الْأَبْيَاتَ بِمَعْنَى مَا
رُوِّينَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ يَزِيدُ لَفْظًا وَيُبَدِّلُ لَفْظًا
بِآخَرَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ يَقُولُ: كُنَّا
يَوْمًا فِي حَيٍّ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ آل ذريح، وقد [ (13) ]
__________
[ (8) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ «شارك» .
[ (9) ] كذا في (ح) ، وفي بقية النسخ «المثنى» .
[ (10) ] كذا في (ح) ، و (هـ) وفي بقية النسخ «الانباري» .
[ (11) ] في (ح) : «ابن» .
[ (12) ] كذا في (م) ، وفي بقية النسخ «أنت» .
[ (13) ] في (ح) : الشامي.
(2/252)
ذَبَحُوا عِجْلًا وَالْجَزَّارُ
يُعَالِجُهُ إِذْ سَمِعْنَا صَوْتًا مِنْ جَوْفِ الْعِجْلِ وَمَا نَرَى
شَيْئًا، وَهُوَ يَقُولُ: يَا آلَ ذَرِيحْ أَمْرٌ نَجِيحْ. صَائِحٌ يَصِيحْ
بِلِسَانٍ فَصِيحْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ الْمَوْصِلِيُّ
عَنْ يَحْيَى بْنِ حُجْرٍ السَّامِيِّ. وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ
الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
الْفَرَّاءُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ حُجْرٍ السَّامِيُّ
بِالْبَصْرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَنْصُورٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ- فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ دُونَ الزِّيَادَةِ فِي
آخِرِهِ- وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ عَنْ بِشْرِ بْنِ حُجْرٍ السَّامِيِّ أَبِي حَاتِمٍ [ (14) ] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ [ (15) ] أَحْمَدُ
بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ
عَدِيٍّ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ
جَابِرٍ بِالرَّمْلَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ يَعْلَى بْنِ [ (16) ]
عَطَاءٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبَّادُ بْنُ
عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ:
أَخْبَرَنِي سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، قَالَ:
«كُنْتُ نَائِمًا عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ السَّرَاةِ [ (17) ]
فَأَتَانِي آتٍ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ
قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ، قَالَ: فَاسْتَوَيْتُ
قَاعِدًا وَأَدْبَرَ وَهُوَ يقول:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَإِرْجَاسِهَا ... وَرَحْلِهَا العيس بأحلاسها
__________
[ (14) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ: «ابن حاتم» .
[ (15) ] في (ح) أبو سعيد.
[ (16) ] وقع في (ح) عن، والصواب «بن» كما في بقية النسخ، وله ترجمة في
«التاريخ الكبير» . (1:
2: 340) وهكذا ذكره غيره.
[ (17) ] في «التاريخ الكبير» (الشراة) ، وهي الرواية التي ذكرها البخاري
في «التاريخ الكبير» (2: 2:
202) ، وعقب عليها بقوله: «ولا يصح الحكم بن يعلى» .
(2/253)
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
... مَا صَالِحُوهَا مِثْلُ أَرْجَاسِهَا
قَالَ: ثُمَّ عُدْتُ فَنِمْتُ فَأَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ، وَقَالَ:
قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ،
قَالَ: فَاسْتَوَيْتُ قَاعِدًا فَأَدْبَرَ وَهُوَ يَقُولُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَخْبَارِهَا ... وَرَحْلِهَا الْعِيسَ
بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا مُؤمِنُوهَا مِثْلُ
كُفَّارِهَا
قَالَ: ثُمَّ عُدْتُ فَنِمْتُ فَأَتَانِي فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ:
قُمْ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبْ أَتَاكَ رَسُولٌ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبْ،
فَاسْتَوَيْتُ قَاعِدًا فَأَدْبَرَ وَهُوَ يَقُولُ:
عَجِبْتُ، لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا ... وَرَحْلِهَا الْعِيسَ
بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى ... مَا صَادِقُوهَا مِثْلُ
كُذَّابِهَا
فَارْحَلْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى
نابها
قال: فأصبحت واقتعدبّ بَعِيرًا حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ فَإِذَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ فَأَخْبَرْتُهُ
الْخَبَرَ وَتَابَعْتُهُ» [ (18) ] . قَوْلُهُ: حَتَّى أَتَيْتُ مَكَّةَ
أَقْرَبُ إِلَى الصِّحَّةِ مِمَّا رُوِّينَا فِي الروايتين الأولتين وَفِي
الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ غُنْيَةٌ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَاللهُ
أعلم.
__________
[ (18) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ: «وبايعته» .
(2/254)
سَبَبُ إِسْلَامِ مَازِنٍ الطَّائِيِّ [
(1) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ
الطَّائِيُّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَدِّي أَبُو [ (2) ] عَلِيِّ بْنُ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيِّ بْنِ حَيَّانَ بْنِ مَازِنٍ الْوَافِدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَقِيتُ أَبَا الْمُنْذِرِ هِشَامَ
بْنَ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيَّ، فَقَالَ لِي: مِمَّنِ الرَّجُلُ: فَقُلْتُ:
مِنْ طيّء ثُمَّ قَالَ لِي: ثُمَّ مِمَّنْ قُلْتُ مِنْ وَلَدِ نَبْهَانَ.
قَالَ ثُمَّ مِمَّنْ؟ قُلْتُ مِنْ وَلَدِ خِطَامَةَ فَقَالَ لِي: لَعَلَّكَ
مِنْ وَلَدِ السَّادِنِ. قُلْتُ نَعَمْ فَأَكْرَمَنِي وَأَدْنَانِي
وَقَرَّبَنِي ثُمَّ قَالَ لِي:
كُنْتُ لَقِيتُ شُيُوخًا مِنْ شيوخ طيّء الْمُتَقَدِّمِينَ فَسَأَلْتُهُمْ
عَنْ قِصَّةِ مَازِنٍ وَسَبَبِ إِسْلَامِهِ وَوُفُودِهِ علي رسول الله صلى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَإِقْطَاعِهِ أَرْضَ عُمَانَ وَذَلِكَ بِمَنِّ
اللهِ وَفَضْلِهِ فَكَانَ مَازِنٌ بِأَرْضِ عُمَانَ بِقَرْيَةٍ تُدْعَى
سَمَايِلُ وَكَانَ يَسْدُنُ الْأَصْنَامَ لِأَهْلِهِ وَكَانَ لَهُ صَنَمٌ
يُقَالُ لَهُ بَاجِرُ [ (3) ] قَالَ مَازِنٌ فَعَتَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ
عَتِيرَةً وَهِيَ الذبيحة فسمعت
__________
[ (1) ] هو مازن بن الغضوبة بن غراب بن بشر الطائي ذكره ابن السكن، في
الصحابة، وقال ابن حبان: يقال ان له صحبة. الثقات (3: 407) ، وذكره ابن عبد
البر في الاستيعاب، وابن حجر في الإصابة (3:
336) .
[ (2) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ: «ابو جدي» .
[ (3) ] في (ح) : «ناجر» .
(2/255)
صَوْتًا مِنَ الصَّنَمِ يَقُولُ يَا
مَازِنُ أَقْبِلْ إِلَيَّ أَقْبِلْ. تَسْمَعْ مَا لَا يُجْهَلْ. هَذَا
نَبِيٌّ مُرْسَلْ جَاءَ بِحَقٍّ مُنْزَلْ. فَآمِنْ بِهِ كَيْ تَعْدَلْ عَنْ
حَرِّ نَابٍ تُشْعَلْ. وَقُودُهَا بِالْجَنْدَلْ. قَالَ مَازِنٌ فَقُلْتُ
إِنَّ هَذَا وَاللهِ لَعَجَبٌ ثُمَّ عَتَرْتُ بَعْدَ أَيَّامٍ عَتِيرَةً
أُخْرَى فَسَمِعْتُ صَوْتًا أَبْيَنَ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا مَازِنُ اسْمَعْ تُسَرْ. ظَهَرَ خَيْرٌ وَبَطَنَ شَرْ. بُعِثَ نَبِيٌّ
مِنْ مُضَرْ بِدِينِ اللهِ الْكُبَرْ. فَدَعْ نَحِيتًا [ (4) ] مِنْ
حَجَرْ. تَسْلَمْ مِنْ حَرِّ سَقَرْ. قَالَ مَازِنٌ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا
وَاللهِ لَعَجَبٌ وَإِنَّهُ لَخَيْرٌ يُرَادُ بِي. وَقَدِمَ عَلَيْنَا
رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَقُلْنَا مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ قَالَ
خَرَجَ رَجُلٌ بِتِهَامَةَ يَقُولُ لِمَنْ أَتَاهُ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ. قَالَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللهِ
نَبَأُ مَا سَمِعْتُ. فَثُرْتُ إِلَى الصَّنَمِ فَكَسَرْتُهُ أَجْذَاذًا
وَشَدَدْتُ رَاحِلَتِي وَرَحَلْتُ حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَشَرَحَ لِيَ الْإِسْلَامَ فأسلمت وأنشأت
أقول: -
كَسَرْتُ بَاجِرَ أَجْذَاذًا وَكَانَ لَنَا ... رَبًّا نَطِيفُ بِهِ ضَلًّا
بِتَضْلَالِ
بِالْهَاشِمِيِّ هَدَانَا مِنْ ضَلَالَتِنَا ... وَلَمْ يَكُنْ دِينُهُ
مِنِّي عَلَى بَالِ
يَا رَاكِبًا بَلِّغَا [ (5) ] عَمْرًا وَإِخْوَتَهُ ... أَنِّي لِمَنْ
قَالَ دِينِي نَاجِرٌ [ (6) ] قَالِي
يَعْنِي بِعَمْرٍو إِخْوَتَهُ: بَنِي خِطَامَةَ،
قَالَ مَازِنٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي امْرُؤٌ مُولَعٌ
بِالطَّرَبِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْهَلُوكِ مِنَ النِّسَاءِ وَأَلَحَّتْ
عَلَيْنَا السِّنُونَ فَأَذْهَبْنَ الْأَمْوَالَ وَأَهْزَلْنَ
الذَّرَارِيَّ وَالرِّجَالَ، وَلَيْسَ لِي وَلَدٌ فَادْعُ اللهَ أَنْ
يُذْهِبَ عَنِّي مَا أَجِدُ وَيَأْتِيَنِي بِالْحَيَا وَيَهِبَ لِي
وَلَدًا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
«اللهُمَّ أَبْدِلْهُ بِالطَّرَبِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَبِالْحَرَامِ
الْحَلَالَ وَآتِهْ بِالْحَيَا وَهَبْ لَهُ وَلَدًا» .
قَالَ مَازِنٌ فَأَذْهَبَ الله
__________
[ (4) ] في (ح) : «سنحيتا» .
[ (5) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ: «ابلغن» .
[ (6) ] في (ص) و (هـ) : «لما قال ربي باجر» .
(2/256)
عني كلما كُنْتُ أَجِدُ وَأَخْصَبَتْ
عُمَانُ وَتَزَوَّجْتُ أَرْبَعَ حَرَائِرَ وَوَهْبَ اللهُ لِي حَيَّانَ
بْنَ مازن وأنشأت أقول:
إِلَيْكَ رَسُولَ اللهِ خَبَّتْ مَطِيَّتِي ... تَجُوبُ الْفَيَافِي مِنْ
عُمَانَ إِلَى الْعَرْجِ
لِتَشْفَعَ لِي يَا خَيْرَ مَنْ وطيء الْحَصَا ... فَيَغْفِرَ لِي رَبِّي
فَأَرْجِعَ بِالْفَلْجِ
إِلَى مَعْشَرٍ خَالَفْتُ فِي اللهِ دِينَهُمْ ... فَلَا رَأْيُهُمْ
رَأْيِي وَلَا شرجهم شرجي
وكنت امرأ بِالزَّعْبِ وَالْخَمْرِ مُولَعًا ... شَبَابِي حَتَّى آذَنَ
الْجِسْمُ بِالنَّهْجِ
فَأَصْبَحْتُ هَمِّي فِي جِهَادٍ وَنِيَّةٍ [ (7) ] ... فَلِلَّهِ مَا
صَوْمِي وَلِلَّهِ مَا حَجِّي
قَالَ مَازِنٌ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي أَنَّبُونِي وَشَتَمُونِي
وَأَمَرُوا شَاعِرَهُمْ فَهَجَانِي، فَقُلْتُ: إِنْ هَجَوْتُهُمْ
فَإِنَّمَا أَهْجُو نَفْسِي فَتَرَكْتُهُمْ وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
وَشَتْمُكُمْ عِنْدَنَا مُرٌّ مَذَاقَتُهُ ... وَشَتْمُنَا عِنْدَكُمْ يَا
قَوْمَنَا لَئِنُ
لَا يَنْشَبُ الدَّهْرُ أَنْ يُثْبِتَ [ (8) ] مَعَايِبَكُمْ ...
وَكُلُّكُمُ أَبَدًا فِي عَيْبِنَا فَطِنُ
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى هَهُنَا [ (9) ] حَفِظْتُ وَأَخَذْتُهُ مِنْ
أَصْلِ جَدِّي كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْبَاقِيَ:
__________
[ (7) ] هكذا في (ح) ، وفي بقية النسخ: «ونيتي» .
[ (8) ] في (م) و (ص) و (هـ) : «إن بثّت» .
[ (9) ] في (م) و (ص) و (هـ) : «إلى هنا» .
(2/257)
فَشِعْرُنَا مُفْحِمٌ [ (10) ] عَنْكُمْ
وَشَاعِرُكُمْ ... فِي حَرْبِنَا مُبْلِغٌ فِي شَتْمِنَا لَسِنُ
مَا فِي الصُّدُورِ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا وَغَرٌ ... وَفِي صُدُورِكُمُ
الْبَغْضَاءُ وَالْإِحَنُ
فَحَدَّثَنَا مُوَادُّنَا مِنْ أَهْلِ عُمَانَ عَنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ
مَازِنًا لَمَّا تَنَحَّى عَنْ قَوْمِهِ أَتَى مَوْضِعًا فَابْتَنَى
مَسْجِدًا يَتَعَبَّدُ فِيهِ فَهُوَ لَا يَأْتِيهِ مَظْلُومٌ يَتَعَبَّدُ
فِيهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَدْعُو مُحِقًّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ يَعْنِي،
إِلَّا اسْتُجِيبَ. وَفِي أَصْلِ السَّمَاعِ فَيَكَادُ أَنْ يُعَافَى مِنَ
الْبَرَصِ فَالْمَسْجِدُ يُدْعَى مُبْرِصًا إِلَى الْيَوْمِ قَالَ أَبُو
الْمُنْذِرِ: قَالَ مَازِنٌ: ثُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ نَدِمُوا أَوْ كُنْتُ
الْقَيِّمُ بِأُمُورِهِمْ فَقَالُوا مَا عَسَانَا أَنْ نَصْنَعَ بِهِ
فَجَاءَنِي مِنْهُمْ أَرْفَلَةٌ عَظِيمَةٌ فَقَالُوا يَا ابْنَ عَمٍّ،
عِبْنَا عَلَيْكَ أَمْرًا فَنَهَيْنَاكَ عَنْهُ فَإِذْ أَبِيتَ فَنَحْنُ
تَارِكُوكَ ارْجِعْ مَعَنَا. فَرَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَسْلَمُوا بَعْدُ
كُلُّهُمْ» .
هَكَذَا أخبرنا به غالبا وَقَدْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ [عَنْ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ] [
(11) ] . عَنْ عَبْدِ اللهِ الْعُمَانِيِّ عَنْ مَازِنِ بْنِ الغضوية،
قَالَ: كُنْتُ أَسْدُنُ صَنَمًا بِالسَّمَالِ قَرْيَةٍ بِعُمَانَ
فَعَتَرْنَا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَهُ عَتِيرَةً وَهِيَ الذَّبِيحَةُ فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا وَزَادَ بَيْتًا بَعْدَ قَوْلِهِ:
وَكُنْتُ امْرَءًا فَقَالَ:
فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً ... وَبِالْعَهْرِ إِحْصَانًا
وَحَصَّنَ لِي فَرْجِي
وَقَدْ رُوِيَ فِي مَعْنَى مَا رُوِّينَا عَنْ مَازِنٍ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ
مِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ
__________
[ (10) ] في (ح) : «شاعرنا معجم» .
[ (11) ] ما بين الحاصرتين ليس في (ح) .
(2/258)
جَبَلَةَ فِيمَا سَمِعَ مِنْ جَوْفِ
الصَّنَمِ «يَا عِصَامْ يَا عِصَامْ جَاءَ الْإِسْلَامْ وَذَهَبَتِ
الْأَصْنَامْ» [وَمِنْهَا حَدِيثُ طَارِقِ مِنْ بَنِي هِنْدِ بْنِ حَرَامٍ،
يَا طَارِقْ، يَا طَارِقْ:
بُعِثَ النَّبِيُّ الصَّادِقْ] [ (12) ] .
وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ دَقْشَةَ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ رَئِيُّهُ فَنَظَرَ
إِلَى ذُبَابِ بْنِ الْحَارِثِ، وَقَالَ: «يَا ذُبَابْ، يَا ذُبَابْ،
اسْمَعِ الْعَجَبَ الْعُجَابْ. بُعِثَ مُحَمَّدٌ بِالْكِتَابْ يَدْعُو
بِمَكَّةَ وَلَا يُجَابْ» .
وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْغَطَفَانِيِّ فِيمَا رَأَى مِنَ
النُّورِ السَّاطِعِ فِي الْكَعْبَةِ فِي نَوْمِهِ ثُمَّ مَا سَمِعَ مِنَ
الصَّوْتِ «أَقْبَلَ حَقٌّ فَسَطَعْ. وَدُمِّرَ بَاطِلٌ فَانْقَمَعْ» .
وَمِنْهَا حَدِيثُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسِ فِيمَا سَمِعَ مِنَ
الصَّوْتِ.
وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ سَطَيحٍ حِينَ أَتَتْهُ تَابِعَتُهُ
فَقَالَتْ: «جَاءَ الْحَقُّ الْقَائِمْ وَالْخَيْرُ الدَّايِمْ» وَغَيْرُ
ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بِسِيَاقِ جَمِيعِهِ الكتاب وبالله التوفيق.
__________
[ (12) ] الزيادة ليست في (ح) .
(2/259)
سَبَبُ إِسْلَامِ خُفَافِ بْنِ نَضْلَةَ
الثَّقَفِيِّ
فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُؤَمَّلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ
الْأَنْطَاكِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ سَمَاعَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بن البراء ابن مَالِكِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
قُدَامَةَ بْنَ عَقِيلٍ الْغَطَفَانِيَّ أَخْبَرَهُ عَنْ جُمُعَةَ أَوْ
قَالَ جُمَيْعَةَ بِنْتِ ذا بل بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهَا
ذَابِلِ بْنِ طُفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ الله [
(13) ] صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَعَدَ فِي مَسْجِدِهِ مُنْصَرَفَهُ
مِنَ الْأَبَاطِلِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ خُفَافُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرٍو
بن بَهْدَلَةَ الثَّقَفِيُّ فَأَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وآله وسلّم:
كَمْ قَدْ تَحَطَّمَتِ الْقَلُوصُ بِيَ الدُّجَى ... فِي مَهْمِهٍ قَفْرٍ
مِنَ الْفَلَوَاتِ
فُلٌّ مِنَ النَّوْرِيسِ لَيْسَ بِقَاعِهِ ... نَبْتٌ مِنَ الْأَسَنَاتِ
وَالْأَزَمَاتِ
إِنِّي أَتَانِي فِي الْأَنَامِ مُسَاعِدٌ ... مِنْ جِنِّ وَجْرَةَ كَانَ
لِي وَمُوَاتِي [ (14) ]
يَدْعُو إِلَيْكَ لَيَالِيًا وَلَيَالِيَا ... ثُمَّ احْزَأَلَّ [ (15) ]
وَقَالَ لَسْتُ بِآتِي [ (16) ]
__________
[ (13) ] في (م) و (ص) و (هـ) : «النبي» .
[ (14) ] كذا في (ح) ، وفي بقية النسخ «وموات» .
[ (15) ] في (ص) : «احزأنّ» .
[ (16) ] في (م) و (ص) و (هـ) : «بآت» .
(2/260)
فَرَكِبْتُ نَاجِيَةً أَضَرَّ بُنَيَّهَا
... جَمْرٌ تَخُبُّ بِهِ عَلَى الْأَكَمَاتِ
حَتَّى وَرَدْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ جَاهِدًا ... كَيْمَا أَرَاكَ
فَتُفْرِجَ الْكُرُبَاتِ
قَالَ: فَاسْتَحْسَنَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
وَقَالَ: إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ كَالسِّحْرِ وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ
كَالْحُكْمِ»
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، قَالَ:
«إِنَّ أَوَّلَ خَبَرٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ
يَثْرِبَ تُدْعَى فُطَيْمَةَ كَانَ لَهَا تَابَعٌ مِنَ الْجِنِّ فَجَاءَهَا
يَوْمًا فَوَقَعَ عَلَى جدارها، فقالت: مالك لَا تَدْخُلُ؟ فَقَالَ:
إِنَّهُ قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ يُحَرِّمُ الزِّنَا فَحَدَّثَتْ بِذَلِكَ
الْمَرْأَةُ عَنْ تَابِعِهَا مِنَ الْجِنِّ فَكَانَ أَوَّلُ خَبَرٍ
يَحْدُثُ بِالْمَدِينَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ [ (17) ]
الشَّعْرَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ [ (18) ] بْنِ جَابِرِ،
قَالَا حَدَّثَنَا [ (19) ] يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ الزِّمِّيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «أَوَّلُ خَبَرٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّ امْرَأَةً
مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ لَهَا تَابِعٌ فَجَاءَ فِي صُورَةِ
طَائِرٍ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَائِطِ دَارِهِمْ فَقَالَتْ لَهُ
الْمَرْأَةُ: انْزِلْ تُخْبِرْنَا وَنُخْبِرْكَ [ (20) ] قَالَ: لَا
إِنَّهُ بُعِثَ بِمَكَّةَ نَبِيٌّ مَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ، وَحَرَّمَ
عَلَيْنَا الزِّنَا» .
لَفْظُ حَدِيثِ الشَّعْرَانِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ جَابِرٍ «فَوَقَعَ
عَلَى حَائِطِ دَارِهَا فَقَالَتْ لَهُ:
انْزِلْ نُخْبِرْكَ وَتُخْبِرْنَا قَالَ: إِنَّهُ بُعِثَ نَبِيٌّ بِمَكَّةَ
مَنَعَ مِنَّا الْقَرَارَ وحرّم علينا الزنا» .
__________
[ (17) ] في (ح) : «زيد» .
[ (18) ] في بقية النسخ: «الفضيل» .
[ (19) ] في (ح) : «قال: أخبرنا» .
[ (20) ] كذا في (ح) : وفي النسخ الأخرى: «نخبرك وتخبرنا» .
(2/261)
|