دلائل النبوة للبيهقي محققا

باب دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى مَنِ اسْتَعْصَى مِنْ قُرَيْشٍ بِالسَّنَةِ وَإِجَابَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ ابن دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي عَزْرَةَ [ (1) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ.
(ح) وأَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ محمد الْفَقِيهُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى ابن إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عن مسلم ابن صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ فِيمَا يَقُولُ: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ [ (2) ] قَالَ: دُخَانٌ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكْمَةِ فَقُمْنَا فَدَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِهِ فَأَخْبَرْنَاهُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الْعَالِمُ لِمَا لَا يَعْلَمُ. اللهُ أَعْلَمُ:، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ (3) ] ، وسأحدثكم
__________
[ (1) ] في (هـ) : «عروة» .
[ (2) ] الآية الكريمة (10) من سورة الدخان.
[ (3) ] الآية الكريمة (86) من سورة (ص) .

(2/324)


عَنِ الدُّخَانِ:
أنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَبْطَأوا عَنِ الْإِسْلَامِ قَالَ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ،
قَالَ: فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجِيَفَ وَالْمَيْتَةَ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ [ (4) ] .
زَادَ مُحَمَّدٌ: ثُمَّ دَعَوْا فَكُشِفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ [ (5) ]- قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [ (6) ] .
قَالَ: فَعَادُوا، فَكَفَرُوا، فَأُخِّرُوا إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانَ لَا يُكْشَفُ عَنْهُمْ: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ (7) ] . قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ» لَفْظُ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَازِمٍ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: «جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَذَكَرَ قَوْلَ الرَّجُلِ وَدُخُولِهِ عَلَى عَبْدِ اللهِ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:
قَالُوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [ (8) ] قَالَ: فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّا لَوْ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ عَادُوا، قَالَ: فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا، فَانْتَقَمَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فلذلك قَوْلُهُ: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ- إلى قوله:
__________
[ (4) ] فتح الباري (8: 573) ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 107) .
[ (5) ] في (ص) : «فكشف الله عنهم ذلك» .
[ (6) ] الآية الكريمة (15) من سورة الدخان.
[ (7) ] [16- الدخان] .
[ (8) ] الآية الكريمة (12) من سورة الدخان.

(2/325)


يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [ (9) ] » .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٍ [ (10) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْأَشَجِّ، عَنْ وَكِيعٍ [ (11) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ [ (12) ] عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا، قَالَ: «اللهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ» ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ، وَالْجُلُودَ، وَالْعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، وَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً وإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللهَ لَهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا فَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ فَقَالَ: «اللهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ فَسُقِيَ النَّاسُ حَوْلَهُمْ.
قَالَ: لَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَهُوَ الْجُوعُ الَّذِي أَصَابَهُمْ، وَهُوَ [ (13) ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ [ (14) ] وَآيَةُ اللِّزَامِ [ (15) ] ، وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وانشقاق
__________
[ (9) ] الآية الكريمة (2) من سورة الدخان وما بعدها.
[ (10) ] أخرجه البخاري عَنْ يَحْيَى، عَنْ وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الدخان، فتح الباري (8: 572) .
[ (11) ] أخرجه مسلم في: 50- كتاب صفات المنافقين (7) باب الدخان، حديث (44) مكرر عن أبي سعيد الأشج، صفحة (4: 2157) .
[ (12) ] في (ح) : «موسى» ، وأثبت ما في (ص) و (هـ) ، وهو موافق للرواية التي أشار إليها البخاري.
[ (13) ] في (ص) و (هـ) : «وذلك» .
[ (14) ] [الدخان- 15] .
[ (15) ] في (ح) : «وآية الروم» .

(2/326)


الْقَمَرِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَوْمَ بَدْرٍ يُرِيدُ وَاللهُ أَعْلَمُ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى، وَالدُّخَانُ وَآيَةُ اللِّزَامِ كُلُّهَا حَصَلَتْ بِبَدْرٍ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ [ (16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُؤَمَّلٍ [ (17) ] قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عمرو ابن عَبْدِ اللهِ الْبَصْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ:
اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالدُّخَانُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ» [ (18) ] .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، [ (19) ] .
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ قَدْ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِنَّ قبل وجودهنّ.
__________
[ (16) ] في: 65- كتاب التفسير (5) باب «ثم تولوا عنه، وقالوا: معلّم مجنون» . ح (4824) ، فتح الباري (8: 573) ، مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ أبي مسعود.
[ (17) ] في (ص) ، و (هـ) : «المؤملي» .
[ (18) ] (اللزام) من قوله تعالى: «فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً» .
(الروم) : من قوله تعالى «الم، غُلِبَتِ الرُّومُ» .
(الدخان) : يجيء قبل قيام الساعة، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين، حتى يكون كالرأس الحنيذ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار، ولم يأت بعد، وهو آت.
(والبطشة) : فيما قال الله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى (والقمر) : فيما قال الله تعالى: «وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» .
[ (19) ] أخرجه البخاري في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الدخان، ح (4825) ، فتح الباري (8:
574) ، وأخرجه الترمذي في أول تفسير سورة الدخان (5: 379) ، والإمام احمد في «مسنده» (5: 128) .

(2/327)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عن عبد اللهِ: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [ (20) ] قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ [ (21) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ، قال: حدثنا أسباط ابن نَصْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ [ (22) ] قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ فُتِحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْفَعِ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ [ (23) ] .
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ كَامِلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُسْتَمْلِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْبَلْخِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا هَرَاةَ، قَالَ: حدثنا محمد ابن عَلِيٍّ النَّجَّارُ بِصَنْعَاءَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى
__________
[ (20) ] الآية الكريمة (21) من سورة السجدة.
[ (21) ] وهكذا قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الحارث، والحسين بن علي، وقال ابن عباس أنه الحدود، وقال مقاتل:
الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف، وقال مجاهد: العذاب الأدنى: عذاب القبر. تفسير القرطبي (14: 107) .
[ (22) ] [28- 29- من سورة السجدة] .
[ (23) ] وقال الفرّاء: يعني فتح مكة، وأولى من هذا ما قاله مجاهد: يعني يوم القيامة، وقال القرطبي في التفسير (14: 112) : «إن كان يوم الفتح يوم بدر او فتح مكة، ففي بدر قتلوا، ويوم الفتح هربوا، فلحقهم خالد بن الوليد فقتلهم» .

(2/328)


رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَسْتَغِيثُ مِنَ الْجُوعِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا حَتَّى أَكَلُوا الْعِلْهِزَ [بِالدَّمِ] [ (24) ] فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (25) ] قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى فُرِّجَ عَنْهُمْ» [ (26) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، أَنَّ عِكْرِمَةَ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَنْشُدُكَ اللهَ وَالرَّحِمَ قَدْ أَكَلْنَا الْعِلْهِزَ [يَعْنِي] [ (27) ] الْوَبَرَ وَالدَّمَ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ [ (28) ] » وقد رُوِي فِي قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مرتين والله أعلم [ (29) ] .
__________
[ (24) ] الزيادة من (ص) و (هـ) ، والعلهز هو: الصوف والوبر كانوا يبلّونه بالدم ثم يشوونه ويأكلونه.
[ (25) ] الآية الكريمة (76) من سورة المؤمنون.
[ (26) ] وقال ابن عباس: نزلت في قصة ثمامة بن أثال لما أسرته السرية واسلم، وخلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سبيله، حال بين مكة وبين الميرة، وقال: والله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، وأخذ الله قريشا بالقحط والجوع، حتى كانوا الميتة، والكلاب، والعلهز ... تفسير القرطبي (12:
143) .
[ (27) ] الزيادة من (ص) و (هـ) ، ليست في (ح) .
[ (28) ] [76- سورة المؤمنون] .
[ (29) ] انظر الحاشية (26) من هذا الباب، وقد نقل الخبر الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (3:
107- 108) .

(2/329)


بَابُ مَا جَاءَ فِي آيَةِ الرُّومِ وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ [فِي أَدْنَى الْأَرْضِ] [ (1) ]
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ [ (3) ] النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُمْ سَيَظْهَرُونَ [ (4) ] » فَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَجَلًا إِنْ ظَهَرُوا كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، فَجَعَلَ بَيْنَهُمْ أجل
__________
[ (1) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ص) ولا في (هـ) .
[ (2) ] [ (1- 4) - سورة الروم] .
[ (3) ] في (ص) و (هـ) : «لهم» .
[ (4) ] في جامع الترمذي: «سيغلبون» .

(2/330)


خَمْسِ سِنِينَ، فَلَمْ يَظْهَرُوا، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَلَا جَعَلْتَهُ- أَرَاهُ قَالَ دُونَ الْعَشَرَةِ- قَالَ: فَظَهَرَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ،
فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ قَالَ فَغُلِبَتِ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ بَعْدُ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (5) ] قَالَ سُفْيَانُ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُمْ ظَهَرُوا يَوْمَ بَدْرٍ» [ (6) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ، زَادَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ سَعِيدٌ: الْبِضْعُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ [ (7) ] قَالَ: ذَكَرَ غَلَبَةَ فَارِسَ الرُّومَ، وَإِدَالَةَ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْأَوْثَانِ، قَالَ: وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي قَالَ أخبرنا
__________
[ (5) ] [ (4- 5) - سورة الروم] .
[ (6) ] الحديث أخرجه الترمذي في جامعه، في: 48- كتاب تفسير القرآن، (31) باب ومن سورة الروم، ح (3193) ، صفحة (5: 343- 344) ، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ.
[ (7) ] [ (1- 2) - سورة الروم] .

(2/331)


مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَوْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ] [ (8) ] . فِي قَوْلِهِ: الم، غُلِبَتِ الرُّومُ قَالَ: «قَدْ مَضَى كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَكَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتْهُمْ، ثُمَّ غَلَبَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ فَنَصَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، ونصر أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ» ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ إِيَّاهُمْ، وَنَصْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْعَجَمِ، قَالَ عَطِيَّةُ: وَسَأَلْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ «الْتَقَيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ فَنَصَرَنَا [اللهُ تَعَالَى] [ (9) ] عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ ونصر أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ فَفَرِحْنَا بِنَصْرِ اللهِ إِيَّانَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَفَرِحنَا بِنَصْرِ اللهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَا:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُجَادِلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ بِمَكَّةَ يَقُولُونَ: الرُّومُ أَهْلُ كِتَابٍ وَقَدْ غَلَبَتْهُمُ الْفُرْسُ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ سَتَغْلِبُونَ بِالْكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّكُمْ، فَسَنَغْلِبُكُمْ كَمَا غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [ (11) ] »
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزهري
__________
[ (8) ] الزيادة ليست في (ح) ، وأثبتها من (هـ) و (ص) .
[ (9) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (10) ] تفسير القرطبي (14: 2) .
[ (11) ] [ (1- 4) من سورة الروم] .

(2/332)


فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ نَاحَبَ [ (12) ] أَبُو بَكْرٍ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْقِمَارُ [ (13) ] عَلَى شَيْءٍ إِنْ لَمْ تُغْلَبْ فَارِسُ فِي سَبْعِ سِنِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِمَ فَعَلْتَ فَكُلُّ مَا دُونَ الْعَشْرِ بِضْعٌ وَكَانَ ظُهُورُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ فِي تِسْعِ سِنِينَ [ (14) ]
ثُمَّ أَظْهَرَ اللهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ «الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرض» قَالَ: غَلَبَهُمْ أَهْلُ فَارِسَ عَلَى أَدْنَى الشَّامِ، «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ» الْآيَةَ. قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، صَدَّقَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ وَعَرَفُوا أَنَّ الرُّومَ سَتَظْهَرُ عَلَى أَهْلِ فَارِسَ، فَاقْتَمَرَهُمْ وَالْمُشْرِكُونَ خَمْسَ قَلَائِصَ، وَأَجَّلُوا بَيْنَهُمْ خَمْسَ سِنِينَ، قَالَ: فَوَلِيَ قِمَارَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَوَلِيَ قِمَارَ الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْقِمَارِ فِي الْأَجَلِ، وَلَمْ تَظْهَرِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَسَأَلَ الْمُشْرِكُونَ قِمَارَهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَمْ يَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَنْ يُؤَجِّلُوا أَجَلًا دُونَ الْعَشْرِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْعَشْرِ، فَزَايدُوهُمْ وَمَادُّوهُمْ فِي الْأَجَلِ» ، فَفَعَلُوا فَأَظْهَرَ اللهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ عِنْدَ رَأْسِ السَّبْعِ مِنْ قِمَارِهِمُ الْأَوَّلِ، فَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِفَلْجِهِمُ الَّذِي كَانَ مِنْ ظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا شَدَّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ فَهُوَ قوله:
__________
[ (12) ] (ناحب) : تراهن.
[ (13) ] في تفسير القرطبي «القمار» ، وفي بعض نسخه «الرهان» كما في حاشيته.
[ (14) ] في (ص) : «سبع سنين» ، وقال القرطبي (14: 3) : «قال الشعبي: فظهروا في تسع سنين، وقال القشيري: المشهور في الروايات ان ظهور الروم كان في السابعة من غلبة فارس للروم، ولعل رواية الشعبي تصحيف من السبع الى التسع من بعض النقلة» .

(2/333)


وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ [ (15) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو تَقِيٍّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أُسَيْدٌ الْكِلَابِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ الْعَلَاءَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ غَلَبَةَ فَارِسَ الرُّومَ ثُمَّ رأيت غلبة الروم فارسا، ثُمَّ رَأَيْتُ غَلَبَةَ الْمُسْلِمِينَ فارسا وَالرُّومَ، وَظُهُورَهُمْ عَلَى الشَّامِ وَالْعِرَاقِ كُلُّ ذَلِكَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [ (16) ] [وَبِاللهِ العصمة] [ (17) ] .
__________
[ (15) ] تفسير القرطبي (14: 5) .
[ (16) ] البداية والنهاية (3: 108) .
[ (17) ] ليست في (ص) ، ولا في (هـ) .

(2/334)


بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى سَبْعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يُؤْذُونَهُ ثُمَّ عَلَى ابْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عمرو ابن خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «اسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعَةٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَعُتْبَةُ بْنُ ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى عَلَى بَدْرٍ قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ [ (1) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي (7) بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم على كفار قريش، حديث (3960) ، الفتح (7: 293) ، وقد أورده البخاري عن حديث ابن مسعود في كتاب الطهارة بأتم منه سياقا، وأورده في الطهارة لقصة سلي الجزور ووضعه على ظهر المصلي فلم تفسد صلاته، وفي الصلاة مستدلا به على أن ملاصقة المرأة في الصلاة لا تفسدها، وفي الجهاد في باب الدعاء على المشركين، وفي الجزية مستدلا به على أن جيف المشركين لا يفادى بها، وفي المبعث في باب ما لقي المسلمون من المشركين بمكة.

(2/335)


ابن سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيُّ [ (2) ] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ [ (3) ] ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمد
__________
[ (2) ] ليست في (هـ) ولا في (ص) .
[ (3) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (39) باب ما لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من أذى المشركين، حديث (110) ، ص (1420) ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ.
وهؤلاء النفر كانوا من أشد المعارضين، والمؤذين لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، حتى نزل فيهم قرآنا، قال ابن هشام في السيرة (1: 385- 387) :
وأبيّ بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، وعقبة بن أبي معيط، وكانا متصافيين، حسنا ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وسمع منه، فبلغ ذلك أبيّا، فأتى عقبة، فقال له: ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه؟ ثم قال: وجهي من وجهك حرام أن أكلمك، واستغلظ [له] من اليمين، إن أنت جلست إليه أو سمعت منه، أو لم تأته فتتفل في وجهه، ففعل ذلك عدوّ الله عقبة ابن أبي معيط، لعنه الله، فأنزل الله تعالى فيهما (25: 27- 29) : وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا إلى قوله تعالى: لِلْإِنْسانِ خَذُولًا.
ومشى أبيّ بن خَلَف إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعَظَمٍ بالٍ قد ارْفتّ فقال: يا محمد، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ ثم فتّه بيده، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «نعم أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإيّاك بعد ما تكونان هكذا، ثمّ يدخلك الله النّار»
فأنزل الله تعالى فيه (36: 78- 80) :
وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ.
واعترض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يطوف بالكعبة، فيما بلغني، الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزّى، والوليد بن المغيرة، وأميّة بن خلف، والعاص بن وائل السّهمي، وكانوا ذوي أسنان في قومهم، فقالوا: يا محمد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، فنشترك نحن وأنت في الأمر: فان كان الذي تعبد خيرا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه، فأنزل الله تعالى فيهم (109: 1- 6) : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ السورة كلّها، أي: إن كنتم لا تعبدون الله إلا أن أعبد ما تعبدون فلا حاجة لي بذلك منكم، لكم دينكم جميعا ولي دين.

(2/336)


__________
[ () ] وأبو جهل بن هشام، لما ذكر الله شجرة الزّقّوم تخويفا بها لهم قال: يا معشر قريش، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوّفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزّبد، والله لئن استمكنّا منها لنتزقّمنّها تزقما، فأنزل الله تعالى فيه (44: 43- 48) : إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ أي: ليس كما يقول.
قال ابن هشام: المهل: كل شيء أذبته من نحاس أو رصاص، أو ما أشبه ذلك، فيما أخبرني أبو عبيدة، وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، كان إذا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم همزة ولمزه، فأنزل الله تعالى فيه (104- 1- 9) وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ.
قال ابن هشام: والهمزة: الذي يشتم الرجل علانية، ويكسر عينه عليه، ويغمز به، قال حسان بن ثابت:
همزتك فاختضعت لذلّ نفس ... بقافية تأجّج كالشّواظ
وهذا البيت في قصيدة له.
وجمعه همزات، واللّمزة: الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم، قال رؤبة بن العجاج:
في ظلّ عصري باطلي ولمزي
وهذا البيت في أرجوزة له.
وجمعه: لمزات.
قال ابن إسحاق: والعاص بن وائل السّهميّ، كان خبّاب بن الأرتّ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قينا بمكة يعمل السيوف، وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له، حتى إذا كان له عليه مال، فجاء يتقاضاه، فقال له: يا خبّاب، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب أو فضة أو ثياب أو خدم؟ قال خباب: بلى، قال: فأنظرني إلى يوم القيامة يا خبّاب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنا لك حقك، فو الله لا تكون أنت وأصحابك، يا خبّاب، آثر عند الله مني، ولا أعظم حظا في ذلك، فأنزل الله تعالى فيه (19: 77- 80) : أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ إلى قوله تعالى: وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً.
ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فيما بلغني، فقال له: والله يا محمد لتتركنّ سبّ آلهتنا أو لنسبّنّ إلهك الذي تعبد، فأنزل الله تعالى عليه فيه (6: 108) : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ فذكر لي أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كفّ عن سبّ آلهتهم، وجعل يدعوهم إلى الله.

(2/337)


ابن أَعْيَنَ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَزْرَقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأسود ابن شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ لهب ابن أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: اللهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ،
قَالَ: وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ يَحْمِلُ الْبَزَّ إِلَى الشَّامِ، وَيَبْعَثُ بِوَلَدِهِ مَعَ غِلْمَانِهِ وَوُكَلَائِهِ وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ فَيُعَاهِدُوهُ، قَالَ:
وَكَانُوا إِذَا نَزَلَ الْمَنْزِلَ أَلْزَقُوهُ إِلَى الْحَائِطِ، وَغَطُّوا عَلَيْهِ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، قَالَ:
فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ زَمَانًا، فَجَاءَ سَبْعٌ فَنَشَلَهُ فَقَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا لَهَبٍ فَقَالَ: أَلَمْ أَقَلْ لَكُمْ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ» .
كَذَا قَالَ عَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ.
لَهَبُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ، وَأَهْلُ الْمَغَازِي يَقُولُونَ: عُتْبَةُ بْنُ أَبِي لَهَبٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُتَيْبَةُ.
وَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: «كَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ يعني ابنة
__________
[ () ] والنّضر بن الحرث بْنِ كَلْدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كان إِذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم مجلسا فدعا فيه إلى الله تعالى، وتلا فيه القرآن، وحذّر قريشا ما أصاب الأمم الخالية، خلفه في مجلسه إذا قام، فحدثهم عن رستم السّنديذ وعن إسفنديار وملوك فارس، ثم يقول: والله ما محمد بأحسن حديثا مني، وما حديثه إلا أساطير الأولين اكتتبتها كما اكتتبها، فأنزل الله فيه (25: 5- 6) :
وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ونزل فيه (68: 15) : إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ونزل فيه (45: 7- 8) : يْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها
... كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
قال ابن هشام: الأفّاك: الكذاب، وَفِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى (37: 151- 152) : أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.

(2/338)


رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ عُتَيْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَكَانَتْ رُقَيَّةُ تَحْتَ أَخِيهِ:
عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ قَالَ أَبُو لَهَبٍ لِابْنَيهِ: عتيبة، وعتبة: رأسي ورؤوسكما حَرَامٌ إِنْ لَمْ تُطَلِّقَا ابْنَتَيْ مُحَمَّدٍ، وَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عُتْبَةَ طَلَاقَ رُقَيَّةَ، وَسَأَلَتْهُ رُقَيَّةُ ذَلِكَ وَقَالَتْ لَهُ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ حرب ابن أُمَيَّةَ- وَهِيَ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ-: طَلِّقْهَا يَا بُنَيَّ فَإِنَّهَا قَدْ صَبَتْ فَطَلَّقَهَا، وَطَلَّقَ عُتَيْبَةُ أُمَّ كُلْثُومٍ، وَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ فَارَقَ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ: كَفَرْتُ بِدِينِكَ، وَفَارَقْتُ ابْنَتَكَ، لَا تُحِبُّنِي وَلَا أُحِبُّكَ، ثُمَّ تَسَلَّطَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَشَقَّ قَمِيصَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ،
فَخَرَجَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَزَلُوا فِي مَكَانٍ مِنَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ الزَّرْقَاءُ لَيْلًا فَأَطَافَ بِهِمُ الْأَسَدُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَجَعَلَ عُتَيْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلُ أُمِّي هُوَ وَاللهِ آكِلِي كَمَا دَعَا مُحَمَّدٌ عَلَيَّ، قَتَلَنِي ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَعَوَى عَلَيْهِ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ فَضَغَمَهُ ضَغْمَةً فَذَبَحَهُ» .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فَحَدَّثَنَا بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْعَبْدِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ الْأَسَدَ لَمَّا طَافَ بِهِمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ انْصَرَفَ عَنْهُمْ فَنَامُوا وَجُعِلَ عُتَيْبَةُ فِي وَسْطِهِمْ فَأَقْبَلَ الْأَسَدُ يَتَخَطَّاهُمْ حَتَّى أَخَذَ بِرَأْسِ عُتَيْبَةَ، فَفَدَغَهُ، وَتَزَوَّجَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رُقَيَّةَ فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ، وَلَمْ تَلِدْ لَهُ، وَتَزَوَّجَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ زَيْنَبَ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ» .

(2/339)