دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (1) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
«أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ» [ (2) ] .
وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أخبرناه أبو
__________
[ (1) ] الآية الكريمة (1) من سورة الإسراء.
[ (2) ] البداية والنهاية (3: 108) .

(2/354)


الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَحَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فَذَكَرَهُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، قَالَ: «فُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْخَمْسُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا» [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الضَّحَّاكِ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَالِمٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ: مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ صَلَّيْتُ لِأَصْحَابِي صَلَاةَ الْعَتَمَةِ بِمَكَّةَ مُعْتَمًّا، وَأَتَانِي جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، فَقَالَ: ارْكَبْ فَاسْتَصْعَبَتْ عَلَيَّ، فَدَارَهَا بِأُذُنِهَا، ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا، فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا: يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذات نخل
__________
[ (3) ] اختلف العلماء في تحديد في أي زمان وقع الإسراء، والاتفاق أنه كان بعد البعثة وقبل الهجرة، وجزم جمع بأنه كان قبل الهجرة بسنة، ورجع النووي أنه كان «ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة.

(2/355)


فَأَنْزَلَنِي، فَقَالَ: صَلِّ. فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ اللهُ أَعْلَمُ* قَالَ: صَلَّيْتَ بِيَثْرِبَ، صَلَّيْتَ بِطَيْبَةَ، فَانْطَلَقَتْ تَهْوَى بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا فَقَالَ: انْزِلْ، فَنَزَلَتْ، ثُمَّ قَالَ: صَلِّ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، قَالَ:
صَلَّيْتَ بِمَدْيَنَ، صَلَّيْتَ عِنْدَ شَجَرَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ تَهْوَى بِنَا يَقَعُ حَافِرُهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفُهَا، ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُورٌ، فَقَالَ: انْزِلْ فَنَزَلَتُ فَقَالَ: صَلِّ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَكِبْنَا، قَالَ: أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ اللهُ أَعْلَمُ. قَالَ: صَلَّيْتَ بِبَيْتِ لَحْمٍ، حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- المسيح بن مَرْيَمَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ مِنْ بَابِهَا الْيَمَانِيِّ فَأَتَى قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ فَرَبَطَ بِهِ دَابَّتَهُ وَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ مِنْ بَابٍ فِيهِ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللهُ وَأَخَذَنِي [ (4) ] مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أَخَذَنِي، فَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ، وَفِي الْآخَرِ عَسَلٌ، أُرْسِلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا، فَعَدَلْتُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ هَدَانِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُ، حَتَّى قَرَعْتُ بِهِ جَبِينِي وَبَيْنَ يَدَيَّ شَيْخٌ مُتَّكِئٌ عَلَى مَثْرَاةٍ لَهُ فَقَالَ: أَخَذَ صَاحِبُكَ الْفِطْرَةَ إِنَّهُ لَيُهْدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ لي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِي الَّذِي فِي الْمَدِينَةِ، فَإِذَا جَهَنَّمُ تَنْكَشِفُ عَنْ مِثْلِ الزَّرَابِيِّ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ وَجَدْتَهَا؟ قَالَ: مِثْلُ الْحُمَةِ السُّخْنَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ بِي فَمَرَرْنَا بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا صَوْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ فَأَتَانِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَيْنَ كُنْتَ اللَّيْلَةَ فَقَدِ الْتَمَسْتُكَ فِي مَكَانِكَ.
فَقَالَ عَلِمْتَ أَنِّي أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فَصِفْهُ لِي. قَالَ فَفُتِحَ لِي صِرَاطٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ فِيهِ لَا يَسَلْنِي [ (5) ] عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُ
__________
[ (4) ] في (ص) : «وأتاني» .
[ (5) ] في (ص) و (هـ) : «لا يسألني» .

(2/356)


عَنْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ اللَّيْلَةَ، قَالَ فَقَالَ إِنَّ مِنْ آيَةِ مَا أَقُولُ لَكُمْ أَنِّي مَرَرْتُ بِعِيرٍ لَكُمْ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ فُلَانٌ، وَإِنَّ مَسِيرَهُمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا ثُمَّ بِكَذَا وَيَأْتُونَكُمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَقْدُمُهُمْ جَمَلٌ آدَمُ عَلَيْهِ مِسْحٌ أَسْوَدُ وَغِرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى كان قريب مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ حَتَّى أَقْبَلَتِ الْعِيرُ يَقْدُمُهُمْ ذَلِكَ الْجَمَلُ الَّذِي وَصَفَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ» .
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ [ (6) ] وَرُوِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي أَحَادِيثَ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى مَا حَضَرَنَا.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ [وَإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ] [ (7) ] فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ [ (8) ] » .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ
__________
[ (6) ] حديث شداد بن أوس أخرجه البزار، والطبراني.
[ (7) ] في (ص) و (هـ) : «بإيلياء بقدحين من خمر ولبن» وهو تحريف شديد.
[ (8) ] أخرجه من حديث طويل: ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه من طريق أبي العالية.

(2/357)


شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ سَوَاءً.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدَانَ [ (9) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ [ (10) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ، محمد بْنُ النَّضْرِ، قَالَ ابْنُ النَّضْرِ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بن الْمَعْنِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسَلْنِي عَنْ مَسْرَايَ، فَسَأَلُونِي، عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كَرْبًا مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، فَرَفَعَهُ اللهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسَلُونِي [ (11) ] عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شنوءة، وإذا عيسى بن مَرْيَمَ قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا: عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ- يَعْنِي نَفْسَهُ، فَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ لِي قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ! هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ
__________
[ (9) ] في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الإسراء (3) باب أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المسجد الحرام» ، حديث (4709) ، فتح الباري (8: 391) .
[ (10) ] أخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، حديث (272) ، والإمام أحمد في «مسنده» (2:
282) .
[ (11) ] في (ص) و (هـ) : «ما يسألوني» .

(2/358)


إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ- لَفْظُ حَدِيثِهِمَا سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّ في رواية الواهبي وَأَنَا أُخْبِرُ قُرَيْشًا عَنْ مَسْرَايَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ [ (12) ] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سلمة ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [ (13) ] لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أخبرهم عن آياته وأنا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ [ (14) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ [ (15) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي عن صالح ابن كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ
__________
[ (12) ] في: 1- كتاب الإيمان، (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، الحديث (272) ، ص (1:
154) .
[ (13) ] الزيادة من (ص) ، وفي (هـ) : «تعالى» .
[ (14) ] عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أخرجه البخاري في: 63- كتاب مناقب الأنصار (41) باب حديث الإسراء، الحديث (3886) ، فتح الباري (7: 196) .
وأخرجه البخاري (أيضا) عن أحمد بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ وهب، عن يونس، في تفسير سورة الإسراء.
[ (15) ] مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عن ليث، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، في: 1- كتاب الإيمان (75) باب ذكر المسيح، الحديث (276) ، ص (1: 156) .
كما أخرجه الترمذي في تفسير سورة الإسراء، عن قتيبة، وقال: «حسن صحيح» .

(2/359)


صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حِينَ انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَقِيَ فِيهِ: إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ: قَدَحُ لَبَنٍ وَقَدَحُ خَمْرٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ أَخَذَ قَدَحَ اللَّبَنِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ هُدِيتَ [الْفِطْرَةَ] لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُكَ [ (16) ] ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فَافْتَتَنَ نَاسٌ كَثِيرٌ كَانُوا قَدْ صَلَّوْا مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: فَتَجَهَّزَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أو قال ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ فَأَشْهَدُ، لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ. قَالُوا: فَتُصَدِّقُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدِ مِنْ ذَلِكَ:
أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَبِهَا سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِي بَيْتَ المقدس فطفقت أخبرهم عن آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ» [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمِهْرَانِيُّ الْمُزَكِّي، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي: أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْمِصِّيصِيُّ.
«ح» وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُكْرَمُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ
__________
[ (16) ] انظر حاشية (8، 9) من هذا الباب.
[ (17) ] مضى في الحاشيتين (14، 15) من هذا الباب.

(2/360)


الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالُوا هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قال أو قال ذَلِكَ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ قَالُوا وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، قَالَ: نَعَمْ، إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ.
فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ» لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ [ (18) ] اللهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي، فِي قَبْرِهِ [ (19) ] .
قَالَ وَذَكَرَ لِي أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ قَالَ فَأَوْثَقْتُ الْفَرَسَ أَوْ قَالَ الدَّابَّةَ بِالْخُرَابَةِ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صِفْهَا لِي يَا رَسُولَ اللهِ: قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: هِيَ كَذِهِ وَذِهِ قَالَ كَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ رَآهَا» كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «كَرِيمَةٍ وَدِيمَةٍ»
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عبيد
__________
[ (18) ] أخرجه الحاكم في «المستدرك» (3: 62- 63) ، وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي، وأخرجه ابن مردويه من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عنها.
[ (19) ] أخرجه مسلم فِي: 43- كِتَابِ الْفَضَائِلِ، (42) بَابُ من فضائل موسى صلّى الله عليه وآله وسلّم، حديث (164) ، ص (1845) .

(2/361)


الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ مِقْلَاصٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا أَمَرَّتْ ذَنَبَهَا، فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ: مه يا براق! فو الله إِنْ رَكِبَكَ مِثْلُهُ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ سِرْ يَا مُحَمَّدُ فَسَارَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ فَإِذَا شَيْءٌ يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنِ الطَّرِيقِ يَقُولُ: هَلُمَّ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: سِرْ يَا مُحَمَّدُ، فَسَارَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَسِيرَ، قَالَ: فَلَقِيَهُ خَلْقٌ مِنَ الْخَلْقِ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آخِرُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حَاشِرُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: ارْدُدِ السَّلَامَ يَا مُحَمَّدُ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، ثُمَّ الثَّالِثَةَ كَذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَالْخَمْرُ وَاللَّبَنُ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ وَلَوْ شَرِبْتَ الْمَاءَ لَغَرِقْتَ وَغَرِقَتْ أُمَّتُكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَغَوَيْتَ وَغَوِيَتْ [ (20) ] أُمَّتُكَ، ثُمَّ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَمَّا الْعَجُوزُ الَّتِي رَأَيْتَ عَلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِ تِلْكَ الْعَجُوزِ، وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ فَذَلِكَ عَدُوُّ اللهِ إِبْلِيسُ أَرَادَ أَنْ تَمِيلَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْكَ فَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ» .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنبَاعِ: رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النّيسابوري، قالب: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ «أُتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
__________
[ (20) ] في (ص) و (هـ) : «وغوت» .

(2/362)


بِالْبُرَاقِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مُسْرَجًا مُلْجَمًا فَاسْتَصْعَبَ، عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا وَاللهِ مَا رَكِبَكَ خَلْقٌ قَطُّ أَكْرَمُ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ منه قال منه فَارْفَضَّ عَرَقًا» [ (21) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُنِيبٍ [ (22) ] ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا، عَوْفٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي ثُمَّ أَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فُظِعْتُ بِأَمْرِي وَعَلِمْتُ أن الناس يكذبوني، قَالَ: فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ عَدُوُّ اللهِ، فَجَاءَ فَجَلَسَ فَقَالَ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ:
نَعَمْ، فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ: قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: فلم ير أنه يكذبه مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ، إِذَا دَعَا قَوْمَهُ، قَالَ: أرأيت إن دعوت إليك قَوْمَكَ أَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثَتْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ: فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ! هَلُمَّ.
قَالَ فَانْفَضَّتِ [ (23) ] الْمَجَالِسُ فَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
حَدِّثْ قَوْمَكَ مَا حَدَّثَتْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ قَالُوا: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالُوا: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَ فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَوَاحِدٍ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُسْتَعْجِبٍ لِلْكَذِبِ، زَعَمَ، قَالَ: وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى
__________
[ (21) ] أخرجه الترمذي في تفسير سورة الإسراء، عن إسحق بن منصور، عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ ...
وقال: «حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق» .
[ (22) ] في (ص) : «أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ منيب» .
[ (23) ] في (ح) : «فانتقصت» ، وفي مسند أحمد: «فانتفضت إليه» .

(2/363)


الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ، قَالَ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عَقِيلٍ أَوْ عِقَالٍ قَالَ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ كَانَ مَعَ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَحْفَظْهُ عَوْفٌ قَالَ: فَقَالُوا: أَمَّا النَّعْتُ فَقَدْ وَاللهِ أَصَابَ» [ (24) ] .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ قَالَ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ اللهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مسلمة، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ، أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ فَلَمْ يُزَايِلَا ظَهْرَهُ هُوَ وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى انْتَهَيَا بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَعِدَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَأَرَاهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ» .
ثُمَّ قَالَ لِي: هَلْ صَلَّى فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ اسْمَعْ يَا أُصَيْلِعُ إِنِّي لَأَعْرِفُ وَجْهَكَ وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُكَ قَالَ قُلْتُ أَنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ قَالَ:
فَأَيْنَ تَجِدُهُ صَلَّاهَا فَتَأَوَّلْتُ الْآيَةَ: سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بعبده إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ فَإِنَّهُ لَوْ صَلَّى لَصَلَّيْتُمْ كَمَا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ قُلْتُ لِحُذَيْفَةَ: أَرَبَطَ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ أَكَانَ يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْهُ وَقَدْ أَتَاهُ اللهُ بِهَا؟ قُلْتُ وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ إِلَّا أَنَّهُ لم يحفظ صفة
__________
[ (24) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 309) ، وأبو نعيم، وابن مردويه من طريق قابوس عن أبيه بسند صحيح.

(2/364)


الْبُرَاقِ وَكَانَ حُذَيْفَةُ لَمْ يَسْمَعْ صَلَاتَهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ [ (25) ] .
وَقَدْ رُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَأَمَّا الرَّبْطُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَالْبُرَاقُ دَابَّةٌ مَخْلُوقَةٌ وَرَبْطُ الدَّوَابِّ عَادَةٌ مَعْهُودَةٌ وَإِنْ كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لقادر عَلَى حَفِظِهَا وَالْخَبَرُ الْمُثْبِتُ [ (26) ] أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [ (27) ] قَالَ هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (28) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ [رَحِمَهُ الله] [ (29) ] .
__________
[ (25) ] أخرجه الترمذي في: 48- كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة الإسراء، حديث (3147) ، صفحة (5: 307) ، وقال: «هذا حديث حسن صحيح» .
[ (26) ] في (ص) : «الثابت» .
[ (27) ] [الإسراء- 60] .
[ (28) ] في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة الإسراء (9) باب: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، حديث (4716) ، فتح الباري (8: 398) .
[ (29) ] ليست في (ص) ولا في (هـ) .

(2/365)


بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ فَرَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَقَبْلَ ذَلِكَ كَانَ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحى، مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى، أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى [ (1) ] » .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي الْمَنِيعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ هُوَ ابْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ سَأَلْتُ زِرًّا، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [ (2) ] فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» .
__________
[ (1) ] أول سورة النجم.
[ (2) ] (9- سورة النجم) .

(2/366)


رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (3) ] عَنْ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ زَائِدَةَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: أخبرنا الحسن ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأى [ (5) ] قَالَ: «رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ «مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ وَعَلَيْهِ حُلْوٌ مِنْ رَفْرَفٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والْأَرْضِ» [ (7) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابن مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا (ح) .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نمير،
__________
[ (3) ] فتح الباري (8: 610) تفسير سورة النجم، (باب) : «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أوحى» .
[ (4) ] من حديث أبي الربيع الزهراني، هو في صحيح مسلم، في: 1- كتاب الإيمان، (76) باب في ذكر سدرة المنتهى، الحديث (280) ، صفحة (1: 158) .
[ (5) ] (11- سورة النجم) .
[ (6) ] صحيح مسلم، 1- كتاب الإيمان، حديث (281) ، صفحة (1: 158) .
[ (7) ] أخرجه الترمذي في تفسير سورة النجم، والإمام أحمد في «مسنده» (1: 394، 418) .

(2/367)


قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ «قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى دَنَا فتدلى قَالَتْ إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرِّجَالِ [ (8) ] وَإِنَّهُ أَتَاهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ فَسَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ» .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ [ (9) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ [ (10) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِهِ يَرَى فِي الْمَنَامِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا رَأَى جِبْرِيلَ بِأَجْيَادٍ أَنَّهُ خَرَجَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، فَصَرَخَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! فَنَظَرَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَفَعَ بَصَرَهُ فَإِذَا هُوَ يَرَاهُ ثَانِيًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى عَلَى أُفُقِ السَّمَاءِ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِبْرِيلُ جِبْرِيلُ يُسَكِّنُهُ. فَهَرَبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ فَنَظَرَ فَرَآهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى مَا ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [ (11) ] الْآيَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ الْإِيَادِيُّ، عن أبي عمران
__________
[ (8) ] في (ص) : «الرجل» .
[ (9) ] أخرجه البخاري في أول تفسير سورة النجم.
[ (10) ] في: 1- كتاب الإيمان، حديث (290) .
[ (11) ] [ (1- 2) سورة النجم] .

(2/368)


الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَكَزَ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَقُمْتُ- يَعْنِي- إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدْتُ فِي الْآخَرِ، فَسَمَتْ وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ، وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفَيَّ، فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسَسْتُ [ (12) ] فَالْتَفَتُّ إِلَى جِبْرِيلَ فَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ عَلْمِهِ بِاللهِ عَلَيَّ، فَفُتِحَ لِي بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ النُّورَ الْأَعْظَمَ، وَإِذَا دُونِي حِجَابٌ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، فَأَوْحَى إِلَيَّ مَا شَاءَ أَنْ يُوحِيَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي آخِرِهِ «وَلُطَّ دُونِيَ الْحِجَابُ رَفْرَفُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ» .
هَكَذَا رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عُطَارِدٍ [ (13) ] «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَنَكَتَ فِي ظَهْرِهِ، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَةِ فِيهَا مِثْلُ وَكْرَيِ الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا، وَقَعَدَ جِبْرِيلُ فِي الْآخَرِ فَتَسَامَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتِ الْأُفُقَ، فَلَوْ بَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى السَّمَاءِ لَنُلْتُهَا، فَدَلَّى بِسَبَبٍ، وَهَبَطَ النُّورُ، فَوَقَعَ جِبْرِيلُ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْسٌ، فَعَرَفْتُ فَضْلَ خَشْيَتِهِ عَلَى خَشْيَتِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا؟ أَوْ إِلَى الْجَنَّةِ مَا أَنْتَ؟ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَنْ تَوَاضَعَ قَالَ: قُلْتُ لَا [ (14) ] ، بَلْ نَبِيًّا عبدا» [ (15) ] .
__________
[ (12) ] في (ص) و (هـ) : «مسست» .
[ (13) ] لا تعرف له صحبة، وكان سيد أهل الكوفة في زمانه، روى عنه أبو عمران الجوني. تجريد أسماء الصحابة (2: 60) .
[ (14) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (15) ]
من طريق أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أنس (مرسل) ، ومن طريق مُحَمَّدِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ عطارد عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم مرسلا، وله شاهد عند الإمام أَحْمَدَ (2: 231) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- دون قصة الشجرة- جلس جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم، فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق

(2/369)


أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ ابن عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ مِنْ فِيهِمَا [ (16) ] ، قَالَا:
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ:
أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- «أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ- وَلَكِنْ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقِهِ، سَادًّا مَا بَيْنَ الْأُفُقِ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ عَنْ محمد ابن عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ [ (17) ] .
قُلْتُ: فَالْمَرَّةُ الْأُولَى الَّتِي رَآهُ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا كَتَبْنَا مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَقَدْ روينا أنها نزلت بعد ما هَاجَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُمَا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَبَلَغَهُمُ الْخَبَرُ رَجَعُوا ثُمَّ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وذلك كَانَ قَبْلَ الْمَسْرَى بِسَنَتَيْنِ [ (18) ] .
__________
[ () ] قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد! أرسلني إليك ربك، قال: أفملكا نبيا يجعلك، أو عبدا رسولا؟ - قال جبريل: تواضع لربك يا محمد- قال: بل، عبدا رسولا.
[ (16) ] ليست في (هـ) ، وفي (ص) و (هـ) : فرّقهما.
[ (17) ] أخرجه البخاري في: 59- كتاب بدء الخلق (7) باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء.
الحديث (3234) ، فتح الباري (6: 313) .
والحديث أخرجه مسلم ببداية مختلفة عن البخاري، فرواه عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلّم بواحدة منهنّ فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هنّ، قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم رأى ربه. إلخ الحديث الطويل الذي أخرجه مسلم في: 1- كتاب الايمان (7) باب معنى قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، الحديث (287) ، صفحة (1: 159) .
[ (18) ] في (ح) : «بسنين» .

(2/370)


ثُمَّ رَآهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ لَيْلَةَ أُسْرِي بِهِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى [فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ... ] [ (19) ] عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [ (20) ] ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي غَيْرَ هَذِهِ الْآيَاتِ، ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي رُؤْيَتِهِ إِيَّاهُ نَزْلَةً أُخْرَى بَعْدِ الْمَسْرَى فَأُلْحِقَتْ بِالسُّورَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، قَالَ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» ورَوَاهُ مُسْلِمٌ [ (21) ] فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: مَرَّ بِنَا زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجل: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (21) ] . قَالَ زِرُّ: قَالَ عَبْدُ اللهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «رَأَى جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَهُ سِتُّمِائَةِ جناح» .
__________
[ (19) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (20) ] الآيات الكريمة (12- 18) من سورة النجم (21) في (ح) : رواه البخاري، وأثبت ما في (ص) و (هـ) إذ هو الصحيح، حيث أخرجه مسلم فقط [تحفة الأشراف (10: 262) ] في: 1- كتاب الإيمان، (77) باب معنى قَوْلِهِ- عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى، وهل رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم ربّه ليلة الإسراء؟، الحديث (283) ، الصفحة (1: 158) .
[ (21) ] الآية الكريمة (18) من سورة النجم.

(2/371)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (22) ] عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [ (23) ] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ يَنْفُضُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ: الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ [ (24) ]
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَاغَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [ (25) ] قَالَ: «رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عن قَبِيصَةَ [ (26) ] .
وَيُرِيدُ ابْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَتِهِ عَلَى رَفْرَفٍ أَخْضَرَ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ مُبَيَّنًا [ (27) ] . أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عبد
__________
[ (22) ] في: 1- كتاب الإيمان (76) باب في ذكر سدرة المنتهى، حديث (282) ، الصفحة (1:
158) .
[ (23) ] الآية الكريمة (13) من سورة النجم.
[ (24) ] الحديث أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (1: 395، 412، 460) .
[ (25) ] الآية الكريمة (18) من سورة النجم.
[ (26) ] في: 65- كتاب التفسير (باب) : لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ ربّه الكبرى، فتح الباري (8: 611) .
[ (27) ] وأخرجه الترمذي (5: 395) ، ومسند أحمد (1: 394، 418، 419) .

(2/372)


اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ- كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ- وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَدُ بِهِ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا حَتَّى يُقْبَضَ مِنْهَا، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى [ (28) ] ، قَالَ: غَشِيَهَا فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ [ (29) ] وَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَخَوَاتِيمَ سورة البقرة، وعفر لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ، الْمُقْحِمَاتُ [ (30) ] .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (31) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بن نمير، وَزُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ
وَقَدْ رواه أنس ابن مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَاهُ مَرَّةً مُرْسَلًا دُونَ ذِكْرِهِمَا. أَمَا رِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ- رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: محمد ابن يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءَ الْخَفَّافُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ابن مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ قَالَ: فَأُتِيتُ فَانْطَلَقَ بِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمٍ فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا- قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِصَاحِبِي مَا تَعْنِي، قَالَ: إِلَى أسفل بطني فاستخرج
__________
[ (28) ] [الآية الكريمة (16) من سورة النجم] .
[ (29) ] (الفراش) : دويبة ذات جناحين تتهافت في ضوء السراج. واحدتها: فراشة.
[ (30) ] (المقحمات) معناه: الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار، وتقحمهم إياها، والتقحم: الوقوع في المهالك. ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات.
[ (31) ] صحيح مسلم (1: 157) من كتاب الإيمان (32) عند مسلم: «قيل» .

(2/373)


قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، قَالَ: وَحُشِيَ أَوْ قَالَ: وَكُنِزَ إِيمَانَا وَحِكْمَةً- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ قَالَ- ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالَ لَهُ: الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ وَمَعِيَ صَاحِبِي لَا يُفَارِقُنِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالَ: جِبْرِيلُ. فَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: محمد قالوا [ (32) ] : أو قد بُعِثَ إِلَيْهِ [ (33) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا قَالُوا [ (34) ] : مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ [ (35) ] فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ [ (36) ] ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يَحْيَى وَعِيسَى.
قَالَ سَعِيدٌ أَحْسَبُهُ قَالَ: ابْنِي الْخَالَةِ [ (37) ] .
فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَا: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا [ (38) ] حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فقال: مرحبا
__________
[ (32) ] عند مسلم «قيل» .
[ (33) ] عند مسلم: «وقد بعث إليه» .
[ (34) ] عند مسلم: «قال» .
[ (35) ] (ولنعم المجيء جاء) : فيه حذف الموصول والاكتفاء بالصلة، والمعنى: نعم المجيء الذي جاءه.
[ (36) ] في البخاري: «وقد أرسل إليه؟» .
[ (37) ] عند البخاري بدل هذه العبارة: «فلما خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا خالة» .
[ (38) ] عند البخاري: «ثم صعد بي إلى السماء الثالثة» .

(2/374)


بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [ (39) ] فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ إِدْرِيسُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، [قَالَ- عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ سَعِيدٌ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَهَا- قَالَ اللهُ: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [ (40) ] ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى هَارُونَ فَقُلْتُ:
يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا أَخُوكَ هَارُونُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ:
فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى فَنُودِيَ مَا يُبْكِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ هَذَا غُلَامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، وَقِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ والنبي
__________
[ (39) ] الزيادة من (هـ) .
[ (40) ] الزيادة ليست في البخاري.

(2/375)


الصَّالِحِ، وَرُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ [ (41) ] آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَحَدَّثَ نَبِيُّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَأَنَّ نَبْقَهَا [ (42) ] مِثْلُ قِلَالِ [ (43) ] هَجَرَ، وَحَدَّثَ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا خَمْرٌ، وَالْآخَرُ لَبَنٌ، فَعُرِضَا عَلَيَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ. فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ أَصَابَ اللهُ بِكَ أُمَّتَكَ [ (44) ] عَلَى الْفِطْرَةِ، وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ قَالَ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ- فَجِئْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى قَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إسرائيل أشد المعالجة،
__________
[ (41) ] في (ح) : «فيه» .
[ (42) ] جمع نبقة وهو حمل السدر.
[ (43) ] (القلال) : الجرار، يريد: أن ثمرها في الكبر مثل الجرار، وكانت معروفة عند المخاطبين، لذلك وقع التمثيل بها، وورد ذكرها في أحاديث نبوية أخرى: إذا بلغ الماء قلتين، فالقلة: جرّة كبيرة تسع قربتين وأكثر.
وهجر: اسم بلد بقرب المدينة المنورة.
[ (44) ] أصاب الله بك: أي: أراد بك الفطرة والخير والفضل، وجاء في الذكر الحكيم: «فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب» [سورة ص- 36] ، أي: أراد.

(2/376)


وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قُلْتُ: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَنُودِيتُ أَوْ نَادَانِي مُنَادٍ- الشَّكُّ مِنْ سَعِيدٍ- أَنْ قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَجَعَلْتُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا» .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ [ (45) ] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ: مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ- فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ [ (46) ] الْبَطْنِ فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا» [ (47) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الله الحافظ، قال: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، فَذَكَرَهُ.
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ عَنْ صَعْصَعَةَ «أَنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ. بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ- وَرُبَّمَا قَالَ- فِي الْحِجْرِ مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ، فَقَدَّ، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي، مَا يَعْنِي بِهِ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
__________
[ (45) ] في: 1- كتاب الإيمان، (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، الحديث (264) ، ص (1: 149- 151) .
[ (46) ] مراقّ البطن: ما سفل من البطن ورق من جلده.
[ (47) ] هذه الرواية في صحيح مسلم، في كتاب الايمان، الحديث (265) ، ص (1: 151) .

(2/377)


مِنْ قَصَّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ، فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ- فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَلَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عَلَى هَذَا النَّسَقِ بِمَعْنَى [ (48) ] حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَالْأَنْهَارِ «ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ، ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ» ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ [ (49) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ الْجُرْجَانِيُّ [ (50) ] ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى: أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ: هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ رُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ [ (51) ] .
قَالَ قَتَادَةُ، وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم: أنه رأى
__________
[ (48) ] في (هـ) : «يعني» .
[ (49) ] رواية البخاري- هذه- التي أشار إليه المصنف هي في: 63- كتاب مناقب الأنصار (42) باب المعراج، الحديث (3887) ، فتح الباري (7: 301) .
[ (50) ] في (هـ) : «الخلالي الجرجاني» .
[ (51) ] هذه الرواية أخرجها البخاري في: 59- كتاب بدء الخلق، (6) باب ذكر الملائكة، الحديث (2207) ، فتح الباري (6: 302) .

(2/378)


البيت المعمور يدخله كل يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
فَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ [ (52) ] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ:
أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ التُّجِيبِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: قَالَ: «فُرِّجَ [عَنْ] [ (53) ] سَقْفِ بَيْتِي [ (54) ] وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَفَرَجَ [ (55) ] صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، ثُمَّ أَفْرَغَهَا [ (56) ] فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ [ (57) ] بِي إِلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا جِئْنَا [ (58) ] السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ [الدُّنْيَا] [ (59) ] افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ:
هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: أَأُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم،
__________
[ (52) ] في (هـ) : «أبو الحسين» وهو تحريف.
[ (53) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (54) ] فُرِّجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي: أي فتح فيه فتح.
[ (55) ] أي شق صدري.
[ (56) ] في الصحيح: «فأفرغه» .
[ (57) ] (عرج بي) : يعني صعد.
[ (58) ] في الصحيح: «فلما جئت» .
[ (59) ] الزيادة من (هـ) فقط، وليست في الصحيح.

(2/379)


[فَلَمَّا فُتِحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَإِذَا] [ (60) ] رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ [ (61) ] فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قَالَ: قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَهَذِهِ الْأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ [ (62) ] ، فَأَهَلُ الْيَمِينِ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، قَالَ: ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ خَازِنُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَفَتَحَ.
قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وجد في السموات آدَمَ، وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِإِدْرِيسَ، قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قَالَ: قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ [ (63) ] مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى.
قَالَ: ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى.
ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قلت:
__________
[ (60) ] أثبت العبارة من الصحيح، وقد جاء في كل النسخ «ففتح، فلما علونا السماء الدنيا إذا» .
[ (61) ] (أسودة) : جمع سواد، كالأزمنة، جمع زمان، والسواد: الشخص، وقيل: الجماعات، وسواد الناس عوامهم، وكل عدد كثير، ويقال: هي الأشخاص من كل شيء. قال أبو عبيد: «هو شخص كل شيء من متاع أو غيره، والجمع: أسودة، وجمع الجمع: أساودة.
[ (62) ] (نسم بنيه) : النسمة هي نفس الروح، والجمع: نسم. والمراد: أرواح بني آدم.
[ (63) ] في (ص) : «قَالَ» .

(2/380)


مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ [ (64) ] أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى [ (65) ] أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الْأَقْلَامِ [ (66) ] .
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: [ (67) ] قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: فَفَرَضَ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ [ (68) ] بِمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: مَاذَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ مُوسَى: فَرَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى سدرة المنتهى،
__________
[ (64) ] ابن حزم هو: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو بن حزم الأنصاري البخاري المدني، وأبو محمد ولد فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم أباه أن يكنيه بأبي عبد الملك، وكان فقيها فاضلا، قتل يوم الحرة وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سنة، وهو تابعي، وذكره ابن الأثير في الصحابة، ولم يسمع الزهري منه لتقدم موته.
[ (65) ] في (ص) و (هـ) : بمستوى. وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[ (66) ] صريف الأقلام: وهو تصويتها حال الكتابة، قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أَوْ مَا شَاءَ اللهُ تعالى من ذلك أن يكتب، ويرفع لما أراده الله من أمره وتدبيره في خلقه سبحانه وتعالى، لا يعلم الغيب إلا هو الغني عن الاستذكار بتدوين الكتب والاستثبات في الصحف، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وأحصى كل شيء عددا.
[ (67) ] قال ابن حزم: أي عن شيخه، وقال أنس بن مالك أي عن أبي ذر، والظاهر أنه من جملة مقولة ابن شهاب الزهري، ويحتمل أن يكون تعليقا من البخاري.
[ (68) ] في كل الأصول: «حتى أمرّ» وأثبتّ ما في صحيح البخاري.

(2/381)


فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا جَنَابِذُ [ (69) ] اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ [ (70) ] ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى [ (71) ] .
وَأَنْبَأَنَا [ (72) ] رِوَايَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَخْتَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ ابن سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا [ (73) ] بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي يَرْبُطُهَا [ (74) ] الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ دَخَلْتُ [ (75) ] فَصَلَّيْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ فَأَتَانِي [ (76) ] جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: أَصَبْتَ [ (77) ] الفطرة، قال: ثم
__________
[ (69) ] (الجنابذ) : جمع جنبذ، وهو ما ارتفع من الشيء واستدار كالقبة، والأظهر أنه فارسي معرب.
[ (70) ] في: 8- كتاب الصلاة (1) كيف فرضت الصلاة، الحديث (349) ، فتح الباري (1: 458) .
كما أخرجه البخاري أيضا في الحج مختصرا عن عبدان، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وأخرجه أيضا في أحاديث الأنبياء عن عبدان، وعن أحمد بن صالح.
[ (71) ] في: 1- كتاب الإيمان (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم الى السموات، وفرض الصلوات، الحديث (263) ، ص (1: 148) .
[ (72) ] في (ص) و (هـ) : «وأما رواية أنس» .
[ (73) ] عند مسلم «حتى أتيت» .
[ (74) ] كذا في الأصل (ح) ، وفي (ص) و (هـ) : «يربط بها» ، وعند مسلم «التي يربط به» .
[ (75) ] في صحيح مسلم: «ثم دخلت المسجد فصلّيت» .
[ (76) ] عند مسلم: «فجاءني» .
[ (77) ] في الصحيح: «اخترت الفطرة» .

(2/382)


عُرِجَ بِي [ (78) ] إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ [ (79) ] إِلَيْهِ، قَالَ قَدْ أُرْسِلَ. فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذْ بِآدَمَ [ (80) ] عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ، يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطَى شَطْرَ الْحُسْنِ، قَالَ: فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ. قِيلَ:
وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ:
وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ:
مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وقد
__________
[ (78) ] في الصحيح: «بنا» .
[ (79) ] عند مسلم: «وقد بعث إليه؟» .
[ (80) ] في الصحيح: «فإذا أنا بآدم» .

(2/383)


أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: وقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ [ (81) ] إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، فَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، قَالَ: فَدَنَا فَتَدَلَّى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، وَفُرِضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسُونَ صَلَاةً، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى، قَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ:
فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ! خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَقَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ [ (82) ] لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشَرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً.
هَذَا حَدِيثُ أَبِي مُسْلِمٍ، قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمُنْذِرِ الْعَرَّارُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ حَسَنَةً، فإن علمها كُتِبَتْ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ وَاحِدَةً. قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: قُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييت.
__________
[ (81) ] في (ص) و (هـ) : وإذا هو» ، وفي الصحيح: «فإذا أنا بإبراهيم صلّى الله عليه وآله وسلّم مسندا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ» .
[ (82) ] كذا في (ح) وحاشية (ص) وفي (ص) : «في اليوم والليلة» ومثله في (هـ) .

(2/384)


رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ [ (83) ] ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: فَدَنَا فَتَدَلَّى، وَإِنَّمَا قَالَ: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ ما أوحى، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً كَمَا رَوَاهُ حَجَّاجُ ابن مِنْهَالٍ، وَكَمَا رَوَاهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى كَمَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى.
وَفِي حَدِيثِ شَرِيكٍ زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى رُؤْيَتِهِ، جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصَحُّ.
فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهَا قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [ (84) ] وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [ (85) ] فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ هَذَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ [إِنَّمَا هُوَ] جِبْرِيلُ. لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ» [ (86) ] .
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَفِي كِتَابِ الرُّؤْيَةِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بيت المقدس.
__________
[ (83) ] في 1:- كتاب الايمان (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم إلى السموات، وفرض الصلاة، الحديث (259) ، ص (1: 145- 147) .
[ (84) ] الآية الكريمة (23) من سورة التكوير.
[ (85) ] الآية الكريمة (13) من سورة النجم.
[ (86) ] الحديث عند مسلم في: 1- كتاب الإيمان، (77) بَابُ قَوْلِ اللهِ- عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى، وهل رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم ربه ليلة الإسراء، الحديث (287) ، ص (1: 159) .

(2/385)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ، [قَالَ] [ (87) ] . حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَجُلًا طُوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شنوءة، ورأيت عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ [ (88) ] وَأُرِيَ مَالِكًا خَازِنَ جَهَنَّمَ [ (89) ] وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُ، قَالَ: فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ [ (90) ] ، قَالَ فَكَانَ قَتَادَةُ يفَسِّرُهَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَدْ لَقِيَ مُوسَى وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ [ (91) ] قَالَ: جَعَلَ اللهُ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَيْبَانَ [ (92) ] .
وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ مُخْتَصَرًا [ (93) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، [قَالَ] [ (94) ] :
__________
[ (87) ] ليست في (ص) .
[ (88) ] سبط الرأس: مسترسل الشعر.
[ (89) ] في الصحيح: «خازن النار» .
[ (90) ] [32/ السجدة/ آية 23] .
[ (91) ] [17/ الإسراء/ آية 2] .
[ (92) ] في: 1- كتاب الإيمان (74) بَابُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم، الحديث (267) ، ص (1: 151) .
[ (93) ] البخاري في أحاديث الأنبياء عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ غندر، عن شعبة، ومسلم في كتاب الإيمان حديث (272) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ. (1: 151) .
[ (94) ] ليست في (ص) .

(2/386)


حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: «حِينَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى، فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ- حَسِبْتُهُ قَالَ- مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي حَمَّامٍ، قَالَ: وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ، قَالَ وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الْآخَرِ خَمْرٌ قِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُ فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ» .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ [ (95) ] رَافِعٍ.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَحْمُودٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ [ (96) ] .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ «أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» [ (97) ] .
وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي وَذَكَرَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَوَصَفَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: فَجَاءَتِ الصَّلَاةُ فأممتهم [ (98) ] .
__________
[ (95) ] في: 1- كتاب الايمان، الحديث (272) ، ص (1: 154) .
[ (96) ] البخاري عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ، عن عبد الرزاق في أحاديث الأنبياء وباب (49) ، والترمذي في أول تفسير سورة الإسراء، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ.
[ (97) ] أخرجه مسلم في: 43- كتاب الفضائل، حديث (164) ، والنسائي في قيام الليل، والإمام أحمد في «مسنده» (3: 148، 248) .
[ (98) ] تضافرت الروايات على أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم صلى بالأنبياء قبل العروج، قال ابن حجر: «وهو الأظهر» ، والاحتمال الثاني أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم صلى بهم بعد أن هبط من السماء أيضا فهبطوا، وصححه الحافظ ابن كثير، وقال: «أثبت الصلاة في بيت المقدس الجمهور من الصحابة» .

(2/387)


وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ لَقِيَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ أَنَّهُ بُعِثَ لَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ.
وَرُوِّينَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عن مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ رَأَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ.
وَلَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُنَافَاةٌ فَقَدْ يَرَاهُ فِي مَسِيرِهِ وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي قبره لم يسار بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَيَرَاهُ فِي السَّمَاءِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ رَآهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فِي الْأَرْضِ ثُمَّ فِي السَّمَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَالشُّهَدَاءِ فَلَا يُنْكَرُ حُلُولُهُمْ فِي أَوْقَاتٍ بِمَوَاضِعَ مُخْتَلِفَاتٍ كَمَا وَرَدَ خبر الصادق [ (99) ] به.
__________
[ (99) ] الأنبياء كالشهداء بل أفضل، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجوا وأن يصلّوا، وأن يتقربوا إلى الله بما استطاعوا لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها، وتعقبها: الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل.
والبرزخ ينسحب عليه حكم الدنيا في استكثارهم من الأعمال وزيادة الأجور. وقال المسبكي رحمه الله تعالى: «إنا نقول إن المنقطع في الآخرة إنما هو التكليف، وقد تحصل الأعمال من غير تكليف على سبيل التلذذ بها والخضوع لله تعالى. ولهذا ورد أنهم يسبّحون ويدعون ويقرأون القرآن وانظر إلى سجود النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقت الشفاعة، أليس ذلك عبادة وعملا؟ وعلى كلا الجوابين لا يمتنع حصول هذه الأعمال وفي مدة البرزخ» .
وقد صح عن ثابت البناني التابعي أنه قال: «اللهم إن كنت أعطيت أحدا أن يصلي في قبره فأعطني ذلك» . فرؤي بعد موته يصلّي في قبره، ويكفي رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم لموسى قائما يصلي في قبره، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم وسائر الأنبياء لم يقبضوا حتى خيّروا بين البقاء في الدنيا وبين الآخرة فاختاروا الآخرة. ولا شك أنهم لو بقوا في الدنيا لازدادوا من الأعمال الصالحة ثم انتقلوا إلى الجنة، فلم لم يعلموا أن انتقالهم إلى الله تعالى أفضل لما اختاروه، ولو كان انتقالهم من هذه الدار يفوت عليهم زيادة فيما يقرب إلى الله تعالى لما اختاروه.

(2/388)


أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا دُبَيْسٌ الْمُعَدِّلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ «لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَّتْ بِي رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ؟ قَالُوا: مَاشِطَةُ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادُهَا سَقَطَ مُشْطُهَا مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللهِ: فَقَالَتْ بِنْتُ فِرْعَوْنَ أَبِي، قَالَتْ رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ، قَالَتْ: أَوَ لَكِ رَبٌّ غَيْرُ أَبِي؟
قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ: اللهُ، قَالَ: فَدَعَاهَا، فَقَالَ: أَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قالت: نعم ربي وربك اللهُ، قَالَ: فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا لَتُلْقَى فِيهَا، قَالَتْ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعْ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي مَوْضِعٍ، قَالَ: ذَاكَ لَكِ لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ فَأَمَرَتْهُمْ فَأُلْقُوا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى بَلَغَ رَضِيعًا فِيهِمْ، فَقَالَ: قَعِي يَا أُمَّهْ وَلَا تَقَاعَسِي فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ، قَالَ: وَتَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: هَذَا، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَعِيسَى بن مَرْيَمَ [ (100) ] » .
وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا أَحَادِيثُ بِأَسَانِيدَ ضعاف وفيما
__________
[ (100) ] أخرجه الهيثمي في الزوائد (1: 65) ، وقال: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير، والأوسط، وفيه عطاء بن السائب، وهو ثقة لكنه اختلط. وانظر كشف الأستار (1: 37) وتفسير ابن كثير (3: 15) ، وفي الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة» ، فذكر عيسى وصاحب جريج وابن الماشطة. وفي حديث مسلم عن صهيب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قصة أصحاب الأخدود: أن امرأة جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر ومعها صبيّ يرضع فتقاعست فقال: يا أماه اصبري فإنك على الحقّ. وفي رواية عند ابن قتيبة: إنه كان ابن سبعة أشهر. وروى الثعلبي عن الضحاك أن يحيى بن زكرياء تكلم في المهد وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل عليه السلام تكلم في المهد. وفي سير الواقدي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلّم تكلم في أوائل ما ولد.

(2/389)


ثَبَتَ مِنْهَا غُنْيَةٌ، وَأَنَا ذَاكِرٌ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى مِنْهَا مَا هُوَ أَمْثَلُ إِسْنَادًا وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَسَدٍ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ [ (101) ] ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ «أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِكَ فِيهَا. قَالَ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ (102) ] . قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ قَالَ: بَيْنَا أنا قائم عِشَاءً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي، فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا ثُمَّ عُدْتُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا ثُمَّ عُدْتُ فِي النَّوْمِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي فَاسْتَيْقَظْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا بِكَهَيْئَةِ خَيَالٍ فَأَتْبَعْتُهُ بِبَصَرِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا أَنَا بدابة أدنى، شبيهة بدوا بكم هَذِهِ، بِغَالِكُمْ هَذِهِ، مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، وَكَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ تَرْكَبُهُ قَبْلِي يَقَعُ حَافِرُهُ مَدَّ بَصَرِهِ فَرَكِبْتُهُ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي
__________
[ (101) ] أبو هارون العبد عمارة بن جوين روى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وابن عمر، ضعّفه شعبة، وقال البخاري: تركه يحيى القطان، وقال ابن معين: «كان عندهم لا يصدق في حديثه، وكانت عنده صحيفة يقول: هذه صحيفة الوحي» .
وضعّفه أبو زرعة، وأبو حاتم، وقال النسائي، والحاكم: «متروك» ، وقال الجوزجاني:
«كذاب مفتر» .
وقد ذكر العقيلي في الضعفاء الكبير (3: 313) طبعة «دار الكتب العلمية» من تحقيقنا، وقال ابن حبان في المجروحين (2: 177) : «كان رافضيا يروي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَا ليس من حديثه. له ترجمة في الميزان (3: 173) ، والتهذيب (7: 412) . وغيرهما.
[ (102) ] أول سورة الإسراء.

(2/390)


أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ [ (103) ] فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقِمْ عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي: يَا مُحَمَّدُ! أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهُ ولم أقم عليه وَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَيْهِ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا وَعَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللهُ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا ولم أقم عليها حيت أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُهَا بِهِ فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءَيْنِ: أحدهما خمر، والآخر لبن.
فَشَرِبْتُ اللَّبَنَ وَتَرَكَتُ الْخَمْرَ فَقَالَ جِبْرِيلُ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ فَقُلْتُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ فَقَالَ جِبْرِيلُ مَا رَأَيْتُ فِيَ وَجْهِكَ هَذَا قَالَ فَقُلْتُ بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي الْيَهُودِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ أَوْ وقفت عليه لتهورت أُمَّتُكَ، قَالَ: وبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهُ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَةٍ عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ خَلَقَهَا اللهُ تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْظِرْنِي أَسْأَلْكَ فَلَمْ أُجِبْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا قَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَجَبْتَهَا لَاختَارَتْ أُمَّتُكَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ.
قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُتِيتُ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ ير الخلايق أَحْسَنَ مِنَ الْمِعْرَاجِ مَا رَأَيْتُمُ الْمَيِّتَ حِينَ يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ [فَإِنَّمَا يُشَقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إِلَى السَّمَاءِ [ (104) ]] عَجَبٌ [ (105) ] بِالْمِعْرَاجِ قَالَ فَصَعَدْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ صَاحِبُ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ
__________
[ (103) ] في (ح) : «أسلك» وهكذا في سائر الخبر وأثبتنا ما في (هـ) و (ص) .
[ (104) ] ما بين الحاصرتين ليست في (ص) ، وثابتة في بقية النسخ.
[ (105) ] في (ص) و (هـ) : «عجبه» .

(2/391)


كل ملك جنده ماية أَلْفِ مَلَكٍ، قَالَ: وَقَالَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [ (106) ] فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ بَابَ السَّمَاءِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ كَهَيْئَةِ يَوْمِ خَلَقَهُ اللهُ عَلَى صُورَتِهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ:
رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا عَلَى عِلِّيِّينَ، ثُمَّ تُعْرَضُ [ (107) ] عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارُ، فَيَقُولُ: رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ، ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ- يَعْنِي الْخِوَانَ الْمَائِدَةُ الَّتِي يُؤْكَلُ عَلَيْهَا لَحْمٌ مُشَرَّحٌ- لَيْسَ يَقْرَبُهَا أَحَدٌ وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا لَحْمٌ قَدْ أَرْوَحَ وَنَتِنَ عِنْدَهَا أُنَاسٌ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلَ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَتْرُكُونَ الْحَلَالَ وَيَأْتُونَ الْحَرَامَ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونِهِمْ أَمْثَالِ الْبُيوتِ كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدُهُمْ خَرَّ يَقُولُ اللهُمَّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ، قَالَ: وَهُمْ عَلَى سَابِلَةِ آلَ فِرْعَوْنَ، قَالَ: فَتَجِيءُ السَّابِلَةُ فَتَطَأَهُمْ، قَالَ: فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ.
قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ [ (108) ] الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، قَالَ: ثُمَّ مَضَتْ هُنَيَّةٌ [ (109) ] ، فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرُهُمْ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ قَالَ فَتُفْتَحُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَيُلَقَّوْنَ ذَلِكَ الْحَجَرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ أَسَافِلِهِمْ، فَسَمِعْتُهُمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا قَالَ: ثم مضت هنيئة فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ يُعَلَّقْنَ بِثُدِيِّهِنَّ فَسَمِعْتُهُنَّ يَصِحْنَ [ (110) ] إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ قُلْتُ: يا جبريل!
__________
[ (106) ] الآية الكريمة (31) من سورة المدثر.
[ (107) ] في (ح) : «يعرض» .
[ (108) ] في (ص) «يخبطه» وهو تحريف.
[ (109) ] في (هـ) : «هنيئة» .
[ (110) ] في (ص) و (هـ) : «يضججن» .

(2/392)


مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزُّنَاةُ مِنْ أُمَّتِكَ قَالَ ثُمَّ مَضَيْتُ هُنَيَّةً فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ تُقْطَعُ مِنْ جُنُوبِهِمِ اللَّحْمُ فَيُلْقَمُونَ فَيُقَالُ لَهُ: كُلْ كَمَا كُنْتَ تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أَخِيكَ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتِكَ اللَّمَّازُونَ.
ثُمَّ صَعِدْنَا [ (111) ] إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ قَدْ فُضِّلَ عَنِ النَّاسِ بِالْحُسْنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا أَنَا بِيَحْيَى وَعِيسَى وَمَعَهُمَا نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِمَا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَا عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ قَدْ رَفَعَهُ اللهُ مَكَانًا عَلِيًّا، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وسلم عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعَدْتُ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ وَنِصْفُ لِحْيَتِهِ بَيْضَاءُ وَنِصْفُهَا سَوْدَاءُ تَكَادُ لِحْيَتُهُ تُصِيبُ سُرَّتَهُ مِنْ طُولِهَا، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟
قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ، هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعَدْتُ [ (112) ] إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ- رَجُلٌ آدَمُ كَثِيرُ الشَّعْرِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَنَفِدَ شَعْرُهُ دُونَ الْقَمِيصِ- وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: يَزْعُمُ النَّاسُ إِنِّي أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا، بَلْ هَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنِّي! قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ.
ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ خليل الرحمن ساندا
__________
[ (111) ] في (ص) و (هـ) : «صعدا» .
[ (112) ] في (هـ) : «ثم صعدني» .

(2/393)


ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ كَأَحْسَنِ الرِّجَالِ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرحمن، وهو نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، وَإِذَا بِأُمَّتِي شَطْرَيْنِ: شَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيسُ، وَشَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ.
قَالَ: فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ، وَدَخَلَ مَعِيَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ وَحُجِبَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ، وَهُمْ عَلَى حَرٍّ، فَصَلَّيْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِي فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنَا وَمَنْ مَعِيَ، قَالَ: وَالْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: ثُمَّ رُفِعَتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تَكَادُ أَنْ تُغَطِّيَ هَذِهِ الْأُمَّةَ، وَإِذَا فِيهَا عَيْنٌ تَجْرِي يُقَالُ لَهَا سَلْسَبِيلٌ، فَيَنْشَقُّ مِنْهَا نَهْرَانِ أَحَدُهُمَا:
الْكَوْثَرُ وَالْآخَرُ يُقَالُ لَهُ: نَهَرُ الرَّحْمَةِ، فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ.
ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى الْجَنَّةِ فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَإِذَا أَنَا بِأَنْهَارٍ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَإِذَا رُمَّانُهَا كَأَنَّهُ الدِّلَاءُ عِظَمًا وَإِذَا أَنَا بِطَيْرٍ [ (113) ] كَالْبَخَاتِي [ (114) ] هَذِهِ، فَقَالَ عِنْدَهَا صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ: ثُمَّ عَرَضْتُهُ عَلَى النَّارِ فَإِذَا فِيهَا غَضَبُ اللهِ وَرِجْزُهُ ونقمته لو
__________
[ (113) ] في (ص) و (هـ) : «بطيرها» .
[ (114) ] في (ح) «كأنها بختيكم» ، والبخت والبخاتي: نوع من الإبل الواحد: بختي، والأنثى: بختية، والجمع: بخت، وبخاتي، وهو أعجمي معرب، وفي النهاية: البختية: الأنثى من الجمال، والذكر: بختي، وهو جمال طوال الأعناق.

(2/394)


طُرِحَ فِيهَا الْحِجَارَةُ وَالْحَدِيدُ لَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونِي، ثُمَّ إِنِّي دُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَتَغَشَّى لِي، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، قَالَ:
وَنَزَلَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: وَقَالَ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَقَالَ: لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرٌ إِذَا هَمَمْتَ بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَكَ حَسَنَةٌ، فَإِذَا عَمِلْتَهَا كُتِبَتْ لَكَ عَشْرًا وَإِذَا هَمَمْتَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَمْ تَعْمَلْهَا لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكَ شَيْءٌ، فَإِنْ عَمِلْتَهَا كُتِبَتْ عَلَيْكَ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.
ثُمَّ دُفِعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قُلْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ وَمَتَى لَا تُطِيقُهُ تَكْفُرْ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا وَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ بَيْنَ مُوسَى وَرَبِّي كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِهِ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ أَيْ رَبِّ! خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَفُ الْأُمَمِ، فَوَضَعَ عَنِّي خَمْسًا، وَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَنَادَانِي مَلَكٌ عِنْدَهَا: تَمَّتْ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَعْطَيْتُهُمْ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّهُ لا يؤوده شَيْءٌ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ فَقُلْتُ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُهُ.
ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِالْعَجَائِبِ: أَنِّي أَتَيْتُ الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، وَرَأَيْتُ كَذَا وَرَأَيْتُ كَذَا،
فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ! يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتَى الْبَارِحَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا، وَأَحَدُنَا يَضْرِبُ مَطِيَّتَهُ مُصْعِدَةً شَهْرًا وَمُنْقَلِبَةً شَهْرًا، فَهَذَا مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ بَعِيرٍ لِقُرَيْشٍ [ (115) ] لَمَّا كَانَ فِي مَصْعَدِي رَأَيْتُهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا
__________
[ (115) ] في (ص) : «بعير قريش» .

(2/395)


وَأَنَّهَا نَفَرَتْ فَلَمَّا رَجَعْتُ رَأَيْتُهَا عِنْدَ الْعَقَبَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ رَجُلٍ وَبَعِيرِهِ كَذَا وَكَذَا وَمَتَاعِهِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يُخْبِرُنَا بِأَشْيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بيت الْمَقْدِسِ وَكَيْفَ بِنَاؤُهُ وَكَيْفَ هيأته وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ، فإن يكون مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَسَأُخْبِرَكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرَكُمْ، فَجَاءَهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ فَقَالَ: يَا محمدا أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَخْبِرْنِي كَيْفَ بِنَاؤُهُ وكيف هيأته وَكَيْفَ قُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ؟ قَالَ: فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ مِنْ مَقْعَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدِنَا إِلَى بَيْتِهِ: بِنَاؤُهُ كذا وكذا، وهيأته كَذَا وَكَذَا، وَقُرْبُهُ مِنَ الْجَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ الْآخَرُ: صَدَقْتَ. فَرَجَعَ إِلَى الصَّحَابَةِ فَقَالَ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ فِيمَا قَالَ» ، أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ [ (116) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ قَالَ أَنْبَأَنَا أَبُو يَعْقُوبَ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَاضِي الْمَدَائِنِ، قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ حَدَّثَنَا مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَشْبَهُ الدَّوَابِّ بِالْبَغْلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صِغَارُ الْأُذُنَيْنِ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَتْ تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ يَضَعُ حَافِرَهُ حَيْثُ يَبْلُغُ طَرْفُهُ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قَالَ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ بِطُولِهِ» .
قَالَ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِثْلَهُ أَوْ نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي هَارُونَ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ.
أَنْبَأَنَا أَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الله بن
__________
[ (116) ] أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وتقدم في الحاشية (101) من هذا الباب القول أن أبا هارون العبدي هذا: متروك.

(2/396)


عَدِيِّ الْحَافِظُ: قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ السُّكَّرِيُّ [ (117) ] الْبَالِسِيُّ بِالرَّمْلَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ [ (118) ] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ غَيْرِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ.
(ح) وفِيمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ. [الْحَافِظُ] [رَحِمَهُ اللهُ] [ (119) ] أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّعْرَانِيَّ، أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مَاهَانَ [ (120) ] ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [ (121) ] قَالَ: أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عليه
__________
[ (117) ] في (ح) : «السلوني» .
[ (118) ] انظر الحاشية (120) بعد التالية.
[ (119) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (120) ] عيسى بن ماهان أبو جعفر الرازي التميمي قال ابن معين: يكتب حديثه، ولكنه يخطئ.
وقال مرة أخرى: ثقة، وهو يغلط.
وقال علي بن المديني: يخلط.
وقال عمرو بن علي الفلاس: فيه ضعف.
وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا.
وقال الساجي: صدوق ليس بمتقن.
وقال النسائي: ليس بالقوي.
وقال ابن خراش: صدوق سيء الحفظ.
وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير (3: 388) ط. دار الكتب العلمية، من تحقيقنا. وابن حبان في المجروحين (2: 120) . الميزان (3: 319) ، تهذيب التهذيب (12: 56) .
[ (121) ] أول سورة الإسراء.

(2/397)


قَالَ كُلُّ خُطْوَةٍ مُنْتَهَى أَقْصَى بَصَرِهِ، فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فأتى قوم يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْمٍ كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ ترضخ رؤوسهم بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يَفْتُرُ عنهم مِنْ ذَلِكَ، شَيْئًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تتثاقل رؤوسهم عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ: ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ، عَنِ. الضَّرِيعِ وَالزَّقُومِ، وَرَضْفِ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتِهَا، قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَمَا اللهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ فِي قِدْرٍ نَضِجٌ طَيِّبٌ وَلَحْمٌ آخَرُ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الْخَبِيثِ وَيَدَعُونَ النَّضِجَ الطَّيِّبَ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَذَا الَّذِي يَقُومُ وعنده امرأة حلالا طيبا فَيَأْتِي الْمَرْأَةَ الْخَبِيثَةَ فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَا يَمُرُّ بِهَا شَيْءٌ إِلَّا قَصَعَتْهُ [ (122) ] يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ [ (123) ] .
ثُمَّ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ جَمَعَ حُزْمَةً عَظِيمَةً لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا وَهُوَ يَزِيدُ عَلَيْهَا.
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، قَالَ: يا جبريل! من
__________
[ (122) ] في (ص) و (هـ) : «قصفته» .
[ (123) ] الآية الكريمة (86) من سورة الأعراف.

(2/398)


هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطُبُ الْفِتْنَةِ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ عَظِيمٌ فَجَعَلَ النُّورُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ حَيْثُ خَرَجَ وَلَا يَسْتَطِيعُ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ! قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَنْدَمُ عَلَيْهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا بَارِدَةً طَيِّبَةً وَوَجَدَ رِيحَ الْمِسْكِ وَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذِهِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الطَّيِّبَةُ وَرِيحُ الْمِسْكِ؟ وَمَا هَذَا الصَّوْتُ؟
قَالَ: هَذَا صَوْتُ الْجَنَّةِ تَقُولُ: يَا رَبِّ ائْتِنِي بِأَهْلِي وَبِمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ عَرْفِي، وَحَرِيرِي، وَسُنْدُسِي، وَإِستَبْرَقِي، وَعَبْقَرِيِّ، وَلُؤْلُؤِي، وَمَرْجَانِي، وَفِضَّتِي، وَذَهَبِي، وَأَبَارِيقِي، وَفَوَاكِهِي، وَعَسَلِي، وَخَمْرِي، وَلَبَنِي، فَائْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمَسْلَمَةٍ، وَمُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي، وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَلَمْ يَتَّخِذْ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا، وَمَنْ خَشِيَنِي آمَنْتُهُ، وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْتُهُ، ومن توكّل عليّ كيفيته، وَأَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لَا أُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ- إلى- فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [ (124) ] قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذَا الصَّوْتُ؟
قَالَ: هَذَا صَوْتُ جَهَنَّمَ يَقُولُ: ائْتِنِي بِأَهْلِي وَمَا وَعَدْتَنِي فَقَدْ كَثُرَ: سَلَاسِلِي، وَأَغْلَالِي، وَسَعِيرِي، وَزَقُّومِي، وَحَمِيمِي، وَحِجَارَتِي، وَغَسَّاقِي، وَغِسْلِينِي، وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي، وَاشْتَدَّ حَرِّي فَأْتِنِي بِمَا وَعَدْتَنِي، فَقَالَ: لَكِ كُلُّ مُشْرِكٍ وَمُشْرِكَةٍ، وَكَافِرٍ وَكَافِرَةٍ وَكُلُّ خَبِيثٍ وَخَبِيثَةٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، قَالَتْ: قَدْ رَضِيتُ.
قَالَ: ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسَهُ إِلَى صَخْرَةٍ، ثُمَّ
__________
[ (124) ] الآيات [ (1- 14) من سورة «المؤمنون» ] .

(2/399)


دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَةِ، فَلَمَّا قُضِيَتْ قَالُوا: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا:
حَيَّاهُ اللهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
قَالَ: ثُمَّ أَتَى أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ فَأَثْنَوْا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا، وَجَعَلَنِي أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ يُؤْتَمُّ بِي، وَأَنْقَذَنِي مِنَ النَّارِ، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ مُوسَى أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا، وَاصْطَفَانِي بِرِسَالَتِهِ وَكَلِمَاتِهِ، وَقَرَّبَنِي إِلَيْهِ نَجِيًّا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ التَّوْرَاةَ، وَجَعَلَ هَلَاكَ آلِ فِرْعَوْنَ عَلَى يَدَيَّ وَنَجَّى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى يَدَيَّ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَوَّلَنِي مُلْكًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الزَّبُورَ، وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيدَ، وَسَخَّرَ لِيَ الطَّيْرَ وَالْجِبَالَ، وَآتَانِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَانَ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِيَ: الرِّيَاحَ، وَالْجِنَّ، وَالْإِنْسَ، وَسَخَّرَ لِي الشَّيَاطِينَ: يَعْمَلُونَ مَا شِئْتُ مِنْ مَحَارِيبَ، وَتَمَاثِيلَ، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَعَلَّمَنِي مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَكُلَّ شَيْءٍ، وَأَسَالَ لِي عَيْنَ الْقِطْرِ، وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي.
ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَنِي التَّوْرَاةَ، وَالْإِنْجِيلَ، وَجَعَلَنِي أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ، وَالْأَبْرَصَ، وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِهِ، وَرَفَعَنِي، وَطَهَّرَنِي مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهَا سَبِيلٌ.
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ فَقَالَ: كُلُّكُمْ قَدْ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ وَإِنِّي مُثْنٍ عَلَى رَبِّي، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَانَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ

(2/400)


لِلنَّاسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ، وَشَرَحَ صَدْرِي، وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي، وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّدٌ.
قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَةٍ مُغَطَّاةٍ أَفْوَاهُهَا: فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاءٌ، فَقِيلَ لَهُ: اشْرَبْ فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رَوِيَ، ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاءٌ آخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقَالَ: قَدْ رَوِيتُ لَا أُرِيدُهُ، فَقِيلَ لَهُ:
قَدْ أَصَبْتَ، أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتِكَ، وَلَوْ شَرِبْتَ مِنْهَا لَمْ يَتَّبِعْكَ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ: ثُمَّ صُعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» .
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوٍ مِمَّا رَوَيْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ إِلَى أَنْ قَالَ:
«ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ: مَنْ هَذَا، قَالَ:
مُحَمَّدٌ، قَالُوا: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: حَيَّاهُ اللهُ مِنْ أَخٍ وَخَلِيفَةٍ، فَنِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الْخَلِيفَةُ، وَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَدَخَلَ فَإِذَا بِرَجُلٍ أَشْمَطَ جَالِسٍ عَلَى كُرْسِيٍّ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ بِيضُ الْوجُوهِ وَقَوْمٌ سُودُ الْوجُوهِ، وَفِي أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْا نَهْرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ، فَخَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَتَوْا نَهْرًا آخَرَ فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانِهِمْ شَيْءٌ ثُمَّ دَخَلُوا النَّهْرَ الثَّالِثَ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ مِنْ أَلْوَانِهِمْ مِثْلُ أَلْوَانِ أَصْحَابِهِمْ، فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ: يَا جِبْرِيلُ! مَنْ هَؤُلَاءِ بِيضُ الْوَجْهِ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ [ (125) ] شَيْءٌ فَدَخَلُوا النَّهْرَ [فَخَرَجُوا] [ (126) ] وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانُهُمْ، فَقَالَ:
هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ هُوَ أَوَّلُ رَجُلٍ شَمِطَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهَؤُلَاءِ بِيضُ الْوجُوهِ قَوْمٌ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، قَالَ: وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانِهِمْ شيء: خلطوا
__________
[ (125) ] في (ص) : «وجوههم» .
[ (126) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .

(2/401)


عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَتَابُوا فَتَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ.
فَأَمَّا النَّهْرُ [ (127) ] الْأَوَّلُ فَرَحْمَةُ اللهِ، وَأَمَّا النَّهْرُ الثَّانِي فَنِعْمَةُ اللهِ، وَأَمَّا النَّهْرُ الثَّالِثُ فَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.
ثُمَّ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ [الْمُنْتَهَى] [ (128) ] فَقِيلَ لِي هَذِهِ السِّدْرَةُ إِلَيْهَا مُنْتَهَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِكَ، وَيَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وأنهار [من لبن] لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى.
قَالَ: وَهِيَ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي أَصْلِهَا عَامًا لَا يَقْطَعُهَا، وَإِنَّ الْوَرَقَةَ مِنْهَا مُغَطِّيَةُ الْخَلْقِ، قَالَ: فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَالِقِ، وَغَشِيَهَا الْمَلَائِكَةُ.
فَكَلَّمَهُ رَبُّهُ عِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ لَهُ: سَلْ، قَالَ: إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا عَظِيمًا، وَكَلَّمْتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَأَعْطَيْتَ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا، وَأَلَنْتَ لَهُ الْحَدِيدَ وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِبَالَ، وَأَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مُلْكًا عَظِيمًا وَسَخَّرْتَ لَهُ الْجِبَالَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَسَخَّرْتَ لَهُ الشَّيَاطِينَ وَالرِّيَاحَ وَأَعْطَيْتَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَّمْتَ عِيسَى التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَجَعَلْتَهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِكَ وَأَعَذْتَهُ وَأُمَّهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِمَا سَبِيلٌ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: قَدِ اتَّخَذْتُكَ خَلِيلًا، قَالَ: وَهُوَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، وَأَرْسَلْتُكَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَشَرَحْتُ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْتُ عَنْكَ وِزْرَكَ، وَرَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ، فَلَا أُذْكَرُ إِلَّا ذُكِرْتَ مَعِي يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَذَانَ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ أُمَّةً وَسَطًا، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ هُمُ الْأَوَّلُونَ وَهُمُ الْآخِرُونَ، وَجَعَلْتُ مِنْ أُمَّتِكَ أَقْوَامًا قُلُوبُهُمْ أَنَاجِيلُهُمْ، وَجَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ، عَلَيْهِمْ خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي ورسولي،
__________
[ (127) ] في (ص) و (هـ) : «وأما» .
[ (128) ] ليست في (ص) ولا في (هـ) .

(2/402)


وَجَعَلْتُكَ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ خَلْقًا وَآخِرَهُمْ مَبْعَثًا، وَآتَيْتُكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ، وَأَعْطَيْتُكَ خَوَاتِيمَ [ (129) ] سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلَكَ وَجَعَلْتُكَ فَاتِحًا وَخَاتَمًا» .
قَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «فَضَّلَنِي رَبِّي أَرْسَلَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَأَلْقَى فِي قَلْبِ عَدُوِّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ فَوَاتِيحَ الْكَلَامِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ أُمَّتِي فَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ التَّابِعُ وَالْمَتْبُوعُ.
وَرَأَيْتُهُمْ أَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَنْتَعِلُونَ الشَّعْرَ، وَرَأَيْتُهُمْ أَتَوْا عَلَى قَوْمٍ عِرَاضِ الْوجُوهِ صِغَارِ الْأَعْيُنِ كَأَنَّمَا خُرِمَتْ أَعْيُنُهُمْ بِالْمِخْيَطِ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَا هُمْ لَاقُونَ مِنْ بَعْدِي، وَأُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى» .
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى مَا رُوِّينَا [ (130) ] فِي الْأَسَانِيدِ، الثَّابِتَةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «قَالَ فَقِيلَ لَهُ اصبر على خمس فإنهم يُجْزِينَ عَنْكَ بِخَمْسٍ كُلُّ خَمْسٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، قَالَ: فَكَانَ مُوسَى أَشَدَّ عَلَيْهِمْ حِينَ مَرَّ بِهِ وَخَيْرَهُمْ حين رجع إليه» [ (131) ] .
__________
[ (129) ] في (ح) : «خواتم» .
[ (130) ] في (ص) و (هـ) : «ما رويناه» .
[ (131) ] الخبر بطوله رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه من طريق أبي العالية والهيثمي في «مجمع الزوائد 22 (1: 67- 72) ، وعزاه للبزار أيضا.
كما ذكره الهيثمي (أيضا) في «كشف الأستار عن زوائد البزار» (1: 38- 45) بإسناده، عن أبي جعفر الرازي، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أو غيره، عن أبي هريرة، وقال البزار:
«وهذا لا نعلمه يروى إلا بهذا الاسناد من هذا الوجه» .
وتقدم في الحاشية (120) من هذا الباب أن راويه أبا جعفر الرازي: سيء الحفظ، يخلط، وتداخل في هذا الخبر مقتطفات من أحاديث صحاح.

(2/403)


أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ، قَالَ «لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَ قَوْمَهُ بِالرِّفْقَةِ وَالْعَلَامَةِ فِي الْعِيرِ، قَالُوا فَمَتَى يَجِيءُ، قَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَشْرَفَتْ قُرَيْشٌ يَنْظُرُونَ وَقَدْ وَلَّى النَّهَارُ وَلَمْ يجيء فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ فَزِيدَ لَهُ فِي النَّهَارِ سَاعَةٌ، وَحُبِسَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَلَمْ تُرَدِ الشَّمْسُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ، وَعَلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ حِينَ قَاتَلَ الْجَبَّارِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا أَدْبَرَتِ الشَّمْسُ خَافَ أَنْ تَغِيبَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُمْ وَيَدْخُلُ السَّبْتُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ قِتَالُهُمْ فِيهِ، فَدَعَا اللهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّمْسَ حَتَّى فَرَغَ مِنْ قِتَالِهِمْ [ (132) ] .
قُلْتُ: وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمِعْرَاجِ أَحَادِيثُ أُخَرُ.
(مِنْهَا) : حَدِيثُ أَبِي حُذَيْفَةَ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ (133) ] وَإِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ مَتْرُوكٌ لَا يُفْرَحُ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ.
(وَمِنْهَا) : حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْمِصْرِيِّ وَذَلِكَ حَدِيثٌ رَاوِيهِ مَجْهُولٌ وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ يَعْقُوبَ الدَّقَّاقُ بِهَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ مِنْ بَنِي نَصْرِ بْنِ قَعِينٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، وَسُلَيْمَانُ الأعمش، وعطاء بن
__________
[ (132) ] ذكره ابن دحية، ونقله الصالحي في السيرة الشامية (3: 133) .
[ (133) ] عن ابن عباس أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، بطرق كلها مختصرة.

(2/404)


السَّائِبِ بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [ (134) ] رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عباس وَمُحَمَّدُ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارَ [ (135) ] عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سَلَمَةَ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَجُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالُوا «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ [ (136) ] رَاقِدًا، وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ لَنَا هَذَا الشَّيْخُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَكَتَبْتُ الْمَتْنَ مِنْ نُسْخَةٍ مَسْمُوعَةٍ مِنْهُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا يَذْكُرُ فِيهِ عَدَدَ الرُّوحِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَرُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ فِي إِثْبَاتِ الْمَسْرَى وَالْمِعْرَاجِ لَغَايَةٌ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ:
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَزْهَرِ، قَالَ: جَابِرُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ قَالَ: رَأَيْتُ فِيَ النَّوْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُقَالُ لَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ [ (137) ] صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ لَا بَأْسَ بِهِ، حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ: أَنَّكَ قُلْتَ: «رَأَيْتُ فِيَ السَّمَاءِ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ لِي نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِكَ يُحَدِّثُونَ عَنْكَ فِي الْمَسْرَى بِعَجَائِبٍ، فَقَالَ لِي: ذَاكَ حَدِيثُ القصاص» .
__________
[ (134) ] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب رواه الإمام أحمد، وابن مردويه.
[ (135) ] سيرة ابن هشام (2: 9) .
[ (136) ] عن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عنها- رواه الطبراني، وأبو يعلى، وابن عساكر، عن طريق أبي صالح، وابن إسحاق بلفظ آخر.
[ (137) ] في (ص) : «رسول الله» .

(2/405)


بَابُ (كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِي الِابْتِدَاءِ)
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (1) ] قَالَتْ: «فَرَضَ اللهُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ مَا فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ الْمُسَافِرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى» [ (2) ] .
هَكَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ. بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فُرِضَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ» [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الله، قال:
__________
[ (1) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (2) ] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، الحديث (3) صفحة (478) ، والبخاري في أول كتاب الصلاة، مختصرا، وابن خزيمة (1: 156) . والبيهقي في السنن الكبرى (1: 362) .
[ (3) ] هو الحديث السابق، وبلفظ للبخاري أخرجه في باب من أين أرخوا التاريخ، وابن خزيمة رواه في كتاب الصلاة (1: 156) .

(2/406)


أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا فَيَّاضُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، فَذَكَرَهُ وَمِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَاسْتَثْنَى في هذه الرواية عن الْأَرْبَعِ: الْمَغْرِبَ، وَالصُّبْحَ.
وَذَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَعْدَادِهِنَّ، وَذَلِكَ فِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ «أن نبي الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَ بِهِنَّ إِلَى قَوْمِهِ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ، خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَقْرَأُ فِيهِنَّ عَلَانِيَةً، رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَيَقْتَدِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ خَلَّى [ (4) ] عَنْهُمْ حَتَّى تَصَوَّبَتِ الشَّمْسُ وَهِيَ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ نُودِيَ بِهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْعَصْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ دُونَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ نُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِيهِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ عَلَانِيَةً وَرَكْعَةً لَا يَقْرَأُ فِيهَا عَلَانِيَةً: رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: يَقْتَدِي النَّاسُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم
__________
[ (4) ] في (ح) و (هـ) : «خلّا» .

(2/407)


يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَأَبْطَأَ الْعِشَاءُ فَنُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ: يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ عَلَانِيَةً وَلَا يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْنِ يَعْنِي عَلَانِيَةً، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ بَاتَ النَّاسُ وَلَا يَدْرُونَ أَيُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نُودِيَ فِيهِمُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا عَلَانِيَةً وَيُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ وَيَقْتَدِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم بجبريل» [ (5) ] .
__________
[ (5) ] أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1: 362) ، وقال: «ففي هذا الحديث وَمَا رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ دليل عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بمكة بعد المعراج، وأن الصلوات الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن، وقد ثبت ذلك عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عنها- خلاف ذلك.

(2/408)