دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ تَزَوُّجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ بِعَائِشَةَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ وَبِسَودَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ بَعْدَ وَفَاةِ خَدِيجَةَ
وَقَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا أُرِيَ فِي مَنَامِهِ
مِنْ صُورَةِ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللهُ عَنْهَا] [ (1) ] وَأَنَّهَا
امْرَأَتُهُ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْعَطَّارُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ بَعْدَ مُتَوَفَّى خَدِيجَةَ قَبْلَ مَخْرَجِهِ مِنْ
مَكَّةَ، وَأَنَا ابْنَةُ سَبْعِ أَوْ سِتِّ سِنِينَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ جَاءَنِي نِسْوَةٌ وَأَنَا أَلْعَبُ فِي أُرْجُوحَةٍ وَأَنَا
مُجَمَّمَةٌ [ (2) ] فَهَيَّأْنَنِي وَصَنَّعْنَنِي، ثُمَّ أَتَيْنَ بِي
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنَةُ
تِسْعِ سِنِينَ» . [ (3) ]
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ ابْنَةُ سِتٍّ وَأُدْخِلَتْ
عَلَيْهِ وَهِيَ ابنة
__________
[ (1) ] الزيادة من (ص) .
[ (2) ] المجمّمة) : التي شعرها نازل إلى أذنيها.
[ (3) ] أخرجه مسلم في: 16- كتاب النكاح (10) باب تزويج الأب البكر
الصغيرة، الحديث (69) ، ص (2: 1038) .
وأخرجه ابن ماجة في: 9- كتاب النكاح (13) باب نكاح الصغار يزوجهن الآباء،
الحديث (1876) ، ص (1: 603) .
وأخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في تزويج الصغار، ح (2121) ، ص (2:
239) .
(2/409)
تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا» [ (4)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أَبِي عَمْرٍو
قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
«تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَائِشَةَ
بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَعَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ
سِتِّ سِنِينَ، وبَنَى بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَمَاتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ ابْنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً» [ (5)
] .
وَرَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
قَالَ: «تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وَسَلَّمَ [إِلَى الْمَدِينَةِ] [ (6) ] بِثَلَاثِ سِنِينَ
فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهِيَ
ابْنَةُ سِتِّ سِنِينَ ثُمَّ بَنَى بِهَا [ (7) ] وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعِ
سِنِينَ» [ (8) ] .
وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ هَكَذَا
مُرْسَلًا، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّسَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حماد
ابن شَاكِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
فَذَكَرَهُ [ (9) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ هشام بن عروة، عن أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلّم قال أريتك
__________
[ (4) ] صحيح مسلم (2: 1039) ، فتح الباري (9: 190) .
[ (5) ] صحيح مسلم (2: 1039) ، فتح الباري (9: 190) .
[ (6) ] الزيادة من (ص) و (هـ) .
[ (7) ] في (ص) وسمت: «بنا» .
[ (8) ] صحيح مسلم (2: 1038- 1039) .
[ (9) ] فتح الباري (9: 190) و (9: 234) .
(2/410)
فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ أَرَى رَجُلًا
يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ [ (10) ] حَرِيرٍ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ
فَأَكْشِفُ فَأَرَاكِ فَأَقُولُ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ
يُمْضِهِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ.
(ح) وأَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ
بْنِ دَاوُدَ الرَّزَّازُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلِ
بْنُ زِيَادِ الْقَطَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ،
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
حَاطِبٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «لَمَّا مَاتَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ
خُوَيْلِدٍ جَاءَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ إِلَى رسول الله صلى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَزَوَّجُ؟
قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَتْ: إِنْ شِئْتَ بِكْرًا وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا،
فَقَالَ: وَمَنِ الْبِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّبُ؟ فَقَالَتْ: أَمَا الْبِكْرُ:
فَابْنَةُ أَحَبُّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْكَ: عَائِشَةُ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ:
فَسَودَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، قَدْ آمَنَتْ بِكَ، وَاتَّبَعَتْكَ.
قَالَ فَاذْكُرِيهِمَا عَلَيَّ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُ أُمَّ رُومَانَ،
فَقُلْتُ: يَا أُمَّ رُومَانَ مَاذَا أَدْخَلَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ
الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؟ قَالَتْ: وَذَاكَ مَاذَا؟ قَالَتْ: قُلْتُ
رَسُولُ اللهِ يَذْكُرُ عَائِشَةَ، قَالَتِ: انْتَظِرِي فَإِنَّ أَبَا
بَكْرٍ آتٍ، قَالَتْ: فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ
فَقَالَ: أَفَتَصْلُحُ لَهُ وَهِيَ ابْنَةُ أَخِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: «أَنَا أَخُوهُ وَهُوَ أَخِي
وَابْنَتُهُ تَصْلُحُ لِي» [ (11) ] .
قَالَتْ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ رُومَانَ: إِنَّ
الْمُطْعِمَ بْنَ عَدِيِّ قَدْ كَانَ ذَكَرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَاللهِ مَا
أَخْلَفَ وَعْدًا قَطُّ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ- قَالَتْ: فَأَتَى أَبَا بكر
__________
[ (10) ] في (ح) : شرقة وهو تصحيف، ومعنى سرقة: هي الشقق البيض من الحرير.
[ (11) ] الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي: 44- كتاب الفضائل.
(2/411)
الْمُطْعِمُ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي
أَمْرِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ
لَهَا: مَا تَقُولِينَ يَا هَذِهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ عَلَى أَبِي
بَكْرٍ، فَقَالَتْ: لَعَلَّنَا إِنْ أَنْكَحْنَا هَذَا الْفَتَى إِلَيْكَ
تُصِيبُهُ وَتُدْخِلَهُ فِي دِينِكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ! قَالَتْ:
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟
فَقَالَ: إِنَّهَا لَتَقُولُ مَا تَسْمَعُ، قَالَتْ: فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ
وَلَيْسَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْمَوْعِدِ شَيْءٌ.
قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: قُولِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عليه وآله وَسَلَّمَ: فَلْيَأْتِ.
قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ،
فَمَلَكَهَا.
قَالَتْ خَوْلَةُ: ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ
وَأَبُوهَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، قَدْ جَلَسَ عَنِ الْمَوْسِمِ، قَالَتْ:
فَحَيَّيْتُهُ بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقُلْتُ: أَنْعِمْ
صَبَاحًا، قَالَ: مَنْ أَنْتِ قَالَتْ: قُلْتُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ،
قَالَتْ: فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَتْ
قُلْتُ محمد بن عبد الله بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَذْكُرُ سَوْدَةَ
بِنْتَ زَمْعَةَ، قَالَ: كُفُؤٌ كَرِيمٌ مَاذَا تَقُولُ صَاحِبَتُكِ
قَالَتْ: قُلْتُ تُحِبُّ ذَاكَ قَالَ: قُولِي لَهُ فَلْيَأْتِ، قَالَتْ:
فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَمَلَكَهَا.
قَالَتْ وَقَدِمَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ
التُّرَابَ، وَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ: لَعَمْرُكَ إِنِّي لَسَفِيهٌ
يَوْمَ أَحْثِي عَلَى رَأْسِي التُّرَابَ أَنْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ» [ (13) ] [
(14) ] .
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي الْعَبَّاسِ.
__________
[ (13) ] باب في فضل عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، الحديث (79) ، ص
(1889- 1890) .
وأخرجه البخاري في: 91- كتاب التعبير (21) باب ثياب الحرير في المنام،
الحديث (7012) فتح الباري (12: 399) .
وأخرجه أيضا الإمام أحمد في «مسنده» (6: 161) .
[ (14) ] جزء من حديث طويل رواه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9: 225- 227) ،
وقال: في الصحيح طرف منه، روى أحمد بعضه، صرّح فيه بالاتصال عن عائشة
وأكثره مرسل، وفيه: محمد بن عمرو ابن علقمة: وثقه غير واحد، وبقية رجاله
رجال الصحيح» .
(2/412)
بَابُ عَرْضِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَمَا لَحِقَهُ مِنَ
الْأَذَى فِي تَبْلِيغِهِ رِسَالَةَ رَبِّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى أَنْ
أَكْرَمَ اللهُ بِهِ الْأَنْصَارَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَا ظَهَرَ
مِنَ الْآيَاتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِكْرَامِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ بِمَا وَعْدَهُ مِنْ إِعْزَازِهِ وَإِظْهَارِ
دِينِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ ابن بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَعْرِضُ
نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ رَجُلٍ
يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ
أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي [ (1) ]- زَادَ مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ فِي
رِوَايَتِهِ- قَالَ: فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: أَنَا،
فَقَالَ: وَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مَنَعَةٌ وَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ،
فَقَالَ: مِنْ هَمْدَانَ ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الْهَمْدَانِيَّ خَشِيَ
أَنْ يَخْفِرَهُ قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله وسلّم
فقال:
__________
[ (1) ] أخرجه الترمذي في: 46- كتاب فضائل القرآن، الحديث (2925) ، ص (5:
184) ، وقال:
هذا حديث غريب صحيح.
وأخرجه أبو داود في السنة، باب في القرآن، الحديث (4734) ، ص (4: 234- 235)
.
وأخرجه ابن ماجة في المقدمة (13) باب في الجهمية، الحديث (201) ، صفحة (1:
73) .
(2/413)
آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ أَلْقَاكَ
مِنْ عَامٍ قَابِلٍ، قَالَ: نَعَمْ فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ
الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ» [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَتَّابٍ
الْعَبْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن عتبة، عَنْ
عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ
الشَّعْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَهَذَا
لَفْظُ حَدِيثِ الْقَطَّانِ، قَالَ:
«كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ
السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ
مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ لَا يَسَلْهُمْ مَعَ ذَلِكَ
إِلَّا أَنْ يَرَوْهُ وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ:
«لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ
بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَلِكَ، وَمَنْ كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ،
إِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي [ (3) ] مِمَّا يُرَادُ بِي مِنَ
الْقَتْلِ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَحَتَّى يَقْضِي اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ اللهُ»
فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ
الْقَبَائِلِ إِلَّا قَالَ: قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ أَتَرَوْنَ
أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ
ذَلِكَ مِمَّا ذَخَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْأَنْصَارِ وَأَكْرَمَهُمْ
بِهِ [ (4) ] .
__________
[ (2) ] في (ص) و (هـ) : «في ركب» .
[ (3) ] في (ص) : «يحرزوني» وهو تحريف.
[ (4) ] قال ابن الجوزي في وفاء الوفا (1: 216) :
ربما عرض لملحد قليل الإيمان فقال: ما وجه احتياج رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلّم إلى أن يدخل في خفارة كافر وأن يقول في المواسم: من يؤويني حتى
أبلغ رسالة ربي.
فيقال له: قد ثبت أن الإله القادر لا يفعل شيئا إلا لحكمة، فإذا خفيت حكمة
فعله علينا وجب علينا التسليم. وما جرى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وآله وسلّم إنما صدر عن الحكيم الذي أقام قوانين الكلّيات وأدار الأفلاك
وأجرى المياه والرياح، كلّ ذلك بتدبير الحكيم القادر، فإذا رَأَيْنَا
رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم يشدّ الحجر من
(2/414)
فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ ارْتَدَّ
الْبَلَاءُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَشَدُّ مَا
كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ رَجَاءَ أَنْ يَأْوُوَهُ، فَوَجَدَ
ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْهُمْ سَادَةُ ثَقِيفٍ يَوْمَئِذٍ وَهُمْ أُخْوَةٌ:
عَبْدُ يا ليل بْنُ عَمْرٍو، وَحَبِيبُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَسْعُودُ بْنُ
عَمْرٍو، فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، وَشَكَا إِلَيْهِمُ الْبَلَاءَ
وَمَا انْتَهَكَ مِنْهُ قَوْمُهُ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَنَا أَمْرُقُ [ (5) ] أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ إِنْ
كَانَ اللهُ بَعَثَكَ بِشَيْءٍ قَطُّ.
وَقَالَ الْآخَرُ: أَعَجَزَ اللهُ أَنْ يُرْسِلَ غَيْرَكَ.
وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللهِ لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا
أَبَدًا، وَاللهِ لَئِنْ كُنْتَ رَسُولَ اللهِ لَأَنْتَ أَعْظَمُ شَرَفًا
وَحَقًّا مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ، وَلَئِنْ كُنْتَ تَكْذِبُ عَلَى اللهِ
لَأَنْتَ أَشَرُّ مِنْ أَنْ أُكَلِّمَكَ.
وَتَهَزَّءُوا بِهِ وَأَفْشَوْا فِي قَوْمِهِمُ الَّذِي رَاجَعُوهُ بِهِ
وَقَعَدُوا لَهُ صَفَّيْنِ عَلَى طَرِيقِهِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ صَفَّيْهِمْ جَعَلُوا لَا
يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ وَلَا يَضَعُهُمَا إِلَّا رَضَخُوهُمَا
بِالْحِجَارَةِ، وَكَانُوا أَعَدُّوهَا حَتَّى أَدْمَوْا [ (6) ]
رِجْلَيْهِ.
فَخَلَصَ مِنْهُمْ وَهُمَا يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ، فَعَمَدَ إِلَى حَائِطٍ
مِنْ حَوَائِطِهِمْ، وَاسْتَظَلَّ فِي ظِلِّ حَبَلَةٍ [ (7) ] مِنْهُ،
وَهُوَ مَكْرُوبٌ مُوجَعٌ تَسِيلُ رِجْلَاهُ دَمًا فَإِذَا فِي الْحَائِطِ:
عُقْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، فَلَمَّا رَآهُمَا
كَرِهَ مَكَانَهُمَا لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَدَاوَتِهِمَا اللهَ
وَرَسُولَهُ، فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَرْسَلَا إِلَيْهِ غُلَامًا لَهُمَا
يُدْعَى عداسا وهو
__________
[ () ] الجوع ويقهر ويؤذى علمنا أن تحت ذلك حكما إن تلمّحنا بعضها لاحت من
خلال سجف البلاء حكمتان.
إحداهما: اختبار المبتلى ليسكن قلبه إلى الرضا بالبلاء فيؤدّي القلب ما
كلّف من ذلك والثانية: أن تبثّ الشبهة في خلال الحجج ليثاب المجتهد في دفع
الشبهة.
[ (5) ] أمرق: أمزق.
[ (6) ] في (ص) و (هـ) : «دمّوا» .
[ (7) ] الحبلة: طاقات من قضبان العنب.
(2/415)
نَصْرَانِيٌّ مِنْ أَهْلِ نِينَوَى مَعَهُ
عِنَبٌ،
فَلَمَّا جَاءَهُ عَدَّاسٌ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: مِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتَ يَا عَدَّاسُ؟ قَالَ
لَهُ عَدَّاسٌ: أَنَا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى، فَقَالَ لَهُ.
النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مِنْ مَدِينَةِ الرَّجُلِ
الصَّالِحِ يُونُسَ بْنِ مَتَى، فَقَالَ لَهُ عَدَّاسٌ: وَمَا يُدْرِيكَ
مَنْ يُونُسُ بْنُ مَتَّى، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ- وَكَانَ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يُبَلِّغَهُ رِسَالَةَ
رَبِّهِ- أَنَا رَسُولُ اللهِ، وَاللهُ تَعَالَى أَخْبَرَنِي خَبَرَ
يُونُسَ بْنِ مَتَى.
فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَأْنِ
يُونُسَ بْنِ مَتَّى، خَرَّ عَدَّاسٌ سَاجِدًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَهُمَا
يَسِيلَانِ الدِّمَاءَ.
فَلَمَّا أَبْصَرَ عُقْبَةُ وَشَيْبَةُ مَا يَصْنَعُ غُلَامُهُمَا سَكَنَا،
فَلَمَّا أَتَاهُمَا، قَالَا: مَا شَأْنُكَ سَجَدْتَ لِمُحَمَّدٍ،
وَقَبَّلْتَ قَدَمَيْهِ، وَلَمْ نَرَكَ فَعَلْتَهُ بِأَحَدٍ مِنَّا؟ قَالَ:
هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ، أَخْبَرَنِي بِشَيْءٍ عَرَفْتُهُ مِنْ شَأْنِ
رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَيْنَا يُدْعَى: يُونُسَ ابن مَتَى، فَضَحِكَا
بِهِ، وَقَالَا: لَا يَفْتِنُكَ عَنْ نَصْرَانِيَّتِكَ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ
خَدَّاعٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ إِلَى
مَكَّةَ» [ (8) ] .
حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
سُلَيْمَانَ إِمْلَاءً، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمِيكَالِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الْأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ السَّرْحِيُّ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بن
__________
[ (8) ] هذا خبر موسى بن عقبة، ولم يذكر الدعاء في السياق، وقد نقله الحافظ
ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 136) ،
وقد ورد خبر خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى الطائف كاملا في سيرة
ابن هشام (2:
28- 30) والإمام أحمد (4: 335) ، وفيه الدعاء الذي دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن عمد إلى ظل حائط البستان.:
«اللهم إني أشكو إليك ضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم
الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أو
إلى عدوّ ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع
لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من
أن تنزل بي غضبك أو تحلّ علي سخطك لك العتبى حتى ترضى وَلَا حَوْلَ وَلَا
قُوَّةَ إلا بك» .
(2/416)
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ
يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، حَدَّثَتْهُ «أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ
[كَانَ] [ (9) ] أَشَدَّ عَلَيْكَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: مَا لَقِيتُ
مِنْ قَوْمِكِ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ
نَفْسِي على ابن عبد يا ليل بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى
مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ
أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي
فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ
سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ
إِلَيْكَ مَلَكُ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، ثُمَّ
نَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا
مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ- عَزَّ وجل- قد سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ، وَأَنَا
مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ لِتَأْمُرَنِي بِمَا
شِئْتَ: إِنْ شِئْتَ نُطْبِقُ [ (10) ] عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ [ (11)
] فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: بَلْ
أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَشْرَارِهِمْ [ (12) ] أَوْ قَالَ مِنْ
أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ
ابْنِ وَهْبٍ [ (13) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَوَّادٍ [ (14) ] ، وَغَيْرِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عن
__________
[ (9) ] الزيادة من صحيح البخاري.
[ (10) ] في الصحيح: «أن أطبق عليهم» .
[ (11) ] هما جبلا مكة: أبو قبيس، والجبل الذي يقابله.
[ (12) ] في (ص) و (هـ) : «من أسرارهم» ، وليست في البخاري ولا في مسلم.
[ (13) ] في: 59- كتاب بدء الخلق، (7) باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في
السماء، الحديث (3231) ، فتح الباري (6: 312- 313) .
[ (14) ] في: 32- كتاب الجهاد والسير، (39) باب ما لقي النبي صلى الله عليه
وآله وسلّم من أذى المشركين والمنافقين، الحديث (111) ، ص (1420) .
(2/417)
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الزُّهْرِيُّ، قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله
وَسَلَّمَ كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ
لَهُ: مَلِيحٌ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ
عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، نَفَاسَةً
عَلَيْهِ، ثُمَّ أَتَى حَيًّا فِي كَلْبٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ
اللهِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ
اسْمَ أَبِيكُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ» [ (15) ] .
__________
[ (15) ] سيرة ابن هشام (2: 32- 33) .
(2/418)
(حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بن بكير، عن ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ
[الْأَنْصَارِيُّ] [ (16) ] عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا:
«قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ
حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ:
الْكَامِلَ، لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ [ (17) ] ، قَالَ: فَتَصَدَّى
لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُ إِلَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ
الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِيَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟ فَقَالَ مَجَلَّةُ [
(18) ] لُقْمَانَ، يَعْنِي: حِكْمَةَ لُقْمَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
أَعْرِضْهَا عَلَيَّ، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا
الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ: قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ
اللهُ عَزَّ وجل علي هُوَ هُدًى وَنُورٌ، فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَى
الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ
حَسَنٌ،
ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ
أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ:
إِنَّا لَنَرَى أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَكَانَ قتله قبل بعاث» [
(19) ] .
__________
[ (16) ] الزيادة من سيرة ابن هشام.
[ (17) ] في سيرة ابن هشام ساق طرفا من أشعاره، وخبرا من أخباره (2: 35) .
[ (18) ] أي صحيفة لقمان.
[ (19) ] بعاث: موضع كانت فيه حرب بين الأوس والخزرج، والخبر أخرجه ابن
هشام في السيرة (2: 35- 36) .
(2/419)
(حَدِيثُ إِيَاسِ بْنِ مُعَاذٍ
الْأَشْهَلِيِّ وَحَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ)
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ [ (20) ] عَنْ، مَحْمُودِ بْنِ
لَبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ أَبُو
الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ مَكَّةَ وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي
عَبْدِ الْأَشْهَلِ فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ
مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُمْ، فَجَلَسَ
إِلَيْهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ إلى خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ
فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ: بَعَثَنِي إِلَى
الْعِبَادِ أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ
شَيْئًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْكِتَابَ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ
الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسُ بْنُ
مُعَاذٍ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: يَا قَوْمِ [ (21) ] هَذَا وَاللهِ
خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ.
فَأَخَذَ [ (22) ] أَبُو الْحَيْسَرِ: أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ حَفْنَةً مِنَ
الْبَطْحَاءِ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ: دَعْنَا مِنْكَ
فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا.
__________
[ (20) ] في السيرة: «الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ سَعْدِ بن معاذ.
[ (21) ] كذا في الأصول، وفي السيرة: «أي قوم» .
[ (22) ] في (هـ) : «فيأخذوا» ، وفي (ص) ، وسيرة ابن هشام: «فيأخذ» .
(2/420)
فَسَكَتَ وَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وآله وَسَلَّمَ عَنْهُمْ، وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ،
وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ
يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ.
قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مِنْ حَضَرَنِي مِنْ قَوْمِي
أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللهَ وَيُكَبِّرُهُ
وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنْ
قَدْ مَاتَ مُسْلِمًا قَدْ كَانَ اسْتَشْعَرَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ
الْمَجْلِسِ حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ مَا سَمِعَ» [ (23) ] .
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو
بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،
قَالَتْ:
«كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللهُ تَعَالَى [ (24) ]
لِرَسُولِهِ فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ ملأهم وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ، وَجُرِحُوا
فَقَدَّمَهُ اللهُ لِرَسُولِهِ فِي دُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (25) ] عَنْ عُبَيْدِ بْنِ
إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أسامة.
__________
[ (23) ] الخبر في سيرة ابن هشام (2: 36- 37) .
[ (24) ] في (ص) و (هـ) : - عَزَّ وَجَلَّ-.
[ (25) ] أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في: 63- كتاب مناقب الأنصار (1) باب
مناقب الأنصار، الحديث (3777) ، فتح الباري (7: 110) .
(2/421)
حَدِيثُ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ
الْبَجَلِيِّ فِي عَرْضِ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ نَفْسَهُ
عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَقِصَّةُ مَفْرُوقِ بْنِ عَمْرٍو
[وَأَصْحَابِهِ] [ (1) ]
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ
السُّلَمِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ الْفَقِيهُ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
صَاحِبِ بْنِ حُمَيْدٍ الشَّاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ
بْنُ كَثِيرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن بِشْرٍ
الْيَمَانِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ [ (2) ] ، عن
أبان بن ثعلب بن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ فِيهِ، قَالَ:
«لَمَّا أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ، خَرَجَ
وَأَنَا مَعَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَدُفِعْنَا إِلَى
مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ- وَكَانَ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ خَيْرِ، وكان رجلا نسابة
__________
[ (1) ] ليست في (ح) .
[ (2) ] أبان بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ وهو أبان بن أبي حازم البجلي
الكوفي، وثقه: ابن معين، والعجلي، وابن نمير، وقال الذهبي في الميزان (1:
9) : حسن الحديث، وقد سرده ابن حبان في المجروحين (1: 99) ، والعقيلي في
الضعفاء (1: 44) ولم يقل أحدهما عنه شيئا، فقد قال العقيلي: «ما سمعت عبد
الرحمن حدّث عنه بشيء قط» ، وهذا ليس بتضعيف، فقد قال الفلاس: كان ابن مهدي
يحدث عن سفيان عنه. تهذيب التهذيب (1: 96) ، وقال ابن عدي: «هو عزيز
الحديث، عزيز الروايات، لم أجد له حديثا منكر المتن فأذكره» ، وقد قال
الذهبي: «ومما أنكر عليه مرفوعا: جرير منا أهل البيت ... » .
(2/422)
فَسَلَّمَ، وَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟
قَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ. قَالَ: وَأَيُّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ؟ أَمِنْ
هَامِهَا أَيْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ فَقَالُوا: مِنَ الْهَامَةِ الْعُظْمَى،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: وَأَيُّ هَامَتِهَا الْعُظْمَى
أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ ذُهْلٍ الْأَكْبَرِ، قَالَ: مِنْكُمْ عَوْفٌ
الَّذِي يُقَالُ لَهُ: لَا حُرَّ بِوَادِي عَوْفٍ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ فَمِنْكُمْ جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ حَامِي الذِّمَارَ، وَمَانِعُ
الْجَارَ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ فَمِنْكُمْ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسٍ: أَبُو اللِّوَاءَ، وَمُنْتَهَى
الْأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحَوْفَزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا
أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَمِنْكُمُ الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟
قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَمِنْكُمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: فَمِنْكُمْ أَصْحَابُ الْمُلُوكِ مِنْ لَخْمٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ:
أَبُو بَكْرٍ:
فَلَسْتُمْ مِنْ ذُهْلٍ الْأَكْبَرِ أَنْتُمْ مِنْ ذُهْلٍ الْأَصْغَرِ،
قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ غُلَامٌ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ يُقَالُ لَهُ
دَغْفَلٍ حِينَ تَبَيَّنَ [ (3) ] وَجْهُهُ [فَقَالَ] [ (4) ] :
إِنَّ عَلَى سَائِلِنَا أَنْ نَسْلَهُ ... وَالْعَبْوُ لَا نَعْرِفُهُ أَوْ
نَجْهَلُهُ [ (5) ]
يَا هَذَا قَدْ سَأَلْتَنَا فَأَخْبَرْنَاكَ، وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا
فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ الْفَتَى: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ
وَالرِّيَاسَةِ، فَمِنْ أَيِّ الْقُرَشِيِّينَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ
تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ، فَقَالَ الْفَتَى: أَمْكَنْتَ وَاللهِ الرَّامِي مِنْ
سَوَاءِ الثُّغْرَةِ. أَمِنْكُمْ قُصَيٌّ الَّذِي جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ
فِهْرٍ فَكَانَ يُدْعَى فِي قُرَيْشٍ مُجَمِّعًا؟
قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْكُمْ- أَظُنُّهُ قَالَ- هِشَامٌ الَّذِي هَشَمَ
الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافٌ؟ قَالَ: لَا،
قَالَ فَمِنْكُمْ شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مطعم طير
__________
[ (3) ] في (ص) : «بقل» .
[ (4) ] سقطت من (ص) .
[ (5) ] في (هـ) : «والعبؤ، وفي دلائل النبوة: «والعبء» .
(2/423)
السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ وَجْهُهُ
الْقَمَرَ يُضِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الدَّاجِيَةِ الظَّلْمَاءِ؟ قَالَ: لَا،
قَالَ فَمِنْ أَهْلِ الْإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ:
فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ أَنْتَ؟
قَالَ: لَا، قَالَ فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
فَمِنْ أَهْلِ النَّدَاوَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ
الرِّفَادَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: فَاجْتَذَبَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
زِمَامَ النَّاقَةِ رَاجِعًا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وسلّم فقال الغلام:
صَادَفَ دَرُّ السَّيْلِ دَرًّا يَدْفَعُهْ ... يَهْضِبُهُ حِينًا وَحِينًا
يَصْدَعُهْ
أَمَا وَاللهِ لَوْ ثَبَتَّ لَأَخْبَرْتُكَ مَنْ قُرَيْشٌ، قَالَ:
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، قَالَ
عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَقَدْ وَقَعَتَ مِنَ
الْأَعْرَابِيِّ عَلَى بَاقِعَةٍ، قَالَ: أَجَلْ أَبَا حَسَنٍ مَا مِنْ
طَامَّةٍ إِلَّا وَفَوْقُهَا طَامَّةٌ، وَالْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ
بِالْمَنْطِقِ، قَالَ: ثُمَّ دُفِعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ آخَرٍ عَلَيْهِمُ [
(6) ] السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ،
فَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ،
فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي هَؤُلَاءِ
غَرَرُ النَّاسِ، وَفِيهِمْ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ
قَبِيصَةَ، وَالْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ،
وَكَانَ مَفْرُوقٌ قَدْ غَلَبَهَمْ جَمَالَا وَلِسَانَا، وَكَانَتْ لَهُ
غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَى تَرِيبَتِهِ [ (7) ] وَكَانَ أَدْنَى
الْقَوْمِ مَجْلِسًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَيْفَ
الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ،
وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّةٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَيْفَ
الْمَنْعَمَةُ فِيكُمْ؟
فَقَالَ الْمَفْرُوقٌ: عَلَيْنَا الْجَهْدُ وَلِكُلِّ قَوْمٍ جَهْدٌ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ:
إِنَّا لَأَشُدُّ مَا نَكُونُ غَضَبًا حِينَ نَلْقَى وَإِنَّا لَأَشُدُّ
مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى
الْأَوْلَادِ، وَالسِّلَاحُ عَلَى اللِّقَاحِ، وَالنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ
اللهِ يُدِيلُنَا مَرَّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا أُخْرَى، لَعَلَّكَ أَخَا
قُرَيْشٍ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَدْ بَلَغَكُمْ
أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ألا هوذا،
__________
[ (6) ] في (ص) و (هـ) : «عليه» .
[ (7) ] في الدلائل: «صدره» .
(2/424)
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ
يَذْكُرُ ذَاكَ فَإِلَى مَا تَدْعُو [ (8) ] يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ فَجَلَسَ
وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُظِلُّهُ بِثَوْبِهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ:
أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِلَى أَنْ
تُؤْوُونِي وَتَنْصُرُونِي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ ظَاهَرَتْ عَلَى أَمْرِ
اللهِ، وَكَذَّبْتَ رُسُلَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ،
وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.
فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو: وَإِلَامَ تَدْعُونَا يا أخا قريش، فو
الله مَا سَمِعْتُ كَلَامًا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، فَتَلَا رَسُولُ الله صلى
الله عليه وآله وَسَلَّمَ قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ
عَلَيْكُمْ- إِلَى- فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ (9) ] .
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإِلَامَ تَدْعُونَا يَا أَخَا قُرَيْشٍ زَادَ فِيهِ
غَيْرُهُ فو الله مَا هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأَرْضِ. ثُمَّ
رَجَعْنَا إِلَى رِوَايَتِنَا قَالَ: فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ (10) ] .
فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو: دَعَوْتَ وَاللهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ
إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَلَقَدْ أَفِكَ
قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ.
وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ هَانِئُ بْنُ
قَبِيصَةَ، فَقَالَ: وَهَذَا هَانِئٌ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا،
فَقَالَ هَانِئٌ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتْكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إِنِّي
أَرَى أَنَّ تَرْكَنَا دِينَنَا واتِّبَاعَنَا عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ
جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ أَنَّهُ زَلَلٌ فِي
الرَّأْيِ، وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ
الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أن يعقد
عليهم عقدا، وَلَكِنْ نَرْجِعُ وَتَرْجِعُ وَنَنْظُرُ وتنظر.
__________
[ (8) ] في (ص) : «إلى ماذا تدعو» .
[ (9) ] الأنعام: 151.
[ (10) ] النحل: 90.
(2/425)
وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ
الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ
شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ:
سَمِعْتُ مَقَالَتْكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَالْجَوَابُ فِيهِ جَوَابُ
هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ فِي تَرْكِنَا دِينِنَا وَمُتَابَعَتُكَ عَلَى
دِينِكَ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صُرَيَّيْنِ [ (11) ]
الْيَمَامَةِ، وَالسَّمَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وآله وَسَلَّمَ مَا هَذَانِ الصُّرَيَّانِ؟ فَقَالَ: أَنْهَارُ كِسْرَى
وَمِيَاهُ الْعَرَبِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى فَذَنْبُ
صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا
كَانَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ غَيْرُ مَغْفُورٍ
وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ
الْعَرَبِ فَذَنْبُ صَاحِبِهِ مَغْفُورٌ وَعُذْرُهُ مَقْبُولٍ، وَإِنَّا
إِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَى عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُحْدِثَ
حَدَثًا وَلَا نُؤْوِي مُحْدِثًا وَإِنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ
الَّذِي تَدْعُونَا إِلَيْهِ يَا قُرَشِيُّ مِمَّا يَكْرَهُ الْمُلُوكُ،
فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ مِمَّا يَلِي مِيَاهَ
الْعَرَبِ فَعَلْنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ: مَا أَسَأْتُمْ
فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ وَإِنَّ دِينَ اللهِ لَنْ
يَنْصُرَهُ إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يُورِثَكُمُ اللهُ أَرْضَهُمْ
وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ أَتُسَبِّحُونَ
اللهَ وَتُقَدِّسُونَهُ؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: اللهُمَّ
فَلَكَ ذَلِكَ، قَالَ فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله
وَسَلَّمَ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً
إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً [ (12) ] .
ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَابِضًا
عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَيَّةُ
أَخْلَاقٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَشْرَفُهَا! بِهَا يَدْفَعُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ
فِيمَا بَيْنَهُمْ.
قَالَ: فَدُفِعْنَا إِلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَمَا
نَهَضْنَا حَتَّى بَايَعُوا رسول الله
__________
[ (11) ] الصّريّين: وفي بعض النسخ: صيرين تثنية: صير، والصرى للماء إذا
طال مكثه وتغير، وفي النهاية: الصير: الماء الذي يحضره الناس، (اليمامة) :
مدينة باليمن.
[ (12) ] الأحزاب: 45.
(2/426)
صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ قَالَ:
فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ
وَقَدْ سُرَّ بِمَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْرِفَتِهِ
بِأَنْسَابِهِمْ» [ (13) ] .
قَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ صَاحِبٍ: كَتَبَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِّي أَبُو حَاتِمٍ
الرَّازِيُّ، قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا
الْغَلَّابِيُّ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ أَبَانَ
بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ [أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أَحْمَدَ الْعُمَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا
الْغَلَّابِيُّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيُّ] [ (14) ] فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ
وَمَعْنَاهُ وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ آخَرٍ مَجْهُولٍ عَنْ أَبَانَ
بْنِ تَغْلِبَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ
جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
الْحُسَيْنِ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ
السَّكُونِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ الْأَحْمَرِ، عَنْ أَبَانَ
بْنِ ثعلب، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: خَرَجَ إِلَى مِنًى [ (15) ] وَأَنَا معه.
__________
[ (13) ] رواه الحاكم وأبو نعيم في دلائل النبوة (1: 237- 241) ، وقال
القسطلاني في المواهب:
«أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو نعيم بإسناد حسن.
[ (14) ] ما بين الحاصرتين سقط من (ح) .
[ (15) ] في (ص) رسمت «منا» .
(2/427)
(حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ وَمَا سُمِعَ مِنَ الْهَاتِفِ بِمَكَّةَ فِي نُصْرَتِهِمَا
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ)
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو
أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ قَالَ [ (16) ] حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْأَشْعَثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ
الْكَلْبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عِيسَى بْنِ
خَيْرٍ كَذَا قَالَ، وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ خَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعَتْ قُرَيْشٌ [ (17) ]
قَائِلًا يَقُولُ فِي اللَّيْلِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ:
فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحْ مُحَمَّدٌ ... بِمَكَّةَ لَا
يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ
فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَنِ السَّعْدَانِ: أَسَعْدُ
بْنُ بَكْرٍ أَمْ سَعْدُ بْنُ [هُذَيْمٍ] [ (18) ] فَلَمَّا كَانَتْ فِي
اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ سَمِعُوهُ يَقُولُ:
أَيَا يا سَعْدُ سَعْدَ الْأَوْسِ كُنْ أَنْتَ نَاصِرًا ... وَيَا سَعْدُ
سعد الخزرجين الغطارف
__________
[ (16) ] ليست في (ص) .
[ (17) ] النص ناقص في (ص) ، مقدار سطرين.
[ (18) ] في (ح) و (هـ) : تميم، وفي الروض الأنف (1: 272) : «فحسبوا أنه
يريد بالسعدين القبيلتين:
سعد هذيم من قضاعة، وسعد بن زيد بن تميم» .
(2/428)
أَجِيبَا إِلَى دَاعِي الْهُدَى
وَتَمَنَّيَا ... عَلَى اللهِ فِي الْفِرْدَوْسِ مُنْيَةَ عَارِفِ
فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ لِلطَّالِبِ الْهُدَى ... جِنَانٌ مِنَ
الْفِرْدَوْسِ ذَاتُ رَفَارِفِ
فَلَمَّا صَبِحُوا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: هُوَ وَاللهِ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ [وَسَعْدُ بن عبادة] [ (19) ] .
__________
[ (19) ] الزيادة من (ص) و (هـ) ، والخبر أخرجه ابن أبي الدنيا، والخرائطي،
وعن المصنف نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (3: 165) .
(2/429)
|