دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ [ (1) ] وَقَوْلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا
أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ
عَظِيمٌ [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ [
(3) ] بْنِ بِشْرَانَ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا بن أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ-
تَعْنِي [ (4) ] الزُّبَيْرَ وَأَبَا بَكْرٍ- مِنَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا
لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ، قَالَ:
لَمَّا انْصَرَفَ المشركون من أحد، وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مَا أَصَابَهُمْ، خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا
فَقَالَ مَنْ يَنْتَدِبُ لِهَؤُلَاءِ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا
أَنَّ بِنَا قُوَّةً، قَالَ: فَانْتُدِبَ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ فِي
سَبْعِينَ فَخَرَجُوا فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَسَمِعُوا بِهِمْ
وَانْصَرَفُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وفضل،
__________
[ (1) ] انظر في خروج الرسول صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ إِلَى حَمْرَاءِ
الْأَسَدِ: طبقات ابن سعد (2: 48) وما بعدها، وتاريخ الطبري (2: 534) ،
وسيرة ابن هشام (3: 44) وابن حزم ص (175) ، وعيون الأثر (2:
52) ، والبداية والنهاية (4: 48) ، والنويري (17: 126) ، والسيرة الحلبية
(2: 336) ، والسيرة الشامية (4: 438) .
[ (2) ] الآية الكريمة (172) من سورة آل عمران.
[ (3) ] في (ح) : ابو الحسين ... » ، وفي (ب) : «أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ
بْنُ محمد بن عبد الله» وكلاهما صحّف.
[ (4) ] في (ب) : «يعني» .
(3/312)
قَالَ: لَمْ يَلْقُوا عَدُوًّا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
مُعَاوِيَةَ [ (5) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا مِنْ أَوْجُهٍ عَنْ هِشَامٍ [ (6) ] .
أَخْبَرَنَا [ (7) ] أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ،
عَنْ عُرْوَةَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ، قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: نَازَلْتُهُمْ فَسَمِعْتُهُمْ
يَتَلَاوَمُونَ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا،
أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحَدَّهُمْ، ثُمَّ تَرَكْتُمُوهُمْ، وَلَمْ
تُبِيدُوهُمْ، وَقَدْ بقي منهم رؤوس [ (8) ] يَجْمَعُونَ لَكُمْ، فَأَمَرَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ- رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمْ- وَبِهِمْ أَشَدُّ الْقَرْحِ، بِطَلَبِ الْعَدُوِّ،
وَلْيُسْمِعُوا بِذَلِكَ، وَقَالَ: لَا يَنْطَلِقَنَّ مَعِي إِلَّا مَنْ
شَهِدَ الْقِتَالَ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ:
أَرْكَبُ مَعَكَ فَقَالَ: لَا، فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَى
[الَّذِي] [ (9) ] بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ فَانْطَلَقُوا، وَأَقْبَلَ
جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ
أَبِي رَجَّعَنِي وَقَدْ خَرَجْتُ مَعَكَ لِأَشْهَدَ الْقِتَالَ، قِتَالَ
أُحُدٍ، وَنَاشَدَنِي أَلَّا أَتْرُكَ نِسَاءَنَا جَمِيعًا وَإِنَّمَا
أَوْصَانِي بِالرُّجُوعِ لِلَّذِي أَصَابَهُ مِنَ الْقَتْلِ [ (10) ]
فَاسْتَشْهَدَهُ اللهُ- عَزَّ وَجَلَّ- وَأَرَادَ بِيَ الْبَقَاءَ
لِتَرِكَتِهِ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ تُوَجَّهَ وَجْهًا إِلَّا وَكُنْتُ
مَعَكَ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ
__________
[ (5) ] أخرجه البخاري في: 64: كتاب المغازي، (25) باب الَّذِينَ
اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القرح ...
، الحديث (4077) ، فتح الباري (7: 373) .
[ (6) ] مسلم فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ (6) باب من فضائل طلحة
والزبير الحديث (51) عن أبي بكر ابن أبي شيبة، والحديث (52) عن أبي كريب
... صفحة (1880- 1881) .
[ (7) ] في (ب) : «وأخبرنا»
[ (8) ] في (أ) و (ب) : «روس» .
[ (9) ] الزيادة من تاريخ ابن كثير، وفي النسخ المخطوطة: «على ما بهم» .
[ (10) ] في (ب) : «من القتال» .
(3/313)
يُطْلَبَ مَعَكَ إِلَّا مَنْ قَدْ شَهِدَ
الْقِتَالَ فَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَطَلَبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ [ (11)
] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ
أُحُدٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْأَحَدِ لِسِتَّ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَوَّالٍ:
أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
النَّاسِ لِطَلَبِ [ (12) ] الْعَدُوِّ، وَأَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ أَنْ لَا
يَخْرُجَنَّ [ (13) ] مَعَنَا أَحَدٌ إِلَّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا
بِالْأَمْسِ، فَكَلَّمَهُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
حَرَامٍ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ مَعَهُ [ (14) ] ، وإِنَّمَا خَرَجَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوِّ،
وَلِيَأْتِيَهُمْ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ وَلِيَظُنُّوا بِهِ
قُوَّةً وَأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ [
(15) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ السَّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ
عُثْمَانَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ: شَهِدْتُ أُحُدًا
مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم إنا وَأَخٌ لِي فَرَجَعْنَا
جَرِيحَيْنِ، فَلَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، فَقُلْتُ لِأَخِي وَقَالَ
لِي:
أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، وو
الله مَا لَنَا مِنْ دَابَّةٍ نَرْكَبُهَا، وَمَا مِنَّا إِلَّا جريح،
__________
[ (11) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 48) ، عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وقال: «وهكذا روى ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي
الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ سواء.
[ (12) ] في (أ) و (ب) : «لطلب» .
[ (13) ] في الأصول «لا يخرج» وأثبتنا ما في سيرة ابن هشام.
[ (14) ] جاء بعده في سيرة ابن هشام العبارة التالية، وليست في الأصول
المخطوطة: «فكلمه جابر..
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي كَانَ خلّفني على أخوات لي سبع،
وقال: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّهُ لا ينبغي لي ولا لك ان نترك هؤلاء النسوة
لا رجل فيهن، ولست بالذي او ترك بالجهاد مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله
عليه وسلم على نفسي، فتخلّف على أخواتك، فتخلّفت عليهنّ، فَأَذِنَ لَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ معه..» .
[ (15) ] النص في سيرة ابن هشام (3: 44) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
49) .
(3/314)
فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ أَيْسَرَ جُرْحًا مِنْهُ [ (16) ]
فَكَانَ إِذَا غُلِبَ حَمَلْتُهُ عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً [ (17) ] ،
حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى
حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ
فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا: الْإِثْنَيْنَ وَالثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ [ (18) ] .
وبِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ مَعْبَدًا
الْخُزَاعِيَّ مَرَّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَهُوَ
بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ
عَيْبَةَ [نُصْحٍ] [ (19) ] لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
[بِتِهَامَةَ] صَفْقُهُمْ [ (20) ] مَعَهُ، لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ شَيْئًا
كَانَ بِهَا، فَقَالَ مَعْبَدٌ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ-:
يَا مُحَمَّدُ! أَمَا وَاللهِ لَقَدْ عَزَّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَكَ فِي
أَصْحَابِكَ، [و] لوددنا إن الله- عز وجل- عَافَاكَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ
وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ،
حَتَّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ومن معه بِالرَّوْحَاءِ،
وَقَدْ أَجْمَعُوا بِالرَّجْعَةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: أَصَبْنَا حَدَّ
أَصْحَابِهِمْ وَقَادَتِهِمْ [وَأَشْرَافِهِمْ] ، ثُمَّ رَجَعْنَا قَبْلَ
أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ، لَنَكُرَّنَّ عَلَى بَقِيَّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنَّ
مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا قَالَ: مَا وَرَاءَكَ
يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ
فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ لَهُ مِثْلَهُ قَطُّ يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ
تَحَرُّقًا، قَدِ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي
يَوْمِكُمْ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا [ (21) ] ، فِيهِمْ مِنَ
الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ
__________
[ (16) ] في الأصل: «أيسر جراحة منهم» ، واثبتّ ما في السيرة لابن هشام.
[ (17) ] يريد نتعاقب ركوبة، كل واحد منا يركبها برهة، والآخر يمشي.
[ (18) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 44- 45) ، ونقله ابن كثير في «البداية
والنهاية» (4: 49) .
[ (19) ] كلمة نصح ساقطة من الأصول وأثبتها من أصل الخبر في سيرة ابن هشام،
ومعنى عيبة نصح: أي:
موضع سِرَّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي (ب) :
«عينة لرسول الله» .
[ (20) ] (صفقهم معه) أي: اتفاقهم وهو أهم له، واجتماعهم عليه، تقول: أصفقت
مع فلان على الأمر: إذا أجمعت معه عليه. وجاءت في (أ) و (ب) : «صفوهم» .
[ (21) ] سيرة ابن هشام: «على ما ضيعوا» .
(3/315)
قَطُّ، فَقَالَ: وَيْلَكَ [ (22) ] مَا
تَقُولُ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتَّى تَرَى
نَوَاصِيَ الْخَيْلِ، قَالَ: فو الله لَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى الْكَرَّةِ
عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيَّتَهُمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَنْهَاكَ عَنْ
ذَلِكَ، فو الله لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِ [
(23) ] أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَمَاذَا قُلْتَ؟
قال معبد قلت: - كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي* إِذْ
سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ [ (24) ] ثُمَّ ذَكَرَ
سَائِرَ الْأَبْيَاتِ [ (25) ] فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: فَثَنَى [
(26) ] ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَرَّ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَيْنَ تُرِيدُونَ؟
قَالُوا: الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ الْمِيرَةَ،،
فَقَالَ: أَمَا أَنْتُمْ مُبَلِّغُونَ عَنِّي مُحَمَّدًا- صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إِلَيْهِ، وَأَحْمِلُ
عَلَى إِبِلِكُمْ هَذِهِ زَبِيبًا بِعُكَاظَ غَدًا إِذَا وَافَيْتُمُوهَا؟
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ فَقَالَ فَإِذَا جِئْتُمُوهُ [ (27) ]
فَأَخْبِرُوهُ أَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا الرَّجْعَةَ [ (28) ] إِلَى
أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَهُمْ،
فَلَمَّا مَرَّ الرَّكْبُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ بحمراء
__________
[ (22) ] سيرة ابن هشام: «ويلك» .
[ (23) ] سيرة ابن هشام: «فيهم» .
[ (24) ] الجرد: الخيل العتاق. الواحد: أجرد، الأبابيل: الجماعات.
[ (25) ] وهي كما ذكرها ابن هشام:
كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ راحلتي ... إذا سَالَتِ الْأَرْضُ
بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تردي بأسد كرام لا تنابلة ... عند اللّقاء ولا ميل معازيل
فظلت غدوا أظنّ الأرض مائلة ... لمّا سموا برئيس غير مخذول
فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم ... إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إنّي نذير الأهل البسل ضاحية ... لكلّ ذي إربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش قنابله ... وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
[ (26) ] في الأصول رسمت: «فثنا» .
[ (27) ] في السيرة لابن هشام: «فإذا وافيتموه» .
[ (28) ] في السيرة: «السير إليه» .
(3/316)
الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ [ (29) ] .
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أُولَئِكَ الرَّهْطِ وَقَوْلِهِمْ
وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ
اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ
إِلَى قَوْلِهِ: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ يَعْنِي هَؤُلَاءِ النَّفَرَ مِنْ عَبْدِ
الْقَيْسِ، إِلَى قَوْلِهِ: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لِمَا صَرَفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ
لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ، وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ فِي استِجَابَتِهِمْ
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ إِلَى
آخِرِ الْآيَةِ [ (30) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو
بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ
عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي النَّارِ،
قَالَ: «حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [حِينَ قَالُوا] : «الَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوكيل» .
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: يَقُولُ إِبْرَاهِيمُ وَمُحَمَّدٌ صلى
اللَّه عليه وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ [ (31) ] ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ.
__________
[ (29) ] سيرة ابن هشام (3: 45- 46) ، ونقله الحافظ ابن كثير في «البداية
والنهاية» (3: 49- 50) .
[ (30) ] من الآيات (172- 175) من سورة آل عمران.
[ (31) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ في:
65- كتاب التفسير- تفسير سورة آل عمران (13) باب الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لكم، الحديث (4563) ، فتح الباري
(8: 229) .
(3/317)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُدَ الزَّاهِدُ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ رَزِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ حَسَنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ، قَالَ: النِّعْمَةُ:
أَنَّهُمْ سَلِمُوا، وَالْفَضْلُ أَنَّ عِيرًا مَرَّتْ وَكَانَ فِي
أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَرَبِحَ فِيهَا مَالًا فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ [ (32) ]
.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللهِ
بْنِ أُبَيٍّ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلَّ جُمُعَةٍ لَا يَتْرُكَهُ شَرَفًا
لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، فَكَانَ
إِذَا جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ قَامَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! هَذَا رَسُولُ
اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمَ اللهُ بِهِ، وَأَعَزَّكُمْ
فَانْصُرُوهُ وَعَزِّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، ثُمَّ يَجْلِسُ،
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من أُحُدٍ
وَصَنَعَ الْمُنَافِقُ مَا صَنَعَ فِي أُحُدٍ فَقَامَ يَفْعَلُ كَمَا كَانَ
يَفْعَلُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ،
وَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدُوَّ اللهِ لَسْتَ لِهَذَا الْمَقَامِ بِأَهْلٍ،
قَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ، فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ
يَقُولُ وَاللهِ لَكَأَنِّي قُلْتُ هُجْرًا [ (33) ] أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ
أَمْرَهُ، فَلَقِيَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ
فَقَالَ: وَيْلَكَ مالك فَقَالَ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَقَامَ
رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْبِذُونَنِي وَيُعَنِّفُونَنِي كَأَنَّمَا
قُلْتُ هُجْرًا، فَقَالَ: وَيْلَكَ ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُنَافِقُ: وَاللهِ
مَا أَبْغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي [ (34) ] .
__________
[ (32) ] تفسير القرطبي (7: 445) ط. دار المعارف.
[ (33) ] في سيرة ابن هشام: «بجرا» ، والبجر: الشر، والأمر العظيم.
[ (34) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 47- 48) ، ونقله ابن كثير في
«التاريخ» (4: 51- 52) .
(3/318)
|