دلائل
النبوة للبيهقي محققا الجزء الرابع
السفر الرابع من دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة
تكملة أبواب جمّاع الغزوات
غزوة بني المصطلق حديث الإفك جُمَّاعُ أَبْوَابِ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ
جُمَّاعُ أَبْوَابِ غَزْوَةِ خَيْبَرَ جماع أبواب السرايا جماع أبواب عمرة
القضاء.
(4/3)
بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
عليه وسلم من الْأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
[ (1) ] وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ وَمَا ظَهَرَ فِي رُؤْيَةِ مَنْ رَأَى
مِنَ الصَّحَابَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ
بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ فِي قَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ بَنِي
قُرَيْظَةَ وَإِنْزَالِهِمْ مِنْ حُصُونِهِمْ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا، الْفَارَيَابِيُّ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، قَالَا:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ (ح) .
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وأَخْبَرَنَا، الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا، أَبُو بكر ابن أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا
رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنَ الْخَنْدَقِ
وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-
وَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ، وَاللهِ مَا وَضَعْنَاهُ، فَاخْرُجْ
إِلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فَأَيْنَ؟ قَالَ: ها هنا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ.
__________
[ (1) ] انظر في أخبار هذه الغزوة: مغازي الواقدي (2: 496) ، سيرة ابن هشام
(3: 187) ، طبقات ابن سعد (2: 74) ، انساب الأشراف (1: 167) ، صحيح البخاري
(5: 111) ، تاريخ الطبري (2: 581) ، ابن حزم (191) ، البداية والنهاية (4:
116) ، عيون الأثر (2: 94) ، نهاية الأرب للنويري (17: 186) ، السيرة
الحلبية (2: 427) ، والسيرة الشامية (5: 7) ، وشرح المواهب (2: 126) .
(4/5)
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ ابن عَبْدُوسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ: أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ حَدَّثَهُمْ، قَالَ: حَدَّثَنَا،
حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا مِنْ سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبَ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ سَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ [
(3) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُلَاعِبٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ:
مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ
عَنْ، نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَادَى فِيهِمْ يَوْمَ انْصَرَفَ عَنْهُمُ الْأَحْزَابُ: أَلَّا
يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَبْطَأَ
نَاسٌ، فَتَخَوَّفُوا فَوْتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، يَعْنِي: فَصَلَّوْا،
وَقَالَ: آخَرُونَ لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا عَنَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ [ (4) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ
الإسماعيلي قال: أخبرنا
__________
[ (2) ] رواه البخاري في: 64- كتاب المغازي (30) بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وسلم من الأحزاب ... فتح الباري (7: 407) .
وأخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (22) باب جواز إخراج من نقض
العهد، الحديث (65) ، ص (1389) .
[ (3) ] الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ في: 64- كتاب
المغازي، (30) بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من
الأحزاب، الحديث (4118) ، فتح الباري (7: 407) .
[ (4) ] أخرجه البخاري في المغازي (30) بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى
الله عليه وسلم من الأحزاب، الحديث (4119) ، فتح الباري (7: 407- 408) ،
ومسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، (23) باب المبادرة بالغزو، الحديث (69)
ص (1391) .
(4/6)
أَبُو يَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللهِ، يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: نَادَى، فِينَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ انْصَرَفَ مِنَ
الْأَحْزَابِ: أَلَّا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الظُّهْرَ إِلَّا فِي بَنِي
قُرَيْظَةَ، قَالَ: فَتَخَوَّفَ نَاسٌ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَصَلَّوْا دُونَ
قُرَيْظَةَ، وَقَالَ: الْآخَرُونَ: لَا نُصَلِّي إِلَّا حَيْثُ أَمَرَنَا
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ،
فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: كَذَا فِي كِتَابِي «الظُّهْرُ» قُلْتُ: رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ،
هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ [ (5) ] .
وَقَالَ: الْعَصْرَ بَدَلَ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ
الْمَغَازِي: مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
يَسَارٍ، وَغَيْرُهُمَا.
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ
الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خُلَيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيِّ،
قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ [ (6) ] بْنِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَمَّهُ: عَبْدَ [ (7) ] اللهِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم لَمَّا رَجَعَ مِنْ طَلَبِ
الْأَحْزَابِ وَضَعَ عَنْهُ اللَّأْمَةَ واغتسل، واستجمر [ (8) ] فتبدّى
لَهُ جِبْرِيلُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَقَالَ: عَذِيرَكَ [ (9) ] مِنْ
مُحَارِبٍ أَلَا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ [ (10) ] وَمَا
وَضَعْنَاهَا بَعْدُ، قَالَ: فَوَثَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
فَزِعًا، فَعَزَمَ عَلَى النَّاسِ أَلَّا يُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ
حَتَّى يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ.
__________
[ (5) ] انظر الحاشية السابقة.
[ (6) ] (ص) : «عبيد» ، وهو تصحيف.
[ (7) ] (أ) : «عبد» وهو تصحيف.
[ (8) ] (استجمر) : «تبخر» .
[ (9) ] (عذيرك) أي: هات من يعذرك. فعيل بمعنى فاعل.
[ (10) ] (اللأمة) «الدرع» ، وقيل: السلاح، ولأمة الحرب: آلته.
(4/7)
قَالَ: فَلَبِسَ النَّاسُ السِّلَاحَ،
فَلَمْ يَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَاخْتَصَمَ
النَّاسُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ
اللهِ صلى الله عليه وسلّم عزم علينا أن لا نُصَلِّيَ حَتَّى نَأْتِيَ
بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ عَلَيْنَا إِثْمٌ، وَصَلَّى طَائِفَةٌ
مِنَ النَّاسِ احْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ [ (11) ] طَائِفَةٌ مِنْهُمُ
الصَّلَاةَ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّوْهَا حِينَ جَاءُوا بَنِي
قُرَيْظَةَ، احْتِسَابًا فَلَمْ يُعَنِّفْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ [ (12) ] .
وحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِمْلَاءً
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ حَمَّادٍ الْبَرْبَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَبُو عَبْدِ اللهِ الْمُسَيِّيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ: عُبَيْدِ اللهِ بْنِ
عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ عِنْدَهَا فَسَلَّمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ فِي الْبَيْتِ،
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ فَزِعًا، فَقُمْتُ فِي
أَثَرِهِ، فَإِذَا بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ. فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ
يَأْمُرُنِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: قَدْ
وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ، لَكِنَّا لَمْ نَضَعْ طَلَبْنَا الْمُشْرِكِينَ،
حَتَّى بَلَغْنَا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ، وَذَلِكَ حِينَ رَجَعَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ، فَقَامَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ
عَلَيْكُمْ أَلَّا تُصَلُّوا صَلَاةَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَأْتُوا بَنِي
قُرَيْظَةَ. فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ، فَقَالَتْ
طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
لم يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلَاةَ، فَصَلَّوْا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
وَاللهِ إنّا
__________
[ (11) ] في (ص) : «وترك» .
[ (12) ] بهذا الإسناد عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نقله
ابن كثير عن البيهقي في التاريخ (4: 117) ، وقد أخرجه الإمام أحمد والشيخان
مختصرا، والحاكم مطوّلا عن عائشة، ومن طريق جابر أخرجه أبو نعيم في
الدلائل، والطبري عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبي اوفى.
(4/8)
لَفِي عَزِيمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَيْنَا مِنْ إِثْمٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا،
وَلَمْ يَعِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ
الْفَرِيقَيْنِ [ (13) ] .
وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ
أَحَدٍ؟ قَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ [ (14) ] عَلَى
بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، تَحْتَهُ قَطِيفَةُ [ (15) ] دِيبَاجٍ [ (16) ] ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: لَيْسَ ذَلِكَ بِدِحْيَةَ،
وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُرْسِلَ إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ،
فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ
أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوا بِالْجَحَفِ، حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ،
فَنَادَاهُمْ يَا إخوة القردة والخنازير،
__________
[ (13) ] نقله ابن كثير عن المصنف في «البداية والنهاية» (4: 117- 118) ،
وعقب عليه بقوله:
وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو؟ بل الإجماع على أن
كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف. فقالت طائفة من العلماء: الذين
أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم
المصيبون، لان أمرهم يومئذ بتأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في
وقتها المقدر لها شرعا، قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة: وعلم
الله أنا لو كنا هناك لم نصلّ العصر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ولو بعد
أيام.
وهذا القول منه ماش على قاعدته الاصلية في الأخذ بالظاهر. وقالت طائفة اخرى
من العلماء:
بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم هم المصيبون
لأنهم فهموا أن المراد انما هو تعجيل السير الى بني قريظة لا تأخير الصلاة
فعملوا بمقتضى الادلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن
الشارع ما أراد، ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم باعادة الصلاة في وقتها التي
حولت اليه يومئذ كما يدعيه أولئك، وأما أولئك الذين أخرّوا فعذروا بحسب ما
فهموا، وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه. وأما على قول من يجوز
تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البحتري حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر
المتقدم في هذا فلا إشكال على من أخرّ ولا على من قدم ايضا والله اعلم.
[ (14) ] هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة من الخزرج صاحب رسول الله صلى
الله عليه وسلّم الذي أتاه جبريل على صورته.
[ (15) ] (القطيفة) كساء له خمل.
[ (16) ] (الديباج) فارسي معرب.
(4/9)
قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ لَمْ تَكُ
فَحَّاشًا. فَحَاصَرَهُمْ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ، وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ فَحَكَمَ فِيهِمْ، أَنْ يُقْتَلَ
مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ [ (17) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ [ (18) ] قَالَ حَدَّثَنَا
مِقْدَامُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي سَعِيدُ بْنُ عِيسَى.
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَشْرَسَ الْأَنْصَارِيُّ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللهِ
بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتَ وَثْبَةٍ
شَدِيدَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَاتَّبَعْتُهُ، أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ
مُتَّكِئٌ على عرف برزونه، وَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ- فِيمَا
كُنْتُ أَرَى- وَإِذَا هُوَ مُعْتَمٌّ، مُرْخٍ مِنْ عِمَامَتِهِ بَيْنَ
كَتِفَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلم، قُلْتُ: لَقَدْ وَثَبْتَ وَثْبَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ خَرَجْتَ،
فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: أو رأيته؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ، أَمَرَنِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَى
بَنِي قُرَيْظَةَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ
عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، مِثْلَهُ.
وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ
أَخِيهِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ [ (19) ] ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ عائشة.
__________
[ (17) ] نقله الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (4: 118) ، وقال:
«لهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها» ، وقد أخرجه الحاكم في «المستدرك»
(3: 34- 35) ، وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» .
وأخرجه ابو نعيم في دلائل النبوة (437) ، والصالحي في السيرة الشامية: (5:
9)
[ (18) ] في (أ) و (ح) : «المصري» .
[ (19) ] كذا في الأصل، وفي هامش (أ) : «صوابه: ويحيى» ، وفي حاشية (ح) :
«لعله: ويحيى» .
(4/10)
وَشَاهِدُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي رُؤْيَةِ
عَائِشَةَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْلِهَا: فَكَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَمْسَحُ
الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِ جِبْرِيلَ. فَقُلْتُ: هَذَا دِحْيَةُ يَا رَسُولَ
اللهِ. فَقَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ.
فِي مَغَازِي يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ،
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَفِي رُؤْيَةِ نَفَرٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ، مَرَّ بِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ: هَلْ مَرَّ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ مَرَّ
عَلَيْنَا دِحْيَةُ. [بْنُ خَلِيفَةَ] [ (20) ] الْكَلْبِيُّ عَلَى
بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، عَلَيْهَا رِحَالُهُ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ،
بَعَثَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ
حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ.
فِي مَغَازِي يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا
الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنَا بِهِمَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ فَذَكَرَهُمَا [ (21) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ ثُمَّ قَدَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ، مَعَهُ رَايَتُهُ، وابْتَدَرَهَا النَّاسُ [ (22) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد بن الفضل ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،
وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ
__________
[ (20) ] ليست في (ص) .
[ (21) ] راجع الحاشية (17) .
[ (22) ] سيرة ابن هشام (3: 188) .
(4/11)
ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ
عَتَّابٍ الْعَبْدِيُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ. قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ:
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. قَالَ:
فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا
يَزْعُمُونَ فِي الْمُغْتَسَلِ يُرَجِّلُ [ (23) ] رَأْسَهُ قَدْ رَجَّلَ
أَحَدَ شِقَّيْهِ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَارِسٍ
عَلَيْهِ لَأْمَتُهُ، حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، عِنْدَ مَوْضِعِ
الْجَنَائِزِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ. أَقَدْ وَضَعْتَ
السِّلَاحَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ جِبْرِيلُ: لَكِنْ نَحْنُ لَمْ نَضَعْهُ
مُنْذُ نَزَلَ بِكَ الْعَدُوُّ، وَمَا زِلْتَ فِي طَلَبِهِمْ. فَقَدْ
هَزَمَهُمُ اللهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ عَلَى وَجْهِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ لَأَثَرَ الْغُبَارِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللهَ قَدْ
أَمَرَكَ بِقِتَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَا عَامِدٌ لَهُمْ بِمَنْ
مَعِيَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ لِأُزَلْزَلَ
بِهِمُ الْحُصُونَ، فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ.
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِ
جِبْرِيلَ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي غَنْمٍ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ: مَرَّ
عَلَيْكُمْ فَارِسٌ آنِفًا؟ فَقَالُوا: مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ
الْكَلْبِيُّ، عَلَى فَرَسٍ أَبْيَضَ، تَحْتَهُ نَمَطٌ أَوْ قَطِيفَةٌ مِنْ
دِيبَاجٍ، عَلَيْهِ اللَّأْمَةُ فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَبِّهُ دِحْيَةَ
الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ:
الْحَقُونِي بِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَصَلُّوا فِيهِمُ الْعَصْرَ، فَقَامَ
وَمَنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ فَحَانَتِ الْعَصْرُ، وَهُمْ فِي الطَّرِيقِ، فَذَكَرُوا
الصَّلَاةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ أَمَرَكُمْ أَنْ تُصَلُّوا الْعَصْرَ
فِي بَنِي قُرَيْظَةَ! وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى
مِنْهُمْ قَوْمٌ، وَأَخَّرَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الصَّلَاةَ، حَتَّى
صَلَّوْهَا بِبَنِي قُرَيْظَةَ، بَعْدَ أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، فَذَكَرُوا
لِرَسُولِ اللهِ
__________
[ (23) ] (يرجل رأسه) : يسرحه.
(4/12)
صلى الله عليه وسلم مَنْ عَجَّلَ مِنْهُمُ
الصَّلَاةَ، وَمَنْ أَخَّرَهَا، فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّفْ أَحَدًا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ.
قَالَ: وَلَمَّا رَأَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا، تَلَقَّاهُ،
وَقَالَ: ارْجِعْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ كَافِيكَ الْيَهُودَ،
وَكَانَ عَلِيٌّ سَمِعَ مِنْهُمْ قَوْلًا سَيِّئًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجِهِ فَكَرِهَ عَلِيٌّ أَنْ يَسْمَعَ
ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَأْمُرُنِي بِالرُّجُوعِ؟
فَكَتَمَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لِيَ
مِنْهُمْ أَذًى، فَامْضِ فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ
يَقُولُوا شَيْئًا مِمَّا سَمِعْتَ.
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِحِصْنِهِمْ، وَكَانُوا فِي أَعْلَاهُ، نَادَى بأعلا صَوْتِهِ نَفَرًا
مِنْ أَشْرَافِهَا، حَتَّى أَسْمَعَهُمْ فَقَالَ: أَجِيبُونَا يَا مَعْشَرَ
يَهُودَ: يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ خِزْيُ اللهِ،
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتَائِبِ
الْمُسْلِمِينَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَرَدَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ، حَتَّى دَخَلَ حِصْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَذَفَ
الله عز وجل في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَاشْتَدَّ، عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ،
فَصَرَخُوا بِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ [ (24) ] وكانوا
حُلَفَاءَ لِلْأَنْصَارِ. فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: لَا آتِيهِمْ، حَتَّى
يَأْذَنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رسول
الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو لُبَابَةَ،
فَبَكَوْا إِلَيْهِ وَقَالُوا:
يَا أَبَا لُبَابَةَ مَاذَا تَرَى؟ وَمَاذَا تَأْمُرُنَا؟ فَإِنَّهُ لَا
طَاقَةَ لَنَا بِالْقِتَالِ، فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى
حَلْقِهِ، وَأَمَرَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ يُرِيهِمْ، أَنَّمَا يُرَادُ
بِكُمُ الْقَتْلُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبُو لُبَابَةَ سُقِطَ فِي يَدِهِ،
وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ
لَا أَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى أُحْدِثَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَوْبَةً نَصُوحًا يَعْلَمُهَا
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَفْسِي، فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَبَطَ
يَدَيْهِ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ
ارْتَبَطَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذُكِرَ حِينَ رَاثَ عليه أبو
__________
[ (24) ] هو أبو لبابة الانصاري أحد النقباء، كان مناصحا لهم لأن ماله
وولده وعياله في بني قريظة.
(4/13)
لُبَابَةَ: أَمَا فَرَغَ أَبُو لُبَابَةَ
مِنْ حُلَفَائِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قد وَاللهِ انْصَرَفَ مِنْ
عِنْدِ الْحِصْنِ، وَمَا نَدْرِي أَيْنَ سَلَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ حَدَثَ لِأَبِي لُبَابَةَ أَمْرٌ،
مَا كَانَ عَلَيْهِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَأَيْتُ [ (25) ] أَبَا لُبَابَةَ، ارْتَبَطَ
بِحَبْلٍ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَصَابَتْهُ بَعْدِي فِتْنَةٌ،
وَلَوْ جاءني لاستغفرت له. فإذا فَعَلَ هَذَا فَلَنْ أُحَرِّكَهُ مِنْ
مَكَانِهِ، حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ [ (26) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ مُحَمَّدُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ. قَالَ: قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ. قَالَ: عُرْوَةُ
فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَجِّلُ
رَأْسَهُ، قَدْ رَجَّلَ أَحَدَ جَانِبَيْهِ، أَتَاهُ أَمَرَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ، فَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فَرَسٍ، عَلَيْهِ
لَأْمَتُهُ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، بِمَعْنَى مَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ عَنْهُ قَوْلَهُ: فَاخْرُجْ بِالنَّاسِ.
قَالَ فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَبِسَ
لَأْمَتَهُ وَأَذِنَ بِالْخُرُوجِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا
السِّلَاحَ، فَفَزِعَ النَّاسُ لِلْحَرْبِ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمُقَدَّمَةِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ
اللِّوَاءَ وَأَمَرَ أَنْ يَنْطَلِقَ حَتَّى يَقِفَ بِهِمْ، إِلَى حِصْنِ
بَنِي قُرَيْظَةَ، فَفَعَلَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
عَلَى آثَارِهِمْ، فَمَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي
غَنْمٍ، يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ،
فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ بِكُمُ الْفَارِسُ آنِفًا. قَالُوا: مَرَّ
بِنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى فَرَسٍ، تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ،
عَلَيْهِ لَأْمَةٌ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَكَانَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم يُشَبِّهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِجِبْرِيلَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْقِصَّةِ بِنَحْوِهِ، إِلَّا
أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: بِضْعَ عشرة ليلة [ (27) ] .
__________
[ (25) ] في (ص) : «رأيت» .
[ (26) ] نقلها عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ابن كثير في التاريخ (4: 118-
119) .
[ (27) ] أشار هذه الرواية ابن كثير في التَّارِيخَ (4: 119) .
(4/14)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي [ (28) ] وَالِدِي:
إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
السُّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم حَاصَرَهُمْ
خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتَّى أَجْهَدَهُمُ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ
اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ
أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ
قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ
عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَيْقَنُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ. حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ: كَعْبُ بْنُ
أَسَدٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ! إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ
مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا فَخُذُوا
أَيَّهَا شِئْتُمْ، فَقَالُوا: مَا هُوَ [ (29) ] ؟ قَالَ نُبَايِعُ هَذَا
الرَّجُلَ وَنُصَدِّقُهُ، فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ
مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ الَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُوا
عَلَى دِمَائِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ فَقَالُوا: لَا
نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ،
قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيَّ هَذَا فَهَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ
أَبْنَاءَنَا، وَنِسَاءَنَا ثُمَّ نَخْرُجُ إِلَى مُحَمَّدٍ رِجَالًا
مُصْلِتِينَ السُّيُوفَ [ (30) ] لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا
يَهُمُّنَا، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ
نَهْلِكْ، نَهْلِكْ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا، يَهُمُّنَا
نَخَافُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَجِدَنَّ النِّسَاءَ،
وَالْأَبْنَاءَ، فَقَالُوا:
نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ!! فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؟
فَقَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةُ
السَّبْتِ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُونَا
فِيهَا، فَانْزِلُوا، فَلَعَلَّنَا نُصِيبُ مِنْهُمْ غِرَّةً فَقَالُوا:
نُفْسِدُ سَبْتَنَا، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا أَحْدَثَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا
فَأَصَابَهُمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ، مِنَ الْمَسْخِ، فَقَالَ: مَا بَاتَ
رَجُلٌ مِنْكُمْ لَيْلَةً وَاحِدَةً، مُنْذُ وَلِدَ حازما.
__________
[ (28) ] في (ص) : «حدثني» .
[ (29) ] في (ص) : «ما هن» ، وفي ابن هشام «ما هي» .
[ (30) ] (مصلتين السيوف) : مجردين لها، وقد أخرجناها من أغمادها.
(4/15)
ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وَسَلَّمَ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ، نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا،
فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا
رَأَوْهُ، قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ،
وَالصِّبْيَانُ، يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ:
يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ تَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ: أَنَّهُ الذَّبْحُ.
قَالَ أَبُو لبابة: فو الله، مَا زَالَتْ قَدَمَايَ تَرْجُفَانِ، حِينَ
عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ.
ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ
الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى
عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ. وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتَّى
يَتُوبَ اللهُ عَلَيَّ، مِمَّا صَنَعْتُ وَعَاهَدَ اللهَ أَنْ لَا يَطَأَ
بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا، وَلَا يَرَانِي فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللهَ
وَرَسُولَهُ فِيهِ،
فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم خَبَرُهُ،
وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: أَمَا لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ
لَهُ. فَأَمَّا إِذْ فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ، مَا أَنَا بِالَّذِي
يُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ
[ (31) ] .
هَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ، وَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ، أَنَّ ارْتِبَاطَهُ بِسَارِيَةِ التَّوْبَةِ كَانَ بَعْدَ
تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حِينَ أَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ عَلَيْهِ عَاتِبٌ بِمَا فَعَلَ
يَوْمَ قُرَيْظَةَ، ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فِيمَنْ
تَخَلَّفَ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وعَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ارْتِبَاطِهِ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ،
مَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ.
__________
[ (31) ] الخبر بطوله في سيرة ابن هشام (3: 188- 190) .
(4/16)
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ،
أَنَّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رسول الله صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم من السَّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ،
فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ؟ - أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ- فَقَالَ: تِيبَ عَلَى
أَبِي لُبَابَةَ فَقُلْتُ أَلَا أُبَشِّرُهُ يَا رَسُولَ اللهِ بِذَاكَ؟
فَقَالَ بَلَى إِنْ شِئْتِ،
فَقُمْتُ عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَقُلْتُ: - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ
عَلَيْنَا الْحِجَابُ- يَا أَبَا لُبَابَةَ! أَبْشِرْ، فَقَدْ تَابَ اللهُ
عَلَيْكَ، فَثَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ
حَتَّى يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ
الَّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ، فَلَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ خَارِجًا إِلَى
صلاة الصبح أطلقه [ (32) ] .
__________
[ (32) ] أخرجه ابن هشام في السيرة (3: 191) .
(4/17)
بَابُ نُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى
حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَمَا جَرَى فِي
قَتْلِهِمْ، وَسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فُورَكٍ رَحِمَهُ
اللهُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ ابْنُ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ.
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ
بْنُ سَلْمَانَ. قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ
بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَى سَعْدٍ،
فَأَتَاهُ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ. قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا إِلَى
سَيِّدِكُمْ، أَوْ إِلَى خَيْرِكِمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ
نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ. فَقَالَ: تُقْتَلُ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى
ذُرِيَّتُهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَقَدْ حَكَمْتَ عَلَيْهِمْ بِحُكْمِ اللهِ، وَرُبَّمَا قَالَ: بِحُكْمِ
الْمَلِكِ.
لَفْظُ حَدِيثِ عَفَّانَ، أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ
شُعْبَةَ [ (1) ] .
__________
[ (1) ] أخرجه البخاري في: 56- كتاب الجهاد، (168) باب إذا نزل العدو على
حكم رجل، وأخرجه مسلم في (32) كتاب الجهاد، (22) باب جواز قتال من نقض
العهد.
(4/18)
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ،
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
(ح) وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ،
وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بكر ابن عَتَّابٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ:
وَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلُوهُ أَنْ
يُحَكِّمَ فِيهِمْ رَجُلًا، اخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ، مِنْ أَصْحَابِي،
فَاخْتَارُوا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِلَاحِهِمْ، فَجُعِلَ فِي قُبَّتِهِ،
وَأَمَرَ بِهِمْ فَكُتِّفُوا، وَأُوثِقُوا، وَجُعِلُوا فِي دَارِ
أُسَامَةَ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَقْبَلَ عَلَى حِمَارِ أَعْرَابِيٍّ، يَزْعُمُونَ
أَنَّ وَطْأَةَ بَرْذَعَتِهِ مِنْ لِيفٍ [ (2) ] ، وَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَعَهُ، وَيُعَظِّمُ
حَقَّ بَنِي قُرَيْظَةَ. وَيَذْكُرُ حِلْفَهُمْ، وَالَّذِي أَبْلَوْهُ
يَوْمَ بُعَاثٍ، وَيَقُولُ: اخْتَارُوكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ مِنْ قَوْمِكَ
رَجَاءَ رَحْمَتِكَ، وَعَطْفِكَ، وَتَحَنُّنِكَ عَلَيْهِمْ،
فَاسْتَبْقِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَكَ جَمَالٌ، وَعَدَدٌ.
قَالَ: فَأَكْثَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَلَا يُرْجِعُ إِلَيْهِ سَعْدٌ
شَيْئًا، حَتَّى دَنَوْا، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلَا تُرْجِعُ إِلَيَّ
فِيمَا أُكَلِّمُكَ فِيهِ. فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ آنَ لِي أَنْ لَا
تَأْخُذَنِي فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَفَارَقَهُ الرَّجُلُ فَأَتَى
قَوْمَهُ. فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ
مُسْتَبْقِيهِمْ، وَأَخبَرَهُمْ بِالَّذِي كَلَّمَهُ بِهِ، وَالَّذِي
رَجَعَ سَعْدٌ إِلَيْهِ، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ،
وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ.
فَذَكَرُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لِسَعْدٍ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
__________
[ (2) ] في «البداية والنهاية» : «على حمار قد وطئوا له بوسادة من آدم» .
(4/19)
فَقَتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَكَانُوا زَعَمُوا سِتَّمِائَةِ
مُقَاتِلٍ، قُتِلُوا عِنْدَ دَارِ أَبِي جَهْلٍ الَّتِي بِالْبَلَاطِ،
وَلَمْ تكن يومئذ بلاط، فَزَعَمُوا أَنَّ دِمَاءَهُمْ بَلَغَتْ أَحْجَارَ
الزَّيْتِ، الَّتِي كَانَتْ بِالسُّوقِ، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ
وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَّمَ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ.
وَكَانَتْ جَمِيعُ الْخَيْلِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ سِتَّةً
وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، فَقَسَمَ لَهَا لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَيْنِ.
وَأُخْرِجَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ. قَالَ لَهُ: لَقَدْ
ظَهَرْتَ عَلَيَّ وَمَا أَلُومُ إِلَّا نَفْسِي فِي جِهَادِكَ،
وَالشِّدَّةِ عَلَيْكَ، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ
بِعَيْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ عمرو بن سعد الْيَهُودِيُّ فِي
الْأَسْرَى، فَلَمَّا قَدِمُوا إِلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَدُوهُ، فَقَالَ
ابْنُ عَمْرٍو: قَالُوا: وَاللهِ مَا نَرَاهُ، وَإِنَّ هَذِهِ لَرُمَّتُهُ
الَّتِي كَانَ فِيهَا. فَمَا نَدْرِي كَيْفَ انْفَلَتَ! فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم أَفْلَتَنَا بِمَا عَلِمَ اللهُ فِي
نَفْسِهِ.
وَأَقْبَلَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: هَبْ لِيَ الزُّبَيْرَ، وَامْرَأَتَهُ فَوَهَبَهُمَا، فَرَجَعَ
ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ
تَعْرِفُنِي؟ وَكَانَ الزُّبَيْرُ يَوْمَئِذٍ كَبِيرًا، أَعْمَى، قَالَ
هَلْ يُنْكِرُ الرَّجُلُ أَخَاهُ! قَالَ ثَابِتٌ: أَرَدْتُ أَجْزِيكَ
الْيَوْمَ بِتِلْكَ قَالَ افْعَلْ فَإِنَّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ.
قَالَ قَدْ فَعَلْتُ. قَدْ سَأَلْتُكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَوَهَبَكَ لِي، فَأَطْلَقَ عَنْكَ الْإِسَارَ، قَالَ
الزُّبَيْرُ: لَيْسَ لِي قَائِدٌ، وَقَدْ أَخَذْتُمُ امْرَأَتِي، وَبَنِيَّ
فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَسَأَلَهُ ذُرِّيَّةَ الزُّبَيْرِ وَامْرَأَتَهُ فَوَهَبَهُمَا لَهُ،
فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: قَدْ رَدَّ إِلَيْكَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ امْرَأَتَكَ وَبَنِيكَ، قَالَ
الزُّبَيْرُ:
فَحَائِطٌ لِي فِيهِ أَغْدُقٌ ... لَيْسَ لِي وَلِأَهْلِي عَيْشٌ إِلَّا
بِهِ
فَرَجَعَ ثَابِتٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَسَأَلَهُ حَائِطَ الزُّبَيْرِ، فَوَهَبَهُ لَهُ، فَرَجَعَ
(4/20)
ثَابِتٌ إِلَى الزُّبَيْرِ فَقَالَ قَدْ
رَدَّ إِلَيْكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَهْلَكَ
وَمَالَكَ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ.
قَالَ: مَا فَعَلَ الْمَجْلِسَانِ، فَذَكَرَ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهِ
بِأَسْمَائِهِمْ، فَقَالَ ثَابِتٌ: قَدْ قُتِلُوا وَفُرِغَ مِنْهُمْ،
وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَكَ وَأَنْ يَكُونَ أَبْقَاكَ لِخَيْرٍ قَالَ
الزُّبَيْرُ أَسْأَلُكَ بِاللهِ، وَبِيَدِي عِنْدَكَ إِلَّا مَا
أَلْحَقْتَنِي بِهِمْ. فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُمْ، فَذَكَرَ
ذَلِكَ ثَابِتٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم فَأَمَرَ
بِالزُّبَيْرِ فَقُتِلَ [ (3) ] .
فَلَمَّا قَضَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَضَاءَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ،
وَرَفَعَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بَلَاءَ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ، نَزَلَ
الْقُرْآنُ يُعَرِّفُ اللهُ فِيهِ الْمُؤْمِنِينَ نِعْمَةَ اللهِ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى، الَّتِي أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهَا، حِينَ أَرْسَلَ عَلَى
عَدُوِّهِمُ الرِّيحَ وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، عَلَى الْجُنُودِ الَّتِي
جَاءَتْهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَإِذْ زَاغَتِ
الْأَبْصَارُ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، ويظنون بالله الظنونا
حِينَ نَزَلَ الْبَلَاءُ، وَالشِّدَّةُ بِأَحَادِيثِ الْمُنَافِقِينَ،
فَإِنَّهُ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ
إِلَّا غُرُورًا، وَوَقَعَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَفْرَقُونَ عَنْ نَصْرِ
اللهِ، وَرَسُولِهِ، وَيَدْعُونَ إِخْوَانَهُمْ، وَيَأْمُرُونَ بِتَرْكِ
رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ حِدَّةَ أَلْسِنَتِهِمْ،
وَضَعْفَهُمْ عَنِ الْبَأْسِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَصْدِيقَهُمْ
عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ،
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ... ثُمَّ ذَكَرَ
أَنَّهُ رَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً،
وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا
عَزِيزاً [ (4) ] .
ثُمَّ ذَكَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُظَاهَرَتَهُمْ عَدُوَّ اللهِ،
وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [ (5) ] .
__________
[ (3) ] عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكره ابن عبد البر في «الدرر» (180-
182) مختصرا، والخبر أخرجه ايضا ابن هشام في السيرة (3: 196) وستأتي رواية
ابن إسحاق لها بعد قليل.
[ (4) ] [الأحزاب- 25] .
[ (5) ] [الأحزاب- 26] .
(4/21)
وَمَا سَلَّطَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ
مِنْ قَتْلِهِمْ وَسِبَائِهِمْ وَمَا أَوْرَثَهُمْ [ (6) ] مِنْ أَرْضِهِمْ
وَدِيَارِهِمْ وأموالهم وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيراً.
وَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ قُرْآنًا إِذَا قَرَأْتَهُ عَرَفْتَهُ، تِسْعًا
وَعِشْرِينَ آيَةً، فاتحها يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا
عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما
تَعْمَلُونَ بَصِيراً [ (7) ] .
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ:
وَأَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ،
حَتَّى سَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَكَمًا،
يَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
اخْتَارُوا مِنْ أَصْحَابِي مَنْ أَرَدْتُمْ.
وَذَكَرَ الْقِصَّةَ. بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، إِلَّا أَنَّهُ
زَادَ فِي قَوْلِهِ: وأرضا لم تطؤوها. فَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا خَيْبَرُ،
وَلَا أَحْسَبُهَا إِلَّا كُلَّ أَرْضٍ فَتَحَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ هُوَ فَاتِحُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ
بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ قِصَّةَ نُزُولِهِمْ عَلَى
حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا قِيلَ لِسَعْدٍ وَمَا قَالَ سَعْدٌ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:
ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
بِالْمَدِينَةِ، فِي دَارِ زَيْنَبَ بِنْتِ الْحَارِثِ، امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى مَوْضِعِ خَنَادِقِ،
__________
[ (6) ] في التلاوة: وأورثكم أرضهم-[الأحزاب- 27] .
[ (7) ] [الأحزاب- 9] .
(4/22)
سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُهَا
الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ فِيهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَضَرَبَ
أَعْنَاقَهُمْ، فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إِلَيْهِ
أَرْسَالًا [ (8) ] وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ،
وَكَعْبُ بْنُ أسيد، وَهُوَ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ ثمان مائة أو تسع
مائة، وَالْمُكَثِّرُ لَهُمْ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الثَّمَانِمِائَةِ
وَالتِّسْعِمِائَةِ وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ، وَهُوَ يُذْهَبُ
بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَالًا:
يَا كَعْبُ مَا تُرَاهُ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا
تَعْقِلُونَ. أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ. وَأَنَّهُ مَنْ
ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ.
هُوَ وَاللهِ الْقَتْلُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأَبَ، حَتَّى فَرَغَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْهُمْ فَأُتِيَ بِحُيَيِّ
بْنِ أَخْطَبَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ فُقَّاحِيَّةٌ [ (9) ] ، قَدْ شَقَّقَهَا
عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ لِكَيْلَا
يُسْتَلَبَهَا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمَّا
نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَا
وَاللهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ
اللهَ يُخْذَلْ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا
بَأْسَ بِأَمْرِ اللهِ: كِتَابٌ، وَقَدَرٌ، وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللهُ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ. فَقَالَ
جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ [ (10) ]
لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ ... وَلَكِنَّهُ مَنْ
يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلِ
يُجَاهِدُ، حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ جَهْدَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي
الْعِزَّ كُلُّ مُقَلْقَلِ
وَبَعْضُ النَّاسِ، يَقُولُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ قَالَهَا.
قَالَ ابنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ
بَاطَا الْقُرَظِيَّ، وَكَانَ يُكْنَى بِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ
قَدْ مَرَّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، فَذَكَرَ
قِصَّتَهُ بِمَعْنَى مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَأَتَمَّ مِنْهُ، وَذَكَرَ
فِيمَنْ سَأَلَ عَنْهُ ثَابِتًا، كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ،
__________
[ (8) ] (أرسالا) طوائق.
[ (9) ] (فقّاحية) أي تضرب إلى الحمرة نسبة الى الفقاح وهو الزهر إذا انشقت
أكمته، وتفتقت براعيمه
[ (10) ] جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ من بني ثعلبة، قال
الدارقطني: «له ججبه» وقال ابو عبيد: «كان يهوديا فأسلم» .
(4/23)
وَحُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَغَيْرَهُمَا،
ثُمَّ قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ يَا ثَابِتُ. بِيَدِي عِنْدَكَ ألا
ألحقتني بالقوم! فو الله مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ.
فَمَا أَنَا بِصَابرٍ حَتَّى أَلْقَى الْأَحِبَّةَ. فَقَدَّمَهُ ثَابِتٌ
فَضُرِبَ عُنُقُهُ. فَلَمَّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَوْلُهُ أَلْقَى الْأَحِبَّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاللهِ فِي نَارِ
جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وسلم قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلِّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ [ (11) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ قَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ وَلَا
السَّهْمُ، إِلَّا فِي غَزَاةِ بَنِي قُرَيْظَةَ، كَانَتِ الْخَيْلُ
يَوْمَئِذٍ ست وَثَلَاثِينَ فَرَسًا، فَفِيهَا أَعْلَمَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهْمَانَ الْخَيْلِ، وَسُهْمَانَ
الرِّجَالِ، فَعَلَى سُنَّتِهَا جَرَتِ الْمَقَاسِمُ، فَجَعَلَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ
ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ. لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجَلِ
سَهْمًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، بِسَبَايَا
بَنِي قُرَيْظَةَ، إِلَى نَجْدٍ فَابْتَاعَ لَهُ بِهِمْ خَيْلًا،
وَسِلَاحًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَدِ اصْطَفَى،
لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خنافة،
إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بن قريظة، وكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ،
وقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم عَرَضَ عَلَيْهَا
أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ. قَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مَالِكَ فَهُوَ أَخَفُّ عَلَيْكَ
وَعَلَيَّ، فَتَرَكَهَا وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا تَعَصَّتْ
بِالْإِسْلَامِ، وَأَبَتْ إِلَّا الْيَهُودِيَّةَ، فَعَزَلَهَا رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ
أَمْرِهَا. فَبَيْنَمَا هُوَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعَ
وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ. فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَثَعْلَبَةُ بْنُ
سَعْيَةَ يُبَشِّرُنِي بإسلام
__________
[ (11) ] أي نبت شعره.
(4/24)
رَيْحَانَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ
قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ، فَسَرَّهُ ذَلِكَ [ (12) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكٍ (رَحِمَهُ اللهُ) قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ.
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ
عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ
فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ أَنْبَتَ
أَنْ يُقْتَلَ، فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فتركت
[ (13) ] .
__________
[ (12) ] سيرة ابن هشام (3: 196- 198) ، وتاريخ ابن كثير (4: 125- 126) .
[ (13) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 197) .
(4/25)
بَابُ دُعَاءِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ فِي جِرَاحَتِهِ وَإِجَابَةِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ فِي
دَعْوَتِهِ وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ كَرَامَتِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
رَافِعٍ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ
نُمَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ،
قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ. يُقَالُ لَهُ حَبَّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ، رَمَاهُ فِي
الْأَكْحَلِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ [ (1) ] .
فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم مِنَ الْخَنْدَقِ،
وَوَضَعَ السِّلَاحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَنْفُضُ
رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ، قَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ! وَاللهِ مَا
وَضَعْنَاهَا. اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ؟ قال: ها هنا، وَأَشَارَ إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم، فَرَدَّ
الْحُكْمَ فِيهِ إِلَى سَعْدٍ. قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ
تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتُقَسَّمَ
أَمْوَالُهُمْ. قَالَ أَبِي فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: لَقَدْ
__________
[ (1) ] الحديث تقدم في الباب السابق، وقد أخرجه البخاري في الصلاة مقطعا،
وفي المغازي، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الجنائز حديث (3101) ، ص (3:
186) .
(4/26)
حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللهِ [ (2) ] .
قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَائِشَةَ،
أَنَّ سَعْدًا تَحَجَّرَ كَلْمُهُ [ (3) ] لِلْبُرْءِ، فَقَالَ: اللهُمَّ
إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أُجَاهِدَ
فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ
وَأَخْرَجُوهُ، اللهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرَبَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ،
فَأَبْقِنِي لهم حيّ، أُجَاهِدُهُمْ فِيكَ. وَإِنْ كُنْتَ قد وضعت الحرب
بيننا وَبَيْنَهُمْ، فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتِي فِيهَا.
قَالَ: فَانْفَجَرَ مِنْ لِيَّتِهِ فَلَمْ تَرُعْهُمْ، وَمَعَهُمْ فِي
الْمَسْجِدِ أَهْلُ خَيْمَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ
إِلَيْهِمْ. فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ. مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا
مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ جُرْحُهُ يَغْذُو، فَمَاتَ مِنْهَا.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ
عَبْدِ اللهِ بن نمير [ (4) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ [ (5) ] .
ورَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ قتادة، وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتَّى
تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كَمَا مَضَى [ (6) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الرُّوذْبَارِيُّ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ ابن الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ الطُّوسِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مسرة، قال حدثنا
__________
[ (2) ] البخاري في: 64- كتاب المغازي، (30) بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ
صَلَّى الله عليه وسلم من الأحزاب، ومسلم في:
32- كتاب الجهاد، باب جواز قتال من نقض العهد، الحديث (65) ، ص (1389) .
[ (3) ] (تحجّر كلمه) أي يبس جرحه.
[ (4) ] أخرجه البخاري في: 64- كتاب المغازي، (30) بَابُ مَرْجِعِ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم من الأحزاب.
[ (5) ] أخرجه مسلم في: 32- كتاب الجهاد والسير، الحديث (67) ، ص (3: 1390)
.
[ (6) ] سيرة ابن هشام (3: 203) .
(4/27)
الْمُقْرِئُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رُمِيَ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَطَعُوا أَكْحَلَهُ، فَحَسَمَهُ
رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ، فَانْتَفَخَتْ
يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَنَزَفَ الدَّمُ، فَحَسَمَهُ أُخْرَى، فَانْتَفَخَتْ
يَدُهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: اللهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي
حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَمْسَكَ عِرْقُهُ،
فَمَا قَطَرَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ،
وَذَرَارِيُّهُمْ، يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ. فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ أَصَبْتَ حُكْمَ اللهِ
فيهم وكانوا أربع مائة فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ قَتْلِهِمُ انْفَتَقَ
عِرْقُهُ،
فَمَاتَ- رَحِمَهُ اللهُ-[ (6) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ
بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعَطَّارُ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ
الْعَفْصِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم إن
هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ، يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ،
وَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً،
ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ [ (7) ] .
قَالَ: وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ.
قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ:
اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ فَرَحًا بِرُوحِهِ [ (8) ] .
__________
[ (6) ] أخرجه الترمذي في كتاب السير، (29) بَابُ مَا جَاءَ فِي النزول على
الحكم، الحديث (1582) ، ص (4: 144- 145) ، وقال: «حسن صحيح» ، والإمام أحمد
في مسنده (3: 350) .
[ (7) ] نقله ابن كثير في التاريخ (4: 128) بإسناده عن ابن عمر، وعزاه
للبزار.
[ (8) ] فيه انقطاع، وله ذكر عند ابن هِشَامٍ (3: 203) .
(4/28)
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَشُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ، قَالَا:
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ
مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: جَاءَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه
وَسَلَّمَ فَقَالَ:
مَنْ هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الَّذِي مَاتَ، فَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ، وَتَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ:
فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على قَبْرِهِ وَهُوَ
يُدْفَنُ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ
مَرَّتَيْنِ، فَسَبَّحَ الْقَوْمُ ثُمَّ قَالَ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ
أَكْبَرُ، فَكَبَّرَ الْقَوْمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وسلم عَجِبْتُ لِهَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ شُدِّدَ عَلَيْهِ فِي
قَبْرِهِ، حَتَّى كَانَ هَذَا حِينَ فُرِّجَ لَهُ [ (9) ] .
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ
الزُّرَقِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شِئْتُ مِنْ رِجَالِ قَوْمِي، أَنَّ
جِبْرِيلَ أَتَى النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ،
مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ
هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ؟ وَاهْتَزَّ
لَهُ الْعَرْشُ؟ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَجُرُّ ثَوْبَهُ، مُبَادِرًا إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَوَجَدَهُ قَدْ
قُبِضَ [ (10) ] .
وأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا وُضِعَ سعد بن
__________
[ (9) ] مسند أحمد (3: 327) ، ومعاذ به رفاعة أخرج له البخاري، وصنفه ابن
معين.
[ (10) ] سيرة ابن هشام (3: 203) ، البداية والنهاية (4: 129) .
(4/29)
مُعَاذٍ فِي حُفْرَتِهِ، سَبَّحَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَّحَ النَّاسُ مَعَهُ، ثُمَّ
كَبَّرَ وَكَبَّرَ الْقَوْمُ، مَعَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ بِمَ
سَبَّحْتَ. فَقَالَ: هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ. لَقَدْ تَضَايَقَ
عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى فَرَّجَهُ اللهُ عَنْهُ [ (11) ] .
وَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ. قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ
سَأَلَ بَعْضَ أَهْلِ سَعْدٍ: مَا بَلَغَكُمْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا؟ فَقَالُوا ذُكِرَ لَنَا أَنَّ
رَسُولَ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:
كَانَ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الطَّهُورِ من البول.
__________
[ (11) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 203) .
(4/30)
بَابُ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ وَأُسَيْدٍ
ابْنَيْ سَعْيَةَ، وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ
النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ
الْإِسْفَرَائِنِيُّ بِهَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي.
قَالَ:
أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ
بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي
قُرَيْظَةَ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الشَّامِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ،
يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْهَيَّبَانِ، وَاللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ،
خَيْرًا مِنْهُ، فَأَقَامَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَكُنَّا نَقُولُ لَهُ
إِذَا احْتَبَسَ الْمَطَرُ:
اسْتَسْقِ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ، حَتَّى تُخْرِجُوا أَمَامَ
مَخْرَجِكُمْ صَدَقَةً، فَيَقُولُونَ:
مَاذَا فَيَقُولُ: صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ. أَوْ مُدٌّ مِنْ شَعِيرٍ،
فَنَفْعَلُ، فَيَخْرُجُ بنا إلى ظاهر حرّينا، فو الله مَا يَبْرَحُ
مَجْلِسَهُ، حَتَّى تَمُرَّ بِنَا الشِّعَابُ. تَسِيلُ، قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ
غَيْرَ مَرَّةٍ، وَلَا مَرَّتَيْنِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ.
قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَمَا تَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ
الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ، إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ! قُلْنَا
أَنْتَ أَعْلَمُ، قَالَ: أَخْرَجَنِي نَبِيٌّ أَتَوَقَّعُهُ يُبْعَثُ
الْآنَ فَهَذِهِ الْبَلْدَةُ، مُهَاجَرُهُ وَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ
الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ
وَلَا تُسْبَقُنَّ إِلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ
(4/31)
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، أَنَّهُ قَالَ:
هَلْ تَدْرِي عَمَّا كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ وَأُسَيْدٍ ابْنَيْ
سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ نَفَرٍ مِنْ هَزَلٍ، لَمْ يَكُونُوا مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا نَضِيرٍ كَانُوا فَوْقَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: لَا،
قَالَ:
فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ، مِنَ الشَّامِ مِنْ يَهُودَ، يُقَالُ
لَهُ ابْنُ الْهَيِّبَانِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ بِمَعْنَى رِوَايَةِ
جَرِيرٍ، وَزَادَ: قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي
افْتُتِحَتْ فيها قريظة، قال: أوليك الْفِتْيَةُ الثَّلَاثَةُ، وَكَانُوا
شَبَابًا أَحْدَاثًا، يَا مَعْشَرَ يَهُودَ هَذَا الَّذِي كَانَ ذَكَرَ
لَكُمُ ابْنُ الْهَيِّبَانِ. قَالُوا مَا هُوَ؟ قَالَ: بَلَى. وَاللهِ
إِنَّهُ لَهُوَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ. إِنَّهُ وَاللهِ لَهُوَ بِصِفَتِهِ،
ثُمَّ نَزَلُوا فَأَسْلَمُوا وَخَلُّوا أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ
وَأَهْالِيَهُمْ.
قَالُوا: وكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي الْحِصْنِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ،
فَلَمَّا فُتِحَ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.
وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ- فِيمَا زَعَمَ- ابْنُ إِسْحَاقَ عَمْرُو
بْنُ سُعْدَى الْقُرَظِيُّ، فَمَرَّ بِحَرِسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ،
فَلَمَّا رَآهُ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى.
وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي
غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا
أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ
عَرَفَهُ: اللهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي عَثَرَاتِ الْكِرَامِ. ثُمَّ خَلَّى
سَبِيلَهُ فَخَرَجَ، حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلم بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ
يُدْرَ أَيْنَ ذَهَبَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا،
فَذُكِرَ شَأْنُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللهُ بِوَفَائِهِ،
وَبَعْضُ النَّاسِ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ فِيمَنْ أُوثِقَ، مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ رُمَّتُهُ مُلْقَاةً وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ
فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَأَمْرِ بَنِي
قُرَيْظَةَ الْقُرْآنَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ. يَذْكُرُ فِيهَا مَا
نَزَلَ مِنَ الْبَلَاءِ وَنِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَكِفَايَتَهُ
إِيَّاهُمْ، إِذْ فَرَّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بَعْدَ سُوءِ الظَّنِّ، وَقَوْلَ
مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً ... الآية [ (1) ] .
__________
[ (1) ] ذكر ابن إسحاق قصة إسلامهما في سياق غزوة بني قريظة، ولهما ترجمة
في الاصابة (1: 33) ونقل ما ذكره ابن إسحاق، وقال: رواه الطبري وابن مندة
من طريق أخرى عن ابن إسحاق.
(4/32)
بَابُ قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللهِ
بْنِ أبي الْحُقَيْقِ، وَيُقَالُ: سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ بِخَيْبَرَ، وَيُقَالُ: فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ
الْحِجَازِ وَمَا ظَهَرَ فِي قِصَّتِهِ مِنَ الْآثَارِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: فَلَمَّا انْقَضَى أَمْرُ [ (1) ]
الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ سَلَّامُ
بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ مِمَّنْ كَانَ حَزَّبَ الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم، وَكَانَتِ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ
قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عليه وَسَلَّمَ، وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَتِ
الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ
سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَ بِخَيْبَرَ، فَأَذِنَ لَهُمْ
فِيهِ [ (2) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
قَالَ: كَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم،
أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ: الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ،
كَانَا يَتَصَاوَلَانِ [ (3) ] مَعَهُ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، لَا
يَصْنَعُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا إلا
__________
[ (1) ] في سيرة ابن هشام (3: 231) : «شأن» .
[ (2) ] الخبر أخرجه ابن هشام في السيرة (3: 231) ، ونقله الحافظ ابن كثير
في «البداية والنهاية» (4: 137) ، مختصرا.
[ (3) ] (يتصاولان) يقال: تصاول الفحلان إذا دفع هذا على هذا، وهذا على
هذا، وأراد ان كل واحد من الحيين كان يدفع عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله
عليه وسلّم ويتفاخران بذلك، فإذا فعل أحدهما شيئا فعل الآخر مثله.
(4/33)
صَنَعَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا
قَتَلَتِ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، تَذَكَّرَتِ الْخَزْرَجُ
رَجُلًا، هُوَ فِي الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ مِثْلُهُ، فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ،
فَاسْتَأْذَنُوا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ،
فَأَذِنَ لَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عتيك، وَأَبُو
قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَنَسٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ،
وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيٍّ، حَلِيفٌ مِنْ أَسْلَمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَسِبْتُ أَنَّ فِيهِمْ فُلَانَ بْنَ سَلَمَةَ،
فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءُوهُ، صَعِدُوا إِلَيْهِ فِي عُلَيَّةٍ
لَهُ فَنَوَّهَتْ بِهِمُ امْرَأَتُهُ، فَصَيَّحَتْ، وَكَانَ قَدْ نَهَاهُمْ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُمْ عَنْ
قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالْوِلْدَانِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَيْهَا
السَّيْفَ ثُمَّ يَذْكُرُ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، فَيُمْسِكُ يَدَهُ، قَالَ:
فَابْتَدَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ
أُنَيْسٍ فِي بَطْنِهِ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ [ (4) ] .
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أنيس، أَنَّهُ قَتَلَهُ ابْنُ عَتِيكٍ وَابْنُ أُنَيْسٍ ذَفَّفَ
عَلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ ابْنُ عَتِيكٍ وَذَفَّفَ
عَلَيْهِ.
وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ
الْأَدِيبُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ. قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ
آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا مِنَ
الْأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الله ابن
عَتِيكٍ بَيْتَهَ لَيْلًا، فَقَتَلَهُ وهو نائم.
__________
[ (4) ] سيرة ابن هشام (3: 232) ، البداية والنهاية (4: 137) .
(4/34)
ورَوَاهُ [ (5) ] الْبُخَارِيُّ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ، وغيره، عن يحيى ابن آدَمَ [ (6) ]
.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
أَحْمَدَ الْحَافِظُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَثْعَمِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ يوسف ابن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ، الْبَرَاءَ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي
رَافِعٍ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي
أُنَاسٍ مَعَهُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ، فَقَالَ
لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ
أَنَا فَأَنْظُرَ، قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، قَالَ:
فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونُهُ، قَالَ:
فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ، فَغَطَّيْتُ رَأْسِي، وَجَلَسْتُ كَأَنِّي
أَقْضِي حَاجَةً قَالَ: فَنَادَى صَاحِبُ الْبَابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ
يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، قَالَ: فَدَخَلْتُ ثُمَّ
اخْتَبَأْتُ فِي مِرْبَطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، قَالَ:
فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ، وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَ سَاعَةٌ
مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتِ
الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ
الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ، فِي كُوَّةٍ فَأَخَذْتُ،
فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِيَ الْقَوْمُ، انْطَلَقْتُ عَلَى مَهْلِي،
قَالَ: ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، فَغَلَّقْتُهَا
عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ،
فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ، قَدْ طُفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ
الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أبا
__________
[ (5) ] في (ح) : «رواه» .
[ (6) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ في: 64- كتاب المغازي،
(16) بَابُ قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ، الحديث (4038) ، فتح الباري (7: 34) .
(4/35)
رَافِعٍ. قَالَ: مَنْ هَذَا. قَالَ:
فَعَمَدْتُ إِلَى الصَّوْتِ فَأَصَبْتُهُ، قَالَ: فَصَاحَ فَلَمْ يُغْنِ
شَيْئًا.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ، فَقُلْتُ: مالك يَا أَبَا
رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، [قَالَ] [ (7) ] أَلَا أُعْجِبُكَ،
لِأُمِّكَ الْوَيْلُ، دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ،
قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا، فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى، فَلَمْ تُغْنِ
شَيْئًا. فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ.
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، وَإِذَا
هُوَ مستلقى عَلَى ظَهْرِهِ. قَالَ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ
أَتَّكِئُ عَلَيْهِ، حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ
دَهِشًا، حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ
فَانْخَلَعَتْ [ (8) ] رِجْلِي، فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي
أَحْجِلُ. فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه
وسلم، فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ، فَقَالَ:
أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ،
فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَشَّرْتُهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ [ (9)
] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْبِسْطَامِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ، هُوَ ابْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ:
وَأَخْبَرَنِي الْمَنِيعِيُّ، وَالْحَسَنُ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ
مُوسَى، قَالَ:
__________
[ (7) ] الزيادة من (ح) .
[ (8) ] في (ح) و (أ) : «فاختلفت» وأثبتّ ما في (ص) وهو موافق للبخاري.
[ (9) ] الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ في:
64- كتاب المغازي، (16) بَابُ قَتْلِ أَبِي رَافِعٍ، الحديث (4040) ، فتح
الباري (7: 341) .
(4/36)
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ. قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ
الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ
اللهِ بْنَ فُلَانٍ [ (10) ] ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي
حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ
الشَّمْسُ، وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ
لِأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ فَمُتَلَطِّفٌ
لِلْبَوَّابِ [ (11) ] ، فَلَعَلِّي أَدْخُلُ. قَالَ: فَأَقْبَلَ حَتَّى
دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي
حَاجَتَهُ، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ، فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ، يَا عَبْدَ
اللهِ. إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ. فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ. فَدَخَلْتُ، فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ
أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الْأَقَالِيدَ عَلَى وَدٍّ. قَالَ:
فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ
يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلَالِيٍّ فَلَمَّا أَنْ ذَهَبَ عَنْهُ
أَهْلُ سَمَرِهِ، صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا
أَغْلَقْتُهُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ. قُلْتُ:
إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ، حَتَّى أَقْتُلَهُ،
فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَسْطَ
عِيَالِهِ، لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ. قُلْتُ: يَا أَبَا
رَافِعٍ! قَالَ: مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ، فَأَضْرِبُهُ
ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ. فَمَا أَغْنَى شَيْئًا، فَصَاحَ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ
دَخَلْتُ إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ.
قَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ. إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ
بِالسَّيْفِ. قَالَ: فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ. وَلَمْ
أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ صَدْرَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ، حَتَّى أَخَذَ
فِي ظَهْرِهِ، فَعَلِمْتُ أَنِّي قَدْ قَتَلْتُهُ. فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ
الْأَبْوَابَ بَابًا فَبَابًا. حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجِهِ،
فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أَرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى
الْأَرْضِ، فَوَقَعْتُ فِي ليلة معمرة، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي،
فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ [ (12) ] ، ثم
__________
[ (10) ] في صحيح البخاري: «عبد الله بن عنيك» .
[ (11) ] كذا في (أ) و (ح) وفي (ص) : «بالبواب» ، وفي صحيح البخاري:
«ومتلطف للبواب» .
[ (12) ] كذا في (أ) و (ح) وصحيح البخاري، وفي (ص) : «بعمامتي» .
(4/37)
انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عِنْدَ
الْبَابِ، فَقُلْتُ لَا أَبْرَحُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ:
أَقَتَلْتُهُ؟
فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ، قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ:
أَنْعِي أَبَا رَافِعٍ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي، فَقُلْتُ:
النَّجَاءَ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ
فَانْتَهَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثْنَاهُ. فَقَالَ: ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُهَا فَمَسَحَهَا
فَكَأَنَّمَا لَمْ أَشْكُهَا قَطُّ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى، عَنْ
عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى [ (13) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ،
عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: وَكَانَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ
أَجْلَبَ فِي غَطَفَانَ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ،
يَدْعُوهُمْ إِلَى قِتَالِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَجْعَلُ لَهُمُ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ، فَاجْتَمَعَتْ مَعَهُمْ
غَطَفَانُ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ بِمَكَّةَ قَدِ اسْتَغَوَى أَهْلَ
مَكَّةَ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ عَشِيرَتَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ بِتِلْكَ
الْبِلَادِ، يَنْتَظِرُونَ الْمَدَدَ وَالْأَمْوَالَ، وَأَطَاعَتْ لَهُمْ
غَطَفَانُ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ عَبْدَ اللهِ بْنَ عتيك بْنِ قَيْسِ بْنِ
الْأَسْوَدِ، وأبا قتادة بن ربعي، وَأَسْوَدَ الْخُزَاعِيَّ، وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ فَبَيَّتُوهُ لَيْلًا فَقَتَلُوهُ [
(14) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ
الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ،
قَالَ:
__________
[ (13) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى في الموضع السابق. فتح
الباري (7: 340) .
[ (14) ] «الدرر» لابن عبد البر (183) .
(4/38)
بُعِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ
أُنَيْسٍ، وَمَسْعُودَ بْنَ سِنَانِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وأبا قَتَادَةَ بْنَ
رِبْعِيِّ بْنِ بِلْدَمَةَ، مِنْ بَنِي سَلِمَةَ، وَأَسْوَدَ بْنَ
خُزَاعِيٍّ حَلِيفًا، لَهُمْ وَيُقَالُ: نَجْدَةُ، فِي غَيْرِ هَذَا
الْكِتَابِ، وَأَسْعَدَ بْنَ حُرَامٍ وَهُوَ أَحَدُ الْبُرَكِ حَلِيفٌ
لِبَنِي سَوَّادٍ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، فَطَرَقُوا أَبَا رَافِعِ
بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ الْيَهُودِيَّ بِخَيْبَرَ فَقَتَلُوهُ فِي
بَيْتِهِ.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَ ابْنُ كَعْبٍ:
فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَفْلَحَتِ الْوُجُوهُ قَالُوا: أَفْلَحَ وَجْهُكَ
يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَقَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ:
نَاوِلُونِي السَّيْفَ، فَسَلَّهُ.
فَقَالَ: أَجَلْ هَذَا طَعَامُهُ فِي ذُبَابِ السيف [ (15) ] .
__________
[ (15) ] رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ذكرها ابن عبد البر في «الدرر»
(186) باختصار، ونقلها الحافظ بن كثير في البداية والنهاية (4: 139) .
وانظر اخبارا اخرى في قتله في صحيح البخاري فتح الباري (6: 154- 155) ،
وسيرة ابن هشام (3: 232) ، وطبقات ابن سعد (2: 91) ، وتاريخ الطبري (2:
493) ، وابن حزم (198) ، وتاريخ ابن كثير (4: 137) ، ونهاية الأرب (17:
197) .
(4/39)
بَابُ قَتْلِ ابْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيِّ،
ومَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ مِنْ آثَارِ النُّبُوَّةِ بِوُجُودِ الصِّدْقِ فِي
خَبَرِهِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ [ (1) ]
السَّلَمِيَّ إِلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ الْهُذَلِيِّ، ثُمَّ
اللِّحْيَانِيِّ لِيَقْتُلَهُ وَهُوَ بِعُرَنَةِ [ (2) ] وَادِي مَكَّةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ بِبَغْدَادَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ. قَالَ: حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي
__________
[ (1) ] هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أنيس بن أسعد بن حرام بن حبيب بن مالك بن
غنم شهد بدرا وأحدا وما بعدهما وله ترجمة في أسد الغابة (3: 119) ، وقال
ابن حجر في الإصابة (2: 278) : «بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى ابْنِ نبيح العتري وحده فقتله، ودخل مصر، وخرج الى
افريقية» .
وقال الجاحظ في البيان والتبيين (3: 11) : «ومما يدلك على استحسانهم شأن
المخصرة:
حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أنيس ذي المخصرة، وهو صاحب ليلة الجهني وكان
النبي- عليه السلام- أعطاه مخصرة، وقال: تلقاني في الجنة.»
[ (2) ] (عرنة) : موضع بقرب عرفة موقف الحجيج، وانظر معجم ما استعجم (3:
935) مادة عرنة، و (4: 119) مادة محسر.
(4/40)
أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ:
وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ
أُنَيْسٍ السَّلَمِيَّ، إِلَى سُفْيَانَ بْنِ عبد الله ابن نُبَيْحٍ
الْهُذَلِيِّ، ثُمَّ اللِّحْيَانِيِّ وَهُوَ بِعُرَنَةَ مِنْ وَرَاءِ
مَكَّةَ، أَوْ بِعَرَفَةَ، قَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَغْزُوَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَأَمَرَهُ أَنْ
يَقْتُلَهُ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
نَحْوُهُ يَا رَسُولَ اللهِ [انْعَتْهُ لِي] قَالَ إِذَا رأيته هبته. وفرقت
مِنْهُ. قَالَ عَبْدُ اللهِ فَمَا فَرِقْتُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ.
فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللهِ يَتَوصَّلُ بِالنَّاسِ، وَيَعْتَزِي إِلَى
خُزَاعَةَ، وَيُخْبِرُ مَنْ لَقِيَ أَنَّمَا يُرِيدُ سُفْيَانَ لِيَكُونَ
مَعَهُ، فَلَقِيَ سُفْيَانَ وَهُوَ يَمْشِي بِبَطْنِ عُرَنَةَ وَوَرَاءَهُ
الْأَحَابِيشُ [ (3) ] مِنْ حَاضِرَةِ مَكَّةَ قَالَ عَبْدُ اللهِ فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ، هِبْتُهُ وَفَرِقْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: صَدَقَ اللهُ
وَرَسُولُهُ ثُمَّ كَمَنْتُ لَهُ، حَتَّى إِذَا هَدَأَ النَّاسُ، اغررته [
(4) ] فَقَتَلْتُهُ.
فَيَزْعُمُونَ أَنْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أُخْبِرَ بِقَتْلِهِ قَبْلَ قُدُومِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ.
قَالَ مُوسَى: وَذَكَرُوا، وَاللهُ أَعْلَمُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ عَصًا [ (5) ] فَقَالَ: تَخَصَّرْ
بِهَا، أَوْ أَمْسِكْهَا. فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى زَعَمُوا [ (6) ]
حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَجُعِلَتْ فِي كَفَنِهِ، بَيْنَ جِلْدِهِ
وَثِيَابِهِ.
وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم
ابْنَ أُنَيْسٍ إِلَى ابْنِ نُبَيْحٍ أَمِنَ الْمَدِينَةِ أَمْ مِنْ
غَيْرِهَا.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ
عُرْوَةَ قصة العصا [ (7) ] .
__________
[ (3) ] الأحابيش: أحياء من القارة انصحوا إلى بني ليث في محاربتهم قرينا
والتحبش: التجمع.
[ (4) ] (اغتررته) أخذته في غفلة.
[ (5) ] رسمت في (أ) و (ح) : «عصى» .
[ (6) ] في (ص) : «فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى زَعَمُوا» .
[ (7) ] أشار إلى رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: ابن سيد الناس في عيون
الأثر (2: 55) ، وابن كثير في التاريخ (4: 141) ، والصالحي (5: 57) ، وأبو
نعيم في الدلائل (451) .
(4/41)
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعْدٍ الْحَافِظُ.
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
النُّفَيْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ
أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ:
دَعَانِي رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ
بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ النَّاسَ
لِيَغْزُوَنِي، وَهُوَ بنخله [ (8) ] ، أو بعرنة فأتيه فَاقْتُلْهُ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ. انْعَتْهُ لِي، حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ:
آيَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.
أَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ، وَجَدْتَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً [ (9) ] . قَالَ
فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا بِسَيْفِي، حَتَّى دَفَعْتُ إِلَيْهِ فِي ظُعُنٍ
يَرْتَادُ بِهِنَّ مَنْزِلًا، حِينَ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ لَهُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه
وَسَلَّمَ مِنَ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ
تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُحَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ الصَّلَاةِ،
فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي إِيمَاءً،
فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ
مِنَ الْعَرَبِ، سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَ
لِذَلِكَ، قَالَ: أَجَلْ، نَحْنُ فِي ذَلِكَ، قَالَ:
فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي، حَمَلْتُ عَلَيْهِ
بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ
مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ، قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ
يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: صَدَقْتَ. ثُمَّ قَامَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى
الله عليه وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ:
أَمْسِكْ هَذِهِ عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ! فَخَرَجْتُ
بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا مَعَكَ يَا عَبْدَ
اللهِ بْنَ أُنَيْسٍ؟
قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا: أَفَلَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ
فَتَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا
رَسُولَ اللهِ لِمَ أَعْطَيْتَنِي هذه
__________
[ (8) ] (نخلة) : «اسم مكان» .
[ (9) ] (القشعريرة) انقباض الجلد واجتماعه.
(4/42)
الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ [ (10)
] يَوْمَئِذٍ.
قَالَ: فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللهِ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ،
حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ،
فَدُفِنَا جَمِيعًا [ (11) ] .
رَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَقَالَ: إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ
الْهُذَلِيِّ [ (12) ]
__________
[ (10) ] (المتخصرون) المتكئون على المخاصر وهي العصي، واحدتها: مخصرة.
[ (11) ] أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (3: 496) .
[ (12) ] رواه أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ
الْوَارِثِ، عن ابن إسحاق.. وانظر في سيرة ابن هشام (4: 228) .
(4/43)
|