دلائل
النبوة للبيهقي محققا بَابُ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ [ (1)
] وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، وَمَا ظَهَرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ
النُّبُوَّةِ [ (2) ]
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ ابْنِ
لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: وَبَنُو
الْمُصْطَلِقِ وَلِحْيَانَ فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خمس [ (3) ] .
__________
[ (1) ] المصطلق- بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام
بعدها قاف- مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت، وهو لقب واسمه جذيمة- بجيم فذال
معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة- ابن سعد بْنُ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بن
حارثة: بطن من بني خزاعة.
والمريسيع- بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين سين مهملة مكسورة وآخره
عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم، مأخوذ من قولهم:
رسعت عن الرجل إذا دمعت من فساد.
[ (2) ] انظر في هذه الغزوة: طبقات ابن سعد (2: 63) ، سيرة ابن هشام (3:
247) ، مغازي الواقدي ص (1: 404) ، صحيح البخاري (5: 115) ، تاريخ الطبري
(2: 604) ، انساب الأشراف (1: 64) ، ابن حزم (203) ، دلائل النبوة لأبي
نعيم (447) ، تاريخ ابن كثير (4: 156) ، نهاية الأرب (17: 164) ، عيون
الأثر (2: 122) ، السيرة الحلبية (2: 364) ، السيرة الشامية (4: 486) .
[ (3) ] اختلف في زمن هذه الغزوة، فقال ابن إسحاق: في شعبان سنة ست، وبه
جزم خليفة بن خياط والطبري.
(4/44)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ
بِشْرَانَ الْعَدْلُ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ
السَّمَّاكِ. قَالَ: حَدَّثَنَا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن المنذر الخراميّ. قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فِي ذِكْرِ
مَغَازِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثُمَّ
قَاتَلَ بني المصطلق وبني لحيان فِي شَعْبَانَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ.
وَرُوِّينَا، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ الْمُرَيْسِيعُ سَنَةَ
خَمْسٍ مِنْ هِجْرَتِهِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: [ (4) ] وَغَزْوَةُ
الْمُرَيْسِيعِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ. خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
__________
[ () ] وقال قتادة، وعروة: كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خمس.
ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي سنة أربع.
قال الحافظ: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع. والذي فِي
مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعد
النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم: سنة خمس.
ولفظه عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: ثم قَاتَلَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي المصطلق وبني لحيان في شعبان
سنة خمس. ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي المصطلق.
وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره انها كانت في سنة خمس أشبه من قول
ابن إسحاق.
قال الحافظ: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ تنازع
هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك، أي المذكور في الحوادث، فلو كانت هذه
الغزوة فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ، مع أن الإفك كان فيها، لكان ما وقع في
الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا، لأن سعد بن معاذ مات ايام قريظة وكانت سنة
خمس على الصحيح، كما سيأتي تقريره، وإن كانت سنة اربع فهو أسد، فظهر أن
غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان، فتكون وقعت قبل الخندق، لأن
الخندق كانت في شوال من سنة خمس، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودا في
المريسيع. ورمى بعد ذلك بسهم في الخندق، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني
قريظة.
[ (4) ] الخبر في المغازي (1: 404) .
(4/45)
الِاثْنَيْنِ، لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ
شَعْبَانَ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ، وَاسْتَخْلَفَ
عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عَبَّادٍ عَنِ
الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ. قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سبع مِائَةٌ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِبَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ
سِتٍّ [ (5) ] .
كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
حَبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ، فَأَجْمَعُ
حَدِيثَهُمْ. قَالُوا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَبَلَغَهُ أَنَّ بَنِيَ الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ،
وَقَائِدُهُمُ: الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ، أَبُو جُوَيْرِيَةَ زَوْجِ
النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بِالْمُرَيْسِيعِ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَأَعَدُّوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، فَتَزَاحَفَ النَّاسُ، فَاقْتَتَلُوا، فَهَزَمَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ
مِنْهُمْ، وَنَفَّلَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْنَاءَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ [فَأَفَاءَهُمْ] [ (6) ] ، وَأَقَامَ
عَلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ قُدَيْدٍ وَالسَّاحِلِ [ (7) ] .
أخبرنا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
اللهِ، ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ فِي
__________
[ (5) ] سيرة ابن هشام (3: 247) .
[ (6) ] الزيادة من (ص) فقط، وثابتة في السيرة لابن هشام.
[ (7) ] الخبر أورده ابن هشام في السيرة (3: 248) .
(4/46)
آخَرِينَ [ (8) ] ، قَالُوا: إِنَّ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، كَانُوا يَنْزِلُونَ نَاحِيَةَ الْفُرْعِ،
وَهُمْ حُلَفَاءُ بَنِي مُدْلِجٍ، وَكَانَ رَأْسَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ
أَبِي ضِرَارٍ، وَكَانَ قَدْ صَارَ فِي قَوْمِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ
مِنَ الْعَرَبِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم وابْتَاعُوا خَيْلًا وَسِلَاحًا وَتَهَيَّئُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَجَعَلَتِ الرُّكْبَانُ
تَقْدَمُ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ، فَيُخْبِرُونَ بِسَيْرِهِمْ، فَبَلَغَ رسول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيَّ
فَعَلِمَ عِلْمَ ذَلِكَ، فَرَجَعَ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ،
فَنَدَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ
فَأَسْرَعُوا الْخُرُوجَ [ (9) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي
الْأَبْيَضِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ، وَهِيَ مَوْلَاةُ
جُوَيْرِيَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، تَقُولُ:
أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَنَحْنُ عَلَى
الْمُرَيْسِيعِ، فَأَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ: أَتَانَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا
بِهِ، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَرَى مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ، وَالسِّلَاحِ،
مَا لَا أَصِفُ مِنَ الْكَثْرَةِ.
فَلَمَّا أَنْ أَسْلَمْتُ وَتَزَوَّجَنِي رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَرَجَعْنَا، جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسُوا
كَمَا كُنْتُ أَرَى، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ رُعْبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ
أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، يَقُولُ: لَقَدْ كُنَّا نَرَى رِجَالًا
بِيضًا، عَلَى خُيُولٍ بُلْقٍ، مَا كُنَّا نَرَاهُمْ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ [
(10) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى الْمُرَيْسِيعِ، وَهُوَ الْمَاءُ، فَنَزَلَ وَضَرَبَ رسول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَّةً لَهُ مِنْ أَدَمٍ، وَمَعَهُ مِنْ
نِسَائِهِ: عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَقَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى
الْمَاءِ، وَأَعَدُّوا وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَصَفَّ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى الله عليه وسلّم
__________
[ (8) ] الْوَاقِدِيُّ (1: 404) عَنْ «مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله» ، وعبد
الله بن جعفر، وابن أبي سبرة، ومحمد بن صالح وعبد الحميد بن جعفر، وابن ابي
حبيبة، وهشام بن سعد، ومعمر بن راشد، وأبو معشر، وخالد بن إلياس، وعائذ بن
يحيى، وعمر بن عثمان المخزومي، وعبد اللهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قسيط، وعبد
اللهِ بْنَ يَزِيدَ الْهُذَلِيَّ، كل هؤلاء حدثوه بطائفة، وغير هؤلاء قد
حدّثه قالوا ... » .
[ (9) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 404- 405) .
[ (10) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 408- 409) .
(4/47)
أَصْحَابَهُ، وَدَفَعَ رَايَةَ
الْمُهَاجِرِينَ، إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إِلَى سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ، وَيُقَالُ: كَانَتْ مَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَايَةُ
الْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَنَادَى فِي النَّاسِ قُولُوا لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهَ تَمْنَعُوا بِهَا أَنْفُسَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ،
فَفَعَلَ عُمَرُ، فَأَبَوْا فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ
بِسَهْمٍ. فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنَّبْلِ، ثُمَّ إِنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ
يَحْمِلُوا، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ
إِنْسَانٌ، وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ، وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ، وَسَبَى
رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ،
وَالذُّرِّيَّةَ وَالنَّعَمَ، وَالشَّاءَ، وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدِّثُ
قَالَ: حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ صَفْوَانُ ذُو الشَّفْرَةِ، فَلَمْ
تَكُنْ لِي نَاهِيَةٌ حَتَّى شَدَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَتَلْتُهُ وَكَانَ
الْفَتْحُ وَكَانَ شِعَارُهُمْ. يَا مَنْصُورُ أَمِتْ [ (11) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ السَّعْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى
نَافِعٍ أَسْأَلُهُ عَنِ الدُّعَاءِ قَبْلَ الْقِتَالِ، قَالَ: فَكَتَبَ
إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، قَدْ أَغَارَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ
وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى
سَبْيَهُمْ، فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ أَحْسَبُهُ قَالَ: جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ
الْحَارِثِ، قَالَ نَافِعٌ:
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ- يَعْنِي بِذَلِكَ- وَكَانَ فِي
ذَلِكَ الْجَيْشِ.
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ. مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ [ (12)
] .
__________
[ (11) ] الخبر في مغازي الواقدي (1: 407) ، و (يا منصور أمت) معناه: أمر
بالموت، والمراد به:
التفاؤل بالنصر، بعد الإماته، مع حصول الغرض للشعار، فإنهم جعلوا هذه
الكلمة علامة بينهم يتعارفون بها لأجل ظلمة الليل.
[ (12) ] أخرجه البخاري في: 49- كتاب العتق،، (13) باب من ملك من العرب
رقيقا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية، الحديث (2541) ، فتح الباري (5:
170) ، وأخرجه مسلم في:
(4/48)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِزٍ، أَنَّهُ قَالَ:
دَخَلْنَا أَنَا وَأَبُو صِرْمَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،
فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَةَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ! هَلْ سَمِعْتَ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْعَزْلَ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ
غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَسَبَيْنَا كِرَامَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ
عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ، وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ فَأَرَدْنَا أَنْ
نَسْتَمْتِعَ، وَنَعْزِلَ [ (13) ] ، فَقُلْنَا نَفْعَلُ وَرَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ!
فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَا
عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا [ (14) ] مَا كَتَبَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ
خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا
سَتَكُونُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [ (15) ] فِي الصَّحِيحِ، عَنْ
قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ: أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا قَسَّمَ رَسُولُ الله صلى
الله عليه وَسَلَّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ
بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السَّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ،
أَوْ لابن عمّ له،
__________
[ (32-) ] كتاب الجهاد والسير (1) باب جواز الإغارة على الكفار، الحديث (1)
، ص (1356) وأخرجه ابو داود في الجهاد عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ.
[ (13) ] (العزل) هو نزع الذكر من الفرج وقت الإنزال، خوفا من الإنجاب.
[ (14) ] (لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تفعلوا) معناه ما عليكم ضرر في ترك
العزل، لأن كل نفس قدّر الله خلقها لا بد ان يخلقها سواء عزلتم أم لا، فلا
فائدة في عزلكم.
[ (15) ] أخرجه البخاري في: 34- كتاب البيوع (109) باب بيع الرقيق، فتح
الباري (4: 420) ، ومسلم في: 16- كتاب النكاح، (22) باب حكم العزل، الحديث
(125) ، ص (1061) .
(4/49)
فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتِ
امْرَأَةً حُلْوَةً مُلَاحَةً، لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إِلَّا أَخَذَتْ
بِنَفْسِهِ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ
فِي كِتَابَتِهَا، قَالَتْ عائشة: فو الله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ
رَأَيْتُهَا فَكَرِهْتُهَا، وَقُلْتُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ مَا رَأَيْتُ،
فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ
قَوْمِهِ، وَقَدْ أَصَابَنِي مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ،
وَقَدْ كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَأَعِنِّي عَلَى كِتَابَتِي. فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خير مِنْ ذَلِكَ
أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَفَعَلَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّهُ
قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
فَأَرْسَلُوا مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ،
فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ،
فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا [
(16) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ بْنُ بُطَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ
الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي حِزَامُ
بْنُ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ
الْحَارِثِ: رَأَيْتُ قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ، كَأَنَّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ
حَتَّى وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا، مِنَ
النَّاسِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمَّا سُبِينَا رَجَوْتُ الرُّؤْيَا، قَالَتْ: فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم وَتَزَوَّجَنِي وَاللهِ مَا كَلَّمْتُهُ فِي
قَوْمِي، حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ، وَمَا
شَعَرْتُ إِلَّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمِّي تُخْبِرُنِي الْخَبَرَ،
فَحَمِدْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ،
وَيُقَالُ: جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا [ (17) ]
.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حدثنا
__________
[ (16) ] الخبر في سيرة ابن هشام (3: 252) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
159) .
[ (17) ] أخرجه الواقدي في مغازيه (1: 411- 412) .
(4/50)
الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ ابن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِالْمُرَيْسِيعِ، قَالَ:
فَهَزَمَهُمُ اللهِ، وَسَبَى فِي غَزْوَتِهِ تِلْكَ جويرية بنت الحارث، ابن
أَبِي ضِرَارٍ، فَقَسَمَ لَهَا فَكَانَتْ مِنْ نِسَائِهِ، وَزَعَمَ بَعْضُ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ، أَنَّ أَبَاهَا طَلَبَهَا فَافْتَدَاهَا مِنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَطَبَهَا، فزوجها إياه [
(18) ] .
__________
[ (18) ] أشار ابن كثير إلى رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ في البداية
والنهاية (4: 159) .
(4/51)
بَابُ مَا ظَهَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ
مِنْ نِفَاقِ عبد الله بن أبي بن سَلُولَ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ
وَعَبْدُ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمُ ابن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ،
فِي قِصَّةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِيمٌ هُنَاكَ، إِذَا اقْتَتَلَ عَلَى الْمَاءِ
جَهْجَاهُ بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ، وَكَانَ أَجِيرًا لِعُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسِنَانُ بْنُ زَيْدٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
حَبَّانَ، قَالَ: ازْدَحَمَا عَلَى الْمَاءِ، فَاقْتَتَلَا، فَقَالَ
سِنَانٌ، يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْجَهْجَاهُ: يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَلَمَّا سَمِعَهَا قَالَ: قَدْ
ثَاوَرُونَا فِي بِلَادِنَا، وَاللهِ مَا عِزُّنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ
هَذِهِ، إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ [ (1)
] ، وَاللهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ
مِنْهَا الْأَذَلَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْ قَوْمِهِ،
فَقَالَ: هَذَا مَا صَنَعْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، أَحْلَلْتُمُوهُمْ
بِلَادَكُمْ، وَقَاسَمْتُمُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ، أَمَا وَاللهِ لَوْ
كَفَفْتُمْ عَنْهُمْ، لتحوّلوا
__________
[ (1) ] هذا مثل من أمثال العرب، وفي ضده تقول العرب «جوع كلبك يتبعك» .
(4/52)
عَنْكُمْ مِنْ بِلَادِكُمْ، إِلَى غيرها،
فَسَمِعَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَيِّمٌ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ!
خُذْ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ، فَلْنَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ إِذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ يَا عُمَرُ أَنَّ
مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، لَا. وَلَكِنْ نَادِ يَا عُمَرُ فِي
الرَّحِيلِ، فَلَمَّا بَلَغَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ
بَلَغَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ، فَاعْتَذَرَ
إِلَيْهِ، وَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ مَا قَالَ مَا قَالَ! عَلَيْهِ زَيْدُ
بْنُ أَرْقَمَ، وَكَانَ عِنْدَ قَوْمِهِ بِمَكَانٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللهِ! عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الغلام أو هم، وَلَمْ يُثْبِتْ مَا قَالَ
الرَّجُلُ، وَرَاحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهَجِّرًا فِي
سَاعَةٍ كَانَ لَا يَرُوحُ فِيهَا، فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ،
فَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِتَحِيَّةِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ
رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ، مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا بَلَغَكَ مَا قَالَ صَاحِبُكَ
ابْنُ أُبَيٍّ، زَعَمَ أَنَّهُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ
سَيُخْرِجُ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَأَنْتَ وَاللهِ يَا
رَسُولَ اللهِ الْعَزِيزُ، وَهُوَ الذَّلِيلُ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ ارْفُقْ به، فو الله لَقَدْ جَاءَ اللهُ بِكَ، وَإِنَّا لَنَنْظِمُ
الْخَرَزَ لِنُتَوِّجَهُ، فَإِنَّهُ لَيَرَى أَنْ قَدِ اسْتَلَبْتَهُ
مُلْكًا، فَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ،
حَتَّى أَمْسَوْا وَلَيْلَتَهُ، حَتَّى أَصْبَحُوا وَصَدْرَ يَوْمِهِ،
حَتَّى اشْتَدَّ الضُّحَى ثُمَّ نَزَلَ بِالنَّاسِ لِيَشْغَلَهُمْ عَمَّا
كَانَ مِنِ الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَأْمَنِ النَّاسُ أَنْ وَجَدُوا مَسَّ
الْأَرْضِ، فَنَامُوا وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ [ (2) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللهِ يَقُولُ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ [ (3) ] رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ
الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا
__________
[ (2) ] سيرة ابن هشام (3: 248- 249) .
[ (3) ] (كسع) : الكسع: ان تضرب بيدك او برجلك عجز إنسان، وقيل: الضرب
بالسيف على المؤخر.
(4/53)
لَلْأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ:
يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ، دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ،!
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبيّ بن سلول، أو قد فَعَلُوهَا، وَاللهِ لَئِنْ
رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ بِالْمَدِينَةِ
أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ: فَقَالَ
عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عليه وسلم دَعْهُ. لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا
يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ [ (4) ] .
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ،
عَنْ سُفْيَانَ [ (5) ] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ بِمَرْوَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ،
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَعَنَا أُنَاسٌ مِنَ
الْأَعْرَابِ، فَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ
يَسْبِقُونَا فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ أَصْحَابَهُ، فَيَمْلَأُ
الْحَوْضَ، وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ حِجَارَةً، وَيَجْعَلُ النِّطْعَ [ (6) ]
عَلَيْهِ، حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ
الْأَعْرَابِيَّ، فَأَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ، فَأَبَى أَنْ
يَدَعَهُ فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَفَاضَ، فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً
فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ الْأَنْصَارِيِّ، فَشَجَّهُ فَأَتَى عَبْدَ اللهِ
بْنَ أبي بن سَلُولَ، رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ، فَأَخْبَرَهُ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِهِ. فَغَضِبَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، ثُمَّ قَالَ: [لَا
تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ
__________
[ (4) ] أخرجه البخاري عن الحميدي في: 65- كتاب التفسير، تفسير سورة
المنافقين، (7) باب يقولون: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ
لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فتح الباري (8: 652) .
[ (5) ] أخرجه مسلم في كتاب الأدب، (16) باب نصر الأخ ظالما ومظلوما،
الحديث (63) ، ص (1998) .
[ (6) ] (النطع) : بساط من الجلد.
(4/54)
حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ] يَعْنِي
الْأَعْرَابَ وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عِنْدَ الطَّعَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ إِذَا انْفَضُّوا
مِنْ عِنْدِ محمد فأتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ، فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ
عِنْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى
الْمَدِينَةِ، فَلْيُخْرِجِ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ زَيْدٌ:
وَأَنَا رِدْفُ عَمِّي [ (7) ] فَسَمِعْتُ، عَبْدَ اللهِ وَكُنَّا
أَخْوَالَهُ، فَأَخْبَرْتُ عَمِّي فَانْطَلَقَ، فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ
صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ فَصَدَّقَهُ رسول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَّبَنِي فَجَاءَ إِلَيَّ عَمِّي، فَقَالَ
مَا أَرَدْتَ أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ
وَكَذَّبَكَ الْمُسْلِمُونَ، فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْغَمِّ مَا لَمْ
يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَطُّ، فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَقَدْ خَفَفْتُ بِرَأْسِي
مِنَ الْهَمِّ، إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَفَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي، فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي
أَنَّ لِيَ بِهَا الْخُلْدَ أَوِ الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ
لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ شَيْئًا غَيْرَ أَنْ عَرَكَ أُذُنِي، وَضَحِكَ فِي وَجْهِي،
فَقَالَ أَبْشِرْ، ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي
لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ،
قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ... حَتَّى بَلَغَ.. هُمُ
الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
حَتَّى يَنْفَضُّوا.. حَتَّى بَلَغَ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ.. [ (8) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي تَفْسِيرِ آدَمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي بِهَمَذَانَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ
ابن أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي،
فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ:
لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ رجعنا
__________
[ (7) ] كذا في الأصول وفي الترمذي: ردف رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
[ (8) ] أخرجه الترمذي في كتاب التفسير، تفسير سورة المنافقين، عَنْ عَبْدِ
بْنِ حُمَيْدٍ، الحديث (3313) ، ص (5: 415- 417) بطوله.
(4/55)
إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ
الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي،
فَذَكَرَهُ عَمِّي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الله
ابن أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم وَكَذَّبَنِي فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ
يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، وَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ
وَجَلَّ.. إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ.. إِلَى قَوْلِهِ هُمُ الَّذِينَ
يَقُولُونَ: لَا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى
يَنْفَضُّوا.. إِلَى قَوْلِهِ: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
الْأَذَلَّ ... فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَرَأَهَا عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ
صَدَّقَكَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ آدَمَ [ (9) ] .
وذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ وَذَكَرَ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِمَا هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَزَعَمَا
أَنَّ أَوْسَ بْنَ أَقْرَمَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ، هُوَ الَّذِي سَمِعَ قَوْلَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ.
فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ
لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم إِلَى ابْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ عَمَّا تَكَلَّمَ بِهِ،
فَحَلَفَ بِاللهِ، مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ سَبَقَ مِنْكَ قَوْلٌ،
فَتُبْ، فَجَحَدَ وَحَلَفَ، فَوَقَعَ رِجَالٌ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ،
وَقَالُوا أَسَأْتَ بِابْنِ عَمِّكَ، وَظَلَمْتَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْكَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ،
إِذْ رَأَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوحَى
إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى اللهُ قَضَاءَهُ فِي مَوْطِنِهِ ذَلِكَ،
وَسُرِّيَ عَنْهُ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَإِذَا هُوَ بِأَوْسِ بْنِ أَقْرَمَ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ فَعَصَرَهَا،
حَتَّى اسْتَشْرَفَ الْقَوْمُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ فَقَدْ صَدَّقَ اللهُ حَدِيثَكَ.
ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ، حَتَّى بَلَغَ مَا
أَنْزَلَ اللهُ فِي ابْنِ أُبَيٍّ.. هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا
تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى يَنْفَضُّوا..
حَتَّى بَلَغَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [ (10) ] .
__________
[ (9) ] أخرجه البخاري في تفسير سورة المنافقين، (2) باب اتخذوا ايمانهم
جنّة ... ، فتح الباري (8:
646) .
[ (10) ] نقله ابن عبد البر مختصرا في الدرر (189) .
(4/56)
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي. قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
أُوَيْسٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ، فَذَكَرَاهُ، وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِيمَا سَمِعَ
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ. قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَتَّابٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى ابن عُقْبَةَ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ مِنْ
قَوْمِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ
حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. يَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ
الْأَنْصَارِ، وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنِ
الْفَضْلِ، فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ:
فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ،
فَقَالَ:
هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللهُ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (11) ] قَالَ: وَذَاكَ
حِينَ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: وَرَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، لَئِنْ كَانَ هَذَا صَادِقًا،
لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَهُوَ
وَاللهِ صَادِقٌ وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ، ثُمَّ رَفَعَ ذَلِكَ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَحَدَهُ
الْقَائِلُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْدِيقًا
لِزَيْدٍ يَعْنِي قَوْلَهُ:.. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا ...
الْآيَةُ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
أُوَيْسٍ إِلَى قَوْلِهِ هذا
__________
[ (11) ] كأنه جعل اذنه ضامنة بتصديق ما ذكرت انها سمعت.
(4/57)
الَّذِي أُوفِيَ لَهُ بِأُذُنِهِ [ (12) ]
، وَلَعَلَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ [ (13) ] .
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَذَكَرَ مَا بَعْدَهُ،
عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شهاب.
__________
[ (12) ] فتح الباري (8: 650) في تفسير سورة المنافقين.
[ (13) ] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (8: 651) : «وقع في رواية
الإسماعيلي في آخر هذا الحديث من رواية مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: «قال ابن شهاب سَمِعَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رجلا من
المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وسلّم يخطب: لئن كان هذا صادقا لنحن
شر من الحمير، فقال زيد: قد والله صدق، ولانت شر من الحمار، ورفع ذلك الى
النبي صلى الله عليه وسلّم فجحده القائل، فأنزل الله على رسوله: «يحلفون
بالله ما قالوا» الآية، فكان مما انزل الله في هذه الآية تصديقا لزيد»
انتهى.
عقب ابن حجر بقوله:
«وهذا مرسل جيد، وكأن البخاري حذفه لكونه على غير شرطه، ولا مانع من نزول
الآيتين في القصتين في تصديق زيد» .
(4/58)
بَابُ هُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي دَلَّتْ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم على مَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ
الْمُنَافِقِينَ، وَمَا ظَهَرَ فِي رَاحِلَتِهِ الَّتِي ضَلَّتْ
وَتَكَلَّمَ الْمُنَافِقُ فِيهَا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ آثَارِ
النُّبُوَّةِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عُلَاثَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى
بْنِ عُقْبَةَ، فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالَا:
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ صَنْعَاءَ مِنْ
طَرِيقِ عُمَانَ، سَرَّحَ النَّاسُ ظَهْرَهُمْ، وَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ
شَدِيدَةٌ، حَتَّى أَشْفَقَ النَّاسُ مِنْهَا، وَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ!
مَا شَأْنُ هَذِهِ الرِّيحِ؟ فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: مَاتَ الْيَوْمَ
مُنَافِقٌ عَظِيمُ النِّفَاقِ، وَلِذَلِكَ عَصَفَتِ الرِّيحُ، وَلَيْسَ
عَلَيْكُمْ مِنْهَا بَأْسٌ، إِنْ شَاءَ اللهُ- وَكَانَ مَوْتُهُ غَائِظًا
لِلْمُنَافِقِينَ.
زَادَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَرَجَعْنَا
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَدْنَا مُنَافِقًا عَظِيمَ النِّفَاقِ قَدْ مَاتَ
يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ اتَّفَقَا وَسَكَنَتِ الرِّيحُ آخِرَ النَّهَارِ،
فَجَمَعَ النَّاسُ ظَهْرَهَمْ، وَفُقِدَتْ رَاحِلَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ، فَسَعَى لَهَا الرِّجَالُ
(4/59)
يَلْتَمِسُونَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْمُنَافِقِينَ كَانَ فِي رُفْقَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَيْنَ يَسْعَى
هَؤُلَاءِ؟ قَالَ أَصْحَابُهُ: يَلْتَمِسُونَ رَاحِلَةَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّتْ، وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ
ضَلَّتْ. فَقَالَ الْمُنَافِقُ: أَفَلَا يُحَدِّثَهُ اللهُ بِمَكَانِ
رَاحِلَتِهِ؟ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مَا قَالَ. وَقَالُوا:
قَاتَلَكَ اللهُ، نَافَقْتَ فَلِمَ خَرَجْتَ وَهَذَا فِي نَفْسِكَ؟ قَالَ:
خَرَجْتُ لِأُصِيبَ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا! وَلَعَمْرِي إِنَّ مُحَمَّدًا
لَيُحَدِّثُنَا مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ شَأْنِ النَّاقَةِ، فَسَبَّهُ
أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: وَاللهِ مَا نَكُونُ مِنْكَ بِسَبِيلٍ، وَلَوْ
عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِكَ مَا صَحِبْتَنَا سَاعَةً، فَمَكَثَ
الْمُنَافِقُ شَيْئًا، ثُمَّ قَامَ وَتَرَكَهُمْ، فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ، فَوَجَدَ اللهَ قَدْ
حَدَّثَهُ حَدِيثَهُ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: وَالْمُنَافِقُ
يَسْمَعُ: إِنَّ رَجُلًا مِنِ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ حُلَّتْ أَوْ
ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ:
أفلا يحدثه الله بمكان نَاقَتِهِ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ
أَخْبَرَنِي بِمَكَانِهَا وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ، وَهِيَ
فِي الشِّعْبِ الْمُقَابِلِ لَكُمْ، وَقَدْ تَعَلَّقَ زِمَامُهَا
بِشَجَرَةٍ،
فَعَمَدُوا إِلَيْهَا فجاؤوا بِهَا، وَأَقْبَلَ الْمُنَافِقُ سَرِيعًا
حَتَّى أَتَى النَّفَرَ الَّذِينَ قَالَ عِنْدَهُمْ مَا قَالَ، فَإِذَا
هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ،
فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمَّدًا
فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي قُلْتُ؟
قَالُوا: اللهُمَّ لَا، وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا بَعْدُ،
قَالَ: فَإِنِّي وَجَدْتُ عِنْدَ الْقَوْمِ حَدِيثِي، وَقَالَ: وَاللهِ
لَكَأَنِّي لَمْ أُسْلِمْ إِلَّا الْيَوْمَ وَإِنْ كُنْتُ لَفِي شَكٍّ مِنْ
شَأْنِهِ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ قَالَ أَصْحَابُهُ: فَاذْهَبْ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَسْتَغْفِرْ
لَكَ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، يَزْعُمُونَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّصِيبِ،
وَفِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ بْنُ اللَّصِيتِ أَوِ ابْنُ اللَّصِيتِ، وَلَمْ
يَزَلْ- زَعَمُوا- فَشِلًا حَتَّى مَاتَ.
هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ
الَّذِيَ أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ، عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ، زَيْدُ بْنُ رفاعة
بن التابوت [ (1) ] .
__________
[ (1) ] مغازي الواقدي (2: 423) .
(4/60)
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ
يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ رَوَى
عَنْهُمْ قِصَّةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، قَالُوا: فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَقْعَاءَ مِنْ
أَرْضِ الْحِجَازِ دُونَ الْبَقِيعِ، هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَخَافَهَا
النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا
تَخَافُوهَا فَإِنَّهَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ
الْكُفْرِ،
فَوَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ، مَاتَ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ، وَكَانَ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانَ قَدْ أَظْهَرَ
الْإِسْلَامَ، وَكَانَ كَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ [ (2) ] .
وَأَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، وأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
الْحَسَنِ الْقَاضِي قَالَا:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
عَبْدِ اللهِ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حدثنا حفص ابن غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَدِمَ مِنَ سَفَرٍ، فَلَمَّا
كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ
الرَّاكِبَ، فَزَعَمَ أن رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ، قَالَ: فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ، فَإِذَا مُنَافِقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ.
لَفْظُ حَدِيثِ حَفْصٍ،
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ
وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ.
فَقَالَ: هَذِهِ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ، إِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ عَظِيمٌ مِنْ عظماء المنافقين.
__________
[ (2) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (3: 250) .
(4/61)
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي كُرَيْبٍ [ (3) ] .
أَخْبَرَنَا أبو عبد الله الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا
قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بن عبد الله ابن أُبَيٍّ، قَالَ
لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ
اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَأْمُرْنِي بِهِ، فَأَنَا
أَحْمِلُ إِلَيْكَ رَأْسَهُ [ (4) ] فو الله لَقَدْ عَلِمَتِ الْخَزْرَجُ
مَا كَانَ بِهَا رَجُلٌ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَلَكِنِّي أَخْشَى
أَنْ تَأْمُرَ بِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا فَيَقْتُلَهُ فلا تذعني نَفْسِي أَنْ
أَنْظُرَ إِلَى قَاتَلِ عَبْدِ اللهِ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ حَيًّا حَتَّى
أَقْتُلَهُ، فَأَقْتُلَ مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: بَلْ نُحْسِنُ صُحْبَتَهُ
وَنَتَرَفَّقُ بِهِ مَا صَحِبَنَا [ (5) ] .
وعَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن أبي بكر، قا ل:
كان عبد الله ابن أُبَيٍّ إِذَا طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ،
وَقَدْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ضِغْنَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْجِبُهُمْ أَنْ يَعْرِفَ لَهُ شَرَفَهُ،
وَيَكْرَهُونَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ لَهُ، لِمَا تَعْرِفُونَ مِنْ
ضِغْنِهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا عَبْدُ اللهِ
بْنُ أُبَيٍّ، فَإِذَا سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ادنه.
__________
[ (3) ] أخرجه مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ في: 50- كتاب صفات المنافقين،
الحديث (15) ص (4:
2145- 2146) .
[ (4) ] وفي هذا البرهان النير من أعلام النبوة، فإن العرب كانت اشدّ خلق
الله حميّة وتعصبا، فبلغ الإيمان منهم، ونور اليقين، الى ان يرغب الرجل
منهم في قتل أبيه وولده تقربا إلى الله، وتزلفا الى رسوله.
[ (5) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 250) ، ونقله ابن كثير في التاريخ (4:
158) .
(4/62)
بَابُ حَدِيثِ الْإِفْكِ [ (1) ]
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ-
رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
كَانَ حَدِيثُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
الْحَسَنِ: عَلِيُّ بن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: وحَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَنَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زيد، عن النُّعْمَانِ بْنِ
رَاشِدٍ، وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا.
أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ [ (2) ] . قَالَتْ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي
غَزَاةِ الْمُرَيْسِيعِ فَخَرَجَ سَهْمِي، فَهَلَكَ [فيّ] [ (3) ] من هلك.
__________
[ (1) ] انظر في خبر الإفك: سيرة ابن هشام (3: 254) ، تاريخ الطبري (2:
610- 619) ، مغازي الواقدي (2: 426) ، الدرر في اختصار المغازي والسير ص
(190) ، عيون الأثر (2: 128) ، البداية والنهاية (4: 160) .
[ (2) ] الحديث أخرجه ابن ماجة في: 9- كتاب النكاح، (47) باب القسمة بين
النساء، الحديث (1970) ، ص (1: 633) ، واعاده في: 13- كتاب الأحكام (20)
باب القضاء بالقرعة، الحديث (2347) ، ص (2: 786) .
[ (3) ] الزيادة من (ح) .
(4/63)
قُلْتُ: وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَصْحَابُ
الْمَغَازِي: مُحَمَّدُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ
الْوَاقِدِيُّ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبَّادِ
بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: يَا أُمَّاهُ حَدِّثِينِي
حَدِيثَكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ أَبُو
سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ الْقَطَّانُ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ شَرِيكٍ الْبَزَّازُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ (ح) .
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ بْنُ شَرِيكٍ وَابْنُ مِلْحَانَ فَرَّقَهُمَا (ح) .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَلْقَمَةُ
بْنُ وَقَّاصٍ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا
أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ
حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ.
وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى
لَهُ مِنْ بَعْضٍ الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ، وَزَعَمُوا
فِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ
وَزَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ [ (4)
] أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ
سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَعَهُ.
__________
[ (4) ] في (أ) : «إذا أراد الرحل» .
(4/64)
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا
فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا [ (5) ] ، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا نَزَلَ [ (6) ]
الْحِجَابُ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ، وَسِرْنَا،
حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم مِنْ غَزْوَتِهِ
تِلْكَ، وَقَفَلَ [ (7) ] وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ
[ (8) ] بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ
حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ، إِلَى
رَحْلِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ [ (9) ] ، قَدِ انْقَطَعَ،
فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ
الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي، وَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ
عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ،
وَكَانَ النِّسَاءُ إذ ذاك خفاقا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ [ (10) ] اللَّحْمُ،
إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ [ (11) ] مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ
يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ. وَكُنْتُ
جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ
عِقْدِي بعد ما اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ. فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ
بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ، فَأَقَمْتُ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ:
فَأَتَيْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ
سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَطَّانِ:
فَيَوجِّهُونُ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي،
غَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ
السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ [ (12) ] مِنْ وراء الجيش،
__________
[ (5) ] هي غزوة بني المصطلق، وتعرف بغزوة المريسيع.
[ (6) ] في البخاري: «أنزل» .
[ (7) ] (قفل) رجع.
[ (8) ] (آذن) أعلم.
[ (9) ] (جزع ظفار) : خرز يمان يوجد في اليمن في معادن العقيق، ومنه ما
يؤتى به من الصين وهو أصناف.
[ (10) ] لم يكنّ سمينات، وفي رواية: «لم يغشهن اللحم» .
[ (11) ] (العلقة) القليل مما يسد الرمق.
[ (12) ] صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ صفوان اما من الصفا او
من صفن ففي الاول النون زائدة والمعطل بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد
الطاء المهملة ابن وبيصة بن المؤمل بن خزاعى بن محارب بن مرة بن هلال بن
فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهنة بن سليم ذكره الكلبي وغيره ونسبه خليفة
رحيضة موضع وبيصة وفي محارب محاربي قولها «السلمى» بضم السين المهملة وفتح
(4/65)
فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي،
فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي،
وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ
حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي
كَلِمَةً، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً، غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ،
فَأَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا، فَرَكِبْتُهَا
فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ
مَا نَزَلُوا موغر بين فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ
وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الْإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بن سَلُولَ
[ (12) ] ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حين قدمت
__________
[ () ] اللام نسبة الى سليم المذكور في نسبة وهو من شواذ النسب لان القياس
فيه السليمي قولها «ثم الذكواني» بفتح الذال المعجمة نسبة الى ذكوان
المذكور في نسبه وكان صفوان على الساقة يلتقط ما يسقط من متاع الجيش ليرده
إليهم وقيل انه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس وقد جاء في سنن
ابي داود «شكت امرأته ذلك منه لسيدنا رسول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا اهل بيت نوم عرف لنا ذلك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع
الشمس» وذكر القاضي ابو بكر بن العربي انه كان حصور لم يكشف كنف أنثى قط
وفي السير لقد سئل عن صفوان فوجدوه لا يأتي النساء وأول مشاهده المريسيع
وذكر الواقدي انه شهدا الخندق وما بعدها وكان شجاعا خيرا شاعرا وعن ابن
إسحاق قتل في غزوة ارمينية شهيدا سنة تسع عشرة وقيل توفي في خلافة معاوية
سنة ثمان وخمسين واندقت رجله يوم قتل فطاعن بها وهي منكسرة حتى مات ولما
ضرب حسان بن ثابت بسيفه لما هجاه ولم يقتصه منه سيدنا رسول الله صلى الله
عليه وسلّم استوهب من حسان جنايته فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم
فعوضه منها حائطا من نخيل.
[ (12) ] ان الذين جاؤ بالإفك هم عبد الله بن أبي وحمنة بنت جحش وعبد الله
ابو احمد أخوها ومسطح وحسان وقيل حسان لم يكن منهم وقال النسفي في هذه
الآية اهل الافك هم عبد الله بن ابي رأس المنافقين ويزيد بن رفاعة وحسان بن
ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وفي صحيح مسلم وكان الذين
تكلموا مسطح وحمنة وحسان واما المنافق عبد الله بن ابي فهو الذي كان
يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره وحمنة قوله يستوشيه اي يستخرجه بالبحث
والمسألة ثم يفشيه ويشيعه ويحركه ولا يدعه يخمد وقال النسفي في قوله تعالى:
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ هو عبد الله بن أبي الذي تولى عظمه وبدا به
ومعظم الشر كان منه قال الله تعالى وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ
لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ لا معانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم
وانتهازه الفرص وطلبه سبيلا الى الغميزة.
(4/66)
شَهْرًا، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ [ (13) ]
فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ
يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كَنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ
أَشْتَكِي،
إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ
فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ، حَتَّى خَرَجْتُ
يَوْمًا بَعْدَ مَا نَقِهْتُ، فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ
الْمَنَاجِعِ، وَهُوَ مَبْرَزُنَا، وَكُنَّا لَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا
إِلَى اللَّيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ [ (14) ]
قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي
التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ
نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ
وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ
صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا
مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا،
وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا،
فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا [ (15) ] ، فَقَالَتْ: تَعِسَ
مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ
بَدْرًا! قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ [ (16) ] ! أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا
قَالَ؟ قَالَتْ: وَمَاذَا قَالَ، وَفِي رواية القطان: رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم قالت: أو ما عَلِمْتِ
مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا وَاللهِ قَالَتْ: فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ
الْإِفْكِ.
قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي،
قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله
صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ [ (17) ]
؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ وَأَنَا
حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ:
فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ
أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لِأُمِّي: يَا أُمَّتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟
قَالَتْ: يا
__________
[ (13) ] أي يخوضون فيه، من الإفاضة، وهي التكثير والتوسعة.
[ (14) ] جمع كنيف، وهو مكان الغائط.
[ (15) ] (المرط) : كساء من صوف يؤتزر به.
[ (16) ] (يا هنتاه) هذه الكلمة تختص بالنداء، ومعناها يا هذه، وقيل: يا
امرأة.
[ (17) ] (كيف تيكم) إشارة الى المؤنث
(4/67)
بنية هوّني عليك. فو الله لَقَلَّ مَا
كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ، وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا
ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ [ (18) ] عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَقُلْتُ:
سُبْحَانَ اللهِ، وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ:
فَبَكَيْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا تَرْقَأُ لِي [ (19) ]
دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ.
قَالَتْ: ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله
عليه وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ
اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَأْمُرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فأما
أسامة ابن زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي
يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ، فَقَالَ أُسَامَةُ: يَا
رَسُولَ اللهِ أَهْلُكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ
عَلَيْكَ، النِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ
تَصْدُقْكَ.
قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَرِيرَةَ، فَقَالَ: أَيْ بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ مِنَ شَيْءٍ يَرِيبُكِ؟
قَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ
عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ [ (20) ] عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا
جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي
الدَّاجِنُ [ (21) ] فَتَأْكُلُهُ.
فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ [ (22) ]
يَوْمَئِذٍ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بن سَلُولَ، قَالَتْ فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! مَنْ يَعْذِرُنَا مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنَا
أَذَاهُ فِي أَهْلِ بيتي، فو الله مَا عَلِمْتُ فِي أَهْلِي إلا خيرا، ولقد
__________
[ (18) ] في (أ) : «كثرن عليها» .
[ (19) ] (لا يرقأ) لا ينقطع.
[ (20) ] (أغمصه) أعيبها عليه.
[ (21) ] (الداجن) الشاة التي تألفت البيت ولا تخرج للمرعى.
[ (22) ] (استعذر) أي قال: من يعذرني فيمن آذاني في اهلي، وقيل: معناه: «من
ينصرني» ، والعذير: الناصح.
(4/68)
ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ
إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي، فَقَامَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ [ (23) ] ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللهِ! أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ
عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا
فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ.
قَالَتْ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وهو سيد الْخَزْرَجِ وَكَانَ
قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ
فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُو اللهِ لَا تَقْتُلُهُ،
وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ! فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ [ (24) ] ،
وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ،
__________
[ (23) ] فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا
أَعْذِرُكَ مِنْهُ قال ذلك لان الأوس من قومه وهم بنو النجار ومن آذى رسول
الله صلى الله عليه وسلّم وجب قتله ثم ان الموجود في الأصول سعد بن معاذ
ووقع في موضع آخر سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَقَالَ ابن حزم هذا عندنا وهم لان
سعد بن معاذ مات اثر غزوة بني قريظة بلا شك وبنو قريظة كان في آخر ذي
القعدة من سنة اربع فبين الغزوتين نحو من سنتين والوهم لم يعر منه احد من
البشر وقال ابن العربي ذكر سعد بن معاذ هنا وهم اتفق فيه الرواة وقال ابن
عمر هو وهم وخطأ وتبعه على ذلك جماعة وقال القاضي عياض قال بعض شيوخنا ذكر
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي هذا وهم الأشبه انه غيره ولهذا لم يذكره ابن إسحاق
في السير وانما قال ان المتكلم أولا وآخر أسيد بن حضير وقال القاضي هذا
مشكل لان هذه القصة كانت في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق سنة ست
وسعد بن معاذ مات في أثر غزاة الخندق من الرمية التي اصابته وذلك في سنة
اربع ولهذا قيل ان ذكره وهم والأشبه انه غيره وقال القاضي في الجواب ان
موسى بن عقبة ذكر ان المريسيع كانت سنة اربع وهي سنة الخندق فيحتمل ان
المريسيع وحديث الافك كانا في سنة اربع قبل الخندق قلت هذا يبين صحة ما
ذكره البخاري من انه سعد بن معاذ وهو الذي في الصحيحين.
[ (24) ] أسيد بضم الهمزة فهو ابن حضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد
المعجمة ابن سماك بن عتيك ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن
الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس الانصاري الاوسي الاشهلي ابو يحيى اسلم
على يد مصعب بن عمير بالمدينة بعد العقبة الاولى وقيل الثانية واختلف في
شهوده بدرا فنفاه ابن إسحاق والكلبي وأثبته غيرهما وشهدا أحدا وما بعدها من
المشاهد وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح البيت المقدس مات بالمدينة سنة عشرين
وصلى عليه عمر رضي الله عنه قولها «وكان قبل ذلك رجلا صالحا» وفي مسلم وكان
رجلا صالحا يعني لم يكن قبل ذلك يحمي لمنافق قولها «ولكن احتملته الحمية»
بحاء مهملة وميم اي أغضبته وعند مسلم اجتهلته بجيم وهاء اي أغضبته وحملته
على الجهل فالروايتان صحيحتان.
(4/69)
فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ
لَعَمْرُو اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ
الْمُنَافِقِينَ، فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى
هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا، وَسَكَتَ.
قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا
أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، قَالَتْ:
فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لَا
أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ يَظُنَّانِ أَنَّ
الْبُكَاءَ فَالِقٌ كبدي.
قالت: فبينا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ
عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي
مَعِي. قَالَ: فبينا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ، قَالَتْ: فَلَمْ
يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَبِثَ
شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم حِينَ جَلَسَ ثُمَّ
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا
وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيبَرِّئُكِ اللهِ وَإِنْ كُنْتِ
أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ
الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنَبِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَى اللهِ تَابَ
اللهُ عَلَيْهِ،
قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم
مَقَالَتُهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ قَطْرَةً، فَقُلْتُ
لِأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا
قَالَ، قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: لِأُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ
لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ
الْقُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا
الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ،
فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي
بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ
بِأَمْرٍ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ مَا
أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِمَا
السَّلَامُ، قَالَ: «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى ما
تصفون» [ (25) ] .
__________
[ (25) ] [سورة يوسف- 18] .
(4/70)
قَالَتْ ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ
عَلَى فِرَاشِي، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ،
وَإِنَّ اللهَ- عَزَّ وَجَلَّ- يُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي، وَفِي رِوَايَةِ
الْقَطَّانِ سَيُبَرِّئُنِي بَرَاءَتِي وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ
أَظُنُّ أَنَّ اللهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِي فِي
نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ- وَفِي
رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: أَمْرٌ يُتْلَى- وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ
يَرَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ رُؤْيَا
يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا.
قالت: فو الله مَا قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ مَا
كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ
مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شاتي، مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ
الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ،
قَالَتْ: فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم
سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا
يَا عَائِشَةُ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ،
قَالَتْ: فَقَالَتْ أُمِّي: قُومِي إِلَيْهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللهِ!
لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ، إِلَّا اللهَ، وَأَنْزَلَ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا
تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [ (26) ] . الْعَشْرَ الْآيَاتِ
كُلَّهَا.
فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو
بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ
مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا
بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: وَلا
يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي
الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ (27) ] ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى،
وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى
مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللهِ
لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
__________
[ (26) ] [سورة النور- 11] .
[ (27) ] [سورة النور- 22] .
(4/71)
قَالَتْ عَائِشَةُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، عَنْ
أَمْرِي، فَقَالَ: يَا زَيْنَبُ مَا عَلِمْتِ أَوْ مَا رَأَيْتِ؟ قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا
خَيْرًا قَالَتْ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ
وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ
مِنْ أَصْحَابِ الْإِفْكِ.
لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْقَطَّانِ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الله بن
بكير [ (28) ] .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ
يَزِيدَ [ (29) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ بِبَغْدَادَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلُ الصَّفَّارُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ الَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، فَقُلْتُ: لَا، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ،
وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، كُلُّهُمْ سَمِعَ
عَائِشَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- تَقُولُ:
الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ، قَالَ فَقَالَ لِي:
فَمَا كَانَ جُرْمُهُ؟ قال قلت:
__________
[ (28) ] البخاري عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ في تفسير
سورة النور فتح الباري (8: 452) ،
وفي التوحيد بَابُ (52) ، قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلّم
«الماهر بالقرآن مع الكرام البررة» ،
وأخرجه البخاري ايضا في: 52- كتاب الشهادات (15) باب تعديل النساء بعضهن
بعضا، الحديث (2661) ، فتح الباري (5: 269- 272) بطوله، وفي تفسير سورة
النور كلاهما من طريق الليث،، وانظر تحفة الأشراف (11: 413- 414) .
[ (29) ] أخرجه مسلم في: 49- كتاب التوبة (10) باب في حديث الإفك، وقبول
توبة القاذف، الحديث (56) ، ص (4: 2129) ، عن حبان بن موسى، عَنْ عَبْدِ
اللهِ بْنِ المبارك، عن يونس ابن يزيد الأيلي.
(4/72)
سُبْحَانَ اللهِ! مِنْ قَوْمِكَ أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا عَائِشَةَ،
تَقُولُ: كَانَ مُسِيئًا فِي أَمْرِي.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ [ (30) ] .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُحَمَّدِ بْنُ شَوْذَبٍ الْمُقْرِئُ بِوَاسِطَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَفْلَحُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ
عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
عَنْ عُرْوَةَ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ، وعُبَيْدُ اللهِ بْنِ
عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَلَمَةَ، وَأَبَا
بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَزَادَ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ،
وَمَا ذَاكَ قَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ، فَسَاهَمَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَخَرَجَ سَهْمِي، وَسَهْمُ
أُمِّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَدِيبُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ
بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، وَابْنُ الْمُثَنَّى،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ
بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ، فَقَالَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لحوم
الفوافل [ (31) ]
قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ، قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ
عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ
من العمى.
__________
[ (30) ] البخاري في تفسير سورة النور، فتح الباري (8: 451) .
[ (31) ] (حصان) محصنة عفيفة، (رزان) كاملة العقل، (ما تزنّ) ما تتهم
(غرثى) جائعة.
(4/73)
قَالَ وَقَالَتْ: قَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ
بُنْدَارٍ [ (32) ] .
ورَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى [ (33) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ:
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ
الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ
زُرَارَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا تلى رسول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِصَّةَ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عُذْرِي عَلَى
النَّاسِ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ
بِرَجُلَيْنِ وَامْرَأَةٍ مِمَّنْ كَانَ بَاءَ بِالْفَاحِشَةِ فِي
عَائِشَةَ فَجُلِدُوا الْحَدَّ، قَالَ: وَكَانَ رَمَاهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ
أُبَيٍّ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَسَّانُ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ
أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، رَمَوْهَا بِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ
السُّلَمِيِّ [ (34) ] .
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الْعَبَّاسِ: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ
عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ:
وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ كَثَّرَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ
الْمُعَطَّلِ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، ثُمَّ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ يُعَرِّضُ
بِهِ فيه وبأشباهه، فقال:
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزُّوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ
الْفُرَيْعَةِ أمسى بيضة البلد [ (35) ]
__________
[ (32) ] الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ في تفسير سورة النور،
فتح الباري (8: 485) ، وعن عثمان بن أبي شيبة في المغازي، فتح الباري (7:
436) .
[ (33) ] أخرجه مسلم عن ابن المثنى في: 44- فضائل الصحابة، الحديث (155) ،
ص (4:
1934) .
[ (34) ] سيرة ابن هشام (3: 259) ، ونقله ابن كثير في البداية والنهاية (4:
163) .
[ (35) ] (الجلابيب) هذا القب كان المشركون في مكة يلقبون به أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلّم، (والفريعة) أم حسان بن ثابت، و (بيضة البلد) انه أصبح
وحيدا لا نظير له، ولا يقوى على أحد، وهذه عبارة تقال للردح والذم.
(4/74)
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً، وَهُوَ
آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ على
رأسه، فيعدوا عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، فَجَمَعَ
يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى دَارِ
بَنِي حَارِثَةَ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالَ لَهُ:
مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ عَدَا عَلَى حَسَّانَ بِالسَّيْفِ، فو
الله مَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رسول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ:
وَاللهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سبيله، فستغدوا علي رسول الله صلى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ
الْمُعَطَّلِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فقال: ها أنا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ،
فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ
آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ، وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ فِي الْهِجَاءِ،
فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ، وها أنا ذا. فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ
فَخُذْنِي بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: ادعو
إِلَيَّ حَسَّانَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَّانُ! أَتَشَوَّهْتَ
عَلَى قَوْمِكَ أَنْ هَدَاهُمُ اللهُ لِلْإِسْلَامِ، يَقُولُ: تَنَفَّسْتَ
عَلَيْهِمْ، يَا حَسَّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ، فَقَالَ: هِيَ لَكَ
يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ حَسَّانَ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لِأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ
بِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (36) ] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطَّلِ، قَالَ
حِينَ ضَرَبَ حَسَّانَ:
تَلَقَّ ذُبَابَ السَّيْفِ عَنْكَ فَإِنَّنِي ... غُلَامٌ إِذَا هو جيت
لَسْتُ بِشَاعِرِ
وَقَالَ حَسَّانُ لعائشة:
رَأَيْتُكِ وَلْيَغِفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً ... مِنَ الْمُحْصَنَاتِ
غَيْرِ ذَاتِ غَوَائِلِ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غرثى من لحوم
الفوافل
__________
[ (36) ] رواه ابن هشام في السيرة (3: 261- 262) ، ونقله ايضا ابن كثير في
التاريخ (4: 163) .
(4/75)
وَإِنَّ الَّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ
بِلَائِطٍ ... بِكِ الدَّهْرَ بَلْ قِيلُ امْرِئٍ مُتَمَاحِلِ [ (37) ]
فَإِنْ كُنْتُ أَهْجُوكُمْ كَمَا بَلَّغُوكُمُ ... فَلَا رَجَعَتْ سَوْطِي
إِلَيَّ أَنَامِلِي
فَكَيْفَ وَوُدِّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللهِ زَيْنُ
الْمَحَافِلِ
وَإِنَّ لَهُمْ عِزًّا يُرَى النَّاسُ دُونَهُ ... قِصَارٌ وَطَالَ
الْعِزُّ كُلَّ التَّطَاولِ [ (38) ]
وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَتَّابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، في ذِكْرِ مَا جَرَى بَيْنَ جَهْجَاهٍ وَبَيْنَ
فِتْيَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْمَاءِ فِي غَزْوَةِ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ، قَالَ: وَبَلَغَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الشَّاعِرَ الَّذِي
كَانَ بَيْنَ جَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ وَبَيْنَ الْفِتْيَةِ
الْأَنْصَارِيِّينَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ وَهُوَ يُرِيدُ الْمُهَاجِرِينَ
مِنَ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ يَقْدَمُونَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه
وسلّم للإسلام:
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ زَاغُوا وَقَدْ كَثُرُوا ... وَابْنُ
الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ مُغْضَبًا مِنْ قَوْلِ حَسَّانَ
فَرَصَدَهُ فَلَمَّا خَرَجَ ضَرَبَهُ السُّلَمِيُّ حَتَّى قِيلَ قَتَلَهُ
لَا يُرَى إِلَّا أَنَّهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَإِنَّهُ بَلَغَنَا
أَنَّهُ ضَرَبَ حَسَّانَ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ الله صلى
الله عليه وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي ضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِالسَّيْفِ فَبَلَغَ
رَسُولَ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ ضَرْبَ السُّلَمِيِّ حَسَّانَ
فَقَالَ لَهُمْ خُذُوهُ فَإِنْ هَلَكَ حَسَّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ
فَخُذُوهُ فَأْسِرُوهُ وَأَوْثِقُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ، فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَرْسِلُوا
الرَّجُلَ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ عَمَدْتُمْ إِلَى قَوْمِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشْتُمُونَهُمْ وَتُؤذُونَهُمْ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ نَصَرْتُمُوهُمْ فَغَضِبَ سَعْدٌ لِرَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَلِقَومِهِ فَقَالَ أَرْسِلُوا الرجل
__________
[ (37) ] في سيرة ابن هشام: «ولكنه قول امرئ بي ماهل» .
[ (38) ] سيرة ابن هشام (3: 263) .
(4/76)
فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ أَنْ
يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَخَرَجَ بِهِ سَعْدٌ إِلَى
أَهْلِهِ فَكَسَاهُ حُلَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَبَلَغَنَا أَنَّ
السُّلَمِيَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فِيهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَنْ كَسَاكَ كَسَاهُ اللهُ
مِنْ ثِيَابِ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ: كَسَانِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ.
ثُمَّ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ فِي
الْإِنْفَاقِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنُزُولِ إِذَا جاءك المنافقون، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ
حَدِيثِ الْإِفْكِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ
عَنِ الْجَمَاعَةِ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى اسْتَعْذَرَ النَّبِيُّ صَلَّى
الله عليه وسلم مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ
مِنْهُ، وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
فِي قِصَّةِ رَمْيِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي أَكْحَلِهِ
وَوَفَاتِهِ مِنْ تِلْكِ الرَّمِيَّةِ بَعْدَ قُرَيْظَةَ، فَإِنْ كَانَ
قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ
الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مَحْفُوظًا فَيُشْبِهُ
أَنْ يَكُونَ جُرْحُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ
يَنْفَجِرْ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمُرَيْسِيعِ، وَحَدِيثِ الْإِفْكِ.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنِ مَنْدَةَ الْحَافِظُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ
مُعَاذٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ كَانَتْ
فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَكَأَنَّ سَعْدًا مَاتَ
بَعْدَ شَعْبَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
(4/77)
بَابُ سَرِيَّةِ نَجْدٍ يُقَالُ إِنَّهَا
كَانَتْ فِي الْمُحْرِمِ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ، بُعِثَ فِيهَا
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَجَاءَ بِسَيِّدِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ
ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ وَمَا ظَهَرَ فِي أَخْذِهِ وَإِسْلَامِهِ مِنَ
الْآثَارِ
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ-
رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ
الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ
مِلْحَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ
مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ
الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ
إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَاذَا
عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ
تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ،
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ،
فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ
بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي
مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ
تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ
مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ،
فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ
دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، وَقَدْ أَصْبَحَ
وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كان دِينٍ
أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ
كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ
بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ،
وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ
(4/78)
الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى، فَيَسَّرَهُ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ أَنْ
يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَأْتَ [ (1)
] يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلّم فو الله لَا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ
حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وسلّم.
واه الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يوسف، وَرَوَاهُ
مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هَكَذَا [ (2) ] .
وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ [ (3) ] عَنِ
الْمَقْبُرِيِّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ، وَذَكَرَ أَوَّلًا مِنْ قِبَلِ
نَفْسِهِ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أَثَالٍ كَانَ رَسُولَ مُسَيْلِمَةَ إِلَى
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا اللهَ أَنْ
يُمَكِّنَهُ مِنْهُ.
ثُمَّ رُوِيَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ
الْحَافِظُ وَأَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ موسى ابن الْفَضْلِ، قَالَا: حَدَّثَنَا
أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ إِسْلَامُ ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ الْحَنَفِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا اللهَ حِينَ
عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَرَضَ لَهُ
أَنْ يُمَكِّنَهُ اللهُ مِنْهُ، وَكَانَ عَرَضَ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ،
فَأَرَادَ قَتْلَهُ فَأَقْبَلَ ثُمَامَةُ مُعْتَمِرًا وَهُوَ عَلَى
شِرْكِهِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَتَحَيَّرَ فِيهَا، حَتَّى أُخِذَ
فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ مُشْرِكٌ
فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا لَكَ
يَا ثُمَامُ؟ هَلْ أَمْكَنَ اللهُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا
محمد: إن تقتل تقتل ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ
تسأل مالا تعطه
__________
[ (1) ] في الأصول: «صبوت» وهو صحيح، وصبأ إذا خرج من دينه، وصبأت النجوم:
إذا خرجت من مطالعها.
[ (2) ] رواه البخاري مختصرا في صحيحه (6: 2) ، ومسلم مطولا (12: 87) شرح
مسلم للنووي.
[ (3) ] رواية ابن إسحاق ذكرها ابن هشام في السيرة (4: 246- 247) .
(4/79)
فَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِهِ،
فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: خَيْرًا يا محمد: إن تقتل تَقْتُلْ
ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ مَالًا
تُعْطَهْ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ رَسُولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْنَا الْمَسَاكِينَ نَقُولُ: بَيْنَنَا مَا
يَصْنَعُ بِدَمِ ثُمَامَةَ، وَاللهِ لَأَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ سَمِينَةٍ
مِنْ فِدَائِهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، مَرَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ: مالك يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ خَيْرًا يا محمد إن تقتل
تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ، وَإِنْ تَسْأَلْ
مَالًا تُعْطَهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامُ.
فَخَرَجَ ثُمَامَةُ حَتَّى أَتَى حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ،
فَاغْتَسَلَ بِهِ وَتَطَهَّرَ، وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي
أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ وَمَا وَجْهٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ
وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أبغض إلي من دينك، وَلَا بَلَدٌ أَبْغَضُ إِلَيَّ
مِنْ بَلَدِكَ، ثُمَّ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَمَا وَجْهٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ
وَجْهِكَ، وَلَا دِينٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، وَلَا بَلَدٌ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، وإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ
خَرَجْتُ معمرا، وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي فَيَسِّرْنِي صَلَّى الله
عَلَيْكَ فِي عُمْرَتِي، فَيَسَّرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وَسَلَّمَ فِي عُمْرَتِهِ وَعَلَّمَهُ، فَخَرَجَ مُعْتَمِرًا.
فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِ
مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، قَالُوا: صَبَأَ ثُمَامَةُ فَأَغْضَبُوهُ
فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَوْتُ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ، وَصَدَّقْتُ
مُحَمَّدًا، وَآمَنْتُ بِهِ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ ثُمَامَةَ بِيَدِهِ.
لَا تَأْتِيكُمْ حَبَّةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ- وَكَانَتْ رِيفَ مَكَّةَ- مَا
بَقِيتُ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ. وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ، وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ،
حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله
عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ
يُخَلِّي حَمْلَ الطَّعَامِ، فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه
وسلم [ (4) ] .
__________
[ (4) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (4: 246- 247) .
(4/80)
وأَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي ثُمَامَةَ- فَرُبِطَ بِعَمُودٍ مِنْ
عَمَدِ الْحُجْرَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوهِمُ أَنْ يَكُونَ صَدْرُ الْحَدِيثِ فِي
رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
عَنْ شُيُوخِهِ، وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ
أَصَحُّ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ وَالَّذِي رُوِيَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ
بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فِي إِرَادَةِ
فِدَائِهِ يَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ، وَأَبُو
هُرَيْرَةَ إِنَّمَا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ ثُمَامَةَ
فِيمَا بَيْنَ خَيْبَرَ وَفَتَحِ مَكَّةَ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
قُتَيْبَةَ: سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ الْآدَمِيُّ بِمَكَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ثميلة يَحْيَى بْنُ
وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَالِدٍ الْحَنَفِيُّ،
عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
ابْنَ أَثَالٍ الْحَنَفِيَّ لَمَّا أُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسِيرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَأَسْلَمَ فَلَحِقَ
بِمَكَّةَ يَعْنِي ثُمَّ رَجَعَ فَحَالَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَيْنَ
الْمِيرَةِ مِنَ الْيَمَامَةِ، حَتَّى أَكَلَتْ قُرَيْشٌ الْعِلْهِزَ [ (5)
] ، فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عليه وسلم، فَقَالَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ بُعِثْتَ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ قَالَ بَلَى قَالَ: فَقَدْ قَتَلْتَ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ
وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما
يَتَضَرَّعُونَ [ (6) ] .
__________
[ (5) ] (العلهز) شيء كانوا يتخذونه في سني المجاعة، يخلطون فيه الدم
بأوبار الإبل، ثم يشوونه بالنار ويأكلونه.
[ (6) ] [المؤمنون- 76] .
(4/81)
|