دلائل النبوة للبيهقي محققا

بَابُ ذِكْرِ السَّرَايَا [ (1) ] الَّتِي كَانَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ فِيمَا زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ
أَخْبَرَنَا أبو عبد اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
__________
[ (1) ] (السرايا) جمع سرية، وهي الطائفة من الجيش يبلغ أقصاها اربعمائة تبعث الى العدو، وسمّوا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السّري: النفيس.
وقيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا، وخفية، وليس بالوجه، لأن لام السرّ راء وهذا ياء.
النهاية لابن الأثير.
وقال الصالحي في السيرة الشامية (6: 9- 11) : «ذكر ابن إسحاق السرايا والبعوث ثمانية وثلاثون، وذكرها ابو عمر (ابن عبد البر) في أول الاستيعاب سبعة وأربعين وذكرها محمد بن عمر الواقدي ثمانية وأربعين، ونقل المسعودي عن بعضهم انها ستون، وعلى ذلك جرى الحافظ العراقي.
وذكر الحافظ أبو عبد الله الحاكم- رحمه الله تعالى في الإكليل أنها فوق المائة. قال العراقي: ولم أجد هذا القول لأحد سواه. قال الحافظ: لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها.
قلت عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد ان روى عن قتادة ان مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسراياه كانت ثلاثين وأربعين. قال الحاكم: هكذا كتبناه. وأظنه أراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسراياه زيادة على المائة. قال:
«وأخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب عبد الله محمد بن نصر السرايا والبعوث دون الحروب بنفسه نيفا وسبعين» انتهى.
قال في البداية: وهذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، وحمله كلام قتادة على ما قال، فيه نظر فقد روى الإمام أحمد عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي عن قتادة أن مغازي

(4/82)


حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْجَهْمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ، قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أَوْ قَالَ: الْآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ [ (2) ] فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إِلَى الْغَمْرِ [ (3) ] ، وَفِيهِمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ وَسِبَاعُ بْنُ وَهْبٍ، فَأَغَذَّا السَّيْرَ وَنَذِرَ الْقَوْمُ بِهِمْ، فَهَرَبُوا فَنَزَلَ عَلَى مِيَاهِهِمْ، وَبَعَثَ الطَّلَائِعَ، فَأَصَابُوا مَنْ دَلَّهُمْ عَلَى بَعْضِ مَاشِيَتِهِمْ، فَوَجَدُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ، فَسَاقُوهَا إِلَى الْمَدِينَةِ [ (4) ] .
قَالَ: وَفِيهَا بعث سريّة أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى الْقَصَّةِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَسَارُوا لَيْلَهُمْ مُشَاةً، وَوَافَوْا ذَا الْقَصَّةِ مَعَ عمائة الصُّبْحِ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ، وَأَصَابُوا رَجُلًا وَاحِدًا فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ (5) ] .
وَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ، فَكَمَنَ الْقَوْمُ بِهِمْ. حَتَّى نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَمَا شَعَرُوا إِلَّا بِالْقَوْمِ
__________
[ () ] رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَرَايَاهُ ثَلَاثٌ وأربعون.
وانظر في هذه السرايا: سيرة ابن هشام (4: 218- 248) ، ومغازي الواقدي بطوله، والمغازي من صحيح البخاري، وتاريخ الطبري في الجزأين الثاني والثالث، والجزء الثاني من طبقات ابن سعد، نهاية الأرب، الجزء السابع عشر، عيون الأثر، (2: 108- 266) ، البداية والنهاية (4:
2- 356) ، تاريخ الخميس (1: 355- 470) و (2: 67- 146) ، الزرقاني على المواهب (1: 387- 460) و (2: 8- 349) و (3: 2: 112) .
[ (2) ] عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ حليف قريش، من السابقين الأولين البدريين اهل الجنة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلّم على سرية الغمر، فلم يلقوا كيدا.
واستشهد فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصديق، وفي بدر انكسر سَيْفُهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلّم عرجونا من نخل، أو عودا، فعاد في يده سيفا.
[ (3) ] الغمر: ماء لبني اسد على ليلتين من فيد.
[ (4) ] ذكره الواقدي في المغازي (2: 550) ، واختصرها المصنف عنه هنا.
[ (5) ] من مغازي الواقدي (2: 552) .

(4/83)


فَقُتِلَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَفْلَتَ مُحَمَّدٌ جَرِيحًا [ (6) ] .
وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِالْحَمُومِ فَأَصَابَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ، يُقَالُ لَهَا: حَلِيمَةُ، فَدَلَّتْهُمْ عَلَى مَحِلَّةٍ مِنْ مَحَالِّ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَصَابُوا نَعَمًا وَشَاءً وَأُسَرَاءَ، وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْأُسَرَاءِ زَوْجُ حَلِيمَةَ، فَلَمَّا قَفَلَ بِمَا أَصَابَ وَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، لِلْمُزَنِيَّةِ نَفْسَهَا وَزَوْجَهَا [ (7) ] .
قَالَ: وَفِيهَا- يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الطَّرْفِ فِي جُمَادَى الْأُولَى إِلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَهَرَبَتِ الْأَعْرَابِ، وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم، سَارَ إِلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْ نَعَمِهِمْ عِشْرِينَ بَعِيرًا قَالَ: وَغَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ.
قَالَ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ كَانَتْ سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. إِلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الْأُولَى وَفِيهَا أُخِذَتِ الْأَمْوَالُ الَّتِي كَانَتْ مَعَ أَبِي الْعَاصِ، فَاسْتَجَارَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَارَتْهُ [ (8) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى، فَأَقْبَلَ حَتَّى كَانَ بِحِسْمَى فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَتْرُكُوا مَعَهُ شَيْئًا، فَجَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، فَأَخْبَرَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَى حِسْمَى.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إِلَى فَدَكٍ إِلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بكر، وذلك
__________
[ (6) ] عن مغازي الواقدي باختصار (2: 551) .
[ (7) ] الخبر مطولا في الواقدي (2: 553) .
[ (8) ] المصدر السابق.

(4/84)


أَنَّهُ بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدُّوا يَهُودَ خَيْبَرَ، فَسَارَ إِلَيْهِمُ اللَّيْلَ وَكَمَنَ النَّهَارَ، وَأَصَابَ عَيْنًا وَأَقَرَّ أَنَّهُ بَعَثَ إِلَى خَيْبَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ ثَمَرَ خَيْبَرَ [ (9) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا يَعْنِي سَنَةَ سِتٍّ سَرِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنْ أَطَاعُوا فَتَزَوَّجِ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ، فَأَسْلَمَ الْقَوْمُ وَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَعِ وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ أَبُوهَا رَأْسَهُمْ وَمَلِكَهُمْ [ (10) ] .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَتْ سَرِيَّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيِّ إِلَى الْعُرَنِيِّينَ الَّذِينَ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ فِي شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ فَارِسًا.
أَمَا قِصَّةُ أَبِي الْعَاصِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ فَفِيمَا
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا، وَكَانَتْ مَعَهُ بَضَائِعُ لِقُرَيْشٍ، فَأَقْبَلَ قَافِلًا فَلَقِيَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَاسْتَاقُوا عِيرَهُ، وَأَفْلَتَ، وقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَصَابُوا فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ، وَأَتَى أَبُو الْعَاصِ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَاسْتَجَارَ بِهَا، وَسَأَلَهَا أَنْ تَطْلُبَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَدَّ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّرِيَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا وَلِغَيْرِهِ مِمَّا كَانَ مَعَهُ، وَهُوَ فَيْءُ اللهِ الَّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تردوا
__________
[ (9) ] المغازي للواقدي (2: 562) .
[ (10) ] عن مغازي الواقدي (2: 560) .

(4/85)


عَلَيْهِ، فَافْعَلُوا، وَإِنْ كَرِهْتُمْ فَأَنْتُمْ وَحَقُّكُمْ، قَالُوا: بَلْ نَرُدُّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللهِ،
فَرَدُّوا- وَاللهِ عَلَيْهِ- مَا أَصَابُوا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِي بِالشَّنَّةِ وَالرَّجُلَ بِالْإِدَاوَةِ، وَالرَّجُلَ بِالْحَبْلِ، فَمَا تَرَكُوا قَلِيلًا أَصَابُوهُ وَلَا كَبِيرًا إِلَّا وَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَدَّى إِلَى النَّاسِ بَضَائِعَهُمْ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ مَعِي مَالٌ لَمْ أَرُدَّهُ عَلَيْهِ. قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، قَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا. فَقَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أُسْلِمَ قَبْلَ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْكُمْ، إِلَّا تَخَوُّفًا مِنْ أَنْ تَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا أَسْلَمْتُ لِأَذْهَبَ بِأَمْوَالِكُمْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ [ (11) ] .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَمْوَالَ أَبِي الْعَاصِ إِنَّمَا أَخَذَهَا أَبُو نُصَيْرٍ فِي الْهُدْنَةِ وَذَلِكَ يَرِدُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ [تَعَالَى] [ (12) ] وَأَمَّا قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ فَفِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ وعُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّا أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَهْلِ رِيفٍ فَاسْتَوخَمْنَا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَوْدٍ وَزَادٍ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فيها فيشربون مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَاقُوا الزَّوْدَ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، حَتَّى مَاتُوا وَهُمْ كَذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ يَعْنِي قَوْلَهُ: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُثُّ فِي خُطْبَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ المثلة.
__________
[ (11) ] المغازي (2: 553) .
[ (12) ] الزيادة من (ص) .

(4/86)


أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ. وَقَالَ هَمَّامٌ وَشُعْبَةُ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ.
وأَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ طَلْحَةُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الصَّقْرِ الْبَغْدَادِيُّ بِهَا قَالَ حدثنا محمد ابن عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا وَبَايَعُوهُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَدِينَةِ الْمُومُ وَهُوَ الْبِرْسَامُ فَقَالُوا هَذَا الْوَجَعُ. قَدْ وَقَعَ يَا رَسُولَ اللهِ فَلَوْ أَذِنْتَ لَنَا فَرُحْنَا إِلَى الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَاخْرُجُوا وَكُونُوا فِيهَا
فَخَرَجُوا فَقَتَلُوا أَحَدَ الرَّاعِيَيْنِ وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَجَاءَ الْآخَرُ وَقَدْ جُرِحَ قَالَ قَدْ قَتَلُوا صَاحِبِي وَذَهَبُوا بِالْإِبِلِ وَعِنْدَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ فَأَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ فَبَعَثَ مَعَهُمْ قَائِفًا يَقْتَصُّ أَثَرَهُمْ فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ هَارُونَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو محمد عبد اللهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو بكر محمد ابن الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي عِيسَى الْهِلَالِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن الوليد القدني قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا وَاجْتَوَوَا الْأَرْضَ فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقُوا بِالْإِبِلِ وَاشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا
قَالَ: فَذَهَبُوا فَكَانُوا فِيهَا مَا شَاءَ اللهُ فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ قَالَ: فَجَاءَ الصَّرِيخُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعِ الشَّمْسُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ لَهُمْ فَكَوَاهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى

(4/87)


مَاتُوا وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ يُوسُفَ إِمْلَاءً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَمِيرَوَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. زَادَ فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ فقال اللهم عمّي عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ أَضْيَقَ مِنْ مَسْكِ جَمَلٍ قَالَ فَعَمَّى الله عَلَيْهِمُ السَّبِيلَ فَأُدْرِكُوا فَأُتِيَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وسمل أعينهم [ (13) ] .
__________
[ (13) ] الحديث أخرجه البخاري في: 86- كتاب الحدود (17) باب لم يسق المرتدون حتى ماتوا.
فتح الباري (12: 111) ، كما أخرجه البخاري أطرافه في (14) موضعا من صحيحه.
وأخرجه مسلم في: 28- كتاب القسامة (2) باب حكم المحاربين والمرتدين، حديث (9) ، ص (1296) .
وأخرجه ابو داود في كتاب الحدود، (بَابُ) مَا جَاءَ فِي المحاربة حديث رقم (4364) ، ص (4:
130) .
أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة (بَابُ) مَا جَاءَ فِي بول ما يؤكل لحمه، حديث رقم (72) ، صفحة (1: 106- 107) .
وأخرجه النسائي في كتاب التحريم في ثلاثة أبواب متتابعة (7- 8- 9) من صفحة (7: 93- 101) - جامعا طرقه كلها.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الحدود، حديث رقم (20) ، والإمام أحمد في «مسنده» (3:
163- 177- 198) .
(اجتووا) المدينة أي: كرهوا المقام فيها لسقم أصابهم، من الجوى، وهو داء في الجوف، وقيل: تضرروا، وقال القزاز: «لم يوافقهم طعامها» ، وقال ابن العربي: «الجوى داء يأخذ من الوباء يؤيده رواية: استوضحوا» .
(سمل أعينهم) : فقأها وأذهب ما فيها. قال أنس: «إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاء.
(فائدة- 1) : هذا الحديث منسوخ بالحدود، (وأيضا) بالنهي عن المثلة.

(4/88)


__________
[ () ] قال ابن شاهين- عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة: هذا الحديث ينسخ كل مثلة» .
ويدل عليه ما رواه البخاري في كتاب الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التهذيب بالنار، بعد الإذن فيه، وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة، وقد حضر الإذن ثم النهي.
وقد نسخت المثلة بالآية الكريمة «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله.. [الآية 33 من سورة المائدة] .
وقال قتادة، عن محمد بن سيرين ان الحدود لما نزلت نسخت المثلة.
وما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلّم- بعد آية الحدود- ونهى عن المثلة، فقال: لا تمثلوا بشيء.
وراجع الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي من تحقيقنا.
(فائدة- 2) : كلمة ألبانها وأبوالها: لقد وقع الترخيص في إصابة بول الإبل للتداوي لهؤلاء خاصة، وذلك في صدر الإسلام ثم نسخ، وقيل: «للمتداوي أن يصيبه كأكل الميتة لكسر عادية الجوع.

(4/89)