تاريخ ابن خلدون
الفصل الخامس
والعشرون في علم الطب
ومن فروع الطّبيعيّات صناعة الطّبّ وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من
حيث يمرض ويصحّ فيحاول صاحبها حفظ الصّحّة وبرء المرض بالأدوية
والأغذية بعد أن يتبيّن المرض الّذي يخصّ كلّ عضو من أعضاء البدن
وأسباب تلك الأمراض الّتي تنشأ عنها وما لكلّ مرض من الأدوية مستدلّين
على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها وعلى المرض بالعلامات المؤذن بنضجه
وقبوله الدّواء أوّلا: في السّجيّة والفضلات والنّبض محاذين لذلك قوّة
الطّبيعة فإنّها المدبّرة في حالتي الصّحّة والمرض. وإنّما الطّبيب
يحاذيها ويعينها بعض الشّيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادّة والفصل
والسّنّ ويسمّى العلم الجامع لهذا كلّه علم الطّبّ.
وربّما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علما خاصّا، كالعين وعللها
وأكحالها. وكذلك ألحقوا بالفن من منافع الأعضاء ومعناها المنفعة الّتي
لأجلها خلق كلّ عضو من أعضاء البدن الحيوانيّ. وإن لم يكن ذلك من موضوع
علم الطّبّ إلّا أنّهم جعلوه من لواحقه وتوابعه. وإمام هذه الصّناعة
الّتي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين جالينوس يقال إنّه كان معاصرا لعيسى
عليه السّلام ويقال إنّه مات بصقلّيّة في سبيل تغلّب [2] ومطاوعة
اغتراب. وتآليفه فيها هي الأمّهات الّتي
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: من أهل العراق. ومقتضى السياق: المعروف بين
أهل العراق بخواجه والذكور ولد بطوس من اعمال إيران وتوفي في بغداد
(كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي) جح
[2] وفي النسخة الباريسية: تقلب.
(1/650)
اقتدى بها جميع الأطبّاء بعده. وكان في
الإسلام في هذه الصّناعة أئمّة جاءوا من وراء الغاية مثل الرّازي
والمجوسيّ وابن سينا ومن أهل الأندلس أيضا كثير وأشهرهم ابن زهر. وهي
لهذا العهد في المدن الإسلاميّة كأنّها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي
من الصّنائع الّتي لا تستدعيها إلّا الحضارة والتّرف كما نبيّنه بعد.
وللبادية من أهل العمران طبّ يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على
بعض الأشخاص متوارثا عن مشايخ الحيّ وعجائزه، وربّما يصحّ منه البعض
إلّا أنّه ليس على قانون طبيعيّ ولا على موافقة المزاج. وكان عند العرب
من هذا الطّبّ كثير وكان فيهم أطبّاء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره.
والطّبّ المنقول في الشّرعيّات [1] من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء
وإنّما هو أمر كان عاديّا للعرب. ووقع في ذكر أحوال النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم من نوع ذكر أحواله الّتي هي عادة وجبلّة لا من جهة أنّ ذلك
مشروع على ذلك النّحو من العمل.
فإنّه صلّى الله عليه وسلّم إنّما بعث ليعلّمنا الشّرائع ولم يبعث
لتعريف الطّبّ ولا غيره من العاديّات. وقد وقع له في شأن تلقيح النّخل
ما وقع فقال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» . فلا ينبغي أن يحمل شيء من
الطّبّ الّذي وقع في الأحاديث الصحيحة المنقولة على أنّه مشروع فليس
هناك ما يدلّ عليه اللَّهمّ إلّا إذا استعمل على جهة التّبرّك وصدق
العقد الإيمانيّ فيكون له أثر عظيم في النّفع. وليس ذلك في الطّبّ
المزاجيّ وإنّما هو من آثار الكلمة الإيمانيّة كما وقع في مداواة
المبطون بالعسل ونحوه والله الهادي إلى الصّواب لا ربّ سواه.
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: في النبوات.
(1/651)
الفصل السادس
والعشرون في الفلاحة
هذه الصّناعة من فروع الطّبيعيّات وهي النّظر في النّبات من حيث تنميته
ونشؤه بالسّقي والعلاج وتعهّده بمثل ذلك [1] وكان للمتقدّمين بها عناية
كثيرة وكان النّظر فيها عندهم عامّا في النّبات من جهة غرسه وتنميته
ومن جهة خواصّه وروحانيّته ومشاكلتها لروحانيّات الكواكب والهياكل
المستعمل ذلك كلّه في باب السّحر فعظمت عنايتهم به لأجل ذلك. وترجم من
كتب اليونانيّين كتاب الفلاحة النّبطيّة منسوبة لعلماء النّبط مشتملة
من ذلك على علم كبير. ولمّا نظر أهل الملّة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب
وكان باب السّحر مسدودا والنّظر فيه محظورا فاقتصروا منه على الكلام في
النّبات من جهة غرسه وعلاجه وما يعرض له في ذلك وحذفوا الكلام في الفنّ
الآخر منه جملة. واختصر ابن العوّام كتاب الفلاحة النّبطيّة على هذا
المنهاج وبقي الفنّ الآخر منه مغفلا، نقل منه مسلمة في كتبه السّحريّة
أمّهات من مسائله كما نذكره عند الكلام على السّحر إن شاء الله تعالى.
وكتب المتأخّرين في الفلاحة كثيرة ولا يعدّون فيها الكلام في الغراس
والعلاج وحفظ النّبات من حوائجه وعوائقه وما يعرض في ذلك كلّه وهي
موجودة.
__________
[1] وفي نسخة أخرى: بالسقي والعلاج واستجادة النبت وصلاحية الفصل
وتعاهده بما يصلحه ويتمه من ذلك كله.
(1/652)
الفصل السابع
والعشرون في علم الإلهيات
وهو علم ينظر في الوجود المطلق فأوّلا في الأمور العامّة للجسمانيّات
والرّوحانيّات من الماهيّات والوحدة والكثرة والوجوب والإمكان وغير ذلك
ثمّ ينظر في مبادئ الموجودات وأنّها روحانيّات ثمّ في كيفيّة صدور
الموجودات عنها ومراتبها [1] ثمّ في أحوال النّفس بعد مفارقة الأجسام
وعودها إلى المبدإ. وهو عندهم علم شريف يزعمون أنّه يوقفهم على معرفة
الوجود على ما هو عليه وأنّ ذلك عين السّعادة في زعمهم. وسيأتي الرّدّ
عليهم بعد. وهو تال للطّبيعيّات في ترتيبهم ولذلك يسمّونه علم ما وراء
الطّبيعة. وكتب المعلّم الأوّل فيه موجودة بين أيدي النّاس. ولخّصه [2]
ابن سينا في كتاب الشّفاء والنّجاة وكذلك لخّصه [3] ابن رشد من حكماء
الأندلس ولمّا وضع المتأخّرون في علوم القوم ودوّنوا فيها وردّ عليهم
الغزاليّ ما ردّ منها ثمّ خلط المتأخّرون من المتكلّمين مسائل علم
الكلام بمسائل الفلسفة لاشتراكهما في المباحث، وتشابه موضوع علم الكلام
بموضوع الإلهيّات ومسائله بمسائلها فصارت كأنّها فنّ واحد ثمّ غيّروا
ترتيب الحكماء في مسائل الطّبيعيّات والإلهيّات وخلطوهما فنّا واحدا
قدّموا الكلام في الأمور العامّة ثمّ أتبعوه بالجسمانيّات وتوابعها ثمّ
بالرّوحانيّات وتوابعها إلى آخر العلم كما فعله الإمام ابن الخطيب في
المباحث المشرقيّة وجميع من بعده من علماء الكلام. وصار علم الكلام
مختلطا بمسائل الحكمة وكتبه محشوّة بها كأنّ الغرض من موضوعهما
ومسائلهما واحد. والتبس ذلك على النّاس وهو صواب لأنّ مسائل علم الكلام
إنّما هي عقائد متلقّاة من الشّريعة كما نقلها السّلف من غير رجوع فيها
إلى العقل ولا
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: وترتيبها.
[2] وفي النسخة الباريسية: ولخصها (والضمير يعود إلى الكتب) .
[3] الضمير يعود إلى كتب المعلم الأول.
(1/653)
تعويل عليه بمعنى أنّها لا تثبت إلّا به
فإنّ العقل معزول عن الشّرع وأنظاره وما تحدّث فيه المتكلّمون من إقامة
الحجج فليس بحثا عن الحقّ فيها فالتّعليل [1] بالدّليل بعد أن لم يكن
معلوما هو شأن الفلسفة بل إنّما هو التماس حجّة عقليّة تعضد عقائد
الإيمان ومذاهب السّلف فيها وتدفع شبه أهل البدع عنها الّذين زعموا أنّ
مداركهم فيها عقليّة. وذلك بعد أن تفرض صحيحة بالأدلّة النّقليّة كما
تلقّاها السّلف واعتقدوها وكثير ما بين المقامين. وذلك أنّ مدارك صاحب
الشّريعة أوسع لاتّساع نطاقها عن مدارك الأنظار العقليّة فهي فوقها
ومحيطة بها لاستمدادها من الأنوار الإلهيّة فلا تدخل تحت قانون النّظر
الضّعيف والمدارك المحاط بها. فإذا هدانا الشّارع إلى مدرك فينبغي أن
نقدّمه على مداركنا ونثق به دونها ولا ننظر في تصحيحه بمدارك العقل ولو
عارضه بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادا وعلما ونسكت عمّا لم نفهم من ذلك
ونفوّضه إلى الشّارع ونعزل العقل عنه.
والمتكلّمون إنّما دعاهم إلى ذلك كلام أهل الإلحاد في معارضات العقائد
السّلفيّة بالبدع النّظريّة فاحتاجوا إلى الرّدّ عليهم من جنس
معارضاتهم واستدعى ذلك الحجج النّظريّة ومحاذاة العقائد السّلفيّة بها
وأمّا النّظر في مسائل الطّبيعيّات والإلهيّات بالتّصحيح والبطلان فليس
من موضوع علم الكلام ولا من جنس أنظار المتكلّمين. فاعلم ذلك لتميّز به
بين الفنّين فإنّهما مختلطان عند المتأخّرين في الوضع والتّأليف والحقّ
مغايرة كلّ منهما لصاحبه بالموضوع والمسائل وإنّما جاء الالتباس من
اتّحاد المطالب عند الاستدلال وصار احتجاج أهل الكلام كأنّه إنشاء لطلب
الاعتداد بالدّليل وليس كذلك بل إنّما هو ردّ على الملحدين والمطلوب
مفروض الصّدق معلومه. وكذا جاء المتأخّرون من غلاة المتصوّفة
المتكلّمين بالمواجد أيضا فخلطوا مسائل الفنّين بفنّهم وجعلوا الكلام
واحدا فيها كلّها مثل كلامهم في النّبوءات والاتّحاد والحلول والوحدة
وغير ذلك. والمدارك في هذه
__________
[1] وفي نسخة أخرى: ليعلم.
(1/654)
الفنون الثّلاثة متغايرة مختلفة وأبعدها من
جنس الفنون والعلوم مدارك المتصوّفة لأنّهم يدّعون فيها الوجدان
ويفرّون عن الدّليل والوجدان بعيد عن المدارك العلميّة وأبحاثها [1]
وتوابعها كما بيّنّاه ونبيّنه. والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم
والله أعلم بالصّواب.
الفصل الثامن والعشرون في علوم السحر
والطلسمات
وهي علوم بكيفيّة استعدادات تقتدر النّفوس البشريّة بها على التّأثيرات
في عالم العناصر إمّا بغير معين أو بمعين من الأمور السّماويّة والأوّل
هو السّحر والثّاني هو الطّلسمات ولمّا كانت هذه العلوم مهجورة عند
الشّرائع لما فيها من الضّرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله
من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين النّاس. إلّا ما وجد في كتب
الأمم الأقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السّلام مثل النّبط
والكلدانيّين فإنّ جميع من تقدّمه من الأنبياء لم يشرعوا الشّرائع ولا
جاءوا بالأحكام إنّما كانت كتبهم مواعظ وتوحيدا للَّه وتذكيرا بالجنّة
والنّار وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السّريانيّين والكلدانيّين
وفي أهل مصر من القبط وغيرهم. وكان لهم فيها التّآليف والآثار ولم
يترجم لنا من كتبهم فيها إلّا القليل مثل الفلاحة النّبطيّة من أوضاع
أهل بابل فأخذ النّاس منها هذا العلم وتفنّنوا فيه ووضعت بعد ذلك
الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السّبعة وكتاب طمطم الهنديّ في صور الدّرج
والكواكب وغيرها. ثمّ ظهر بالمشرق جابر بن حيّان كبير السّحرة في هذه
الملّة فتصفّح كتب القوم واستخرج الصّناعة وغاص في زبدتها واستخرجها
ووضع فيها غيرها من التّآليف وأكثر الكلام فيها وفي صناعة
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: وأنحائها
(1/655)
السّيمياء [1] لأنّها من توابعها لأنّ
إحالة الأجسام النّوعيّة من صورة إلى أخرى إنّما يكون بالقوّة
النّفسيّة لا بالصّناعة العمليّة فهو من قبيل السّحر كما نذكره في
موضعه. ثمّ جاء مسلمة بن أحمد المجريطيّ إمام أهل الأندلس في التّعاليم
والسّحريّات فلخّص جميع تلك الكتب وهذّبها وجمع طرقها في كتابه الّذي
سمّاه غاية الحكيم ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده. ولتقدّم هنا مقدّمة
يتبيّن بها حقيقة السّحر وذلك أنّ النّفوس البشريّة وإن كانت واحدة
بالنّوع فهي مختلفة بالخواصّ وهي أصناف كلّ صنف مختصّ بخاصيّة واحدة
بالنّوع لا توجد في الصّنف الآخر. وصارت تلك الخواصّ فطرة وجبلّة
لصنفها فنفوس الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام لها خاصيّة تستعدّ بها
للانسلاخ من الروحانيّة البشريّة إلى الروحانيّة الملكيّة حتّى يصير
ملكا في تلك اللمحة الّتي انسلخت فيها، وهذا هو معنى الوحي كما مرّ في
موضعه، وهي في تلك الحالة محصلة للمعرفة الرّبّانيّة ومخاطبة الملائكة
عليهم السّلام عن الله سبحانه وتعالى كما مرّ. وما يتّسع [2] في ذلك من
التّأثير في الأكوان ونفوس السّحرة لها خاصة التّأثير في الأكوان
واستجلاب روحانيّة الكواكب للتّصرّف فيها والتّأثير بقوّة نفسانيّة أو
شيطانيّة. فأمّا تأثير الأنبياء فمدد إلهيّ وخاصّيّة ربّانيّة ونفوس
الكهنة لها خاصيّة الاطّلاع على المغيّبات بقوى شيطانيّة. وهكذا كلّ
صنف مختصّ بخاصّيّة لا توجد في الآخر.
والنّفوس السّاحرة على مراتب ثلاث يأتي شرحها فأوّلها المؤثّرة بالهمّة
فقط من غير آلة ولا معين وهذا هو الّذي تسمّيه الفلاسفة السّحر
والثّاني بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواصّ الأعداد ويسمّونه
الطّلسمات وهو أضعف رتبة من الأوّل والثّالث تأثير في القوى المتخيّلة.
يعمد صاحب هذا التّأثير إلى القوى المتخيّلة فيتصرّف فيها بنوع من
التّصرّف ويلقي فيها أنواعا من الخيالات
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: الكيمياء.
[2] وفي نسخة أخرى: يتبع.
(1/656)
والمحاكاة وضورا ممّا يقصده من ذلك ثمّ
ينزلها إلى الحسّ من الرّائين بقوّة نفسه المؤثّرة فيه فينظر الرّاءون
كأنّها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك، كما يحكى عن بعضهم أنّه يري
البساتين والأنهار والقصور وليس هناك شيء من ذلك ويسمّى هذا عند
الفلاسفة الشّعوذة أو الشّعبذة. هذا تفصيل مراتبه ثمّ هذه الخاصّيّة
تكون في السّاحر بالقوّة شأن القوى البشريّة كلّها وإنّما تخرج إلى
الفعل بالرّياضة ورياضة السّحر كلّها إنّما تكون بالتّوجّه إلى الأفلاك
والكواكب والعوالم العلويّة والشّياطين بأنواع التّعظيم والعبادة
والخضوع والتّذلّل فهي لذلك وجهة إلى غير الله وسجود له. والوجهة إلى
غير الله كفر فلهذا كان السّحر كفرا والكفر من موادّه وأسبابه كما
رأيت. ولهذا اختلف الفقهاء في قتل السّاحر هل هو لكفره السّابق على
فعله أو لتصرّفه بالإفساد وما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان والكلّ
حاصل منه. ولمّا كانت المرتبتان الأوليان من السّحر لها حقيقة في
الخارج والمرتبة الأخيرة الثّالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في
السّحر هل هو حقيقة أو إنّما هو تخييل فالقائلون بأنّ له حقيقة نظروا
إلى المرتبتين الأوليين والقائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة
الثّالثة الأخيرة. فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنّما جاء من قبل
اشتباه هذه المراتب والله أعلم. واعلم أنّ وجود السّحر لا مرية فيه بين
العقلاء من أجل التّأثير الّذي ذكرناه وقد نطق به القرآن. قال الله
تعالى: «وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ
وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ من أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ
فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ به
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ به من أَحَدٍ إِلَّا
بِإِذْنِ الله 2: 102» [1] . وسحر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى
كان يخيّل إليه أنّه يفعله وجعل سحره في مشط ومشاقة وجفّ طلعة ودفن في
بئر ذروان فأنزل الله عزّ وجلّ عليه في المعوّذتين: «وَمن شَرِّ
النَّفَّاثاتِ في الْعُقَدِ 113: 4» [2] قالت عائشة رضي الله عنها:
«كان
__________
[1] سورة البقرة من الآية 102
[2] سورة الفلق الآية الرابعة.
(1/657)
لا يقرأ على عقدة من تلك العقد الّتي سحر
فيها إلّا انحلّت. وأمّا وجود السّحر في أهل بابل وهم الكلدانيّون من
النّبط والسّريانيّين فكثير ونطق به القرآن وجاءت به الأخبار وكان
للسّحر في بابل ومصر أزمان بعثة موسى عليه السّلام أسواق نافقة. ولهذا
كانت معجزة موسى من جنس ما يدّعون ويتاناغون فيه وبقي من آثار ذلك في
البراريّ [1] بصعيد مصر شواهد دالّة على ذلك ورأينا بالعيان من يصوّر
صورة الشّخص المسحور بخواصّ أشياء مقابلة لما نواه وحاوله موجودة
بالمسحور وأمثال تلك المعاني من أسماء وصفات في التّأليف والتّفريق.
ثمّ يتكلّم على تلك الصّورة الّتي أقامها مقام الشّخص المسحور عينا أو
معنى ثمّ ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من
الكلام السّوء ويعقد على ذلك المعنى في سبب أعدّه لذلك تفاؤلا بالعقد
واللّزام وأخذ العهد على من أشرك به من الجنّ في نفثه في فعله ذلك
استشعارا للعزيمة بالعزم. ولتلك البنية والأسماء السّيّئة روح خبيثة
تخرج منه مع النّفخ متعلّقة بريقه الخارج من فيه بالنّفث فتنزل عنها
أرواح خبيثة ويقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله السّاحر. وشاهدنا أيضا من
المنتحلين للسّحر وعمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلّم عليه في سرّه
فإذا هو مقطوع متخرّق. ويشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج
فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض. وسمعنا أنّ بأرض الهند لهذا
العهد من يشير إلى إنسان فيتحتّت [2] قلبه ويقع ميتا وينقلب عن قلبه
فلا يوجد في حشاه ويشير إلى الرّمانة وتفتح فلا يوجد من حبوبها شيء.
وكذلك سمعنا أنّ بأرض السّودان وأرض التّرك من يسحر السّحاب فيمطر
الأرض المخصوصة. وكذلك رأينا من عمل الطّلسمات عجائب في الأعداد
المتحابّة وهي ر ك ر ف د أحد العددين مائتان وعشرون والآخر مائتان
وأربعة وثمانون ومعنى المتحابّة أنّ
__________
[1] وفي نسخة أخرى: البرابي.
[2] وفي النسخة الباريسية: فينخب.
(1/658)
أجزاء كلّ واحد الّتي فيه من نصف وثلث وربع
وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان متساويا للعدد الآخر صاحبه فتسمّى لأجل
ذلك المتحابّة. ونقل أصحاب الطّلسمات أنّ لتلك الأعداد أثرا في الألفة
بين المتحابّين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان [1] أحدهما بطالع
الزّهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودّة وقبول ويجعل
طالع الثّاني سابع الأوّل ويضع على أحد التّمثالين أحد العددين والآخر
على الآخر. ويقصد بالأكثر الّذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري
الأكثر كميّة أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التّألّف العظيم بين
المتحابّين ما لا يكاد ينفكّ أحدهما عن الآخر. قاله صاحب الغاية وغيره
من أئمّة هذا الشّأن وشهدت له التّجربة. وكذا طابع الأسد ويسمّى أيضا
طابع الحصى وهو أن يرسم في قالب (هند إصبع) صورة أسد شائلا ذنبه عاضّا
على حصاة قد قسمها بنصفين وبين يديه صورة حيّة منسابة من رجليه إلى
قبالة وجهه فاغرة فاها فيه وعلى ظهره صورة عقرب تدبّ. ويتحيّن برسمه
حلول الشّمس بالوجه الأوّل أو الثّالث من الأسد بشرط صلاح النّيّرين
وسلامتهما من النّحوس.
فإذا وجد ذلك وعثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من
الذّهب وغمس بعد في الزّعفران محلولا بماء الورد ورفع في خرقة حرير
صفراء فإنّهم يزعمون أنّ لممسكه من العزّ على السّلاطين في مباشرتهم
وخدمتهم وتسخيرهم له ما لا يعبّر عنه. وكذلك للسّلاطين فيه من القوّة
والعزّ على من تحت أيديهم. ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشّأن في الغاية
وغيرها وشهدت له التّجربة. وكذلك وفق المسدّس المختصّ بالشّمس ذكروا
أنّه يوضع عند حلول الشّمس في شرفها وسلامتها من النّحوس وسلامة القمر
بطالع ملوكيّ يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطّالع نظر مودّة وقبول
ويصلح فيه ما يكون من مواليد الملوك من الأدلّة الشّريفة ويرفع في خرقة
حرير صفراء بعد أن يغمس في الطّيب. فزعموا أنّ
__________
[1] وفي نسخة أخرى: تمثالان.
(1/659)
له أثرا في صحابة الملوك وخدمتهم
ومعاشرتهم. وأمثال ذلك كثير. وكتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطيّ هو
مدوّنة هذه الصّناعة وفيه استيفاؤها وكمال مسائلها وذكر لنا أنّ الإمام
الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك وسمّاه بالسّرّ المكتوم وأنّه
بالمشرق يتداوله أهله ونحن لم نقف عليه. والإمام لم يكن من أئمّة هذا
الشّأن فيما نظنّ ولعلّ الأمر بخلاف ذلك. وبالمغرب صنف من هؤلاء
المنتحلين لهذه الأعمال السّحريّة يعرفون بالبعّاجين وهم الّذين ذكرت
أوّلا أنّهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرّق ويشيرون إلى بطون
الغنم بالبعج فتنبعج. ويسمّى أحدهم لهذا العهد باسم البعّاج لأنّ أكثر
ما ينتحل من السّحر بعج الأنعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها وهم
مستترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكّام، لقيت منهم جماعة
وشاهدت من أفعالهم هذه بذلك وأخبروني أنّ لهم وجهة ورياضة خاصّة بدعوات
كفريّة وإشراك لرّوحانيّات الجنّ والكواكب، سطّرت فيها صحيفة عندهم
تسمّى الخزيريّة [1] يتدارسونها وأنّهم بهذه الرّياضة والوجهة يصلون
إلى حصول هذه الأفعال لهم وأنّ التّأثير الّذي لهم إنّما هو فيما سوى
الإنسان الحرّ [2] من المتاع والحيوان والرّفيق ويعبّرون عن ذلك بقولهم
إنّما نفعل فيما تمشي فيه الدّراهم أي ما يملك ويباع ويشترى من سائر
المتملّكات هذا ما زعموه. وسألت بعضهم فأخبرني به وأمّا أفعالهم فظاهرة
موجودة وقفنا على الكثير منها وعاينتها من غير ريبة في ذلك. هذا شأن
السّحر والطّلسمات وأثارهما في العالم فأمّا الفلاسفة ففرقوا بين
السّحر والطّلسمات بعد أن أثبتوا أنّهما جميعا أثر للنّفس الإنسانيّة
واستدلّوا على وجود الأثر للنّفس الإنسانيّة بأنّ لها آثارا في بدنها
على غير المجرى الطّبيعيّ وأسبابه الجسمانيّة بل آثار عارضة من كيفيّات
الأرواح تارة كالسّخونة الحادثة عن الفرح والسّرور ومن
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: الخنزيرية.
[2] وفي النسخة الباريسية: الإنسان والجن.
(1/660)
جهة التّصوّرات النّفسانيّة أخرى كالّذي
يقع من قبل التّوهّم. فإنّ الماشي على حرف حائط أو حبل منتصب إذا قوي
عنده توهّم السّقوط سقط بلا شكّ. ولهذا تجد كثيرا من النّاس يعوّدون
أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتّى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على
حرف الحائط والحبل المنتصب ولا يخافون السّقوط.
فثبت أنّ ذلك من آثار النّفس الإنسانيّة وتصوّرها للسّقوط من أجل
الوهم. وإذا كان ذلك أثرا للنّفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانيّة
الطّبيعيّة فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها
إلى الأبدان في ذلك النّوع من التّأثير واحدة لأنّها غير حالّة في
البدن ولا منطبعة فيه فثبت أنّها مؤثّرة في سائر الأجسام. وأمّا
التّفرقة عندهم بين السّحر والطّلسمات فهو أنّ السّحر لا يحتاج السّاحر
فيه إلى معين وصاحب الطّلسمات يستعين بروحانيّات الكواكب وأسرار
الأعداد وخواصّ الموجودات وأوضاع الفلك المؤثّرة في عالم العناصر كما
يقوله المنجّمون ويقولون: السّحر اتّحاد روح بروح والطّلسم اتّحاد روح
بجسم ومعناه عندهم ربط الطّبائع العلويّة السّماويّة بالطّبائع
السّفليّة، والطّبائع العلويّة هي روحانيّات الكواكب ولذلك يستعين
صاحبه في غالب الأمر بالنّجامة. والسّاحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو
مفطور عندهم على تلك الجبلّة المختصّة بذلك النّوع من التّأثير. والفرق
عندهم بين المعجزة والسّحر أنّ المعجزة قوّة إلهيّة تبعث على النّفس
ذلك التّأثير فهو مؤيّد بروح الله على فعله ذلك. والسّاحر إنّما يفعل
ذلك من لدن نفسه وبقوّته النّفسانيّة وبإمداد الشّياطين في بعض الأحوال
فبينهما الفرق في المعقوليّة والحقيقة والذّات في نفس الأمر وإنّما
نستدلّ نحن على التّفرقة بالعلامات الظّاهرة وهي وجود المعجزة لصاحب
الخير وفي مقاصد الخير وللنّفوس المتمحّصة [1] للخير والتّحدّي بها على
دعوى النّبوة. والسّحر إنّما يوجد لصاحب الشّرّ وفي أفعال الشّرّ في
الغالب من التّفريق بين الزّوجين وضرر الأعداء
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: المتمحضة.
(1/661)
وأمثال ذلك. وللنّفوس المتمحّصة للشّرّ.
هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيّين: وقد يوجد لبعض المتصوّفة
وأصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم وليس معدودا من جنس السّحر
وإنّما هو بالإمداد الإلهي لأنّ طريقتهم ونحلتهم من آثار النّبوة
وتوابعها ولهم في المدد الإلهيّ حفظ على قدر حالهم وإيمانهم وتمسّكهم
بكلمة الله [1] وإذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشّرّ لا يأتيها لأنّه
متقيّد فيما يأتيه يذره للأمر الإلهيّ. فما لا يقع لهم فيه الإذن لا
يأتونه بوجه ومن أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحقّ وربّما سلب حاله.
ولمّا كانت المعجزة بإمداد روح الله والقوى الإلهيّة فلذلك لا يعارضها
شيء من السّحر.
وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقّفت ما كانوا به
يأفكون وذهب سحرهم واضمحلّ كأن لم يكن. وكذلك لمّا أنزل على النّبيّ
صلّى الله عليه وسلّم في المعوّذتين وَمن شَرِّ النَّفَّاثاتِ في
الْعُقَدِ. 113: 4 قالت عائشة رضي الله عنها: «فكان لا يقرأها على عقدة
من العقد الّتي سحر فيها إلّا انحلّت» .
فالسّحر لا يثبت مع اسم الله وذكره بالهمّة الإيمانيّة وقد نقل
المؤرّخون أنّ زركش [2] كاويان وهي راية كسرى كان فيها الوفق المئينيّ
العدديّ منسوجا بالذّهب في أوضاع [3] فلكيّة رصدت لذلك الوفق. ووجدت
الرّاية يوم قتل رستم بالقادسيّة واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس
وشتاتهم. وهو فيما تزعم أهل الطّلسمات والأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب
وأنّ الرّاية الّتي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا. إلّا أنّ هذه
عارضها المدد الإلهيّ من إيمان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
وتمسّكهم بكلمة الله فانحلّ معها كلّ عقد سحريّ ولم يثبت ويطل ما كانوا
يعملون. وأمّا الشّريعة فلم تفرق بين السّحر والطّلسمات وجعلته كلّه
بابا واحدا محظورا. لأنّ الأفعال إنّما أباح لنا الشّارع منها ما
يهمّنا في ديننا
__________
[1] وفي النسخة الباريسية: بكلمة التوحيد.
[2] وفي النسخة الباريسية: درفش
[3] وفي النسخة الباريسية: طوالع.
(1/662)
الّذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الّذي
فيه صلاح دنيانا وما لا يهمّنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع
ضرر كالسّحر الحاصل ضرره بالوقوع ويلحق به الطّلسمات لأنّ أثرهما واحد
وكالنّجامة الّتي فيها نوع ضرر باعتقاد التّأثير فتفسد العقيدة
الإيمانيّة بردّ الأمور إلى غير الله فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على
نسبته في الضّرر. وإن لم يكن مهمّا علينا ولا فيه ضرر فلا أقلّ من تركه
قربة إلى الله فإنّ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. فجعلت
الشّريعة باب السّحر والطّلسمات والشّعوذة بابا واحدا لما فيها من
الضّرر وخصّته بالحظر والتّحريم.
وأمّا الفرق عندهم بين المعجزة والسّحر فالّذي ذكره المتكلّمون أنّه
راجع إلى التّحدّي وهو دعوى وقوعها على وفق ما ادّعاه. قالوا: والسّاحر
مصروف عن مثل هذا التّحدّي فلا يقع منه. ووقوع المعجزة على وفق دعوى
الكاذب غير مقدور لأنّ دلالة المعجزة على الصّدق عقليّة لأنّ صفة نفسها
التّصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصّادق كاذبا وهو محال فإذا لا
تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق. وأمّا الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما
ذكرناه فرق ما بين الخير والشّرّ في نهاية الطّرفين. فالسّاحر لا يصدر
منه الخير ولا يستعمل في أسباب الخير وصاحب المعجزة لا يصدر منه الشّرّ
ولا يستعمل في أسباب الشّرّ وكأنّهما على طرفي النّقيض في أصل فطرتهما.
والله يهدي من يشاء وهو القويّ العزيز لا ربّ سواه ومن قبيل هذه
التّأثيرات النّفسيّة الإصابة بالعين وهو تأثير من نفس المعيان عند ما
يستحسن بعينه مدركا من الذّوات أو الأحوال ويفرط في استحسانه وينشأ عن
ذلك الاستحسان حسد يروم معه سلب ذلك الشّيء عمّن اتّصف به فيؤثّر
فساده. وهو جبلّة فطريّة أعني هذه الإصابة بالعين. والفرق بينها وبين
التّأثيرات النفسانيّة أنّ صدوره فطريّ جبلي لا يتخلّف ولا يرجع اختيار
صاحبه ولا يكتسبه. وسائر التّأثيرات وإن كان منها ما لا يكتسب فصدورها
راجع إلى اختيار فاعلها والفطريّ منها قوّة صدورها ولهذا قالوا: القاتل
بالسّحر أو بالكرامة
(1/663)
يقتل والقاتل بالعين لا يقتل. وما ذلك إلّا
أنّه ليس ممّا يريده ويقصده أو يتركه وإنّما هو مجبور في صدوره عنه.
والله أعلم بما في الغيوب ومطّلع على ما في السّرائر.
الفصل التاسع والعشرون علم أسرار الحروف
وهو المسمّى لهذا العهد بالسيمياء. نقل وضعه من الطّلسمات إليه في
اصطلاح أهل التصرّف من المتصوّفة، فاستعمل استعمال العامّ في الخاصّ.
وحدث هذا العلم في الملّة بعد صدر منها، وعند ظهور الغلاة من المتصوّفة
وجنوحهم إلى كشف حجاب الحسّ، وظهور الخوارق على أيديهم والتّصرّفات في
عالم العناصر، وتدوين الكتب والاصطلاحات، ومزاعمهم في تنزّل الوجود عن
الواحد وترتيبه.
وزعموا أنّ الكمال الأسمائيّ مظاهره أرواح الأفلاك والكواكب، وأنّ
طبائع الحروف وأسرارها سارية في الأسماء، فهي سارية في الأكوان على هذا
النظام.
والأكوان من لدن الإبداع الأوّل تتنقّل في أطواره وتعرب عن أسراره،
فحدث لذلك علم أسرار الحروف، وهو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على
موضوعة ولا تحاط بالعدد مسائله. تعدّدت فيه تآليف البونيّ وابن العربيّ
وغيرهما ممّن اتّبع آثارهما. وحاصله عندهم وثمرته تصرّف النّفوس
الربّانيّة في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى والكلمات الإلهيّة الناشئة
عن الحروف المحيطة بالأسرار السّارية في الأكوان.
ثمّ اختلفوا في سرّ التصرّف الّذي في الحروف [1] بما هو: فمنهم من جعله
__________
[1] علق الهوريني على هذه العبارة بقوله: ترتيب طبائع الحروف عند
المغاربة غير ترتيب المشارقة.
ومنهم الغزالي. كما أن الجمل عندهم مخالف في ستة أحرف. فان الصاد عندهم
بستين والضاد بتسعين والسين المهملة بثلاثمائة والظاء بثمانمائة والغين
بتسعمائة والشين بألف. 1 هـ-.
(1/664)
للمزاج الّذي فيه، وقسّم الحروف بقسمة
الطّبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر.
واختصّت كلّ طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرّف في طبيعتها فعلا
وانفعالا بذلك الصنف: فتنوّعت الحروف بقانون صناعيّ يسمّونه التكسير
إلى ناريّة وهوائيّة ومائيّة وترابيّة على حسب تنوّع العناصر، فالألف
للنار والباء للهواء والجيم للماء والدال للتراب. ثمّ ترجع كذلك على
التوالي من الحروف والعناصر إلى أن تنفذ. فتعيّن لعنصر النار حروف
سبعة: الألف والهاء والطاء والميم والفاء والسين والذال، وتعيّن لعنصر
الهواء سبعة أيضا: الباء والواو والياء والنون والضاد والتاء والظاء،
وتعيّن لعنصر الماء أيضا سبعة: الجيم والزاي والكاف والصاد والقاف
والثاء والغين، وتعيّن لعنصر التراب أيضا سبعة: الدال والحاء واللّام
والعين والراء والخاء والشّين.
والحروف الناريّة لدفع الأمراض الباردة ولمضاعفة قوّة الحرارة حيث تطلب
مضاعفتها، إمّا حسّا أو حكما، كما في تضعيف قوى المرّيخ في الحروب
والقتل والفتك. والمائيّة أيضا لدفع الأمراض الحارّة من حمّيات وغيرها،
ولتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسّا أو حكما، كتضعيف قوى
القمر وأمثال ذلك.
ومنهم من جعل سرّ التصرّف الّذي في الحروف للنسبة العدديّة: فإنّ حروف
أبجد دالّة على أعدادها المتعارفة وضعا وطبعا فبينها من أجل تناسب
الأعداد تناسب في نفسها أيضا، كما بين الباء والكاف والراء لدلالتها
كلّها على الاثنين كلّ في مرتبته، فالباء على اثنين في مرتبة الآحاد،
والكاف على اثنين في مرتبة العشرات، والرّاء على اثنين في مرتبة
المئين. وكالّذي بينها وبين الدال والميم والتاء لدلالتها على الأربعة،
وبين الأربعة والاثنين نسبة الضّعف. وخرّج للأسماء أوفاق كما للأعداد
يختصّ كلّ صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الّذي يناسبه من حيث عدد
الشّكل أو عدد الحروف، وامتزج التصرّف من السرّ الحرفيّ
(1/665)
والسرّ العدديّ لأجل التناسب الّذي بينهما.
فأمّا سرّ التناسب الّذي بين هذه الحروف وأمزجة الطبائع، أو بين الحروف
والأعداد، فأمر عسير على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم والقياسات،
وإنّما مستندهم فيه الذّوق والكشف. قال البونيّ: ولا تظنّ أنّ سرّ
الحروف ممّا يتوصّل إليه بالقياس العقليّ، وإنّما هو بطريق المشاهدة
والتوفيق الإلهيّ. وأمّا التصرّف في عالم الطبيعة بهذه الحروف والأسماء
المركّبة فيها وتأثّر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم
تواترا. وقد يظنّ أنّ تصرّف هؤلاء وتصرّف أصحاب الطّلسمات واحد، وليس
كذلك، فإنّ حقيقة الطّلسم وتأثيره على ما حقّقه أهله أنّه قوى روحانيّة
من جوهر القهر، تفعل فيما له ركّب فعل غلبة وقهر، بأسرار فلكيّة ونسب
عدديّة وبخورات جالبات لروحانيّة ذلك الطّلسم، مشدودة فيه بالهمّة،
فائدتها ربط الطبائع العلويّة بالطبائع السّفليّة، وهو عندهم كالخميرة
المركّبة من هوائيّة وأرضيّة ومائيّة وناريّة حاصلة في جملتها، تخيّل
وتصرّف ما حصلت فيه إلى ذاتها وتقلبه إلى صورتها. وكذلك الإكسير
للأجسام المعدنيّة، كالخميرة تقلب المعدن الّذي تسري فيه إلى نفسها
بالإحالة. ولذلك يقولون: موضوع الكيمياء جسد في جسد لأنّ الإكسير
أجزاؤه كلّها جسدانيّة. ويقولون: موضوع الطّلسم روح في جسد لأنّه ربط
الطبائع العلويّة بالطّبائع السّفليّة. والطبائع السّفليّة جسد
والطبائع العلويّة روحانيّة. وتحقيق الفرق بين تصرّف أهل الطّلسمات
وأهل الأسماء، بعد أن تعلم أنّ التصرّف في عالم الطبيعة كلّه إنّما هو
للنفس الإنسانيّة والهمم البشريّة أنّ النفس الإنسانيّة محيطة بالطبيعة
وحاكمة عليها بالذات، إلّا أنّ تصرّف أهل الطّلسمات إنّما هو في
استنزال روحانيّة الأفلاك وربطها بالصّور أو بالنسب العدديّة، حتّى
يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة والقلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما
حصلت فيه. وتصرّف أصحاب الأسماء إنّما هو بما حصل لهم بالمجاهدة والكشف
من النّور الإلهيّ والإمداد الربّانيّ، فيسخّر
(1/666)
الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، ولا يحتاج
إلى مدد من القوى الفلكيّة ولا غيرها، لأنّ مدده أعلى منها.
ويحتاج أهل الطّلسمات إلى قليل من الرّياضة تفيد النفس قوّة على
استنزال روحانيّة الأفلاك. وأهون بها وجهة ورياضة. بخلاف أهل الأسماء
فإنّ رياضتهم هي الرياضة الكبرى، وليست لقصد التصرّف في الأكوان إذ هو
حجاب. وإنّما التصرّف حاصل لهم بالعرض، كرامة من كرامات الله لهم. فإن
خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله وحقائق الملكوت، الّذي هو نتيجة
المشاهدة والكشف، واقتصر على مناسبات الأسماء وطبائع الحروف والكلمات،
وتصرّف بها من هذه الحيثيّة وهؤلاء هم أهل السيمياء في المشهور- كأنّ
إذا لا فرق بينه وبين صاحب الطّلسمات، بل صاحب الطّلسمات أوثق منه
لأنّه يرجع إلى أصول طبيعيّة علميّة وقوانين مرتّبة. وأمّا صاحب أسرار
الأسماء إذا فاته الكشف الّذي يطّلع به على حقائق الكلمات وآثار
المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة، وليس له في العلوم الاصطلاحيّة
قانون برهانيّ يعوّل عليه يكون حاله أضعف رتبة. وقد يمزج صاحب الأسماء
قوى الكلمات والأسماء بقوى الكواكب، فيعيّن لذكر الأسماء الحسنى، أو ما
يرسم من أوفاقها، بل ولسائر الأسماء، أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب
الّذي يناسب ذلك الاسم، كما فعله البونيّ في كتابه الّذي سمّاه
الأنماط. وهذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائيّة. وهي برزخيّة
الكمال الأسمائيّ، وإنّما تنزّل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من
المناسبة.
وإثبات هذه المناسبة عندهم إنّما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب
الأسماء عن تلك المشاهدة، وتلقّى تلك المناسبة تقليدا، كأنّ عمله
بمثابة عمل صاحب الطّلسم، بل هو أوثق منه كما قلناه. وكذلك قد يمزج
أيضا صاحب الطّلسمات عمله وقوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلّفة من
الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات والكواكب، إلّا أنّ مناسبة
الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب
(1/667)
الأسماء من الاطّلاع في حال المشاهدة،
وإنّما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السّحريّة، من اقتسام الكواكب
لجميع ما في عالم المكوّنات، من جواهر وأعراض وذوات ومعان، والحروف.
والأسماء من جملة ما فيه.
فلكلّ واحد من الكواكب قسم منها يخصّه، ويبنون على ذلك مباني غريبة
منكرة من تقسيم سور القرآن وآيه على هذا النحو، كما فعله مسلمة
المجريطيّ في الغاية. والظّاهر من حال البونيّ في أنماطه أنّه اعتبر
طريقتهم. فإنّ تلك الأنماط إذا تصفّحتها، وتصفّحت الدّعوات الّتي
تضمّنتها، وتقسيمها على ساعات الكواكب السّبعة، ثمّ وقفت على الغاية،
وتصفّحت قيامات الكواكب الّتي فيها، وهي الدّعوات الّتي تختصّ بكلّ
كوكب، ويسمّونها قيامات الكواكب، أي الدعوة الّتي يقام له بها، شهد له
ذلك: إمّا بأنّه من مادّتها، أو بأنّ التناسب الّذي كان في أصل الإبداع
وبرزخ العلم قضى بذلك كلّه. «وَما أُوتِيتُمْ من الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلًا 17: 85» . وليس كلّ ما حرّمه الشّارع من العلوم بمنكر الثبوت،
فقد ثبت أنّ السحر حقّ مع حظره. لكنّ حسبنا من العلم ما علمنا.
ومن فروع علم السيمياء عندهم استخراج الأجوبة من الأسئلة، بارتباطات ش
بين الكلمات- حرفيّة، يوهمون أنّها أصل في معرفة ما يحاولون علمه من
الكائنات الاستقباليّة، وإنّما هي شبه المعاياة والمسائل السّيالة.
ولهم في ذلك كلام كثير من أدعيّة وأوراد. وأعجبه زايرجة العالم
للسّبتيّ، وقد تقدّم ذكرها. ونبيّن هنا ما ذكروه في كيفيّة العمل بتلك
الزايرجة بدائرتها وجدولها المكتوب حولها، ثمّ نكشف عن الحقّ فيها
وأنّها ليست من الغيب، وإنّما هي مطابقة بين مسألة وجوابها في الإفادة
فقط، وقد أشرنا إلى ذلك من قبل. وليس عندنا رواية يعوّل عليها في صحّة
هذه القصيدة إلّا أنّنا تحرّينا أصحّ النّسخ منها في ظاهر الأمر. والله
الموفّق بمنّه. وهي هذه:
(1/668)
يقول سبيتيّ ويحمد ربّه ... مصلّ على هاد
إلى النّاس أرسلا
محمّد المبعوث خاتم الأنبيا ... ويرضى عن الصّحب ومن لهم تلا
ألا هذه زايرجة العالم الّذي ... تراه بحيّكم وبالعقل قد حلا
فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه ... ويدرك أحكاما تدبّرها العلا
ومن أحكم الرّبط فيدرك قوّة ... ويدرك للتّقوى وللكلّ حصّلا
ومن أحكم التصريف يحكم سرّه ... ويعقل نفسه وصحّ له الولا
وفي عالم الأمر تراه محقّقا ... وهذا مقام من بالأذكار كملا
فهذي سرائر عليكم بكتمها ... أقمها دوائر وللحاء عدّلا
فطاء لها عرش وفيظ نقوشنا ... بنظم ونثر قد تراه مجدولا
ونسب دوائر كنسبة فلكها ... وارسم كواكبا لأدراجها العلا
وأخرج لأوتار وارسم حروفها ... وكوّر بمثله على حدّ من خلا
أقم شكل زيرهم وسوّ بيوته ... وحقّق بهامهم ونورهم جلا
وحصّل علوما للطّباع مهندسا ... وعلما لموسيقى والأرباع مثّلا
وسوّ لموسيقى وعلم حروفهم ... وعلم بآلات فحقّق وحصّلا
وسوّ دوائرها ونسب حروفها ... وعالمها أطلق والإقليم جدولا
أمير لنا فهو نهاية دولة ... زناتية آبت وحكم لها خلا
وقطر لأندلس فابن لهودهم ... وجاء بنو نصر وظفرهم تلا
ملوك وفرسان وأهل لحكمة ... فإن شئت نصّبهم وقطرهم حلا
ومهديّ توحيد بتونس حكمهم ... ملوك وبالشّرق بالأوفاق نزّلا
واقسم على القطر وكن متفقّدا ... فإن شئت للرّوم فبالحرّ شكّلا
ففنش وبرشنون الرّاء حرفهم ... وإفرنسهم دال وبالطّاء كمّلا
ملوك كناوة دلوا لقافهم ... وإعراب قومنا بترقيق أعملا
فهند حباشيّ وسند فهرمس ... وفرس ططاري وما بعدهم طلا
(1/669)
فقيصرهم جاء ويزدجردهم ... لكاف وقبطيهم
بلامه طوّلا
وعبّاس كلّهم شريف معظّم ... ولكنّ تركي بذا الفعل عطّلا
فإن شئت تدقيق الملوك وكلّهم ... فختّم بيوتا ثمّ نسب وجدولا
على حكم قانون الحروف وعلمها ... وعلم طبائعها وكلّه مثّلا
فمن علم العلوم تعلّم علمنا ... ويعلم أسرار الوجود وأكملا
فيرسخ علمه ويعرف ربّه ... وعلم ملاحيم بحاميم فصّلا
وحيث أتى اسم والعروض يشقّه ... فحكم الحكيم فيه قطعا ليقتلا
وتأتيك أحرف فسوّ لضربها ... وأحرف سيبويه تأتيك فيصلا
فمكّن بتنكير وقابل وعوّضن ... بترنيمك الغالي للأجزاء خلخلا
وفي العقد والمجزور يعرف غالبا ... وزد لمح وصفيه في العقل فعّلا
واختر لمطلع وسوّيه رتبة ... واعكس بجذريه وبالدور عدّلا؟
ويدركها المرء فيبلغ قصده ... وتعطي حروفها وفي نظمها انجلا
إذا كان سعد والكواكب أسعدت ... فحسبك في الملك ونيل اسمه العلا
وإيقاع دالهم بمرموز ثمّمة ... فنسب دنادينا تجد فيه منهلا
وأوتار زيرهم فللحاء بمّهم ... ومثناهم المثلّث بجيمه قد جلا
وأدخل بأفلاك وعدّل بجدول ... وأرسم أبا جاد وباقيه جملا
وجوّز شذوذ النو تجري ومثله ... أتى في عروض الشّعر عن جملة ملا
فأصل لديننا وأصل لفقهنا ... وعلم لنحونا فاحفظ وحصّلا
فادخل لفسطاط على الوفق جذره ... وسبّح باسمه وكبّر وهلّلا
فتخرج أبياتا وفي كلّ مطلب ... بنظم طبيعيّ وسرّ من العلا
وتفنى بحصرها كذا حكم عدّهم ... فعلم الفواتيح ترى فيه منهلا
فتخرج أبياتا وعشرون ضعّفت ... من الألف طبعيا فيا صاح جدولا
تريك صنائعا من الضرب أكملت ... فصح لك المنى وصح لك العلا
(1/670)
وسجّع بزيرهم وأثنى بنقرة ... أقمها دوائر
الزير وحصّلا
أقمها بأوفاق وأصل لعدّها ... من أسرار أحرفهم فعذبه سلسلا
43 ك 1 ك وك ح وأ هـ عم له ر لا سع كط 1 ل م ن ح ع ف ول
الكلام على استخراج نسبة الأوزان وكيفياتها
ومقادير المقابل منها وقوة الدرجة المتميزة بالنسبة إلى موضع المعلق من
امتزاج طبائع وعلم طب أو صناعة الكيميا
أيا طالبا للطبّ مع علم جابر ... وعالم مقدار المقادير بالولا
إذا شئت علم الطّبّ لا بدّ نسبة ... لأحكام ميزان تصادف منهلا
فيشفى عليلكم والإكسير محكم ... وأمزاج وضعكم بتصحيح انجلى
الطب الروحانيّ
وشئت إيلاوش 565 هـ ودهنه بحلا ... لبهرام برجيس وسبعة أكملا
لتحليل أوجاع البوارد صححوا ... كذلك والتركيب حيث تنقلا
كد منع مهم 355 وهح 6 صح لهاى ولمح 1 آ 1 وهح وى سكره لال ح مههت مههه
ع ع مى مر ح ح 2242 ل ك عا عر.
مطاريح الشعاعات في مواليد الملوك وبنيهم
وعلم مطاريح الشّعاعات مشكل ... وضلع قسيها بمنطقة جلا
ولكن في حج مقام إمامنا ... ويبدو إذا عرض الكواكب عدّلا
بدال مراكز بين طول وعرضها ... فمن أدرك المعنى علا ثمّ فوضلا
مواقع تربيع وسه مسقط ... لتسديسهم تثليث بيت الّتي تلا
(1/671)
يزاد لتربيع وهذا قياسه ... يقينا وجذّره
وبالعين أعملا
ومن نسبة الربعين ركب شعاعك ... بصاد وضعفه وتربيعه انجلى
اختص صح صح ع 8 سع وى هذا العمل هنا للملوك والقانون مطرد عمله ولم ير
أعجب منه.
مقامات الملوك المقام الأوّل 5 المقام الثاني ع ع والمقام الرابع للح
المقام الخامس لاى المقام السادس بير المقام السابع عره خط الاتصال
والانفصال خط الاتصال خط الانفصال الوتر للجميع وتابع الجرر التام
الاتصال والانفصال الواجب التام في الاتصالات إقامة الأنوار الجزر
المجيب في العمل إقامة السوال عن الملوك مقام الأولا نورعه ي مقام بها
هـ حج لا
الانفعال الروحانيّ والانقياد الرباني
أيا طالب السرّ لتهليل ربه ... لدى أسمائه الحسنى تصادف منهلا
تطيعك أخيار الأنام بقلبهم ... كذلك ريسهم وفي الشمس أعملا
(1/672)
ترى عامة النّاس إليك تقيّدوا ... وما قلته
حقا وفي الغير أهملا
طريقك هذا السيل والسبل الّذي ... أقوله غيركم ونصركموا اجتلى
إذا شئت تحيا في الوجود مع التقى ... ودينا متينا أو تكن متوصّلا
كذي النون والجنيد مع سرّ صنعة ... وفي سرّ بسطام أراك مسر بلا
وفي العالم العلويّ تكون محدّثا ... كذا قالت الهند وصوفيّة الملا
طريق رسول الله بالحقّ ساطع ... وما حكم صنع مثل جبريل أنزلا
فبطشك تهليل وقوسك مطلع ... ويوم الخميس البدء والأحد انجلى
وفي جمعة أيضا بالأسماء مثله ... وفي اثنين للحسنى تكون مكمّلا
وفي طائه سرّ في هائه إذا ... أراك بها مع نسبة الكلّ أعطلا
وساعة سعد شرطهم في نقوشها ... وعود ومصطكى بخور تحصّلا
وتتلو عليها آخر الحشر دعوة ... والإخلاص والسبع المثاني مرتّلا
(اتصال أنوار الكواكب) بلعاني لا هي ... ى لا ظ غ لدسع ق صح م ف وى
وفي يدك اليمنى حديد وخاتم ... وكل برأسك وفي دعوة فلا
وآية حشر فاجعل القلب وجهها ... واتلو إذا نام الأنام ورتّلا
هي السرّ في الأكوان لا شيء غيرها ... هي الآية العظمى فحقّق وحصّلا
تكون بها قطبا إذا جدت خدمة ... وتدرك أسرارا من العالم العلا
سري بها ناجي ومعروف قبله ... وباح بها الحلّاج جهرا فأعقلا؟
وكان بها الشّبليّ يدأب دائما ... إلى أن رقى فوق المريدين واعتلى
فصفّ من الأدناس قلبك جاهدا ... ولازم لاذكار وصم وتنقّلا
فما نال سرّ القوم إلّا محقّق ... عليم بأسرار العلوم محصّلا
(1/673)
مقامات المحبة وميل
النفوس والمجاهدة والطاعة والعبادة وحب وتعشق وفناء الفناء وتوجه
ومراقبة وخلة وأئمة
الانفعال الطبيعيّ
لبرجيس في المحبّة الوفق صرّفوا ... بقزدير أو نحاس الخلط أكملا
وقيل بفضة صحيحا رأيته ... فجعلك طالعا خطوطه ما علا
توخّ به زيادة النور للقمر ... وجعلك للقبول شمسه أصلا
ويومه والبخور عود لهندهم ... ووقت لساعة ودعوته ألا
ودعوته بغاية فهي أعملت ... وعن طسيمان دعوة ولها جلا
وقيل بدعوة حروف لوضعها ... بحرّ هواء أو مطالب أهلا
فتنقش أحرفا بدال ولأمها ... وذلك وفق للمربّع حصلا
إذا لم يكن يهوى هواك دلالها ... فدال ليبدو واو زينب معطلا
فحسن لبائه وبائهم إذا ... هواك وباقيهم قليلة جملا
ونقش مشاكل بشرط لوضعهم ... وما زدت أنسبه لفعلك عدّلا
ومفتاح مريم ففعلهما سوا ... فبوري وبسطامي بسورتها تلا
وجعلك بالقصد وكن متفقّدا ... أدلّة وحشي لقبضة ميلا
فاعكس بيوتها بألف ونيّف ... فباطنها سرّ وفي سرّها انجلا
فصل في المقامات للنهاية
لك الغيب صورة من العالم العلا ... وتوجدها دار أو ملبسها الحلا
ويوسف في الحسن وهذا شبيهه ... بنثر وترتيل حقيقة أنزلا
وفي يده طول وفي الغيب ناطق ... فيحكي إلى عود يجاوب بلبلا
وقد جن بهلول بعشق جمالها ... وعند تجليها لبسطام أخذلا
(1/674)
ومات أجليه وأشرب حبها ... جنيد وبصرى
والجسم أهملا
فتطلب في التهليل غايته ومن ... بأسمائه الحسنى بلا نسبة خلا
ومن صاحب الحسنى له الفوز بالمنى ... ويسهم بالزلفى لدى جيرة العلا
وتخبر بالغيب إذا جدت خدمة ... تريك عجائبا بمن كان موئلا
فهذا هو الفوز وحسن تناله ... ومنها زيادات لتفسيرها تلا
الوصية والتختم والإيمان والإسلام والتحريم
والاهلية
فهذا قصيدنا وتسعون عده ... وما زاد خطبة وختما وجدولا
عجبت لابيات وتسعون عدها ... تولد أبياتا وما حصرها انجلا
فمن فهم السرّ فيفهم نفسه ... ويفهم تفسيرا تشابه أشكلا
حرام وشرعيّ لإظهار سرّنا ... لناس وان خصوا وكان التأهّلا
فان شئت أهليه فغلّظ يمينهم ... وتفهم برحلة ودين تطوّلا
لعلك أن تنجو وسامع سرّهم ... من القطع والافشا فترأس بالعلا
فنجل لعباس لسره كاتم ... فنال سعادات وتابعه علا
وقام رسول الله في الناس خاطبا ... فمن يرأس عرشا فذلك أكملا
وقد ركب الأرواح أجساد مظهر ... فآلت لقتلهم بدق تطوّلا
إلى العالم العلويّ يفنى فناؤنا ... ويلبس أثواب الوجود على الولا
فقد تم نظمأ وصلى إلهنا ... على خاتم الرّسل صلاة بها العلا
وصلى إله العرش ذو المجد والعلا ... على سيّد ساد الأنام وكملا
محمد الهادي الشفيع إمامنا ... وأصحابه أهل المكارم والعلا
[؟] مرتبة ... عن الحله سرح أسع ح ح ... صحيح وتعديل الكواكب عند كل
تاريخ مطلوب س ك ل وو هـ لو طرح الأوتاد الكلية 2 4 4 4 أل هـ ح الأول
تم 48 س 4 5 4 ح [؟] ح كلمة الزايرجه
(1/675)
كيفية العمل في
استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول الله منقولا عمن لقيناه
من القائمين عليها
السّؤال له ثلاثمائة وستّون جوابا عدّة الدّرج، وتختلف الأجوبة عن سؤال
واحد في طالع مخصوص باختلاف الأسئلة المضافة إلى حروف الأوتار، وتناسب
العمل من استخراج الأحرف من بيت القصيد.
(تنبيه) - تركيب حروف الأوتار والجدول على ثلاثة أصول: حروف عربيّة
تنقل على هيئاتها، وحروف برسم الغبار. وهذه تتبدّل: فمنها ما ينقل على
هيئته متى لم تزد الأدوار عن أربعة، فإن زادت عن أربعة نقلت إلى
المرتبة الثّانية من مرتبة العشرات، وكذلك لمرتبة المئين على حسب العمل
كما سنبيّنه، ومنها حروف برسم الزّمام كذلك، غير أنّ رسم الزّمام يعطي
نسبة ثانية، فهي بمنزلة واحد ألف وبمنزلة عشرة، ولها نسبة من خمسة
بالعربيّ، فاستحقّ البيت من الجدول أن توضع فيه ثلاثة حروف في هذا
الرّسم وحرفان في الرّسم، فاختصروا من الجدول بيوتا خالية. فمتى كانت
أصول الأدوار زائدة على أربعة حسبت في العدد في طول الجدول، وإن لم تزد
على أربعة لم يحسب إلّا العامر منها.
والعمل في السّؤال يفتقر إلى سبعة أصول: عدّة حروف الأوّل حساب أدوارها
بعد طرحها، اثني عشر اثني عشر، وهي ثمانيّة أحرف في الكامل وستة في
الناقص أبدا. ومعرفة درج الطّالع وسلطان البرج، والدور الأكبر الأصليّ،
وهو واحد أبدا. وما يخرج من إضافة الطالع للدور الأصليّ، وما يخرج من
ضرب الطالع والدور في سلطان البرج. وإضافة سلطان البرج للطالع والعمل
جميعه ينتج عن ثلاثة أدوار مضروبة في أربعة، تكون اثني عشر دورا. ونسبة
هذه الثّلاثة
(1/676)
الأدوار الّتي هي كلّ دور من أربعة نشأة
ثلاثيّة، كلّ نشأة لها ابتداء. ثمّ إنّها تضرب أدوارا رباعيّة أيضا
ثلاثيّة. ثمّ إنّها من ضرب ستّة في اثنين، فكان لها نشأة، يظهر ذلك في
العمل. ويتبع هذه الأدوار الاثني عشر نتائج، وهي في الأدوار، إمّا أن
تكون نتيجة أو أكثر إلى ستّة.
فأوّل ذلك نفرض سؤالا عن الزايرجة، هل هي علم قديم، أو محدث بطالع أوّل
درجة من القوس أثناء حروف الأوتار؟ ثمّ حروف السّؤال. فوضعنا حروف وتر
رأس القوس ونظيره من رأس الجوزاء. وثالثه وتر رأس الدّلو إلى حدّ
المركز، وأضفنا إليه حروف السّؤال، ونظرنا عدّتها وأقلّ ما تكون
ثمانيّة وثمانين، وأكثر ما تكون ستّة وتسعين، وهي جملة الدور الصّحيح،
فكانت في سؤالنا ثلاثة وتسعين. ويختصر السّؤال إن زاد عن ستة وتسعين،
بأن يسقط جميع أدواره الاثني عشريّة، ويحفظ ما خرج منها وما بقي، فكانت
في سؤالنا سبعة أدوار، الباقي تسعة، أثبتها في الحروف ما لم يبلغ
الطالع اثنتي عشرة درجة، فإن بلغها لم تثبت لها عدّة ولا دور.
ثمّ تثبت أعدادها أيضا إن زاد الطّالع عن أربعة وعشرين في الوجه
الثالث، ثمّ تثبت الطالع وهو واحد، وسلطان الطّالع وهو أربعة، والدور
الأكبر وهو واحد، واجمع ما بين الطّالع والدور وهو اثنان في هذا
السّؤال، واضرب ما خرج منهما في سلطان البرج يبلغ ثمانيّة، وأضف
السّلطان للطّالع فيكون خمسة، فهذه سبعة أصول. فما خرج من ضرب الطّالع
والدّور الأكبر في سلطان القوس، ممّا لم يبلغ اثني عشر فيه تدخل في ضلع
ثمانيّة من أسفل الجدول صاعدا، وإن زاد على اثني عشر طرح أدوارا، وتدخل
بالباقي في ضلع ثمانية، وتعلّم على منتهى العدد والخمسة المستخرجة من
السّلطان والطالع، يكون الطّالع في ضلع السّطح المبسوط الأعلى من
الجدول، وتعدّ متواليا خمسات أدوارا، وتحفظها إلى أن يقف العدد على حرف
من أربعة، وهي ألف أو باء أو جيم أو زاي. فوقع العدد في عملنا
(1/677)
على حرف الألف وخلف ثلاثة أدوار، فضربنا
ثلاثة في ثلاثة كانت تسعة، وهو عدد الدور الأوّل. فأثبته واجمع ما بين
الضّلعين: القائم والمبسوط يكن في بيت ثمانية في مقابلة البيوت العامرة
بالعدد من الجدول، وإن وقف في مقابلة الخالي من بيوت الجدول على أحدها،
فلا يعتبر وتستمرّ على أدوارك. وأدخل بعدد ما في الدور الأوّل، وذلك
تسعة في صدر الجدول ممّا يلي البيت الّذي اجتمعا فيه، وهي ثمانية،
مارّا إلى جهة اليسار، فوقع على حرف لام ألف ولا يخرج منها أبدا حرف
مركّب. وإنّما هو إذن حرف تاء أربعمائة برسم الزّمام، فعلّم عليها بعد
نقلها من بيت القصيد، واجمع عدد الدور للسلطان يبلغ ثلاثة عشر، أدخل
بها في حروف الأوتار، وأثبت ما وقع عليه العدد وعلّم عليه من بيت
القصيد.
ومن هذا القانون تدري كم تدور الحروف في النظم الطبيعيّ، وذلك أن تجمع
حروف الدور الأوّل وهو تسعة لسلطان البرج وهو أربعة تبلغ ثلاثة عشر،
أضعفها بمثلها تكون ستّة وعشرين، أسقط منها درج الطالع وهو واحد في هذا
السّؤال الباقي خمسة وعشرون.
فعلى ذلك يكون نظم الحروف الأول، ثمّ ثلاثة وعشرون مرّتين، ثمّ اثنان
وعشرون مرّتين، على حسب هذا الطرح إلى أن ينتهي للواحد من آخر البيت
المنظوم. ولا تقف على أربعة وعشرين لطرح ذلك الواحد أوّلا. ثمّ ضع
الدور الثاني وأضف حروف الدور الأوّل إلى ثمانية، الخارجة من ضرب
الطالع والدور في السّلطان تكن سبعة عشر الباقي خمسة. فاصعد في ضلع
ثمانيّة بخمسة من حيث انتهيت في الدور الأوّل وعلّم عليه، وأدخل في صدر
الجدول بسبعة عشر، ثمّ بخمسة. ولا تعدّ الخالي، والدّور عشرون، فوجدنا
حرف ثاء خمسمائة، وإنّما هو نون لأنّ دورنا في مرتبة العشرات، فكانت
الخمسمائة بخمسين لأنّ دورها سبعة عشر فلو لم تكن سبعة عشر لكانت مئين.
فأثبت نونا ثمّ أدخل بخمسة أيضا من أوّله. وانظر ما حاذى ذلك من السّطح
تجد واحدا، فقهقر العدد واحدا يقع على
(1/678)
خمسة، أضف لها واحدا لسطح تكن ستّة. أثبت
واوا وعلّم عليها من بيت القصيد أربعة، وأضفها للثمانية الخارجة من ضرب
الطّالع مع الدور في السلطان تبلغ اثني عشر، أضف لها الباقي من الدور
الثاني وهو خمسة تبلغ سبعة عشر، وهو ما للدور الثاني. فدخلنا بسبعة عشر
في حروف الأوتار، فوقع العدد على واحد. أثبت الألف وعلّم عليها من بيت
القصيد وأسقط من حروف الأوتار ثلاثة حروف عدّة الخارج من الدور الثاني،
وضع الدور الثالث وأضف خمسة إلى ثمانية تكن ثلاثة عشر، الباقي واحد.
انقل الدور في ضلع ثمانية بواحد وأدخل في بيت القصيد بثلاثة عشر، وخذ
ما وقع عليه العدد وهو (ق) وعلّم عليه. وأدخل بثلاثة عشر في حروف
الأوتار وأثبت ما خرج، وهو سين، وعلّم عليه من بيت القصيد، ثمّ أدخل
ممّا يلي السين الخارجة بالباقي من دور ثلاثة عشر وهو واحد، فخذ ممّا
يلي حرف سين من الأوتار فكان (ب) أثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد.
وهذا يقال له: الدور المعطوف، وميزانه صحيح، وهو أن تضعّف ثلاثة عشر
بمثلها، وتضيف إليها الواحد الباقي من الدور تبلغ سبعة وعشرين، وهو حرف
باء المستخرج من الأوتار من بيت القصيد. وأدخل في صدر الجدول بثلاثة
عشر، وانظر ما قابله من السّطح وأضعفه بمثله، وزد عليه الواحد الباقي
من ثلاثة عشر، فكان حرف جيم، وكانت للجملة سبعة، فذلك حرف زاي فأثبتناه
وعلّمنا عليه من بيت القصيد. وميزانه أن تضعّف السبعة بمثلها وزد عليها
الواحد الباقي من ثلاثة عشر يكن خمسة عشر، وهو الخامس عشر من بيت
القصيد وهذا آخر أدوار الثلاثيّات، وضع الدور الرابع وله من العدد تسعة
بإضافة الباقي من الدور السّابق، فاضرب الطالع مع الدور في السّلطان،
وهذا الدور آخر العمل في البيت الأوّل من الرّباعيّات.
فاضرب على حرفين من الأوتار واصعد بتسعة في ضلع ثمانية وأدخل بتسعة من
دور الحرف الّذي أخذته آخرا من بيت القصيد، فالتّاسع حرف راء، فأثبته
(1/679)
وعلّم عليه. وأدخل في صدر الجدول بتسعة
وانظر ما قابلها من السّطح يكون (ج) ، قهقر العدد واحدا يكون ألف وهو
الثاني من حرف الراء من بيت القصيد فأثبته وعلّم عليه. وعدّ ممّا يلي
الثاني تسعة يكون ألف أيضا أثبته وعلّم عليه وأضرب على حرف من الأوتار،
وأضعف تسعة بمثلها تبلغ ثمانية عشر، أدخل بها في حروف الأوتار تقف على
حرف راء، أثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين. وأدخل
بثمانية عشر في حروف الأوتار تقف على (س) أثبتها وعلّم عليها اثنين،
وأضف اثنين إلى تسعة تكون أحد عشر. أدخل في صدر الجدول بأحد عشر
تقابلها من السّطح ألف أثبتها وعلّم عليها ستّة، وضع الدور الخامس
وعدّته سبعة عشر الباقي خمسة. اصعد بخمسة في ضلع ثمانية واضرب على
حرفين من الأوتار وأضعف خمسة بمثلها، وأضفها إلى سبعة عشر عدد دورها
الجملة سبعة وعشرون، أدخل بها في حروف الأوتار تقع على (ب) أثبتها
وعلّم عليها اثنين وثلاثين واطرح من سبعة عشر اثنين الّتي هي في أسّ
اثنين وثلاثين الباقي خمسة عشر. أدخل في حروف الأوتار تقف على (ق)
أثبتها وعلّم عليها ستة وعشرين، وأدخل في صدر الجدول بست وعشرين تقف
على اثنين بالغبار، وذلك حرف (ب) أثبته وعلّم عليه أربعة وخمسين، وأضرب
على حرفين من الأوتار وضع الدور السادس، وعدّته ثلاثة عشر، الباقي منه
واحد، فتبين إذ ذاك أنّ دور النظم من خمسة وعشرين، فإنّ الأدوار خمسة
وعشرون وسبعة عشر وخمسة وثلاثة عشر وواحد، فاضرب خمسة في خمسة تكن خمسة
وعشرين، وهو الدور في نظم البيت، فانقل الدور في ضلع ثمانية بواحد.
ولكن لم يدخل في بيت القصيد بثلاثة عشر كما قدّمناه، لأنّه دور ثان من
نشأة تركيبيّة ثانية، بل أضفنا الأربعة الّتي من أربعة وخمسين الخارجة
على حروف (ب) من بيت القصيد إلى الواحد تكون خمسة، تضيف خمسة إلى ثلاثة
عشر الّتي للدور تبلغ ثمانية عشر، أدخل بها في صدر الجدول وخذ ما
قابلها من السّطح وهو ألف، أثبته وعلّم عليه من
(1/680)
بيت القصيد اثني عشر واضرب على حرفين من
الأوتار. ومن هذا الجدول تنظر أحرف السّؤال، فما خرج منها زده مع بيت
القصيد من آخره وعلّم عليه من حروف السؤال ليكون داخلا في العدد في بيت
القصيد، وكذلك تفعل بكلّ حرف بعد ذلك مناسبا لحروف السؤال، فما خرج
منها زده إلى بيت القصيد من آخره وعلّم عليه، ثمّ أضف إلى ثمانية عشر
ما علّمته على حرف الألف من الآحاد، فكان اثنين تبلغ الجملة عشرين.
أدخل بها في حروف الأوتار تقف على حرف راء، أثبته وعلّم عليه من بيت
القصيد، ستة وتسعين وهو نهاية الدور في الحرف الوتري. فاضرب على حرفين
من الأوتار وضع الدور السّابع، وهو ابتداء لمخترع ثان ينشأ من
الاختراعين. ولهذا الدور من العدد تسعة، تضيف لها واحدا تكون عشرة
للنّشأة الثانية، وهذا الواحد تزيده بعد إلى اثني عشر دورا، إذا كان من
هذه النّسبة، أو تنقصه من الأصل تبلغ الجملة خمسة عشر. فاصعد في ضلع
ثمانية وتسعين وأدخل في صدر الجدول بعشرة تقف على خمسمائة، وإنّما هي
خمسون، نون مضاعفة بمثلها، وتلك (ق) أثبتها وعلّم عليها من بيت القصيد
اثنين وخمسين، وأسقط من اثنين وخمسين اثنين، وأسقط تسعة الّتي للدور،
الباقي واحد وأربعون، فأدخل بها في حروف الأوتار تقف على واحد أثبته.
وكذلك أدخل بها في بيت القصيد تجد واحدا، فهذا ميزان هذه النشأة
الثانية فعلّم عليه من بيت القصيد علامتين. علامة على الألف الأخير
الميزانيّ، وأخرى على الألف الأولى فقط، والثانية أربعة وعشرون واضرب
على حرفين من الأوتار، وضع الدور الثامن وعدّته سبعة عشر الباقي خمسة،
أدخل في ضلع ثمانية وخمسين وأدخل في بيت القصيد بخمسة تقع على عين
بسبعين، أثبتها وعلّم عليها. وأدخل في الجدول بخمسة، وخذ ما قابلها من
السطح، وذلك واحد، أثبته وعلّم عليه من البيت ثمانية وأربعين، وأسقط
واحدا من ثمانية وأربعين للأس الثاني وأضف إليها خمسة، الدور. الجملة
اثنان وخمسون. أدخل بها في صدر الجدول تقف
(1/681)
على حرف (ب) غباريّة وهي مرتّبة مئينيّة
لتزايد العدد، فتكون مائتين وهي حرف راء، أثبتها وعلّم عليها من القصيد
أربعة وعشرين، فانتقل الأمر من ستّة وتسعين إلى الابتداء وهو أربعة
وعشرون، فأضف إلى أربعة وعشرين خمسة، الدور، وأسقط واحدا تكون الجملة
ثمانية وعشرين. أدخل بالنصف منها في بيت القصيد تقف على ثمانية، أثبت
(2) وعلّم عليها وضع الدور التاسع، وعدده ثلاثة عشر الباقي واحد، اصعد
في ضلع ثمانية بواحد. وليست نسبة العمل هنا كنسبتها في الدور السادس
لتضاعف العدد، ولأنّه من النشأة الثانية، ولأنّه أوّل الثلث الثالث من
مربّعات البروج وآخر الستّة الرابعة من المثلّثات. فاضرب ثلاثة عشر
الّتي للدور في أربعة الّتي هي مثلّثات البروج السّابقة، الجملة اثنان
وخمسون، أدخل بها في صدر الجدول تقف على حرف اثنين غباريّة، وإنّما هي
مئينيّة لتجاوزها في العدد عن مرتبتي الآحاد والعشرات، فأثبته مائتين
راء، وعلّم عليها من بيت القصيد ثمانية وأربعين، وأضف إلى ثلاثة عشر،
الدور، واحد الأسّ، وأدخل بأربعة عشر في بيت القصيد تبلغ ثمانية، فعلّم
عليها ثمانية وعشرين، واطرح من أربعة عشر سبعة يبقى سبعة اضرب على
حرفين من الأوتار، وأدخل بسبعة تقف على حرف لام، أثبته وعلّم عليه من
البيت. وضع الدور العاشر وعدده تسعة، وهذا ابتداء المثلّثة الرابعة،
واصعد في ضلع ثمانية بتسعة، تكون خلاء، فاصعد بتسعة ثانية تصير في
السابع من الابتداء. اضرب تسعة في أربعة لصعودنا بتسعتين، وإنّما كانت
تضرب في اثنين، وأدخل في الجدول بستّة وثلاثين تقف على أربعة زماميّة
وهي عشريّة، فأخذناها أحاديّة لقلّة الأدوار، فأثبت حرف دال، وإن أضفت
إلى ستة وثلاثين واحد الأسّ كان حدّها من بيت القصيد، فعلّم عليها، ولو
دخلت بالتّسعة لا غير من ضرب في صدر الجدول لوقف على ثمانية، فاطرح من
ثمانية أربعة الباقي أربعة وهو المقصود. ولو دخلت في صدر الجدول
بثمانية عشر الّتي هي تسعة في اثنين لوقف على واحد زماميّ وهو عشريّ،
فاطرح
(1/682)
منه اثنين تكرار التسعة، الباقي ثمانية
نصفها المطلوب. ولو دخلت في صدر الجدول بسبعة وعشرين بضربها في ثلاثة
لوقعت على عشرة زماميّة، والعمل واحد. ثمّ أدخل بتسعة في بيت القصيد
وأثبت ما خرج وهو ألف، ثمّ اضرب تسعة في ثلاثة الّتي هي مركّب تسعة
الماضية وأسقط واحدا وأدخل في صدر الجدول بستة وعشرين، وأثبت ما خرج
وهو مائتان بحرف راء وعلّم عليه من بيت القصيد ستة وتسعين. واضرب على
حرفين من الأوتار وضع الدور الحادي عشر وله سبعة عشر الباقي خمسة، اصعد
في ضلع ثمانية بخمسة وتحسب ما تكرّر عليه المشي في الدور الأوّل، وأدخل
في صدر الجدول بخمسة تقف على خال، فخذ ما قابله من السّطح وهو واحد،
فأدخل بواحد في بيت القصيد تكن سين، أثبته وعلّم عليه أربعة. ولو يكون
الوقف في الجدول على بيت عامر لأثبتنا الواحد ثلاثة. وأضعف سبعة عشر
بمثلها وأسقط واحدا وأضعفها بمثلها وزدها أربعة تبلغ سبعة وثلاثين،
أدخل بها في الأوتار تقف على ستّة أثبتها وعلّم عليها، وأضعف خمسة
بمثلها. وأدخل في البيت تقف على لام أثبتها وعلّم عليها عشرين، واضرب
على حرفين من الأوتار. وضع الدور الثاني عشر وله ثلاثة عشر الباقي
واحد، اصعد في ضلع ثمانية بواحد، وهذا الدور آخر الأدوار وآخر
الاختراعين وآخر المربّعات الثلاثيّة وآخر المثلّثات الرباعيّة.
والواحد في صدر الجدول يقع على ثمانين زماميّة، وإنّما هي آحاد ثمانية،
وليس معنا من الأدوار إلّا واحد، فلو زاد عن أربعة من مربّعات اثني عشر
أو ثلاثة من مثلّثات اثني عشر لكانت (ح) ، وإنّما هي (د) ، فأثبتها
وعلّم عليها من بيت القصيد أربعة وسبعين، ثمّ انظر ما ناسبها من السّطح
تكن خمسة، أضعفها بمثلها للأسّ تبلغ عشرة، أثبت (ى) وعلّم عليها، وانظر
في أيّ المراتب وقعت: وجدناها في الرابعة، دخلنا بسبعة في حروف
الأوتار، وهذا المدخل يسمّى التوليد الحرفيّ فكانت (ف) ، أثبتها وأضف
إلى سبعة واحد الدور، الجملة ثمانية. أدخل بها في الأوتار تبلغ (س)
(1/683)
أثبتها وعلّم عليها ثمانية، واضرب ثمانية
في ثلاثة الزائدة على عشرة الدور، فإنّها آخر مربّعات الأدوار
بالمثلّثات تبلغ أربعة وعشرين، أدخل بها في بيت القصيد وعلّم على ما
يخرج منها وهو مائتان وعلامتها ستّة وتسعون، وهو نهاية الدور الثاني في
الأدوار الحرفيّة، واضرب على حرفين من الأوتار وضع النتيجة الأولى ولها
تسعة. وهذا العدد يناسب أبدا الباقي من حروف الأوتار بعد طرحها أدوارا
وذلك تسعة، فاضرب تسعة في ثلاثة الّتي هي زائدة على تسعين من حروف
الأوتار، وأضف لها واحدا الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ ثمانية
وعشرين، فأدخل بها في حروف الأوتار تبلغ ألفا، أثبته وعلّم عليه ستّة
وتسعين. وإن ضربت سبعة الّتي هي أدوار الحروف التسعينيّة في أربعة وهي
الثلاثة الزائدة على تسعين، والواحد الباقي من الدور الثاني عشر كان
كذلك، واصعد في ضلع ثمانية بتسعة وأدخل في الجدول بتسعة تبلغ اثنين
زماميّة. واضرب تسعة فيما ناسب من السّطح، وذلك ثلاثة، وأضف لذلك سبعة،
عدد الأوتار الحرفيّة، واطرح واحدا الباقي من دور اثني عشر تبلغ ثلاثة
وثلاثين، أدخل بها في البيت تبلغ خمسة، فأثبتها وأضف تسعة بمثلها وأدخل
في صدر الجدول بثمانية عشر، وخذ ما في السّطح وهو واحد، أدخل به في
حروف الأوتار تبلغ (م) أثبته وعلّم عليه، واضرب على حرفين من الأوتار.
وضع النتيجة الثانية ولها سبعة عشر الباقي خمسة، فاصعد في ضلع ثمانية
بخمسة واضرب خمسة في ثلاثة الزائدة على تسعين تبلغ خمسة عشر، أضف لها
واحدا الباقي من الدور الثاني عشر تكن تسعة، وأدخل بستّة عشر في بيت
القصيد تبلغ (ت) أثبته وعلّم عليه أربعة وستّين، وأضف إلى خمسة الثلاثة
الزائدة على تسعين، وزد واحدا الباقي من الدور الثاني عشر يكن تسعة،
أدخل بها في صدر الجدول تبلغ ثلاثين زماميّة، وانظر ما في السّطح تجد
واحدا أثبته وعلّم عليه من بيت القصيد وهو التاسع أيضا من البيت، وأدخل
بتسعة في صدر الجدول تقف على ثلاثة وهي عشرات، فأثبت (لام) وعلّم
(1/684)
عليه وضع النتيجة الثالثة وعددها ثلاثة عشر
الباقي واحد. فانقل في ضلع ثمانية بواحد وأضف إلى ثلاثة عشر الثلاثة
الزائدة على التسعين، وواحد الباقي من الدور الثاني عشر تبلغ سبعة عشر،
وواحد النتيجة تكن ثمانية عشر، أدخل بها في حروف الأوتار تكن لا ما
أثبتها فهذا آخر العمل.
والمثال في هذا السّؤال السابق: أردنا أن نعلم أنّ هذه الزايرجة علم
محدث أو قديم، بطالع أوّل درجة من القوس، أثبتنا حروف الأوتار، ثمّ
حروف السّؤال، ثمّ الأصول، وهي عدّة الحروف ثلاثة وتسعون أدوارها سبعة
الباقي منها تسعة، الطالع واحد، سلطان القوس أربعة، الدور الأكبر واحد،
درج الطالع مع الدور اثنان، ضرب الطالع مع الدور في السلطان ثمانية،
إضافة السلطان للطالع خمسة بيت القصيد.
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن ... غرائب شك ضبطه الجد مثلا
حروف الأوتار: ص ط هـ ر ث ك هـ م ص ص ون ب هـ س أن ل م ن ص ع ف ص ور س
ك ل م ن ص ع ف ض ق ر س ت ث خ ذ ظ غ ش ط ى ع ح ص ر وح ر وح ل ص ك ل م ن
ص أب ج د هـ وز ح ط ى.
(حروف السؤال) أل ز أى ر ج ة ع ل م م ح د ث أم ق د ى م الدور الأوّل 9
الدور الثاني 17 الباقي 5 الدور الثالث 13 الباقي 1 الدور الرابع 9
الدور الخامس 17 الباقي 5 الدور السادس 13 الباقي 1 الدور السابع 9
الدور الثامن 17 الباقي 5 الدور التاسع 13 الباقي 1 الدور العاشر 13
الدور الحادي عشر 17 الباقي 5 الدور الثاني عشر 13 الباقي 1 النتيجة
الأولى 9 النتيجة الثانية 17 الباقي 5 النتيجة الثالثة 13 الباقي 1.
(1/685)
ف وز أوس ر ر أأ س أب أر ق أع أر ص ح ر ح ل
د أر س أل د ى وس ر أد م ن أل ل.
(1/686)
دورها على خمسة وعشرين ثم على ثلاثة وعشرين
مرّتين ثم على واحد وعشرين مرّتين إلى أن تنتهي إلى الواحد من آخر
البيت وتنقل الحروف جميعا والله أعلم ن ف ر وح ر وح أل ود س أد ر ر س ر
هـ أل د ر ى س وأ ن س د ر وأ ب لا أم ر ب وأ أل ع ل ل.
هذا آخر الكلام في استخراج الأجوبة من زايرجة العالم منظومة. وللقوم
طرائق أخرى من غير الزايرجة يستخرجون بها أجوبة المسائل غير منظومة.
وعندهم أنّ السرّ في استخراج الجواب منظوما من الزايرجة، إنّما هو
مزجهم بيت مالك بن وهيب وهو: سؤال عظيم الخلق البيت، ولذلك يخرج الجواب
على رويّة. وأمّا الطرق الأخرى فيخرج الجواب غير منظوم. فمن طرائقهم في
استخراج الأجوبة ما ننقله عن بعض المحقّقين منهم.
2- فصل في الاطلاع على الأسرار الخفية من جهة الارتباطات الحرفية
اعلم أرشدنا الله وإيّاك أنّ هذه الحروف أصل الأسئلة في كلّ قضيّة،
وإنّما تستنتج الأجوبة على تجزئته بالكليّة، وهي ثلاثة وأربعون حرفا
كما ترى والله علّام الغيوب أول أع ظ س أل م خ ى د ل ز ق ت أر ذ ص ف ن
غ ش أك ك ى ب م ض ب ح ط ل ج هـ د ن ل ث أ.
وقد نظّمها بعض الفضلاء في بيت جعل فيه كلّ حرف مشدّد من حرفين وسمّاه
القطب فقال:
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن ... غرائب شكّ ضبطه الجدّ مثلا
فإذا أردت استنتاج المسألة فاحذف ما تكرّر من حروفها وأثبت ما فضّل
منه. ثمّ احذف من الأصل وهو القطب لكلّ حرف فضل من المسألة حرفا
يماثله، وأثبت ما فضّل منه. ثمّ امزج الفضلين في سطر واحد تبدأ بالأوّل
من
(1/687)
فضله، والثاني من فضل المسألة. وهكذا إلى
أن يتمّ الفضلان أو ينفد أحدهما قبل الآخر، فتضع البقيّة على ترتيبها.
فإذا كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج موافقا لعدد حروف الأصل قبل
الحذف فالعمل صحيح، فحينئذ تضيف إليها خمس نونات لتعدّل بها الموازين
الموسيقيّة وتكمل الحروف ثمانية وأربعين حرفا، فتعمّر بها جدولا مربّعا
يكون آخر ما في السّطر الأوّل أوّل ما في السّطر الثاني، وتنقل البقيّة
على حالها، وهكذا إلى أن تتمّ عمارة الجدول. ويعود السطر الأوّل بعينه
وتتوالى الحروف في القطر على نسبة الحركة، ثمّ تخرج وتر كلّ حرف بقسمة
مربّعة على أعظم جزء يوجد له، وتضع الوتر مقابلا لحرفه، ثمّ تستخرج
النسب العنصريّة للحروف الجدوليّة، وتعرف قوّتها الطبيعيّة وموازينها
الرّوحانيّة وغرائزها النفسانيّة وأسوسها الأصليّة من الجدول الموضوع
لذلك، وهذه صورته:
(1/688)
ثمّ تأخذ وتر كلّ حرف بعد ضربه في أسوس
أوتاد الفلك الأربعة، واحذر ما يلي الأوتاد وكذلك السّواقط لأنّ نسبتها
مضطربة. وهذا الخارج هو أوّل رتب السّريان. ثمّ تأخذ مجموع العناصر
وتحطّ منها أسوس المولدات، يبقى أسّ عالم الخلق بعد عروضه للمدد
الكونيّة، فتحمل عليه بعض المجرّدات عن الموادّ وهي عناصر الأمداد،
يخرج أفق النّفس الأوسط، وتطرح أوّل رتب السّريان من مجموع العناصر
يبقى عالم التوسّط. وهذا مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركّبة.
ثمّ تضرب عالم التوسّط في أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى، فتحمل
عليه أوّل رتب السّريان، ثمّ تطرح من الرابع أوّل عناصر الأمداد
الأصليّ يبقى ثالث رتبة السّريان، فتضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة
أبدا في رابع مرتبة السّريان، يخرج أوّل عالم التفصيل، والثاني في
الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل، والثالث في الثالث يخرج ثالث عالم
التفصيل، والرابع في الرابع يخرج رابع عالم التفصيل. فتجمع عوالم
التفصيل وتحطّ من عالم الكلّ، تبقى العوالم المجرّدة، فتقسم على الأفق
الأعلى يخرج الجزء الأوّل، ويقسم المنكسر على الأفق الأوسط يخرج الجزء
الثاني، وما انكسر فهو الثالث، ويتعيّن الرابع هذا في الرّباعيّ. وإن
شئت أكثر من الرّباعي فتستكثر من عوالم التّفصيل ومن رتب السّريان ومن
الأوفاق بعد الحروف. والله يرشدنا وإياك. وكذلك إذا قسّم عالم التجريد
على أوّل رتب السّريان خرج الجزء الأوّل من عالم التركيب، وكذلك إلى
نهاية الرتبة الأخيرة من عالم الكون. فافهم وتدبّر والله المرشد
المعين.
ومن طريقهم أيضا في استخراج الجواب، قال بعض المحقّقين منهم: اعلم
أيّدنا الله وإيّاك بروح منه، أنّ علم الحروف جليل يتوصّل العالم به
لما لا يتوصّل بغيره من العلوم المتداولة بين العالم، وللعمل به شرائط
تلتزم. وقد يستخرج العالم أسرار الخليقة وسرائر الطّبيعة، فيطّلع بذلك
على نتيجتي
(1/689)
الفلسفة، أعني السّيميا وأختها، ويرفع له
حجاب المجهولات ويطّلع بذلك على مكنون خبايا القلوب. وقد شهدت جماعة
بأرض المغرب، ممّن اتّصل بذلك، فأظهر الغرائب وخرق العوائد وتصرّف في
الوجود بتأييد الله.
واعلم أنّ ملاك كلّ فضيلة الاجتهاد وحسن الملكة مع الصّبر، مفتاح كلّ
خير، كما أنّ الخرق والعجلة رأس الحرمان، فأقول: إذا أردت أن تعلم قوّة
كلّ حرف من حروف الفابيطوس أعني أبجد إلى آخر العدد، وهذا أوّل مدخل من
علم الحروف، فانظر ما لذلك الحرف من الأعداد، فتلك الدرجة الّتي هي
مناسبة للحرف هي قوّته في الجسمانيّات. ثمّ اضرب العدد في مثله تخرج لك
قوّته في الرّوحانيّات وهي وتره. وهذا في الحروف المنقوطة لا يتمّ بل
يتمّ لغير المنقوطة، لأنّ المنقوطة منها مراتب لمعان يأتي عليها البيان
فيما بعد.
واعلم أنّ لكلّ شكل من أشكال الحروف شكلا في العالم العلويّ أعني
الكرسيّ، ومنها المتحرّك والسّاكن والعلويّ والسّفليّ كما هو مرقوم في
أماكنه من الجداول الموضوعة في الزيارج.
واعلم أنّ قوى الحروف ثلاثة أقسام: الأوّل وهو أقلّها قوّة تظهر بعد
كتابتها، فتكون كتابته لعالم روحانيّ مخصوص بذلك الحرف المرسوم، فمتى
خرج ذلك الحرف بقوّة نفسانيّة وجمع همّة كانت قوى الحروف مؤثرة في عالم
الأجسام. الثاني قوّتها في الهيئة الفكريّة وذلك ما يصدر عن تصريف
الرّوحانيّات لها، فهي قوّة في الرّوحانيّات العلويّات، وقوّة شكليّة
في عالم الجسمانيّات. الثالث وهو يجمع الباطن، أعني القوّة النفسانيّة
على تكوينه، فتكون قبل النطق به صورة في النفس، بعد النطق به صورة في
الحروف وقوّة في النطق.
وأمّا طبائعها فهي الطبيعيّات المنسوبة للمتولّدات في الحروف وهي
الحرارة
(1/690)
واليبوسة، والحرارة والرطوبة والبرودة
واليبوسة والبرودة والرطوبة، فهذا سرّ العدد اليمانيّ، والحرارة جامعة
للهواء والنار وهما: (أهـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ) ، والبرودة جامعة
للهواء والماء (ب وى ن ص ت ض د ح ل ع ر خ غ) واليبوسة جامعة للنار
والأرض (أهـ ط م ف ش ذ ب وى ن ص ت ض) [1] فهذه نسبة حروف الطبائع
وتداخل أجزاء بعضها في بعض. وتداخل أجزاء العالم فيها علويّات وسفليّات
بأسباب الأمّهات الأوّل، أعني الطبائع الأربع المنفردة، فمتى أردت
استخراج مجهول من مسألة ما، فحقّق طالع السائل أو طالع مسألته وأستنطق
حروف أوتارها الأربعة: الأوّل والرابع والسابع والعاشر مستوية مرتّبة،
واستخرج أعداد القوى والأوتار كما سنبيّن، واحمل وانسب واستنتج الجواب
يخرج لك المطلوب، إمّا بصريح اللّفظ أو بالمعنى. وكذلك في كلّ مسألة
تقع لك. بيانه: إذا أردت أن تستخرج قوى حروف الطالع، مع اسم السّائل
والحاجة، فاجمع أعدادها بالجمّل الكبير، فكان الطالع الحمل رابعه
السرطان سابعه الميزان عاشره الجدي، وهو أقوى هذه الأوتاد، فأسقط من
كلّ برج حرفي التعريف، وانظر ما يخصّ كلّ برج من الأعداد المنطقة
الموضوعة في دائرتها، واحذف أجزاء الكسر في النسب الاستنطاقيّة كلّها
وأثبت تحت كلّ حرف ما يخصّه من ذلك، ثمّ أعداد حروف العناصر الأربعة
وما يخصّها كالأوّل. وارسم ذلك كلّه أحرفا ورتّب الأوتاد والقوى
والقرائن سطرا ممتزجا. وكسّر واضرب ما يضرب لاستخراج الموازين، واجمع
واستنتج الجواب يخرج لك الضمير وجوابه. مثاله افرض أنّ الطالع الحمل
كما تقدّم، ترسم (ح م ل) : فللحاء من العدد ثمانيّة لها النصف والربع
والثمن (د ب أ) الميم لها من العدد أربعون، لها النصف والربع والثمن
والعشر ونصف العشر إذا أردت التدقيق (م ك ى هـ د ب) اللّام لها من
العدد ثلاثون، لها النصف والثلثان والثلث والخمس والسدس والعشر
__________
[1] علق الهوريني هنا بقوله: لعل هذه عبارة بعض المشارقة. لأن هذا
ترتيب المشارقة. لا ترتيب المغاربة.
(1/691)
(ك ى وهـ ج) . وهكذا تفعل بسائر حروف
المسألة والاسم من كلّ لفظ يقع لك. وأمّا استخراج الأوتار فهو أن تقسم
مربّع كلّ حرف على أعظم جزء يوجد له. مثاله: حرف (د) له من الأعداد
أربعة مربّعها ستّة عشر، اقسمها على أعظم جزء يوجد لها وهو اثنان يخرج
وترا لدال ثمانية. ثمّ تضع كلّ وتر مقابلا لحرفه. ثمّ تستخرج النسب
العنصريّة، كما تقدّم في شرح الاستنطاق، ولها قاعدة تطّرد في استخراجها
من طبع الحروف وطبع البيت الّذي يحلّ فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن
عرف الاصطلاح. والله أعلم.
فصل في الاستدلال على ما في الضمائر الخفية
بالقوانين الحرفية
وذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ما علّته، وما الموافق لبرئه
منه، فمر السّائل أن يسمّي ما شاء من الأشياء على اسم العلّة المجهولة،
لتجعل ذلك الاسم قاعدة لك. ثمّ أستنطق الاسم مع اسم الطالع والعناصر
والسائل واليوم والساعة إن أردت التدقيق في المسألة، وإلّا اقتصرت على
الاسم الّذي سمّاه السّائل، وفعلت به كما نبيّن. فأقول مثلا: سمّى
السائل فرسا فأثبت الحروف الثلاثة مع أعدادها المنطقة. بيانه: أنّ
للفاء من العدد ثمانين ولها (م ك ي ح ب) ثمّ الرّاء لها من العدد
مائتان (ق ن ك ى) ثمّ السّين لها من العدد ستّون ولها (م ل ك) فالواو
عدد تام له (د ج ب) والسّين مثله ولها (م ل ك) . فإذا بسطت حروف
الأسماء وجدت عنصرين متساويين، فاحكم لأكثرهما حروفا بالغلبة على
الآخر، ثمّ احمل عدد حروف عناصر اسم المطلوب وحروفه دون بسط، وكذلك اسم
الطالب واحكم للأكثر والأقوى بالغلبة.
وصفة قوى استخراج العناصر [1] فتكون الغلبة هنا للتراب وطبعه البرودة،
واليبوسة طبع السوداء، فتحكم
__________
[1] بياض بالأصل مقدار ثلاثة أسطر.
(1/692)
على المريض بالسّوداء. فإذا ألفت من حروف
الاستنطاق كلاما على نسبة تقريبيّة خرج موضع الوجع في الحلق، ويوافقه
من الأدوية حقنة، ومن الأشربة شراب اللّيمون. هذا ما خرج من قوى أعداد
حروف اسم فرس وهو مثال تقريبيّ مختصر. وأمّا استخراج قوى العناصر من
الأسماء العلميّة فهو أن تسمي مثلا محمّدا، فترسم أحرفه مقطّعة، ثمّ
تضع أسماء العناصر الأربعة على ترتيب الفلك، يخرج لك ما في كلّ عنصر من
الحروف والعدد. ومثاله:
فتجد أقوى هذه العناصر من هذا الاسم المذكور عنصر الماء، لأنّ عدد
حروفه عشرون حرفا، فجعلت له الغلبة على بقيّة عناصر الاسم المذكور،
وهكذا يفعل بجميع الأسماء. حينئذ تضاف إلى أوتارها، أو للوتر المنسوب
للطّالع في الزايرجة، أو لوتر البيت المنسوب لمالك بن وهيب، الّذي جعله
قاعدة لمزج الأسئلة وهو هذا:
سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن ... غرائب شك ضبطه الجدّ مثلا
وهو وتر مشهور لاستخراج المجهولات، وعليه كان يعتمد ابن الرقّام
وأصحابه. وهو عمل تام قائم بنفسه في المثالات الوضعيّة. وصفة العمل
بهذا الوتر المذكور أن ترسمه مقطّعا ممتزجا بألفاظ السّؤال على قانون
صنعة التكسير.
(1/693)
وعدّة حروف هذا الوتر أعني البيت ثلاثة
وأربعون حرفا، لأنّ كلّ حرف مشدّد من حرفين.
ثمّ تحذف ما تكرّر عند المزج من الحروف ومن الأصل، لكلّ حرف فضل من
المسألة حرف يماثله، وتثبّت الفضلين سطرا ممتزجا بعضه ببعض الحروف.
الأوّل من فضلة القطب والثاني من فضلة السّؤال، حتّى يتمّ الفضلتان
جميعا، فتكون ثلاثة وأربعين، فتضيف إليها خمس نونات ليكون ثمانية
وأربعين، لتعدّل بها الموازين الموسيقيّة. ثمّ تضع الفضلة على ترتيبها
فإن كان عدد الحروف الخارجة بعد المزج يوافق العدد الأصليّ قبل الحذف
فالعمل صحيح، ثمّ عمّر بما مزجت جدولا مربّعا يكون آخر ما في السّطر
الأوّل أوّل ما في السّطر الثاني.
وعلى هذا النّسق حتى يعود السّطر الأوّل بعينه، وتتوالى الحروف في
القطر على نسبة الحركة. ثمّ تخرج وتر كلّ حرف كما تقدّم تضعه مقابلا
لحرفه، ثمّ تستخرج النّسب العنصريّة للحروف الجدوليّة، لتعرف قوّتها
الطبيعيّة وموازينها الروحانيّة وغرائزها النفسانيّة وأسوسها الأصليّة
من الجدول الموضوع لذلك.
وصفة استخراج النسب العنصريّة هو أن تنظر الحرف الأوّل من الجدول ما
طبيعته وطبيعة البيت الّذي حلّ فيه، فإن اتفقت فحسن، وإلّا فاستخرج بين
الحرفين نسبة. ويتّسع هذا القانون في جميع الحروف الجدوليّة. وتحقيق
ذلك سهل على من عرف قوانينه كما هو مقرّر في دوائرها الموسيقيّة. ثمّ
تأخذ وتر كلّ حرف بعد ضربه في أسوس أوتاد الفلك الأربعة كما تقدّم.
واحذر ما يلي الأوتاد. وكذلك السواقط لأنّ نسبتها مضطربة. وهذا الّذي
يخرج لك هو أوّل مراتب السريان. ثمّ تأخذ مجموع العناصر وتحطّ منها
أسوس المولّدات يبقى أسّ عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونيّة. فتحمل
عليه بعض المجرّدات عن الموادّ وهي عناصر الإمداد، يخرج أفق النفس
الأوسط. وتطرح أوّل رتب السريان من
(1/694)
مجموع العناصر يبقى عالم التّوسّط. وهذا
مخصوص بعوالم الأكوان البسيطة لا المركّبة. ثمّ تضرب عالم التوسّط في
أفق النفس الأوسط يخرج الأفق الأعلى، فتحمل عليه أوّل رتب السريان، ثمّ
تطرح من الرابع أوّل عناصر الإمداد الأصليّ يبقى ثالث رتبة السريان.
ثمّ تضرب مجموع أجزاء العناصر الأربعة أبدأ في رابع رتب السريان يخرج
أوّل عالم التفصيل، والثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل، وكذلك
الثالث والرابع، فتجمع عوالم التفصيل وتحطّ من عالم الكلّ، تبقى
العوالم المجرّدة، فتقسم على الأفق الأعلى يخرج الجزء الأوّل. ومن هنا
يطّرد العمل في التّامة. وله مقامات في كتب ابن وحشيّة والبونيّ
وغيرهما. وهذا التدبير يجري على القانون الطبيعيّ الحكميّ في هذا الفنّ
وغيره من فنون الحكمة الإلهيّة، وعليه مدار وضع الزيارج الحرفيّة
والصّنعة الإلهيّة والنيرجات الفلسفيّة.
والله الملهم وبه المستعان وعليه التكلان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
الفصل الثلاثون في علم الكيمياء
وهو علم ينظر في المادّة الّتي يتمّ بها كون الذّهب والفضّة بالصّناعة
ويشرح العمل الّذي يوصل إلى ذلك فيتصفّحون المكوّنات كلّها بعد معرفة
أمزجتها وقواها لعلّهم يعثرون على المادّة المستعدّة لذلك حتّى من
العضلات الحيوانيّة كالعظام والرّيش والبيض والعذرات فضلا عن المعادن.
ثمّ يشرح الأعمال الّتي تخرج بها تلك المادّة من القوّة إلى الفعل مثل
حلّ الأجسام إلى أجزائها الطّبيعيّة بالتّصعيد والتّقطير وجمد الذّائب
منها بالتّكليس وإمهاء الصّلب بالقهر والصّلابة وأمثال ذلك. وفي زعمهم
أنّه يخرج بهذه الصّناعات كلّها جسم طبيعيّ يسمّونه الإكسير.
وأنّه يلقى منه على الجسم المعدنيّ المستعدّ لقبول صورة الذّهب أو
الفضّة
(1/695)
بالاستعداد القريب من الفعل مثل الرّصاص
والقصدير والنّحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهبا إبريزا. ويكنون عن
ذلك الإكسير إذا ألغزوا في اصطلاحاتهم بالرّوح وعن الجسم الّذي يلقى
عليه بالجسد. فشرح هذه الاصطلاحات وصورة هذا العمل الصّناعيّ الّذي
يقلب هذه الأجساد المستعدّة إلى صورة الذّهب والفضّة هو علم الكيمياء.
وما زال النّاس يؤلّفون فيها قديما وحديثا. وربّما يعزى الكلام فيها
إلى من ليس من أهلها. وإمام المدوّنين فيها جابر بن حيّان حتّى إنّهم
يخصّونها به فيسمّونها علم جابر وله فيها سبعون رسالة كلّها شبيهة
بالألغاز.
وزعموا أنّه لا يفتح مقفلها إلّا من أحاط علما بجميع ما فيها.
والطّغراءيّ من حكماء المشرق المتأخّرين له فيها دواوين ومناظرات مع
أهلها وغيرهم من الحكماء. وكتب فيها مسلمة المجريطيّ من حكماء الأندلس
كتابه الّذي سمّاه رتبة الحكيم وجعله قرينا لكتابه الآخر في السّحر
والطّلسمات الّذي سمّاه غاية الحكيم. وزعم أنّ هاتين الصّناعتين هما
نتيجتان للحكمة وثمرتان للعلوم ومن لم يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم
والحكمة أجمع. وكلامه في ذلك الكتاب وكلامهم أجمع في تآليفهم هي ألغاز
يتعذّر فهمها على من لم يعان اصطلاحاتهم في ذلك. ونحن نذكر سبب عدو لهم
إلى هذه الرّموز والألغاز. ولابن المغيربيّ من أئمّة هذا الشّأن كلمات
شعريّة على حروف المعجم من أبدع ما يجيء في الشّعر ملغوزة كلّها لغز
الأحاجي والمعاياة فلا تكاد تفهم. وقد ينسبون للغزاليّ رحمه الله بعض
التّآليف فيها وليس بصحيح لأنّ الرّجل لم تكن مداركه العالية لتقف عن
خطإ ما يذهبون إليه حتّى ينتحله. وربّما نسبوا بعض المذاهب والأقوال
فيها لخالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الحكم ومن المعلوم البيّن
أنّ خالدا من الجيل العربيّ والبداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم
والصّنائع بالجملة فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنيّة على معرفة طبائع
المركّبات وأمزجتها وكتب النّاظرين في ذلك من الطّبيعيّات والطّبّ لم
تظهر بعد ولم تترجم اللهمّ إلّا أن
(1/696)
يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك
الصّناعيّة تشبّه باسمه فممكن. وأنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن
بشرون لأبي السّمح في هذه الصّناعة وكلاهما من تلاميذ مسلمة فيستدلّ من
كلامه فيها على ما ذهب إليه في شأنها إذا أعطيته حقّه من التّأمّل قال
ابن بشرون بعد صدر من الرّسالة خارج عن الغرض:
«والمقدّمات الّتي لهذه الصّناعة الكريمة قد ذكرها الأوّلون واقتصّ
جميعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين المعادن وتخلّق الأحجار والجواهر
وطباع البقاع والأماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها ولكن أبيّن لك من هذه
الصّنعة ما يحتاج إليه فتبدأ بمعرفته فقد قالوا: ينبغي لطلّاب هذا
العلم أن يعلموا أوّلا ثلاث خصال: أوّلها هل تكون؟ والثانية من أيّ
تكون؟ والثّالثة من أيّ كيف تكون؟
فإذا عرف هذه الثّلاثة وأحكمها فقد ظفر بمطلوبه وبلغ نهايته من هذا
العلم وأمّا البحث عن وجودها والاستدلال عن تكوّنها فقد كفيناكه بما
بعثنا به إليك من الإكسير. وأمّا من أيّ شيء تكون فإنّما يريدون بذلك
البحث عن الحجر الّذي يمكنه العمل وإن كان العمل موجودا من كلّ شيء
بالقوّة لأنّها من الطّبائع الأربع منها تركّبت ابتداء وإليها ترجع
انتهاء ولكنّ من الأشياء ما يكون فيه بالقوّة ولا يكون بالفعل وذلك أنّ
منها ما يمكن تفصيلها تعالج وتدبّر وهي الّتي تخرج من القوّة إلى الفعل
والّتي لا يمكن تفصيلها لا تعالج ولا تدبّر لأنّها فيها بالقوّة فقط
وإنّما لم يمكن تفصيلها لاستغراق بعض طبائعها في بعض وفضل قوّة الكبير
منها على الصّغير. فينبغي لك وفّقك الله أن تعرف أوفق الأحجار المنفضلة
الّتي يمكن فيها العمل وجنسه وقوّته وعمله وما يدبّر من الحلّ والعقد
والتنقية والتّكليس والتنشيف والتّقليب فإنّ من لم يعرف هذه الأصول
الّتي هي عماد هذه الصّنعة لم ينجح ولم يظفر بخير أبدا. وينبغي لك أن
تعلم هل يمكن أن يستعان عليه بغيره أو يكتفى به وحده وهل هو واحد في
الابتداء أو شاركه غيره فصار في التّدبير واحدا فسمّي حجرا. وينبغي لك
أن تعلم كيفيّة عمله وكميّة
(1/697)
أوزانه وأزمانه وكيف تركيب الرّوح فيه
وإدخال النّفس عليه؟ وهل تقدر النّار على تفصيلها منه بعد تركيبها؟ فإن
لم تقدر فلأيّ علّة وما السّبب الموجب لذلك؟
فإنّ هذا هو المطلوب فافهم. واعلم أنّ الفلاسفة كلّها مدحت النّفس
وزعمت أنّها المدبّرة للجسد والحاملة له والدّافعة عنه والفاعلة فيه.
وذلك أنّ الجسد إذا خرجت النّفس منه مات وبرد فلم يقدر على الحركة
والامتناع من غيره لأنّه لا حياة فيه ولا نور. وإنّما ذكرت الجسد
والنّفس لأنّ هذه الصّفات شبيهة بجسد الإنسان الّذي تركيبه على الغذاء
والعشاء وقوامه وتمامه بالنّفس الحيّة النّورانيّة الّتي بها يفعل
العظائم والأشياء المتقابلة الّتي لا يقدر عليها غيرها بالقوّة الحيّة
الّتي فيها. وإنّما انفعل الإنسان لاختلاف تركيب طبائعه ولو اتّفقت
طبائعه لسلمت من الأعراض والتّضادّ ولم تقدر النّفس على الخروج من بدنه
ولكان خالدا باقيا. فسبحان مدبّر الأشياء تعالى. واعلم أنّ الطّبائع
الّتي يحدث عنها هذا العمل كيفيّة دافعة في الابتداء فيضيّة محتاجة إلى
الانتهاء وليس لها إذا صارت في هذا الحدّ أن تستحيل إلى ما منه تركّبت
كما قلناه آنفا في الإنسان لأنّ طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا
وصارت شيئا واحدا شبيها بالنّفس في قوّتها وفعلها وبالجسد في تركيبه
ومجسّته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانها. فيا عجبا من أفاعيل
الطّبائع إنّ القوّة للضّعيف الّذي يقوى على تفصيل الأشياء وتركيبها
وتمامها فلذلك قلت قويّ وضعيف. وإنّما وقع التّعبير والفناء في
التّركيب الأوّل للاختلاف وعدم ذلك في الثّاني للاتّفاق. وقد قال بعض
الأوّلين التّفصيل والتّقطيع في هذا العمل حياة وبقاء والتّركيب موت
وفناء. وهذا الكلام دقيق المعنى لأنّ الحكيم أراد بقوله حياة وبقاء
خروجه من العدم إلى الوجود لأنّه ما دام على تركيبه الأوّل فهو فان لا
محالة فإذا ركّب التّركيب الثّاني عدم الفناء.
والتّركيب الثّاني لا يكون إلّا بعد التّفصيل والتّقطيع فإذا التّفصيل
والتّقطيع في هذا العمل خاصّة. فإذا بقي الجسد المحلول انبسط فيه لعدم
الصّورة لأنّه قد صار
(1/698)
في الجسد بمنزلة النّفس الّتي لا صورة لها
وذلك أنّه لا وزن له فيه وسترى ذلك إن شاء الله تعالى وقد ينبغي لك أن
تعلم أنّ اختلاط اللّطيف باللّطيف أهون من اختلاط الغليظ وإنّما أريد
بذلك التّشاكل في الأرواح والأجساد لأنّ الأشياء تتّصل بأشكالها. وذكرت
لك ذلك لتعلم أنّ العمل أوفق وأيسر من الطّبائع اللّطائف الرّوحانيّة
منها من الغليظة الجسمانيّة. وقد يتصوّر في العقل أنّ الأحجار أقوى
وأصبر على النّار من الأرواح كما ترى أنّ الذّهب والحديد والنّحاس أصبر
على النّار من الكبريت والزّئبق وغيرهما من الأرواح فأقول إنّ الأجساد
قد كانت أرواحا في بدنها فلمّا أصابها حرّ الكيان قلبها أجسادا لزجة
غليظة فلم تقدر النّار على أكلها لإفراط غلظها وتلزّجها. فإذا أفرطت
النّار عليها صيّرتها أرواحا كما كانت أوّل خلقها. وإنّ تلك الأرواح
اللّطيفة إذا أصابتها النّار أبقت ولم تقدر على البقاء عليها فينبغي لك
أن تعلم ما صيّر الأجساد في هذه الحالة وصيّر الأرواح في هذا الحال فهو
أجلّ ما تعرفه. أقول إنّما أبقت تلك الأرواح لاشتعالها ولطافتها.
وإنّما اشتعلت لكثرة رطوبتها ولأنّ النّار إذا أحسّت بالرّطوبة تعلّقت
بها لأنّها هوائيّة تشاكل النّار ولا تزال تغتذي بها إلى أن تفنى.
وكذلك الأجساد إذا أحسّت بوصول النّار إليها لقلّة تلزّجها وغلظها
وإنّما صارت تلك الأجساد لا تشتعل لأنّها مركّبة من أرض وماء صابر على
النّار فلطيفه متّحد بكثيفه لطول الطّبخ اللّين المازج للأشياء. وذلك
أنّ كلّ متلاش إنّما يتلاشى بالنّار لمفارقة لطيفه من كثيفه ودخول بعضه
في بعض على غير التّحليل والموافقة فصار ذلك الانضمام والتّداخل مجاورة
لا ممازجة فسهل بذلك افتراقهما كالماء والدّهن وما أشبههما. وإنّما
وصفت ذلك لتستدلّ به على تركيب الطّبائع وتقابلها فإذا علمت ذلك علما
شافيا فقد أخذت حظّك منها. وينبغي لك أن تعلم أنّ الأخلاط الّتي هي
طبائع هذه الصّناعة موافقة بعضها لبعض مفصّلة من جوهر واحد يجمعها نظام
واحد بتدبير واحد لا يدخل عليه غريب في الجزء منه ولا في الكلّ كما قال
الفيلسوف: إنّك إذا
(1/699)
أحكمت تدبير الطّبائع وتآليفها ولم تدخل
عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه وقوامه إذ الطّبيعة واحدة لا
غريب فيها فمن أدخل عليها غريبا فقد زاغ عنها ووقع في الخطإ. واعلم أنّ
هذه الطّبيعة إذا حلّ لها جسد من قرائنها على ما ينبغي في الحلّ حتّى
يشاكلها في الرّقّة واللّطافة انبسطت فيه وجرت معه حيثما جرى لأنّ
الأجساد ما دامت غليظة جافية لا تنبسط ولا تتزاوج وحلّ الأجساد لا يكون
بغير الأرواح فافهم هداك الله هذا القول. واعلم هداك الله أنّ هذا
الحلّ في جسد الحيوان هو الحقّ الّذي لا يضمحلّ ولا ينقص وهو الّذي
يقلب الطّبائع ويمسكها ويظهر لها ألوانا وأزهارا عجيبة. وليس كلّ جسد
يحلّ خلاف هذا هو الحلّ التّامّ لأنّه مخالف للحياة، وإنّما حلّه بما
يوافقه ويدفع عنه حرق النّار، حتّى يزول عن الغلظ، وتنقلب الطّبائع عن
حالاتها إلى ما لها أن تنقلب من اللّطافة والغلظ. فإذا بلغت الأجساد
نهايتها من التّحليل والتّلطيف ظهرت لها لك قوّة تمسك وتغوص وتقلب
وتنفذ وكلّ عمل لا يرى له مصداق في أوّله فلا خير فيه. واعلم أنّ
البارد من الطّبائع هو ييبّس الأشياء ويعقد رطوبتها والحارّ منها يظهر
رطوبتها ويعقد يبسها وإنّما أفردت الحرّ والبرد لأنّهما فاعلان
والرّطوبة واليبس منفعلان وعلى انفعال كلّ واحد منهما لصاحبه تحدث
الأجسام وتتكوّن وإن كان الحرّ أكثر فعلا في ذلك من البرد لأنّ البرد
ليس له نقل الأشياء ولا تحرّكها والحرّ هو علّة الحركة. ومتى ضعفت علّة
الكون وهو الحرارة لم يتمّ منها شيء أبدا كما أنّه إذا أفرطت الحرارة
على شيء ولم يكن ثمّ برد أحرقته وأهلكته. فمن أجل هذه العلّة احتيج إلى
البارد في هذه الأعمال ليقوى به كلّ ضدّ على ضدّه ويدفع عنه حرّ
النّار. ولم يحذر الفلاسفة أكبر شيء إلّا من النّيران المحرقة. وأمرت
بتطهير الطّبائع والأنفاس وإخراج دنسها ورطوبتها ونفي آفاتها وأوساخها
عنها على ذلك استقام رأيهم وتدبيرهم فإنّما عملهم إنّما هو مع النّار
أوّلا وإليها يصير أخيرا فلذلك قالوا: إياكم والنّيران المحرقات.
وإنّما
(1/700)
أرادوا بذلك نفي الآفات الّتي معها فتجمع
على الجسد آفتين فتكون أسرع لهلاكه.
وكذلك كلّ شيء إنّما يتلاشى ويفسد من ذاته لتضادّ طبائعه واختلافه
فيتوسّط بين شيئين فلم يجد ما يقوّيه ويعينه إلّا قهرته الآفة وأهلكته.
واعلم أنّ الحكماء كلّها ذكرت ترداد الأرواح على الأجساد مرارا ليكون
ألزم إليها وأقوى على قتال النّار إذا هي باشرتها عند الألفة أعني بذلك
النّار العنصريّة فاعلمه. ولنقل الآن على الحجر الّذي يمكن منه العمل
على ما ذكرته الفلاسفة فقد اختلفوا فيه فمنهم من زعم أنّه في الحيوان
ومنهم من زعم أنّه في النّبات ومنهم من زعم أنّه في المعادن ومنهم من
زعم أنّه في الجميع. وهذه الدّعاوى ليست بنا حاجة إلى استقصائها
ومناظرة أهلها عليها لأنّ الكلام يطول جدّا وقد قلت فيما تقدّم إنّ
العمل يكون في كلّ شيء بالقوّة لأنّ الطّبائع موجودة في كلّ شيء فهو
كذلك فنريد أن تعلم من أيّ شيء يكون العمل بالقوّة والفعل فنقصد إلى ما
قاله الحرّانيّ إنّ الصّبغ كلّه أحد صبغين: إمّا صبغ جسد كالزّعفران في
الثّوب الأبيض حتّى يحول فيه وهو مضمحلّ منتقض التّركيب، والصّبغ
الثاني تقليب الجوهر من جوهر نفسه إلى جوهر غيره ولونه كتقليب الشّجر
بل التّراب إلى نفسه وقلب الحيوان والنّبات إلى نفسه حتّى يصير التّراب
نباتا والنّبات حيوانا ولا يكون إلّا بالرّوح الحيّ والكيان الفاعل
الّذي له توليد الأجرام وقلب الأعيان. فإذا كان هذا هكذا فنقول إنّ
العمل لا بدّ أن يكون إمّا في الحيوان وإمّا في النّبات وبرهان ذلك
أنّهما مطبوعان على الغذاء وبه قوامهما وتمامهما. فأمّا النّبات فليس
فيه ما في الحيوان من اللّطافة والقوّة ولذلك قلّ خوض الحكماء فيه.
وأمّا الحيوان فهو آخر الاستحالات الثّلاث ونهايتها وذلك أنّ المعدن
يستحيل نباتا والنّبات يستحيل حيوانا والحيوان لا يستحيل إلى شيء هو
الطف منه إلّا أن ينعكس راجعا إلى الغلظ وأنّه أيضا لا يوجد في العالم
شيء تتعلّق فيه الرّوح الحيّة غيره والرّوح الطف ما في العالم ولم
تتعلّق الرّوح بالحيوان إلّا بمشاكلته إيّاها. فأمّا الرّوح الّتي في
النّبات فإنّها
(1/701)
يسيرة فيها غلظ وكثافة وهي مع ذلك مستغرقة
كامنة فيه لغلظها وغلظ جسد النّبات فلم يقدر على الحركة لغلظه وغلظ
روحه. والرّوح المتحرّكة ألطف من الرّوح الكامنة كثيرا وذلك أنّ
المتحرّكة لها قبول الغذاء والتّنقّل والتّنفّس وليس للكامنة غير قبول
الغذاء وحده. ولا تجري إذا قيست بالرّوح الحيّة إلّا كالأرض عند الماء.
كذلك النّبات عند الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى وأرفع وأهون وأيسر.
فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرّب ما كان سهلا ويترك ما يخشى فيه
عسرا. واعلم أنّ الحيوان عند الحكماء ينقسم أقساما من الأمّهات الّتي
هي الطّبائع والحديثة الّتي هي المواليد وهذا معروف متيسّر الفهم فلذلك
قسمت الحكماء العناصر والمواليد أقساما حيّة وأقساما ميتة فجعلوا كلّ
متحرّك فاعلا حيّا وكلّ ساكن مفعولا ميتا. وقسموا ذلك في جميع الأشياء
وفي الأجساد الذّائبة وفي العقاقير المعدنيّة فسمّوا كلّ شيء يذوب في
النّار ويطير ويشتعل حيّا وما كان على خلاف ذلك سمّوه ميتا فأمّا
الحيوان والنّبات فسمّوا كلّ ما انفصل منها طبائع أربعا حيّا وما لم
ينفصل سمّوه ميتا ثمّ إنّهم طلبوا جميع الأقسام الحيّة. فلم يجدوا لوفق
هذه الصّناعة ممّا ينفصل فصولا أربعة ظاهرة للعيان ولم يجدوا غير الحجر
الّذي في الحيوان فبحثوا عن جنسه حتّى عرفوه وأخذوه ودبّروه فتكيّف لهم
منه الّذي أرادوا. وقد يتكيّف مثل هذا في المعادن والنّبات بعد جمع
العقاقير وخلطها ثمّ تفصل بعد ذلك. فأمّا النّبات فمنه ما ينفصل ببعض
هذه الفصول مثل الأشنان [1] وأمّا المعادن ففيها أجساد وأرواح وأنفاس
إذا مزجت ودبّرت كان منها ما له تأثير. وقد دبّرنا كلّ ذلك فكان
الحيوان منها أعلى وأرفع وتدبيره أسهل وأيسر. فينبغي لك أن تعلم ما هو
الحجر الموجود في الحيوان وطريق وجوده. إنّا بيّنّا أنّ الحيوان أرفع
المواليد وكذا ما تركّب منه فهو ألطف منه
__________
[1] الأشنان: ما تغسل به الأيدي من الحمض. والأشنة شيء نباتي يتكون على
الشجر والصخور (القاموس) .
(1/702)
كالنّبات من الأرض. وإنّما كان النّبات
ألطف من الأرض لأنّه إنّما يكون من جوهره الصّافي وجسده اللّطيف فوجب
له بذلك اللّطافة والرّقة. وكذا هذا الحجر الحيوانيّ بمنزلة النّبات في
التّراب. وبالجملة فإنّه ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيره
فافهم هذا القول فإنّه لا يكاد يخفى إلّا على جاهل بيّن الجهالة ومن لا
عقل له. فقد أخبرتك ماهيّة هذا الحجر وأعلمتك جنسه وأنّا أبيّن لك وجوه
تدابيره حتّى يكمل الّذي شرطناه على أنفسنا من الإنصاف إن شاء الله
سبحانه» ..
(التدبير على بركة الله) خذ الحجر الكريم فأودعه القرعة والإنبيق وفصّل
طبائعه الأربع الّتي هي النّار والهواء والأرض والماء وهي الجسد
والصّبغ فإذا عزلت الماء عن التّراب والهواء عن النّار فارفع كلّ واحد
في إنائه على حدة وخذ الهابط أسفل الإناء وهو الثّفل [1] فاغسله
بالنّار الحارّة حتّى تذهب النّار عنه سواده ويزول غلظه وجفاؤه وبيّضه
تبييضا محكما وطيّر عنه فضول الرّطوبات المستجنّة فيه فإنّه يصير عند
ذلك ماء أبيض لا ظلمة فيه ولا وسخ ولا تضادّ. ثمّ اعمد إلى تلك
الطّبائع الأوّل الصّاعدة منه فطهّرها أيضا من السّواد والتّضادّ وكرّر
عليها الغسل والتّصعيد حتّى تلطف وترقّ وتصفو. فإذا فعلت ذلك فقد فتح
الله عليك فابدأ بالتركيب الّذي عليه مدار العمل. وذلك أنّ التّركيب لا
يكون إلّا بالتّزويج والتّعفين فأمّا التّزويج فهو اختلاط اللّطيف
بالغليظ وأمّا التّعفين فهو التّمشية والسّحق حتّى يختلط بعضه ببعض
ويصير شيئا واحدا لا اختلاف فيه ولا نقصان بمنزلة الامتزاج بالماء.
فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللّطيف وتقوى الرّوح على مقابلة
النّار وتصبر عليها وتقوى النّفس على الغوص في الأجساد والدّبيب فيها.
وإنّما وجد ذلك بعد التّركيب لأنّ الجسد المحلول لمّا ازدوج بالرّوح
مازجه بجميع أجزائه ودخل بعضها في بعض لتشاكلها فصار شيئا واحدا
__________
[1] الثفل: ما يستقر في أسفل الشيء من كدرة (القاموس) .
(1/703)
ووجب من ذلك أن يعرض للرّوح من الصّلاح
والفساد والبقاء والثّبوت وما يعرض للجسد لموضع الامتزاج. وكذلك النّفس
إذا امتزجت بهما ودخلت فيهما بخدمة التّدبير اختلطت أجزاؤها بجميع
أجزاء الآخرين أعني الرّوح والجسد وصارت هي وهما شيئا واحدا لا اختلاف
فيه بمنزلة الجزء الكلّيّ الّذي سلمت طبائعه واتّفقت أجزاؤه فإذا ألقى
هذا المركّب الجسد المحلول وألحّ عليه النّار وأظهر ما فيه من الرّطوبة
على وجهه ذاب في الجسد المحلول. ومن شأن الرّطوبة الاشتعال وتعلّق
النّار بها فإذا أرادت النّار التّعلّق بها منعها من الاتّحاد بالنّفس
ممازجة الماء لها. فإنّ النّار لا تتّحد بالدّهن حتّى يكون خالصا.
وكذلك الماء من شأنه النّفور من النّار. فإذا ألحّت عليه النّار وأرادت
تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جوفه فمنعه من الطّيران فكان
الجسد علّة لإمساك الماء والماء علّة لبقاء الدّهن والدّهن علّة لثبات
الصّبغ والصّبغ علّة لظهور الدّهن وإظهار الدّهنيّة في الأشياء المظلمة
الّتي لا نور لها ولا حياة فيها. فهذا هو الجسد المستقيم وهكذا يكون
العمل. وهذه التّصفية الّتي سألت عنها وهي الّتي سمّتها الحكماء بيضة
وإيّاها يعنون لا بيضة الدّجاج واعلم أنّ الحكماء لم تسمّها بهذا الاسم
لغير معنى بل أشبهتها. ولقد سألت مسلمة عن ذلك يوما وليس عنده غيري
فقلت له: أيّها الحكيم الفاضل أخبرني لأيّ شيء سمّت الحكماء مركّب
الحيوان بيضة؟ اختيارا منهم لذلك أم لمعنى دعاهم إليه؟ فقال: بل لمعنى
غامض فقلت أيّها الحكيم وما ظهر لهم من ذلك من المنفعة والاستدلال على
الصّناعة حتّى شبهوها وسمّوها بيضة؟ فقال: لشبهها وقرابتها من المركّب
ففكّر فيه فإنّه سيظهر لك معناه. فبقيت بين يديه مفكّرا لا أقدر على
الوصول إلى معناه. فلمّا رأى ما بي من الفكر وأنّ نفسي قد مضت فيها أخذ
بعضدي وهزّني هزّة خفيفة وقال لي: يا أبا بكر ذلك للنّسبة الّتي بينهما
في كميّة الألوان عند امتزاج الطّبائع وتأليفها. فلمّا قال ذلك انجلت
عنّي الظّلمة وأضاء لي نور قلبي
(1/704)
وقوي عقلي على فهمه فنهضت شاكرا الله عليه
إلى منزلي وأقمت على ذلك شكلا هندسيّا يبرهن به على صحّة ما قاله
مسلمة. وأنا واضعه لك في هذا الكتاب.
مثال ذلك أنّ المركّب إذا تمّ وكمل كان نسبة ما فيه من طبيعة الهواء
إلى ما في البيضة من طبيعة الهواء كنسبة ما في المركّب من طبيعة النّار
إلى ما في البيضة من طبيعة النّار. وكذلك الطّبيعتان الأخريان: الأرض
والماء فأقول: إنّ كلّ شيئين متناسبين على هذه الصّفة هما متشابهان.
ومثال ذلك أن تجعل لسطح البيضة هزوح فإذا أردنا ذلك فإنّا نأخذ أقلّ
طبائع المركّب وهي طبيعة اليبوسة ونضيف إليها مثلها من طبيعة الرّطوبة
وندبّرهما حتّى تنشّف طبيعة اليبوسة طبيعة الرّطوبة وتقبل قوّتها.
وكأنّ في هذا الكلام رمزا ولكنّه لا يخفى عليك. ثمّ تحمّل عليهما جميعا
مثليهما من الرّوح وهو الماء فيكون الجميع ستّة أمثال. ثمّ تحمل على
الجميع بعد التّدبير مثلا من طبيعة الهواء الّتي هي النّفس وذلك ثلاثة
أجزاء فيكون الجميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوّة. وتجعل تحت كلّ ضلعين
من المركّب الّذي طبيعته محيطة بسطح المركّب طبيعتين فتجعل أوّلا
الضّلعين المحيطين بسطحه طبيعة الماء وطبيعة الهواء وهما ضلعا (أح د)
وسطح (ابجد) وكذلك الضّلعان المحيطان بسطح البيضة اللّذان هما الماء
والهواء ضلعا (هزوح) فأقول إنّ سطح (ابجد) يشبه سطح (هزوح) طبيعة
الهواء الّتي تسمّى نفسا وكذلك (بج) من سطح المركّب. والحكماء لم تسمّ
شيئا باسم شيء إلّا لشبهة به.
والكلمات الّتي سألت عن شرحها الأرض المقدّسة وهي المنعقدة من الطّبائع
العلويّة والسّفليّة. والنّحاس هو الّذي أخرج سواده وقطّع حتّى صار
هباء ثمّ حمّر بالزّاج حتّى صار نحاسيّا والمغنيسيا حجرهم الّذي تجمد
فيه الأرواح وتخرجه الطّبيعة العلويّة الّتي تستجنّ فيها الأرواح
لتقابل عليها النّار والفرفرة لون أحمر قان يحدثه الكيان. والرّصاص حجر
له ثلاث قوى مختلفة الشّخوص ولكنّها متشاكلة ومتجانسة. فالواحدة
روحانيّة نيّرة صافية وهي الفاعلة والثّانية نفسانيّة
(1/705)
وهي متحرّكة حسّاسة غير أنّها أغلظ من
الأولى ومركزها دون مركز الأولى والثّالثة قوّة أرضيّة حاسّة قابضة
منعكسة إلى مركز الأرض لثقلها وهي الماسكة الرّوحانيّة والنّفسانيّة
جميعا والمحيطة بهما. وأمّا سائر الباقية فمبتدعة ومخترعة، إلباسا على
الجاهل، ومن عرف المقدّمات استغنى عن غيرها. فهذا جميع ما سألتني عنه
وقد بعثت به إليك مفسّرا ونرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملك والسّلام.
انتهى كلام ابن بشرون وهو من كبار تلاميذ مسلمة المجريطيّ شيخ الأندلس
في علوم الكيمياء والسّيمياء والسّحر في القرن الثّالث وما بعده. وأنت
ترى كيف صرف ألفاظهم كلّها في الصّناعة إلى الرّمز والألغاز الّتي لا
تكاد تبين ولا تعرف وذلك دليل على أنّها ليست بصناعة طبيعيّة. والّذي
يجب أن يعتقد في أمر الكيمياء وهو الحقّ الّذي يعضده الواقع أنّها من
جنس آثار النّفوس الرّوحانيّة وتصرّفها في عالم الطّبيعة: إمّا من نوع
الكرامة إن كانت النّفوس خيّرة أو من نوع السّحر إن كانت النّفوس
شرّيرة فاجرة. فأمّا الكرامة فظاهرة وأمّا السّحر فلأنّ السّاحر كما
ثبت في مكان تحقيقه يقلب الأعيان الماديّة بقوّته السّحريّة. ولا بدّ
له مع ذلك عندهم من مادّة يقع فعله السّحريّ فيها كتخليق بعض الحيوانات
من مادّة التّراب أو الشّجر والنّبات وبالجملة من غير مادّتها المخصوصة
بها، كما وقع لسحرة فرعون في الحبال والعصيّ وكما ينقل عن سحرة
السّودان والهنود في قاصية الجنوب والتّرك في قاصية الشّمال أنّهم
يسحرون الجوّ للأمطار وغير ذلك. ولمّا كانت هذه تخليقا للذّهب في غير
مادّته الخاصّة به كان من قبيل السّحر والمتكلّمون فيه من أعلام
الحكماء مثل جابر ومسلمة. ومن كان قبلهم من حكماء الأمم إنّما نحوا هذا
المنحى ولهذا كان كلامهم فيه ألغازا حذرا عليها من إنكار الشّرائع على
السّحر وأنواعه لا أنّ ذلك يرجع إلى الضّنانة بها كما هو رأي من لم
يذهب إلى التّحقيق في ذلك. وانظر كيف سمّى مسلمة كتابه فيها رتبة
الحكيم وسمّى كتابه في السّحر والطّلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم
موضوع الغاية وخصوص موضوع هذه
(1/706)
لأنّ الغاية أعلى من الرّتبة فكأنّ مسائل
الرّتبة بعض من مسائل الغاية وتشاركها في الموضوعات. ومن كلامه في
الفنّين يتبيّن ما قلناه ونحن نبيّن فيما بعد غلط من يزعم أنّ مدارك
هذا الأمر بالصّناعة الطّبيعيّة. والله العليم الخبير.
الفصل الحادي والثلاثون في إبطال الفلسفة
وفساد منتحلها
هذا الفصل وما بعده مهمّ لأنّ هذه العلوم عارضة في العمران كثيرة في
المدن.
وضررها في الدّين كثير فوجب أن يصدع بشأنها ويكشف عن المعتقد الحقّ
فيها. وذلك أنّ قوما من عقلاء النّوع الإنسانيّ زعموا أنّ الوجود كلّه
الحسّيّ منه وما وراء الحسّيّ تدرك أدواته وأحواله بأسبابها وعللها
بالأنظار الفكريّة والأقيسة العقليّة وأنّ تصحيح العقائد الإيمانيّة من
قبل النّظر لا من جهة السّمع فإنّها بعض من مدارك العقل. وهؤلاء يسمّون
فلاسفة جمع فيلسوف وهو باللّسان اليونانيّ محبّ الحكمة. فبحثوا عن ذلك
وشمّروا له وحوّموا على إصابة الغرض منه ووضعوا قانونا يهتدي به العقل
في نظره إلى التّمييز بين الحقّ والباطل وسمّوه بالمنطق.
ومحصّل ذلك أنّ النّظر الّذي يفيد تمييز الحقّ من الباطل إنّما هو
للذّهن في المعاني المنتزعة من الموجودات الشّخصيّة فيجرّد منها أوّلا
صور منطبقة على جميع الأشخاص كما ينطبق الطّابع على جميع النّقوش الّتي
ترسمها في طين أو شمع. وهذه مجرّدة من المحسوسات تسمّى المعقولات
الأوائل. ثمّ تجرّد من تلك المعاني الكلّيّة إذا كانت مشتركة مع معان
أخرى وقد تميّزت عنها في الذّهن فتجرّد منها معان أخرى وهي الّتي
اشتركت بها. ثمّ تجرّد ثانيا إن شاركها غيرها وثالثا إلى أن ينتهي
التّجريد إلى المعاني البسيطة الكلّيّة المنطبقة على جميع المعاني
والأشخاص ولا يكون منها تجريد بعد هذا وهي الأجناس العالية. وهذه
(1/707)
المجرّدات كلّها من غير المحسوسات هي من
حيث تأليف بعضها مع بعض لتحصيل العلوم منها تسمّى المعقولات الثّواني.
فإذا نظر الفكر في هذه المعقولات المجرّدة وطلب تصوّر الوجود. كما هو
فلا بدّ للذّهن من إضافة بعضها إلى بعض ونفي بعضها عن بعض بالبرهان
العقليّ اليقينيّ ليحصل تصوّر الوجود تصوّرا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك
بقانون صحيح كما مرّ. وصنف التّصديق الّذي هو تلك الاضافة والحكم
متقدّم عندهم على صنف التّصوّر في النّهاية والتّصوّر متقدّم عليه في
البداءة والتّعليم لأنّ التّصوّر التّامّ عندهم هو غاية الطّلب
الإدراكيّ وإنّما التّصديق وسيلة له وما تسمعه في كتب المنطقيّين من
تقدّم التّصوّر وتوقّف التّصديق عليه فبمعنى الشّعور لا بمعنى العلم
التّامّ وهذا هو مذهب كبيرهم أرسطو ثمّ يزعمون أنّ السّعادة في إدراك
الموجودات كلّها ما في الحسّ وما وراء الحسّ بهذا النّظر وتلك
البراهين. وحاصل مداركهم في الوجود على الجملة وما آلت إليه وهو الّذي
فرّعوا عليه قضايا أنظارهم أنّهم عثروا أوّلا على الجسم السّفليّ بحكم
الشّهود والحسّ ثمّ ترقّى إدراكهم قليلا فشعروا بوجود النّفس من قبل
الحركة والحسّ في الحيوانات ثمّ أحسّوا من قوى النّفس بسلطان العقل.
ووقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السّماويّ بنحو من القضاء على أمر
الذّات الإنسانيّة. ووجب عندهم أن يكون للفلك نفس وعقل كما للإنسان ثمّ
أنهوا ذلك نهاية عدد الآحاد وهي العشر، تسع مفصّلة ذواتها جمل وواحد
أوّل مفرد وهو العاشر. ويزعمون أنّ السّعادة في إدراك الوجود على هذا
النّحو من القضاء مع تهذيب النّفس وتخلّقها بالفضائل وأنّ ذلك ممكن
للإنسان ولو لم يرد شرع لتمييزه بين الفضيلة والرّذيلة من الأفعال
بمقتضى عقله ونظره وميله إلى المحمود منها واجتنابه للمذموم بفطرته
وأنّ ذلك إذا حصل للنّفس حصلت لها البهجة واللّذّة وأنّ الجهل بذلك هو
الشّقاء السّرمديّ وهذا عندهم هو معنى النّعيم والعذاب في الآخرة إلى
خبط لهم في تفاصيل ذلك معروف في كلماتهم. وإمام هذه المذاهب
(1/708)
الّذي حصّل مسائلها ودوّن علمها وسطّر
حججها فيما بلغنا في هذه الأحقاب هو أرسطو المقدونيّ من أهل مقدونية من
بلاد الرّوم من تلاميذ أفلاطون وهو معلّم الإسكندر ويسمّونه المعلّم
الأوّل على الإطلاق يعنون معلّم صناعة المنطق إذ لم تكن قبله مهذّبة
وهو أوّل من رتّب قانونها واستوفى مسائلها وأحسن بسطها ولقد أحسن في
ذلك القانون ما شاء لو تكفّل له بقصدهم في الإلهيّات ثمّ كان من بعده
في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتّبع فيها رأيه حذو النّعل بالنّعل
إلّا في القليل. وذلك أنّ كتب أولئك المتقدّمين لمّا ترجمها الخلفاء من
بني العبّاس من اللّسان اليونانيّ إلى اللّسان العربيّ تصفّحها كثير من
أهل الملّة وأخذ من مذاهبهم من أضلّه الله من منتحلي العلوم وجادلوا
عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها وكان من أشهرهم أبو نصر الفارابيّ
في المائة الرّابعة لعهد سيف الدّولة وأبو عليّ بن سينا في المائة
الخامسة لعهد نظام الملك من بني بويه بأصبهان وغيرهما. واعلم أنّ هذا
الرّأي الّذي ذهبوا إليه باطل بجميع وجوهه. فأمّا إسنادهم الموجودات
كلّها إلى العقل الأوّل واكتفاؤهم به في التّرقّي إلى الواجب فهو قصور
عمّا وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا من ذلك «وَيَخْلُقُ
ما لا تَعْلَمُونَ 16: 8» وكأنّهم في اقتصارهم على إثبات العقل فقط
والغفلة عمّا وراءه بمثابة الطّبيعيّين المقتصرين على إثبات الأجسام
خاصّة المعرضين عن النّقل والعقل المعتقدين أنّه ليس وراء الجسم في
حكمة الله شيء. وأمّا البراهين الّتي يزعمونها على مدّعياتهم في
الموجودات ويعرضونها على معيار المنطق وقانونه فهي قاصرة وغير وافية
بالغرض. أمّا ما كان منها في الموجودات الجسمانيّة ويسمّونه العلم
الطّبيعيّ فوجه قصوره أنّ المطابقة بين تلك النّتائج الذّهنيّة الّتي
تستخرج بالحدود والأقيسة كما في زعمهم وبين ما في الخارج غير يقينيّ
لأنّ تلك أحكام ذهنيّة كلّيّة عامّة والموجودات الخارجيّة متشخّصة
بموادّها. ولعلّ في الموادّ ما يمنع مطابقة الذّهنيّ الكلّيّ للخارجيّ
الشّخصيّ اللَّهمّ إلّا ما لا يشهد له الحسّ
(1/709)
من ذلك فدليله شهوده لا تلك البراهين فأين
اليقين الّذي يجدونه فيها؟ وربّما يكون تصرّف الذّهن أيضا في المعقولات
الأوّل المطابقة للشّخصيّات بالصّور الخياليّة لا في المعقولات
الثّواني الّتي تجريدها في الرّتبة الثانية فيكون الحكم حينئذ يقينيّا
بمثابة المحسوسات إذ المعقولات الأول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال.
الانطباق فيها فنسلّم لهم حينئذ دعاويهم في ذلك. إلّا أنّه ينبغي لنا
الإعراض عن النّظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما لا يعنيه فإنّ مسائل
الطّبيعيّات لا تهمّنا في ديننا ولا معاشنا فوجب علينا تركها. وأمّا ما
كان منها في الموجودات الّتي وراء الحسّ وهي الرّوحانيات ويسمّونه
العلم الإلهيّ وعلم ما بعد الطّبيعة فإنّ ذواتها مجهولة رأسا ولا يمكن
التّوصّل إليها ولا البرهان عليها لأنّ تجريد المعقولات من الموجودات
الخارجيّة الشّخصيّة إنّما هو ممكن فيما هو مدرك لنا.
ونحن لا ندرك الذّوات الرّوحانيّة حتّى نجرّد منها ماهيّات أخرى بحجاب
الحسّ بيننا وبينها فلا يتأتّى لنا برهان عليها ولا مدرك لنا في إثبات
وجودها على الجملة إلّا ما نجده بين جنبينا من أمر النّفس الإنسانيّة
وأحوال مداركها وخصوصا في الرّؤيا الّتي هي وجدانيّة لكلّ أحد وما وراء
ذلك من حقيقتها وصفاتها فأمر غامض لا سبيل إلى الوقوف عليه. وقد صرّح
بذلك محقّقوهم حيث ذهبوا إلى أنّ مالا مادّة له لا يمكن البرهان عليه
لأنّ مقدّمات البرهان من شرطها أن تكون ذاتيّة. وقال كبيرهم أفلاطون:
إنّ الإلهيّات لا يوصل فيها إلى أينين [1] وإنّما يقال فيها بالأخلق
[2] والأولى يعني الظّنّ: وإذا كنّا إنّما نحصل بعد التّعب والنّصب على
الظّنّ فقط فيكفينا الظّنّ الّذي كان أوّلا فأيّ فائدة لهذه العلوم
والاشتغال بها ونحن إنّما عنايتنا بتحصيل اليقين فيما وراء الحسّ من
الموجودات وهذه هي غاية الأفكار الإنسانيّة عندهم. وأمّا قولهم إنّ
السّعادة في إدراك
__________
[1] وفي نسخة أخرى: يقين.
[2] وفي نسخة أخرى: بالأحق.
(1/710)
الموجودات على ما هي عليه بتلك البراهين
فقول مزيّف مردود وتفسيره أنّ الإنسان مركّب من جزءين أحدهما جسمانيّ
والآخر روحانيّ ممتزج به ولكلّ واحد من الجزءين مدارك مختصّة به
والمدرك فيهما واحد وهو الجزء الرّوحانيّ يدرك تارة مدارك روحانيّة
وتارة مدارك جسمانيّة إلّا أنّ المدارك الرّوحانيّة يدركها بذاته بغير
واسطة والمدارك الجسمانيّة بواسطة آلات الجسم من الدّماغ والحواسّ.
وكلّ مدرك فله ابتهاج بما يدركه. واعتبره بحال الصّبيّ في أوّل مداركه
الجسمانيّة الّتي هي بواسطة كيف يبتهج بما يبصره من الضّوء وبما يسمعه
من الأصوات فلا شكّ أنّ الابتهاج بالإدراك الّذي للنّفس من ذاتها بغير
واسطة يكون أشدّ وألذّ. فالنّفس الرّوحانيّة إذا شعرت بإدراكها الّذي
لها من ذاتها بغير واسطة حصل لها ابتهاج ولذّة لا يعبّر عنهما وهذا
الإدراك لا يحصل بنظر ولا علم وإنّما يحصل بكشف حجاب الحسّ ونسيان
المدارك الجسمانيّة بالجملة. والمتصوّفة كثيرا ما يعنون بحصول هذا
الإدراك للنّفس بحصول هذه البهجة فيحاولون بالرّياضة إماتة القوى
الجسمانيّة ومداركها حتّى الفكر من الدّماغ وليحصل للنّفس إدراكها
الّذي لها من ذاتها عند زوال الشّواغب والموانع الجسمانيّة يحصل لهم
بهجة ولذّة لا يعبّر عنهما. وهذا الّذي زعموه بتقدير صحّته مسلّم لهم
وهو مع ذلك غير واف بمقصودهم. فأمّا قولهم إنّ البراهين والأدلّة
العقليّة محصّلة لهذا النّوع من الإدراك والابتهاج عنه فباطل كما رأيته
إذ البراهين والأدلّة من جملة المدارك الجسمانيّة لأنّها بالقوى
الدّماغيّة من الخيال والفكر والذّكر. ونحن نقول إنّ أوّل شيء نعنى به
في تحصيل هذا الإدراك إماتة هذه القوى الدّماغيّة كلّها لأنّها منازعة
له قادحة فيه وتجد الماهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء والإشارات
والنّجاء وتلاخيص ابن رشد للقصّ من تأليف أرسطو وغيره يبعثر أوراقها
ويتوثّق من براهينها ويلتمس هذا القسط من السّعادة فيها ولا يعلم أنّه
يستكثر بذلك من الموانع عنها. ومستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو
(1/711)
والفارابيّ وابن سينا أنّ من حصل له إدراك
العقل الفعّال واتّصل به في حياته فقد حصّل حظّه من هذه السّعادة.
والعقل الفعّال عندهم عبارة عن أوّل رتبة ينكشف عنها الحسّ من رتب
الرّوحانيّات ويحملون الاتّصال بالعقل الفعّال على الإدراك العلميّ وقد
رأيت فساده وإنّما يعني أرسطو وأصحابه بذلك الاتّصال والإدراك إدراك
النّفس الّذي لها من ذاتها وبغير واسطة وهو لا يحصل إلّا بكشف حجاب
الحسّ. وأمّا قولهم إنّ البهجة النّاشئة عن هذا الإدراك هي عين
السّعادة الموعود بها فباطل أيضا لأنّا إنّما تبيّن لنا بما قرّروه أنّ
وراء الحسّ مدركا آخر للنّفس من غير واسطة وأنّها تبتهج بإدراكها ذلك
ابتهاجا شديدا وذلك لا يعيّن لنا أنّه عين السّعادة الأخرويّة ولا بدّ
بل هي من جملة الملاذّ الّتي لتلك السّعادة. وأمّا قولهم إنّ السّعادة
في إدراك هذه الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبنيّ على ما كنّا
قدّمناه في أصل التّوحيد من الأوهام والأغلاط في أنّ الوجود عند كلّ
مدرك منحصر في مداركه وبيّنّا فساد ذلك وإنّ الوجود أوسع من إن يحاط به
أو يستوفي إدراكه بجملته روحانيّا أو جسمانيّا. والّذي يحصل من جميع ما
قرّرناه من مذاهبهم أنّ الجزء الرّوحانيّ إذا فارق القوى الجسمانيّة
أدرك إدراكا ذاتيا له مختصّا بصنف من المدارك وهي الموجودات الّتي أحاط
بها علمنا وليس بعامّ الإدراك في الموجودات كلّها إذ لم تنحصر وأنّه
يبتهج بذلك النّحو من الإدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصّبيّ بمداركه
الحسيّة في أوّل نشوءه ومن لنا بعد ذلك بإدراك جميع الموجودات أو بحصول
السّعادة الّتي وعدنا بها الشّارع إن لم نعمل لها، هيهات هيهات لما
توعدون. وأمّا قولهم إنّ الإنسان مستقلّ بتهذيب نفسه وإصلاحها بملابسة
المحمود من الخلق ومجانبة المذموم فأمر مبنيّ على أنّ ابتهاج للنّفس
بإدراكها الّذي لها من ذاتها هو عين السّعادة الموعود بها لأنّ
الرّذائل عائقة للنّفس عن تمام إدراكها ذلك بما يحصل لها من الملكات
الجسمانيّة وألوانها. وقد بيّنّا أنّ أثر السّعادة والشّقاوة ومن وراء
الإدراكات
(1/712)
الجسمانيّة والرّوحانيّة فهذا التّهذيب
الّذي توصّلوا إلى معرفته إنّما نفعه في البهجة النّاشئة عن الإدراك
الرّوحانيّ فقط الّذي هو على مقاييس وقوانين. وأمّا ما وراء ذلك من
السّعادة الّتي وعدنا بها الشّارع على امتثال ما أمر به من الأعمال
والأخلاق فأمر لا يحيط به مدارك المدركين. وقد تنبّه لذلك زعيمهم أبو
عليّ ابن سينا فقال في كتاب المبدإ والمعاد ما معناه: إنّ المعاد
الرّوحانيّ وأحواله هو ممّا يتوصّل إليه بالبراهين العقليّة والمقاييس
لأنّه على نسبة طبيعيّة محفوظة ووتيرة واحدة فلنا في البراهين عليه
سعة. وأمّا المعاد الجسمانيّ وأحواله فلا يمكن إدراكه بالبرهان لأنّه
ليس على نسبة واحدة وقد بسطته لنا الشّريعة الحقّة المحمّديّة فلينظر
فيها وليرجع في أحواله إليها. فهذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم
الّتي حوّموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشّرائع وظواهرها. وليس له
فيما علمنا إلّا ثمرة واحدة وهي شحذ الذّهن في ترتيب الأدلّة والحجج
لتحصيل ملكة الجودة والصّواب في البراهين. وذلك أنّ نظم المقاييس
وتركيبها على وجه الإحكام والإتقان هو كما شرطوه في صناعتهم المنطيقيّة
وقولهم بذلك في علومهم الطّبيعيّة وهم كثيرا ما يستعملونها في علومهم
الحكميّة من الطّبيعيّات والتّعاليم وما بعدها فيستولي النّاظر فيها
بكثرة استعمال البراهين بشروطها على ملكة الإتقان والصّواب في الحجج
والاستدلالات لأنّها وإن كانت غير وافية بمقصودهم فهي أصحّ ما علمناه
من قوانين الأنظار. هذه ثمرة هذه الصّناعة مع الاطّلاع على مذاهب أهل
العلم وآرائهم ومضارّها ما علمت. فليكن النّاظر فيها متحرّزا جهده
معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشّرعيّات والاطّلاع
على التّفسير والفقه ولا يكبّنّ أحد عليها وهو خلو من علوم الملّة فقلّ
أن يسلم لذلك من معاطبها. والله الموفّق للصّواب وللحقّ والهادي إليه.
وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا الله 7: 43
.
(1/713)
|