ويمنعون عنهم الميرة ثم وصل الخبر عاشر جمادى
الاولى بوفاة السلطان بركيارق فاستشار جكرمس أهل البلد فردّوا
النظر إليه واستشار الجند فأشاروا بطاعة السلطان محمد فأرسل إليه
بذلك واستدعى وزيره سعد الملك فدخل عليه وأشار عليه بلقاء السلطان
فخرج إليه على كره من أهل البلد فتلقاه السلطان بالكرامة وأعاده
سريعا الى البلد ليطمئن الناس.
استيلاء السلطان محمد على بغداد وخلع
ملك شاه ابن أخيه ومقتل أياز
قد كنا قدّمنا صلح بركيارق وأخيه محمد من أنه يستقل بركيارق
بالسلطنة وينفرد محمد بالأعمال التي ذكرنا وموت بركيارق أثر ذلك
وتقديم ابنه ملك شاه ببغداد فوصل الخبر بذلك إلى محمد وهو يحاصر
الموصل فأطاعه جكرمس وسار محمد إلى بغداد ومعه جكرمس وسقمان القطبي
مولى قطب الدولة إسماعيل بن ياقوتي بن داود وياقوتي عمّ ملك شاه
ومحمد وغيرهما من الأمراء وجمع صدقة صاحب الحلة العساكر وبعث ابنه
بدران ودبيسا إلى محمد يستحثانه وجاء السلطان محمد الى بغداد
فاعتزم الأمير أياز أتابك ملك شاه على دفاعه وخيم خارج بغداد وأشار
عليه بذلك أصحابه وخالفهم وزيره أبو المحاسن الضبعي وأبلغ في
النصيحة له بطاعة السلطان فأقام مترددا ونزل محمد بالجانب الغربي
وخطب له هنالك منفردا ولهما معا في بعض الجوامع واقتصر على سلطان
العالم في بعضها ورجع أياز إلى استحلاف الأمراء ثانيا فوقف بعضهم
وقال لا فائدة في إعادة اليمين وارتاب أياز عندها وبعث وزيره
الضبعي أبا المحاسن لعقد الصلح مع السلطان واستحلافه فقرأ على
وزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد فدخل معه الى السلطان
وأجابه الى ما طلب وجاء معه من الغد قاضي القضاة والفتيان
واستحلفاه لاياز وللامراء فحلف إلا أن ينال الحسامي و [1] وقال أما
ملك شاه فهو ابني وأنا أبوه وجاء أياز من الغد وقارن وصول صدقة بن
مزيد فانزلهما واحتفى بهما وذلك آخر جمادى الاولى من سنة ثمان
وتسعين ثم احتفل أياز بعدها في عمل صنيع للسلطان في بيته وهي دار
كوهراس وأهدى إليه تحفا من جملتها حبل
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 10 ص 385 فلما سمع الأمير أياز
بمسيره إليه خرج هو والعسكر الذين معه من الدور ونصبوا الخيام
بالزاهر خارج بغداد، وجمع الأمراء واستشارهم فيما يفعله فبذلوا له
الطاعة واليمين على قتاله وحربه ومنعه عن السلطنة والاتفاق معه عن
طاعة ملك شاه بن برقيارف وكان أشدهم في ذلك نيال وصباوة فإنّهم
بالغا في الأطماع بالسلطان محمد والمنع له عن السلطنة.
(5/41)
البلخش الّذي أخذه من تركة نظام الملك بن مؤيد
الملك واتفق انّ أياز تقدّم لمواليه بلبس السلاح ليعرضهم على
السلطان وكان عندهم مصفعان فألبسوه درعا تحت ثيابه وتناوله بالنخس
فهرب عنهم ودخل في حاشية السلطان مذعورا فلمسوه فإذا الدرع تحت
ثيابه فارتابوا ونهض السلطان إلى داره ثم دعا الأمراء بعد ذلك
بأيام [1] فاستشارهم في بعث يبعثهم إلى ديار بكر [1] انّ ارسلان بن
سليمان بن قطلمش قصدها فاتفقوا على الإشارة بمسير أياز وطلب هو أن
يكون معه صدقة بن مزيد فأسعفه السلطان بذلك واستدعاهما لانفاذ ذلك
وقد أرصد في بعض المخادع بطريقهم جماعة لقتل أياز فلما مرّ بهم
تعاورته سيوفهم وقطع رأسه وهرب صدقة وأغمى على الوزير وهرب عسكر
أياز فنهبوا داره وأرسل السلطان من دفعهم عنها وسار السلطان من
بغداد الى أصبهان وهذا أياز من موالي السلطان ملك شاه ثم سار في
جملة ملك آخر فساء وأمّا الضبعي وزير أياز فاختفى أشهرا ثم حمل إلى
الوزير سعد الملك في رمضان فلما وصل كان ذلك سبب رياسته بهمدان.
استيلاء سقمان بن أرتق على ماردين
وموته
كان هذا الحصن في ديار بكر أقطعه السلطان بركيارق لمغن كان عنده
وكان حواليها خلق كثير من الأكراد يغيرون عليها ويخيفون سابلتها
واتفق أنّ كربوقا خرج من الموصل لحصار آمد وكانت لبعض التركمان
فاستنجد بسقمان فسار لانجاده ولقيه كربوقا ومعه زنكي بن آقسنقر
وأصحابه وأبلوا ذلك اليوم بلاء شديدا فانهزم وأسر ابن أخيه ياقوتي
بن ارتق فحبسه بقلعة ماردين عند المغني فبقي مدّة محبوسا وكثر خروج
الأكراد بنواحي ماردين فبعث ياقوتي الى المغني يسأله أن يطلقه
ويقيم عنده بالريف لدفاع الأكراد ففعل وصار يغير عليهم في سائر
النواحي الى خلاط وصار بعض أجناد القلعة يخرجون للاغارة فلا يهيجهم
ثم حدّثته نفسه بالتوثب على القلعة فقبض عليهم بعض الأيام بعد
مرجعه من الاغارة ودنا من القلعة وعرّضهم للقتل ان لم يفتحها
أهلوهم ففتحوها وملكها وجمع الجموع وسار الى نصيبين وإلى جزيرة ابن
عمر وهي لجكرمس فكبسه جكرمس وأصحابه وأصابه في الحرب سهم فقتله
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 10 ص 388: استدعي السلطان الأمير
صدقة وأياز وجكرمش وغيرهم من الأمراء فلما حضروا أرسل إليهم أنه
بلغنا أن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش قصد ديار بكر ليتملكها
ويسير منها إلى الجزيرة.
(5/42)
وبكاه جكرمش وكانت تحت ياقوتي بنت عمه سقمان
فمضت الى أبيها وجمعت التركمان وجاء [1] بهم الى نصيبين لطلب الثأر
فبعث اليه جكرمش ما أرضاه من المال في ديته.
فرجع وأقام بماردين بعد ياقوتي أخوه على طاعة جكرمش وخرج منها لبعض
المذاهب وكتب نائبة بها الى عمه سقمان بأنه تملك ماردين على جكرمش
فبادر إليها سقمان واستولى عليها وعوض عنها ابن أخيه جبل جور
وأقامت ماردين في حكمه مع حصن كيفا واستضاف إليها نصيبين ثم بعث
إليها فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يستنجده على الافرنج وكان
استبدّ بها على الخلفاء العبيد بين أهل مصر وثار له الافرنج عند ما
ملكوا سواحل الشام فبعث بالصريخ إلى سقمان بن ارتق سنة ثمان وتسعين
فأجابه وبينما هو يتجهز للمسير وافاه كتاب طغتكين صاحب دمشق
المستبدّ بها من موالي بني تتش يستدعيه لحضور وفاته خوفا على دمشق
من الفرنج فأسرع السير معتزما على قصد طرابلس وبعدها دمشق فانتهى
إلى القريتين وندم طغتكين على استدعائه وجعل يدبر الرأي مع أصحابه
في صرفه ومات هو بالقريتين فكفاهم الله تعالى أمره وقد كان أصحابه
عند ما أيقن بالموت أشاروا عليه بالعود إلى كيفا فامتنع وقال هذا
جهاد وان مت كان لي ثواب شهيد.
خروج منكبرس على السلطان محمد ونكبته
كان منكبرس بن يورس [2] بن البارسلان مقيما بأصبهان وانقطعت عنه
المواد من السلطان فخرج إلى نهاوند ودعا لنفسه وكاتب الأمراء بني
برسق بخوزستان يدعوهم إلى طاعته وكان أخوهم زنكين عند السلطان محمد
فقبض عليه وكاتب إخوته في التدبير على منكبرس فأرسلوا إليه بالطاعة
حتى جاءهم فقبضوا عليه بخوزستان وبعثوا به إلى أصبهان فاعتقل مع
ابن عمه تتش وأطلق زنكين بن برسق وأعيد إلى مرتبته وكانت اقطاع بني
برسق الأسير وسابور وخوزستان وغيرها ما بين الأهواز وهمدان فعوضهم
عنها بالدينور وأخرجهم من تلك الناحية والله تعالى أعلم.
__________
[1] كذا بياض بالأصل: وفي الكامل ج 10 ص 392: وجمعت التركمان وطلبت
بثأر ابن ابنها وحصر سلمان نصيبين، وهي لجكرمش، فسير جكرمش إلى
سكمان مالا كثيرا سرا فأخذه ورضي وقيل: أنه قتل في الحرب ولا يعرف
قاتله.
[2] وفي الكامل بور برس وفي كتب التاريخ الحديثة بربروس.
(5/43)
(مقتل فخر الملك بن نظام الملك) قد ذكرنا قبل
أن فخر الملك بن نظام الملك كان وزيرا لتتش ثم حبسه ولما هزمه
بركيارق ووجده في محبسه أطلقه وكان أخوه مؤيد الملك وزيرا له فمال
إليه فخر الدولة بسعاية مجد الملك الباسلاني واستوزره سنة ثمان
وثمانين ثم فارق وزارته ولحق بسنجر بن ملك شاه بخراسان فاستوزره
فلما كان في آخر المائة الخامسة جاء باطني يتظلم إلى باب داره
فأدخله يسمع شكواه فطعنه بخنجر فقتله وأمر السلطان سنجر بضربه
فأقرّ على جماعة من الناس وقتل.
ولاية جاولي سكاور [1] على الموصل وموت
جكرمش
كان جاولي سكاور قد استولى على ما بين خوزستان وفارس فعمر قلاعها
وحصنها وأساء السيرة في أهلها فلما استقلّ السلطان محمد بالملك
خافه جاولي وأرسل السلطان إليه الأمير مودود بن أنوتكين فتحصن منه
جاولي وحاصره مودود ثمانية أشهر ودس جاولي إلى السلطان بطلب غيره
فأرسل إليه خاتمه مع أمير آخر فسار إليه بأصبهان وجهزه في العساكر
لجهاد الافرنج بالشام واسترجاع البلاد منهم وكان جكرمش صاحب الموصل
قد قطع الحمل فأقطع السلطان الموصل وديار بكر والجزيرة لجاولي فسار
إلى الموصل وجعل طريقه على بغداد على البواريخ [2] فاسباحها أياما
ثم سار إلى أربل وكان صاحبها أبو الهيجاء بن برشك الكردي الهرباني
[3] إلى جكرمش يستحثه فسار في عسكر الموصل والقوا قريبا من اريل
فانهزم أصحاب جكرمش وكان يحمل في المحفة [4] فقاتل عنده غلمانه
وأحمد بن قاروت بك فخرج وانهزم إلى الموصل ومات وجيء بجكرمش فحبسه
ووصل من الغد إلى الموصل فولوا ازنكين بن جكرمش وأقام بالجزيرة
وقام بأمره غزغلي مولى أبيه وفرّق الأموال والخيول وكتب إلى قلج
أرسلان صاحب بلاد الروم ميتا وكان قد شيد الموصل وبنى أسوارها
وحصنها بالخندق وبينما هو كذلك سار إليه قلج ارسلان من بلاد الروم
باستدعاء غزغلي كما تقدم وانتهى إلى نصيبين فرحل جاولي عن الموصل
ثم جاء البرسقي شحنة بغداد
__________
[1] وفي بعض النسخ سكاوو.
[2] وفي الكامل البوزيج والأصوب: البوازيج كما في معجم البلدان.
[3] وفي الكامل: فأتاه كتاب أبي الهيجاء بن موسك الكردي الهذباني
صاحب أربل لذكر استيلاء جاولي على البوازيج.
[4] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 10 ص 423: وأرسل إليه أبو الهجاء
عسكره مع أولاده، فاجتمعوا بقرية باكلبا من أعمال أربل.
(5/44)
ونزل عن الموصل وخاطبهم فلم يجيبوه فرجع من
يومه وسار قلج ارسلان من نصيبين إلى الموصل وتأخر عنها جاولي إلى
سنجار واجتمع ابو الغازي بن أرتق وجماعة من عسكر جكرمش وجاء جريح
رضوان بن تتش من الشام على الافرنج [1] فسار إلى الرحبة وبعث أهل
الموصل وعسكر جكرمش إلى قلج أرسلان بنصيبين واستحلفوه فحلف وجاء
إلى الموصل فملكها في منتصف ختام المائة الخامسة وخلع على ابن
جكرمش وخطب لنفسه بعد الخليفة وقطع خطبة السلطان محمد وأحسن إلى
العسكر وأخذ القلعة من غزغلي فولى جكرمش وأقرّ القاضي أبا محمد عبد
الله بن القاسم الشهرزوريّ على القضاء وجعل الرئاسة لأبي البركات
محمد بن محمد بن خميس وكان في جملة فلهم أرسلان إبراهيم بن نيال
التركماني صاحب آمد ومحمد بن حموا صاحب خرتبرت كان إبراهيم ابن
نيال ولاة تتش على آمد فبقيت بيده وكان ابن حموا ملك خرتبرت من يد
القلادروس ترجمان الروم كانت له الرها وانطاكية فملك سليمان قطلمش
انطاكية وبقيت له الرها وخرتبرت وأسلم القلادروس على القيام
بأعماله فملك محمد بن حموا خرتبرت وأسلم القلادروس فلما ولى فخر
الدولة بن جهير ديار بكر ضعف القلادروس عن الرها على يد ملك شاه
وأمره عليها ولما سار جاولي إلى الرحبة قاصدا صريخ رضوان بن تتش
نزل عليها آخر رمضان من السنة وحاصرها وبها محمد بن السباق من بني
شيبان ولاه عليها دقاق فاستبدّ بها وخطب لقلج أرسلان فحاصره جاولي
وكتب إلى رضوان يستدعيه ويعده بالمسير معه لدفاع فجاء رضوان وحاصر
معه الرحبة ثم دس إلى جاولي جماعة من حامية الأسوار فوثبوا بها
وأدخلوا وملك البلد وأبقى على محمد الشيبانيّ وسار معه ثم انّ قلج
أرسلان لما فرغ من أمر الموصل ولّى عليها ابنه ملك شاه في عسكر
ومعه أمير يدبره وسار إلى قتال جاولي ورجع عنه إبراهيم بن نيال إلى
بلده آمد من الخابور فبعث إلى بلده في الحشد فعاجله جاولي بالحرب
والتقوا في آخر ذي القعدة من السنة وانهزم أصحاب قلج أرسلان على
دفاعه وأعاد الخطبة للسلطان واستصفى أصحاب جكرمش ثم سار إلى
الجزيرة وبها جيش بن جكرمش ومعه غزغلي من موالي أبيه فحاصره مدّة
ثم صالحه على ستة آلاف دينار ورجع إلى الموصل وأرسل ملك شاه من قلج
أرسلان إلى السلطان محمد والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
[1] وفي الكامل ج 10 ص 426: فأتاه كتاب الملك رضوان يستدعيه إلى
الشام ويقول له: إن الفرنج قد عجز من بالشام عن منعهم.
(5/45)
مقتل صدقة بن مزيد
ولما استوحش صدقة بن مزيد صاحب الحلة من السلطان محمد سار إليه
السلطان وملك أعماله ولقيه صدقة فهزمه السلطان وقتل في المعركة كما
ذكرنا ذلك في أخبار صدقة في دولة ملوك الحلة والله سبحانه وتعالى
أعلم.
(قدوم ابن عمار صاحب طرابلس على السلطان محمد) كان فخر الدولة أبو
علي بن عمار صاحب طرابلس استبدّ بها على العبيديين فلما ملك
الافرنج سواحل الشام ردّدوا عليها الحصار فضاقت أحوالها فلما انتظم
الأمر للسلطان محمد واستقام ملكه قصده فخر الملك بن عمار صريخا
للمسلمين بعد أن استخلف على طرابلس ابن عمه ذا المناقب وفرق في
الجند عطاءهم لستة أشهر ورتب الجامكية في مقاعدهم للقتال وسار إلى
دمشق فلقيه طغتكين أتابك وخيم بظاهرها أياما ورحل إلى بغداد فأركب
السلطان الأمراء لتلقيه ولم يدخر عنه برا ولا عرامة وكذلك الخليفة
وأتحف السلطان بهدايا وذخائر نفيسة وطلب النجدة وضمن النفقة على
العسكر فوعده بالنصر وأقام ثم لقي الأمير حسين بن أتابك طغتكين
ليسير بالعساكر إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال صدقة وجاولي ثم
يسير حسين معه إلى الشام ثم رحل السلطان عن بغداد سنة إحدى
وخمسمائة لقتال صدقة واستدعى ابن عمار وهو بالنهروان فودّعه وسار
معه الأمير حسين إلى دمشق وكان ابن عمار لما سار عن طرابلس استخلف
عليها ابن عمه ذا المناقب فانتقض واجتمع مع أهل طرابلس على إعادة
الدولة العلوية وبعثوا إلى الأفضل ابن أمير الجيوش المستبدّ على
الدولة بمصر بطاعتهم ويسألون الميرة فبعث إليهم شرف الدولة بن أبي
الطيب واليا معه الزاد من الأقوات والسلام فدخل البلد وقبض على أهل
ابن عمار وأصحابه واستصفى ذخائرهم وحمل الجميع إلى مصر في البحر.
استيلاء مودود بن أبي شكين على الموصل
من يد جاولي
قد تقدم لنا استيلاء جاولي على الموصل من يد قلج بن أرسلان وابن
جكرمش وهلاكهما على يده واستفحل ملكه بالموصل وجعل السلطان محمد
ولاية ما يفتحه من البلاد له فقطع الحمل عن السلطان واستنفره لحرب
صدقة فلم ينفر معه وداخل صدقة بأنه معه فلما فرغ السلطان من أمر
صدقة بعث مودود بن أبي شكين في العساكر وولاه الموصل وبعث معه
الأمراء ابن برسق وسقمان القبطي وآق سنقر البرسقي ونصر بن مهلهل بن
أبي الشوك
(5/46)
الكردي وأبو الهيجاء صاحب أربل مددا فوصلوا
الموصل وخيموا عليها فوجدوا جاولي قد استعدّ للحصار وحبس الأعيان
وخرج عن البلد وترك بها زوجته هي وابنه برسق في ألف وخمسمائة مقاتل
فأحسن في مصادرة الناس واشتد عليهم الحصار فلما كان المحرم سنة
اثنتين خرج بعض الحامية من فرجة من السور وأدخلوا منها مودود
والعساكر وأقامت زوجة جاولي بالقلعة ثمانية أيام ثم استأمنت وخرجت
إلى أخيها يوسف بن برسق بأموالها واستولى مودود على الموصل
وأعمالها وأمّا جاولي فلما سار عن الموصل حمل معه القمص الّذي كان
أسر بنعمان وأخذه منه جكرمش وسار به إلى نصيبين وسأل من صاحبها أبو
الغازي بن أرتق المظاهر على السلطان فلم يحبه إلى ذلك ورحل عن
نصيبين إلى ماردين بعد أن ترك ابنه مقيما مع الحامية فتبعه جاولي
ودخل عليه وحده بالقلعة متطارحا عليه فأجابه وسار معه إلى نصيبين
إلى سنجار وحاصراها فامتنعت عليهما ثم هرب أبو الغازي ليلا إلى
نصيبين وتركه فسار جاولي إلى الرحبة وأطلق القمص بردويل لخمس سنين
من الصرّة على مال قرّره عليه وأسرى من المسلمين يطلقهم وعلى
النصرة مهما طلبه وأرسله إلى سالم بن مالك بقلعة جعفر حتى جاء ابن
خالته جوسكر صاحب تل ناشز [1] من زعماء الفرنج وكان أسر مع القمص
فافتدى بعشرين ألف دينار وأقام جوسكر رهينة وسار القمص إلى انطاكية
ثم أطلق جاولي جوسكر وأخذ رهنا عنه صهره وصهر القمص وبعثه في إتمام
ما ضمن ولما وصل إلى انطاكية أعطاه شكري صاحبها ثلاثين ألف دينار
وخيلا وسلاحا وغير ذلك وكانت الرها ومروج بيد القمص ولما أسر ملك
جكرمش الرها من أصحابه طلبها منه إلآن فلم يجبه فخرج القمص مغاضبا
له ولحق بتل ناشز وقدم عليه جوسكر عند ما أطلقه جاولي ثم سار
إليهما شكري يعاجلهما قبل اجتماع أمرهما فحاصرهما أياما ورجع القمص
وجوسكر على حصون شكري صاحب انطاكية واستمدّ أبو سيل الأرمني صاحب
رعيان وكيسوم والقلاع شمالي حلب فأنجدهم بألف فارس وسار إليهم شكري
وحضر البترك وشهد جماعة من القسيسين والبطارقة أنّ أسمند خال شكري
قال له عند ما ركب البحر إلى بلاده أعد الرها إلى القمص إذا خلص من
الأسر فحكم البترك بإعادتها فأعادها تاسع صفر من السنة وعبر القمص
الفرات ليرفع إلى جاولي المال والأسرى كما شرط له وكان جاولي لما
أطلق القمص سار إلى الرحبة ولقيه أبو النجم بدران وأبو كامل منصور
وكانا مقيمين بعد قتل أبيهما عند سالم بن مالك فاستنجداه ووعداه أن
يسير معهما إلى الحلة واتفقوا على تقديم أبي الغازي تكين ثم قدم
عليهم أصبهبذ صباوو وقد أقطعه السلطان
__________
[1] وفي نسخة أخرى تل باشر.
(5/47)
الرحبة فأشار على جاولي بقصد الشام لخلوها عن
العساكر والتجنب عن العراق وطريق السلطان فقبل إشارته وأحصر على
الرحبة ثم وفد عليه صريح سالم بن مالك صاحب قلعة جعفر يستغيث به من
بني نمير وكان حيوش البصري قد نزل على ابن سالم بالرقّة وملكها
وسار إليه رضوان من حلب فصالحه بنو نمير بالمال ورجع عليهم فاستنجد
سالم الآن جاولي فجاء وحاصر بني نمير بالرقة سبعين يوما فأعطوه
مالا وخيلا ورحل عنهم واعتذر لسالم ثم وصل جاولي الى الأمير حسين
بن أتابك قطلغ تكين كان أبوه أتابك السلطان محمد بكنجة فقتلته
وتقدم ولده هذا عند السلطان وبعثه مع ابن عمار ليصلح أمر جاولي
وتسير العساكر كلها الى الجهاد مع ابن عمار فأجاب جاولي لذلك وقال
لحسين سر إلى الموصل ورحّل العساكر عنها وأنا أعطيك ولدي رهينة
وتكون الجباية لوال من قبل السلطان فجاء حسين إلى العساكر قبل أن
يفتحوها فكلهم أجاب إلا الأمير مودود فإنه امتنع من الرحيل إلا
بإذن من السلطان وأقام محاصرا لها حتى افتتحها وعاد ابن قطلغ إلى
السلطان فأحسن الاعتذار عن جاولي وسار جاولي إلى بالس فملكها من
أصحاب رضوان بن تتش وقتل جماعة من أهلها فيهم القاضي محمد بن عبد
العزيز بن الياس وكان فقيها صالحا ثم سار رضوان بن دقاق لحرب جاولي
واستمدّ شكري صاحب انطاكية فأمدّه بنفسه وبعث جاولي إلى القمص
بالرها يستمدّه وترك له مال المفاداة فباء إليه بنفسه ولحقه بمنبج
وجاء الخبر إلى جاولي باستيلاء مودود وعساكر السلطان على الموصل
وعلى خزائنه فاضطرب أمره وانفض عنه كثير من أصحابه منهم زنكي بن آق
سنقر وبكتاش وبقي معه أصبهبذ صباوو وبدران بن صدقة وابن جكرمش
وانضمّ إليه كثير من المتطوّعة ونزل تل ناشر وأتى عسكر رضوان وشكري
وكاد أن يهزمهم لولا أنّ أصحابه ساروا عنه وسار في أتباعهم فأبوا
عليه فمضى منهزما وقصد أصبهبذ الشام وبدران بن صدقة قلعة جعفر وابن
جكرمش جزيرة ابن عمر وقتل من المسلمين خلق ونهب صاحب انطاكية
سوادهم وهرب القمص وجوسكر إلى تل ناشر وكان المنهزمون من المسلمين
يمرون بهم فيكرمونهم ويجيزونهم إلى بلادهم ولحق جاولي بالرحبة فلقي
بها سرايا مودود صاحب الموصل وخفي عنهم فارتاب في أمره ولم ير
الخير له من قصد السلطان محمد ثقة بما ألقى إليه حسين بن قطلغ تكين
في شأنه فأوغر في السير ولحق بالسلطان قريبا من أصبهان ونزل حسين
بن قطلغ فدخل به إلى السلطان فأكرمه وطلب منه بكتاش ابن عمه تتش
واعتقله بأصبهان.
(5/48)
مقتل مودود بن توتكين
[1] صاحب الموصل في حرب الافرنج وولاية البرسقي مكانه
كان السلطان محمد قد أمر مودودا صاحب الموصل سنة خمس وخمسمائة
بالمسير لقتال الإفرنج وأمدّه بسقمان القبطي صاحب ديار بكر
وأرمينية واياكي وزنكي ابني برسق أمراء همدان وما جاورها والأمير
أحمد بك أمير مراغة وأبو الهيجاء صاحب اربل والأمير أبو الغازي
صاحب ماردين وبعث إليه أياز مكانه فسار إلى سنجار وفتحوا حصونا
للإفرنج وحاصروا مدينة الرها فامتنعت عليهم وأقام الإفرنج على
الفرات بعد أن طرقوا أعمال حلب فعاثوا فيها ثم حاصر العساكر
الإسلامية قلعة ناشر فامتنعت ودخلوا إلى حلب فامتنع رضوان من
لقائهم فعادوا ومات سقمان القبطي في دلاس فحمله أصحابه في تابوت
إلى بلاده واعترضهم أبو الغازي بن أرتق ليأخذهم فهزموه ثم افترقت
العساكر بمرض ابن برسق ومسير أحمد ابن صاحب مراغة إلى السلطان لطلب
بلاد سقمان القبطي واجتمع قطلغتكين صاحب دمشق بمودود ونزل معه على
نهر القاضي وسمع الإفرنج بافتراق العساكر فساروا إلى افاميه وجاء
السلطان ابن منقذ صاحب شيراز إلى مودود وقطلغتكين وحصرهما على
الجهاد ونزلوا جميعا على شيراز ونزل الفرنج قبالتهم ثم رأوا قوّة
المسلمين فعادوا إلى أفامية ثم سار مودود سنة ست إلى الرها وسروج
فعاث في نواحيها فكبسه جوسكر صاحب تل ناشر في الإفرنج ونال منه ثم
اجتمع المسلمون سنة سبع للجهاد باستنجاد قطلغتكين صاحب دمشق لمودود
فاجتمع معه بمنزل صاحب سنجار وأياز بن أبي الغازي وعبروا الفرات
إلى قطلغتكين وقصدوا القدس فسار إليهم صاحبها بقزوين ومعه جوسكر
صاحب تل ناشر على جيشه ونزلوا الأردن واقتتلوا قريبا من طبرية
فانهزم الافرنج وقتل كثير منهم وغرق كثير في بحيرة طبرية ونهر
الأردن وغنم المسلمون سوادهم ثم لقيهم عسكر طرابلس وانطاكية من
الفرنج فاستعانوا بهم وعادوا الحرب ونزلوا في جبل طبرية فحاصرهم
فيه المسلمون ثم ساروا فعاثوا في بلاد الإفرنج ما بين عكا إلى
القدس ثم نزلوا دمشق وفرق مودود عساكره ووعدهم العود من قابل
للجهاد ودخل دمشق ليستريح عند قطلغتكين فصلى الجمعة في الجامع
فطعنه باطني فأثواه وهلك لآخر يومه واتهم قطلغتكين به وقتل الباطني
من يومه ولما بلغ الخبر السلطان بقتل مودود ولي
__________
[1] وفي بعض النسخ انوتكين. ومودود بن أبي شكين.
(5/49)
على الموصل وأعمالها آق سنقر البرسقي سنة ثمان
وخمسمائة وبعث معه ابنه الملك مسعود في جيش كثيف وأمره بجهاد
الإفرنج وكتب إلى الأمراء بطاعته فوصل إلى الموصل واجتمعت إليه
عساكر النواحي فيهم عماد الدين زنكي بن آق سنقر ونمير صاحب سنجار
وسار البرسقي إلى جزيرة ابن عمر فأطاعه نائب مودود بها ثم سار إلى
ماردين فأطاعه أبو الغازي صاحبها وبعث معه ابنه أياز فسار إلى
الرها فحاصرها شهرين ثم ضاقت الميرة على عسكره ثم رحل إلى شميشاط
بعد أن خرب نواحي الرها وسروج وشميشاط وكانت مرعش للإفرنج هي وكسوم
ورعيان وكان صاحبها كراسك واتفقت وفاته وملكت زوجته بعده فراسلت
البرسقي بالطاعة وبعث إليها رسوله فأكرمته وأرجعته إلى البرسقي
بالهدايا والطاعة وفرّ عنها كثير من الإفرنج إلى أنطاكية ثم قبض
البرسقي على أياز بن أبي الغازي لاتهامه إياه في الطاعة فسار إليه
أبو الغازي في العساكر وهزمه واستنقذ ابنه أياز من أسره كما ترى في
أخبار دولة أبي الغازي وبنيه وبعث السلطان يهدده فوصل يده
بقطلغتكين صاحب دمشق والفرنج وتحالفوا على التظاهر ورجع أبو الغازي
إلى ديار بكر فسار إليه قزجان بن مراجا صاحب حمص وقد تفرّق عنه
أصحابه فظفر به وأسره وجاء قطلغتكين في عساكره وبعث الى قزجان في
إطلاقه فامتنع وهم بقتله فعاد عنه قطلغتكين الى دمشق وكان قزجان قد
بعث الى السلطان بخبره وانتظر من يصل في قتله فأبطأ عليه فأطلق أبا
الغازي بعد أن توثق منه بالحلف وأعطاه ابنه أياز رهينة ولما خرج
سار إلى حلب وجمع التركمان وحاصر قزجان في طلب ابنه إلى أن جاءت
عساكر السلطان.
مسير العساكر لقتال أبي الغازي
وقطلغتكين والجهاد بعدهما
ولما كان ما ذكرناه من عصيان أبي الغازي وقطلغتكين على السلطان
محمد وقوّة الفرنج على المسلمين جهز السلطان جيشا كثيرا مقدمهم
الأمير برسق صاحب همدان ومعه الأمير حيّوش بك والأمير كشغرة وعساكر
الموصل والجزيرة وأمرهم بقتال أبي الغازي وقطلغتكين فإذا فرغوا
منهما ساروا إلى الفرنج فارتجعوا البلاد من أيديهم فساروا لذلك في
رمضان من سنة ثمان وعبروا الفرات عند الرّقة وجاءوا إلى حلب وطلبوا
من صاحبها لؤلؤ الخادم ومن مقدم العسكر المعروف بشمس الخواص تسليم
حلب بكتاب السلطان في ذلك فتعلل عليهم وبعث إلى أبي الغازي
وقطلغتكين بالخبر واستنجدهما فسار إليه في ألفين وامتنعت حلب على
(5/50)
عساكر السلطان فسار برسق بالعساكر إلى حماة
وهي لقطلغتكين فملكها عنوة وسلمها إلى قزجان صاحب حمص بعهد السلطان
له بذلك في كل ما يفتحونه من البلاد فثقل ذلك على الأمراء وتخاذلوا
وتسلم قزجان حماة بن برسق وأعطاه ابن أبي الغازي ابنه رهينة عنده
ثم سار أبو الغازي وقطلغتكين وشمس الخواص الى أنطاكية مستنجدين
بصاحبها بردويل وجاءهم بعد ذلك بغدوين صاحب القدس وصاحب طرابلس
وغيرهما من الإفرنج واتفقوا على تأخير الحرب إلى انصرام الشتاء
واجتمعوا بقلعة أفامية وأقاموا شهرين وانصرم الشتاء والمسلمون
مقيمون فوهنت عزائم الإفرنج وعادوا إلى بلادهم وعاد أبو الغازي إلى
ماردين وقطلغتكين إلى دمشق وسار المسلمون إلى كفر طاب من بلاد
الإفرنج فحاصروه وملكوه عنوة وأسروا صاحبه واستلحموا من فيه ثم
ساروا إلى قلعة أفامية فامتنعت عليهم فعادوا إلى المعرة وفارقهم
حيوش بك إلى مراغة فملكه وسارت العساكر من المعرة إلى حلب وقدموا
أثقالهم وخيامهم فصادفهم بردويل صاحب أنطاكية في خمسمائة فارس
وألفي راجل صريخا لأهل كفر طاب وصادف مخيم العسكر ففتك فيه وفعل
الأفاعيل وهم متلاحقون وجاء الأمير برسق وعاين مصارعهم وأشار عليه
إخوته بالنجاء بنفسه فنجا بنفسه وأتبعهم الإفرنج ورجعوا عنهم على
فرسخ وعاثوا في المسلمين في كلّ ناحية وقتل أياز بن أبي الغازي
قتله الموكلون به وجاء أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين ما لم
يحتسبوه ويئسوا من النصرة ورجعت العساكر منهزمة إلى بلادها وتوفي
برسق زنكي سنة عشر بعدها.
ولاية حيوش بك ومسعود بن السلطان محمد
علي الموصل
ثم أقطع السلطان الموصل وما كان بيد آق سنقر البرسقي للأمير حيوش
بك وبعث معه ابنه مسعود وأقام البرسقي بالرحبة وهي اقطاعه إلى أن
توفي السلطان محمد.
ولاية جاولي سكاوو على فارس وأخباره
فيها ووفاته
كان جاولي سكاوو لما رجع إلى السلطان محمد ورضي عنه ولاه فارسا
وأعمالها وبعث معه ابنه جعفري بك طفلا كما فصل من الرضاع وعهد إليه
بإصلاحها فسار إليها ومرّ بالأمير بلداجي في بلاده كليل وسرماة
وقلعة إصطخر وكان من مماليك السلطان ملك شاه فاستدعاه للقاء جعفري
بك وتقدّم إليه بأن يأمر بالقبض عليه فقبض عليه ونهبت أمواله وكان
أهله وذخائره في قلعة
(5/51)
إصطخر وقد استناب فيها وزيره الخيمي ولم يمكنه
الّا من بعض أهله فلما وصل جاولي إلى فارس ملكها منه وجعل فيها
ذخائر ثم أرسل إلى خسرو وهو الحسين بن مبارز صاحب نسا وأمير
الشوامكار من الأكراد فاستدعاه للقاء جعفري بك من السلطان خشية مما
وقع لبلداجي فأعرض عنه وأظهر الرجوع إلى السلطان ومضى رسول خبره
فبشر بانضافه عن فارس فما أدّى إليه الخبر إلا وجاولي قد خالطهم
رجع من طريقه وأوغر في السير إليهم ثم هرب خسرو إلى عمدالج وفتك
جاولي في أصحابه وماله ثم سار جاولي إلى مدينة نسا فملكها ونهب
جهرم وغيرها وسار إلى خسرو فامتنع عليه بحصنه فرجع إلى شيراز وأقام
بها ثم سار إلى كازرون فملكها وحاصر أبا سعيد بن محمد في قلعته
مدّة عامين وراسله في الصلح فقتل الرسل مرّتين ثم اشتدّ عليه
الحصار واستأمن فأمنه وملك الحصن ثم استوحش من جاولي فهرب وقبض على
ولده وجيء به أسيرا فقتل ثم سار جاولي إلى دار بكرد فهرب صاحبها
إبراهيم إلى كرمان وصاحبها أرسلان شاه كرمان شاه ابن أرسلان بن
قاروت بك فسار جاولي إلى حصار درابكرد فامتنعت عليه فخرج إلى
البرية ثم جاءهم من طريق كرمان كاءنة مدد لهم من صاحب كرمان
فأدخلوه فملك البلد واستلحم أهله ثم سار إلى كرمان وبعث إلى خسرو
مقدّم الشوذكان يستدعيه للمسير معه فلم يحد بدّا من موافقته وجاء
وصاحبه الى كرمان وبعث إلى ملك كرمان بإعادة الشواذكان الذين عنده
فبعث بالشفاعة فيهم فاستخلص السلطان الرسول بالإحسان وحثه على
صاحبه ووعده بأن يرد العساكر عن وجهه ويخذلهم عنه ما استطاع وانقلب
عنه إلى صاحبها ففي عساكر كرمان وزيره بالسيرجان فتراءى لهم أنّ
جاولي عازم على مواصلتهم وأنه مستوحش من اجتماع العساكر بالسيرجان
وأشار عليه بالرجوع فرجعوا وسار جاولي في أثر الرسول وحاصر حصنا
بطرف كرمان فارتاب ملك كرمان بخبر الرسول ثم أطلع عليه من غير
جامعة فقتله ونهب أمواله وبعث العساكر لقتاله واجتمع معهم صاحب
الحصن المحاصر وسلك بهم غير الجادة وسمع جاولي بخبرهم فأرسل بعض
الأمراء ليأتيه بالخبر فلم يحد بالجادة أحدا فرجع وأخبره أن عسكر
كرمان قد رجع فاطمأنّ ولم يكن الا قليل حتى بيتته عساكر كرمان في
شوّال سنة ثمان وخمسمائة فانهزم وفتكوا فيه قتلا وأسرا وأدركه خسرو
بن أبي سعد الّذي كان قتل أباه فلما رآهما خاف منهما فآنساه
وأبلغاه إلى مأمنه بمدينة نسا ولحقته عساكره وأطلق ملك كرمان
الأسرى وجهزهم إليه وبينما هو يجهز العساكر لكرمان لأخذ ثاره توفي
جعفري بك ابن السلطان في ذي الحجة من سنة تسع لخمس سنين من عمره
فقطعه ذلك عن معاداة كرمان ثم بعث ملك كرمان
(5/52)
إلى السلطان ببغداد في منع جاولي عنه فقال له
لا بدّ أن تسلم الحصن إلى حاصره جاولي في حدّ كرمان وانهزم عليه
وهو حصن فرح ثم توفي جاولي في ربيع سنة عشر فامنوا إعادته والله
سبحانه وتعالى أعلم.
وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود
ثم توفي السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من
ملكه بعد أن أجلس ولده محمودا على الكرسي قبل وفاته بعشر ليال
وفوّض إليه أمور الملك فلما توفي نفذت وصيته لابنه محمود فأمره
فيها بالعدل والإحسان وخطب له ببغداد وكان مناهز الحلم وكان
السلطان محمد شجاعا عادلا حسن السيرة وله آثار جميلة في قتال
الباطنية قد مرّ ذكرها في أخبارهم ولما ولي قام بتدبير دولته
الوزير أبو منصور وأرسل إلى المستظهر في طلب الخطبة ببغداد له في
منتصف المحرم من سنة اثنتي عشرة وأقر طهرون شحنة على بغداد وقد كان
السلطان محمد ولاه عليها سنة اثنتين وخمسمائة ثم عاد البرسقي
وقاتله وانهزم إلى عسكر السلطان محمود على الحلة دبيس بن صدقة وقد
كان عند السلطان محمد منذ قتل أبوه صدقة وأحسن إليه وأقطعه وولي
على الحلة سعيد بن حميد العمري صاحب جيش صدقة فلما توفي رغب من
ابنه السلطان محمود العود إلى الحلة فأعاده واجتمع عليه العرب
والأكراد.
وفاة المستظهر وخلافة ابنه المسترشد
ثم توفي المستظهر بن المقتدي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة منتصف ربيع
الآخر ونصب للخلافة ابنه المسترشد واسمه الفضل وقد تقدّم ذلك في
أخبار الخلفاء.
خروج مسعود ابن السلطان محمد على أخيه
محمود
تقدّم لنا أنّ السلطان ولى على الموصل ابنه مسعودا ومعه حيوس بك
وان السلطان محمود اودبيس بن صدقة سارا إلى الحلة فلما توفي
السلطان محمد وولي ابنه محمود سار مسعود من الموصل مع أتابك حيوس
بك ووزيره فخر الملك على بن عمار وقسيم الدولة وزنكي بن آقسنقر
صاحب سنجار وأبي الهيجاء صاحب أربل وكرباوي بن خراسان صاحب
(5/53)
المواريح [1] وقصدوا الحلة فدافعهم دبيس
فرجعوا إلى بغداد وسار البرسقي إلى قتالهم فبعث إليه حيوس بك بأنهم
إنما جاءوا لطلب الصريخ على دبيس صاحب الحلة فاتفقوا وتعاهدوا ونزل
مسعود بدار الملك ببغداد وجاء الخبر بوصول عماد الدين منكبرس
الشحنة وقد كان البرسقي هزم ابنه حسينا كما مر فسار بالعساكر إلى
البرسقي فلما علم بدخول مسعود إلى بغداد عبر دجلة من النعمانية إلى
دبيس بن صدقة فاستنجده وخرج مسعود وحيوس بك والبرسقي ومن معهم
للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأتتهم الأخبار بكثرة جموع منكبرس
ودبيس فرجعوا وأجازوا نهر صرصر ونهبوا السواد من كل ناحية وبعث
المسترشد إلى مسعود والبرسقي [2] والحث على الموادعة والصلح وجاءهم
الخبر بأنّ منكبرس ودبيس بعثا مع منصور أخي دبيس وحسين بن أرز [3]
وبني منكبرس عسكرا لحماية بغداد فرجع البرسقي إلى بغداد دليلا ومعه
زنكي بن آق سنقر وترك ابنه عز الدين مسعودا على العسكر بصرصر
فالتقى [4] ومنع عسكر منكبرس من العبور وأقام يومين ثم وافاه كتاب
ابنه بأن الصلح تمّ بين الفريقين بعده ففشل وعبر إلى الجانب الغربي
ومنصور وحسين في أثره ونزلا عند جامع السلطان وخيم البرسقي عند
القنطرة القبلية وخيم مسعود وحيوس بك عند المارستان ودبيس ومنكبرس
تحت الرقة وعز الدين مسعود بن البرسقي عند منكبرس منفردا عن أبيه
وكان سبب انعقاد الصلح أن حيوس بك أرسل إلى السلطان محمود يطلب
الزيادة له وللملك مسعود فأقطعهما أذربيجان ثم وصل الخبر بمسيرهما
إلى بغداد فاستشعر منهما العصيان وجهز العساكر الى الموصل فكتب
إليه رسوله بذلك ووقع الكتاب بيد منكبرس الشحنة فبعث إليه وضمن له
إصلاح الحال له وللسلطان مسعود وكان منكبرس متزوّجا بأم السلطان
مسعود واسمها سر جهان فكان يؤثر مصلحته فاستقر الصلح واتفقوا على
إخراج البرسقي من بغداد إلى الملك وأقام عنده واستقر منكبرس شحنة
بغداد وساء أثره في الرعية وتعرض لأموال الناس وحرمهم وبلغ الخبر
إلى السلطان محمود فاستدعاه إليه فبقي يدافع ثم سار خوفا من عامة
بغداد والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
[1] وفي بعض النسخ البوازيج.
[2] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 10 ص 540: فأرسل المسترشد
باللَّه إلى الملك مسعود والبرسقي ينكر هذه الحال ويأمرهم بحقن
الدماء وترك الفساد.
[3] الأمير حسين بن أزبك ربيب منكبرس.
[4] كذا بياض بالأصل وفي الكامل، واستحب معه عماد الدين زنكي بن
آقسنقر فوصل إلى ديالى، ومنع عسكر منكبرس من العبور.
(5/54)
خروج الملك طغرل [1]
على أخيه السلطان محمود
كان الملك طغرل بن السلطان محمد عند وفاة أبيه مقيما بقلعة سر جهان
وكان أبوه أقطعه سنة أربع سماوة وآوة وزنجان وجعل أتابك الأمير
شيركير الّذي حاصر قلاع الإسماعيلية كما مرّ في أخبارهم وكان عمره
يومئذ عشرا فأرسل السلطان محمد الأمير كسعدي أتابكا له وأعجله إليه
وكان كسعدي حاقدا عليه فحمل طغرل على العصيان ومنعه من المجيء إلى
أخيه وانتهى ذلك إلى محمود فأرسل إلى أخيه بتحف وخلع وثلاثين ألف
دينار ومواعد جميلة فلم يصيخوا إليها وأجابه كسعدي [2] إننا في
الطاعة ومعترضون لمراسم الملك فسار إليهم السلطان مغذا ليكبسهم
وجعل طريقه على قلعة شهران التي فيها ذخائر طغرل وأمواله ونما
الخبر إلى طغرل وكسعدي فخرجا من العسكر في خفية قاصدين شهران وأخلى
الطريق عنها لما سبق من اللطف فوقعا على قلعة سرجهان وجاء السلطان
إلى العسكر فأخذ خزائن أخيه طغرل وفيها ثلاثمائة ألف دينار ثم أقام
بزنجان أياما ولحق منها بالريّ ولحق طغرل وكسعدي بكنجة واجتمع إليه
أصحابه وتمكنت الوحشة بينه وبين أخيه.
فتنة السلطان محمود مع عمه سنجر
ولما توفي السلطان محمد بلغ الخبر إلى أخيه سنجر بخراسان أظهر من
الجزع والحزن ما لم يسمع بمثله حتى جلس للعزاء على الرماد وأغلق
بابه سبعا ثم سمع بولاية ابنه محمود فنكر ذلك وعزم على قصد بلاد
الجبل والعراق وطلب السلطنة لنفسه مكان أخيه وكان قد سار إلى غزنة
سنة ثمان وخمسين وفتحها وتنكر لوزيره أبي جعفر محمد بن فخر الملك
أبي المظفر ابن نظام الملك لما بلغه أنه أخذ عليه الرشوة من صاحب
غزنة ليثنيه عن قصده إليه وفعل مثل ذلك بما وراء النهر وامتحن أهل
غزنة بعد فتحها وأخذ منها أموالا عظيمة وشكا إليه الأمراء اهانته
إياهم فلما عاد إلى بلخ قبض عليه وقتله واستصفى أمواله وكانت لا
يعبر عنها كان فيها من العين وحده ألف دينار مرتين واستوزر بعده
شهاب الإسلام عبد الرزاق ابن أخي نظام الملك وكان يعرف بابن الفقير
فلما مات أخوه السلطان محمد عزم على طلب الأمر
__________
[1] وبعض النسخ طغرل
[2] ورد اسمه في الكامل كنتغدي ج 10 ص 347.
(5/55)
لنفسه وعاوده الندم على قتل وزيره أبي جعفر
لما يعلم من اضطجاعه بمثلها ثم انّ السلطان محمود أبعث إليه يصطنعه
بالهدايا والتحف وضمن له ما يزيد عن مائتي ألف دينار كل سنة وبعث
في ذلك شرف الدين أنوشروان بن خالد وفخر الدين طغرل فقال لهما سنجر
أن ابن أخي صغير وقد تحكم عليه وزيره وعلي بن عمر الحاجب فلا بدّ
من المسير وبعث في مقدمته الأمير أنزوسار السلطان محمود وبعث في
مقدّمته الحاجب علي بن محمد وكان حاجب أبيه قبله فلما تقاربت
المقدّمتان بعث الحاجب علي بن عمر إلى الأمير أنز وهو بجرجان
بالعتاب ونوع من الوعيد فتأخر عن جرجان فلحقته بعض العساكر ونالوا
منه ورجع الحاجب إلى السلطان محمود بالري فشكر له فعله وأقاموا
بالري ثم ساروا إلى كرمان وجاءته الإمداد من العراق مع منكبرس
ومنصور بن صدقة أخي دبيس وأمراء فسار إلى همدان وتوفي وزيره الربيب
فاستوزر أبا طالب الشهيري ثم سار السلطان في عشرين ألفا وثمانية
عشر فيلا ومعه ابن الأمير أبي الفضل صاحب سجستان وخوارزم شاه محمد
والأمير أنز والأمير قماج وكرشاسف بن ضرام بن كاكويه صاحب برد وهو
صهره على أخته وكان خصيصا بالسلطان محمد فاستدعاه بعد موته سنجر
وتأخر عنه وأقطع بلده لقراجا السامر فبادر إليه وتراجعوا بقرب ساوة
في جمادى ثالث عشرة فسبقت عساكر السلطان محمود إلى الماء من أجل
المسافة التي بين ساوة وخراسان وكانت عساكر السلطان ثلاثين ألفا
ومعه الحاجب علي بن عمر ومنكبرس وأتابك غزغلي وبنو برسق وآق سنقر
البحاري وقراجا الساني ومعه سبعمائة حمل من السلاح فعند ما اصطفوا
إلى الحرب انهزم عساكر السلطان سنجر ميمنة وميسرة وثبت هو في القلب
والسلطان محمود قبالته وحمل السلطان سنجر في الفيلة فانهزمت عساكر
السلطان محمود واسر أتابك غزغلي وكان يكاتب السلطان سنجر بأنه يحمل
إليه ابن أخيه فعاتبه على ذلك ثم قتله ونزل سنجر في خيام محمود
واجتمع إليه أصحابه ونجا محمود من الواقعة وأرسل دبيس ابن صدقة
للمسترشد في الخطبة لسنجر فخطب له أواخر جمادى الأولى من السنة
وقطعت خطبة محمود ثم أنّ السلطان سنجر رأى قلة أصحابه وكثرة أصحاب
محمود فراسله في الصلح وكانت تحضه على ذلك فامتنع ولحق البرسقي
بسنجر وكان عند الملك مسعود بأذربيجان من يوم خروجه من بغداد فسار
سنجر من همدان إلى الكرخ وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح
ووعده بولاية عهده فأجاب وتحالفا على ذلك وسار محمود إلى عمه سنجر
في شعبان بهدية حافلة ونزل على جدته فتقبل منه سنجر وقدّم له خمسة
أفراس عربية وكتب لعماله بالخطبة لمحمود بعده في جميع ولايته وإلى
بغداد بمثل ذلك
(5/56)
وأعاد عليه جميع ما أخذه من بلاده سوى الريّ
وصار محمود في طاعة عمه سنجر ثم سار منكبرس عن السلطان محمود إلى
بغداد وبعث دبيس بن صدقة من منعه من دخولها فعاد ووجه الصلح بين
الملكين قد أسفر فقصد السلطان سنجر مستجيرا به من الاستبداد عليه
ومسيره لشحنة بغداد من غير إذنه ثم أنّ الحاجب علي بن عمر ارتفعت
منزلته في دولته وكثرت سعاية الأمراء فيه فأضمر السلطان نكبته
فاستوحش وهرب إلى قلعة له كان ينزل بها أهله وأمواله وسار منها إلى
خوزستان وكانت بنو برسق اسوري وابن أخويه ارغوي بن ملتكى وهدد بن
زنكي [1] بعثوا عسكرا يصدّونه عن بلادهم ولقوة قريبا من تستر
فهزموه وجاءوا به أسيرا وكاتبوا السلطان محمودا بأمره فأمرهم بقتله
وحمل رأسه إليه ثم أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الذين تهدّدوا
إلى شحنة بغداد فعاد إليها وعزل نائب دبيس بن صدقة [2] .
استبداد علي بن سكمان بالبصرة
كان السلطان محمد قد أقطع البصرة للأمير آقسنقر البخاري واستخلف
عليها سنقر الشامي فأحسن السيرة فلما توفي السلطان محمد وثب عليه
غزغلي مقدّم الأتراك الإسماعيلية وكان يحج بالناس منذ سنين وسنقر
ألبا وملكا البصرة من يده وحبساه وذلك سنة احدى عشرة وهمّ سنقر
البا بقتله فعارضه غزغلي فلم يرجع وقتله فقتله غزغلي به وسكن الناس
وكان بالبلد أمير اسمه علي بن سكمان حج بالناس وغاب عن هذه الواقعة
فغصّ به غزغلي لتمام الحج على يده وخشي أن يثأر منهم بسنقر البا
لتقدّمه عليهم فأوغر الى عرب البرية فنهب الحاج [3] وانثنى علي بن
سكمان في الدفاع عنهم الى أن قارب البصرة والعرب يقاتلونه فبعث
اليه غزغلي بالمنع من البصرة فقصد القرى أسفل دجلة وصدق الحملة على
العرب فهزمهم ثم سار اليه غزغلي وقاتله فأصابه سهم فمات وسار علي
بن سكمان الى البصرة وملكها وكاتبه آقسنقر البخاري صاحب عمان
بالطاعة واقترنوا به على أعماله وكان عند السلطان وطلبه أن يوليه
البصرة فأبى وبقي ابن سكمان مستبدا بالبصرة الى أن بعث السلطان آق
سنقر البخاري الى البصرة سنة أربع
__________
[1] كذا الأصل وفي الكامل ج 10 ص 557: وكانت بيراقبوري بن برسق
وابني أخويه أرغلي بن يلبكي وهندو بن زنكي.
[2] كذا في الأصل وفي الكامل ج 10 ص 560 أمر السلطان سنجر بإعادة
مجاهد الدين بهروز إلى شحنكية الطرق، وكان بها نائب دبيس بن صدقة
فعزل عنها.
[3] توصل لفرض فاسد بلحوف ضرر لحجاج بيت الله الحرام فلم يتم له
ذلك الغرض وحالت المنية دون الامنية- (من خط الشيخ العطار) .
(5/57)
عشرة فملكها علي بن سكمان.
استيلاء الكرج على تفليس
كان الكرج قديما يغيرون على أذربيجان وبلاد ارّان قال ابن الأثير
والكرج هم الخزر وقد بينا الصحيح من ذلك عند ذكر الأنساب وأن الخزر
هم التركمان [1] الا أن يكون الكرج من بعض شعوبهم فيمكن ولما
استفحل ملك السلجوقية أمسكوا عن الاغارة على البلاد المجاورة لهم
فلما توفي السلطان محمد رجعوا الى الغارة فكانت سراياهم وسرايا
القفجاق تغير على البلاد ثم اجتمعوا وكانت بلد الملك طغرل وهي
ارّان ونقجوان الى أوس مجاورة لهم فكانوا يغيرون عليها الى العراق
لملك بغداد ونزل على دبيس ابن صدقة فسار هو وأتابك كبغري ودبيس بن
صدقة وأبي الغازي بن أرتق وسار في ثلاثين ألفا الى الكرج والقفجاق
فاضطرب المسلمون وانهزموا وقتل منهم خلق وتبعهم الكفار عشرة فراسخ
وعادوا عنهم وحاصروا مدينة تفليس وأقاموا عليها سنة وملكوها عنوة
سنة خمس عشرة [2] ووصل صريخهم سنة ست عشرة الى السلطان محمود
بهمدان فسار لصريخهم وأقام بمدينة تبريز وانفذ عساكره الى الكرج
فكان من أمرها ما يذكر ان شاء الله تعالى.
الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود
قد تقدّم لنا مسير مسعود الى العراق وموت أبيه السلطان محمد وما
تقرّر بينهما من الصلح ورجوعه الى الموصل بلده وان السلطان محمودا
زاده آذربيجان ولحق به قسيم الدولة البرسقي عند ما طرده عن شحنة
بغداد فأقطعه مسعود مراغة مضافة الى الرحبة وكاتب دبيس حيوس بك
أتابك مسعود يحرضه على نكبة البرسقي وانه يباطن السلطان محمودا
ووعده على ذلك بالأموال وحرضهم على طلب الأمر لمسعود ليقع الاختلاف
فيحصل له علو الكلمة كما حصل لأبيه في فتنة بركيارق ومحمد وشعر
البرسقي بسعاية دبيس فخشي على نفسه ولحق بالسلطان محمود فقبله
وأعلى محله ثم اتصل بالملك مسعود الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن
علي
__________
[1] الصحيح ان الكرج من الأرمن، واما الخزر فهم يعدون من الأتراك،
والآن اختلطوا مع الروم لقرب الديار والتغلب عليهم.
[2] كانت تفليس داخلة في الفتح الإسلامي، واستمرت بيد المسلمين الى
هذا الحد، وبعد أخذها بقيت بيد الكرج واتخذوها مقر- (من خطه أيضا)
.
(5/58)
الأصبهاني الطغرائي [1] وكان ابنه أبو الوليد
محمد بن أبي إسماعيل يكتب الطغري للملك مسعود فلما وصل أبوه
استوزره مسعود وعزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس سنة ثلاث عشرة
فأغري مسعودا بالخلاف على أخيه السلطان محمود فكتب اليهم السلطان
بالترغيب والترهيب فأظهروا أمرهم وخاطبوا الملك مسعودا بالسلطان
وضربوا له النوب الخمس واغزّوا اليه السير وهو في خف من العسكر
فسار اليهم في خمسة عشر ألفا وفي مقدّمته البرسقي ولقيهم بعقبة
أستراباذ منتصف ربيع الأول سنة أربع عشرة فانهزم الملك مسعود
وأصحابه وأسر جماعة من أعيانهم منهم الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي
وزير الملك مسعود فأمر السلطان محمود بقتله وقال ثبت عندي فساد
عقيدته وكان قتله لسنة من وزارته وكان كاتبا شاعرا يميل الى صناعة
الكيمياء وله فيها تصانيف معروفة ولما انهزم الملك مسعود لحق ببعض
الجبال على اثني عشر فرسخا من المعركة فاختفى فيه مع غلمان صغار
وبعث يستأمن من أخيه فأرسل اليه آق سنقر البرسقي يؤمنه ويجيء به
إليه وخالفه إليه بعض الأمراء فحرضه على اللحاق بالموصل وآذربيجان
ومكاتبة دبيس ومعاودة الحرب فسار معه لذلك وجاء البرسقي الى مكانه
الأوّل فلم يحده فاتبعه الى أن أدركه على ثلاثين فرسخا وأعلمه حال
أخيه من الرضا عنه وأعاده فرجع ولقيه العساكر بأمر السلطان محمود
وأنزله عند أمه ثم أحضره وهش له وبكى وخلطه بنفسه وذلك لثمانية
وعشرين يوما من الخطبة بآذربيجان وأما حيوس بك الاتابك فافترق من
السلطان من المعركة وسار الى الموصل وجمع الغلال من سوادها واجتمعت
اليه العساكر وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار الى الزاب موريا
بالصيد ثم أجدّ السير الى السلطان بهمدان فأمنه وأحسن اليه وبلغ
الخبر بالهزيمة الى دبيس وهو بالعراق فنهب البلاد وأخربها وبعث
اليه السلطان فلم يصغ الى كتابه.
ولاية آقسنقر البرسقي على الموصل ثم
على واسط وشحنة العراق
ولما وصل حيوس بك الى السلطان محمود بعثه الى أخيه طغرل وأتابك
كبغري فسار الى كنجة وبقي أهل الموصل فوضى من غير وال وكان آقسنقر
البرسقي قد أبلى في خدمة السلطان محمود وردّ اليه أخاه مسعودا يوم
الهزيمة فعرف له حق نصحه وحسن أثره فأقطعه الموصل وأعمالها
__________
[1] وهو صاحب اللامية المشهورة بلامية المعجم، وهي من فرائد الشعر
مملوءة حكما وأمثالا. يقال ان الطغرائي كان من الواصلين في علم
الكيمياء- (من خط الشيخ العطار) .
(5/59)
وما يضاف اليها كسنجار والجزيرة فسار اليها
سنة خمس عشرة وتقدّم الى سائر الأمراء بطاعته وأمره بمجاهدة
الافرنج واسترجاع البلاد منهم فوصل الى الموصل وقام بتدبيرها
وإصلاح أحوالها ثم أقطعه سنة ست عشرة بعدها مدينة واسط وأعمالها
مضافة الى الموصل وجعله شحنة بالعراق فاستخلف عماد الدين زنكي بن
آقسنقر وبعثه اليها فسار اليها في شعبان من السنة.
مقتل حيوس بك والوزير الشهيرمي
ثم انّ السلطان بعد وصول حيوس بك بعثه لحرب أخيه طغرل كما قلناه
وأقطعه أذربيجان فتنكر له الأمراء وأغروا به السلطان فقتله على باب
هرمز في رمضان سنة عشر وأصله تركي من موالي السلطان محمد وكان
عادلا حسن السيرة ولما ولى الموصل والجزيرة وكان الأكراد بتلك
الأعمال انتشروا وكثرت قلاعهم وعظم فسادهم فقصدهم وفتح كثيرا من
قلاعهم كبلد البكارية [1] وبلد الزوزن وبلد النكوسة وبلد التخشيبة
وهربوا منه في الجبال والشعاب والمضايق وصلحت السابلة وأمن الناس
وأمّا الوزير الكمال أبو طالب الشهيرمي فإنه برز مع السلطان دبيس
الى همدان وخرج في موكبه وضاق الطريق فتقدّم الموكب بين يديه فوثب
عليه باطني وطعنه بسكين فأنفذه واتبعه الغلمان فوثب عليه آخر فجذبه
عن سرجه وطعنه طعنات وشرّدهم الناس عنه فوثب آخر فجذبه وذلك لأربع
سنين من وزارته وكان سيّئ السيرة ظلوما غشوما كثير المصادر ولما
قتل رفع السلطان ما كان أحدث من المكوس.
رجوع طغرل الى طاعة أخيه السلطان محمود
قد ذكرنا عصيان طغرل على أخيه السلطان محمود بالريّ سنة ثلاث عشرة
وأنّ السلطان محمود سار اليه وكبسه فلحق بر جهان ثم لحق منها بكنجة
وبلاد أرّان ومعه أتابك كبغري [2] فاشتدّت شوكته وقصد التغلب على
بلاد آذربيجان وهلك كبغري في شوّال سنة خمس عشرة ولحق بأقسنقر
الارمني صاحب مراغة ليقيم له الاتابكية وحرّضه على قتال السلطان
محمود فسار معه الى مراغة ومروا بأردبيل فامتنعت عليهم فساروا الى
هرمز وجاءهم الخبر
__________
[1] وفي بعض النسخ الهكارية.
[2] وفي الكامل ج 10 ص 567: كنتغدي.
(5/60)
هنالك بأنّ السلطان محمود بعث الأمير حيوس بك
الى أذربيجان وأقطعه البلاد وأنه وصل الى مراغة في عسكر كثيف
فساروا عن هرمز الى خونج وانتقض عليهم وراسلوا الأمير بشيركين [1]
الّذي كان أتابك طغرل أيام أبيه يستنجد به وكان كبغري الاتابك قبض
عليه بعد السلطان محمد ثم أطلقه السلطان سنجر وعاد الى أبهر وزنجان
وكانت أقطاعه فأجاب داعيهم وسار أمامهم الى أبهر ولم يتم أمرهم
فراسلوا السلطان في الطاعة وعاد طغرل الى أخيه وانتظم أمرهم.
مقتل وزير السلطان محمود
كان وزير السلطان محمود شمس الملك بن نظام الملك وكان حظيا عنده
فكثرت سعاية أصحابه فيه وكان ابن عمه الشهاب أبو المحاسن وزير
السلطان سنجر فتوفي واستوزر سنجر بعده أبا طاهر القمي عدوا لبني
نظام الملك فأغرى السلطان سنجر حتى أمر السلطان محمود بنكبته فقبض
عليه ودفعه الى طغرل فحبسه بقلعة جلجلال [2] ثم قتله بعد ذلك وكان
أخوه نظام الدين أحمد قد استوزره المسترشد وعزل به جلال الدين أبا
علي بن صدقة فلما بلغه نكبة شمس الملك ومقتله عزل أخاه نظام الدين
وأعاد ابن صدقة الى وزارته والله سبحانه وتعالى أعلم.
ظفر السلطان بالكرج
ثم وفد سنة سبع عشرة على السلطان محمود جماعة من أهل دنباوند
وشروان يستصرخونه على الكرج ويشكون ما يلقون منهم فسار لصريخهم
ولما تقارب الفئتان همّ السلطان بالرجوع وأشار به وزيره شمس وتطارح
عليه أهل شروان فأقام وباتوا على وجل ثم وقع الاختلاف بين الكرج
وقفجاق واقتتلوا ليلتهم ورحلوا منهزمين وعاد السلطان الى همدان
والله تعالى أعلم.
__________
[1] وفي بعض النسخ الأمير شيركير.
[2] كذا في الأصل وفي الكامل ج 10 ص 614: فبعثه الى بلدة خلخال
فحبسه فيها.
(5/61)
عزل البرسقي عن شحنة
العراق وولاية برتقش الزكوي
كان الخليفة المسترشد قد وقعت بينه وبين دبيس بن صدقة حروب شديدة
بنواحي المباركة من أطراف غانة وكان البرسقي معه وانهزم دبيس فيها
هزيمة شنيعة كما مرّ في أخباره وقصد غزنة صريخا فلم يصرخوه فقصد
المنتفق وسار بهم الى البصرة فدخلوها واستباحوها وقتلوا سلمان
نائبها فأرسل الخليفة الى البرسقي بالنكير على إهمال أمر دبيس حتى
فتك في البصرة فسار البرسقي اليه وهرب دبيس فلحق بالافرنج وجاء
معهم لحصار حلب فامتنعت فلحق بطغرل ابن السلطان محمد يستحثه لقصد
العراق كما مر ذلك في أخبار دبيس وبقيت في نفس المسترشد عليه ولحق
بها أمثالها فتنكر له وبعث الى السلطان محمود في عزله فعزله وأمره
بالعود الى الموصل لجهاد الافرنج ووصل نائب برتقش الى بغداد وأقام
بها الشحنة وبعث السلطان ابنا له صغيرا ليكون معه على الموصل وسار
البرسقي به ووصل الموصل وقام بولايتها.
بداية أمر بني آقسنقر وولاية عماد
الدين زنكي على البصرة
كان عماد الدين زنكي في جملة البرسقي ولما أقطعه السلطان واسط بعث
عليها زنكي فأقام فيها أياما ثم كان مسير البرسقي الى البصرة في
أتباع دبيس فلما هرب دبيس عنها بعث البرسقي اليها عماد الدين زنكي
فأقام بحمايتها ودفع العرب عنها ثم استدعاه البرسقي عند ما سار الى
الموصل فضجر من تلوّن الأحوال عليه واختار اللحاق بأصبهان [1] فقدم
عليه بأصبهان فأكرمه السلطان وأقطعه البصرة وعاد اليها سنة ثمان
عشرة والله تعالى أعلم.
استيلاء البرسقي على حلب
لما سار دبيس الى الافرنج حرّضه على حلب وان ينوب فيها عنهم ووجدهم
قد ملكوا مدينة صور وطمعوا في بلاد المسلمين وساروا مع دبيس الى
حلب فحاصروها حتى جهد أهلها الحصار وبها يومئذ تأس بن [2] ابن ارتق
فاستنجد بالبرسقي صاحب الموصل وشرط عليهم ان يمكنوه من القلعة
ويسلموها الى نوابه وسار الى انجادهم فاجفل عنهم
__________
[1] وفي بعض النسخ: أصفهان.
[2] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 10 ص 623: حسام الدين تمرتاش بن
ايلغازي بن ارتق.
(5/62)
الافرنج ودخل الى حلب فأصلح أمورها ثم سار الى
كفر طاب فملكها من الافرنج ثم سار الى قلعة إعزاز من أعمال حلب
وصاحبها جوسكين فحاصرها وسارت اليه عساكر الافرنج فانهزم وعاد الى
حلب فخلف فيها ابنه مسعودا وعبر الفرات الى الموصل.
مسير طغرل ودبيس الى العراق
ولما ارتحل الافرنج عن حلب فارقهم دبيس ولحق بالملك طغرل فتلقاه
بالكرامة والميرة وأغراه بالعراق وضمن له ملكه فساروا لذلك سنة تسع
عشرة وانتهوا الى دقوقا فكتب مجاهد الدين بهرام بن تكريت الى
المسترشد يخبرهم فتجهز للقائهم وأمر برتقش الزكوي ان يتجهز معه [1]
خامس صفر وانتهى الى الخالص وعدل طغرل ودبيس الى طريق خراسان ثم
نزلوا رباط جلولاء ونزل الخليفة بالدسكرة وفي مقدّمته الوزير جلال
الدين بن صدقة وسار دبيس الى جسر النهروان لحفظ المقابر وقد كان
رأيه مع طغرل أن يسير طغرل الى بغداد فيملكها وتقدّم دبيس في
انتظاره فقعد به المرض عن لحاقه وغشيتهم أمطار أثقلتهم عن الحركات
وجاء دبيس الى النهروان طريحا من التعب والبرد والجوع واعترضوا
ثلاثين حملا للخليفة جاءت من بغداد بالملبوس والمأكول فطعموا
وأكلوا وناموا في دفء الشمس وإذا بالمسترشد قد طلع عليهم في عساكره
بلغه الخبر بأن دبيسا وطغرل خالفوه الى بغداد فاضطرب عسكره واجفلوا
راجعين الى بغداد فلقوا في طريقهم دبيسا كما ذكرنا على دبال غرب
النهروان وقف الخليفة عليه فقبل دبيس الأرض واستعطف حتى همّ
الخليفة بالعفو عنه ثم وصل الوزير ابن صدقة فثناه عن رأيه ووقف
دبيس مع برتقش الزكوي يحادثه ثم شغل الوزير بمدّ الجسر للعبور
فتسلل دبيس ولحق بطغرل وعاد المسترشد الى بغداد ولحق طغرل ودبيس
بهمدان فعاثوا في أعمالها وصادروا أهلها وخرج اليهم السلطان محمود
فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر بخراسان شاكين من المسترشد
برتقش الشحنة والله أعلم بغيبه وأحكم.
__________
[1] كذا بياض بالأصل: وفي الكامل ج 10 ص 626 وامر يرنقش الزكويّ
شحنة العراق ان يكون مستعدا للحرب. وجمع العساكر والأمراء البكجيّة
وغيرهم فبلغت عدة العساكر اثني عشر الفا سوى الرجالة وأهل بغداد،
وفرق السلاح وبرز خامس صفر وبين يديه أرباب الدولة ورجّالة ...
(5/63)
مقتل البرسقي وولاية
ابنه عز الدين على الموصل
ثم ان المسترشد تنكر للشحنة برتقش وتهدّده فلحق بالسلطان محمود في
رجب سنة عشرين فأغراه بالمسترشد وخوفه غائلته وانه تعود الحروب
وركب العيث ويوشك أن يمتنع عنك ويستصعب عليك فاعتزم السلطان على
قصد العراق وبعث اليه الخليفة يلاطفه في الرد لغلاء البلاد وخرابها
ويؤخره الى حين صلاحها فصدق عنده حديث الزكوي وسار مجدّا فعبر
المسترشد بأهله وولده وأولاد الخلفاء الى الجانب الغربي في ذي
القعدة راحلا عن بغداد والناس باكون لفراقه وبلغ ذلك الى السلطان
فشق عليه وأرسل يستعطفه في العود الى داره فشرط عليه الرجوع عن
العراق في القوت كما شرط أوّلا فغضب السلطان وسار نحو بغداد
والخليفة بالجانب الغربي ثم أرسل خادمه عفيفا الى واسط يمنع عنها
نواب السلطان فسار اليه عماد الدين زنكي من البصرة وهزمه وفتك في
عسكره قتلا وأسرا وجمع المسترشد السفن اليه وسد أبواب قصره ووكل
حاجب الباب ابن الصاحب بدار الخلافة ووصل السلطان الى بغداد في عشر
من ذي الحجة ونزل باب الشماسية وأرسل المسترشد في العود والصلح وهو
يمتنع وجرت بين العسكرين مناوشة ودخل جماعة من عسكر السلطان الى
دار الخليفة ونهبوا التاج أوّل المحرّم سنة احدى وعشرين وخمسمائة
فضج العامة لذلك ونادوا بالجهاد وخرج المسترشد من سرادقه ينادي
بأعلى صوته وضربت الطبول ونفخت البوقات ونصب الجسر وعبر الناس دفعة
وعسكر السلطان مشتغلون بالنهب في دور الخلافة والأمراء وكان في دار
الخلافة ألف رجل كامنون في السرداب فخرجوا عند ذلك ونالوا من عسكر
السلطان وأسروا جماعة من أمرائه ونهب العامة دور وزير السلطان
وأمرائه وحاشيته ومثل منهم خلق وعبر المسترشد الى الجانب الشرقي في
ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد ودفع السلطان وعسكره عن
بغداد وحفر عليها الخنادق واعتزموا على كبس السلطان فأخافهم أبو
الهيجاء الكردي صاحب اربل ركب للقتال فلحق بالسلطان ووصل عماد
الدين زنكي من البصرة في جيش عظيم في البرّ والبحر أذهل الناس
برؤيته فحام المسترشد عن اللقاء وتردّد الرسل بينهما فأجاب الى
الصلح وعفا السلطان عن أهل بغداد وأقام بها الى عاشر ربيع الآخر
وأهدى اليه المسترشد سلاحا وخيلا وأموالا ورحل الى همدان وولى زنكي
بن آقسنقر شحنة بغداد ثقة بكفايته واستقامت أحواله مع الخليفة
وأشار به أصحابه ورأوا أنه يرقع الخرق ويصلح الأمر فولاه على ذلك
مضافا الى ما بيده من البصرة وواسط وسار الى همدان وقبض في طريقه
على وزيره أبي القاسم علي بن الناصر الشادي اتهمه بممالأة المسترشد
لكثرة سعيه
(5/64)
في الصلح فقبض عليه واستدعى شرف الدولة
أنوشروان بن خالد من بغداد فلحقه بأصبهان في شعبان واستوزره عشرة
أشهر ثم عزله ورجع الى بغداد وبقي أبو القاسم محبوسا الى أن جاء
السلطان سنجر الى الريّ فأطلقه وأعاده الى وزارة السلطان محمود آخر
اثنتين وعشرين.
وفاة عز الدين بن البرسقي وولاية عماد
الدين زنكي على الموصل وأعمالها ثم استيلاؤه على حلب
ولما استولى عز الدين على الموصل وأعمالها واستفحل أمره طمحت همته
الى الشام فاستأذن السلطان في المسير اليه وسار الى دمشق ومرّ
بالرحبة فحاصرها وملكها ثم مات اثر ذلك وهو عليها وافترقت عساكره
وشغلوا عن دفنه ثم دفن بعد ذلك ورجعت العساكر الى الموصل وقام
بالأمر مملوكه جاولي ونصب أخاه الأصغر وأرسل الى السلطان يطلب
تقرير الولاية له وكان الرسول في ذلك القاضي بهاء الدين أبو الحسن
علي الشهرزوريّ وصلاح الدين محمد الباغسياني أمير حاجب البرسقي
واجتمعا بنصير الدين جعفر مولى عماد الدين زنكي وكان بينه وبين
صلاح الدين سر فخوفهما جعفر ابن جاولي وحملهما على طلب عماد الدين
زنكي وضمن لهما عنه الولايات والاقطاع فأجابوه وجاء بهما الى
الوزير شرف الدين أنوشروان بن خالد فقالا له انّ الجزيرة والشام قد
تمكن منهما الافرنج من حدود ماردين الى عريش مصر وكان البرسقي
يكفهم وقد قتل وولده صغير ولا بد للبلد ممن يضطلع بأمرها ويدفع
عنها وقد خرجنا عن النصيحة إليكم فبلغ الوزير مقالتهما الى السلطان
فأحضرهما واستشارهما فذكر جماعة منهم عماد الدين زنكي وبذلا عنه
مقربا الى خزانة السلطان مالا جزيلا فولاه السلطان لما يعلم من
كفايته وولى مكانه شحنة العراق مجاهد الدين بهروز صاحب تكريت وسار
عماد الدين زنكي فبدأ بالبوازيج وملكها ثم سار الى الموصل وتلقاه
جاولي مطيعا وعاد الى الموصل في خدمته فدخلها في رمضان وأقطع جاولي
الرحبة وبعثه اليها وولى نصير الدين جعفرا قلعة الموصل وسائر
القلاع وجعل صلاح الدين محمد الباغسياني أمير صاحب وولى بهاء الدين
الشهرزوريّ قضاء بلاده جميعا وزاده أملاكا وأقطاعا وشركه في رأيه
ثم سار الى جزيرة ابن عمر وقد امتنع بها مماليك البرسقي فجدّ في
قتالهم وكانت دجلة تحول بينه وبين البلد فعبر بعسكره الماء سبحا
واستولى على المسافة التي بين دجلة والبلد وهزم من كان فيها من
الحامية حتى أحجزهم بالبلد وضيق حصارهم فاستأمنوا وأمنهم ثم سار
الى نصيبين وهي لحسام الدين تمرتاش ابن أبي الغازي صاحب ماردين
فحاصرها واستنجد حسام الدين ابن عمه
(5/65)
ركن الدولة داود بن سكمان بن ارتق صاحب كيفا
فأنجده بنفسه وأخذ في جمع العساكر وبعث تمرتاش ماردين الى نصيبين
يعرّف العساكر بالخبر وأنّ العساكر واصلة اليهم عن خمسة أيام وكتبه
في رقعة وعلقها في جناح طائر فاعترضه عسكر زنجي وصادوه وقرأ زنكي
الرقعة وعوض الخمسة أيام بعشرين يوما وأطلق الطائر بها الى البلد
فقرءوا الكتاب وسقط في أيديهم واستطالوا العشرين واستأمنوا لعماد
الدين زنكي فأمنهم وملك نصيبين وسار عنها الى سنجار فملكها صلحا
وبعث العساكر الى الخابور فملكها ثم سار الى حرّان وخرج اليه أهل
البلد بطاعتهم وكانت الرها وسروج والميرة ونواحيها للافرنج وعليها
جوسكين صاحب الرها فكاتب زنكي وهادنه ليتفرّغ للجهاد بعد ثم عبر
الفرات الى حلب في المحرّم سنة اثنتين وعشرين وقد كان عز الدين
مسعود بن آقسنقر البرسقي لما سار عنها الى الموصل بعد قتل أبيه
استخلف عليها قرمان من أمرائه ثم عزله بآخر اسمه قطلغ ابه وكتب له
الى قرمان فمنعه الا أن يرى العلامة التي بينه وبين عز الدين ابن
البرسقي فعاد قطلغ الى مسعود ليجيء بالعلامة فوجده قد مات بالرحبة
فعاد الى حلب وأطاعه رئيسها فضائل بن بديع والمقدّمون بها
واستنزلوا قرمان من القلعة على ألف دينار وأعطوه إياها وملك قطلغ
القلعة منتصف احدى وعشرين ثم ساءت سيرته وظهر ظلمه وجوره وكان
بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار ابن ارتق وكان ملكها قبل
وخلع عنها فدعاه الناس الى البيعة وثاروا بقطلغ فامتنع بالقلعة
فحاصروه وجاء مهيار صاحب منبج وحسن صاحب مراغة لإصلاح أمرهم فلم
يتفق وطمع الافرنج في ملكها وتقدّم جوسكين بعسكره اليها فدافعوه
بالمال ثم وصل صاحب انطاكية فحاصرهم الى آخر السنة وهم محاصرون
القلعة فلما ملك عماد الدين زنكي الموصل والجزيرة والشام فأطاعوا
وسار عبد الجبار وقطلغ الى عماد الدين بالموصل وأقام أحد الأميرين
بحلب حتى بعث عماد الدين زنكي صاحبه صلاح الدين محمد الباغسياني في
عسكر فملك القلعة ورتب الأمور وولى عليها وجاء عماد الدين بعساكره
في أثره وملك في طريقه منبج ومراغة ثم دخل حلب وأقطع أعمالها
الأجناد والأمراء وقبض على قطلغ ابه وسلمه لابن بديع فكحله فمات
واستوحش ابن بديع فهرب الى قلعة جعفر وأقام عماد الدين مكانه في
رياسة حلب أبا الحسن علي بن عبد الرزاق.
قدوم السلطان سنجر الى الريّ ثم قدوم السلطان محمود الى بغداد
الموصل طغرل ودبيس الى السلطان سنجر بخراسان حرضه دبيس على العراق
والسلطان
(5/66)
محمود قد اتفقا على الامتناع منه [1] فسار
سنجر وأخبر السلطان محمود باستدعائه فوافاه لا قرب وقت وأمر
العساكر بتلقيه وأجلسه معه على التخت وأقام السلطان محمود عند الى
آخر اثنتين وعشرين ثم رجع سنجر الى خراسان بعد أن أوصى محمود بدبيس
وأعاده الى بلده ورجع محمود الى همذان ثم سار الى العراق وخرج
الوزير للقائه ودخل بغداد في تاسوعاء سنة ثلاث وعشرين ثم لحقه دبيس
بمائة ألف دينار في ولاية الموصل وسمع بذلك زنكي وجاء الى السلطان
وحمل المائة ألف مع هدايا جليلة فخلع عليه وأعاده وسار منتصف السنة
عن بغداد الى همذان بعد أن ولى الحلة مجاهد الدين بهروز شحنة
بغداد.
(وفاة السلطان محمود وملك ابنه داود) ثم توفي السلطان محمود بهمذان
في شوّال سنة خمس وعشرين لثلاث عشرة سنة من ملكه بعد أن كان قبض
على جماعة من أمرائه وأعيان دولته منهم عزيز الدولة أبو نصر أحمد
بن حامد المستوفي وأبو شنكين المعروف بشيركين بن حاجب وابنه عمر
فخافهم الوزير أبو القاسم الشابادي؟ فانرى بهم السلطان فنكبهم
وقتلهم ولما توفي اجتمع الوزير أبو القاسم والاتابك آقسنقر الأحمد
يلي وبايعوا لابنه داود وخطبوا له في جميع بلاد الجبل وأذربيجان
ووقعت الفتنة بهمذان وسائر بلاد الجبل ثم سكنت وهرب الوزير الى
الريّ مستجيرا بالسلطان فأمّر بها.
منازعة السلطان مسعود لداود ابن أخيه
واستيلاؤه على السلطان بهمذان
لما هلك السلطان محمود سار أخوه مسعود من جرجان الى تبريز فملكها
فسار داود من همذان في ذي القعدة سنة خمس وعشرين وحاصره بتبريز في
محرّم سنة ست وعشرين ثم اصطلحوا وتأخر داود عن الأمر لعمه مسعود
فسار مسعود من تبريز الى همذان وكاتب عماد الدين زنكي صاحب الموصل
يستنجده فوعده بالنصر وأرسل الى المسترشد في طلب الخطبة ببغداد
وكان
__________
[1] كذا بالأصل، عبارات غير مترابطة وغير منسجمة وفي الكامل ج 10 ص
651: في هذه السنة (522) خرج السلطان سنجر من خراسان الى الري في
جيش كثير وكان سبب ذلك ان دبيس بن صدقه لمّا وصل اليه هو والملك
طغرل على ما ذكرناه لم يزل يطمعه في العراق ويسهل عليه قصده، ويلقي
في نفسه ان المسترشد باللَّه والسلطان محمودا متفقان على الامتناع
منه. ولم يزل به حتى اجابه الى السير الى العراق. فلما ساروا وصل
الى الري وكان السلطان محمود بهمذان فأرسل اليه السلطان سنجر
يستدعيه اليه لينظر هل هو على طاعته أم قد تغير على ما زعم دبيس.
(5/67)
داود قد أرسل في ذلك قبله وردّ المسترشد الأمر
في الخطبة الى السلطان سنجر ودسّ اليه أن لا يأذن لواحد منهما وان
تكون الخطبة له فقط وحسن موقع ذلك عنده وسار السلطان مسعود الى
بغداد وسبقه إليها أخوه سلجوق شاه مع أتابك قراجا الساقي صاحب فارس
وخوزستان ونزل في دار السلطان واستخلفه الخليفة لنفسه ولما سار
السلطان مسعود أوعز الى عماد الدين زنكي أن يسير الى بغداد فسار من
الموصل اليها وانتهى السلطان مسعود الى عباسة الخالص وبرزت اليه
عساكر المسترشد وسلجوق شاه وسار قراجا الساقي الى مدافعة زنكي
فدافعه على المعشوق فهزمه وأسر كثيرا من أصحابه ومرّ منهزما الى
تكريت وبها يومئذ نجم الدين أيوب أبو الاملاك الايوبية فهيأ له
المعابر وعبر دجلة الى بلاده وسار السلطان مسعود من العباسة وقاتلت
طلائعه طلائع أخيه سلجوق وبعث سلجوق يستحث قراجا بعد انهزام زنكي
فعاد سريعا وتأخر السلطان مسعود بعد هزيمة زنكي وأرسل الى المسترشد
بأنّ عمه سنجر وصل الى الريّ عازما على بغداد ويشير بمدافعته عن
العراق وتكون العراق لوكيل الخليفة ثم تراسل القوم واتفقوا على ذلك
وتحالفوا عليه وان يكون مسعود السلطان ولىّ العهد ودخلوا الى بغداد
فنزل مسعود ديار السلطان وسلجوق دار الشحنة والله سبحانه وتعالى
ولىّ التوفيق.
هزيمة السلطان مسعود وملك طغرل أخيه
لما توفي السلطان محمود سار السلطان سنجر من خراسان الى بلاد الجبل
ومعه طغرل ابن أخيه محمد وانتهى الى الريّ ثم سار الى همذان فسار
مسعود لقتاله ومعه قراجا الساقي وسلجوق شاه وقد كان الخليفة عزم أن
لا يتجهز معهم فأبطأ فبعثوا اليه قراجا فسار الى خانقين وأقام
وقطعت خطبة سنجر من العراق وخالفهم الى بغداد دبيس وزنكي وقد سمي
اقطاعه لسنجر الحلة وزنكي ولاه شحنة بغداد فرجع المسترشد الى بغداد
لموافقتهما وسار السلطان وأخوه سلجوق شاه للقاء سنجر ثم سمعا بكثرة
عساكره فتأخرا فسار في طلبهم يوما وليلة ثم تراجعوا عند الدينور
وكان مسعود يماطل باللقاء انتظارا للمسترشد فلم يجد بدّا من اللقاء
فالتقوا على النقيبة [1] وحمل قراجا عليهم وتورّط في المعركة وأصيب
بجراحات ثم
__________
[1] لم يذكرها صاحب معجم البلدان ولعلها قرية صغيرة في العراق وورد
في معجم البلدان: النقيب: تصغير نقب، موضع في بلاد الشام بين تبوك
ومعان على طريق حاج الشام. وورد أيضا نقيب بالفتح: شعب من اجاء.
(5/68)
التفوا عليه وأسروه وانهزم من أصحاب مسعود قزل
وقد كان واطأهم على الهزيمة فانهزم السلطان مسعود عند ذلك منتصف
ستة وعشرين وقتل كثير من أكابر الأمراء ونزل سنجر في خيامهم وأحضر
قراجا فقتله وجيء اليه بالسلطان مسعود فأكرمه وأعاده الى كنجة وخطب
للملك طغرل ابن أخيه في السلطنة وخطب له في جميع البلاد واستوزر له
أبا القاسم الساباذي وزير السلطان محمود وعاد الى نيسابور آخر
رمضان سنة ست وعشرين وخمسمائة.
هزيمة السلطان داود واستيلاء طغرل بن
محمد على الملك
لما ولىّ طغرل همذان وولىّ عنه السلطان سنجر الى خراسان وبلغه أن
صاحب ما وراء النهر المرخان قد انتقض عليه فسار لإصلاحه وشغل بذلك
فقام الملك داود بأذربيجان وبلاد كنجة وطلب الأمر لنفسه وجمع
العساكر وسار الى همذان ومعه برتقش الزكوي وأتابك آقسنقر الأحمد
يلي ومعه طغرل بن برسق ونزل وقد استقرّ ثم اضطرب عسكر داود وأحسوا
من برتقش الزكوي بالفشل فنهب التركمان خيامه وهرب آقسنقر أتابك
وانهزم في رمضان سنة ست وعشرين ثم قدم بغداد في ذي القعدة ومعه
أتابك آقسنقر فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان.
عود السلطان مسعود الى الملك وهزيمة طغرل
قد تقدّم لنا هزيمة السلطان مسعود من عمه سنجر وعوده الى كنجة
وولاية طغرل السلطان ثم محاربة داود ابن أخيه له وانهزام داود ثم
رجوع داود الى بغداد فلما بلغ الخبر الى مسعود جاء الى بغداد ولقيه
داود قريبا منها وترجل له عن فرسه ودخلا بغداد في صفر سنة سبع
وعشرين ونزل مسعود بدار السلطان وخطب له ولداود بعده وطلبا من
السلطان عسكرا ليسير معهما الى أذربيجان فبعث معهما العساكر الى
أذربيجان ولقيهم آقسنقر الاحمديلي في مراغة بالإقامة والأموال وملك
مسعود بلاد أذربيجان وهرب بين يديه من كان بها من الأمراء وامتنعوا
بمدينة أذربيجان فحاصرهم بها وملكها عليهم وقتل منهم جماعة وهرب
الباقون ثم سار الى همذان لمحاربة أخيه طغرل فهزمه وملك همذان في
شعبان من السنة ولحق طغرل بالريّ وعاد الى أصبهان ثم قتل آقسنقر
الاحمديلي بهمذان غيلة ويقال انّ السلطان مسعودا دسّ عليه من قتله
ثم سار الى حصار طغرل بأصبهان ففارقها طغرل الى فارس وملكها مسعود
وسار في اثر طغرل الى البيضاء فاستأمن اليه بعض أمراء طغرل فأمنه
وخشي طغرل أن يستأمنوا اليه فقصد الريّ
(5/69)
وقتل في طريقه وزيره أبا القاسم الساباذي في
شوّال من السنة ومثل به غلمان الأمير شيركين الّذي سعى في قتله كما
مرّ ثم سار الأمير مسعود يتبعه الى أن تراجعا ودارت بينهما حرب
شديدة وانهزم طغرل وأسر من أمرائه الحاجب تنكي وأتى بقرا وأطلقهما
السلطان مسعود وعاد الى همذان والله تعالى أعلم.
عود الملك طغرل الى الجبل وهزيمة السلطان مسعود
ولما عاد مسعود من حرب أخيه طغرل بلغه انتقاض داود ابن أخيه محمود
بأذربيجان فسار اليه وحاصره بقلعة [1] فحصر جمع طغرل العساكر وتغلب
على بلاده وسار اليه واستعمل بعض قوّاده فسار مسعود للقائه ولقيه
عند قزوين وفارق مسعود الأمراء الذين استمالهم طغرل ولحقوا به
فانهزم مسعود في رمضان سنة ثمان وعشرين وبعث الى المسترشد يستأذنه
في دخول بغداد فأذن له وكان أخوه سلجوق بأصبهان مع نائبة فيها
البقش السلاحي فلما سمع بانهزامه سبقه الى بغداد وأنزله المسترشد
بدار السلطان وأحسن اليه بالأموال ووصل مسعود وأكثر أصحابه رجلا
فوسع عليه الخليفة بالإنفاق والمراكب والظهر واللباس والآلة ودخل
دار السلطان منتصف شوّال وأقام طغرل بهمذان.
وفاة طغرل واستيلاء مسعود على الملك
ولما وصل مسعود الى بغداد حمل اليه المسترشد ما يحتاج اليه وأمره
بالمسير الى همذان لمدافعة طغرل ووعده بالمسير معه بنفسه فتباطأ
مسعود عن المسير واتصل جماعة من أمرائه بخدمة الخليفة ثم اطلع على
مداخلة بعضهم لطغرل فقبض عليه ونهب ماله وارتاب الآخرون فهربوا عن
السلطان مسعود وبعث المسترشد في إعادتهم اليه فدافعه ووقعت لذلك
بينهما وحشة فقعد المسترشد عن نصره بنفسه وبينما هم في ذلك وصل
الخبر بوفاة أخيه طغرل في المحرّم سنة تسع وعشرين فسار مسعود الى
همذان واستوزر شرف الدين أنوشروان بن خالد حمله من بغداد وأقبلت
اليه العساكر فاستولى على همذان وبلاد الجبل انتهى.
فتنة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله
وخلافة ابنه الراشد
قد تقدّم لنا انّ الوحشة وقعت عند ما كان ببغداد بسبب أمرائه الذين
اتصلوا بخدمة
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 11 ص 12: فسار اليه وحصره بقلعة
(روئين دزوكان) فتحصن بها واشتغل بخصمه.
(5/70)
المسترشد ثم هربوا عنه الى السلطان مسعود فلما
سار السلطان مسعود الى همذان بعد موت أخيه طغرل وملكها استوحش منه
جماعة من أعيان أمرائه منهم برتقش وقزل وقراسنقر الخمارتكين والي
همذان وعبد الرحمن بن طغرلبك ودبيس بن صدقة وساروا الى خوزستان
ووافقهم صاحبها برسق بن برسق واستأمنوا الى الخليفة فارتاب من دبيس
وبعث الى الآخرين بالأمان مع سديد الدولة بن الانباري وارتاب دبيس
منهم أن يقبضوا عليه فرجع الى السلطان مسعود وسار الآخرون الى
بغداد فاستحثوا المسترشد للمسير الى قتال مسعود فأجابهم وبالغ في
تكرمتهم وبرز آخر رجب من سنة تسع وعشرين وهرب صاحب البصرة اليها
وبعث اليه بالأمان فأبى فتكاسل عن المسير فاستحثوه وسهلوا له الأمر
فسار في شعبان ولحق به برسق بن برسق وبلغ عدّة عسكره سبعة آلاف
وتخلف بالعراق مع خادمه إقبال ثلاثة آلاف وكاتبه أصحاب الاطراف
بالطاعة وأبطأ في مسيره فاستعجلهم مسعود وزحفوا اليه فكان عسكره
خمسة عشر ألفا وتسلل عن المسترشد جماعة من عسكره وأرسل اليه داود
ابن محمود من أذربيجان يشير بقصد الدينور والمقام بها حتى يصل في
عسكره فأبى واستمرّ في مسيره وبعث زنكي من الموصل عسكرا فلم يصل
حتى تواقعوا وسار السلطان محمود الى مجدّا فوافاهم عاشر رمضان
ومالت ميسرة المسترشد اليه وانهزمت ميمنته وهو ثابت لم يتحرّك حتى
أخذ أسيرا ومعه الوزير والقاضي وصاحب المحرّر وابن الانباري
والخطباء والفقهاء والشهود فأنزل في خيمة ونهب مخيمه وحمل الجماعة
أصحابه الى قلعة ترجمعان ورجع بقية الناس الى بغداد ورجع السلطان
الى همذان وبعث الأمير بك ابه الى بغداد شحنة فوصلها سلخ رمضان
ومعه عميد وقبضوا أملاك المسترشد وغلاتها وكانت بينهم وبين العامّة
فتنة قتل فيها خلق من العامّة وسار السلطان في شوّال الى مراغة وقد
تردّدت الرسل بينهما في الصلح على مال يؤدّيه المسترشد وأن لا يجمع
العساكر ولا يخرج من داره لحرب ما عاش وأجابه السلطان وأذن له في
الركوب وحمل الغاشية وفارق المسترشد بعض الموكلين به فهجم عليه
جماعة من الباطنية فألحموه جراحا وقتلوه ومثلوا به جدعا وصلبا
وتركوه سليبا في نفر من أصحابه قتلوهم معه وتبع الباطنية فقتلوا
وكان ذلك منتصف ذي القعدة سنة ستة وعشرين لثمان عشرة سنة من خلافته
وكان كاتبا بليغا شجاعا قرما ولما قتل بمراغة كتب السلطان مسعود
الى بك ابه شحنة بغداد بأن يبايع لابنه فبويع ابنه الراشد أبو جعفر
منصور بعهده اليه لثمانية أيام من مقتله وحضر بيعته جماعة من أولاد
الخلفاء وأبو النجيب الواعظ وأمّا
(5/71)
إقبال خادم المسترشد فلما بلغه خبر الواقعة
وكان مقيما ببغداد كما قد مناه عبر الى الجانب الغربيّ ولحق بتكريت
ونزل على مجاهد الدين بهروز.
فتنة الراشد مع السلطان مسعود
لما بويع الراشد بعث اليه السلطان مسعود برتقش الزكوي يطالبه بما
استقرّ عليه الصلح مع أبيه المسترشد وهو أربعمائة ألف دينار فأنكر
الراشد أن يكون له مال وانما مال الخلافة كان مع المسترشد فنهب ثم
جمع الراشد العساكر وقدّم عليهم كجراية وشرع في عمارة السور واتفق
برتقش مع بك ايه على هجوم دار الخلافة وركبوا لذلك في العساكر
فقاتلهم عساكر الراشد والعامّة وأخرجوهم عن البلد الى طريق خراسان
وسار بك ايه [1] الى واسط وبرتقش الى سرخس ولما علم داود بن محمود
فتنة عمه مسعود مع الراشد سار من أذربيجان الى بغداد في صفر سنة
ثلاثين ونزل بدار السلطان ووصل بعده عماد الدين زنكي من الموصل
وصدقة بن دبيس من الحلة ومعه عش بن أبي العسكر يدبر أمره ويديره
وكان أبوه دبيس قد قتل بعد مقتل المسترشد بأذربيجان وملك هو الحلة
ثم وصل جماعة من أمراء مسعود منهم برتقش بازدار صاحب فروق والبقش
الكبير صاحب أصبهان وابن برسق وابن الاحمديلي وخرج للقائهم كجراية
والطرنطاي وكان إقبال خادم المسترشد قد قدم من تكريت فقبض عليه
الراشد وعلى ناصر الدولة أبي عبد الله الحسن بن جهير فاستوحش أهل
الدولة وركب الوزير جلال الدين بن صدقة الى لقاء عماد الدين زنكي
فأقام عنده مستجيرا حتى أصلح حاله مع الراشد واستجار به قاضي
القضاة الزينبيّ ولم يزل معه الى الموصل وشفع في إقبال فأطلق وسار
اليه ثم جدّ الراشد في عمارة السور وسار الملك داود لقتال مسعود
استخلفه الراشد واستخلفه عماد الدين زنكي وقطعت خطبة مسعود من
بغداد وولىّ داود شحنة بغداد برتقش بازدار ثم وصل الخبر بأنّ سلجوق
شاه أخا الأمير مسعود ملك واسط وقبض على الأمير بك ايه فسار الأمير
زنكي لدفاعه فصالحه ورجع وعبر الى طريق خراسان للحاق داود واحتشد
العساكر ثم سار السلطان مسعود لقتالهم وفارق زنكي داود ليسير الى
مراغة ويخالف السلطان مسعود الى همذان وبرز الراشد من بغداد أوّل
رمضان وسار الى طريق خراسان وعاد بعد ثلاث وعزم على الحصار ببغداد
واستدعى داود الأمراء ليكونوا معه عنده فجاءوا لذلك ووصلت رسل
السلطان مسعود بطاعة الراشد والتعريض بالوعيد
__________
[1] ورد اسمه بك ابه (الكامل) ج 11 ص 25
(5/72)
للامراء المجتمعين عنده فلم يقبل طاعة من
أجلهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
حصار بغداد ومسير الراشد الى الموصل وخلعه وخلافة المقتفى
ثم انّ السلطان مسعودا أجمع المسير الى بغداد وانتهى الى الملكية
فسار زين الدين علي من أصحاب زنكي حتى شارف معسكره وقاتلهم ورجع
ونزل السلطان على بغداد والعيارون فأفسدوا سائر المحال ببغداد
وانطلقت أيديهم وأيدي العساكر في النهب ودام الحصار نيفا وخمسين
يوما وتأخر السلطان مسعود الى النهروان عازما على العود الى أصبهان
فوصله طرنطاي صاحب واسط في سفن كثيرة فركب الى غربيّ بغداد فاضطرب
الأمراء وافترقوا وعادوا إلى أذربيجان وكان زنكي بالجانب الغربي
فعبر اليه الراشد وسار معه الى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد
منتصف ذي القعدة فسكن الناس وجمع القضاة والفقهاء وأوفقهم على يمين
الراشد التي كتبها بخطه اني متى جمعت أو خرجت أو لقيت أحدا من
أصحاب السلطان بالسيف فقد خلعت نفسي من الأمر فأفتوا بخلعه واتفق
أرباب الدولة ممن كان ببغداد ومن أسر مع المسترشد وبقي عند السلطان
مسعود كلهم على ذمّه وعدم أهليته على ما مرّ في أخباره بين أخبار
الخلفاء وبويع محمد بن المستظهر ولقب المقتفي وقد قدّمت هذه
الاخبار بأوسع من ذلك ثم بعث السلطان العساكر مع قراسنقر لطلب داود
فأدركته عند مراغة وقاتله فهزمه وملك آذربيجان ومضى داود الى
خوزستان واجتمع عساكر من التركمان وغيرهم فحاصر تستر وكان عمه
سلجوق بواسط فسار اليه بعد ان أمره أخوه مسعود بالعساكر ولقي داود
على تستر فهزمه داود ثم عزل السلطان وزيره شرف الدين أنوشروان بن
خالد واستوزر كمال الدين أبا البركات بن سلامة من أهل خراسان ثم
بلغه انّ الراشد قد فارق الموصل فأذن للعساكر التي عنده ببغداد في
العود الى بلادهم وصرف فيهم صدقة بن دبيس صاحب الحلة بعد ان أصهر
اليه في ابنته وقدم عليه جماعة من الأمراء الذين كانوا مع داود
منهم البقش اسلامي وبرسق بن برسق وصاحب تستر وسنقر الخمارتكين شحنة
همذان فرضي عنهم وأمنهم وعاد الى همذان سنة احدى وثلاثين.
الفتنة بين السلطان مسعود وبين داود
والراشد وهزيمة مسعود ومقتل الراشد
كان الأمير بوزابة صاحب خوزستان والأمير عبد الرحمن طغرلبك صاحب
خلخال والملك
(5/73)
داود ابن السلطان محمود خائفين من السلطان
فاجتمعوا عند الأمير منكبرس صاحب فارس وبلغهم مسير الراشد من
الموصل الى مراغة فراسلوه في أن يجتمعوا عليه ويردّوه الى خلافته
فأجابهم وبلغ الخبر الى السلطان مسعود فسار اليهم في شعبان سنة
اثنتين وثلاثين وأوقع بهم وأخذ منكبرس أسيرا فقتله وافترقت عساكره
للنهب فانفرد بوزابة وطغرلبك وصدقا الحملة عليه فانهزم وقبض على
جماعة من الأمراء مثل صدقة بن دبيس صاحب الحلة وكافله غبتر ابن أبي
العساكر وابن أتابك قراسنقر صاحب آذربيجان وحبسهم بوزابة حتى تحقق
قتل منكبرس ولحق السلطان مسعود بآذربيجان منهزما وسار داود الى
همذان فملكها ووصل اليه الراشد هنالك وأشار بوزابة وكان كبير القوم
بالمسير الى فارس فساروا معه واستولى عليها وملكها ولما علم سلجوق
شاه وهو بواسط انّ أخاه السلطان مسعود امضى الى آذربيجان سار هو
الى بغداد ليملكها ودافعه البقش التخت ونظم الخادم أمير الحاج وثار
العيارون بالبلدان وأفحشوا في النهب فلما رجع الشحنة استأصل شأفتهم
وأخذ المستورين بجنايتهم فجلا الناس عن بغداد الى الموصل وغيرها
ولما قتل صدقة بن دبيس أقرّ السلطان مسعود أخاه محمدا على الحلة
ومعه مهلهل بن أبي العساكر أخو عش المقتول كما مرّ في أخباره ثم
لما ملك بوزابة فارس رجع مع الراشد والملك داود ومعهما خوارزم شاه
الى خوزستان وخربوا الجزيرة فسار اليهم مسعود ليمنعهم عن العراق
فعاد الملك داود الى فارس وخوارزم شاه الى بلده وسار الراشد الى
أصبهان فثار به نفر من الخراسانية كانوا في خدمته فقتلوه عند
القائلة في خامس عشر رمضان من السنة ودفن بظاهر أصبهان ثم قبض
السلطان آخر السنة على وزيره أبي البركات بن سلامة الدركزيني
واستوزر بعده كمال الدين محمد بن الخازن وكان نبيها حسن السيرة
فرفع المظالم وأزال المكوس وأقام وظائف السلطان وجمع له الأموال
وضرب على أيدي العمال وكشف خيانتهم فثقل عليهم وأوقعوا بينه وبين
الأمراء فبالغوا في السعاية فيه عند السلطان وتولى كبرها قراسنقر
صاحب آذربيجان فإنه بعث الى السلطان يتهدّده بالخروج عن طاعته
فأشار على السلطان خواصه بقتله خشية الفتنة فقتله على كره وبعث
برأسه الى قراسنقر فرضي وكان قتله سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة لسبعة
أشهر من وزارته واستوزر بعده أبا العز طاهر بن محمد اليزدجردي وزير
قراسنقر ولقب عز الملك وضاقت الأمور على السلطان وأقطع البلاد
للامراء ثم قتل السلطان البقش السلاحي الشبحنة بما ظهر منه من
الظلم والعسف فقبض عليه وحبسه بتكريت عند مجاهد الدين بهروز ثم أمر
بقتله فلما قرب
(5/74)
للقتل ألقى نفسه في دجلة فمات وبعث برأسه الى
السلطان فقدّم مجاهد الدين بهروز شحنة بغداد فحسن أثره ثم عزله
السلطان سنة ست وثلاثين وولىّ فيها قرلي أميرا آخرا من موالي
السلطان محمود وكانت له يزدجر والبصرة فأضيف له اليهما والله
سبحانه وتعالى أعلم بغيبه.
فتنة السلطان سنجر مع خوارزم شاه
وهو أوّل بداية بني خوارزم قد تقدّم لنا ذكر أولية محمد خوارزم شاه
وهو محمد بن أبي شنتكين وانّ خوارزم شاه لقب له وانّ الأمير داود
حبشي لما ولاه بركيارق خراسان وقتله أكنجي ولىّ محمد بن أبي شنتكين
وولىّ بعده ابنه أتسز فظهرت كفاءته وقرّ به السلطان سنجر واستخلصه
واستظهر به في حروبه فزاده ذلك تقدّما ورفعة واستفحل ملكه في
خوارزم ونمي للسلطان سنجر انه يريد الاستبداد فسار اليه سنة ثلاث
وثلاثين وبرز أتسز ولقيه في التعبية فلم يثبت وانهزم وقتل من عسكره
خلق وقتل له ابن فحزن عليه حزنا شديدا وملك سنجر خوارزم وأقطعها
غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه محمد ورتب له وزيرا وأتابك وحاجبا
وعاد الى مرو منتصف السنة فخالفه أتسز الى خوارزم وهرب سليمان شاه
ومن معه الى سنجر واستولى أتسز على خوارزم وكان من أمره ما يذكر
بعد ان شاء الله تعالى.
استيلاء قراسنقر صاحب آذربيجان على
بلاد فارس
ثم جمع أتابك قراسنقر صاحب آذربيجان وبرّز طالبا ثأر أبيه الّذي
قتله بوزابة في المصاف كما مرّ وأرسل السلطان مسعود في قتل وزيره
الكمال فقتله كما مرّ فانصرف عنه الى بلاد فارس وتحصن عنه بوزابة
في القلعة البيضاء ووطئ قراسنقر البلاد وملكها ولم يمكنه مقام
فسلمها لسلجوق شاه ابن السلطان محمود وهو أخو السلطان مسعود وعاد
الى آذربيجان فنزل بوزابة من القلعة سنة أربع وثلاثين وهزم سلجوق
شاه وأسره وحبسه ببعض قلاعه واستولى على البلاد ثم هلك قراسنقر
صاحب آذربيجان وارّان بمدينة أردبيل وكان من مماليك طغرل وولىّ
مكانه جاولي الطغرلي والله سبحانه ولىّ التوفيق.
مسير جهان دانكي الى فارس
ثم أمر السلطان سنة خمس وثلاثين الأمير إسماعيل جهان دانكي فسار
اليها ومنعها مجاهد الدين بهروز من الوصول واستعدّ لذلك بخسف
المعابر وتغريقها فقصد الحلة فمنعها أيضا فقصد واسط فقاتله طرنطاي
وانهزم ودخل واسط ونهبها ونهب النعمانية وما اليها واتبعهم طرنطاي
الى البطيحة ثم فارقه عسكره الى طرنطاي فلحق بتستر وكتب إسماعيل
الى السلطان فعفا عنه
.
(5/75)
هزيمة السلطان سنجر
امام الخطا واستيلاؤهم على ما وراء النهر
وتلخيص هذا الخبر من كتاب ابن الأثير أنّ أتسز بن محمد ملك خوارزم
واستقرّ بها فبعث الى الخطا وهم أعظم الترك فيما وراء النهر
وأغراهم بمملكة السلطان سنجر واستحثهم لها فساروا في ثلاثمائة ألف
فارس وسار سنجر في جميع عساكره وعبر اليهم النهر ولقيهم سنة ست
وثلاثين واقتتلوا أشدّ قتال ثم انهزم سنجر وعساكره وقتل منهم مائة
ألف فيهم أربعة آلاف امرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر ولحق سنجر
بترمذ وسار منها الى بلخ وقصد أتسز مدينة مرو فدخلها مراغما
للسلطان وفتك فيها وقبض على جماعة من الفقهاء والأعيان وبعث
السلطان سنجر الى السلطان مسعود يأذن له في النصر وفي الريّ ليدعوه
ان احتاج اليه فجاء عباس صاحب الريّ بذلك الى بغداد وسار السلطان
مسعود الى الريّ امتثالا لأمر عمه سنجر قال ابن الأثير وقيل انّ
بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد سامسون وجبى [1] وطراز وغيرها مما
وراء النهر كانت بيد الخانيّة وهم مسلمون من نسل مراسيان ملك الترك
المعروف خبره مع ملوك الكينيّة وأسلم جدّهم الأوّل سبق قراخان لأنه
رأى في منامه انّ رجلا نزل من السماء وقال له بالتركية ما معناه
أسلم تسلم في الدنيا والآخرة وأسلم في منامه ثم أسلم في يقظته ولما
مات ملك مكانه موسى بن سبق ولم يزل الملك في عقبه الى ارسلان خان
بن سليمان بن داود ابن بقرخان بن إبراهيم طغاج خان بن ايلك نصر بن
ارسلان بن علي بن موسى بن سبق فخرج عليه قردخان وانتزع الملك منه
ثم نصر سنجر وقتل قردخان وخرج بعد ذلك خوارزم ونصره السلطان سنجر
منهم وأعاده الى ملكه وكان في جنده نوع من الأتراك يقال لهم
القارغليّة والأتراك الغزيّة الذين نهبوا خراسان على ما نذكره بعد
وهم صنفان صنف يقال لهم حق وأميرهم طوطي بزداديك وصنف يقال لهم برق
وأميرهم برغوث بن عبد الحميد.
وكان لأرسلان نصر خان شريف يصحبه من أهل سمرقند وهو الأشرف بن محمد
بن أبي شجاع العلويّ فحمل ابن ارسلان نصر خان وطلبوا انتزاع الملك
منه فاستصرخ السلطان سنجر فعبر اليه في عساكره سنة أربع وعشرين
وخمسمائة وانتهى الى سمرقند فهرب القارغليّة أمامه وعاد الى سمرقند
فقبض على ارسلان خان وحبسه ببلخ فمات بها وولى على
__________
[1] جبي: بضم الجيم وتشديد الباء الموحدة وفي الآخر ياء آخر
الحروف، مدينة كثيرة النخل وقصب السكر، ومنها ابو علي الجبائي
المعتزلي، قال في المشترك جبى كورة وبلد من نواحي خوزستان، قال
وجبي أيضا قرية من نواحي النهروان (تقويم البلدان لأبي الفداء) .
(5/76)
سمرقند مكانه قلج طمقاج أبا المعالي الحسن بن
علي بن عبد المؤمن ويعرف بحسن تكر من أعيان بيت الخانية الا أن
ارسلان خان اطرحه فولاه سنجر ولم تطل أيامه فولى بعده محمود بن
ارسلان خان وأبوه هو الّذي ملك سمرقند من يده وهو ابن أخت سنجر
وكان في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة قد خرج كوهرخان من الصين الى
حدود كاشغر في جموع عظيمة وكوهر الأعظم بلسانهم وخان السلطان.
فمعناه أعظم ملك ولقيه صاحب كاشغر أحمد بن الحسن الخان فهزمه وقد
كان خرج قبله من الصين أتراك الخطا وكانوا في خدمة الخانيّة أصحاب
تركسان وكان ارسلان خان محمد بن سليمان ينزلهم على الدروب بينه
وبين الصين مسالح ولهم على ذلك جرايات واقطاعات وسخط عليهم بعض
السنين وعاقبهم بما عظم عليهم فطلبوا فسيحا من البلاد يأمنون فيه
من ارسلان خان لكثرة ما كان يغزوهم ووصفت لهم بلاد سامسون فساروا
اليها ولما خرج كونان من الصين ساروا اليه واجتمعوا عليه ثم ساروا
جميعا الى بلاد ما وراء النهر ولقيهم الخان محمود بن ارسلان خان
محمد في حدود بلاده في رمضان سنة احدى وثلاثين فهزموه وعاد الى
سمرقند وعظم الخطب على أهلها وأهل بخارى واستمدّ محمود السلطان
سنجر وذكر ما لقي السلطان من العنت واجتمع عنده ملوك خراسان وملك
سجستان من بني خلف وملك غزنة من الغوريين وملك مازندران وعبر النهر
للقاء الترك في أكثر من مائة ألف وذلك لآخر خمس وثلاثين وخمسمائة
وشكا اليه محمود خان من القارغليّة فقصدهم واستجاروا بكوهرخان ملك
الصين فكتب الى سنجر بالشفاعة فيهم فلم يشفعه وكتب اليه يدعوه
للإسلام ويتهدّده بكثرة العساكر فأهان الرسول وزحف للقاء سنجر
والتقى الجمعان بموضع يسمى قطران خامس صفر سنة ست وثلاثين وأبلى
القارغليّة من الترك وصاحب سجستان من المسلمين ثم انهزم المسلمون
فقتل كثير منهم وأسر صاحب سجستان والأمير قماج وزوجة السلطان سنجر
فأطلقهم كوهرخان ومضى السلطان سنجر منهزما وملك الترك الكفار
والخطا بلاد ما وراء النهر الى أن مات كوهرخان ملكهم سنة سبع
وثلاثين ووليت بعده ابنته ثم ماتت قريبا وملكت أمّها من بعدها وهو
زوجة كوهرخان وابنه محمد وصار ما وراء النهر بيد الخطا الى أن
غلبهم عليه عماد الدين محمد خوارزم شاه سنة اثنتي عشرة وستمائة.
(5/77)
أخبار خوارزم شاه
بخراسان وصلحه مع سنجر
ولما عاد السلطان منهزما سار خوارزم شاه الى سرخس في ربيع سنة ست
وثلاثين فأطاعته ثم الى مرو الشاهجان فشفع فيهم الامام أحمد
الباخرزي ونزل بظاهرها وبينما هو قد استدعى أبا الفضل الكرماني
وأعيان أهلها للشورى ثار عامّة البلد وقتلوا من كان عندهم من جنده
وامتنعوا فطاولها ودخلها عنوة وقتل كثيرا من علمائها ثم رجع في
شوّال من السنة الى نيسابور وخرج اليه علماؤها وزهادها يسألون
معافاتهم مما نزل بأهل مرو فأعفاهم واستصفى أصحاب السلطان وقطع
خطبة سنجر وبعث عسكرا الى أعمال صغد فقاتلوهم أياما ولم يطق سنجر
مقاومته لمكان الخطا وجوارهم له ثم سار السلطان سنجر سنة ثمان
وثلاثين لقتال خوارزم وحاصرها أياما وكاد يملكها واقتحمها بعض
أمرائه يوما فدافعه أتسز بعد حروب شديدة ثم أرسل أتسز الى سنجر
بالطاعة والعود الى ما كان عليه فقبله وعاد سنة ثمان وثلاثين.
صلح زنكي مع السلطان مسعود
ثم وصل السلطان مسعود سنة ثمان وثلاثين الى بغداد [1] عادته فتجهز
لقصد الموصل وكان يحمل لزنكي جميع ما وقع من الفتن فبعث اليه زنكي
يستعطفه مع أبي عبد الله بن الأنباري وحمل معه عشرين ألف دينار
وضمن مائة ألف على أن يرجع عنه فرجع وانعقد الصلح بينهما وكان مما
رغب السلطان في صلحه أنّ ابنه غازي بن زنكي هرب من عند السلطان
خوفا من أبيه فردّه الى السلطان ولم يجتمع به فوقع ذلك من السلطان
أحسن موقع والله تعالى أعلم.
انتقاض صاحب فارس وصاحب الريّ
كان بوزابة صاحب فارس وخوزستان كما قدمنا فاستوحش من السلطان مسعود
فانتقض سنة أربعين وخمسمائة وبايع لمحمد ابن محمود وهو ابن أخي
السلطان مسعود وسار الى مامشون واجتمع بالأمير عباس صاحب الريّ
ووافقه على شأنه واتصل به سليمان شاه أخو السلطان مسعود وتغلبوا
على كثير من بلاده فسار اليهم من بغداد في رمضان من السنة ومعه
الأمير طغايرك حاجبه وكان له التحكم في الدولة والميل الى القوم
واستخلفه على بغداد الأمير مهلهل ونصير أمير الحاج وجماعة من غلمان
بهروز وسار فلما تقاربوا للحرب نزع السلطان شاه عنهم الى أخيه
مسعود وسعى عبد الرحمن في الصلح
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 11 ص 93: وصل السلطان مسعود الى
بغداد على عادته.
(5/78)
فانعقد بينهما على ما أحبه القوم وأضيف الى
عبد الرحمن ولاية أذربيجان وارّان الى خلخال عوضا من جاولي الطغرلي
واستوزر أبا الفتح بن دراست وزير بوزابة وقد كان السلطان سنة تسع
وثلاثين قبض على وزيره اليزدجردي واستوزر مكانه المرزبان بن عبد
الله بن نصر الأصبهاني وسلم اليه اليزدجردي واستصفى أمواله فلما
كان هذه السنة وفعل بوزابة في صلح القوم ما فعل اعتضد بهم على
مقامه عند السلطان وتحكم عليه وعزل وزيره واستوزر له أبا الفتح
هذا.
مقتل طغايرك [1] وعباس
قد قدّمنا ان طغايرك وعبد الرحمن تحكما على السلطان واستبدّا عليه
ثم آل أمره الى أن منعا بك ارسلان المعروف بابن خاص بك بن البتكري
[2] من مباشرة السلطان وكان تربيته وخاصا به ونجيّ خلوته وتجهز
طغايرك لبعض الوجوه فحمله في جملته فأسرّ السلطان الى بك ارسلان
الفتك بطغابرك وداخل رجال العسكر في ذلك فأجاب منهم زنكي جاندار ان
يباشر قتله بيده ووافق بك ارسلان جماعة من الأمراء واعترضوا له في
موكبه فضربه الجاندار فصرعه عن فرسه وأجهز عليه ابن خاص بك ووقف
الأمراء الذين واطئوه على ذلك دون الجاندار فمنعوه وكان ذلك بظاهر
صهوة [3] وبلغ الخبر الى السلطان مسعود ببغداد ومعه عباس صاحب
الريّ في جيش كثيف فامتعض لذلك ونكره فداراه السلطان حتى سكن وداخل
بعض الأمراء في قتله فأجابوه وتولى كبر ذلك البقش حروسوس [4] للحف
وأحضر السلطان عبّاسا وأدخله في داره وهذان الأميران عنده وقد
أكمنوا له في بعض المخادع رجالا وعدلوا به الى مكانهم فقتلوه ونهبت
خيامه وأصاخت البلاد لذلك ثم سكنت وكان عبّاس من موالي السلطان
محمود وكان عادلا حسن السيرة وله مقامات حسان في جهاد الباطنية
وقتل في ذي القعدة سنة احدى وأربعين ثم حبس السلطان أخاه سليمان
شاه في قلعة تكريت وسار عن بغداد الى أصبهان والله سبحانه وتعالى
وليّ التوفيق.
__________
[1] وقد ورد اسمه أيضا طغايرك
[2] ورد في بعض النسخ المعروف بابن خاص بك بن بتكرى.
[3] كذا بالأصل وفي معجم البلدان: صهوة كل شيء اعلاه والصهوة
بنواحي المدينة. وفي الكامل: قتله بظاهر جنزة. وجنزة اسم مدينة
باران كما في معجم البلدان واستنادا الى رواية معجم البلدان تكون
رواية ابن الأثير أصح.
[4] وفي الكامل: البقش كون خر وتنر، وهو أمير اللحف.
(5/79)
مقتل بوزابة صاحب فارس
قد تقدّم لنا أنّ طغايرك كان مستظهرا على السلطان بعبّاس صاحب
الريّ وبوزابة صاحب فارس وخوزستان فلما قتل طغايرك وامتعض له عبّاس
قتل اثره وانتهى الخبر الى بوزابة فجمع العساكر وسار الى أصبهان
سنة اثنتين وأربعين فحاصرها وبعث عسكرا آخر لحصار همذان وآخر الى
قلعة الماهكي من بلاد اللحف وكان بلاد اللحف من قلاع البقش كوزحر
[1] فسار اليها ودفعهم عنها ثم سار بوزابة عن أصبهان لطلب السلطان
مسعود فامتنع وتراجفا بمرج مزاتكن واشتدّ القتال بينهما وكبا الفرس
ببوزابة وسيق إلى السلطان فقتل بين يديه وقيل أصابه سهم فسقط ميتا
وانهزمت عساكره وكان هذا الحرب من أعظم الحروب بين السلجوقية.
انتقاض الأمراء على السلطان
ولما قتل طغايرك وعباس وبوزابة اختص بالسلطان ابن خاص بك لميله
اليه واطرح بقية الأمراء فاستوحشوا وارتابوا بأنفسهم أن يقع بهم ما
وقع بالآخرين ففارقوه وساروا نحو العراق أبو ركن المسعودي صاحب
كنجة وارّان والبقش كوزحر صاحب الجبل والحاجب خريطاي المحمودي شحنة
واسط وابن طغايرك والركن وقرقوب ومعهم ابن أخي السلطان وهو محمد بن
محمود وانتهوا الى حرّان فاضطرب الناس ببغداد وغلت الأسعار وبعث
اليهم المقتفي بالرجوع فلم يرجعوا ووصلوا الى بغداد في ربيع الآخر
من سنة ثلاث وأربعين ونزلوا بالجانب الشرقي وهرب أجناد مسعود شحنة
بغداد الى تكريت ووصل اليهم علي بن دبيس صاحب الجبلة ونزل بالجانب
الغربي وجمع الخليفة العساكر ثم قاتل العامة عساكر الأمراء
فاستطردوا لهم ثم كروا عليهم فملئوا الأرض بالقتلى ثم جاست خيولهم
خلال الديار فنهبوا وسبوا ثم جاءوا مقايل التاج يعتذرون وردّدوا
الرسل الى الخليفة سائر يومهم ثم ارتحلوا من الغد الى النهر وان
فعاثوا فيها وعاد مسعود من بلاد تكريت الى بغداد ثم افترق الأمراء
وفارقوا العراق ثم عاد البقش كوزحر والطرنطاي وابن دبيس سنة أربع
وأربعين ومعهم ملك شاه بن محمود وهو ابن أخي السلطان وطلبوا من
الخليفة الخطبة لملك شاه فأبى وجمع العساكر وشغل بما كان فيه من
أمر عم السلطان سنجر وذلك أن السلطان سنجر بعث اليه يلومه في تقديم
ابن خاص بك ويأمره بابعاده وتهدّده فغالطه ولم يفعل فسار الى الريّ
فبادر اليه مسعود وترضاه فرضي عنه ولما علم البقش كوزحر مراسلة
__________
[1] وفي بعض النسخ كون خر.
(5/80)
المقتفي لمسعود نهب النهروان وقبض على عليّ بن
دبيس وسار السلطان بعد لقاء عمه الى بغداد فوصلها منتصف شوّال سنة
أربع وأربعين فهرب الطرنطاي الى النعمانيّة ورحل البقش الى
النهروان بعد أن أطلق علي بن دبيس فجاء الى السلطان واعتذر فرضي
عنه.
وفاة السلطان مسعود وولاية ملك شاه بن
أخيه محمود ثم أخيه محمد من بعده
ثم توفى السلطان مسعود بهمذان في رجب منتصف سبع وأربعين لاثنتين
وعشرين سنة من طلبه الملك وبه كمل استفحال ملك السلجوقية وركب
الخمول دولتهم بعده وكان عهد الى ملك شاه بن أخيه محمود فلما توفى
بايع له الأمير ابن خاص بك وأطاعه العسكر وانتهى خبر موته الى
بغداد فهرب الشحنة بلاك الى تكريت وأمر المقتفى بالحوطة على داره
ودور أصحاب السلطان مسعود ثم بعث السلطان ملك شاه عسكر الى الجبلة
مع سلادكرد من أمرائه فملكها وسار اليه بلاك الشحنة فخادعه حتى
استمكن منه فقبض عليه وغرّقه واستبدّ بلاك الشحنة بالجبلة وجهز
المقتفي العساكر مع الوزير عون الدين بن عبيرة الى الجبلة وبعث
عساكرا الى الكوفة وواسط فملكهما ووصلت عساكر السلطان ملك شاه
فملكوها وسار اليها الخليفة بنفسه فارتجعها منهم وسار منها الى
الجبلة ثم الى بغداد آخر ذي القعدة من السنة ثم انّ ابن خاص بك طمع
في الانفراد بالأمر فاستدعى محمد بن محمود من خوزستان فأطمعه في
الملك ليقبض عليه وعلى أخيه ملك شاه فقبض على ملك شاه أولا لستة
أشهر من ولايته ووصل محمد في صفر من سنة ثمان وأربعين فأجلسه على
التخت وخطب له بالسلطنة وحمل اليه الهدايا وقد سعى للسلطان محمد
بما انطوى عليه ابن خاص بك فلما باكره صبيحة وصوله فتك به وقتله
وقتل معه زنكي الجاندار قاتل طغايرك وأخذ من أموال ابن خاص بك
كثيرا وكان صبيا كما بينا اتصل بالسلطان مسعود وتنصح له فقدّمه على
سائر العساكر والأمراء وكان أنوغري التركي المعروف بشملة في جملة
ابن خاص بك ومن أصحابه ونهاه عن الدخول الى السلطان محمد فلما قتل
ابن خاص بك نجا شملة الى خوزستان وكان له بها بعد ذلك ملك والله
أعلم بغيبه وأحكم.
تغلب الغز على خراسان وهزيمة السلطان
سنجر وأسره
كان هؤلاء الغز فيما وراء النهر وهم شعب من شعوب الترك ومنهم كان
السلجوقية أصحاب
(5/81)
هذه الدولة وبقوا هنالك بعد عبورهم وكانوا
مسلمين فلما استولى الخطا على ملك الصين وعلى ما وراء النهر حجر
هؤلاء الغزّ الى خراسان وأقاموا بنواحي بلخ وكان لهم من الأمراء
محمود ودينار وبختيار وطوطي وارسلان ومعز وكان صاحب بلخ الأمير
قماج فتقدّم اليهم أن يبعدوا عن بلخ فصانعوه فتركهم وكانوا يعطون
الزكاة ويؤمنون السابلة ثم عاد اليهم في الانتقال فامتنعوا وجمعوا
فخرج اليهم في العساكر وبذلوا له مالا فلم يقبل وقاتلوه فهزموه
وقتلوا العسكر والرعايا والفقهاء وسبوا العيال ونجا قماج الى مرو
وبها السلطان سنجر فبعث اليهم يتهدّدهم ويأمرهم بمفارقة بلاده
فلاطفوه وبذلوا له فلم يقبل وسار اليهم في مائة ألف فهزموه وأثخنوا
في عسكره وقتل علاء الدين قماج وأسروا السلطان سنجر ومعه جماعة من
الأمراء فقتلوا الأمراء واستبقوا السلطان سنجر وبايعوه ودخلوا معه
الى مرو فطلب منه بختيار اقطاعها فقال هي كرسي خراسان فسخروا منه
ثم دخل سنجر خانقاه فقسط على الناس وأطرهم وعسفهم وعلق في الأسواق
ثلاث غرائر وطالبهم بملئها ذهبا فقتله العامّة ودخل الغز نيسابور
ودمّروها تدميرا وقتلوا الكبار والصغار وأحرقوها وقتلوا القضاة
والعلماء في كل بلد ولم يسلم من خراسان غير هراة وسبستان لحصانتهما
وقال ابن الأثير عن بعض مؤرّخي العجم ان هؤلاء الغز انتقلوا من
نواحي التغرغر من أقاصي الترك الى ما وراء النهر أيام المقتفي
وأسلموا واستظهر بهم المقنّع الكنديّ على مخارقه وشعوذته حتى تمّ
أمره فلما سارت اليه العساكر خذلوه وأسلموه وفعلوا مثل ذلك مع
الملوك الخانية ثم طردهم الأتراك القارغلية عن اقطاعهم فاستدعاهم
الأمير زنكي بن خليفة الشيبانيّ المستولي على حدود طخارستان
وأنزلهم بلاده واستظهر بهم على قماج صاحب بلخ وسار بهم لمحاربته
فخذلوه لأنّ قماج كان استمالهم فانهزم زنكي وأسر هو وابنه وقتلهما
قماج وأقطع الغز في بلاده فلما سار الحسين بن الحسين الغوري الى
بلخ برز اليه قماج ومعه هؤلاء الغز فخذلوه ونزعوا عنه الى الغوري
حتى ملك بلخ فسار السلطان سنجر الى بلخ وهزم الغوري واستردّها وبقي
الغزّ بنواحي طخارستان وفي نفس قماج حقد عليهم فأمرهم بالانتقال عن
بلاده فتألفوا وتجمّعوا في طوائف من الترك وقدموا عليهم أرسلان
بوقاء التركي ولقيهم قماج فهزموه وأسروه وابنه أبا بكر وقتلوهما
واستولوا على نواحي بلخ وعاثوا فيها وجمع السلطان سنجر وفي مقدمته
محمد بن أبي بكر بن قماج المقتول والمؤيد ابنه في محرّم سنة ثمان
وأربعين وجاء السلطان سنجر على أثرهم وبعثوا اليه بالطاعة والأموال
فلم يقبل منهم وقاتلهم فهزموه الى بلخ ثم عاود قتالهم فهزموه الى
مرو واتبعوه فهرب هو وعسكره من مرو رعبا منهم ودخلوا البلد وأفحشوا
فيه قتلا ونهبا وقتلوا القضاة والأئمة والعلماء
(5/82)
ولما خرج سنجر من مرو وأسروه وأجلسوه على
التخت على عادته وآتوه طاعتهم ثم عاودوا الغارة على مرو فمنعهم
أهلها وقاتلوهم ثم عجزوا واستسلموا فاستباحوها أعظم من الاولى ولما
أسر سنجر فارقه جميع أمراء خراسان ووزيره طاهر بن فخر الملك بن
نظام الملك ووصلوا الى نيسابور واستدعوا سليمان شاه بن السلطان
محمود وخطبوا له بالسلطان في منتصف السنة واجتمعت عليه عساكر
خراسان وساروا لطلب الغزّ فبارزوهم على مرو وانهزمت العساكر رعبا
منهم وقصدوا نيسابور والغز في اتباعهم ومرّوا بطوس فاستباحوها
وقتلوا حتى العلماء والزهاد وخربوا حتى المساجد ثم ساروا الى
نيسابور في شوّال سنة تسع وأربعين ففعلوا فيها أفحش من طوس حتى
ملئوا البلاد من القتلى وتحصن طائفة بالجامع الأعظم من العلماء
والصالحين فقتلوهم عن آخرهم وأحرقوا خزائن الكتب وفعلوا مثل ذلك في
جوين وأسفراين فحاصروهما واقتحموهما مثل ما فعلوا في البلاد الأخرى
وكانت أفعال الغز في هذه البلاد أعظم وأقبح من أفعال الغز في غيرها
ثم انّ السلطان سليمان شاه توفى وزيره طاهر بن فخر الملك بن نظام
الملك في شوّال سنة ثمان وأربعين فاستوزر ابنه نظام الملك وانحلّ
أمره وعجز عن القيام بالملك فعاد الى جرجان في صفر سنة تسع وأربعين
فاجتمع الأمراء وخطبوا للخان محمود بن محمد بن بقراخان وهو ابن أخت
سنجر واستدعوه فملكوه في شوّال من السنة وساروا معه لقتال الغز وهم
محاصرون هراة فكانت حروبه معهم سجالا وأكثر الظفر للغز ثم رحلوا عن
هراة الى مرو منتصف خمسين وأعادوا مصادرة أهلها وسار الخان محمد
الى نيسابور وقد غلب عليها المؤيد كما يذكر فراسل الغز في الصلح
فصالحوه في رجب.
استيلاء المؤيد على نيسابور وغيرها
هذا المؤيد من موالي سنجر واسمه وكان من أكابر أوليائه ومطاعا فيهم
ولما كانت هذه الفتنة وافترق أمر الناس بخراسان تقدم فاستولى على
نيسابور وطوس ونسا [1] وان ورد وشهرستان والدامغان وحصنها ودافع
الغز عنها ودانت له الرعية لحسن سيرته فعظم شأنه وكثرت جموعه
واستبدّ بهذه الناحية وطالبه الخان محمود عند ما ملكوه بالحضور
عنده وتسليم البلاد فامتنع وتردّدت الرسل بينهما على مال
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 11 ص 236: تقدم المؤيد «اي ابه»
بقبض أعيان نيسابور وحبسهم وقال:
أنتم الذين اطمعتم الزنود والمفسدين حتى فعلوا هذه الفعال، ولو
أردتم منعهم لاقتنعوا. وقتل من أهل الفساد وجماعة فخر بن نيسابور
بالكلية.
(5/83)
يحمله للخان محمود فضمنه المؤيد وكف عنه محمود
واستقرّ الحال على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.
استيلاء ايتاخ على الريّ
كان ايتاخ من موالي السلطان سنجر وكانت الريّ أيضا من أعمال سنجر
فلما كانت فتنة الغز لحق بالريّ واستولى عليها وصانع السلطان محمد
شاه ابن محمود صاحب همذان وأصبهان وغيرهما وبذل له الطاعة فأقرّه
فلما مات السلطان محمد مدّ يده الى أعمال تجاوزته وملكها فعظم أمره
وبلغت عساكره عشرة آلاف فلما ملك سليمان شاه همذان على ما نذكره
وقد كان أنس به عند ولاية سليمان على خراسان سار اليه وقام بخدمته
وبقي مستبدا بتلك البلاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
الخبر عن سليمان شاه وحبسه بالموصل
كان سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملك شاه عند عمه السلطان سنجر
وجعله وليّ عهده وخطب له على منابر خراسان فلما وقعت فتنة الغز
وأسر سنجر قدمه أمراء خراسان على أنفسهم ثم عجز ومضى الى خوارزم
شاه فزوّجه ابنة أخيه ثم سعى به عنده فأخرجه من بلده وجاء الى
أصبهان فمنعه الشحنة من الدخول فمضى الى قاشان فبعث السلطان محمد
شاه ابن أخيه محمود عسكرا ليدفعه عنها فسار الى خوزستان فمنعه ملك
شاه منها فقصد اللحف ونزل وأرسل المقتفي في أثره فطلبه في زوجته
رهينة ببغداد فبعث بها مع جواريها وأتباعها فأكرمهم المقتفي وأذن
له في القدوم وخرج الوزير ابن هبيرة وقاضي القضاة والفتيان لتلقيه
وخلع عليه المقتفي وأقام ببغداد حتى إذا دخلت سنة احدى وخمسين أحضر
بدار الخلافة وحضر قاضي القضاة والأعيان واستحلف على الطاعة
والتجافي للخليفة عن العراق وخطب له ببغداد ولقب ألقاب أبيه وأمدّ
بثلاثة آلاف من العسكر وجعل معه الأمير دوران أمير حاجب صاحب
الجبلة وسار الى بلاد الجبل في ربيع الأوّل من السنة وسار المقتفي
الى حلوان وبعث الى ملك شاه بن السلطان محمود يدعوه الى موافقة عمه
سليمان شاه وان يكون وليّ عهده فقدم في ألفي فارس وتحالفا وأمدّهما
المقتفي بالمال والاسلحة واجتمع معهم ايلدكز صاحب كنجة وأرانية
وساروا لقتال السلطان محمد فلما بلغه خبرهم أرسل الى قطب الدين
مودود بن زنكي ونائبة زين الدين على كوجك في المساعدة والارتفاق
فاجاباه وسارا للقاء عمه سليمان شاه ومن معه واقتتلوا في جمادى
الاولى فهزمهما السلطان محمد وافترقوا وتوّجه سليمان شاه الى بغداد
على شهرزور وكانت لصاحب الموصل وبها الأمير بوران من جهة على كوجك
نائب
(5/84)
الموصل فاعترضه هنالك كوجك وبوران فاحتمله
كوجك الى الموصل فحبسه بها وبعث الى السلطان محمد بالخبر وانه على
الطاعة والمساعدة فقبل منه وشكر له.
فرار سنجر من أسر الغز
قد تقدّم لنا ما كان من أسر السلطان سنجر بيد الغز وافتراق خراسان
واجتماع الأمراء بنيسابور وما اليها على الخان محمود بن محمد
وامتنعوا من الغز وامتنع أتسز بن محمد أنوشتكين بخوارزم وانقسمت
خراسان بينهم وكانت الحرب بين الغز وبينهما سجالا ثم هرب سنجر من
أسر الغز وجماعة من الأمراء كانوا معه في رمضان سنة احدى وخمسين
ولحق بترمذ ثم عبر جيحون الى دار ملكه بمرو فكانت مدّة أسره من
جمادى سنة ثمان وأربعين ثلاث سنين وأربعة أشهر ولم يتفق فراره من
الأسر الا بعد موت علي بك مقدّم القارغلية لأنه كان أشدّ شيء عليه
فلما توفي انقطعت القارغلية اليه وغيرهم ووجد فسحة في أمره والله
سبحانه وتعالى أعلم.
حصار السلطان محمد بغداد
كان السلطان محمد بن محمود لأوّل ولايته الملك بعد عمه مسعود بعث
الى المقتفي في الخطبة له ببغداد والعراق على عادتهم فمنعه لما رجا
من ذهاب دولتهم استفحالهم واستبدادهم فسار السلطان من همذان في
العساكر نحو العراق ووعده صاحب الموصل ونائبة بمدد العساكر فقدم
آخر احدى وخمسين وبعث المقتفي في الحشد فجاء خطا وفرس في عسكر واسط
وخالفهم مهلهل الى الجبلة فملكها واهتم المقتفي وابن هبيرة بالحصار
وقطع الجسر وجمع السفن تحت التاج ونودي في الجانب الغربي بالعبور
فعبروا في محرم سنة اثنتين وخمسين وخرب المقتفي ما وراء الخرسة
صلاحا في استبداده وكذلك السلطان محمد من الجهة الأخرى ونصبت
المنجنيقات والعرّادات وفرّق المقتفي السلاح على الجند والعامة
وجاء زين الدين كجك في عسكر الموصل ولقي السلطان علي أوانا واتصلت
الحرب واشتدّ الحصار وفقدت الأقوات وانقطعت المواد عن أهل بغداد
وفتر كجك وعسكره في القتال أدبا مع المقتفي وقيل أوصاه بذلك نور
الدين محمود بن زنكي أخو قطب الدين الأكبر ثم جاء الخبر بأنّ ملك
شاه أخا السلطان محمد وايلدكز صاحب ارّان وربيبه ارسلان بن طغرل
قصدوا همذان فسار عن بغداد مسرعا الى همذان آخر ربيع الأوّل وعاد
زين الدين الى الموصل ولما وصل ملك شاه وايلدكز وربيبه ارسلان الى
همذان أقاموا بها قليلا وسمعوا بمجيء السلطان فاجفلوا وساروا الى
الري فقاتلهم الشحنة انبانج فهزموه
(5/85)
وحاصروه وأمدّه السلطان محمد بعسكر بن سقمس بن
قماز فوجدهم قد أفرجوا عنه وقصدوا بغداد فقاتلهم فهزموه ونهبوا
عسكره فسار السلطان محمد ليسابقهم الى بغداد فلما انتهى الى حلوان
بلغه أن ايلدكز بالدينور ثم وافاه رسول انبانج بانه ملك همذان وخطب
له فيها وان شملة صاحب خراسان هرب عن ايلدكز وملك شاه الى بلاده
فعاد الى ارّان ورجع السلطان الى همذان قاصدا للتجهز الى بلاد
ايلدكز باران.
وفاة سنجر
ثم توفي السلطان سنجر صاحب خراسان في ربيع سنة اثنتين وخمسين وقد
كان ولى خراسان منذ أيام أخيه بركيارق وعهد له أخوه محمد فلما مات
محمد خوطب بالسلطنة وكان الملوك كلهم بعدها في طاعته نحو أربعين
سنة وخطب له قبلها بالملك عشرين سنة وأسره الغز ثلاث سنين ونصف
ومات بعد خلاصه من الأسر وقطعت خطبته ببغداد والعراق ولما احتضر
استخلف على خراسان ابن أخته محمد بن محمود بن بقراخان فأقام بجرجان
وملك الغز مرو وخراسان وملك به المؤيد نيسابور وناحيته من خراسان
وبقي الأمر على هذا الخلاف سنة اربع وخمسين وبعث الغز الى محمود
الخان ليحضر عندهم فيملكوه فخافهم على نفسه وبعث ابنه اليهم
فأطاعوه مدّة ثم لحق هو بهم كما نذكر بعد.
منازعة ايتاق للمؤيد
كان ايتاق هذا من موالي السلطان سنجر فلما كانت الفتنة وافترق
الشمل ومات السلطان سنجر وملك المؤيد نيسابور وحصل له التقدّم بذلك
على عساكر خراسان حسده جماعة من الأمراء وانحرف عنه ايتاق هذا
فتارة يكون معه وتارة يكون في مازندان فلما كان سنة اثنتين وخمسين
سار من مازندران في عشرة آلاف فارس من المنحرفين عن المؤيد وقصد
نسا وأبيورد وأقام بها [1] المؤيد ايتاق فسار اليه وكبسه وغنم
معسكره ومضى ايتاق منهزما الى مازندران وكان بين ملكها رستم وبين
أخيه علي منازعة فتقرب ايتاق الى رستم بقتال أخيه علي فوجد لذلك
غلبة ودفعه عنه وسار يتردد في نواحي خراسان بالعيث والفساد وألح
على
__________
[1] بياض بالأصل، وفي الكامل ج 11 ص 226: واقام بنواحي نسا وأبيورد
لا يظهر المخالفة للمؤيد، بل يراسله بالموافقة والمعاضدة له ويبطن
ضدها. وانتقل المؤيد من المكاتبة الى المكافحة وسار اليه جريدة
فأغار عليه وأوقع به فتفرق عنه جموعه.
(5/86)
أسفراين فخربها وراسله السلطان محمود الخان
والمؤيد في الطاعة والاستقامة فامتنع فساروا اليه في العساكر في
صفر سنة ثلاث وخمسين فهرب الى طبرستان وبعث رستم شاه مازندان الى
محمود والمؤيد بطاعته وبأموال جليلة وهدية فقبلوا منه وبعث ايتاق
ابنه رهنا على الطاعة فرجعوا عنه واستقرّ بجرجان ودستان وأعمالها.
منازعة سنقر العزيزي للمؤيد ومقتله
كان سنقر العزيزي من أمراء السلطان سنجر وكان في نفسه من المؤيد ما
عند الباقين فلما شغل المؤيد بحرب ايتاق سار سنقر من عسكر السلطان
محمود بن محمد الى هراة فملكها واشترط عليه أن يستظهر بملك الغورية
الحسين فأبى وطمع في الاستبداد لما رأى من استبداد الأمراء على
السلطان محمود بن محمد فحاصره المؤيد بهراة واستمال الأتراك الذين
كانوا معه فأطاعوه وقتلوا سنقر العزيزي غيلة وملك السلطان محمد
هراة ولحق الفل من عسكر سنقر بإيتاق وتسلطوا على طوس وقراها
واستولى الخراب على البلاد والله تعالى أعلم.
فتنة الغز الثانية بخراسان وخراب
نيسابور على يد المؤيد
كان الغز بعد فتنتهم الاولى أوطنوا بلخ ونزعوا عن النهب والقتل
بخراسان واتفقت الكلمة بها على طاعة السلطان محمود بن محمد الخان
وكان القائم بدولته المؤيد أبوابه فلما كان سنة ثلاث وخمسين في
شعبان سار الغز الى مرو فزحف المؤيد اليهم وأوقع طائفة منهم وتبعهم
الى مرو وعاد الى سرخس وخرج معه الخان محمود لحربهم فالتقوا خامس
شوّال وتواقعوا مرارا ثلاثا انهزم فيها الغز على مرو وأحسنوا
السيرة وأكرموا العلماء والأئمة ثم أغاروا على سرخس وطوس
واستباحوهما وخربوهما وعادوا الى مرو وأمّا الخان محمود بن محمد
فسار الى جرجان ينتظر مآل أمرهم وبعثوا اليه الغز سنة أربع وخمسين
يستدعونه ليملكوه فاعتذر لهم خشية على نفسه فطلبوا منه جلال الدين
عمر فتوثق منهم بالحلف وبعثه اليهم فعظموه وملكوه في ربيع الآخر من
سنة أربع ثم سار أبوه محمود الى خراسان وتخلف عنه المؤيد أبوابه
وانتهى الى حدود نساوا بيورد فولى عليهم الأمير عمر بن حمزة النسوي
فقام في حمايتهما المقام المحمود بظاهر نسا ثم سار الغز من نيسابور
الى طوس لامتناع أهلها من طاعتهم فملكوها واستباحوها
(5/87)
وعادوا الى نيسابور فساروا مع جلال الدين عمر
بن محمود الخان الى حصار سارورا [1] وبها النقيب عماد الدين محمد
بن يحي العلويّ الحسيني فحاصروه وامتنعت عليهم فرجعوا الى نسا
وأبيورد للقاء الخان محمود بجرجان كما قدّمناه فخرج منها سائر الى
خراسان واعترضه الغز ببعض القرى في طريقه فهرب منه وأسر بعضهم ثم
هرب منه ولحق بنيسابور فلما جاء الخان محمود اليها مع الغز فارقها
منتصف شعبان ودخلها الغز وأحسنوا السيرة وساروا الى سرخس ومرو فعاد
المؤيد في عساكره الى نيسابور وامتنع أهلها عليه فحاصرها وافتتحها
عنوة وخربها ورحل عنها الى سبق في شوّال سنة أربع وخمسين.
استيلاء ملك شاه بن محمود على خوزستان
ولما رجع السلطان ملك شاه محمد بن محمود من حصار بغداد وامتنع
الخليفة من الخطبة له أقام بهمذان عليلا وسار أخوه ملك شاه الى قم
وقاشان فافحش في نهبها ومصادرة أهلها وراسله أخوه السلطان محمد في
الكف عن ذلك فلم يفعل وسار الى أصبهان وبعث الى ابن الجمقري وأعيان
البلد في طاعته فاعتذروا بطاعة أخيه فعاث في قراها ونواحيها فسار
السلطان اليه من همذان وفي مقدّمته كرجان الخادم فافترقت جموع ملك
شاه ولحق ببغداد فلما انتهى الى قوس لقيه موبذان وسنقر الهمذاني
فأشارا عليه بقصد خوزستان من بغداد فسار الى واسط ونزل بالجانب
الشرقي وساء أثر عسكره في النواحي ففتحوا عليهم البثوق وغرق كثير
منهم ورجع ملك شاه الى خوزستان فمنعه شملة من العبور فطلب الجوار
في بلده الى أخيه السلطان فمنعه فنزل على الأكراد الذين هنالك
فاجتمعوا عليه من الجبال والبسائط وحارب شملة ومع ملك شاه سنقر
الهمذاني وموبذان وغيرهما من الأمراء فانهزم شملة وقتل عامّة
أصحابه واستولى ملك شاه على البلاد وسار الى فارس والله هو المؤيد
بنصره.
وفاة السلطان محمد وولاية عمه سليمان
شاه
ثم توفي السلطان محمد بن محمود بن محمد بن ملك شاه آخر سنة أربع
وخمسين وهو الّذي حاصر بغداد يطلب الخطبة له من الخليفة ومنعه
فتوفي آخر هذه السنة لسبع سنين ونصف من ولايته وكان له ولد صغير
فسلّمه الى سنقر الاحمديلي وقال هو وديعة عندك فأوصل به
__________
[1] وردت في الكامل ج 11 ص 233: (سابزوار) . ولم يذكر صاحب معجم
البلدان سارورا ولعلها سارية. وقال البلاذري: كور طرستان ثماني
كور، سارية وبها منزل العامل في أيام الطاهرية، وكان العامل قبل
ذلك في آمل، وجعلها أيضا الحسن بن زيد ومحمد بن زيد العلويان دار
مقامهما.
(5/88)
الى بلادك فانّ العساكر لا تطيعه فوصل به الى
مراغة واتفق معظم الجند على البيعة لعمه سليمان شاه وبعث أكابر
الأمراء بهمذان الى أتابك [1] زين الدين مودود أتابك ووزير مودود
وزيره فأطلقه مودود وجهزه بما يحتاج اليه في سلطانه وسار معه زين
الدين على كجك في عساكر الموصل فلما انتهى الى بلاد الجبل وأقبلت
العساكر للقاء سليمان شاه ذكر معاملتهم مع السلطان ودالتهم عليه
فخشي على نفسه وعاد الى الموصل ودخل سليمان شاه همذان وبايعوا له
والله سبحانه تعالى أعلم.
وفاة المقتفي وخلافة المستنجد
ثم توفي المقتفي لأمر الله في ربيع الأوّل سنة خمس وخمسين لأربع
وعشرين سنة من خلافته وقد كان استبدّ في خلافته وخرج من حجر
السلجوقية عند افتراق أمرهم بعد السلطان مسعود كما ذكرناه في أخبار
الخلفاء ولما توفي بويع بعده بالخلافة ابنه المستنجد فجرى على سنن
أبيه في الاستبداد واستولى على بلاد الماهلي ونزل اللحف وولى عليها
من قبله كما كانت لأبيه وقد تقدّم ذكر ذلك في أخبارهما انتهى.
اتفاق المؤيد مع محمود الخان
قد كنا قدّمنا أنّ الغز لما تغلبوا استدعوا محمود الخان ليملكوه
فبعث اليهم بابنه عمر فملكوه ثم سار محمود من جرجان الى نسا وجاء
الغز فساروا به الى نيسابور فهرب عنها المؤيد ودخلها محمود والغز
ثم ساروا عنها فعاد اليها المؤيد فحاصرها وملكها عنوة وخربها في
شوّال سنة أربع وخمسين ورحل عنها الى سرخس فعاد اليها المؤيد
فحاصرها وملكها عنوة ورحل عنها الى بيهق ثم رجع اليها سنة خمس
وخمسين وعمر خرابها وبالغ في الإحسان اليها ثم سار لإصلاح أعمالها
ومحو آثار المفسدين والثّوار من نواحيها ففتح حصن إشقيل وقتل
الثوار الزيدية وخرّبه وفتح حصن خسر وجور من أعمال بيهق وهو من
بناء كنجر وملك الفرس أيام حربه مع جراسياق وملكه ورتب فيه الحامية
وعاد الى نيسابور ثم قصد مدينة كندر من أعمال طرسا وفيها متغلب
اسمه خرسده يفسد السابلة ويخرب الأعمال ويكثر الفتك وكان البلاء به
عظيما في خراسان فحاصره ثم ملك عليه الحصن عنوة وقتله وأراح البلاد
منه ثم قصد في رمضان من السنة مدينة بيهق وكانوا قد
__________
[1] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 11 ص 254: سار سليمان شاه من
الموصل الى همذان لتولي السلطنة. وقد تقدم سبب قبضه واخذه الى
الموصل. وسبب مسيره اليها ان الملك محمد بن السلطان محمود بن محمد
بن ملك شاه لما مات أرسل أكابر الأمراء من همذان الى أتابك قطب
الدين مودود بن زنكي صاحب الموصل يطلبون منه إرسال الملك سليمان
شاه بن السلطان محمد بن ملك شاه اليهم ليولوه السلطنة فاستقرت
القاعدة بينهم ان يكون سليمان شاه سلطانا وقطب الدين أتابك وجمال
الدين وزير قطب الدين وزيرا لسليمان شاه وتحالفوا على هذا.
(5/89)
عصوا عليه فراجعوا الطاعة وقبلهم واستفحل أمره
فأرسل اليه الخان محمود بن محمد وهو مع الغز بالولاية على نيسابور
وطوس وما اليها فاتصلت يده به واستحكم الصلح بينه وبين الغز وذهبت
الفتن.
الحرب بين عسكر خوارزم شاه والأتراك
البرزية
كان هؤلاء الأتراك البرزية من شعوب الترك بخراسان وأميرهم بقراخان
بن داود فأغار عليهم جمع من عساكر خوارزم شاه وأوقعوا بهم وفتكوا
فيهم ونجا بقراخان في الفل منهم الى السلطان محمود بخراسان ومن معه
من الغز مستصرخا بهم وهو يظن أن أيتاق هو الّذي هيج عليهم فسار
الغز معه على طريق نسا وأبيورد وقصدوا ايتاق فلم يكن له بهم قوّة
فاستنصر شاه مازندان فسار لنصره واحتشد في أعماله من الأكراد
والديلم والتركمان وقاتلوا الغز والبرزية [1] بنواحي دهستان فهزمهم
خمسا وكان ايتاق في ميمنة شاه مازندان وأفحش الغز في قتل عسكرهم
ولحق شاه مازندان بسارية وايتاق شهروز خوارزم ثم ساروا الى دهستان
فنهبوها وخربوها سنة ست وخمسين وخربوا جرجان كذلك وافترق أهلها في
البلاد ثم سار ايتاق الى بقراتكن المتغلب على أعمال قزوين فانهزم
من بين يديه ولحق بالمؤيد وصار في جملته واكتسح ايتاق سائر أعماله
ونهب أمواله فقوى بها.
وفاة ملك شاه بن محمود
قد قدّمنا انّ ملك شاه بن محمود سار بعد أخيه السلطان محمد من
خوزستان الى أصبهان ومعه شملة التركماني ودكلا صاحب فارس فأطاعه
ابن الخجنديّ رئيس أصبهان وسائر أهلها وجمع له الأموال وأرسل ملك
شاه الى أهل الدولة بأصبهان يدعوهم الى طاعته وكان هو أهم مع عمه
سليمان فلم يجيبوه الى ذلك وبعثوا عن سليمان من الموصل وملكوه
وانفرد ملك شاه بأصبهان واستفحل أمره وبعث الى المستنجد في الخطبة
له ببغداد مكان عمه سليمان شاه وان تعاد الأمور الى ما كانت
ويتهدّدهم فوعد الوزير عميد الدين بن هبيرة جارية جاعلها على سمه
فسمته في الطعام وفطن المطبب بأنه مسموم وأخبر بذلك شملة
__________
[1] كذا بياض بالأصل، وعبارة ابن الأثير ج 10 ص 261: فاستنجد شاه
مازندران فجاءه ومعه من الأكراد والديلم والأتراك والتركمان الذين
يسكنون نواحي ايسكون جمع كثير فاقتتلوا ودامت الحرب بينهم.
(5/90)
ودكلا فاحضروا الجارية وأقرت ومات ملك شاه
وأخرج أهل أصبهان أصحابه وخطبوا لسليمان شاه وعاد شملة الى خراسان
فارتجع ما كان ملك شاه تغلب عليه منها.
قتل سليمان شاه والخطبة لأرسلان
كان سليمان لما ملّك أقبل على اللهو ومعاقرة الخمر حتى في نهار
رمضان وكان يعاشر الصفاعين والمساخر وعكف على ذلك مع ما كان فيه من
الخرق والتهور فقعد الأمراء عن غشيان بابه وشكوا الى شرف الدين
كردبازه الخادم وكان مدبر مملكته وكان حسن التربية والدين فدخل
عليه يوما يعذله على شأنه وهو مع ندمائه بظاهر همذان فأشار اليهم
أن يعبثوا بكردبازه فخرج مغضبا واعتذر اليه عند ما صحا فأظهر له
القبول وقعد عن غشيان مجلسه وكتب سليمان شاه الى انبانج صاحب الريّ
يدعوه الى الحضور فوعده بذلك إذا أفاق من مرضه وزاد كردبازه
استيحاشا فاستحلف الأمراء على خلع سليمان وبدأ بقتل جميع الصفاعين
الذين كانوا ينادمونه وقال انما فعلته صونا لملكك ثم عمل دعوة في
داره فحضر سليمان شاه والأمراء وقبض على سليمان شاه ووزيره أبي
القاسم محمود بن عبد العزيز الحاقدي وعلى خواصه وذلك في شوّال سنة
خمس وخمسين وقتل وزيره وخواصه وحبس سليمان شاه قليلا ثم قتله ثم
أرسل الى ايلدكز صاحب أرّان وأذربيجان يستقدم ربيبه أرسلان بن طغرل
ليبايع له بالسلطنة وبلغ الخبر الى انبانج صاحب الريّ فسار الى
همذان ولقيه كردبازه وخطب له بالسلطنة بجميع تلك البلاد وكان
ايلدكز قد تزوّج بأم أرسلان وولدت له ابنه البهلوان محمد
ومزدارسلان عثمان فكان ايلدكز أتابك وابنه البهلوان حاجبا وهو أخو
أرسلان لأمّه وايلدكز هذا من موالي السلطان مسعود ولما ملك أقطعه
ارّان وبعض أذربيجان وحدثت الفتن والحروب فاعتصم هو باران ولم يحضر
عند أحد من ملوكهم وجاء اليه ارسلان شاه من تلك الفتن فأقام عنده
الى أن ملك ولما خطب له بهمذان بعث ايلدكز أتابك الى انبانج صاحب
الريّ ولاطفه وصاهره في ابنته لابنه البهلوان وتحالفا على الاتفاق
وبعث الى المستنجد بطلب الخطبة لارسلان في العراق واعادة الأمور
الى عادتها أيام السلطان مسعود فطرد رسوله بعد الإهانة ثم أرسل
ايلدكز الى آقسنقر الاحمديلي يدعوه الى طاعة السلطان ارسلان فامتنع
وكان عنده ابن السلطان شاه بن محمود المدني أسلمه اليه عند موته
فتهدّده بالبيعة له وكان الوزير ابن هبيرة يكاتبه من بغداد ويقمعه
في الخطبة لذلك الصبي قصدا للنصر من بينهم فجهز ايلدكز العساكر مع
البهلوان الى آقسنقر واستمدّ آقسنقر شاهر بن سقمان
(5/91)
القطبي صاحب خلاط وواصله فمدّه بالعساكر وسار
نحو البهلوان وقاتله فظفر به ورجع البهلوان الى همذان مهزوما والله
تعالى أعلم.
الحرب بين ايلدكز وانبانج
لما مات ملك شاه بن محمود بأصبهان كما قلناه لحق طائفة من أصحابه
ببلاد فارس ومعهم ابنه محمود فانتزعه منهم صاحب فارس زنكي بن دكلا
السلقدي [1] وأنزله في قلعة إصطخر فلما ملك ايلدكز السلطان ارسلان
وطلب الخطبة ببغداد وأخذ الوزير ابن هبيرة في استفساد الاطراف
عليهم وبعث لابن آقسنقر في الخطبة لابن السلطان محمد شاه الّذي
عنده وكاتب صاحب فارس أيضا يشير عليه بالبيعة للسلطان محمد بن
السلطان ملك شاه الّذي عنده ويعده بالخطبة له إن ظفر بايلدكز فبايع
له ابن دكلا وخطب له بفارس وضرب النوب الخمس على بابه وجمع العساكر
وبلغ الى ايلدكز فجمع وسار في أربعين ألفا الى أصبهان يريد فارس
فأرسل الى زنكي في الخطبة لارسلان شاه فأبى فقال له ايلدكز أنّ
المستنجد أقطعني بلادك وأنا سائر اليها وتقدّمت طائفة الى نواحي
أرجان فلقيتها سريّة لارسلان بوقا صاحب أرجان فأوقعوا بطائفته
وقتلوا منهم وبعثوا بالخبر الى انبانج فنزل [2] من الري في عشرة
آلاف وأمدّه آقسنقر الأحمد يلي [3] بخمسة آلاف فقصد [4] وهرب صاحب
ابن البازدان وابن طغايرك وغيرهما من أولياء ايلدكز للقاء انبانج
ورد عسكر المدافعة زنكي عن شهبرم وغيرها من البلاد فهزمهم زنكي بن
دكلا ورجعوا اليه فاستدعى عساكره من أذربيجان وجاء هبيس بن
مزدارسلان واستمدّ انبانج وقتل أصحابه ونهب سواده ودخل الريّ وتحصن
في قلعة طبرك ثم تردّدت الرسل بينه وبين ايلدكز في الصلح وأقطعه
حربادفان [5] وغيرها وعاد ايلدكز الى همذان والله سبحانه وتعالى
أعلم.
الفتنة بنيسابور وتخريبها
وفي ربيع سنة ست وخمسين قبض المؤيد على أحياء [6] نيسابور وحبسهم
وفيهم نقيب
__________
[1] وقد ورد اسمه أيضا السلفري (الكامل) ج 10 ص 346.
[2] وقد ورد اسمه أيضا اينانج (الكامل) ج 11 ص 266.
[3] ورد في بعض النسخ آقسنقر الاحمديلي وفي الكامل أيضا ج 11 ص
270.
[4] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 11 ص 271: فأرسل اليه ابنه
آقسنقر الاحمديلي خمسة الاف فارس وهرب ابن البازداد صاحب قزوين.
[5] لم يذكر صاحب معجم البلدان بلدة بهذا الاسم، وفي الكامل ج 9 ص
75: جرماذقان.
[6] ورد في الكامل أعيان نيسابور ج 11 ص 271.
(5/92)
العلويين أبو القاسم زيد بن الحسن الحسيني
وآخذهم على ما فعله آباؤهم بأهل البلد من أهل البلد من النهب
والاعتداء على الناس في أموالهم وحرصهم فأخذ هؤلاء الأعيان ينهونهم
كأنهم لم يضربوا على أيديهم [1] وقتل جماعة من أهل الفساد فخرب
البلد وامتدّت الايدي الى المساجد والمدارس وخزائن الكتب وأحرق
بعضها ونهب بعضها وانتقل المؤيد الى الشادباخ فأصلح سوره وسدّ ثلمة
وسكنه وخرب نيسابور بالكلية وكان الّذي اختط هذا الشادباخ عبد الله
بن طاهر أيام ولايته على خراسان يتفرد بسكناه هو وحشمه عن البلد
تجافيا عن مزاحمتهم ثم خربت وجدّدها البارسلان ثم خربت فجدّدها
الآن المؤيد وخربت نيسابور بالكلية ثم زحف الغز والخان محمود معهم
وهو ملك خراسان لذلك العهد فحاصروا المؤيد بالشادباخ شهرين ثم هرب
الخان عنهم الى شهرستان كأنه يريد الحمام وأقام بها وبقي الغز إلى
آخر شوّال ثم رجعوا فنهبوا البلاد ونهبوا طوس ولما دخل الخان الى
نيسابور أمهله المؤيد الى رمضان سنة سبع وخمسين ثم قبض عليه وسمله
وأخذ ما كان معه من الذخائر وحبسه وحبس معه جلال محمد فماتا في
محبسهما وخطب المؤيد لنفسه بعد المستنجد ثم زحف المؤيد الى شهرستان
وقرب نيسابور فحاصرها حتى نزلوا على حكمه في شعبان سنة تسع وخمسين
ونهبها عسكره ثم رفع الايدي عنها واستقامت في ملكه والله أعلم.
فتح المؤيد طوس وغيرها
ثم زحف المؤيد الى قلعة دسكرة من طوس وكان بها أبو بكر جاندار
ممتنعا فحاصره بها شهرا وأعانه أهل طوس لسوء سيرته فيهم ثم جهده
الحصار فاستأمن ونزل فحبسه وسار الى كرمان فأطاعوه وبعث عسكرا الى
أسفراين فتحصن بها رئيسها عبد الرحمن بن محمد بالقلعة فحاصره
واستنزله وحمله مقيدا الى الشادباخ فحبس ثم قتل في ربيع الآخر سنة
ثمان وخمسين ثم ملك المؤيد قهندر ونيسابور واستفحل ملكه وعاد الى
ما كان عليه وعمر الشادباخ وخرّب المدينة العتيقة ثم بعث عسكرا الى
بوشنج وهراة وهي في ولاية محمد بن لحسين ملك الغور فحاصرها وبعث
الملك محمد عسكرا لمدافعته فأفرجوا عنها وصفت ولاية هراة للغورية.
__________
[1] وفي الكامل: وحبسهم في ربيع الأخر سنة ست وخمسين وقال: أنتم
الذين أطعتم الزنود والمفسدين حتى فعلوا هذه الفعال ولو أردتم
منعهم لامتنعوا (ج 11 ص 271) .
(5/93)
الحرب بين المسلمين
والكرج
كان الكرج قد ملكوا مدينة انى من بلاد أران في شعبان سنة ست وخمسين
واستباحوها قتلا وأسرا وجمع لهم شاه ارمن بن إبراهيم بن سكمان صاحب
خلاط جموعا من الجند والمتطوّعة وسار اليهم فقاتلوه وهزموه وأسر
كثير من المسلمين ثم جمع الكرج في شعبان سنة سبع وخمسين ثلاثين ألف
مقاتل وملكوا دوس من أذربيجان والجبل وأصبهان فسار اليهم ايلدكز
وسار معه شاه ارمن بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط وآقسنقر صاحب
مراغة في خمسين ألفا ودخلوا بلاد الكرج في صفر سنة ثمان وخمسين
فاستباحوها وأسروا الرجال وسبوا النساء والولدان وأسلم بعض أمراء
الكرج ودخل مع المسلمين وكمن بهم في بعض الشعاب حتى زحف الكرج
وقاتلوا المسلمين شهرا أو نحوه ثم خرج الكمين من ورائهم فانهزموا
واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وعادوا ظافرين.
ملك المؤيد اعمال قومس والخطبة للسلطان
ارسلان بخراسان
ثم سار المؤيد الى ابه صاحب نيسابور الى بلاد قومس فملك بسطام
ودامغان وولى بسطام مولاه تنكز فجرى بينه وبين شاه مازندان اختلاف
أدى الى الحرب واقتتلوا في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ولما ملك
المؤيد قومس بعث اليه السلطان ارسلان بن طغرل بالخلع والاولية لما
كان بين المؤيد وايلدكز من المودّة وأذن له في ولاية ما يفتحه من
خراسان ويخطب له فيها فخطب له في أعمال قومس وطوس وسائر أعمال
نيسابور ويخطب لنفسه بعد ارسلان وكانت الخطب في جرجان ودهستان
لخوارزم شاه ارسلان بن اتسز وبعده للأمير ايتاق والخطبة في مرو
وبلخ وسرخس وهي بيد الغز وهراة وهي بيد الأمير اتيكين وهو مسالم
للغز للسلطان سنجر يقولون اللهمّ اغفر للسلطان السعيد سنجر وبعده
لأمير تلك المدينة والله تعالى وليّ التوفيق.
اجلاء القارغلية من وراء النهر
كان خان خاقان الصيني ولي على سمرقند وبخارى الخان جغرا بن حسين
تكين وهو من بيت
(5/94)
قديم في الملك ثم بعث اليه سنة سبعة وخمسين
باجلاء القارغلية من أعماله الى كاشغر ويشتغلون بالمعاش من الزراعة
وغيرها فامتنعوا فألح عليهم فاجتمعوا وساروا الى بخارى فدس أهل
بخارى الى جغراخان وهو بسمرقند ووعدوا القارغلية بالمصانعة
وطاوعوهم الى أن صجهم جغر في عساكره فأوقع بهم وقطع دابرهم والله
تعالى أعلم.
استيلاء سنقر على الطالقان وغرشستان
وفي سنة تسع وخمسين استولى الأمير صلاح الدين سنقر من موالي
السلطان سنجر على بلاد الطالقان وأغار على غرشستان حتى ملكها وصارت
في حكمه بحصونها وقلاعها وصالح أمراء الغز وحمل لهم الاتاوة.
قتل صاحب هراة
كان صاحب هراة الأمير اتيكين وبينه وبين الغز مهادنة فلما قتل الغز
ملك الغور محمد بن الحسين كما مرّ في أخباره طمع اتيكين في بلاده
فجمع جموعه وسار اليها في رمضان سنة تسع وخمسين وتوغل في بلاد
الغور فقاتله أهلها وهزموه وقتل في المعركة وقصد الغز هراة وقد
اجتمع أهلها على أثير الدين منهم فاتهموه بالميل للغز وقتلوه
واجتمعوا على أبي الفتوح بن علي ابن فضل الله الطغرائي ثم بعثوا
الى المؤيد بطاعتهم فبعث اليهم مملوكه سيف الدين تنكز فقام بأمرهم
وبعث جيشا الى سرخس ومرو وأغاروا على دواب الغز فأفرجوا عن هراة
ورجعوا لطاعته والله تعالى أعلم.
ملك شاه مازندران قومس وبسطام ووفاته
قد ذكرنا استيلاء المؤيد على قومس وبسطام وولاية مولاه تنكز عليها
ثم أنّ شاه مازندران وهو رستم بن علي بن هربار بن قاروت [1] جهز
اليها عسكرا مع سابق الدين القزويني من أمرائه فملك دامغان وسار
إليه تنكز ممن معه من العسكر فكبسهم القزويني وهزمهم واستولى على
البلاد وعاد تنكز إلى المؤيد بنيسابور وجعل يغير على بسطام قومس ثم
توفي شاه مازندان في ربيع سنة ستين فكتم ابنه علاء الدين موته حتى
استولى على حصونه وبلاده ثم أظهره وملك مكانه ونازعه اتياق صاحب
جرجان ودهستان ولم يرع ما كان بينه وبين أبيه فلم يظفر بشيء والله
سبحانه وتعالى أعلم.
__________
[1] وفي الكامل ج 1/ 500 رستم بن علي بن شهريار بن قارن
(5/95)
حصر عسكر المؤيد نسا
ثم بعث المؤيد عساكره في جمادى سنة ستين لحصار مدينة نسا فبعث
خوارزم شاه بك ارسلان بن اتسز في عساكره إليها فأجفلت عنها عساكر
المؤيد ورجعوا إلى نيسابور وصارت نسا في طاعة خوارزم شاه وخطب له
فيها ثم سار عسكر خوارزم إلى دهستان وغلبوه عليها وأقام فيها
بطاعته والله أعلم.
الحرب بين البهلوان وصاحب مراغة
ثم بعث آقسنقر الأحمديلي صاحب مراغة سنة ثلاث وستين إلى بغداد في
الخطبة للملك الّذي عنده وهو ابن السلطان محمد شاه على أن يتجافى
عن العراق ولا يطلب الخطبة منه إلا إذا أسعف بها فأجيب بالوعد
الجميل وبلغ الخبر إلى ايلدكز صاحب البلاد فبعث ابنه البهلوان في
العساكر لحرب آقسنقر فحاربه وهزمه وتحصن بمراغة فنازله البهلوان
وضيق عليه وتردّد بينهما الرسل واصطلحوا وعاد البهلوان إلى أبيه
بهمذان.
ملك شملة فارس وإخراجه عنها
كان زنكي بن دكلا قد أساء السيرة في جنده فأرسلوا إلى شملة صاحب
خوزستان واستدعوه ليملكوه فسار ولقي زنكي وهزمه ونجا إلى الأكراد
الشوابكار وملك شملة بلاد فارس فأساء السيرة في أهلها ونهب ابن
أخيه خرسنكا البلاد فنفر أهل فارس عنه ولحق بزنكي بعض عساكره فزحف
إلى فارس وفارقها شملة إلى بلاده خوزستان وذلك كله سنة أربع وستين
وخمسمائة.
ملك ايلدكز الري
كان إنبانج قد استولى على الريّ واستقرّ فيها بعد حروبه مع ايلدكز
على جزية يؤديها إليه ثم منع الضريبة واعتذر بنفقات الجند فسار
إليه ايلدكز سنة أربع وستين وحاربه إنبانج فهزمه ايلدكز وحاصره
بقلعة طبرك وراسل بعض مماليكه ورغبهم فغدروا به وقتلوه واستولى
أيلدكز
(5/96)
على طبرك وعلى الريّ وولي عليها علي بن عمر
باغ ورجع إلى همذان وشكر لموالي إنبانج الذين قتلوه ولم يف لهم
بالوعد فافترقوا عنه وسار الّذي تولى قتله إلى خوارزم شاه فصلبه
لما كان بينه وبين انبانج من الوصلة والله سبحانه وتعالى وليّ
التوفيق بمنه وكرمه.
وفاة صاحب كرمان والخلف بين أولاده
ثم توفي سنة خمس وستين الملك طغرل بن قاروت بك صاحب كرمان وولى
ابنه أرسلان شاه مكانه ونازعه أخوه الأصغر بهرام شاه فحاربه أرسلان
وهزمه فلحق بالمؤيد في نيسابور فأنجده بالعساكر وسار إلى أخيه
أرسلان فهزمه وملك كرمان ولحق أرسلان بأصبهان مستنجدا بايلدكز
فأنجده بالعساكر وارتجع كرمان ولحق بهرام بالمؤيد وأقام عنده ثم
هلك أرسلان فسار بهرام إلى كرمان وملكها ثم توفي المستنجد وولي
ابنه المستضيء ولم نترجم لوفاة الخلفاء هاهنا لأنها مذكورة في
أخبارهم وإنما ذكرناها قبل هؤلاء لأنهم كانوا في كفالة السلجوقية
وبني بويه قبلهم فوفاتهم من جملة أخبار الدولتين وهؤلاء من لدن
المقتفي قد استبدوا بأمرهم وخلافتهم من بعد ضعف السلجوقية بوفاة
السلطان مسعود وافترقت دولتهم في نواحي المشرق والمغرب واستبد منها
الخلفاء ببغداد ونواحيها ونازعوا من قبلهم أنهم كانوا يخطبون لهم
في أعمالهم ونازعهم فيها مع ذلك حرصا على الملك الّذي سلبوه
وأصبحوا في ملك منفرد عن أولئك المنفردين مضافا إلى الخلافة التي
هي شعارهم وتداول أمرهم إلى أن انقرضوا بمهلك المستعصم على يد
هلاكو.
وفاة خوارزم شاه وولاية ابنه سلطان شاه
ومنازعته مع أخيه الأكبر علاء الدين تكش
لما انهزم خوارزم شاه أرسلان أمام الخطا رجع إلى خوارزم فمات سنة
ثمان وستين وولي ابنه سلطان شاه فنازعه أخوه الأكبر علاء الدين تكش
واستنجد بالخطا وسار إلى خوارزم فملكها ولحق سلطان شاه بالمؤيد
صريخا فسار معه بجيوشه ولقيهم تكش فانهزم المؤيد وجيء به أسيرا إلى
تكش فقتل بين يديه صبرا وعاد أصحابه إلى نيسابور فولوا ابنه طغان
شاه أبو بكر ابن المؤيد وكان من أخبار طغان شاه وتكش ما نذكره في
أخبار دولتهم وفي كيفية قتله خبر آخر نذكره هنالك ثم سار خوارزم
شاه سنة تسع وستين إلى نيسابور وحاصرها مرّتين ثم هزم
(5/97)
في الثانية طغان شاه بن المؤيد وأخذه أسيرا
وحمله إلى خوارزم وملك نيسابور وأعمالها وجميع ما كان لبني المؤيد
بخراسان وانقرض أمرهم والبقاء للَّه وحده والله تعالى أعلم.
وفاة الأتابك شمس الدين أيلديكز وولاية
ابنه محمد البهلوان
ثم توفي الاتابك شمس الدين أيلدكز أتابك أرسلان شاه بن طغرل صاحب
همذان وأصبهان والريّ وأذربيجان وكان أصله مملوك الكمال الشهير ابن
وزير السلطان محمود ولما قتل الكمال صار السلطان وترقى في كتب
الولاية فلما ولي السلطان مسعود ولاه أرانية فاستولى عليها وبقيت
طاعته للملوك على البعد واستولى على أكثر أذربيجان ثم ملك همذان
وأصبهان والريّ وخطب لربيبه أرسلان بن طغرل وبقي أتابك وبلغ عسكره
خمسين ألفا واتسع ملكه من تفليس إلى مكران وكان متحكما على أرسلان
وليس له من الدولة إلا جراية تصل إليه ولما هلك أيلدكز قام بالأمر
بعده ابنه محمد البهلوان وهو أخو السلطان أرسلان لامّه فسار أوّل
ملكه لإصلاح أذربيجان وخالفه ابن سنكي وهو ابن أخي شملة صاحب
خوزستان إلى بلد نهاوند فحاصرها ثم تأخر ابن سنكي من تستر وصحبهم
من ناحية أذربيجان يوهمهم أنه مدد البهلوان ففتحوا له البلد ودخل
فطلب القاضي والأعيان ونصبهم وتوجه نحو ما سندان قاصدا العراق ورجع
إلى خوزستان ثم سار شملة سنة سبعين وقصد بعض التركمان فاستنجدوا
البهلوان بن أيلدكز فأنجدهم وقاتلوه فهزموه وأسر شملة جريحا وولده
وابن أخيه وتوفي بعد يومين وهو من التركمان الأتسزية وملك ابنه من
بعده وسار البهلوان سنة سبعين إلى مدينة تبريز وكان صاحبها آقسنقر
الأحمديلي قد هلك وعهد بالملك بعده لابنه ملك الدين فسار إلى بلاده
وحاصر مراغة وبعث أخاه فنزل وعاد عن مراغة إلى همذان والله سبحانه
وتعالى أعلم.
وفاة السلطان أرسلان بن طغرل
ثم توفي السلطان أرسلان بن طغرل مكفول البهلوان بن أيلدكز وأخوه
لامّه بهمذان سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وخطب بعده لابنه طغرل.
(5/98)
وفاة البهلوان محمد بن
أيلديكز وملك أخيه قزل
ثم توفي البهلوان محمد بن أيلدكز أوّل سنة اثنتين وخمسمائة وكانت
البلاد والرعايا في غاية الطمأنينة فوقع عقب موته بأصبهان بين
الحنفية والشافعية وبالريّ بين أهل السنة والشيعة فتن وحروب آلت
إلى الخراب وملك البلاد بعد البهلوان أخوه فنزل أرسلان واسمه عثمان
وكان البهلوان كافلا للسلطان طغرل وحاكما عليه ولما هلك قزل لم يرض
طغرل بتحكمه عليه وفارق همذان ولحق به جماعة من الأمراء والجند
وجرت بينه وبين قزل حروب ثم غلبه طغرل إلى الخليفة فأمره بعمارة
دار السلطان فطرد رسوله وهدمت دار السلطنة وألحقت بالأرض وبعث
الخليفة الناصر لدين الله سنة أربع وثمانين عسكرا مع وزيره جلال
الدين عبيد الله بن يونس لانجاده قزل على طغرل قبل همذان وهزمهم
ونهب جميع ما معهم وأسر الوزير ابن يونس.
قتل قزل أرسلان قتلغ وولاية أخيه
قد تقدّم لنا ما كان بين السلطان طغرل وبين قزل بن أيلدكز من
الحروب ثم أن قزل غلبه واعتقله في بعض القلاع ودانت له البلاد
وأطاعه ابن دكلا صاحب فارس وخوزستان وعادا إلى أصبهان والفتن بها
متصلة فأخذ جماعة من أعيان الشافعية وصلبهم وعاد إلى همذان وخطب
لنفسه بالسلطنة سنة سبعة وثمانين ثم قتل غلبة على فراشه ولم يعرف
قاتله وأخذ جماعة من غلمانه بالظنة وكان كريما حليما يحب العدل
ويؤثره ولما هلك ولى من بعده قتلغ ابن أخيه البهلوان واستولى على
الممالك التي كانت بيده.
قتل السلطان طغرل وملك خوارزم شاه الري
ووفاة أخيه سلطان شاه
ولما توفي قزل وولي قتلغ بن أخيه البهلوان كما قلناه أخرج السلطان
طغرل من محبسه بالقلعة التي كان بها واجتمع إليه العساكر وسار إلى
همذان فلقيه قتلغ بن البهلوان فانهزم بين يديه ولحق بالريّ وبعث
إلى خوارزم شاه علاء الدين تتش ليستنجده فسار إليه سنة ثمان
وثمانين وندم قتلغ على استدعائه فتحصن ببعض قلاعه وملك خوارزم شاه
الري وملك قلعة طبرك
(5/99)
وصالح السلطان طغرل وولى على الريّ وعاد إلى
خوارزم سنة تسعين فأحدث أحدوثة السلطان شاه [1] نذكره في أخبارهم
وسار السلطان طغرل إلى الري فأغار عليها وفر منه قتلغ بن البهلوان
وبعث إلى خوارزم شاه يستنجده ووافق ذلك وصول منشور من الخليفة إليه
بإقطاعه البلاد فسار من نيسابور إلى الريّ وأطاعه قتلغ وسار معه
إلى همذان وخرج طغرل للقائهم قبل أن يجمع العساكر ولقيهم قريبا من
الريّ في ربيع الأوّل فحمل عليهم وتورط بينهم فصرع عن فرسه وقتل
وملك خوارزم شاه همذان وتلك البلاد جميعا وانقرضت مملكة بني ملك
شاه وولى خوارزم شاه على همذان وملك الأعمال فبلغ انبانج بن
البهلوان وأقطع كثيرا منها مماليكه وقدم عليهم مساحق منهم ثم
استولى وزير الخليفة ابن العطاف على همذان وأصبهان والريّ من يدمو
إليه وانتزعها منهم خوارزم كما ذكرناه في أخبار الخلفاء وجاءت
العساكر من قبل الخليفة إلى همذان مع أبي الهيجاء الشمس من أمراء
الايوبية وكان أميرا على القدس فعزلوه عنها وسار إلى بغداد فبعثه
الناصر سنة ثلاث وتسعين بالعساكر إلى همذان ولقي عندها أزبك بن
البهلوان مطيعا فقبض عليه وأنكر الخليفة ذلك وبعث بإطلاقه وخلع
عليه وعاد إلى بلاد أذربيجان.
ملك الكرج الدويرة
كان أزبك بن البهلوان قد استولى على أذربيجان بعد موته وكان مشغولا
بلذاته فسار الكرج إلى مدينة دوير [2] وحاصرها وبعث أهلها إليه
بالصريخ فلم يصرخهم حتى ملكها الكرج عنوة واستباحوها والله تعالى
أعلم.
__________
[1] وفي الكامل ج 12 ص 107: فشتى خوارزم شاه بخوارزم فلما انقضى
الشتاء سار إلى مرو لقصد أخيه سنة تسع وثمانين فترددت الرسل بينهما
في الصلح. وإذ قد ورد على خوارزم شاه رسول من مستحفظ قلعة سرخس
لأخيه سلطان شاه يدعوه ليسلم إليه القلعة لأنه قد استوحش من صاحبه
سلطان شاه، فسار خوارزم شاه إليه مجدا فتسلم القلعة وصار معه. وبلغ
ذلك سلطان شاه ففت ذلك في عضده، وتزايد كمده فمات سلخ رمضان سنة
تسع وثمانين وخمسمائة فلما سمع خوارزم شاه بموته سار من ساعته إلى
مرو فتسلمها، وتسلم مملكة أخيه سلطان شاه جميعها وخزائنه.
[2] ورد اسمها في بعض النسخ دوبرة وفي الكامل ج 12 ص 283: استولى
الكرج على مدينة دوين من أذربيجان ونهبوها واستباحوها وأكثروا
القتل في أهلها، وكانت هي وجميع بلاد أذربيجان للأمير أبي بكر بن
البهلوان.
(5/100)
قتل كوجه ببلاد الجبل
وملك آيدغمش
كان كوجه [1] من موالي البهلوان قد تغلب على الريّ وهمذان وبلاد
الجبل واصطنع صاحبه آيدغمش ووثق به فنازعه الأمر وحاربه فقتله
واستولى آيدغمش على البلاد وبقي أزبك بن البهلوان مغلبا ليس له من
الحكم شيء.
قصد صاحب مراغة وصاحب أربل أذربيجان
قد ذكرنا أن أزبك كان مشغولا بلذاته مهملا لملكه ثم حدثت بينه وبين
صاحب أربل وهو مظفر الدين كوكبري سنة اثنتين وستمائة فتنة حملت
مظفر الدين على قصده فسار إلى مراغة واستنجد صاحبها علاء الدين بن
قراسنقر الأحمديلي فسار معه لحصار تبريز وبعث أزبك الصريخ إلى
آيدغمش بمكانه من بلاد الجبل فسار إليه وأرسل مظفر الدين بالفتن
والتهديد فعاد إلى بلده وعاد علاء الدين بن قراسنقر إلى بلاد مراغة
فسار آيدغمش وأزبك وحاصروه بمراغة حتى سلم قلعة من قلاعه ورجعوا
عنه والله تعالى أعلم.
وفاة صاحب مازندان والخلف بين أولاده
ثم توفي حسام الدين أزدشير صاحب مازندان [2] وولي ابنه الأكبر
وأخرج أخاه الأوسط عن البلاد فلحق بجرجان وبها على شاه برتكش نائبا
عن أخيه خوارزم فاستنجده على شرط الطاعة له وأمره أخوه تكش بالمسير
معه فساروا من جرجان وبلغهم في طريقهم مهلك صاحب مازندان المتولي
بعد أبيه وأنّ أخاه الأصغر استولى على الكراع والأموال فساروا إليه
وملكوا البلاد ونهبوها مثل سارية وآمد وغيرها وخطب لخوارزم شاه
فيها وعاد علي شاه إلى خراسان وأقام ابن صاحب مازندان وهو الأوسط
الّذي استصرخ به وقد امتنع أخوه الأصغر بقلعة كوري ومعه الأموال
والذخائر وأخوه الأوسط فراسله واستعطف وقد ملك البلاد جميعا والله
وليّ التوفيق.
__________
[1] ورد اسمه في الكامل: كوكجا.
[2] ورد في بعض النسخ مازندان وهو الصحيح وفي معجم البلدان:
مازندران: بعد الزاي نون ساكنة، ودال مهملة وراء وآخره نون: اسم
لولاية طبرستان، وما أظن هذا إلا اسما محدثا لها فإنّي لم أره
مذكورا في كتب الأوائل.
(5/101)
ملك ابن البهلوان مراغة
ثم توفي سنة أربع وستمائة علاء الدين بن قراسنقر الأحمديلي صاحب
مراغة وأقام بأمرها من بعده خادمه ونصب ابنه طفلا صغيرا وعصى عليه
بعض الأمراء وبعث العسكر لقتاله فانهزموا أوّلا ثم استقرّ ملك
الطفل ثم توفي سنة خمس وستمائة وانقرض أهل بيته فسار أزبك ابن
البهلوان من تبريز إلى مراغة واستولى على مملكة آل قراسنقر ما عدا
القلعة التي اعتصم بها الخادم وعنده الخزائن والذخائر.
استيلاء منكلي على بلاد الجبل وأصفهان
وغيرها وهرب آيدغمش وقتله
لما تمكن آيدغمش في بلاد الجبل بهمذان وأصبهان والريّ وما إليها
عظم شأنه حتى طلب الأمر لنفسه وسار لحصار أزبك ابن مولاه الّذي
نصبه للأمر وكان بأذربيجان فخرج عليه مولى من موالي البهلوان اسمه
منكلي وكثر جمعه واستولى على البلاد وقدم آيدغمش إلى بغداد واحتفل
الخليفة لقدومه وتلقاه وذلك سنة ثمان وأقام بها [1] كان ايدغمش قد
وفد سنة ثمان وستمائة إلى بغداد وشرفه الخليفة بالخلع والألوية
وولاه على ما كان بيده ورجع إلى همذان ووعده الخليفة بمسير العساكر
فأقام ينتظرها عند سليمان بن مرحم [2] أمير الإيوانية من التركمان
فدس إلى منكلي بخبره ثم قتل آيدغمش وحمل أصحابه إلى منكلي وافترق
أصحابه واستولى منكلي وبعث إليه الخليفة بالنكير فلم يلتفت إليه
فبعث إلى مولاه أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان يحرّضه عليه وإلى
جلال الدين الإسماعيلي صاحب قلعة الموت لمساعدته على أن يكون
للخليفة بعض البلاد ولأزبك بعضها ولجلال الدين بعضها وبعث الخليفة
العساكر مع مولاه سنقر ووجه السبع [3] وأمره بطاعة مظفر الدين
كوكبري بن زين الدين على كجك صاحب أربل وشهرزور وهو مقدّم العساكر
جميعا فسار
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 296: فخرج الناس كافة، وكان
يوم وصوله مشهودا ثم قدمت زوجته في رمضان في محمل فأكرمت وأنزلت
عند زوجها، وأقام ببغداد إلى سنة عشر وستمائة.
[2] ورد اسمه في الكامل: ابن ترجم.
[3] وفي بعض النسخ: وبعث الخليفة العساكر مع مولاه سنقر الملقب
بوجه السبع.
(5/102)
لذلك وهرب منكلي وتعلق بالجبل ونزلوا بسفحه
قريبا من كوج فناوشهم الحرب فانهزم أزبك ثم عاد ثم أسرى من ليلته
منهزما وأصبحوا فاقتسموا البلاد على الشريطة وولي أزبك فيما أخذ
منها [1] مولى أخيه فاستولى عليها ومضى منكلي إلى ساو وبها شحنة له
فقتله وبعث برأسه إلى أزبك واستقر [2] في بلاد الجبل حتى قتله
الباطنية سنة أربع عشرة وستمائة وجاء خوارزم شاه فملكها كما نذكر
في أخباره ودخل أزبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وأران في طاعته
وخطب له على منابر أعماله وانقرض أمر بني ملك شاه ومواليهم من
العراقين وخراسان وفارس وجميع ممالك المشرق وبقي أزبك ببلاد
أذربيجان ثم استولى التتر على أعمال محمد بن تكش فيما وراء النهر
وخراسان وعراق العجم سنة ثماني عشرة وستمائة وموالي الهند وسار
جنكزخان فأطاعه أزبك بن البهلوان سنة إحدى وعشرين وأمره بقتل من
عنده من الخوارزمية ففعل ورجع عنه إلى خراسان ثم جاء جلال الدين بن
محمد بن تكش من الهند سنة اثنتين وعشرين فاستولى على عراق العجم
وفارس وسار إلى أذربيجان فملكها ومرّ أزبك إلى كنجة من بلاد أران
ثم ملك كنجة وبلاد أران ومد أزبك إلى بعض القلاع هنالك ثم هلك وملك
جلال الدين على جميع البلاد وانقرض أمر بني أزبك واستولى التتر على
البلاد وقتلوا جلال الدين سنة ثمان وعشرين كما يأتي في أخبارهم
جميعا وانتهى الكلام في دولة السلجوقية فلنرجع إلى أخبار الدول
المتشعبة عنها واحدة بعد واحدة والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير
الوارثين.
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 307: واستولى عسكر الخليفة
وأوزبك على البلاد فأعطى جلال الدين ملك الإسماعيلية من البلاد ما
كان استقر له، وأخذ الباقي أوزبك فسلمها إلى غلمش مملوك أخيه. وكان
توجه الى خوارزم شاه علاء الدين محمد وبقي عنده. ثم عاد عنه وشهد
الحرب فابلى فيها فولاه اوزبك البلاد، وعالى كل طائفة من العسكر
الى بلادهم.
[2] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل: وأرسل رأسه إلى أوزبك، وأرسله
أوزبك إلى بغداد وفي صفحة 316:
ومنها أن أغلمش لما ملك بلاد الجبل خطب لخوارزم شاه علاء الدين
محمد بن تكش فيها جميعا، فلما قتله الباطنية غضب له وخرج لئلا تخرج
البلاد عن طاعته، فسار مجدا في عساكر تطبق الأرض فوصل إلى الرّيّ
فملكها.
(5/103)
بنو أنوشتكين
كان أنوشتكين جدّهم تركيا مملوكا لرجل من غرشستان ولذلك يقال له
أنوشتكين غرشه ثم صار لرجل من أمراء السلجوقية وعظمائهم اسمه
ملكابك وكان مقدما عنده لنجابته وشجاعته ونشأ ابنه محمد على مثل
حاله من النجابة والشجاعة وتحلى بالأدب والمعارف واختلط بأمراء
السلجوقية وولي لهم الأعمال واشتهر فيهم بالكفاية وحسن التدبير
ولما ولي بركيارق ابن السلطان ملك شاه وانتقض عليه عمه أرسلان
أرغون واستولى على خراسان بعث إليه العساكر سنة تسعين وأربعمائة مع
أخيه سنجر وسار في أثره ولقيهم في طريقهم خبر مقتل أرغون عمهم وأن
بعض مواليه خلفه فعدا عليه فقتله كما مر قبل فسار بركيارق في نواحي
خراسان وما وراء النهر حتى دوّخها وولي عليها أخاه سنجر وانتقض
عليه أمير ميران [1] من قرابته اسمه محمد بن سليمان فسار إليه سنجر
وظفر به وسمله وعاد بركيارق إلى العراق بعد أن ولى على خوارزم
أكنجي شاه ومعنى شاه بلسانهم السلطان فأضيف إلى خوارزم على عادتهم
في تقديم المضاف إليه على المضاف ولما انصرف بركيارق إلى العراق
تأخر من أمرائه قودز [2] وبارقطاش وانتقضا على السلطان ووثبا
بالأمير اكنجي صاحب خوارزم وهو بمرو ذاهبا إلى السلطان شاه فقتلاه
وبلغ الخبر إلى السلطان وقد انتقض عليه بالعراق الأمير أنزو مؤيد
الملك بن نظام الملك فمضى لحربهما وأعاد الأمير داود حبشي بن أيتاق
في عسكر إلى خراسان لقتالهما فسار إلى هراة وعاجلاه قبل اجتماع
عساكره فعبر جيحون وسبق إليه بارقطاش فهزمه داود وأسره وبلغ الخبر
إلى قودز فثار به عسكره وفرّ إلى بخارى فقبض عليه نائبا ثم أطلقه
ولحق بالملك سنجر فقبله وأقام برقطاش أسيرا عند الأمير داود وصفت
خراسان من الفتنة والثوار واستقام أمرها للأمير داود حبشي فاختار
لولاية خوارزم محمد بن أنوشتكين فولاه وظهرت كفايته وكان محبا لأهل
الدين والعلم مقرّ بالهم عادلا في رعيته فحسن ذكره وارتفع محله ثم
استولى الملك سنجر على خراسان فأقر محمد بن أنوشتكين وزاده تقديما
وجمع بعض ملوك الترك وقصد خوارزم وكان محمد غائبا عنها ولحق بالترك
محمد بن اكنجي الّذي كان أبوه أميرا على خوارزم واسمه طغرل تكين
محمد فحرض الترك على خوارزم وبلغ الخبر إلى محمد بن أنوشتكين فبعث
إلى سنجر بنيسابور يستمده وسبق إلى خوارزم فافترق الترك وطغرل تكين
__________
[1] ورد في بعض النسخ: أميران ولم يذكرها صاحب معجم البلدان.
[2] قودن: ابن الأثير: ج 10/ 205
(5/105)
محمد وسار كلّ منهما إلى ناحية ودخل محمد بن
أنوشتكين إلى خوارزم فازداد بذلك عند سنجر ظهورا والله سبحانه
وتعالى ولي التوفيق لا رب سواه.
وفاة محمد بن أنوشتكين وولاية ابنه
أتسز
ثم هلك محمد بن أنوشتكين خوارزم وولي بعده ابنه اتسز وسار بسيرة
أبيه وكان قد قاد الجيوش أيام أبيه وحارب الأعداء فلما ولي افتتح
أمره بالاستيلاء على مدينة مقشلاع وظهرت كفايته في شأنها فاستدعاه
السلطان سنجر فاختصه وكان يصاحبه في أسفاره وحروبه وكلما مرّ يزيد
تقدّما عنده والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم.
الحرب بين السلطان سنجر واتسز خوارزم
شاه
ثم كثرت السعاية عند السلطان سنجر في اتسز خوارزم شاه وإنه يحدّث
نفسه بالامتناع فسار سنجر إليه لينتزع خوارزم من يده فتجهز اتسز
للقائه واقتتلوا فانهزم اتسز وقتل ابنه وخلق كثير من أصحابه
واستولى سنجر على خوارزم وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه
محمدا ورتب له وزيرا وأتابك وحاجبا الى مرو منتصف ثلاث وثلاثين
وكان أهل خوارزم يستغيثون لأتسز فعاد إليهم بعد سنجر فأدخلوه البلد
ورجع سليمان شاه الى عمه سنجر واستبدّ اتسز بخوارزم والله أعلم.
انهزام السلطان سنجر من الأتراك الخطا
وملكهم ما وراء النهر
ثم سار سنجر سنة ست وثلاثين لقتال الخطا من الترك فيما وراء النهر
لما رجعوا لملك تلك البلاد فيقال أن اتسز أغراهم بذلك ليشغل
السلطان سنجر عن بلده وأعماله ويقال أن محمود بن محمد سليمان بن
داود بقراخان ملك الخانية في كاشغر وتركستان وهو ابن أخت سنجر زحفت
إليه أمم الخطا من الترك ليتملكوا بلاده فسار إليهم وقاتلهم فهزموه
وعاد إلى سمرقند وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر فعبر النهر إليه في
عساكر المسلمين وملوك خراسان والتقوا في أوّل صفر سنة ست وثلاثين
فانهزم سنجر والمسلمون وفشا القتل فيهم يقال كان القتلى مائة ألف
رجل وأربعة آلاف امرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر وعاد منهزما وملك
الخطا ما
(5/106)
وراء النهر وخرجت عن ملك الإسلام وقد تقدّم
ذكر هذه الواقعة مستوفي في أخبار السلطان سنجر ولما انهزم السلطان
سنجر قصد اتسز خوارزم شاه خراسان فملك سرخس ولقي الإمام أبا محمد
الزيادي وكان يجمع بين العلم والزهد فأكرمه وقبل قوله ثم قصد مرو
الشاهجان فخرج إليه الإمام أحمد الباخوري وشفع في أهل مرو وأن لا
يدخل لهم أحد من العسكر فشفعه وأقام بظاهر البلد فثار عامة مرو
وأخرجوا أصحابه وقتلوا بعضهم وامتنعوا فقاتلهم اتسز وملكها عليهم
غلابا أوّل ربيع من سنة ست وثلاثين وقتل الكثير من أهلها وكان فيهم
من أكابر العلماء وأخرج كثيرا من علمائها إلى خوارزم منهم أبو بكر
الكرماني ثم سار في شوّال إلى نيسابور وخرج إليه جماعة من العلماء
والفقهاء متطارحين أن يعفيهم مما وقع بأهل مرو فأعفاهم واستصفى
أموال أصحاب السلطان وقطع الخطبة لسنجر وخطب لنفسه ولما صرح باسمه
على المنبر هم أهل نيسابور بالثورة ثم ردّهم خوف العواقب فاقصروا
وبعث جيشا إلى أعمال بيهق فحاصرها خمسا ثم ساروا في البلاد ينهبون
ويكتسحون والسلطان سنجر خلال ذلك متغافل عنه فيما يفعله في خراسان
لما وراءه من مدد الخطا وقوتهم ثم أوقع الغزسنة ثمان وأربعين
بالسلطان سنجر واستولوا على خراسان وكان هؤلاء الغز مقيمين بما
وراء النهر منذ فارقهم ملوك السلجوقية وكانوا يدينون بالإسلام فلما
استولى الخطا على ما وراء النهر أخرجوهم منها فأقاموا بنواحي بلخ
وأكثروا فيها العيث والفساد وجمع لهم سنجر وقاتلهم فظفروا به
وهزموه وأسروه وانتثر سلك دولته فلم يعد انتظامه وافترقت أعماله
على جماعة من مواليه واستقلّ حينئذ اتسز بملك خوارزم وأعماله
وأورثها بنيه ثم استولوا على خراسان والعراق عند ما ركدت ريح
السلجوقية وكانت لهم بعد ذلك دولة عظيمة نذكر أخبارها مفصلة عند
دول أهلها والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه.
وفاة اتسز وملك ولده أرسلان
ثم توفي اتسز بن محمد بن أنوشتكين في منتصف إحدى وخمسين وخمسمائة
لستين سنة من ولايته وكان عادلا في رعيته حسن السيرة فيهم ولما
توفي ملك بعده أرسلان بن اتسز فقتل جماعة من عماله وسمل أخاه ثم
بعث بطاعته للسلطان سنجر عند ما هرب من أسر الغز فكتب له بولاية
خوارزم وقصد الخطا خوارزم وجمع أرسلان للقائهم وسار غير بعيد ثم
طرقه المرض فرجع وأرسل الجيوش لنظر أمير من أمرائه فقاتله الخطا
وهزموه وأسروه ورجع إلى ما وراء النهر والله سبحانه وتعالى أعلم
.
(5/107)
وفاة خوارزم شاه ارسلان
وملك ولده سلطان شاه وبعده ولده الآخر تكش وملك طغان شاه بن المؤيد
ثم موته وملك ابنه سنجر شاه
ثم توفي خوارزم شاه أرسلان بن أتسز من مرضه الّذي قعد به عن لقاء
الخطا وملك بعده ابنه الأصغر سلطان شاه محمود في تدبير أمه وكان
ابنه الأكبر علاء الدين تكش مقيما في إقطاعه بالجند فاستنكف من
ولاية أخيه الأصغر وسار إلى ملك الخطا مستنجدا ورغبه في أموال
خوارزم وذخائرها فأنجده بجيش كثيف وجاء إلى خوارزم ولحق سلطان شاه
وأمه بالمؤيد أنه صاحب نيسابور والمتغلب عليها بعد سنجر وأهدى له
ورغّبه في الأموال والذخائر فجمع وسار معه إذا كان على عشرين فرسخا
من خوارزم سار إليه تكش وهزمه وجيء بالمؤيد أسيرا إلى تكش فأمر
بقتله وقتل بين يديه صبرا ولحق أخوه سلطان شاه بدهستان وتبعه تكش
فملكها عنوة وهرب سلطان شاه وأخذت أمه فقتلها تكش وعاد إلى خوارزم
ولحق سلطان شاه بنيسابور وقد ملكوا طغان شاه أبا بكر ابن ملكهم
المؤيد ثم سار سلطان شاه من عنده إلى غياث الدين ملك الغورية فأقام
عنده وعظم تحكم الخطا على علاء الدين تكش صاحب خوارزم واشتطوا عليه
وبعثوا يطلبونه في المال متفرقين على أهل خوارزم ودس إليهم فبيتوهم
ولم ينج منهم أحد ونبذ إلى ملك الخطا عهده وسمع ذلك أخوه سلطان شاه
فسار من غزنة إلى ملك الخطا يستنجده على أخيه تكش وادعى أنّ أهل
خوارزم يميلون إليه فبعث معه جيشا كثيفا من الخطا وحاصروا خوارزم
فامتنعت وأمر تكش بإجراء ماء النهر عليهم فكادوا يغرقون وأفرجوا عن
البلاد ولاموا سلطان شاه فيما غرّهم فقال لقائدهم أبعث معي الجيش
لمرو لانتزعها من دينار الغزي الّذي استولى عليها من حين فتنتهم مع
سنجر فبعث معه الجيش وسار إلى سرخس واقتحمها على الغز الذين بها
وأفحش في قتلهم واستباحهم ولجأ دينار إلى القلعة فتحصن بها ثم سار
سلطان شاه إلى مرو وملكها وأقام بها ورجع الخطا إلى ما وراء النهر
وأقام سلطان شاه بخراسان يقاتل الغز فيصيب منهم كثيرا وعجز دينار
ملك الغز عن سرخس فسلمها لطغان شاه بن المؤيد صاحب نيسابور فولى
عليها مراموش من أمرائه ولحق دينار بنيسابور فحاصر دينار سلطان شاه
وعاد إلى نيسابور ولحق به مراموش وترك قلعة سرخس ثم ملك نطوش والتم
وضاقت الأمور على طغان شاه بنيسابور إلى أن مات في محرم سنة اثنتين
وثمانين وملك ابنه سنجر شاه واستبدّ عليه منكلي تكين مملوك
(5/108)
جدّه المؤيد وأنف أهل الدولة من استبداده
وتحكمه فلحق أكثرهم بسلطان شاه في سرخس وسار الملك دينار من
نيسابور في جموع الغز إلى كرمان فملكها ثم أساء منكلي تكين السيرة
بنيسابور في الرعية بالظلم وفي أهل الدولة بالقتل فسار إليه خوارزم
شاه علاء الدين تكش في ربيع سنة اثنتين وثمانين فحاصره بنيسابور
شهرين فامتنعت عليه فعاد إلى خوارزم ثم رجع سنة ثلاث وثمانين
فحاصرها وملكها على الأمان وقتل منكلي تكين وحمل سنجر شاه إلى
خوارزم فأنزله بها وأكرمه ثم بلغه أنه يكاتب أهل نيسابور فسلمه
وبقي عنده إلى أن مات سنة خمس وتسعين قال ابن الأثير ذكر هذا أبو
الحسن بن أبي القاسم البيهقيّ في كتاب مسارب التجارب وذكر غيره أن
تكش بن أرسلان لما أخرج أخاه سلطان شاه من خوارزم وقصد سلطان شاه
إلى مرو فملكها من يد الغز ثم ارتجعوها منه ونالوا من عساكره فعبر
إلى الخطا واستنجدهم وضمن لهم المال وجاء بجيوشهم فملك مرو وسرخس
ونسا وأبيورد من يد الغز وصرف الخطا فعادوا إلى بلادهم ثم كاتب
غياث الدين الغوري وله هراة وبوشنج وباذغيس وأعمالها من خراسان
يطلب الخطبة له يتوعده فأجابه غياث الدين بطلب الخطبة منه بمرو
وسرخس وما ملكه من بلاد خراسان ثم ساءت سيرة سلطان شاه في خراسان
وصادر رعاياها فجهز غياث الدين العساكر مع صاحب سجستان وأمر ابن
أخته بهاء الدين صاحب باميان بالمسير معه فساروا إلى هراة وخاف
سلطان شاه من لقائهم فرجع من هراة إلى مرو حتى انصرم فصل الشتاء ثم
أعاد مراسلة غياث الدين فامتعض وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالخبر
وكان بالهند فرجع مسرعا إليه وساروا إلى خراسان واجتمعوا بعسكرهم
الأوّل على الطالقان وجمع سلطان شاه جموعه من الغز وأهل الفساد
ونزل بجموع الطالقان وتواقفوا كذلك شهرين وتردّدت الرسل بين سلطان
شاه وغياث الدين حتى جنح غياث الدين إلى النزول له عن بوشنج
وباذغيس وشهاب الدين ابن أخته وصاحب سجستان يحنحان إلى الحرب وغياث
الدين يكفهم حتى حضر رسول سلطان شاه عند غياث الدين لإتمام العقد
والملوك جميعا حاضرون فقام [1] الدين العلويّ الهودي وكان غياث
الدين يختصه وهو يدلّ عليه فوقف في وسط المجمع ونادى بفساد الصلح
وصرخ ومزق ثيابه وحتى التراب على رأسه وأفحش لرسول سلطان شاه وأقبل
على غياث الدين وقال كيف تعمد إلى ما ملكناه بأسيافنا من الغز
والأتراك والسنجرية فتعطيه
__________
[1] كذا بياض في الأصل، وفي الكامل ج 11 ص 381: فبينما الناس
مجتمعون في تحرير الأمر وإذ قد أقبل مجد الدين العلويّ الهرويّ
إليه، وكان خصيصا بغياث الدين، بحيث يفعل في ملكه ما يختار له فلا
يخالف.
(5/109)
هذا الطريد إذ لا يقنع منا أخوه وهو الملك
بخوارزم ولا بغزنة والهند فأطرق غياث الدين ساكتا فنادى في عسكره
بالحرب والتقدّم الى مروالروذ وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه
وأخذ أكثر أصحابه أسرى ودخل إلى مرو في عشرين فارسا ولحق الفل من
عسكره وبلغ الخبر إلى أخيه تكش فسار من خوارزم لاعتراضه وقدم
العساكر إلى جيحون يمنعون [2] إلى الخطا وسمع أخوه سلطان شاه بذلك
فرجع عن جيحون وقصد غياث الدين ولما قدم عليه أمر بتلقيه وأنزله
معه في بيته وأنزل أصحابه عند نظرائهم من أهل دولته وأقام إلى
انصرام الشتاء وكتب أخوه علاء الدين خوارزم إلى غياث الدين في ردّه
إليه ويعدّد فعلاته في بلاده وكتب مع ذلك إلى نائب غياث الدين
بهراة يتهدّده فامتعض غياث الدين لذلك وكتب إلى خوارزم شاه بأنه
مجير له وشفيع في التجافي عن بلاده وانصافه من وراثة أبيه ويطلب مع
ذلك الخطبة له بخوارزم والصهر مع أخيه شهاب الدين فامتعض خوارزم
شاه وكتب إليه يتهدّده ببعض بلاده فجهز غياث الدين إليه العساكر مع
ابن أخته أبو غازي إلى بهاء الدين سامي صاحب سجستان وبعثهما مع
سلطان شاه إلى خوارزم وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده
وكانت ابنته تحت غياث الدين فجمع المؤيد عساكره وخيم بظاهر نيسابور
وكان خوارزم شاه عزم على لقاء أخيه والغورية وسار عن خوارزم فلما
سمع خبر المؤيد عاد إلى خوارزم واحتمل أمواله وذخائره وعبر جيحون
إلى الخطا وترك خوارزم وسار أعيانها إلى أخيه سلطان شاه والبوغازي
ابن أخت غياث الدين فآتوا طاعتهم وطلبوا الوالي عليهم وتوفي سلطان
شاه منسلخ رمضان سنة تسع وعاد البوغازي إلى خاله غياث الدين ومعه
أصحاب سلطان شاه فاستخدمهم غياث الدين وأقطعهم وبلغ وفاة سلطان شاه
إلى أخيه خوارزم تكش فعاد إلى خوارزم وعاد الشحنة إلى بلاد سرخس
ومرو فجهز إليهم نائب الغورية بمرو عمر المرغني عسكرا ومنعهم منها
حتى يستأذن غياث الدين وأرسل خوارزم شاه إلى غياث الدين في الصلح
والصهر في وفد من فقهاء خراسان والعلوية يعظمونه ويستجيرون به من
خوارزم شاه أن يجيز إليهم الخطا ويستحثهم ولا يحسم ذلك إلا صلحه أو
سكناه بمرو فأجابهم إلى الصلح وعقدوه وردّ على خوارزم تكش بلاد
أخيه وطمع الغز فيها فعاثوا في نواحيها وجاء خوارزم شاه إليها ودخل
مرو وسرخس فسار البورد وتطرق إلى طوس وهي للمؤيد ابنه فجمع وسار
إليها وعاد خوارزم شاه إلى بلده وأفسد الماء في طريقه وأتبعه
المؤيد
__________
[2] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل: وأرسل إلى جيحون ثلاثة آلاف فارس
يقطعون الطريق على أخيه إن أراد الخطا. ج 11 ص 382.
(5/110)
فلم يحد ماء ثم كرّ عليه خوارزم شاه وقد جهد
عسكره العطش فأوقع بهم وجيء إليه بالمؤيد أسيرا فقتله وعاد إلى
خوارزم وقام بنيسابور بعد المؤيد ابنه [1] طغان شاه ورجع إليه
خوارزم شاه من قابل فحاصره بنيسابور وبرز إليه فأسره وملك نيسابور
واحتمل طغان شاه وعياله وقرابته فأنزلهم بخوارزم قال ابن الأثير
هذه الرواية مخالفة للأولى وإنما أوردتها ليتأمل الناظر ويستكشف
أيهما أوضح فيعتمدها والله تعالى أعلم.
وفاة أيلديكز وملك ابنه محمد البهلوان
قد تقدم لنا في أخبار الدولة السلجوقية ولاية أرسلان شاه بن طغرل
في كفالة أيلدكز وابنه محمد البهلوان من بعده ثم أخيه أزبك أرسلان
بن أيلدكز وأنه اعتقل السلطان طغرل ثم توفي فولي مكانه قطلغ ابن
أخيه البهلوان فخرج السلطان من محبسه وجمع لقتاله سنة ثمان وثمانين
فهزمه ولحق قطلغ بالريّ وبعث إلى خوارزم شاه علاء الدين تكش فسار
إليه وندم قطلغ على استدعائه فتحصن منه ببعض قلاعه وملك خوارزم شاه
الريّ وقلعة طبرك ورتب فيها الحامية وعاد إلى خوارزم لما بلغه أنّ
أخاه سلطان شاه خالفه إليها ولما كان ببعض الطريق لقيه الخبر بأنّ
أهل خوارزم منعوا سلطان شاه وعادى خائبا فتمادى إلى خوارزم وأقام
إلى انسلاخ فصل الشتاء ثم سار إلى أخيه سلطان شاه بمرو سنة تسع
وثمانين وتردّدت الرسل بينهما في الصلح ثم استأمن إليه نائب أخيه
بقلعة سرخس فسار إليها وملكها ومات أخوه سلطان شاه سنة تسع فسار
خوارزم شاه إلى مرو وملكها وملك أبيورد ونسا وطوس وسائر مملكة أخيه
واستولى على خزائنه وبعث على ابنه علاء الدين محمد فولاه مرو وولي
ابنه الكبير ملك شاه نيسابور وذلك آخر تسع وثمانين ثم بلغه أنّ
السلطان طغرل أغار على أصحابه بالريّ قطلغ ابنانج فبعث إليه بابنه
يستنجده ووصل إليه رسول الخليفة يشكو من طغرل وأقطعه أعماله فسار
من نيسابور إلى الريّ وتلقاه قطلغ أبنانج بطاعته وسار معه ولقيهم
السلطان طغرل قبل استكمال تعبيته وحمل عليهم بنفسه وأحيط به فقتل
في ربيع سنة تسعين وبعث خوارزم شاه برأسه إلى بغداد وملك همذان
وبلاد الجبل أجمع وكان الوزير مؤيد الدين بن القصاب قد بعثه
الخليفة الناصر مددا لخوارزم شاه في أمره فرحل إليه واستوحش ابن
القصاب فامتنع ببعض الجبال هنالك وعاد خوارزم شاه إلى همذان وسلمها
وأعمالها إلى قطلغ أبنانج وأقطع
__________
[1] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 11 ص 378: فلما قتل ملك نيسابور
ملك ما كان له ابنه طغان شاه.
(5/111)
كثيرا منها مماليكه وقدم عليهم مناجي وأنزل
معه ابنه وعاد إلى خوارزم ثم اختلف مناجي وقطلغ أبنانج واقتتلوا
سنة أحدى وتسعين فانهزم قطلغ وكان الوزير ابن القصاب قد سار إلى
خوزستان فملكها وكثيرا من بلاد فارس وقبض على بني شملة أمرائها
وبعث بهم إلى بغداد وأقام هو يمهد البلاد فلحق به قطلغ أبنانج
هنالك مهزوما سليبا واستنجده على الري فأزاح علله وسار معه إلى
همذان فخرج مناجي وابن خوارزم شاه إلى الريّ وملك ابن القصاب همذان
في سنة إحدى وتسعين وسار إلى الريّ فأجفل الخوارزميون أمامهم وبعث
الوزير العساكر في أثرهم حتى لحقوهم بالدامغان وبسطام وجرجان
ورجعوا عنهم واستولى الوزير على الريّ ثم انتقض قطلغ ابنانج على
الوزير وامتنع بالريّ فحاصره الوزير وغلبه عليها ولحق أبنانج
بمدينة ساوة ورحل الوزير في أتباعه حتى لحقه على دريندكرخ فهزمه
ونجا أبنانج بنفسه وسار الوزير إلى همذان فأقام بظاهرها ثلاثة أشهر
وبعث إليه خوارزم شاه بالنكير على ما فعل ويطلب إعادة البلاد فلم
يجب إلى ذلك وسار خوارزم إليه وتوفي قبل وصوله فقاتل العساكر بعده
في شعبان سنة اثنتين وتسعين فهزمهم وأثخن فيهم وأخرج الوزير من
قبره فقطع رأسه وبعث به إلى خوارزم لأنه كان قتل في المعركة
واستولى على همذان وبعث عسكره إلى أصبهان فملكها وأنزل بها ابنه
وعاد إلى خوارزم وجاءت عساكر الناصر أثر ذلك مع سيف الدين طغرل
فقطع بلاد اللحف من العراق فاستدعاه أهل أصبهان فملكوا البلد ولحق
عسكر خوارزم شاه بصاحبهم ثم اجتمع مماليك البهلوان وهم أصحاب قطلغ
وقدموا على أنفسهم كركجة من أعيانهم وساروا إلى الريّ فملكوها ثم
إلى أصبهان كذلك وأرسل كركجة الى الديوان ببغداد يطلب أن يكون
الريّ له مع جوار الريّ وساوة وقم وقاشان وما ينصاف إليها وتكون
أصبهان وهمذان وزنجان ومرو من الديوان فكتب له بذلك والله أعلم.
وفاة ملك شاه بن خوارزم شاه تكش
قد تقدّم لنا أنّ خوارزم شاه تكش ولي ابنه ملك شاه علي نيسابور سنة
تسع وثمانين وأضاف إليه خراسان وجعله ولي عهده في الملك فأقام بها
إلى سنة ثلاث وتسعين ثم هلك في ربيع منها وخلف ابنا اسمه هندوخان
وولى خوارزم شاه على نيسابور ابنه الآخر فطلب الّذي كان ولاه بمرو
.
(5/112)
الخطا انهزام الخطا من
الغورية
كان خوارزم شاه تكش لما ملك الريّ وهمذان وأصبهان وهزم ابن القصاب
وعساكر الخليفة بعث إلى الناصر يطلب الخطبة ببغداد فامتعض الناصر
لذلك وأرسل إلى غياث الدين ملك غزنة والغور فقصد بلاد خوارزم شاه
فكتب إليه غياث الدين يتهدّده بذلك فبعث خوارزم شاه إلى الخطا
يستنجدهم على غياث الدين ويحذرهم أن يملك البلاد كما ملك بلخ فسار
الخطا في عساكرهم ووصلوا بلاد الغور وراسلوا بهاء الدين سام ملك
باميان وهو ببلخ يأمرونه بالخروج عنها وعاثوا في البلاد وخوارزم
شاه قد قصد هراة وانتهى إلى طوس واجتمع أمراء الغورية بخراسان مثل
محمد بن بك مقطع الطالقان والحسين بن مرميل وحروس [1] وجمعوا
عساكرهم وكبسوا الخطا وهزموهم وألحقوهم بحيمون فتقسموا بين القتل
والغرق وبعث ملك الخطا إلى خوارزم شاه يتجنى عليه في ذلك ويطلب
الدية على القتلى من قومه ويجعله السبب في قتلهم فراجع غياث الدين
واستعطفه ووافقه على طاعة الخليفة وإعادة ما أخذه الخطا من بلاد
الإسلام وأجاب ملك الخطا بأن قومه إنما جاءوا لانتزاع بلخ من يد
الغورية ولم يأتوا لنصرتي وأنا قد دخلت في طاعة غياث الدين فجهز
ملك الخطا عساكره إليه وحاصروه فامتنع فرجعوا عنه بعد أن فني
أكثرهم بالقتل وسار في أثرهم وحاصر بخارى وأخذ بمخنقها حتى ملكها
سنة أربع وتسعين فأقام بها مدّة وعاد إلى خوارزم والله تعالى ولي
التوفيق.
ملك خوارزم شاه تكين الريّ وبلاد الجبل
ثم سار خوارزم شاه تكين لارتجاع الريّ وبلاد الجبل من يد مناجق
والبهلوانية الذين انتفضوا عليه فهرب مناجق عن البلاد وتركها
وملكها خوارزم شاه واستدعاه فامتنع من الحضور واتبعه فاستأمن أكثر
أصحابه ورجعوا عنه ولحق هو بقلعة من أعمال مازندان فامتنع بها فبعث
خوارزم شاه إلى الخليفة الناصر فبعث بالخلع له ولولده قطب الدين
وكتب له تقليدا
__________
[1] كذا بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 136: فانتدب الأمير محمد بن جربك
الغوريّ، وهو مقطع الطالقان من قبل غياث الدين وكان شجاعا، وكاتب
الحسين بين حرميل وكان بقلعة كرزبان، واجتمع معهما الأمير حروش
الغوري.
(5/113)
بالأعمال التي بيده ثم سار خوارزم شاه لقتال
الملحدة فافتتح قلعة لهم قريبة من قزوين وانتقل إلى حصار قلعة
الموت من قلاعهم فقتل عليها رئيس الشافعية بالريّ صدر الدين محمد
بن الوزان وكان مقدّما عنده ولازمه ثم عاد إلى خوارزم فوثب الملحدة
على وزيره نظام الملك مسعود بن علي فقتلوه فجهز ابنه قطب الدين
لقتالهم فسار إلى قلعة مر نسيس من قلاعهم فحاصرها حتى سألوه في
الصلح على مائة ألف دينار يعطونها فامتنع أوّلا ثم بلغه مرض أبيه
فأجابهم وأخذ منهم المال المذكور وعاد والله أعلم.
وفاة خوارزم شاه
ثم توفي خوارزم شاه تكش بن البارسلان بن أتسز بن محمد أنوشتكين
صاحب خوارزم بعد أن استولى على الكثير من خراسان وعلى الريّ وهمذان
وغيرها من بلاد الجبل وكان قد سار من خوارزم إلى نيسابور فمات في
طريقه إليها في رمضان سنة ست وتسعين وخمسمائة وكان عند ما اشتدّ
مرضه بعث لابنه قطب الدين محمد يخبره بحاله ويستدعيه فوصل بعد موته
فبايع له أصحابه بالملك ولقبوه علاء الدين لقب أبيه وحمل شلو أبيه
إلى خوارزم فدفنه بالمدرسة التي بناها هنالك وكان تكش عادلا عارفا
بالأصول والفقه على مذهب أبي حنيفة ولما توفي ابنه علاء الدين محمد
كان ولده الآخر علي شاه بأصبهان فاستدعاه أخوه محمد فسار إليه ونهب
أهل أصبهان فخلعه وولاه أخوه على خراسان فقصد نيسابور وبها هندوخان
ابن أخيهما ملك شاه منذ ولاه جدّه تكش عليها بعد أبيه ملك شاه وكان
هندوخان يخاف عمه محمدا لعداوة بينه وبين أبيه ملك شاه ولما مات
جدّه تكش نهب الكثير من خزائنه ولحق بمرو وبلغ وفاة تكش الى غياث
الدين ملك غزنة فجلس للعزاء على ما بينهما من العداوة إعظاما لقدره
ثم جمع هندوخان جموعا وسار إلى خراسان فبعث علاء الدين محمد بن تكش
العساكر لدفاعه مع جنقر التركي فخام هندوخان عن لقائه ولحق بغياث
الدين مستنجدا فأكرمه ووعده النصر ودخل جنقر مدينة مرو وبعث بأمّ
هندوخان وولده الى خوارزم مكرمين فأرسل غياث الدين صاحب غزنة إلى
محمد بن ضربك نائبة بالطالقان أن ينبذ إلى جنقر العهد ففعل وسار من
الطالقان إلى مروالروذ فملكها وبعث الى جنقر يأمره بالخطبة في مرو
لغياث الدين أو يفارقها فبعث إليه جنقر يتهدّده ظاهرا ويسأله سرّا
أن يستأمن له غياث الدين فقوي طمعه في البلاد بذلك وأمر أخاه شهاب
الدين بالمسير إلى خراسان والله أعلم
.
(5/114)
ملوك الغوريّة استيلاء ملوك الغورية على أعمال
خوارزم شاه محمد تكش بخراسان وارتجاعه إياها منهم ثم حصاره هراة من
أعمالهم
ولما استأمن جنقر [1] نائب مرو الى غياث الدين طمع في أعمال خوارزم
شاه بخراسان كما قلناه واستدعاه أخوه شهاب الدين للمسير اليها فسار
الى غزنة واستشار غياث الدين نائبة بهراة عمر بن محمد المرغني في
المسير الى خراسان فنهاه عن ذلك ووصل أخوه شهاب الدين في عساكر
غزنة والغور وسجستان وساروا منتصف سبع وتسعين ووصل كتاب جنقر نائب
مرو الى شهاب الدين وهو بقرب الطالقان يحثه للوصول وأذن له غياث
الدين فسار الى مرو وقاتل العساكر الذين بها من الخوارزمية فغلبهم
وأحجرهم بالبلد وسار بالفيلة الى السور فاستأمن أهل البلد وأطاعوا
وخرج جنقر الى شهاب الدين ثم جاء غياث الدين بعد الفتح الى هراة
مكرما وسلم مرو الى هندوخان بن ملك شاه كما وعده ثم سار الى سرخس
فملكها صلحا وولىّ عليها زنكي بن مسعود من بني عمه وأقطعه معها نسا
وأبيورد ثم سار الى طوس وحاصرها ثلاثا واستأمن اليه أهلها فملكها
وبعث الى علي شاه علاء الدين محمد بن تكش بنيسابور في الطاعة
فامتنع فسار اليه وقاتل نيسابور من جانب وأخوه شهاب الدين من
الجانب الآخر [2] اليه سقوطه ودخلوا نيسابور وملكوها ونادوا
بالأمان وجيء بعلي شاه من خوارزم الى غياث الدين فأمّنه وأكرمه
وبعثه بالامراء الخوارزمية الى هراة وولى على خراسان ابن عمه وصهره
على ابنته ضياء الدين محمد بن علي الغوري ولقبه علاء الدين وأنزله
نيسابور في جمع من وجوه الغورية وأحسن الى أهل نيسابور وسلم على
شاه الى أخيه شهاب الدين ورحل الى هراة ثم سار شهاب الدين الى
قهستان [3] وقيل له عن قرية من قراها انهم إسماعيلية فأمر بقتلهم
وسبى ذراريهم ونهب أموالهم وخرّب القرية ثم سار الى حصن من
__________
[1] اسمه في الكامل ج 12 ص 164: جقر التركي، نائب علاء الدين
خوارزم شاه بمرو
[2] كذا بياض بالأصل وفي الكامل: فلم يردهم أحد عن السور، حتى
اصعدوا علم غياث الدين اليه. فلما رأى شهاب الدين علم أخيه على
السور قال لأصحابه: اقصدوا بنا هذه الناحية، واصعدوا السور من
هاهنا، وأشار الى مكان فيه، فسقط السور منهدما، فضج الناس
بالتكبير، وذهل الخوارزميون وأهل البلد، ودخل الغوريّة البلد
وملكوه عنوة. (ج 12 ص 165) .
[3] كذا بالأصل، وكذا بالكامل. وفي معجم البلدان قوهستان.
(5/115)
أعمال قهستان وهم إسماعيلية فملكه بالأمان بعد
الحصار ووليّ عليه بعض الغورية فأقام بها الصواب وشعار الإسلام
وبعث صاحب قهستان الى غياث الدين يشكو من أخيه شهاب الدين ويقول
انّ هذا نقض العهد الّذي بيني وبينكم فما راعه الا نزول أخيه شهاب
الدين على حصن آخر للاسماعيلية من أعمال دهستان فحاصره فبعث بعض
ثقاته الى شهاب الدين يأمره بالرحيل فامتنع فقطع أطناب سرادقه ورحل
مراغما وقصد الهند مغاضبا لأخيه ولما اتصل بعلاء الدين محمد بن تكش
مسيرهما عن خراسان كتب الى غياث الدين يعاتبه عن أخذه بلاده ويطلب
إعادتها ويتوعده باستنجاد الخطا عليه فماطله بالجواب الى خروج أخيه
شهاب الدين من الهند لعجزه عن الحركة لاستيلاء مرض النقرس عليه
فكتب خوارزم شاه الى علاء الدين الغوريّ نائب غياث الدين بنيسابور
يأمره بالخروج عنها فكتب بذلك الى غياث الدين فأجابه يعده بالنصر
وسار اليه خوارزم شاه محمد بن تكش آخر سنة سبع وتسعين وخمسمائة
فلما قرب أبيورد هرب هندوخان من موالي غياث الدين وملك محمد بن تكش
مدينة مرو ونسا وأبيورد وسار الى نيسابور وبها علاء الدين الغوري
فحاصرها وأطال حصارها حتى استأمنوا اليه واستحلفوه وخرجوا اليه
فأحسن اليهم وسأل من علاء الدين الغوريّ السعي في الإصلاح بينه
وبين غياث الدين فضمن ذلك وسار الى هراة وبها أقطاعه وغضب على غياث
الدين لقعوده عن انجاده فلم يسر اليه وبالغ محمد بن تكش في الإحسان
الى الحسن بن حرميل من أمراء الغورية ثم سار الى سرخس وبها الأمير
زنكي من قرابة غياث الدين فحاصرها أربعين يوما وضيق مخنقها بالحرب
وقطع الميرة ثم سأله زنكي الإفراج ليخرج عن الأمان فأفرج عنه قليلا
ثم ملأ البلد من الميرة بما احتاج اليه وأخرج العاجزين عن الحصار
وعاد الى شأنه فندم محمد بن تكش ورحل عنها وجهز عسكرا لحصارها وجاء
نائب الطالقان ممدا لمحمد بن خربك داحس بعد ان أرسل اليه بأنه [1]
عساكر الخوارزمية المجمرة عليه وأشاع ذلك فأفرجوا عنه وجاء اليه
زنكي من الطالقان فخرج معه ابن خربك الى مروالروذ وجبي خراجها وما
يحاورها وبعث اليه محمد بن تكش عسكرا نحوا من ثلاثة آلاف مع خاله
فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فارس فهزمهم وأثخن فيهم قتلا وأسرا
وغنم سوادهم وعاد خوارزم شاه محمد بن تكش الى خوارزم وأرسل الى
غياث الدين في الصلح فأجابه مع الحسن بن محمد المرغني من كبراء
__________
[1] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 12 ص 175: فلما أبعد خوارزم شاه
سار محمد بن جربك من الطالقان، وهو من أمراء الغورية وأرسل الى
زنكي أمير سرخس يعرفه انه يريد يكبس أن الخوارزميين لئلّا ينزعج
إذا سمع الفلبة. وسمع الخوارزميّون الخبر ففارقوا سرخس، وخرج زنكي
ولقي محمد بن جربك وعسكرا في مروالروذ ...
(5/116)
الغورية وغالطه في القول ولما وصل الحسن
المرغني الى خوارزم شاه واطلع على أمره قبض على الحسن وسار الى
هراة فحاصرها وكتب الحسن الى أخيه عمر بن محمد المرغني أمير هراة
بالخبر فاستعدّ للحصار وقد كان لحق بغياث الدين أخوان من حاشية
سلطان شاه عمّ محمد بن تكش المتوفى في سرخس فأكرمهما غياث الدين
وأنزلهما بهراة فكاتبا محمد بن تكش وداخلاه في تمليكه هراة فسار
لذلك وحاصر البلد وأميرها عمر المرغني مرّ الى الأخوين وعندهما
مفاتيح البلد واطلع أخوه الحسن في محبسه على شأن الأخوين في مداخلة
محمد بن تكش فبعث الى أخيه عمر بذلك فلم يسعفه فبعث اليه بخط
أحدهما فقبض عليهما وعلى أصحابهما واعتقلهم وبعث محمد بن تكش عسكرا
الى الطالقان للغارة عليها فظفر بهم ابن خربك ولم يفلت منهم أحد ثم
بعث غياث الدين ابن أخته البوغاني في عسكر من الغورية فنزلوا قريبا
من عسكر خوارزم شاه محمد بن تكش وقطع عنهم الميرة ثم جاء غياث
الدين في عسكر قليل لأنّ أكثرها مع أخيه شهاب الدين بالهند وغزنة
فنزل قريبا من هراة ولم يقدم على خوارزم فلما بلغ الحصار أربعين
يوما وانهزم أصحاب خوارزم شاه بالطالقان ونزل غياث الدين وابن أخته
البوغاني قريبا منه وبلغه وصول أخيه شهاب الدين من الهند الى غزنة
أجمع الرحيل عن هراة وصالح عمر المرغني على مال حمله اليه وارتحل
الى مرو منتصف ثمان وتسعين وسار شهاب الدين من غزنة الى بلخ ثم الى
باميان معتزما على محاربة خوارزم شاه والتقت طلائعهما فقتل بين
الفريقين خلق ثم ارتحل خوارزم شاه عن مرو فجفلا الى خوارزم وقتل
الأمير سنجر صاحب نيسابور لاتهامه بالمخادعة وسار شهاب الدين الى
طوس وأقام بها الى انسلاخ الشتاء معتزما على السير لحصار خوارزم
فأتاه الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فرجع الى هراة واستخلف بمرو
محمد بن خربك فسار اليه جماعة من أمراء خوارزم شاه سنة تسع وتسعين
[1] ابن خربك ولم ينج منهم الا القليل فبعث خوارزم شاه الجيوش مع
منصور التركي لقتال ابن خربك ولقيهم على عشرة فراسخ من مرو وقاتلهم
فهزموه ودخل مرو منهزما فحاصروه خمسة عشر يوما ثم استأمن اليهم
وخرج فقتلوه وأسف ذلك شهاب الدين وتردّدت الرسل بينه وبين خوارزم
شاه في الصلح فلم يتمّ وأراد العود الى غزنة فاستعمل على هراة ابن
أخته البوغاني وملك علاء الدين بن أبي على الغوري مدينة مرو وزكورة
وبلد الغور واعمال خراسان وفوّض اليه في مملكته وعاد الى غزنة سنة
تسع وتسعين وخمسمائة ثم عاد خوارزم شاه الى هراة منتصف سنة ستمائة
وبها البوغاني ابن أخت شهاب
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 176: فخرج اليهم محمد ليلا
وبيتهم فلم ينج منهم الا القليل.
(5/117)
الدين الغوري وكان شهاب الدين قد سار عن غزنة
الى لهاوون [1] غازيا فحصر خوارزم شاه هراة الى منسلخ شعبان وهلك
في الحصار بين الفريقين خلق وكان الحسن بن حرميل مقيما بخوزستان
وهي اقطاعه فأرسل الى خوارزم شاه يخادعه ويطلب منه عسكرا يستلمون
الفيلة وخزانة شهاب الدين فبعث اليه ألف فارس فاعترضهم هو والحسن
بن محمد المرغني فلم ينج منهم الا القليل فندم خوارزم شاه على
إنفاذ العسكر وبعث الى البوغاني أن يظهر بعض طاعته ويفرج عنه
الحصار فامتنع ثم أدركه المرض فخشي أن يشغله المرض عن حماية البلد
فيملكها عليه خوارزم شاه فرجع الى اجابته واستحلفة وأهدى وخرج له
ليلقاه ويعطيه بعض الخدمة فمات في طريقه وارتحل خوارزم شاه عن
البلد وأحرق المجانيق وسار الى سرخس فأقام بها.
حصار شهاب الدين خوارزم شاه وانهزامه
أمام الخطا
ولما بلغ شهاب الدين بغزنة ما فعل خوارزم شاه بهراة وموت نائبة بها
البوغاني ابن أخته وكان غازيا الى الهند فانثنى عزمه وسار الى
خوارزم وكان خوارزم شاه قد سار من سرخس وأقام بظاهر مرو فلما بلغه
خبر مسيره أجفل راجعا الى خوارزم فسبق شهاب الدين اليها وأجرى
الماء في السبخة حواليها وجاء شهاب الدين فأقام أربعين يوما يطرق
المسالك حتى أمكنه الوصول ثم التقوا واقتتلوا وقتل بين الفريقين
خلق كان منهم الحسن المرغني من الغورية وأسر جماعة من الخوارزمية
فقتلهم شهاب الدين صبرا وبعث خوارزم شاه الى الخطا فيما وراء النهر
يستنجدهم على شهاب الدين فجمعوا وساروا الى بلاد الغور وبلغ ذلك
شهاب الدين فسار اليهم فلقيهم بالمفازة فهزموه وحصروه في أيد حوى
حتى صالحهم وخلص الى الطالقان وقد كثر الإرجاف بموته فتلقاه الحسن
بن حرميل صاحب الطالقان وأزاح علله ثم سار الى غزنة واحتمل ابن
حرميل معه خشية من شدّة جزعه أن يلحق بخوارزم شاه ويطيعه فولاه
حجابته وسار معه ووجد الخلاف قد وقع بين أمرائه لما بلغهم من
الإرجاف بموته حسبما مرّ في أخبار الغورية فأصلح من غزنة ومن الهند
وتأهب للرجوع لخوارزم شاه وقد وقع في خبر هزيمته أمام الخطا
بالمفازة وجه آخر ذكرناه هنالك وهو أنه فرّق عساكره في المفازة
لقلة الماء فأوقع بهم الخطا منفردين وجاء في الساقة فقاتلهم أربعة
أيام مصابرا وبعث اليه صاحب
__________
[1] (وفي الكامل لهاوور) واسمها اليوم لاهور ج 12- ص 185) .
(5/118)
سمرقند من عسكر الخطا وكان مسلما وأشار عليه
بالتهويل عليهم فبعث عسكرا من الليل وجاءوا من الغد متسايلين
وخوّفهم صاحب سمرقند بوصول المدد لشهاب الدين فرجعوا الى الصلح
وخلص هو من تلك الواقعة وذلك سنة احدى وستمائة ومات شهاب الدين اثر
ذلك.
استيلاء خوارزم شاه على بلاد الغورية
بخراسان
كان نائب الغورية بهراة من خراسان الحسن بن حرميل ولما قتل شهاب
الدين الغوري في رمضان سنة اثنتين وستمائة قام بأمرهم غياث الدين
محمود ابن أخيه غياث الدين واستولى على الغور من يد علاء الدين
محمد بن أبي علي سروركاه ولما بلغ وفاة شهاب الدين الى الحسن بن
حرميل نائب هراة جمع أعيان البلد وقاضيهم واستحلفهم على الامتناع
من خوارزم شاه ظاهرا ودسّ الى خوارزم شاه بالطاعة ويطلب عسكرا
يمتنع به من الغورية وبعث ابنه رهينة في ذلك فأنفذ اليه عسكرا من
نيسابور وأمرهم بطاعة ابن حرميل وغياث الدين خلال ذلك يكاتب ابن
حرميل ويطلبه في الطاعة فيراوغه بالمواعدة وبلغه خبره مع خوارزم
شاه فاعتزم على النهوض اليه واستشار ابن حرميل بهراة أعيان البلد
يختبر ما عندهم فقال له عليّ بن عبد الخالق مدرّس مية وناظر
الأوقاف الرأي صدق الطاعة لغياث الدين فقال انما أخشاه فسر اليه
وتوثق لي منه ففعل وسار الى غياث الدين فأطلعه على الجليّ من أمر
ابن حرميل ووعده الثورة به وكتب غياث الدين الى نائبة بمرو يستدعيه
فتوقف وحمله أهل مرو على المسير فسار فخلع عليه غياث الدين وأقطعه
واستدعى غياث الدين أيضا نائبة بالطالقان أميران قطر فتوقف فأقطع
الطالقان سونج مملوك ابنه المعروف بأمير شكار وبعث الى ابن حرميل
مع ابن زياد بالخلع ووصل معه رسوله يستنجز خطبته له فمطله أياما
حتى وصل عسكر خوارزم شاه من نيسابور ووصل في أثرهم خوارزم شاه
وانتهى الى بلخ على أربعة فراسخ فندم ابن حرميل عند ما عاين مصدوقة
الطاعة وعرف عسكر خوارزم شاه بأنّ صاحبهم قد صالح غياث الدين وترك
له البلاد فانصرفوا الى صاحبهم وبعث اليه معهم بالهدايا ولما سمع
غياث الدين بوصول عسكر خوارزم شاه الى هراة أخذ اقطاع ابن حرميل
وقبض على أصحابه واستصفى أمواله وما كان له من الذخيرة في حروبان
وتبين ابن حرميل في أهل هراة الميل الى غياث الدين والانحراف عنه
وخشي من ثورتهم به فأظهر طاعة غياث الدين وجمع أهل البلد على
مكاتبته بذلك فكتبوا جميعا وأخرج الرسول بالكتاب ودسّ
(5/119)
اليه بأن يلحق عسكر خوارزم شاه فيردّهم اليه
فوصل الرسول بهم لرابع يومه ولقيهم ابن حرميل وأدخلهم البلد وسمل
ابن زياد الفقيه وأخرج صاعدا القاضي وشيع الغورية فلحقوا بغياث
الدين وسلم البلد لعسكر خوارزم شاه وبعث غياث الدين عسكره مع على
بن أبي علي وسار معه أميران صاحب الطالقان وكان منحرفا عن غياث
الدين بسبب عزله فدسّ الى ابن حرميل بأن يكبسه وواعده الهزيمة وحلف
له على ذلك فكبسه ابن حرميل فانهزم عسكر غياث الدين وأسر كثير من
أمرائه وشنّ ابن حرميل الغارة على بلاد باذغيس وغيرها من البلاد
واعتزم غياث الدين على المسير بنفسه الى هراة ثم شغل عن ذلك بأمر
غزنة ومسير صاحب باميان الى الدوس فأقصر واستظهر خوارزم شاه الى
بلخ وقد كان عند مقتل شهاب الدين أطلق الغورية الذين كان أسرهم في
المصاف على خوارزم وخيرهم في المقام عنده أو اللحاق بقومهم واستصفى
من أكابرهم محمد بن بشير وأقطعه فلما قصد الآن بلخ قدم اليه أخوه
علي شاه في العساكر وبرز اليه عمر بن الحسن أميرها فدافعه عنها
ونزل على أربعة فراسخ وأرسل الى أخيه خوارزم شاه بذلك فسار اليه في
ذي القعدة من السنة ونزل على بلخ وحاصرها وهم ينتظرون المدد من
صاحبهم باميان بن بهاء الدين وقد شغلوا بغزنة فحاصرها خوارزم شاه
أربعين يوما ولم يظفر فبعث محمد بن بشير الغوري الى عماد الدين عمر
بن الحسن نائبها يستنزله فامتنع فاعتزم خوارزم شاه على المسير الى
هراة ثم بلغه أن أولاد بهاء الدين أمراء باميان ساروا الى غزنة
وأسرهم تاج الدين الزر فأعاد محمد بن بشير الى عمر بن الحسين فأجاب
الى طاعة خوارزم شاه والخطبة له وخرج اليه فأعاده الى بلده وذلك في
ربيع سنة ثلاث وستمائة ثم سار خوارزم شاه الى جوزجان وبها علي بن
أبي علي فنزل له عنها وسلمها خوارزم شاه الى ابن حرميل لأنها كانت
من أقطاعه وبعث الى غياث الدين عمر بن الحسين من بلخ يستدعيه ثم
قبض عليه وبعث به الى خوارزم شاه وسار الى بلخ فاستولى عليها
واستخلف عليها جغري التركي وعاد الى بلاده.
استيلاء خوارزم شاه على ترمذ وتسليمها
للخطأ
ولما أخذ خوارزم شاه بلخ سار عنها الى ترمذ وبها عماد الدين عمر بن
الحسين الّذي كان صاحب بلخ وقدم اليه محمد بن بشير بالعذر عن شأن
أبيه وانه انما بعثه لخوارزم مكرما وهو أعظم خواصه ويعده بالاطلاع
فاتهم [1] على صاحبها أمره واجتمع عليه خوارزم شاه
__________
[1] مقتضى السياق: فأبهم على صاحبها امره.
(5/120)
والخطا من جميع جوانبه وأسر أصحابه ملوك
باميان بغزنة فاستأمن الى خوارزم شاه وملك منه البلد ثم سلمها الى
الخطا وهم على كفرهم ليسالموه حتى يملك وينتزعها منهم فكان كما
قدّره والله سبحانه وتعالى أعلم.
استيلاء خوارزم شاه على الطالقان
ولما ملك خوارزم شاه ترمذ سار الى الطالقان وبها سونج واستناب على
الطالقان أمير شكار نائب غياث الدين محمود وبعث اليه يستميله
فامتنع وبرز للحرب حتى تراءى الجمعان فنزل عن فرسه ونبذ سلاحه وجاء
متطارحا في العفو عنه فأغرض عنه وملك الطالقان واستولى على ما فيها
وبعث اليه سونج واستناب على الطالقان بعض أصحابه وسار الى قلاع
كالومين ومهوار وبها حسام الدين عليّ بن أبي عليّ فقاتله ودفعه على
ناحيته وسار الى هراة وخيم بظاهرها وجاء رسول غياث الدين بالهدايا
والتحف ثم جاء ابن حرميل في جمع من عساكر خوارزم شاه الى أسفراين
فملكها على الأمان في صفر من السنة وبعث الى صاحب سجستان وهو حرب
بن محمد بن إبراهيم من عقب خلف الّذي كان ملكها منذ عهد ابن
سبكتكين في الطاعة لخوارزم والخطبة له فامتنع وقصد خوارزم شاه وهو
على هراة القاضي صاعد بن الفضل الّذي أخرجه ابن حرميل ولحق بغياث
الدين فلما جاء الى خوارزم شاه رماه ابن حرميل بالميل الى الغورية
فحبسه بقلعة زوزن ووليّ القضاء بهراة الصفي أبا بكر بن محمد
السرخسي وكان ينوب عن صاعد وابنه في القضاء.
استيلاء خوارزم شاه على مازندان
وأعمالها [1]
ثم توفي صاحب مازندان حسام الدين ازدشير وولىّ مكانه ابنه الأكبر
وطرد أخاه الأوسط فقصد جرجان وبها الملك على شاه ينوب عن أخيه
خوارزم شاه محمد بن تكش واستنجده فاستأذن أخاه وسار معه من جرجان
سنة ثلاث وستمائة ومات الأخ الّذي ولىّ على مازندان وولىّ مكانه
أخوهما الأصغر ووصل على شاه ومعه أخو صاحب مازندان فعاثوا في
البلاد وامتنع الملك بالقلاع مثل سارية وآمد فملكوها من يده وخطب
فيها لخوارزم شاه وعاد علي شاه الى جرجان وترك ابن صاحب مازندان
الّذي استجار به ملكا في تلك البلاد وأخوه بقلعة كورة.
__________
[1] مازندان (معجم البلدان) .
(5/121)
استيلاء خوارزم شاه على
ما وراء النهر وقتاله مع الخطا وأسره وخلاصه
قد تقدّم لنا كيف تغلب الخطا على ما وراء النهر منذ هزموا سنجر بن
ملك شاه وكانوا أمّة بادية يسكنون الخيام التي يسمونها الخركاوات
وهم على دين المجوسية كما كانوا وكانوا موطنين بنواحي أوزكنده
وبلاساغون وكاشغر وكان سلطان سمرقند وبخارى من ملوك الخانية
الأقدمين عريقا في الإسلام والبيت والملك ويلقب خان خاقان بمعنى
سلطان السلاطين وكان الخطا وضعوا الجزية على بلاد المسلمين فيما
وراء النهر وكثر عيثهم وثقلت ووطأتهم فأنف صاحب بخارى من تحكمهم
وبعث الى خوارزم شاه يستصرخه لحادتهم على أن يحمل اليه ما يحملونه
للخطأ وتكون له الخطبة والسكة وبعث في ذلك وجوه بخارى وسمرقند
فحلفوا له ووضعوا رهائنهم عنده فتجهز لذلك وولّى أخاه على شاه على
طبرستان مع جرجان وولّى على نيسابور الأمير كزلك خان من أخواله
وأعيان دولته وندب معه عسكرا وولىّ على قلعة زوزن أمين الدين أبا
بكر وكان أصله حمالا فارتفع وترقي في الرتب الى ملك كرمان وولىّ
على مدينة الجام الأمير جلدك وأقرّ على هراة الحسن بن حرميل وأنزل
معه ألفا من المقاتلة واستناب في مرو وسرخس وغيرهما وصالح غياث
الدين محمودا على ما بيده من بلاد الغور وكرمسين وجمع عساكر وسار
الى خوارزم فتجهز منها وعبر جيحون واجتمع بسلطان بخارى وسمرقند
وزحف اليه الخطا فتواقعوا معه مرّات وبقيت الحرب بينهم سجالا ثم
انهزم المسلمون وأسر خوارزم شاه ورجعت العساكر الى خوارزم معلولة
وقد أرجف بموت السلطان وكان كزلك خان نائب نيسابور محاصرا لهراة
ومعه صاحب زوزن فرجعوا الى بلادهما وأصلح كزلك خان سور نيسابور
واستكثر من الجند والأقوات وحدّثته نفسه بالاستبداد وبلغ خبر
الإرجاف الى أخيه علي شاه بطبرستان فدعا لنفسه وقطع خطبة أخيه وكان
مع خوارزم شاه حين أسر أمير من أمرائه يعرف بابن مسعود فتحيل
للسلطان بأن أظهر نفسه في صورته واتفقا على دعائه باسم السلطان
وأوهما صاحبهما الّذي أسرهما انّ ابن مسعود هو السلطان وانّ خوارزم
شاه خديمه فأوجب ذلك الخطائي حقه وعظمه لاعتقاده انه السلطان وطلب
منه بعد أيام أن يبعث ذلك الخديم لأهله وهو خوارزم شاه في الحقيقة
ليعرف أهله بخبره ويأتيه بالمال فيدفعه اليه فأذن له الخطائيّ في
ذلك وأطلقه بكتابه ولحق بخوارزم ودخل اليها في يوم مشهود وعلم بما
فعله أخوه علي شاه بطبرستان وكزلك خان بنيسابور وبلغهما خبر خلاصه
(5/122)
فهرب كزلك خان الى العراق ولحق علي شاه بغياث
الدين محمود فأكرمه وأنزله وسار خوارزم شاه الى نيسابور فأصلح
أمورها وولّى عليها وسار الى هراة فنزل عليها وعسكره محاصر دونها
وذلك سنة أربع وستمائة والله أعلم.
مقتل ابن حرميل ثم استيلاء خوارزم شاه
على هراة
كان ابن حرميل قد تنكر لعسكر خوارزم شاه الذين كانوا عنده بهراة
لسوء سيرتهم فلما عبر خوارزم شاه جيحون واشتغل بقتال الخطا قبض ابن
حرميل على العسكر وحبسهم وبعث الى خوارزم شاه يعتذر ويشكو من فعلهم
فكتب اليه يستحسن فعله ويأمره بإنفاذ ذلك العسكر اليه ينتفع بهم في
قتال الخطا وكتب الى جلدك بن طغرل صاحب الجام أن يسير اليه بهراة
ثقة بفعله وحسن سريرته وأعلم ابن حرميل بذلك ودسّ الى جلدك بالتحيل
على ابن حرميل بكل وجه والقبض عليه فسار في ألفى مقاتل وكان يهوي
ولاية هراة لأنّ أباه طغرل كان واليا بها لسنجر فلما قارب هراة أمر
ابن حرميل الناس بالخروج لتلقيه وخرج هو في أثرهم بعد ان أشار عليه
وزيره خواجا الصاحب فلم يقبل فلما التقى جلدك وابن حرميل ترجلا عن
فرسيهما للسلام وأحاط أصحاب جلدك بابن حرميل وقبضوا عليه وانهزم
أصحابه الى المدينة فأغلق الوزير خواجا الأبواب واستعدّ للحصار
وأظهر دعوة غياث الدين محمود وجاء جلدك فناداه من السور وتهدّده
بقتل ابن حرميل وجاء بابن حرميل حتى أمره بتسليم البلد لجلدك فأبي
وأساء الردّ عليه وعلى جلدك فقتل ابن حرميل وكتب الى خوارزم شاه
بالخبر فبعث خوارزم شاه الى كزلك خان نائب نيسابور والى أمين الدين
أبي بكر نائب زوزن بالمسير الى جلدك وحصار هراة معه فسار لذلك في
عشرة آلاف فارس وحاصروها فامتنعت وكان خلال ذلك ما قدّمناه من
انهزام خوارزم شاه أمام الخطا وأسرهم إياه ثم تخلص ولحق بخوارزم ثم
جاء الى نيسابور ولحق بالعساكر الذين يحاصرون هراة فأحسن الى
أمرائهم لصبرهم وبعث الى الوزير خواجا في تسليم البلد لانه كان يعد
عسكره بذلك حين وصوله فامتنع وأساء الردّ فشدّ خوارزم في حصاره
وضجر أهل المدينة وجهدهم الحصار وتحدّثوا في الثورة فبعث جماعة من
الجند للقبض عليه فثاروا بالبلد وشعر جماعة العسكر من خارج بذلك
فرجعوا الى السور واقتحموه وملك البلد عنوة وجيء بالوزير أسيرا الى
خوارزم شاه فأمر بقتله فقتل وكان ذلك سنة خمس وستمائة ووليّ على
هراة خاله أمير ملك وعاد وقد استقرّ له أمر خراسان.
(5/123)
[1] استيلاء خوارزم شاه
على بيروز كوه [1] وسائر بلاد خراسان
لما ملك خوارزم شاه هراة وولىّ عليها خاله أمير ملك وعاد الى
خوارزم بعث الى أمير ملك يأمره [2] بيروزكوه وكان بها غياث الدين
محمود بن غياث الدين وقد لحق به أخوه علي شاه وأقام عنده فسار أمير
ملك وبعث اليه محمود بطاعته ونزل اليه فقبض عليه أمير ملك وعلى علي
شاه أخي خوارزم شاه وقتلهما جميعا سنة خمس وستمائة وصارت خراسان
كلها لخوارزم شاه محمد بن تكش وانقرض أمر الغورية وكانت دولتهم من
أعظم الدول وأحسنها والله تعالى ولىّ التوفيق.
هزيمة الخطا
ولما استقر أمر خراسان لخوارزم شاه واستنغر وعبر نهر جيحون وسار
اليه الخطا وقد احتفلوا للقائه وملكهم يومئذ طانيكوه ابن مائة سنة
ونحوها وكان مظفرا مجربا بصيرا بالحرب واجتمع خوارزم شاه وصاحب
سمرقند وبخارى وتراجعوا سنة ست وستمائة ووقعت بينهم حروب لم يعهد
مثلها ثم انهزم الخطا وأخذ فيهم القتل كل مأخذ وأسر ملكهم طانيكوه
فأكرمه خوارزم شاه وأجلسه معه على سريره وبعث به الى خوارزم وسار
هو الى وراء النهر وملكها مدينة مدينة الى أوركند وأنزل نوّابه
فيها وعاد الى خوارزم ومعه صاحب سمرقند فأصهر اليه خوارزم شاه
بأخته وردّه الى سمرقند وبعث معه شحنة يكون بسمرقند على ما كان
أيام الخطا والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء.
انتقاض صاحب سمرقند
ولما عاد صاحب سمرقند الى بلده أقام شحنة خوارزم شاه وعسكره معه
نحوا من سنة ثم استقبح سيرتهم وتنكر لهم وأمر أهل البلاد فثاروا
بهم وقتلوهم في كل مذهب وهمّ بقتل
__________
[1] بيروزكوه من المشترك بكسر الباء الوحدة وسكون المثناة التحتية
وضم الراء المهملة وواو ثم زاء معجمة وضم الكاف ثم واو وهاء، معناه
الجبل الأزرق، وهي قلعة حصينة دار مملكة جبال الغور (أهـ من أبي
الفداء) .
[2] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 12 ص 265: وبلغ أخاه علي شاه
فخافه وسار على طريق قهستان ملتجئا الى غياث الدين محمود الغوري
صاحب فيروزكوه وأكرمه وأنزله عنده.
(5/124)
زوجته أخت خوارزم شاه فغلقت الأبواب دونه
واسترحمته فتركها وبعث الى ملك الخطا بالطاعة وبلغ الخبر الى
خوارزم شاه فامتعض وهمّ بقتل من في بلده من أهل سمرقند ثم انثنى عن
ذلك وأمر عساكره بالتوجه الى ما وراء النهر فخرجوا أرسالا وهو في
أثرهم وعبر بهم النهر ونزل على سمرقند وحاصرها ونصب عليها الآلات
وملكها عنوة واستباحها ثلاثا قتل فيها نحوا من مائتي ألف واعتصم
صاحبها بالقلعة ثم حاصرها وملكها عنوة وقتل صاحبها صبرا في جماعة
من أقرانه ومحا آثار الخانية وأنزل في سائر البلاد وراء النهر
نوّابه وعاد الى خوارزم والله تعالى ولىّ النصر بمنه وفضله.
استلحام الخطا
قد تقدّم لنا وصول طائفة من أمم الترك الى بلاد تركستان وكاشغر
وانتشارهم فيما وراء النهر واستخدموا للملوك الخانية أصحاب تركستان
وكان ارسلان خان محمد بن سليمان ينزلهم مسالح على الريف فيما بينه
وبين الصين ولهم على ذلك الاقطاعات والجرايات وكان يعاقبهم على ما
يقع منهم من الفساد والعيث في البلاد ويوقع بهم ففرّوا من بلاده
وابتغوا عنه فسيحا من الأرض ونزلوا بلاساغون ثم خرج كوخان ملك
الترك الأعظم من الصين سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة فسارت اليه أمم
الخطا ولقيهم الخان محمود بن محمد بن سليمان بن داود بقراخان وهو
ابن أخت السلطان سنجر فهزموه وبعث بالصريخ الى خاله سنجر فاستنفر
ملوك خراسان وعساكر المسلمين وعبر جيحون للقائهم في صفر سنة ست
وثلاثين ولقيه أمم الترك والخطا فهزموه واثخنوا في المسلمين وأسرت
زوجة السلطان سنجر ثم أطلقها كوخان بعد ذلك وملك الترك بلاد ما
وراء النهر ثم مات كوخان ملكهم سنة سبع وثلاثين ووليت بعده ابنته
وماتت قريبا وملكت من بعدها أمها زوجة كوخان وابنه محمد ثم انقرض
ملكهم واستولى الخطا على ما وراء النهر الى آن غلبهم عليه خوارزم
شاه علاء الدين محمد بن تكش كما قدّمنا وكانت قد خرجت قبل ذلك
خارجة عظيمة من الترك يعرفون بالتتر ونزلوا في حدود الصين وراء
تركستان وكان ملكهم كشلى خان ووقع بينه وبين الخطا من العداوة
والحروب ما يقع بين الأمم المتجاورة فلما بلغهم ما فعله خوارزم شاه
بالخطا أرادوا الانتقام منهم وزحف كشلى في أمم التتر الى الخطا
لينتهز الفرصة فيهم فبعث الخطا الى خوارزم شاه يتلطفون له ويسألونه
النصر من عدوّهم قبل أن يستحكم أمرهم وتضيق عنه قدرته وقدرتهم وبعث
اليه كشلى يغريه بهم وأن يتركه وإياهم ويحلف له على مسالمة بلاده
فسار خوارزم شاه
(5/125)
يوهم كل واحد من الفريقين انه له وأقام منتبذا
عنهما حتى تواقعوا وانهزم الخطا فمال مع التتر عليهم واستلحموهم في
كل وجه ولم ينج منهم الا القليل فتحصنوا بين جبال في نواحي تركستان
وقليل آخرون لحقوا بخوارزم شاه كانوا معه وبعث خوارزم شاه الى كشلى
خان ملك التتر يعتدّ عليه بهزيمة الخطا وانها انما كانت بمظاهرته
فأظهر له الاعتراف وشكره ثم نازعه في بلادهم وأملاكهم وسار لحربهم
ثم علم انه لا طاقة له بهم فمكث يراوغهم على اللقاء كشلى خان يعذ
له في ذلك وهو يغلطه واستولى كشلى خان خلال ذلك على كاشغر وبلاد
تركستان وبلاساغون ثم عمد خوارزم شاه الى الشاش وفرغانة واسحان
وكاشان وما حولها من المدن التي لم يكن في بلاد الله انزه منها ولا
أحسن عمارة فجلا أهلها الى بلاد الإسلام وخرّب جميعها خوفا أن
يملكها التتر ثم اختلف التتر بعد ذلك وخرج على كشلى طائفة أخرى
منهم يعرفون بالمغل وملكهم جنكزخان فشغل كشلى خان بحربهم عن خوارزم
شاه فعبر النهر الى خراسان وترك خوارزم شاه الى أن كان من أمره ما
نذكره والله تعالى أعلم.
استيلاء خوارزم شاه على كرمان ومكران
والسند
قد تقدّم لنا أنه كان من جملة أمراء خوارزم شاه تكش تاج الدين أبو
بكر وانه كان كريا للدواب ثم ترقت به الأحوال الى أن صار سروان
لتكش والسروان مقدّم الجهاد ثم تقدّم عنده لجلده وإماتته وصار أمير
وولاه قلعة زوزن ثم تقدّم عند علاء الدين محمد بن تكش واختصه فأشار
عليه بطلب بلاد كرمان لما كانت مجاورة لوطنه فبعث معه عسكرا وسار
الى كرمان سنة اثنتي عشرة وصاحبها يومئذ محمد بن حرب أبي الفضل
الّذي كان صاحب سجستان أيام السلطان سنجر فغلبه على بلاده وملكها
ثم سار الى كرمان وملكها كلها الى السند من نواحي كابل وسار الى
هرمز من مدن فارس بساحل البحر واسم صاحبها مكيك فأطاعه وخطب
لخوارزم شاه وضمن مالا يحمله وخطب له بقلعات وبعض عمان من وراء
النهر لانهم كانوا يتقربون الى صاحب هرمز بالطاعة وتسير سفنهم
بالتجار الى هرمز لانه المرسي العظيم الّذي تسافر اليه التجار من
الهند والصين وكان بين صاحب هرمز وصاحب كيش مغاورات وفتن وكل واحد
منهما ينهى مراكب بلاده أن ترسي ببلاد الآخر وكان خوارزم شاه يطيف
بنواحي سمرقند خشية أن يقصد التتر أصحاب كشلى خان بلاده
.
(5/126)
استيلاء خوارزم شاه على
غزنة وأعمالها
ولما استولى خوارزم شاه محمد بن تكش على بلاد خراسان وملك باميان
وغيرها وبعث تاج الدين المرز صاحب غزنة وقد تغلب عليها بعد ملوك
الغورية وقد تقدّم في أخبار دولتهم فبعث اليه في الخطبة له وأشار
عليه كبير دولته قطلغ تكين مولى شهاب الدين الغوري وسائر أصحابه
بالإجابة الى ذلك فخطب له ونقش السكة باسمه وسار قنصيرا وترك قطلغ
تكين بغزنة نائبا عنه فبعث قطلغ تكين لخوارزم شاه يستدعيه فأغذ له
السير وملك غزنة وقلعتها وقتل الغورية الذين وجدوا بها خصوصا
الأتراك وبلغ الخبر المرز فهرب الى أساون ثم أحضر خوارزم شاه قطلغ
ووبخه على قلة وفائه لصاحبه وصادره على ثلاثين حملا من أصناف
الأموال والأمتعة وأربعمائة مملوك ثم قتله وعاد الى خوارزم وذلك
سنة ثلاث عشرة وستمائة وقيل سنة اثنتي عشرة بعد ان استخلف عليها
ابنه جلال الدين منكبرس والله أعلم بغيبه وأحكم.
استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل
كان خوارزم شاه محمد بن تكش قد ملك الرها وهمذان وبلاد الجبل كلها
أعوام تسعين وخمسمائة من يد قطلغ آبنايخ [1] بقية أمراء السلجوقية
ونازعه فيها ابن القصاب وزير الخليفة الناصر فغلبه خوارزم شاه
وقتله كما مرّ في أخباره ثم شغل عنها تكش الى أن توفي وذلك سنة سبع
وتسعين وصار ملكه لابنه علاء الدين محمد بن تكش وتغلب موالي
البهلوان على بلاد الجبل واحدا بعد واحد ونصبوا أزبك بن مولاهم
البهلوان ثم انتقضوا عليه وخطبوا لخوارزم شاه وكان آخر من ولىّ
منهم أغماش وأقام بها مدّة يخطب لعلاء الدين محمد بن تكش خوارزم
شاه ثم وثب عليه بعض الباطنية وطمع أزبك بن محمد البهلوان بقية
الدولة السلجوقية بآذربيجان وارّان في الاستيلاء على أعمال أصبهان
والريّ وهمذان وسائر بلاد الجبل وطمع سعد بن زنكي صاحب فارس ويقال
سعد بن دكلا في الاستيلاء عليها أيضا كذلك وسار في العساكر فملك
أزبك أصبهان بممالأة أهلها وملك سعد الريّ وقزوين وسمنان وطار
الخبر الى خوارزم شاه بأصبهان بسمرقند فسار في العساكر سنة أربع
عشرة وستمائة في مائة ألف بعد ان جهز العساكر فيما وراء النهر
وبثغور الترك وانتهى الى قومس ففارق العساكر وسار متجرّدا في اثني
عشر ألفا فلما ظفرت مقدمته بأهل الريّ وسعد مخيم بظاهرها ركب
__________
[1] وفي مكان آخر: آبنانج
(5/127)
للقتال بظنّ انه السلطان ثم تبين الآلة
والمركب واستيقن انه السلطان فولت عساكره منهزمة وحصل في أسر
السلطان وبلغ الخبر الى أزبك بأصبهان فسار الى همذان ثم عدل عن
الطريق في خواصه وركب الاوعار الى أذربيجان وبعث وزيره أبا القاسم
بن علي بالاعتذار فبعث اليه في الطاعة فأجابه وحمله الضريبة فاعتذر
بقتال الكرج وأمّا سعد صاحب فارس فبلغ الخبر بأسره الى ابنه نصرة
الدين أبي بكر فهاج بخلعان أبيه وأطلق السلطان سعدا على أن يعطيه
قلعة إصطخر ويحمل اليه ثلث الخراج وزوّجه بعض قرابته وبعث معه من
رجال الدولة من يقبض إصطخر فلما وصل الى شيراز وجد ابنه منتقضا
فداخله بعض أمراء ابنه وفتح له باب شيراز ودخل على ابنه واستولى
على ملكه وخطب لخوارزم شاه واستولى خوارزم شاه على شاورة وقزوين
وجرجان وابهر وهمذان وأصبهان وقم وقاشان وسائر بلاد الجبل واستولى
عليها كلها من أصحابها واختص الأمير طائيين بهمذان وولىّ ابنه ركن
الدولة ياور شاه عليهم جميعا وجعل معه جمال الدين محمد بن سابق
الشاوي وزيرا.
طلب الخطبة وامتناع الخليفة منها
ثم بعد ذلك بعث خوارزم شاه محمد بن تكش الى بغداد يطلب الخطبة بها
من الخليفة كما كانت لبني سلجوق وذلك سنة أربع عشرة وذلك لما رأي
من استفحال أمره واتساع ملكه فامتنع الخليفة من ذلك وبعث في
الاعتذار عنه الشيخ شهاب الدين السهروردي فأكبر السلطان مقدمه وقام
لتلقيه وأوّل ما بدأ به الكلام على حديث الخطبة ببغداد وجلس على
ركبتيه لاستماعه ثم تكلم وأطال وأجاد وعرض بالموعظة في معاملة
النبيّ صلّى الله عليه وسلم في بني العباس وغيرهم والتعرّض
لاذايتهم فقال السلطان حاش للَّه من ذلك وأنا ما آذيت أحدا منهم
وأمير المؤمنين كان أولى مني بموعظة الشيخ فقد بلغني أنّ في محبسه
جماعة من بني العباس مخلدين يتناسلون فقال الشيخ الخليفة إذا حبس
أحدا للإصلاح لا يعترض عليه فيه فما بويع الا للنظر في المصالح ثم
ودّعه السلطان ورجع الى بغداد [1] وكان ذلك قبل أن يسير الى العراق
[2] فلما استولى على بلاد الجبل وفرغ من أمرها سار الى بغداد
وانتهى الى عقبة سراباد وأصابه هنالك ثلج عظيم أهلك الحيوانات وعفن
أيدي الرجال وأرجلهم حتى
__________
[1] أي رجع الشيخ الى بغداد
[2] أي يسير السلطان الى العراق
(5/128)
قطعوها ووصله هنالك شهاب الدين السهروردي
ووعظه فندم ورجع عن قصده فدخل الى خوارزم سنة خمس عشرة والله
سبحانه وتعالى ولىّ التوفيق.
قسمة السلطان خوارزم شاه الملك بين
ولده
ولما استكمل السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش ملكه بالاستيلاء على
الريّ وبلاد الجبل قسم أعمال ملكه بين ولده فجعل خوارزم وخراسان
ومازندان لولىّ عهده قطب الدين أولاغ شاه وانما كان ولىّ عهده دون
ابنه الأكبر جلال الدين منكبرس لأنّ أمّ قطب الدين وأمّ السلطان
وهي تركمان خاتون من قبيلة واحدة وهم فياروت من شعوب يمك احدى بطون
الخطا فكانت تركمان خاتون متحكمة في ابنها السلطان محمد بن تكش
وجعل غزنة وباميان والغور وبست ومكساماد وما من الهند لابنه جلال
الدين منكبرس وكرمان وكيس ومكرمان لابنه غياث الدين يتر شاه وبلاد
الجبل لابنه ركن الدين غور شاه كما قدّمناه وأذن لهم في ضرب النوب
الخمس له وهي دبادب صغار تقرع عقب الصلوات الخمس واختص هو بنوبة
سماها نوبة ذي القرنين سبع وعشرين دبدبة كانت مصنوعة من الذهب
والفضة مرصعة بالجواهر هكذا ذكر الوزير محمد بن أحمد السنوي المنشى
كاتب جلال الدين منكبرس في أخباره ابنه علاء الدين محمد بن تكش
وعلى كتابه اعتمدت دون غيره لانه أعرف بأخبارهما وكانت كرمان
ومكران وكيش لمؤيد الملك قوام الدين وهلك منصرف السلطان من العراق
فأقطعها لابنه غياث الدين كما قلناه وكان الملك هذا سوقة فأصبح
ملكا وأصل خبره أنّ أمّه كانت داية في دار نصرة الدين محمد بن أبز
صاحب زوزن ونشأ في بيته واستخدمه وسفر عنه للسلطان فسعى به أنه من
الباطنية ثم رجع فخوّفه من السلطان بذلك فانقطع نصرة الدين الى
الإسماعيلية وتحصن ببعض قلاع زوزن وكتب قوام الدين بذلك الى
السلطان فجعل اليه وزارة زوزن وولاية جبايتها ولم يزل يخادع صاحبه
نصرة الدين الى أن راجع فتمكن من السلطان وسمله ثم طمع قوام الدين
في ملك كرمان وكان بها أمير من بقية الملك دينار وأمدّه السلطان
بعسكر من خراسان فملك كرمان وحسن موقع ذلك من السلطان فلقبه مؤيد
الملك وجعلها في أقطاعه ولما رجع السلطان من العراق وقد نفقت جماله
بعث اليه بأربعة آلاف بختي وتوفي أثر ذلك فردّ السلطان أعماله الى
ابنه غياث الدين كما قلناه وحمل من تركته الى السلطان سبعون حملا
من الذهب خلا الأصناف
.
(5/129)
أخبار تركمان خاتون أمّ السلطان محمد بن تكش
كانت تركمان خاتون أمّ السلطان محمد بن تكش من قبيلة بياروت من
شعوب الترك يمك من الخطا وهي بنت خان حبكش من ملوكهم تزوّجها
السلطان خوارزم شاه تكش فولدت له السلطان محمدا فلما ملك لحق بها
طوائف يمك ومن جاورهم من الترك واستظهرت بهم وتحكمت في الدولة فلم
يملك السلطان معها أمره وكانت تولى في النواحي من جهتها كما يولي
السلطان وتحكم بين الناس وتنحف من الظلامات وتقدم على الفتك والقتل
وتقيم معاهد الخير والصدقة في البلاد وكان لها سبعة من الموقعين
يكتبون عنها وإذا عارض توقيعها لتوقيع السلطان عمل بالمتأخر منهما
وكان لقبها خداوند جهان أي صاحبة العالم وتوقيعها في الكتاب عصمة
الدنيا والدين اولاغ تركمان ملك نساء العالمين وعلامتها اعتصمت
باللَّه وحده تكتبها بقلم غليظ وتجوّد كتابتها أن تروّر عليها
واستورت للسلطان وزيره نظام الملك وكان مستخدما لها فلما عزل
السلطان وزيره أشارت عليه بوزارة نظام الملك هذا فوزر له على كره
من السلطان وتحكم في الدولة بتحكمها ثم تنكر له السلطان لأمور
بلغته عنه وعزله فاستمرّ على وزارتها وكان شأنه في الدولة أكبر
وشكاه اليه بعض الولاة بنواحي خوارزم أنه صادره فأمر بعض خواصه
بقتله فمنعته تركمان من ذلك وبقي على حاله وعجز السلطان عن إنفاذ
أمره فيه والله يؤيد بنصره من يشاء.
التتر (خروج التتر وغلبهم على ما وراء
النهر وفرار السلطان أمامهم من خراسان
ولما عاد السلطان من العراق سنة خمس عشرة كما قدّمناه واستقرّ
بنيسابور وفدت عليه رسل جنكزخان بهدية من المعدنين ونوافج المسك
وحجر البشم والثياب الطائية التي تنسج من وبر الإبل البيض ويخبر
أنه ملك الصين وما يليها من بلاد الترك ويسأل الموادعة والاذن
للتجار من الجانبين في التردّد في متاجرهم وكان في خطابه اطراء
السلطان بأنه مثل أعز أولاده فاستنكف السلطان من ذلك واستدعى
محمودا الخوارزمي من الرسل واصطنعه ليكون عينا له على جنكزخان
واستخبره على ما قاله في كتابه من ملكه الصين واستيلائه على مدينة
(5/130)
طوغاج فصدق ذلك ونكر عليه الخطاب بالولد وسأله
عن مقدار العساكر فغشه وقللها وصرفهم السلطان بما طلبوه من
الموادعة والاذن للتجار فوصل بعض التجار من بلادهم الى انزار وبها
نيال خان ابن خال السلطان في عشرين ألفا من العساكر فشره الى
أموالهم وخاطب السلطان بأنهم عيون وليسوا بتجار فأمره بالاحتياط
عليهم فقتلهم خفية وأخذ أموالهم وفشا الخبر الى جنكزخان فبعث
بالنكير الى السلطان في نقض العهد وان كان فعل نيال افتياتا فبعث
اليه يتهدّده على ذلك فقتل السلطان الرسل وبلغ الخبر الى جنكزخان
فسار في العساكر واعتزم السلطان أن يحصن سمرقند بالاسوار فجبي لذلك
خراج سنتين وجبي ثالثة استخدم بها الفرسان وسار الى احياء جنكزخان
فكبسهم وهو غائب عنها في محاربة كشلي خان فغنم ورجع واتبعهم ابن
جنكزخان فكانت بينهم واقعة عظيمة هلك فيها كثير من الفريقين ولجأ
خوارزم شاه الى جيحون فأقام عليه ينتظر شأن التتر ثم عاجله جنكزخان
فأجفل وتركها وفرّق عساكره في مدن ما وراء النهر انزار وبخارى
وسمرقند وترمذ وجند وأنزل آبنايخ من كبراء أمرائه وحجاب دولته في
بخارى وجاء جنكزخان الى انزار فحاصرها وملكها غلابا وأسر أميرها
نيال خان الّذي قتل التجار وأذاب الفضة في أذنيه وعينيه ثم حاصر
بخارى وملكها على الأمان وقاتلوا معه القلعة حتى ملكوها ثم غدر بهم
وقتلهم وسلبهم وخرّبها ورحل جنكزخان الى سمرقند ففعلوا فيها مثل
ذلك سنة تسع عشرة وستمائة ثم كتب كتبا على لسان الأمراء قرابة أمّ
السلطان يستدعون جنكزخان ويعدها بزيادة خراسان الى خوارزم وبعث من
يستخلفه على ذلك وبعث الكتب مع من يتعرّض بها للسلطان فلما قرأها
ارتاب بأمّه وبقرابتها.
إجفال السلطان خوارزم شاه الى خراسان ثم الى طبرستان ومهلكه
ولما بلغ السلطان استيلاء جنكزخان على انزار وبخارى وسمرقند وجاءه
نائب بخارى ناجيا في الفلّ أجفل حينئذ وعبر جيحون ورجع عنه طوائف
الخطا الذين كانوا معه وعلاء الدين صاحب قيدر وتخاذل الناس وسرّح
جنكزخان العساكر في أثره نحوا من عشرين ألفا يسميهم التتر المغرّبة
لسيرهم نحو غرب خراسان فتوغلوا في البلاد وانتهوا الى بلاد بيجور
واكتسحوا كل ما مرّوا عليه ووصل السلطان الى نيسابور فلم يثبت بها
ودخل الى ناحية العراق بعد أن أودع أمواله قال المنشي في كتابه
حدّثني الأمير تاج الدين البسطامي قال لما انتهى خوارزم شاه في
مسيره الى العراق استحضرني وبين يديه عشرة صناديق مملوءة لآلئ لا
تعرف قيمتها وقال في
(5/131)
اثنين منها فيهما من الجواهر ما يساوي خراج
الأرض بأسرها وأمرني بحملها الى قلعة اردهز من أحصن قلاع الأرض
وأخذت خط يد الموالي بوصولها ثم أخذها التتر بعد ذلك حين ملكوا
العراق انتهى ولما ارتحل خوارزم شاه من نيسابور قصد مازندران
والتتر في أثره ثم انتهى الى أعمال همذان فكبسوه هناك ونجا الى
بلاد الجبل وقتل وزيره عماد الملك محمد بن نظام الملك وأقام هو
بساحل البحر بقرية عند الفريضة يصلي ويقرأ ويعاهد الله على حسن
السيرة ثم كبسه التتر أخرى فركب البحر وخاضوا في أثره فغلبهم الماء
ورجعوا ووصلوا الى جزيرة في بحر طبرستان فأقام بها وطرقه المرض
فكان جماعة من أهل مازندان يمرضونه ويحمل اليه كثيرا من حاجته
فيوقع لحاملها بالولايات والاقطاع وأمضى ابنه جلال الدين بعد ذلك
جميعها ثم هلك سنة سبع عشرة وستمائة ودفن بتلك الجزيرة لإحدى
وعشرين سنة من ملكه بعد أن عهد لابنه جلال الدين منكبرس وخلع ابنه
الأصغر قطب الدين أولاغ شاه ولما بلغ خبر اجفاله الى أمه تركمان
خاتون بخوارزم خرجت هاربة بعد أن قتلت نحوا من عشرين من الملوك
والأكابر المحبوسين هنالك ولحقت بقلعة ايلان من قلاع مازندان فلما
رجع التتر المغربة عن السلطان خوارزم شاه بعد ان خاض بحر طبرستان
الى الجزيرة التي مات بها فقصدوا مازندان وملكوا قلاعها على ما
فيها من الامتناع ولقد كان فتحها بأخر الى سنة تسعين أيام سليمان
بن عبد الملك فملكوها واحدة واحدة وحاصروا تركمان خاتون في قلعة
ايلان الى أن ملكوا القلعة صلحا وأسروها وقال ابن الأثير انهم
لقوها في طريقها الى مازندان فأحاطوا بها وأسروها ومن كان معها من
بنات السلطان وتزوّجهنّ التتر وتزوّج دوشي خان بن جنكزخان بإحداهنّ
وبقيت تركمان خاتون أسيرة عندهنّ في خمول وذل وكانت تحضر سماط
جنكزخان كاحداهنّ وتحمل قوتها منه وكان نظام الملك وزير السلطان مع
أمّه تركمان خاتون فحصل في قبضة جنكزخان وكان عندهم معظما لما
بلغهم من تنكر السلطان له وكانوا يشاورونه في أمر الجباية فلما
استولى دوشي خان على خوارزم وجاء بحرم السلطان الذين كانوا بها
وفيهنّ مغنيات فوهب احداهنّ لبعض خدمه فمنعت نفسها منه ولجأت
للوزير نظام الملك فشكاه ذلك الخادم لجنكزخان ورماه بالجارية
فأحضره جنكزخان وعدّد عليه خيانة استاذه وقتله.
مسير التتر بعد مهلك خوارزم شاه من العراق الى أذربيجان وما وراءها
من البلاد هنالك
ولما وصل التتر الى الريّ في طلب خوارزم شاه محمد بن تكش سنة سبع
عشرة وستمائة ولم
(5/132)
يحدوه عادوا الى همذان واكتسحوا ما مرّوا عليه
وأخرج اليهم أهل همذان ما حضرهم من الأموال والثياب والدواب
فأمّنوهم ثم ساروا الى زنجان ففعلوا كذلك ثم الى قزوين فامتنعوا
منهم فحاصروها وملكوها عنوة واستباحوها ويقال أنّ القتلى بقزوين
زادوا على أربعين ألفا ثم هجم غليهم الشتاء فساروا الى أذربيجان
على شأنهم من القتل والاكتساح وصاحبها يومئذ أزبك بن البهلوان مقيم
بتبريز عاكف على لذاته فراسلهم وصانعهم وانصرفوا الى بوقان ليشتوا
بالسواحل ومرّوا الى بلاد الكرج فجمعوا لقتالهم فهزمهم التتر
وأثخنوا فيهم فبعثوا الى ازبك صاحب أذربيجان والى الأشرف بن العادل
بن أيوب صاحب خلاط والجزيرة يطلبون اتصال أيديهم على مدافعة التتر
وانضاف الى التتر اقرش من موالي أزبك واليه [1] جموع من التركمان
والأكراد وسار مع التتر الى الكرج واكتسحوا بلادهم وانتهوا الى
بلقين [2] وسار اليهم الكرج فلقيهم اقرش أوّلا ثم لقيهم التتر
فانهزم الكرج وقتل منهم ما لا يحصى وذلك في ذي القعدة من سنة سبع
عشرة ثم عاد التتر الى مراغة ومرّوا بتبريز فصانعهم صاحبها كعادته
وانتهوا الى مراغة فقاتلوها أياما وبها امرأة تملكها ثم ملكوها في
صفر سنة ثماني عشرة واستباحوها ثم رحلوا عنها الى مدينة اربل وبها
مظفر الدين بن [3] فاستمد بدر الدين صاحب الموصل فأمدّه بالعساكر
ثم همّ بالخروج لحفظ الدروب على بلاده فجاءت كتب الخليفة الناصر
اليهم جميعا بالمسير الى دقوقا ليقيموا بها مع عساكره ويدافع عن
العراق وبعث معهم بشتمر كبير أمرائه وجعل المقدّم على الجميع مظفر
الدين صاحب اربل فخاموا عن لقاء التتر وخام التتر عن لقائهم وساروا
الى همذان وكان لهم بها شحنة منذ ملكوها أوّلا فطالبوه بفرض المال
على أهلها وكان رئيس همذان شريفا علويا قديم الرئاسة بها فحضهم على
ذلك فضجروا وأساءوا الردّ عليه وأخرجوا الشحنة وقاتلوا التتر وغضب
العلويّ فتسلل عنهم الى قلعة بقربها فامتنع وزحف التتر الى البلد
فملكوه عنوة واستباحوه واستلحموا أهله ثم عادوا الى أذربيجان
فملكوا أردبيل واستباحوها وخربوها وساروا الى تبريز وقد فارقها
ازبك بن البهلوان صاحب أذربيجان وارّان وقصد نقجوان وبعث بأهله
وحرمه الى حوى فرارا من التتر لعجزه وانهماكه فقام بأمر تبريز شمس
الدين الطغرائي وجمع أهل البلد واستعدّ للحصار فأرسل اليه التتر في
المصانعة فصانعهم وساروا الى مدينة سوا
__________
[1] اي وانضاف اليه.
[2] وهي البليقان كما في معجم البلدان.
[3] كذا بياض بالأصل ج 12 ص 423: مظفر الدين كوكبري بن زين الدين
علي صاحب إربل.
(5/133)
فاستباحوها وخرّبوها وساروا الى بيلقان
فحاصروها وبعثوا الى أهل البلد رجلا من أكابرهم يقرّر معهم في
المصانعة والصلح فقتلوه فأسرى التتر في حصارهم وملكوا البلد عنوة
في رمضان سنة ثمان عشرة واستلحموا أهلها وأفحشوا في القتل والمثلة
حتى بقروا البطون على الأجنة واستباحوا جميع الضاحية قتلا ونهبا
وتخريبا ثم ساروا الى قاعدة ارّان وهي كنجة ورأوا امتناعها فطلبوا
المصانعة من أهلها فصانعوهم ولما فرغوا من أعمال أذربيجان وارّان
ساروا الى بلاد الكرج وكانوا قد جمعوا لهم واستعدّوا ووقعوا في
حدود بلادهم فقالتهم التتر فهزموهم الى بلقين قاعدة ملكهم فجمعوا
هنالك ثم خاموا عن لقائهم لما رأوا من اقتحامهم المضايق والجبال
فعادوا الى بلقين واستولى التتر على نواحيها فخربوها كيف شاءوا ولم
يقدروا على التوغل فيها لكثرة الاوعار والدوسرات فعادوا عنها ثم
قصدوا درنبر [1] شروان وحاصروا مدينة سماهي [2] وفتكوا في أهلها
ووصلوا الى السور فعالوه باشلاء القتلى حتى ساموه [3] واقتحموا
البلد فأهلكوا كل من فيه ثم قصدوا الدربند فلم يطيقوا عبوره
فأرسلوا الى شروان في الصلح فبعث اليهم رجلا من أصحابه فقتلوا
بعضهم واتخذوا الباقين أذلاء فسلكوا بهم دربند شروان وخرجوا الى
الأرض الفسيحة وبها أمم القفجاق واللان واللكن وطوائف من الترك
مسلمون وكفار فأوقعوا بتلك الطوائف واكتسحوا عامّة البسائط وقاتلهم
قفجاق واللان ودافعوهم ولم يطق التتر مغالبتهم ورجعوا وبعثوا الى
القفجاق وهم واثقون بمسالمتهم فأوقعوا بهم وجر من كان بعيدا منهم
الى بلاد الروس واعتصم آخرون بالجبال والغياض واستولى التتر على
بلادهم وانتهوا الى مدينتهم الكبرى سراي على بحر نيطش المتصل بخليج
القسطنطينية وهي مادّتهم وفيها تجارتهم فملكها التتر وافترق أهلها
في الجبال وركب بعضهم الى بلاد الروم في ايالة بني قلج ارسلان ثم
سار التتر سنة عشر وستمائة من بلاد قفجاق الى بلاد الروم المجاورة
لها وهي بلاد فسيحة وأهلها يدينون بالنصرانية فساروا الى مدافعتهم
في تخوم بلادهم ومعهم جموع من القفجاق سافروا اليهم فاستطرد لهم
التتر مراحل ثم كرّوا عليه وهم غارون فطاردهم القفجاق والروم أياما
ثم انهزموا وأثخن التتر فيهم
__________
[1] وهي مدينة دربند (معجم البلدان) .
[2] وهي مدينة شماخي (معجم البلدان) .
[3] كذا، وفي الكامل ج 12 ص 384: ثم ان التتر صعدوا سورها
بالسلاليم، وقيل بل جمعوا كثيرا من الجمال والبقر والغنم وغير ذلك،
ومن قتل الناس منهم وممن قتل من غيرهم، والقوا بعضه فوق بعض وصار
مثل التل وصعدوا عليه.
(5/134)
قتلا وسبيا ونهبا وركبوا السفن هاربين الى
بلاد المسلمين وتركوا بلادهم فاكتسحها التتر ثم عادوا اليها وقصدوا
بلغار أواخر السنة واجتمع أهلها وساروا للقائهم بعد أن أكمنوا لهم
ثم استطردوا أمامهم وخرج عليهم الكمناء من خلفهم فلم ينج منهم الا
القليل وارتحلوا عائدين الى جنكزخان بأرض الطالقان ورجع القفجاق
الى بلادهم واستقرّوا فيها والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء.
أخبار خراسان بعد مهلك خوارزم شاه
قد كنا قدّمنا مهلك خوارزم شاه ومسير هؤلاء التتر المغربة في طلبه
ثم انتهائهم بعد مهلكه الى النواحي التي ذكرناها وكان جنكزخان بعد
إجفال خوارزم شاه من جيحون وهو بسمرقند قد بعث عسكرا الى ترمذ
فساروا منها الى كلات من أحصن القلاع الى جانب جيحون فاستولوا
عليها وأوسعوها نهبا وسير عسكرا آخر الى فرغانة وكذلك عسكرا آخر
الى خوارزم وعسكرا آخر الى خوزستان فعبر عسكر خراسان الى بلخ
وملكوها على الأمان سنة سبع وستمائة ولم يعرضوا لها بعيث وانزلوا
شحنتهم بها ثم ساروا الى زوزن وميمنة وايدخوي وفارياب فملكوها
وولوا عليها ولم يعرضوا لأهلها بأذى وانما استنفروهم لقتال البلد
معهم ثم ساروا الى الطالقان وهي ولاية متسعة فقصدوا قلعة صوركوه من
أمنع بلادها فحاصروها ستة أشهر وامتنعت عليهم فسار اليهم جنكزخان
بنفسه وحاصرها أربعة أشهر أخرى حتى إذا رأى امتناعها أمر بنقل
الخشب والتراب حتى اجتمع منه تلّ مشرف على البلد واستيقن أهل البلد
الهلكة واجتمعوا وفتحوا الباب وصدقوا الحملة فنجا الخيالة وتفرّقوا
في الجبال والشعاب وقتل الرجالة ودخل التتر البلد فاستباحوها ثم
بعث جنكزخان صهره قفجاق قوين الى خراسان ومرواسا وقاتلوها فامتنعت
عليهم وقتل قفجاق قوين فأقاموا على حصارها وملكوها عنوة واستباحوها
وخرّبوها ويقال قتل فيها أزيد من سبعين ألفا وجمع عددا من الجثث
فكان كالتلال العظيمة وكان رؤساؤها بني حمزة بخوارزم منذ ملكها
خوارزم شاه تكش فعاد اليها اختيار الدين جنكي بن عمر بن حمزة
وبوعمه وضبطوها ثم بعث جنكزخان ابنه في العساكر الى مدينة مرو
واستنفر أهل البلاد التي ملكوها قبل مثل بلخ وأخواتها وكان الناجون
من هذه الوقائع كلها قد لحقوا بمرو واجتمع بها ما يزيد على مائتي
ألف وعسكروا بظاهرها لا يشكون في الغلب فلما قاتلهم التتر صابروهم
فوجدوا في مصابرتهم ما لم يحتسبوه فولوا منهزمين وأثخن التتر فيهم
ثم حاصروا البلد خمسة أيام وبعثوا الى أميرها يستميلونه للنزول
عنها
(5/135)
فاستأمن اليهم وخرج فأكرموه أولا ثم أمروا
بإحضار جنده للعرض حتى استكملوا وقبضوا عليهم ثم استكتبوه رؤساء
البلد وتجاره وصناعة على طبقاتهم وخرج أهل البلد جميعا وجلس لهم
جنكزخان على كرسي من ذهب فقتل الجند في صعيد واحد [1] وقسم العامة
رجالا وأطفالا ونساء بين الجند فاقتسموهم وأخذوا أموالهم وامتحنوهم
في طلب المال ونبشوا القبور في طلبه ثم أحرقوا البلد وتربة السلطان
سنجر ثم استلحم في اليوم الرابع أهل البلد جميعا يقال كانوا
سبعمائة ثم ساروا الى نيسابور وحاصروها خمسا ثم اقتحموها عنوة
وفعلوا فيها فعلهم في مرو وأشدّ ثم بعثوا عسكرا الى طوس وفعلوا
فيها مثل ذلك وخربوها وخربوا مشهد علي بن موسى الرضا ثم ساروا الى
هراة وهي من أمنع البلاد فحاصروها عشرا وملكوها وأمنوا من بقي من
أهلها وأنزلوا عندهم شحنة وساروا لقتال جلال الدين بن خوارزم شاه
كما يذكر بعد فوثب أهل هراة على الشحنة وقتلوه فلما رجع التتر
منهزمين اقتحموا البلد واستباحوه وخربوه وأحرقوه ونهبوا نواحيه
اجمع وعادوا الى جنكزخان بالطالقان وهو يرسل السرايا في نواحي
خراسان حتى أتوا عليها تخريبا وكان ذلك كله سنة سبع عشرة وبقيت
خراسان خرابا وتراجع أهلها بعض الشيء فكانوا فوضى واستبدّ آخرون في
بعض مدنها كما نذكر ذلك في أماكنه والله أعلم.
أخبار السلطان جلال الدين منكبرس مع
التتر بعد مهلك خوارزم شاه واستقراره بغزنة
ولما توفي السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش بجزيرة بحر طبرستان ركب
ولده البحر الى خوارزم يقدمهم كبيرهم جلال الدين منكبرس وقد كان
وثب بها بعد منصرف تركمان خاتون أمّ خوارزم شاه رجل من العيارين
فضبطها وأساء السيرة وانطلقت اليها أيدي العيارين ووصل بعض نواب
الديوان فأشاعوا موت السلطان ففرّ العيارون ثم جاء جلال الدين
واخوته واجتمع الناس اليهم فكانوا معهم سبعة آلاف من العساكر
أكثرهم اليارونية قرابه أمّ خوارزم شاه فمالوا الى أولاغ شاه وكان
ابن أختهم كما مرّ وشاوروا في الوثوب بجلال الدين وخلعه ونمى الخبر
اليه فسار الى خراسان في ثلاثمائة فارس وسلك المفازة الى بلد نسا
فلقى هنالك رصدا من التتر فهزمهم ولجأ فلهم الى نسا وكان بها
الأسير اختيار زنكي بن محمد بن
__________
[1] وفي الكامل ج 12 ص 392: وأمر أن يحضر أولئك الأجناد الذين قبض
عليهم فاحضروا وضربت رقابهم جرا، والناس ينظرون اليهم ويبكون.
(5/136)
عمر بن حمزة قد رجع اليها من خوارزم كما
قدّمناه وضبطها فاستلحم فل التتر وبلغ وبعث الى جلال الدين بالمدد
فسار الى نيسابور ثم وصلت عساكر التتر الى خوارزم بعد ثلاث من مسير
جلال الدين فأجفل أولاغ واخوته وساروا في اتباعه ومرّوا بنسا فسار
معهم اختيار الدين صاحبها واتبعتهم عساكر التتر فأدركوهم بنواحي
خراسان وكبسوهم فقتل أولاغ شاه وأخوه انشاه واستولى التتر على ما
كان معهم من الأموال والذخائر وافترقت في أيدي الجند والفلاحين
فبيعت بأبخس الأثمان ورجع اختيار الدين زنكي الى نسا فاستبدّ بها
ولم يسم الى مراسم الملك وكتب له جلال الدين بولايتها فراجع أحوال
الملك ثم بلغ الخبر الى جلال الدين بزحف التتر الى نيسابور وأنّ
جنكزخان بالطالقان فسار الى نيسابور ومن نيسابور الى بست واتبعه
نائب هراة أمير ملك ابن خال السلطان خوارزم شاه في عشرة آلاف فارس
هاربا أمام التتر وقصد سجستان فامتنعت عليه فرجع واستدعاه جلال
الدين فسار اليه واجتمعوا فكبسوا التتر وهم محاصرون قلعة قندهار
فاستلحموهم ولم يفلت منهم أحد فرجع جلال الدين الى غزنة وكانت قد
استولى عليها اختيار الدين قربوشت صاحب الغور عند ما ساروا اليها
عن جلال الدين صريخا عن أمس ملك سجستان فخالفه قربوشت اليها وملكها
فثار به صلاح الدين النسائي والى قلعتها وقتله وملك غزنة، وكان بها
رضا الملك شرف الدين بن أمور ففتك به رضا الملك واستبدّ بغزنة فلما
ظفر جلال الدين بالتتر على قندهار رجع الى غزنة فقتله وأوطنها وذلك
سنة ثمان عشرة.
استيلاء التتر على مدينة خوارزم
وتخريبها
قد كنا قدّمنا أنّ جنكزخان بعد ما أجفل خوارزم شاه من جيحون بعث
عساكره الى النواحي وبعث الى مدينة خوارزم عسكرا عظيما لعظمها
لأنها كرسي الملك وموضع العساكر فسارت عساكر التتر اليها مع ابنه
جنطاي واركطاي فحاصروها خمسة أشهر ونصبوا عليها الآلات فامتنعت
فاستمدّوا عليها جنكزخان فأمدّهم بالعساكر متلاحقة فزحفوا اليها
وملكوا جانبا منها وما زالوا يملكونها ناحية ناحية الى أن
استوعبوها ثم فتحوا السدّ الّذي يمنع ماء جيحون عنها فسار اليها
جيحون فغرّقها وانقسم أهلها بين السيف والغرق هكذا قال ابن الأثير
وقال النسائي الكاتب انّ دوشي خان بن جنكزخان عرض عليهم الأمان
فخرجوا اليه فقتلهم أجمعين وذلك في محرّم سنة سبع عشرة ولما فرغ
التتر من خراسان وخوارزم رجعوا الى ملكهم جنكزخان بالطالقان
.
(5/137)
خبر آبنايخ نائب بخارى وتغلبه على خراسان ثم
فراره أمام التتر الى الريّ
كان آبنايخ [1] أمير الأمراء والحجاب أيام خوارزم شاه وولاه ثانيا
بخارى فلما ملكها التتر عليه كما قلناه أجفل الى المفازة وخرج منها
الى نواحي نسا وراسله اختيار الدين صاحبها يعرضها عليه للدخول عنده
فأبى فوصله وأمده وكان رئيس بشخوان من قرى نسا أبو الفتح فداخل
التتر فكتب الى شحنة خوارزم بمكان آبنايخ فجرّد اليهم عسكرا فهزمه
آبنايخ وأثخن فيهم وساروا الى بشخوان فحاصروها وملكوها عنوة وهلك
أبو الفتح أيام الحصار ثم ارتحل آبنايخ الى أبيورد وقد تغلب تاج
الدين عمر بن مسعود على أبيورد وما بينها وبين مرو فجبى خراجها
واجتمع عليه جماعة من أكابر الأمراء وعاد الى نسا وقد توفى نائبها
اختيار الدين زنكي وملك بعده ابن عمه عمدة الدين حمزة بن محمد بن
حمزة فطلب منه آبنايخ خراج سنة ثمان عشرة وسار الى شروان وقد تغلب
عليها ايكجي بهلوان فهزمه وانتزعها من يده ولحق بهلوان بجلال الدين
في الهند واستولى آبنايخ خان على عامّة خراسان وكان تكين بن بهلوان
متغلبا بمرو فعبر جيحون وكبس شحنة التتر ببخارى فهزموه سنة سبع
ورجع الى شروان وهم باتباعه ولحقوا بآبنايخ خان على جرجان فهزموه
ونجا الى غياث الدين يترشاه بن خوارزم شاه بالريّ فأقام عنده الى
أن هلك كما نذكر ان شاء الله تعالى.
خبر ركن الدين غور شاه صاحب العراق من
ولد خوارزم شاه
قد كان تقدّم لنا أنّ السلطان لما قسم ممالكه بين أولاده جعل
العراق في قسمة غورشاه منهم ولما أجفل السلطان الى ناحية الريّ
لقيه ابنه غورشاه ثم سار الى الريّ الى كرمان فملكها تسعة أشهر ثم
بلغه أن جلال الدين محمد بن آبه القزويني وكان بهمذان أراد أن يملك
العراق واجتمع اليه بعض الأمراء وأنّ مسعود بن صاعد قاضي أصبهان
مائل اليه فعاجله ركن الدولة واستولى على أصبهان وهرب القاضي الى
الاتابك سعد بن زنكي صاحب فارس فأجاره وبعث ركن الدين العساكر
لقتال همذان فتخاذلوا ورجعوا دون قتال ثم مضى الى الريّ ووجد بها
قوما من الإسماعيلية يحاولون إظهار دعوتهم ثم زحف التتر الى ركن
الدولة فحاصروه بقلعة رواند واقتحموها فقاتلوه واستأمن اليهم ابن
آبه صاحب همذان فأمنوه ودخلوا همذان فولوا عليها علاء الدين الشريف
الحسيني عوضا من ابن آبه.
__________
[1] وفي مكان آخر: آبنانج.
(5/138)
خبر غياث الدين ثير شاه
صاحب كرمان من ولد السلطان خوارزم شاه
قد كنا قدّمنا أنّ السلطان خوارزم شاه ولى ابنه غياث الدين ثير شاه
كرمان وكيش ولم ينفذ اليها أيام أبيه ولما كانت الكبسة على قزوين
خلص الى قلعة ماروت من نواحي أصبهان وأقام عند صاحبها ثم رجع الى
أصبهان ومرّ به التتر ذاهبين الى أذربيجان فحاصروه وامتنع عليهم
وأقام بها الى آخر سنة عشرين وستمائة فلما جاء أخوه ركن الدين غور
شاه من كرمان الى أصبهان لقيه هنالك وحرّضه غياث الدين على كرمان
فنهض اليها وملكها فلما قتل ركن الدين كما قلناه سار غياث الدين
الى العراق وكان ركن الدين لما ولاه أبوه العراق جعل معه الأمير
بقاطابستي اتابكين [1] فاستبدّ عليه فشكاه الى أبيه وأذن له في
حبسه فحبسه ركن الدين بقلعة سرجهان فلما قتل ركن الدين كما قلناه
أطلقه نائب القلعة أسد الدين حولي فاجتمع عليه الناس وكثير من
الأمراء واستماله غياث الدين وأصهر اليه بأخته وماطله في الزفاف
يستبرئ ذهاب الوحشة بينهما وكانت أصبهان بعد مقتل ركن الدين غلب
عليها أزبك خان واجتمعت عليه العساكر وزحف اليه الأمير بقاطابستي
فاستنجد ازبك غياث الدين فانجده بعسكر مع الأمير دولة ملك وعاجله
بقاطابستي فهزمه بظاهر أصبهان وقتله وملكها ورجع دولة ملك إلى غياث
الدين فزحف غياث الدين إلى أصبهان وأطاعه القاضي والرئيس صدر الدين
وبادر بقاطابستي الى طاعته ورضي عنه غياث الدين وزفّ اليه أخته
واستولى غياث الدين على العراق ومازندان وخراسان وأقطع مازندان
وأعمالها دولة ملك وبقاطابستي همذان وأعمالها ثم زحف غياث الدين
الى آذربيجان وشنّ الغارة على مراغة وتردّدت رسل صاحب آذربيجان
ازبك بن البهلوان في المهادنة فهادنه وتزوّج بأخته صاحب بقحوان
وقويت شوكته وعظم فكان بقاطابستي في دولته وتحكم فيها ثم حدّثته
نفسه بالاستبداد وانتقض وقصد آذربيجان وبها مملوكان منتقضان على
ازبك بن البهلوان فاجتمعا معه وزحف اليهم غياث الدين فهزمهم ورجعوا
مغلوبين الى آذربيجان ويقال انّ [2] الخليفة دسّ بذلك الى
بقاطابستي وأغراه بالخلاف على غياث الدين ثم لحق بغياث الدين
آبنايخ خان نائب بخارى مفلتا من واقعته مع التتر بجرجان فأكرمه
وقدّمه ونافسه خال السلطان دولة ملك وأخوه وسعوا اليها فزجرهما عنه
فذهبا مغاضبين ووقع
__________
[1] وفي بعض النسخ بقاطابستي اتابكا وفي الكامل ج 12 ص 415. ايغان
طائسي
[2] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 415: وقيل ان الخليفة
الناصر لدين الله اقطعه البلاد سرا.
(5/139)
دولة ملك في عساكر التتر بمرو وزنجان فقتل
وهرب ابنه بركة خان الى ازبك بآذربيجان ثم أوقع عساكر التتر
بقاطابستي وهزموه ونجا الى الكرم وخلص الفل الى غياث الدين وعاد
التتر الى ما وراء جيحون ثم تذكر [1] صاحب فارس سعد الدين بن زنكي
وكاتبته أهل أصبهان حين كانوا منهزمين عنه فسار اليه وحاصره في
قلعة إصطخر وملكها ثم سار الى شيراز وملكها عليه عنوة ثم سار الى
قلعة حرة فحاصرها حتى استأمنوا وتوفى عليها آبنايخ خان ودفن هنالك
بشعب سلمان وبعث عسكرا الى كازرون فملكها عنوة واستباحها ثم سار
الى ناحية بغداد وجمع الناس الجموع من اربل وبلاد الجزيرة ثم راسل
غياث الدين في الصلح فصالحه ورجع الى العراق.
أخبار السلطان جلال الدين منكبرس وهزيمته أمام التتر ثم عوده الى
الهند
قد كان تقدّم لنا أن أباه خوارزم شاه لما قسم البلاد بين ولديه جعل
في قسمه غزنة وباميان والغور وبست وهكياباد وما يليها من الهند
واستناب عليها أمير ملك وأنزله غزنة فلما انهزم السلطان خوارزم شاه
أمام التتر زحف اليه حربوشة والي الغور فملكها من يده وكان من أمره
ما قدّمناه الى أن استقرّ بها رضا الملك شرف الدين ولما أجفل جلال
الدين من نيسابور الى غزنة واستولى التتر على بلاد خراسان وهرب
أمراؤها فلحقوا بجلال الدين فقتل نائب هراة أمين الملك خال السلطان
وقد قدّمنا محاصرته بسجستان ثم مراجعته طاعة السلطان جلال الدين
ولحق به أيضا سيف الدين بقراق البلخي وأعظم ملك من بلخ ومظهر ملك
والحسن فزحف كل منهم في ثلاثين ألفا ومع جلال الدين من عسكره مثلها
فاجتمعوا وكبسوا التتر المملوكة محاصرين قلعة قندهار كما قلناه
واستلحموهم ولحق فلهم بجنكزخان فبعث ابنه طولى خان في العساكر
فساروا الى جلال الدين فلقيهم بشروان وهزمهم وقتل طولى خان بن
جنكزخان في المعركة وذهب التتر منهزمين واختلف عسكر السلطان جلال
الدين على الغنائم وتنازع سيف الدين بقراق مع أمين الملك نائب هراة
وتحيز الى العراق وأعظم ملك ومظهر ملك وقاتلوا أمين الملك فقتل أخ
لبقراق وانصرف مغاضبا الى الهند وتبعه أصحابه ولاطفهم جلال الدين
ووعظهم فلم يرجعوا وبلغ خبر الهزيمة الى جنكزخان فسار في أمم التتر
وسار
__________
[1] كذا بياض بالأصل وفي الكامل ج 12 ص 420: ففي آخر سنة عشرين
وستمائة سار الى بلاد فارس، فلم يشعر صاحبها وهو أتابك سعد بن دكلا
الا وقد وصل غيّاث الدين الى بلاده.
(5/140)
جلال الدين فلقى مقدّمة عساكره فلم يفلت من
التتر الا القليل ورجع فنزل على نهر السند وبعث بالصريخ الى
الأمراء المنحرفين عنه وعاجله جنكزخان قبل رجوعه فهزمه بعد القتال
والمصابرة ثلاثا وقتل أمين الملك قريب أبيه واعترض المنهزمين نهر
السند فغرق أكثرهم وأسر ابن جلال الدين فقتل وهو ابن سبع سنين ولما
وقف جلال الدين على النهر والتتر في اتباعه فقتل أهله وحرمه جميعا
واقتحم النهر بفرسه فخلص الى عدوته وتخلص من عسكره ثلاثمائة فارس
وأربعة آلاف راجل وبعض أمرائه ولقوة بعد ثلاث وتخلص بعض خواصه
بمركب مشحون بالأقوات والملابس فسد من حاجتهم وتحصن أعظم ملك ببعض
القلاع وحاصره جنكزخان وملكها عنوة وقتله ومن معه ثم عاد التتر الى
غزنة فملكوها واستباحوها وأحرقوها وخربوها واكتسحوا سائر نواحيها
وكان ذلك كله سنة تسع عشرة ولما سمع صاحب جبل جردي من بلاد الهند
بجلال الدين جمع للقائه وخام جلال الدين وأصحابه عن اللقاء لما
نهكتهم الحرب فرجعوا ادراجهم وأدركهم صاحب جلال الدين صوري فقاتلهم
وهزموه وملكوا أمرهم وبعث اليهم نائب ملك الهند فلاطفهم وهاداهم
والله تعالى وليّ التوفيق.
أخبار جلال الدين بالهند
كان جماعة من أصحاب جلال الدين وأهل عسكره لما عبروا اليهم حصلوا
عند قباجة ملك الهند منهم بنت أمين الملك خلصت الى مدينة ارجاء من
عمله ومنهم شمس الملك وزير جلال الدين حياة أبيه ومنهم قزل خان بن
أمين الملك خلص الى مدينة كلور فقتله عاملها وقتل قباجة شمس الملك
الوزير لخبر جلال الدين بأموره وبعث أمين الملك ولحق بجلال الدين
جماعة من أمراء أخيه غياث الدين فقوى بهم وحاصر مدينة كلور
وافتتحها وافتتح مدينة ترنوخ كذلك فجمع قباجة للقائه وسار اليه
جلال الدين فخام عن اللقاء وهرب وترك معسكره فغنمه جلال الدين بما
فيه وسار الى لهاوون [1] وفيها ابن قباجة ممتنعا عليه فصالحه على
مال يحمله ورحل الى تستشان وبها فخر الدين السلاوي نائب قباجة
فتلقاه بالطاعة ثم سار الى اوجا وحاصرها فصالحوه على المال ثم سار
الى جانس وهي لشمس الدين اليتمشي من ملوك الهند ومن موالي شهاب
الدين الغوري فأطاعه أهلها وأقام بها وزحف اليه ايتش في ثلاثين ألف
فارس ومائة ألف راجل وثلاثمائة فيل وزحف جلال الدين في عساكره وفي
مقدّمته جرجان بهلوان ازبك واختلفت المقدّمتان فلم يمكن اللقاء
وبعث ايتش في الصلح
__________
[1] هي مدينة لاهور.
(5/141)
فجنح اليه جلال الدين ثم اجتمع قباجة وايتش
وسائر ملوك الهند فخام عن لقائهم ورجع لطلب العراق واستخلف جهان
بهلوان الملك على ما ملك من الهند وعبر النهر الى غزنة فولى عليها
وعلى الغور الأمير وفاملك واسمه الحسن فزلف وسار الى العراق وذلك
سنة احدى وعشرين بعد مقدّمه لها بسنتين.
أحوال العراق وخراسان في ايالة غياث
الدين
كان غياث الدين بعد مسير جلال الدين الى الهند اجتمع اليه شراد [2]
العساكر بكرمان وسار بهم الى العراق فملك خراسان ومازندان كما
تقدّم وأقام منهمكا في لذاته واستبدّ الأمراء بالنواحي فاستولى
قائم الدين على نيسابور وتغلب يقز بن ايلجي بهلوان على شروان وتملك
ينال خطا بهاتر ونظام الملك أسفراين ونصرة الدين بن محمد مستبدّ
بنسا كما مرّ واستولى تاج الدين عمر بن مسعود التركماني على أبيورد
وغياث الدين مع ذلك منهمك في لذاته وسارت اليه عساكر التتر فخرج
لهم عن العراق الى بلاد الجبل واكتسحوا سائر جهاته واشتط عليه
الجند وزادهم في الاقطاع والإحسان فلم يشبعهم وأظهروا الفساد
وعاثوا في الرعايا وتحكمت أمّ السلطان غياث الدين في الدولة
لاغفاله أمرها واقتفت طريقة تركمان خاتون أم السلطان خوارزم شاه
وتلقبت بلقبها خداوند جهان الى أن جاء السلطان جلال الدين فغلب
عليه كما قلناه.
وصول جلال الدين من الهند الى كرمان وأخباره بفارس والعراق مع أخيه
غياث الدين
ولما فارق جلال الدين الهند كما قلناه سنة احدى وعشرين وسار الى
المفازة وخلص منها الى كرمان بعد أن لقي بها من المتاعب والمشاق ما
لا يعبر عنه وخرج معه أربعة آلاف راكب على الحمير والبقر ووجد
بكرمان براق الحاجب نائب أخيه غياث الدين وكان من خبر براق هذا أنه
كان حاجبا لكوخان ملك الخطا وسفر عنه الى خوارزم شاه فأقام عنده ثم
ظفر خوارزم شاه بالخطا وولاه حجابته ثم صار الى خدمة ابنه غياث
الدين ترشه بمكران فأكرمه ولما سار جلال الدين الى الهند ورجع عنه
التتر سار غياث الدين لطلب العراق فاستناب براق في
__________
[2] والصحيح: شرد جمع شرود، أو شرد جمع شارد. اي الخارج عن الطاعة.
(5/142)
كرمان فلما جاء جلال الدين من الهند اتهمه
وهمّ بالقبض عليه فنهاه عن ذلك وزيره شرف الملك فخر الدين علي بن
أبي القاسم الجندي خواجا جهان أن يستوحش الناس لذلك ثم سار جلال
الدين الى شيراز وأطاعه صاحبها برد الاتابك وأهدى له وكان أتابك
فارس سعد بن زنكي قد استوحش من غياث الدين فاصطلحه جلال الدين
وأصهر اليه في ابنته ثم سار الى أصبهان فأطاعه القاضي ركن الدين
مسعود يستعطفه وأهدى له سلب طولي خان بن جنكزخان الّذي قتل في حرب
بزوان كما مرّ وفرسه وسيفه ودس الى الأمراء الذين معه بالاستمالة
فمالوا اليه ووعدوه بالمظاهرة ونمى الخبر الى غياث الدين فقبض على
بعضهم ولحق الآخرون بجلال الدين فجاءوا به الى المخيم فمال اليه
أصحاب غياث الدين وعساكره واستولى على مخيمه وذخائره وأمه ولحق
غياث الدين بقلعة سلوقان وعاتب جلال الدين أمه في فراره فاستدعته
وأصلحت بينهما ووقف غياث الدين موقف الخدمة لأخيه السلطان جلال
الدين وجاء المتغلبون بخراسان والعراق وأذعنوا الى الطاعة وكانوا
من قبل مستبدين على غياث الدين فاختبر السلطان طاعتهم وعمل فيها
على شاكلتها والله أعلم.
استيلاء ابن آبنايخ على نسا
كان نصرة الدين بن محمد قد استولى على نسا بعد ابن عمه اختيار
الدين كما مرّ واستناب في أموره محمد بن أحمد النسائي المنشي صاحب
التاريخ المعتمد عليه في نقل أخبار خوارزم شاه وبنيه فأقام فيها
تسع عشرة سنة مستندا على غياث الدين ثم انتقض عليه وقطع الخطبة له
فسرّح اليه غياث الدين العساكر مع طوطي بن آبنايخ وأنجده بأرسلان
وكاتب المتغلبين بمساعدته فراجع نصرة الدين محمد بن حمزة نفسه وبعث
نائبة محمد بن أحمد المنشي الى غياث الدين بمال صالحه عليه فبلغه
الخبر في طريقه بوصول جلال الدين واستيلائه على غياث الدين فأقام
بأصبهان ينتظر صلاح السابلة وزوال الثلج ثم سار الى همذان فوجد
السلطان غائبا في غزو الاتابك بقطابستي وكان من خبره أنه صهر الى
غياث الدين على أخته كما قدّمنا فهرب بعد خلعه الى آذربيجان واتفق
هو والاتابك سعد وسار اليهما جلال الدين فخالفه الأمير ايغان طائسي
الى همذان وسار الى جلال الدين وكبسه هنالك فأخذه ثم أمنه وعاد الى
مخيمه ولقيه وافد نصرة الدين على بلاد نسا وما يتاخمها وبعث الى
ابن آبنايخ بالافراج عن نسا ثم بلغ الخبر بعد يومين بهلاك نصرة
الدين واستيلاء ابن آبنايخ على نسا.
(5/143)
مسير السلطان جلال الدين الى خوزستان ونواحي
بغداد
ولما استولى السلطان جلال الدين على أخيه غياث الدين واستقامت
أموره سار الى خوزستان شاتيا وحاصر قاعدتها مظفر الدين وجه السبع
مولى الخليفة الناصر وانتهت سراياه في الجهات الى بادرايا والى
البصرة فأوقع بهم تلكين [1] نائب البصرة وجاءت عساكر الناصر مع
مولاه جلال الدين قشتمر وخاموا عن اللقاء وأوفد ضياء الملك علاء
الدين محمد بن مودود السوي العارض على الخليفة ببغداد عاتبا وكان
في مقدّمته جهان بهلوان فلقي في طريقه جمعا من العرب وعساكر
الخليفة فرجع وأوقع بهم ورجعوا الى بغداد وجيء بأسرى منهم الى
السلطان فأطلقهم واستعدّ أهل بغداد للحصار وسار السلطان الى يعقوبا
على سبع فراسخ من بغداد ثم الى دقوقا فملكها عنوة وخربها وقاتلت
بعوثه عسكر تكريت وتردّدت الرسل بينه وبين مظفر الدين صاحب اربل
حتى اصطلحوا واضطربت البلد بسبب ذلك وأفسد العرب السابلة وأقام
ضياء الملك ببغداد الى أن ملك السلطان مراغة والله تعالى أعلم.
أولية الوزير شرف الدين
هذا الوزير هو فخر الدين علي بن القاسم خواجه جهان ويلقب شرف الملك
أصله من أصفهان وكان أوّل أمره ينوب عن صاحب الديوان بها وكان نحيب
الدين الشهرستاني وزير السلطان وابنه بهاء الملك وزير الجند وفخر
الدين هذا يخدمه بها ثم تمكن من منصب الإفتاء وطمح الى مغالبة نجيب
الدين على الوزارة وسعى عند السلطان بأنه تناول من جبايتها مائتي
ألف دينار فسامحه بها السلطان ولم يعرض له ثم سعى بفخر الدين ثانية
فولى وزارة الجند وأقام بها أربع سنين حتى عبر السلطان الى بخارى
فكثرت به الشكايات فأمر بالقبض عليه فاختفى ولحق بالطالقان الى أن
اتصل بجلال الدين حين كان بغزنة بعد مهلك ابنه فرتبه في الحجابة
الى أن أجاز بحر السند وكان وزيره شهاب الدين الهروي فقتله قباجة
ملك الهند كما مرّ واستوزر جلال الدين مكانة فخر الدين هذا ولقبه
شرف الملك ورفع رتبته على الوزراء وموقفه وسائر آدابه وأحواله.
__________
[1] وفي الكامل ج 12 ص 426: شحنة البصرة الأمير ملتكين
(5/144)
عود التتر الى الريّ وهمذان وبلاد الجبل
وبعد رجوع التتر المغربة من أذربيجان وبلاد قفجاق وسروان كما
قدّمناه وخراسان يومئذ فوضى ليس بها ولاة الا متغلبون من بعض أهلها
بعد الخراب الأوّل والنهب فعمروها فبعث جنكزخان عسكرا آخر من التتر
اليها فنهبوها ثانيا وخربوها وفعلوا في ساوة وقاشان وقم مثل ذلك
ولم يكن التتر أوّلا أصابوا منها ثم ساروا الى همذان فاجفل أهلها
وأوسعوها نهبا وتخريبا وساروا في اتباع أهلها الى أذربيجان وكبسوهم
في حدودها فأجفلوا وبعضهم قصد تبريز فسار التتر في اتباعهم وراسلوا
صاحبها ازبك بن البلهوان في إسلام من عنده فبعث بهم بعد ان قتل
جماعة منهم وبعث برءوسهم وصانعهم بما أرضاهم فرجعوا عن بلاده والله
تعالى أعلم.
وقائع أذربيجان قبل مسير جلال الدين
اليها
لما رجع التتر من بلاد قفجاق والروس وكانت طائفة من قفجاق لما
افترقوا وفروا أمام التتر ساروا الى درنبر شروان واسم ملكه يومئذ
رشيد وسألوه المقام في بلاده وأعطوه الرهن على الطاعة فلم يجبهم
ريبة بهم فسألوه الميرة فأذن لهم فيها فكانوا يأتون اليها زرافات
وتنصح له بعضهم بأنهم يرومون الغدر به وطلب منه الانجاد بعسكره
وسار في أثرهم فأوقع بهم وهم باخلون بالطاعة فرجع ذلك القفجاقي
بالعسكر ثم بلغه انهم رحلوا من مواضعهم فاتبعهم ثانيا بالعساكر حتى
أوقع بهم ورجع الى رشيد ومعه جماعة منهم مستأمنين وقد اختفى فيهم
كبير من مقدميهم وتلاحق به جماعة منهم فاعتزموا على الوثوب فهرب
خائفا ولحق ببلاد شروان واستولت طائفة القفجاق على القلعة وعلى
مخلف رشيد فيها من المال والسلاح واستدعوا أصحابهم فلحقوا بهم
واعتزموا وقصدوا قلعة الكرج فحاصروها وخالفهم رشيد الى القلعة
فملكها وقتل من وجد بها منهم فعادوا من حصار تلك المدينة الى درنبر
وامتنعت عليهم القلعة فرجعوا الى تلك المدينة فاكتسحوا نواحيها
وساروا الى كنجة من بلاد ارّان وفيها مولى لازبك صاحب أذربيجان
فراسلوه بطاعة ازبك فلم يجبهم اليها وعدد عليهم ما بدر منهم في
الغدر ونهب البلاد واعتذروا بأنهم انما غدروا شروان لانه منعهم
الجواز الى صاحب أذربيجان وعرضوا عليه الرهن فجاءهم بنفسه ولقوة في
عدد قليل فعدا عن محال التهمة فبعث بطاعتهم الى سلطانه وبعث بذلك
الى أزبك وجاء بهم الى كنجة فأفاض فيهم الخلع والأموال وأصهر اليهم
وأنزلهم بجبل كيكلون وجمع لهم الكرج فآواهم الى كنجة ثم
(5/145)
سار اليهم أمير من أمراء قفجاق ونال منهم
فرجعوا الى جبل كيكلون وسار القفجاق الذين كبسوهم الى بلاد الكرج
فاكتسحوها وعادوا فاتبعهم الكرج واستنقذوا الغنائم منهم وقتلوا
ونهبوا فرحل القفجاق الى بردعة وبعثوا الى أمير كنجة في المدد على
الكرج فلم يحبهم فطلبوا رهنهم فلم يعطهم فمدّوا أيديهم في المسلمين
واسترهنوا أضعاف رهنهم وثار بهم المسلمون من كلّ جانب فلحقوا
بشروان وتخطفهم المسلمون والكرج وغيرهم فافنوهم وبيع سبيهم وأسراهم
بأبخس ثمن وذلك كله سنة تسع عشرة وكانت مدينة فيلقان من بلاد ارّان
فأخر بها التتر كما قدّمناه وساروا عنها الى بلاد قفجاق فعاد اليها
أهلها وعمروها وسار الكرج في رمضان من هذه السنة اليها فملكوها
وقتلوا أهلها وخربوها واستفحل الكرج ثم كانت بينهم وبين صاحب خلاط
غازي بن العادل بن أيوب واقعة هزمهم فيها وأثخن فيهم كما يأتي في
دولة بني أيوب ثم انتقض على شروان شاه ابنه وملك البلاد من يده
فسار الى الكرج واستصرخ بهم وساروا معه فبرز ابنه اليهم فهزمهم
واثخن فيهم فتشاءم الكرج بشروان شاه فطردوه عن بلادهم واستقر ابنه
في الملك واغتبط النّاس بولايته وذلك سنة اثنتين وعشرين ثم سار
الكرج من تفليس الى أذربيجان وأتوها من الاوعار والمضايق يظنون
صعوبتها على المسلمين فسار المسلمون وولجوا المضايق اليهم فركب
بعضهم بعضا منهزمين ونال المسلمون منهم أعظم النيل وبينما هم
يتجهزون لاخذهم الثأر من المسلمين وصلهم الخبر بوصول جلال الدين
الى مراغة فرجعوا الى مراسلة ازبك صاحب أذربيجان في الاتفاق على
مدافعته وعاجلهم جلال الدين عن ذلك كما نذكره ان شاء الله تعالى.
استيلاء جلال الدين على أذربيجان وغزو
الكرج
قد تقدّم لنا مسير جلال الدين في نواحي بغداد وما ملك منها وما وقع
بينه وبين صاحب اربل من الموافقة والصلح ولما فرغ من ذلك سار الى
أذربيجان سنة اثنتين وعشرين وقصد مراغة أوّلا فملكها وأقام بها
وأخذ في عمارتها وكان بغان طابش [1] حال أخيه غياث الدين مقيما
بأذربيجان كما مرّ فجمع عساكره ونهب البلد وسار الى ساحل ارّان
فشتى هنالك ولما عاث جلال الدين في نواحي بغداد كما قدّمناه بعث
الخليفة الناصر الى بغان طابش وأغراه بجلال الدين وأمره بقصد همذان
واقطعه أياما وما يفتحه من البلاد فعاجله جلال الدين وصبحه بنواحي
همذان على غرة وعاين الجند فسقط في يده وأرسل زوجته أخت
__________
[1] ورد اسمه في الكامل: ايغان طائسي.
(5/146)
السلطان جلال الدين فاستأمنته له فآمنه وجرد
العساكر عنه وعاد الى مراغة وكان ازبك بن البهلوان قد فارق تبريز
كرسي ملكه الى كنجة فأرسل جلال الدين الى أهل تبريز يأمرهم بميرة
عسكره فأجابوا الى ذلك وتردّدت عساكره اليها فتجمع الناس وشكا أهل
تبريز الى جلال الدين ذلك فأرسل اليهم شحنة يقيم عندهم للنصفة بين
الناس وكانت زوجة ازبك بنت السلطان طغرلبك بن ارسلان وقد تقدّم
ذكرها في أخبار سلفها مقيمة بتبريز حاكمة في دولة زوجها ازبك ثم
ضجر أهل تبريز من الشحنة فسار جلال الدين اليها وحاصرها خمسا
واشتدّ القتال وعابهم بما كان من إسلام أصحابه الى التتر فاعتذروا
بأنّ الأمر في ذلك لغيرهم والذنب لهم ثم استأمنوا فآمنهم وأمر ببنت
السلطان طغرل وأبقى لها مدينة طغرل الى خوي كما كانت وجمع ما كان
لها من المال والاقطاع وملك تبريز منتصف رجب سنة اثنتين وعشرين
وبعث بنت السلطان طغرل الى خوي مع خادميه فليح وهلال وولى على
تبريز ربيبها نظام الدين ابن أخي شمس الدين الطغرائي وكان هو الّذي
داخله في فتحها وأفاض العدل في أهلها وأوصلهم اليها وبالغ في
الإحسان اليهم ثم بلغه آثار الكرج في أذربيجان وارّان وأرمينية
ودرنبر شروان وما فعلوه بالمسلمين فاعتزم على غزوهم وبلغه اجتماعهم
برون فسار اليهم وعلى مقدّمته جهان بهلوان الكعبي فلما تراءى
الجمعان وكان الكرج على جبل لم يستهلوه فتسنمت اليهم العساكر
الاوعار فانهزموا وقتل منهم أربعة آلاف أو يزيدون وأسر بعض ملوكهم
واعتصم ملك آخر منهم ببعض قلاعهم فجهز جلال الدين عليها عسكرا
لحصارها وبعث عساكره في البلاد فعاثوا فيها واستباحوها.
فتح السلطان مدينة كنجة ونكاحه زوجة
ازبك
لما فرغ السلطان من أمر الكرج واستولى على بلادهم وكان قد ترك
وزيره شرف الدين بتبريز للنظر في المسالح وولىّ عليها نظام الملك
الطغرائي فقصد الوزير به وكتب الى السلطان بأنه وعمه شمس الدين
داخلوا أهل البلد في الانتقاض واعادة ازبك لشغل السلطان بالكرج
فلما بلغ ذلك الى السلطان أسرّه حتى فرغ من أمر الكرج وترك أخاه
غياث الدين نائبا على ما ملك منها وآمره بتدويخ بلادهم وتخريبها
وعاد الى تبريز فقبض على نظام الملك الطغرائي وأصحابه فقتلهم وصادر
شمس الدين على مائة ألف وحبسه بمراغة ففرّ منها الى ازبك ثم لحق
ببغداد وحج سنة خمس وعشرين وبلغ السلطان تنصله في المطاف ودعاؤه
على نفسه أن كان فعل شيئا من ذلك فأعاده الى تبريز ورد عليه أملاكه
ثم بعثت اليه زوجة ازبك في
(5/147)
الخطبة وأنّ ازبك حنث فيها بالطلاق فحكم قاضي
تبريز عزّ الدين القزويني بحلها للنكاح فتزوّجها السلطان جلال
الدين وسار اليها فدخل في خوي ومات ازبك لما لحقه من الغمّ بذلك ثم
عاد السلطان الى تبريز فأقام بها مدّة ثم بعث العساكر مع ارخان الى
كنجة من أعمال نقجوان وكان بها ازبك ففارقها وترك بها جلال الدين
القمي نائبا فملكها عليه ارخان واستولى على أعمالها مثل وشمكور
وبردعة وشنة وانطلقت أيدي عساكره في النهب فشكا ازبك الى جلال
الدين فكتب الى ارخان بالمنع من ذلك وكان مع ارخان نائب الوزير الى
السلطان فعزل ارخان وذهب مغاضبا الى أن قتلته الإسماعيلية وفي آخر
رمضان من سنة اثنتين وعشرين توفي الخليفة الناصر لسبع وأربعين سنة
من خلافته واستخلف بعده ابنه الظاهر أبو نصر محمد بعهده اليه بذلك
كما مرّ في أخبار الخلفاء.
استيلاء جلال الدين على تفليس من الكرج
بعد هزيمته إياهم
كان هؤلاء الكرج اخوة الأرمن وقد تقدّم نسبة الأرمن الى إبراهيم
عليه السلام وكان لهم استطالة بعد الدولة السلجوقية وكانوا من أهل
دين النصرانية فكان صاحب أرمن الروم يخشاهم ويدين لهم بعض الشيء
حتى ان ملك الكرج كان يخلع عليه فيلبس خلعته وكان شروان صاحب
الدربند يخشاهم وكذلك ملكوا مدينة أرجيش من بلاد ارمينية ومدينة
فارس وغيرها وحاصروا مدينة خلاط قاعدتها فأسر بها مقدّمهم ايواي
وفادوه بالرحيل عنهم بعد ان اشترطوا عليه متابعته لهم في قلعة خلاط
فبنوها وكذلك هزموا ركن الدولة فليحا ارسلان صاحب بلاد الروم لما
زحف لأخيه طغرل شاه بارزن الروم استنجدهم طغرل فأنجدوه وحزموا ركن
الدين أعظم ما كان ملكا واستفحالا وكانوا يجوسون خلال أذربيجان
ويعيثون في نواحيها وكان ثغر تفليس من أعظم الثغور طرزا على من
يجاوره منذ عهد الفرس وملكه الكرج سنة خمس عشرة وخمسمائة أيام
محمود بن ملك شاه ودولة السلجوقية يومئذ أفحل ما كانت وأوسع ايالة
وأعمالا فلم يطق ارتجاعه من أيديهم واستولى ايلدكز بعد ذلك وابنه
البهلوان على بلاد الجبل والريّ وأذربيجان وأران وارمينية وخلاط
وجاورهم بكرسيه ومع ذلك لم يطلق ارتجاعه منهم فلما جاء السلطان
جلال الدين الى أذربيجان وملكها زحف الى الكرج وهزمهم سنة اثنتين
وعشرين وعاد الى تبريز في مهمه كما قدّمناه فلما فرغ من مهمه ذلك
وكان قد ترك العساكر ببلاد الكرج مع أخيه غياث الدين ووزيره شرف
الدين فأغذ
(5/148)
السير اليه غازيا من تبريز وقد جمع الكرج
واحتشدوا وأمدّهم القفجاق واللكز وساروا للقاء فلما التقى الفريقان
انهزم الكرج وأخذتهم سيوف المسلمين من كلّ جانب ولم يبقوا على أحد
حتى استلحموهم وافنوهم ثم قصد جلال الدين تفليس في ربيع الأوّل سنة
ثلاث وعشرين ونزل قريبا منها وركب يوما لاستكشاف أموالها وترتيب
مقاعد القتال عليها وأكمن الكمائن حولها واطلع عليهم في خف من
العسكر فطمعوا فيه وخرجوا فاستطرد لهم حتى تورطوا والتفت عليهم
الكمائن فهربوا الى البلد والقوم في اتباعهم ونادى المسلمون من
داخلها بشعار الإسلام وهتفوا باسم جلال الدين فالقى الكرج بأيديهم
وملك المسلمون البلد وقتلوا كل من فيها الا من اعتصم بالإسلام
واستباحوا البلد وامتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى والسبايا وكان
ذلك من أعظم الفتوحات هذه سياقة ابن الأثير في فتح تفليس وقال
النسائي الكاتب أنّ السلطان جلال الدين سار نحو الكرج فلما وصل نهر
أرس مرض واشتد الثلج ومر بتفليس فبرز أهلها للقتال فهزمهم العساكر
وأعجلوهم عن دخولها فملكوها واستباحوها وقتلوا من كان فيها من
الكرج والأرمن واعتصم أهلها بالقلعة حتى صالحوا على أموال عظيمة
فحملوها وتركوهم.
انتقاض صاحب كرمان ومسير السلطان اليه
ولما اشتغل السلطان جلال الدين بشأن الكرج وتفليس طمع براق الحاجب
في الانتقاض بكرمان والاستيلاء على البلاد وقد كنا قدمنا خبره وان
غياث الدين استخلفه على كرمان عند مسيره الى العراق وان جلال الدين
لما رجع من الهند ارتاب به وهم بالقبض عليه ثم تركه وأقره على
كرمان فلما انتقض الآن وبلغ خبره الى السلطان وهو معتزم على قصد
خلاط فتركها وأغذ السير اليه واستصحب أخاه غياث الدين ووعده بكرمان
وترك مخلفه بكيكلون وترك وزيره شرف الدين بتفليس وأمره باكتساح
بلاد الكرج وقدّم الى صاحب كرمان بالخلع والمقاربة والوعد فارتاب
بذلك ولم يطمئن وقصد بعض قلاعه فاعتصم بها ورجع الرسول الى جلال
الدين فلما علم أن المكيدة لم تتم عليه أقام بأصبهان وبعث اليه
وأقره على ولايته وعاد وكان الوزير شرف الدين بتفليس كما قلناه
وضاق الحل به من الكرج وأرجف عند الأمراء بكيكلون أنّ الكرج حاصروه
بتفليس فسار ارخان منهم في العساكر الى تفليس ثم وصل البشير من
نقجوان برجوع السلطان من العراق فأعطاه الوزير أربعة آلاف دينار ثم
افترقت العساكر في بلاد الكرج وبها ايواني مقدّمهم مع بعض أعيانهم
وبعث عسكرا آخر
(5/149)
الى مدينة فرس واشتدّ عليها الحصار ثم جمر
العساكر عليها وعاد الى تفليس.
مسير جلال الدين الى حصار خلاط
كانت خلاط في ولاية الأشرف بن العادل بن أيوب وكان نائبة بها حسام
الدين علي الموصلي وكان الوزير شرف الدين حين أقام بتفليس عند مسير
جلال الدين الى كرمان ضاقت على عساكره الميرة فبعث عسكرا منهم الى
أعمال أرزن الروم فاكتسحوا نواحيها ورجعوا فمروا بخلاط فخرج نائبها
حسام الدين واعترضهم واستنقذ ما معهم من الغنائم وكتب الوزير شرف
الدين بذلك الى جلال الدين وهو بكرمان فلما عاد جلال الدين من
كرمان وحاصر مدينة اني استقر حسام الدين نائب خلاط للامتناع منه
فارتحل هو الى بلاد انحاز ليأتيه على غرة ورحل جلال الدين من انحاز
فسار الى خلاط وحاصر مدينة ملاذ كرد في ذي القعدة من السنة وانتقل
منها الى مدينة خلاط وحاصرها وضيق مخنقها وقاتلها مرارا واشتدّ أهل
البلد في مدافعته لما يعملون من سيرة الخوارزمية الالوائية وكانوا
متغلبين على الكثير من بسائط ارمينية وأذربيجان فبلغه أنهم أفسدوا
البلاد وقطعوا السابلة وأخذوا الضريبة من أهل خوي وخربوا سائر
النواحي وكتب اليه بذلك نوابه وبنت السلطان طغرل زوجته فلما رحل عن
خلاط قصدهم على غرّة قبل أن يصعدوا الى حصونهم بجبالهم الشاهقة
فأحاطت بهم العساكر واستباحوهم واقتسموهم بين القتل والغنيمة وعاد
الى تبريز.
دخول الكرج مدينة تفليس وإحراقها
ولما عاد السلطان من خلاط وغزو التركمان فرق عساكره للمشتى وكان
الأمراء أساءوا السيرة الى تفليس وهرب العسكر الذين بها واستلحموا
بقيتهم وخربوا البلاد وحرقوها لعجزهم عن حمايتها من جلال الدين
وذلك في ربيع سنة أربع وعشرين وستمائة وعند النسائي الكاتب أن
استيلاء الفرنج على تفليس وإحراقهم إياها كان والسلطان جلال الدين
على خلاط وانه لما بلغه ذلك رجع وأغار على التركمان في طريقه لما
بلغه من افسادهم فنهب أموالهم وساق مواشيهم الى موقان وكان خمسها
ثلاثين ألفا ثم سار الى خوي لملاقاة بنت طغرل ثم سار الى كنجة
فبلغه الخبر بانصراف الكرج على تفليس بعد إحراقها قال ولما وصل
كنجة قدم عليه هنالك خاموش بن الاتابك ازبك بن البهلوان مؤدّيا
منطقة بلخش قدر الكف مصنوعا عليه منقوشا اسم كيكاوس وجماعة من ملوك
الفرس فغير السلطان صناعتها ونقشها على اسمه
(5/150)
وكان يلبس تلك المنطقة في الأعياد وأخذها
التتر يوم كبسوه وحملت الى الخان الأعظم ابن جنكزخان بقراقرم وأقام
خاموش في خدمة السلطان الى أن صرعة الفقر ولحق بعلاء الملك ملك
الإسماعيلية فتوفي عنده انتهى كلام النسائي.
أخبار السلطان جلال الدين مع
الإسماعيلية
كان السلطان جلال الدين بعد وصوله من الهند ولى ارخان على نيسابور
وأعمالها وكان وعده بذلك بالهند فاستخلف عليها وأقام مع السلطان
وكان نائبة بها يتعرّض لبلاد الإسماعيلية المتاخمة له بهستان
وغيرها بالنهب والقتل فأوفدوا على السلطان وهو بخوي وقد أمنهم
يشكون من نائب ارخان وأساء عليهم ارخان في المجاورة ولما عاد
السلطان الى كنجة وكان قد أقطعها وأعمالها لارخان فلما خيم بظاهرها
وثب ثلاثة من الباطنية ويسمون الفداوية لانهم يقتلون من أمرهم
أميرهم بقتله ويأخذون فديتهم منه وقد فرغوا عن أنفسهم فوثبوا به
فقتلوه وقتلتهم العامة وكانت الإسماعيلية قد استولوا على الدامغان
أيام الفتنة ووصل رسولهم بعد هذه الواقعة الى السلطان وهو ببيلقان
فطالبهم بالنزول على الدامغان فطلبوا ضمانها بثلاثين ألف دينار
وقرّرت عليهم وكان الرسول الوافد في خدمة الوزير وهم راجعون الى
أذربيجان فاستخفه الطرب ليلة وأحضر له خمسة من الفداوية معه
بالعسكر وبلغ خبرهم السلطان فأمره بإحراقهم انتهى كلام النسائي
وقال ابن الأثير أنّ السلطان بعد مقتل ارخان سار في العساكر الى
بلاد الإسماعيلية من الموت الى كردكوه فاكتسحها وخرّبها وانتقم
منهم وكانوا بعد واقعته قد طمعوا في بلاد الإسلام فكف عاديتهم وقطع
اطماعهم وعاد فبلغه أنّ طائفة من التتر بلغوا الدامغان قريبا من
الريّ فسار اليهم وهزمهم وأثخن فيهم ثم جاء الخبر بأن جموع التتر
متلاحقة لحربه فأقام في انتظارهم في الريّ انتهى.
استيلاء حسام الدين نائب خلاط على
مدينة خوى
قد تقدّم لنا أن بنت السلطان طغرل زوجة ازبك بن البهلوان لما ملك
السلطان جلال الدين تبريز من يدها أقطعها مدينة خوى ثم تزوّجها بعد
ذلك كما قدّمناه وتركها لما هو فيه من أشغال ملكه فوجدت لذلك ما
فقدته من العز والتحكم قال النسائي الكاتب وأضاف لها السلطان
مدينتي سلماس وارمينية وعين رجلا لقبض أقطاعها فتنكر لها وأغرى بها
الوزير فكاتب السلطان بأنها تداخل الاتابك ازبك وتكاتبه ثم وصل
الوزير الى خوى فنزل بدارها
(5/151)
واستصفى وكانت مقيمة بقلعة طلع فحاصرها وسألت
المضي الى السلطان فأبى الا نزولها على حكمه انتهى وكان أهل خوى مع
ذلك قد ضجروا من ملكة جلال الدين وجوره وتسلط عساكره فاتفقت الملكة
معهم وكاتبوا حسام الدين الحاجب النائب عن الأشرف بخلاط فسار اليهم
في مغيب السلطان جلال الدين بالعراق واستولى على مدينة خوى
وأعمالها وما يحاورها من الحصون وكاتبه أهل نقجوان وسلموها له وعاد
الى خلاط واحتمل الملكة بنت طغرل زوجة جلال الدين الى خلاط الى أن
كان ما نذكره.
واقعة السلطان مع التتر على أصبهان
ثم بلغ الخبر الى السلطان بأنّ التتر زحفوا من بلادهم فيما وراء
النهر الى العراق فسار من تبريز للقائهم وجرد أربعة آلاف فارس الى
الريّ والدامغان طليعة فرجعوا وأخبروه بوصولهم الى أصبهان فنهض
للقائهم واستخلف العساكر على الاستماتة وأمر القاضي بأصبهان
باستنفار العامّة وبعث التتر عسكرا الى الريّ فبعث السلطان عسكرا
لاعتراضهم فأوقعوا بالتتر فنالوا منهم ثم التقي الفريقان في رمضان
سنة خمس وعشرين لرابعة وصولهم الى أصبهان وانتقض عنه أخوه غياث
الدين وجهان بهلوان الكجي في طائفة من العسكر وانهزمت مسيرة التتر
والسلطان في اتباعهم وكانوا قد أكمنوا له فخرجوا من ورائه وثبت
واستشهد جماعة من الأمراء وأسر آخرون وفيهم علاء الدولة صاحب يزد
ثم صدق السلطان عليهم الحملة فأفرجوا له وسار على وجهه وانهزمت
العساكر فبلغوا فارس وكرمان ورجعت ميمنة السلطان من قاشان فوجدوه
قد انهزم فتفرّقوا أشتاتا وفقد السلطان ثمانية من فرقه وكان
بقاطابستي مقيما بأصبهان فاعتزم أهل أصبهان على بيعته ثم وصل
السلطان فاقصروا عن ذلك وتراجع بعض العسكر وسار السلطان فيهم الى
الريّ وكان التتر قد حاصروا أصبهان بعد الهزيمة فلما وصل السلطان
خرج معه أهل أصبهان فقاتلوا التتر وهزموهم وسار السلطان في اتباعهم
الى الريّ وبعث العساكر وراءهم الى خراسان وعند ابن الأثير أن صاحب
بلاد فارس وهو ابن الاتابك سعد الّذي ملك بعد أبيه حضر مع السلطان
في هذه الواقعة وأنّ التتر انهزموا أوّلا فاتبعهم صاحب فارس حتى
إذا أبعدوا انفرد عن العسكر ورجع عنهم فوجد جلال الدين قد انهزم
لانحراف أخيه غياث الدين وأمرائه عنه ومضى الى شهرم تلك الأيام ثم
عاد الى أصبهان كما ذكرناه
.
(5/152)
الوحشة بين السلطان
جلال الدين وأخيه غياث الدين
كان ابتداؤها أنّ الحسن بن حرميل نائب الغوية بهراة لما قتلته
عساكر خوارزم شاه محمد بن تكش وحاصروا وزيره الممتنع بها حتى
اقتحموها عليه عنوة وقتلوه، هرب محمد بن الحسن بن حرميل الى بلاد
الهند فلما سار السلطان جلال الدين وحظي لديه وأقامه شحنة بأصبهان
فلما سار السلطان الى أصبهان للقاء التتر انحرف جماعة من غلمان
غياث الدين عنه فصاروا الى نصرة الدين بن حرميل واسترجعهم منه غياث
الدين في بيته وطعنه فأشواه ومات لليال وأحفظ ذلك السلطان وأقام
غياث الدين مستوحشا فلما كان يوم اللقاء انحرف عن أخيه ولحق
بخوزستان وخاطب الخليفة فبعث اليه بثلاثين ألف دينار وسار من هنالك
الى قلعة الموت عند صلاح الدين شيخ الإسماعيلية فلما رجع السلطان
من وقعة التتر الى الريّ سار الى قلعة الموت وحاصرها فاستأمن علاء
الدين الى السلطان لغياث الدين فأمنه وبعث من يأتيه به فامتنع غياث
الدين وفارق القلعة واعترضه عساكر السلطان بنواحي همذان وأوقعوا به
وأسروا جماعة من أصحابه ونجا الى براق الحاجب بكرمان فتزوّج بأمّه
كرها ونمي اليه أنها تحاول سمه فقتلها وقتل معها جهان بهلوان الكجي
وحبس غياث الدين ببعض القلاع ثم قتله بمحبسه ويقال بل هرب من محبسه
ولحق بأصبهان وقتل بأمر السلطان قال النسائي وقفت على كتاب براق
الحاجب الى الوزير شرف الملك والسلطان بتبريز وهو يعدّد سوابقه فعد
منها قتله أعدى عدوّ السلطان والله تعالى ولىّ التوفيق.
انتقاض البهلوانية
لما ارتحل السلطان والوزير شرف الملك معه وانتهى الى همذان بلغه
أنّ الأمراء البهلوانية اجتمعوا بظاهر تبريز يرومون الانتقاض
واتبعه خاموش بن الاتابك ازبك من قلعة قوطور وكان مقيما بها فرجع
السلطان اليهم وقدّم بين يديه الوزير شرف الملك فلقيهم قريبا من
تبريز وهزمهم وقبض على الذين تولوا أكبر الفتنة منهم ودخل تبريز
قصبتهم وقبض على القاضي المعزول فصادمه قوام الدين الحرادي ابن أخت
الطغرائي وصادره وسار السلطان للقاء التتر وأقام الوزير نائبا
للبلاد.
(5/153)
إيقاع نائب خلاط
بالوزير
ولما كان ما ذكرناه من مسير حسام الدين نائب خلاط الى أذربيجان
واحتماله زوجة السلطان جلال الدين إلى خلاط امتعض الوزير لذلك فسار
الى موقان من بلاد أران وجمع التركمان وفرّق العمال للجباية وطلب
الحمل من شروان شاه وهو خمسون ألف دينار فتوقف وأغار على بلاده فلم
يظفر بشيء ورجع إلى أذربيجان وكانت بنت الأتابك بهلوان في بقجان
فارقها مولانا ايدغمش وجاء الى الوزير فأطمعه فيها وصار الوزير
مضمرا الغدر بها وامتنعت عليه ونزل بالمرج فأكرمته وقربته ورحل الى
حورس من أعمالها وكانت للأشرف صاحب خلاط أيام أزبك فانتشرت أيدي
العسكر في تلك الضياع وقاتلها الوزير وجاء الحاجب صاحب خلاط في
عساكره فانهزم الوزير ترك أثقاله وذلك سنة أربع وعشرين وكان مع
الحاجب فخر الدين سام صاحب حلب وهشام الدين خضر صاحب تبريز برم
وكان الوزير [1] وتكاليفه فظهر الآن بمخلفه وخلص الوزير الى أران
وسار الحاجب على في اتباعه ثم عاد الى تبريز ومرّ بخوي فنهبها ثم
سار الى بقجان فملكها ثم الى تدمر كذلك وأقام الوزير بتبريز وكان
بها الاتابك ازبك متنسكا منعه أهل تبريز من الدخول وحملوا اليه
النفقة ثم جاء الخبر برجوع السلطان الى أصبهان بعد الهزيمة كما مرّ
فسار الوزير الى أذربيجان ولقي ثلاثة من الأمراء جاءوا مددا له من
عند السلطان وأمره بحصار خوى فسار اليها وبها نائب الحاجب حسام
الدين صاحب خلاط وهو بدر الدين بن صرهنك والحاجب حسام الدين على
منوشهر فنهض اليه الوزير من خوى فتأخر الى تركري والتقيا هنالك
فانهزم الحاجب ودخل تركري فاعتصم بها وحاصره الوزير وطلب الصلح فلم
يسعفه ورجع الأمراء الذين كانوا معه بعساكرهم الى أذربيجان وأفرج
الوزير عن حصار تركري ومرّ بخوي وقد فارقها ابن صرهنك الى قلعة
قوطور واستأمن للسلطان من بعد ذلك ودخل الوزير مدينة خوى وصادر
أهلها وسار الى ترمذ ونقجوان ففعل فيهما مثل ذلك وانقطعت ايالة
الحاجب صاحب خلاط والله أعلم.
__________
[1] كذا بياض بالأصل، ويظهر من الفصول التالية ان اسم هذا الوزير:
ابو المكارم على بن أبي القاسم، وانه كان منبسطا في العطاء حتى
استغرق اموال الديوان، لذلك يكون مقتضى سياق العبارة هنا: وكان
الوزير منبسطا في عطائه وتكاليفه.
(5/154)